هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري] المجلد 7

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى

١٤٢٨ه_ - ٢٠٠٧م

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 3

ص: 4

لفت نظر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لا يخفى على الأساتذة الكرام والإخوة الأفاضل أن كتاب « هدى الطالب » مجموعة محاضرات ألقاها سماحة السيد الوالد له حينما كان في مهد العلم مدينة النجف الأشرف و أثناء تواجده في مدينة الأهواز بعد هجرته إلى إيران.

و كانت طريقته كتابة ما يلقيه من المحاضرات فحصل من مجموع ذلك هذا الشرح الذي حاز إستقبالاً وافراً في الحوزات العلمية. وكان آخر ما كتبه بحث الأراضي، و حالت المنية دون أمنيته و هي إتمام الكتاب، فجزاه الله تعالى عن العلم و أهله خير الجزاء،و حشره مع أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

هذا و كان قد كتب تعليقاً آخر على المكاسب دونه أيام تدريسه إياه في ... السطح على غرار « قوله قوله تبه ... » و هو و إن تكفل شرح كثير من العبارات الغامضة، كما وتضمّن التعليق على بعض الأبحاث أيضاً، لكنه يختلف مع ما مضى من كتاب « هدى الطالب » من حيث التوضيح و التعليق فكان اللازم توحيد ما كتبه أولاً مع المطبوع من حيث المنهجية، و ذلك بإضافة بعض المطالب إليه.

و قد أمرني _ قبيل وفاته - بمتابعة المشروع إتماماً للفائدة، فقمت بإمتثال أمره مع الاعتراف بفقد الكفاءة العلمية - و اقتصرت غالباً على إكمال ما كان يختص بتوضيح الكتاب، معتمداً على ما دونه أعلام شُرّاح المكاسب و محشيه، كالسيد الفقيه الطباطبائي و الشيخ الفقيه المامقاني و المحقق الخراساني و المحقق التقي الشيرازي و المحقق النائيني و المحقق الإصفهاني و المحقق الإيرواني و السيد العلّامة الإشكوري و العلّامة الشهيدي و غيرهم من الأجلة و أخص بالذكر ما إستفدته من محاضرات شيخنا الاستاذ العالم

ص: 5

العامل، الفقيه المحقق سماحة آية الله الكبرى الشيخ الوحيد الخراساني متعنا الله بدوام ظلّه.

هذا مضافاً إلى إستخراج ما تيسر لي إستخراجه من الأقوال المنقولة في المكاسب،خصوصاً ما عبر عنه شيخنا الأعظم لي بمثل و ربما يستدل و قد تخيّل، كما توهم و لا ينتقض و دعوى، و تعميم الحجة، و الإيراد عليه، و قد يقال، و ربما قيد » و نحوه، و ذلك بالتنبع في الكتب التي عاصر المصنّف مؤلّفيها أو قارب عصرهم، كالمصابيح و شرح القواعد و مفتاح الكرامة و المقابس و كشف الظلام و المستند و العناوين و شرح خيارات اللمعة و الجواهر و غيرها و أوردت - غالباً _ نص العبارة تسهيلاً للأمر.

و لذلك كله أرجو من الأساتذة الكرام أن يُحمّلوني مسؤولية ما يجدونه من خلل أو قصور في الأداء و تبيين المراد، أو خطأ في التخريج.

و ختاماً أسأله تعالى القبول و التوفيق لإكماله و أن ينفع به إخواننا المحصلين، إنه خير موفق : و معين.

قم المقدسة _ شعبان المعظم ١٤٢٤

أقل الطلبة محمد علي الموسوي المروج

ص: 6

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة القول في شرائط العوضين]

[تتمة الثاني من شرائط العوضين أن يكون طلقا]

[تتمة مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه وقفا]
[الوقف الدائم]
[تتمة الصور التي يجوز فيها بيع الوقف]
[الصّورة الثّانية أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به]

الصّورة الثّانية (1): أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به، بحيث

______________________________

الصّورة الثانية: أن يخرب الوقف بحيث يقل نفعه

(1) تقدم في الصورة الاولى أنّ عنوان «خراب الوقف فعلا» جامع بينها و بين الصّورة الثّانية و الثّالثة، و أنّ الفارق بينها عدم استعداد العين للبقاء في الاولى، و استعدادها له في الأخيرتين «1» [1].

ففي الصّورة الأولى يكون الانتفاع بالموقوفة مساوقا لإتلافها، كما في أكل لحم الحيوان المذبوح، و لذا دار الأمر فيها بين إبقاء العين حتّى تتلف، و ينتهي أمد الوقف بتلفها، و هو تضييع محرّم، و بين تبديلها، لكون البدل بقاء لمالية نفس الموقوفة.

و في الصّورة الثّانية- الّتي هي محلّ البحث- لا يوجب عدم التبديل تلف العين بالمرّة و لا تعذّر الانتفاع بها كلّيّة، بل يبقى مقدار يسير من المنفعة، كالدّار الموقوفة الّتي انهدمت فخرجت عن قابليّة السّكنى فيها، و لكن أمكن إيجار العرصة- التي

______________________________

[1] كما أنّه قدّس سرّه فرّق بين الصّورة الثانية و الثالثة بقلّة المنفعة في الثانية بما يلحق بالمعدوم عرفا، لقوله: «لا تبلغ شيئا معتدّا به» و قوله: «يصدق عليه أنّه لا يجدي نفعا» و قوله: «و إلّا فمجرّد حبس العين و إمساكه و لو من دون المنفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصّورة الاولى». و قلّتها في الثالثة بما لا يلحق

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 611

ص: 7

..........

______________________________

هي جزء الموقوفة- بشي ء قليل، كما لو كان اجرة الدّار كلّ شهر عشرة دنانير، و اجرة العرصة- كذلك- در همين.

ففي هذه الصّورة يقع التّزاحم بين أمرين تعلّق غرض الواقف بكلّ منهما.

الأوّل: حفظ خصوصيّة العين، لكونها بخصوصيّتها محبوسة للموقوف عليه.

و لازمه رفع اليد عن الانتفاع الخاص كالسّكنى.

الثاني: حفظ خصوصية المنفعة المسبّلة حتى إذا توقف على تبديل العرصة بدار اخرى. و سيأتي في (ص 21) ترجيح هذا على الأمر الأول.

______________________________

بالمعدوم عرفا، كما هو صريح قوله فيها: «أن يخرب بحيث يقل منفعته، لكن لا إلى حد يلحق بالمعدوم» و لا بدّ أن يكون نظره إلى الصورة الثانية التي يلحق فيها ندرة المنفعة بالمعدوم، هذا.

و لكن يشكل الفرق المزبور بما أفيد: من أن المراد بقلّة المنفعة في الصّورة الثانية إن كان ما تقدم في كلامه من لحوقها بالمعدوم- كما في إجارة عرصة الدار بدرهمين شهرا- لم يصحّ الاستدراك عليه بقوله: «نعم لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن الحكم بالجواز» لاتّحاد الاستدراك مع ما قبله موضوعا، و هو ندرة المنفعة بحيث يكون بحكم العدم عرفا.

و إن كان مراده من القلّة ندرة المنفعة بالنّسبة إلى ما كان عليه العين قبل الخراب مع كونها شيئا معتدا به عرفا- كما إذا كان اجرة العرصة نصف اجرة الدار حال عمرانها- فالاستدراك المزبور و إن كان في محلّه، لتعدّد الموضوع، إلّا أنه يلزم اتّحاد الصّورة الثانية و الثالثة «1».

و الحاصل: أن عدّ الصورة الثانية مستقلّة منوط بترك الاستدراك المزبور، ليتعدد موضوع البحث فيها و في الثالثة.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 5، ص 203 و 204

ص: 8

يصدق عرفا (1) أنّه لا منفعة فيه (2)، كدار انهدمت، فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها (3) باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به.

فإن كان ثمنه (4) على تقدير البيع لا يعطى به إلّا ما كان منفعته (5) كمنفعة العرصة، فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز.

______________________________

لكن المصنف قدّس سرّه فصّل هنا بين فرضين، و اختار عدم جواز البيع في أحدهما، و استشكل في الآخر.

ثمّ تعرّض لأمرين آخرين:

أحدهما: حكم قلّة المنفعة لموجب غير الخراب، كالاستغناء عن الخانات الموقوفة على المسافرين- في هذه الأزمنة- لاعتياد السفر بالسيارات و الطائرات و نحوهما.

ثانيهما: حكم وقف العنوان، و سيأتي البحث فيهما.

(1) و إن لم يصدق «عدم النفع» حقيقة، من جهة وجود نفع يسير فيه، كما مرّ في إجارة عرصة الدار بدر همين مثلا.

(2) هذا الضمير و ضمير «أنّه» و المستتر في «يخرب، يسقط» راجعة إلى الوقف.

(3) أي: بالعرصة، و قوله: «باجرة» متعلق ب «تؤجر».

(4) أي: ثمن الوقف، و هذا هو الفرض الأوّل، و هو: أن تكون قيمة العرصة بحيث يتعذّر شراء شي ء بها يكون منفعته أزيد من اجرة العرصة، كما إذا كان قيمتها عشرة دنانير، و اجرتها شهرا در همين، و لو بيعت لم يتيسّر شراء شي ء- بالثمن- يكون نماؤه أزيد من در همين. و حكم هذا الفرض منع البيع، لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، و لم يحرز مسوّغ البيع بعد.

(5) أي: منفعة المعطى بالثمن، و المراد بالمعطى هو البدل المشترى بثمن الوقف.

و المقصود مساواة عائدة البدل و المبدل.

ص: 9

و إن كان (1) يعطى بثمنه (2) ما يكون منفعته (3) أكثر من منفعة العرصة، بل يساوي منفعة الدّار (4)، ففي جواز البيع و جهان:

من عدم دليل على الجواز (5) مع قيام المقتضي للمنع.

______________________________

(1) معطوف على «فإن كان» و هذا هو الفرض الثاني، و هو: أن يكون ثمن العرصة- على تقدير البيع- وافيا بشراء دكان مثلا يؤجر بدنانير، فتزيد منفعة البدل على منفعة العرصة فعلا، أعني بها الدر همين.

و في جواز البيع في هذا الفرض و عدمه و جهان، سيأتي بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: بثمن الوقف.

(3) أي: منفعة المعطى، و هو البدل، كما إذا كانت العرصة في سوق يتخذ فيه محلات للتجارة، أو كانت في شارع عام يبذل لها ثمن كثير، و نحوهما مما يعدّ أجرة نفس العرصة قليلا بالنسبة إلى منفعة البدل.

(4) أي: منفعة الدار قبل انهدامها، فإذا كانت اجرتها شهرا عشرة دنانير، كان منفعة ما يشترى بثمن العرصة عشرة دنانير أيضا. و الوجه في الإضراب واضح، لأنّ شبهة جواز البيع تتأكّد عند مساواة البدل لمنفعة نفس الدّار الموقوفة المنهدمة.

(5) هذا وجه منع البيع، و حاصله: وجود المقتضي و فقد المانع. أمّا وجود المقتضي فلتعلّق غرض الواقف بحبس العين الخاصّة كالدّار التي تكون العرصة جزأها، و المفروض إمضاء الشارع هذا الإنشاء، بمثل «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». و أمّا فقد المانع، فلأنّ مسوّغ البيع هو خراب الوقف بحيث لا يجدي نفعا، فيجوز بيع الوقف الساقط عن النفع بالمرّة كما تقدّم في الصورة الاولى. و لكن لا ريب في عدم صدق هذا المانع على المقام، لفرض عود منفعة قليلة من العرصة إلى الموقوف عليهم. و يشهد لمنع جواز البيع تصريح العلّامة قدّس سرّه بعدم جواز بيع عرصة الدّار المنهدمة، لبقائها على الوقف.

ص: 10

و هو (1) ظاهر المشهور، حيث قيّدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه بحيث لا يجدي نفعا (2).

و قد تقدّم (3) التصريح من العلّامة في التحرير بأنّه «لو انهدمت الدّار لم تخرج العرصة من الوقف، و لم يجز بيعها» «1».

اللهم إلّا (4) أن يحمل النفع المنفيّ في كلام المشهور على النفع المعتدّ به

______________________________

(1) أي: عدم جواز البيع في هذا الفرض ظاهر فتوى المشهور بجواز البيع إذا لم يجد نفعا أصلا، فمورد بقاء شي ء من النفع- كما في المقام- خارج عن جواز البيع.

(2) تكرّر قيد «عدم إجداء النفع» في كثير من العبائر التي نقلها المصنف قدّس سرّه في أوّل المسألة، ففي المقنعة «أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا» و في الانتصار: «متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا» و في المراسم: «حتّى لا ينتفع به على أيّ وجه كان» و في جامع المقاصد: «إذا خرب و اضمحلّ بحيث لا ينتفع به» و غيرها فراجع «2».

(3) غرضه قدّس سرّه من الاستشهاد بعبارة التحرير أنّ منع البيع عند عود شي ء من النفع يستفاد من مفهوم قولهم: «بجواز البيع بحيث لا يجدي نفعا». و من المعلوم أنّ دلالة المفهوم بالظهور لا بالصراحة، و لكن العلّامة صرّح بمنع بيع العرصة و ببقاء و قفيّتها.

(4) ظاهره الاستدراك على قوله: «من عدم دليل على الجواز» فيكون مقصوده بيان وجه جواز البيع، و كان الأنسب بسلاسة العبارة أن يقال: «و من أنّ النفع المنفي ...».

و كيف كان فتوضيح ما أفاده: أنّ مراد المشهور- الّذين قيّدوا جواز البيع بعدم

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 565

(2) المصدر، ص 558، 560، 563 و 568

ص: 11

بحسب (1) حال العين، فإنّ الحمام (2) الّذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صارت

______________________________

إجداء النفع- ليس عدم ترتب المنفعة على الوقف بالدقّة العقلية حتى يكون حصول النفع القليل مانعا عن البيع، بل المراد سلب النفع المعتدّ به المناسب للعين الموقوفة، فلو خربت بحيث كان ما يصل إلى الموقوف عليه يسيرا ملحقا بالمعدوم جاز بيعها عند المشهور أيضا، ضرورة عدم كون البيع منافيا لغرض الواقف من حبس العين و تسبيل الثمرة، لأنّ مقصوده من حبس العين تسبيل منفعة خاصّة كالسكنى في الدّار، فسقوطها عن تلك المرتبة يوجب خروج الوقف موضوعا عن قوله عليه السّلام:

«الوقوف على حسب ما يقفها أهلها». و من المعلوم أنّ أدلّة حلّ البيع و الوفاء بالعقود تقتضي صحة تبديلها بشي ء آخر.

و يشهد لكون المراد من النفع المنفي هو النفع المعتدّ به كلام العلّامة في وقف التحرير، من «جعل عرصة الدّار المنهدمة الساقطة عن المنفعة بالكلّية مواتا وجها في المسألة» وجه الشّهادة: أنّ العرصة لا تصير مسلوبة المنفعة بالدقة العقلية، بل قد يستفاد منها بإيجارها لبعض الأغراض كجعلها مزبلة أو محلّا لبيع أنقاض الأبنية و نحوهما. و لكن لما كانت هذه الاجرة بحكم المعدوم بالنسبة إلى اجرة الدّار العامرة اتّجه القول بخروجها عن الوقف، و صيرورتها مواتا يجوز للكل التصرّف فيها.

(1) يعني: أن لكل عين موقوفة منفعة تناسبها، فإن كانت معتدّا بها لم يجز بيعها، و إن كانت قليلة غير معتنى بها جاز بيعها. مثلا إن كانت الدار تؤجر سنة بألف دينار، فالمقدار المعتدّ به خمسمائة دينار، فلو انهدمت و استؤجرت العرصة بخمسة دنانير لم تكن هذه المنفعة القليلة مقصودة و لا مناسبة لمنفعة الدار، و لا يصدق على العرصة «أنّها ذات منفعة» بل يصدق- عرفا- كونها مسلوبة المنفعة.

(2) غرضه التمثيل للنفع غير اللائق بالموقوفة، كما إذا كانت اجرة الحمّام العامر مائة دينار أو تسعين، و استؤجر عرصتها بعشرة دراهم، ضرورة عدم صدق «وصول النفع إلى الموقوف عليه» على هذه الإجارة.

ص: 12

عرصة تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي- كجمع الزبائل (1) و نحوه- يصدق (2) عليه: أنّه لا يجدي نفعا (3). و كذا القرية (4) الموقوفة، فإنّ خرابها بغور أنهارها و هلاك أهلها، و لا تكون (5) بسلب [تسلب] منافع أراضيها رأسا. و يشهد لهذا (6) ما تقدّم عن التحرير: من جعل عرصة الدار المنهدمة

______________________________

(1) جمع «زبالة» بمعنى الفضولات و القاذورات. و لكن لم أظفر في اللّغة بهذا الجمع و لا بمفرده بلفظ «زبالة» التي هي اسم موضع. قال في اللّسان: «الزّبل- بالكسر- السرقين و ما أشبهه» «1» و لعلّ القاعدة تقتضي جمعه على «أزبال» كنظائره من «حبر، و شبل». و الغرض إيجار العرصة لجعلها مزبلة، أو لعرض البضائع فيها.

(2) خبر «فإنّ الحمّام» و ضمير «عليه» راجع إلى الحمّام.

(3) و قد تقدّم عن المشهور جواز البيع عند صدق «لا يجدي نفعا» على الوقف.

(4) هذا مثال آخر لصدق «عدم النفع» عرفا على المنفعة النادرة، فلا يكون خراب القرية الموقوفة بامتناع الانتفاع بها مطلقا حتى بإجارة أراضيها باجرة قليلة، بل يكون بغور نهرها و هلاك أهلها ممّا يوجب سلب معظم منافعها كالزرع. فيصدق عليها مع ما فيها من النفع الجزئي الملحق بالمعدوم «أنّها لا تجدي نفعا» فيجوز بيعها حينئذ.

(5) الأولى «يكون» لرجوع الضمير المستتر إلى خراب القرية، و بناء على ما في نسختنا من قوله «و لا تكون تسلب» فالضمير المستتر راجع إلى القرية، أي:

و لا تكون القرية الخربة مسلوبة المنفعة بالمرّة. و الأولى سوق العبارة هكذا:

«لا بسلب ...»، و يكون «لا» نافية عاطفة.

(6) أي: لحمل النفع المنفي في كلام المشهور على النفع المعتدّ به، المقصود من

______________________________

(1) لسان العرب، ج 11، ص 300

ص: 13

مواتا لا ينتفع بها بالكلّية (1)، مع أنّها كثيرا ما تستأجر للأغراض الجزئية.

فالظّاهر (2) دخول الصورة المذكورة (3) في إطلاق كلام كلّ من سوّغ البيع عند خرابه، بحيث لا يجدى نفعا. و يشمله (4) الإجماع المدّعى في الانتصار (5) و الغنية.

______________________________

العين الموقوفة.

(1) عبارة التحرير هي: «و لو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية- كدار انهدمت و عادت مواتا و لم يتمكّن من عمارتها- كان وجها» فموضوع الحكم بعود الأرض مواتا هو عدم الانتفاع بها كلّيّة، و إن بقي شي ء يسير من فوائدها.

(2) هذا نتيجة حمل النفع المنفي- في كلام المشهور- على المعتدّ به، و حاصله:

أنّ حكمهم بجواز بيع الوقف- إذا صار بحيث لا يجدي نفعا- مطلق، يشمل صورتين، إحداهما: سلب تمام المنفعة، و الاخرى: سلب جلّ المنفعة. و لم يقيد هذا الإطلاق بسقوط العين عن تمام المنفعة، حتّى لا يجوز البيع عند بقاء شي ء منها.

(3) و هي خروج العين عن النفع المعتدّ به.

(4) الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى الصورة المذكورة، يعني: أن دليل حكمهم بجواز البيع عند الخراب هو الإجماع، الشامل للصورتين المتقدمتين على حدّ سواء.

(5) قال السّيد قدّس سرّه في كلامه المتقدم: «و ممّا انفردت الإمامية به القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه» ثم قال المصنف قدّس سرّه: «ثمّ احتجّ باتفاق الإمامية».

و قال السيد أبو مكارم قدّس سرّه: «و يجوز عندنا بيع الوقف ...» و كلمة «عندنا» ظاهرة في إجماع الإمامية، فراجع «1».

______________________________

(1) الانتصار، ص 226؛ الغنية، ص 298، و تقدّم نقلهما في ج 6، ص 561 و 563

ص: 14

لكن (1) الخروج بذلك (2) عن (3) عموم أدلة وجوب العمل بمقتضى وقف الواقف، الذي هو حبس العين (4)، و عموم (5) قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» مشكل (6).

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه- بعد بيان وجه منع البيع و جوازه- ترجيح المنع، و حاصله:

وجود المقتضي لعدم جواز بيع الوقف المسلوب نفعه، و فقد المانع عنه. و تقدّم بيانهما في (ص 10).

(2) أي: بمجرّد صيرورة جلّ منفعة الوقف مسلوبة، و بقاء شي ء يسير منها.

(3) متعلق ب «الخروج» يعني: أن سلب المنفعة المعتدّ بها لا يجوّز البيع مع ظهور دليلين في المنع.

أحدهما: عموم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» الدال على إمضاء ما أنشأه الواقف من حبس العين أبدا، و منعها عن الحركة الاعتبارية، سواء بقيت العين على ما كانت عليه حال الوقف أم خربت بما يقلّ نفعها. و لا مخصّص للعموم المزبور حسب الفرض.

ثانيهما: عموم «لا يجوز شراء الوقف» الظاهر في منع المعاملة تعبّدا، سواء أ كان منع البيع مأخوذا في إنشاء الوقف أم غير مأخوذ فيه، و تقريب الظهور: أن كلمتي «الشراء و الوقف» من قبيل الجنس الواقع في حيّز النفي، و من شأنه إفادة العموم.

و لا فرق في عدم الجواز بين كون الوقف عامرا و خرابا، كما لا فرق بين قلّة عوائده و كثرتها، و لم ينهض دليل على تخصيص عموم الحرمة حتى يجوز الشراء حال قلّة المنفعة.

(4) يعني: حبسها أبدا، سواء صرّح الواقف بالتأبيد أم لم يصرّح به، فإنّ غرضه حال الإنشاء هو حبس العين دائما على الموقوف عليه.

(5) معطوف على «عموم» أي: الخروج عن عموم نفي جواز البيع.

(6) خبر قوله: «لكن الخروج» و منشأ الإشكال: عدم المخصّص.

ص: 15

و يؤيّد المنع (1) حكم أكثر (2) من تأخّر عن الشيخ بالمنع (3) عن بيع النخلة

______________________________

(1) بعد ترجيح منع البيع بالعمومين المزبورين، أيّده بفتوى جماعة من الفقهاء- المتأخّرين عن شيخ الطائفة- بمنع بيع النخلة المنقلعة، فإنّ المنفعة المقصودة المسبّلة حال الإنشاء هي ثمرتها، و هي منتفية بعد القلع، فإن أمكن الانتفاع بها لغرض آخر كالتسقيف، و جعلها جسرا على جدول و نحوهما ممّا يكون أجنبيّا عن جهة الوقف- و لا يكون منفعة معتدّا بها- لم يجز بيعها، و يتعيّن الانتفاع المزبور من تسقيف و شبهه. و هذا يؤيّد منع المصنف قدّس سرّه من البيع.

و التعبير بالتأييد لأجل كونه مختار أكثر من تأخّر عن شيخ الطائفة، و من المعلوم عدم كون حكم الأكثر- بل المشهور- من الحجج الشرعية، لكنه صالح للتأييد.

و إن تعذّر الانتفاع بالنخلة المنقلعة مطلقا كانت الفتوى المزبورة أجنبية عمّا نحن فيه من بقاء منفعة قليلة، لتعدّد موضوع المسألتين.

(2) كالحلّي و المحقق و العلّامة و فخر المحققين و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم كما في مفتاح الكرامة و المقابس «1»، قال المحقّق قدّس سرّه: «و لو انقلعت نخلة من الوقف، قيل: يجوز بيعها، لتعذر الانتفاع إلّا بالبيع. و قيل: لا يجوز، لإمكان الانتفاع بالإجارة للتسقيف و شبهه. و هو أشبه» «2».

(3) متعلق ب «حكم».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 92، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 220 و 221. و لاحظ السرائر، ج 3، ص 167؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 443 (الحجرية)؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 395؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 290 (ج 3، ص 317، الطبعة الحديثة)؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 393؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 279؛ جامع المقاصد، ج 9، ص 72؛ مسالك الأفهام، ج 5، ص 400؛ حاشية الإرشاد المطبوعة مع غاية المراد، ج 2، ص 451؛ كفاية الأحكام، ص 142

ص: 16

المنقلعة بناء (1) على جواز الانتفاع بها في وجوه اخر كالتسقيف، و جعلها جسرا، و نحو ذلك (2).

بل (3) ظاهر المختلف- حيث جعل النزاع بين الشيخ و الحلّي رحمه اللّه لفظيّا،

______________________________

(1) قيد لكون حكم الأكثر مؤيّدا للمنع عن البيع، و قد عرفت وجه البناء، إذ مع سقوط الوقف عن المنفعة بالمرّة يتعدّد موضوع مسألتنا- و هي بقاء المنفعة القليلة- مع موضوع حكمهم بمنع بيع النخلة المنقلعة.

(2) كأن تعمل زورقا.

(3) غرضه الترقي- من كون منع البيع فتوى الأكثر- إلى كونه مجمعا عليه، و هو إن كان إجماعا تعبديا كان حجة على منع البيع، و إن كان محتمل المدركية كان مؤيّدا أقوى من مؤيّدية حكم الأكثر.

أمّا توضيح النزاع بين شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما فهو: أنه ذهب في كتاب الخلاف إلى جواز بيع النخلة المنقلعة مستدلّا عليه «بأنّه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلّا على هذا الوجه» «1» أي على وجه البيع، فيتعيّن بيعها.

و ردّه الحلّي بقوله: «يمكن الانتفاع بهذه النخلة من غير بيعها، و هو أن تعمل جسرا أو زورقا، إلى غير ذلك من المنافع مع بقاء عينها. و قد بيّنا أنّ الوقف لا يجوز بيعه. فعلى هذا التحرير: لا يجوز بيعها و ينتفع بها من هي وقف عليه بغير البيع» «2».

و ادّعى في المختلف أنّ النزاع بينهما لفظي، لا معنوي، قال قدّس سرّه: «لأنّ الشيخ فرض سلب منافعها، على ما ذكره في دليله، و ابن إدريس فرض لها منافع غير الثمرة».

و حاصل توجيه العلّامة لكلام الشيخ قدّس سرّه هو: أنه لو خرب الوقف، فإن سقط

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 551، كتاب الوقف، المسألة: 23

(2) السرائر، ج 3، ص 167

ص: 17

حيث (1) نزّل تجويز الشيخ على صورة عدم إمكان الانتفاع به في منفعة اخرى (2)- الاتّفاق (3) على المنع إذا حصل فيه انتفاع و لو قليلا (4) كما يظهر (5) من التمثيل بجعله جسرا.

______________________________

عن الانتفاع بالكلّية جاز بيعه. و إن أمكن الانتفاع به في منفعة اخرى- غير ما عيّنه الواقف- كتقطيع النخلة للتسقيف أو لصنع زورق، لم يجز بيعها عند الكلّ.

و على هذا لم يجوّز شيخ الطائفة البيع في صورة إمكان الانتفاع بالوقف في غير ما أراده الواقف، بل هو كأكثر من تأخّر عنه من المانعين.

ثمّ رجّح العلّامة جواز البيع في مورد سلب منافع العين و شراء بدل له أو صرف الثمن فيما كان تصرف فيه منفعة نفس الوقف، أو غير ذلك، فراجع «1».

و سيأتي في الصورة الثالثة البحث عن كون النزاع معنويا أو لفظيّا.

فلاحظ (ص 53).

(1) هذا تقريب جعل المنازعة بين العلمين لفظيّا، و قد عرفته آنفا.

(2) يعني: غير المنفعة المقصودة التي سبّلها الواقف، كالثمر الذي هو ثمرة النخلة الموقوفة.

(3) خبر قوله: «ظاهر المختلف» و وجه الظهور ما عرفته من أن المخالف في المسألة هو الشيخ، و بعد حمل تجويز البيع على مورد سلب المنافع مطلقا لا يبقى مخالف لحكمهم بمنع البيع إن بقي شي ء من المنفعة.

(4) فلا يكون النفع اليسير ملحقا بالمعدوم حتى يسوّغ البيع، فلا تلحق هذه الصورة الثانية بالصورة الاولى.

(5) هذا مثال للانتفاع القليل بالنخلة الموقوفة، و منفعة الجسر و إن كان معتنى بها لكنها قليل بالقياس إلى ثمرة النخلة.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 316

ص: 18

نعم (1)،

______________________________

هذا كلّه في ترجيح منع البيع، و سيأتي المناقشة في كلا الدليلين، و هما عموم «الوقوف» و عموم «لا يجوز شراء الوقف» فانتظر.

(1) ظاهره الاستدراك عمّا تقدم في أوّل الصورة الثانية من قوله: «أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به» فيكون مقصوده بالاستدراك تجويز البيع عند ندرة المنفعة بحيث يلحق بالمعدوم.

لكن تقدّم في أوّل الصورة- كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدّس سرّه «1» أيضا- عدم تعدّد الموضوع قبل قوله: «نعم» و بعده، لأنّه قدّس سرّه صرّح «بأنّه يصدق عرفا أنّه لا منفعة فيه» فلعلّ الأولى تبديل «نعم» ب «و الأولى أن يقال: لو كان الانتفاع قليلا ... الخ» و هو أعلم بما أثبته في الكتاب، جزاه اللّه عن العلم و أهله خير الجزاء.

و كيف كان فتوضيح وجه جواز البيع هو عدم جريان دليل المنع مع فرض وجود المقتضي للصحّة. إذ المانع إمّا قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» و إمّا كون حقيقة الوقف حبس العين و تسبيل الثمرة، و حيث إن هذا الإنشاء ممضى شرعا بمثل قوله عليه السّلام: «الوقوف بحسب ما يقفها أهلها» فلا يصح البيع حتى مع ندرة المنفعة.

و المفروض عدم مانعيّة شي ء منهما.

أمّا الأوّل- و هو قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف»- فلأنّ شموله للوقف المسلوب المنفعة يكون بالإطلاق الأحوالي، فلا يصحّ بيع الوقف في كلتا حالتي العمران و الخراب. لكن تقدّم في الصورة الاولى منع الإطلاق «2»، لانصراف النهي إلى ما ينتفع به البطن الموجود فعلا، و ما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق، فلا نهي

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 176

(2) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 614 و 615

ص: 19

لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن (1) الحكم بالجواز،

______________________________

عمّا لا نفع فيه [1].

و أما الثّاني- أعني به كون حقيقة الوقف حبس العين و تسبيل الثمرة، و هو ممّا يجب الوفاء به- فلأن غرض الواقف و إن كان حبس العين الخاصة كالدار، و تسبيل الثمرة الخاصة كالسكنى فيها، إلّا أن غرضه من حبس العين الخاصة يكون تابعا لغرضه الأصلي و هو التسبيل الخاصّ، فبانتفاء المنفعة لا غرض للواقف في حبس العين أصلا. و لو فرض أن مقصوده حبس العين و إمساكها مطلقا حتى لو صارت مسلوبة المنفعة لزم القول بمنع بيعها في الصورة الاولى. مع أنّه تقدّم هناك كون التبديل رعاية لحقّ الواقف و الموقوف عليه، فكذا يجوز بيعها في الصورة الثانية التي سقطت العين عن المنفعة المعتدّ بها.

(1) جواب الشرط في «لو كان» و الوجه في الإمكان وجود المقتضي لصحة البيع و فقد المانع.

______________________________

[1] و افيد في وجه الانصراف أيضا: أن قوله عليه السّلام- بعد هذه الفقرة:

و لا تدخل الغلّة في ملكك- ظاهر فيما كانت له منفعة معتدّ بها، فلا يشمل محلّ البحث «1».

لكن يمكن أن يقال: إن الحديث الشريف مشتمل على جملتين مستقلتين، و ليست الثانية تتمة للأولى حتى تكون قرينة على اختصاص النهي عن البيع بما إذا كان عامرا ينتفع به بمقدار معتدّ به، و تقدم في أول المسألة نقل وجهين عن صاحب المقابس قدّس سرّه في تقريب الاستدلال، أحدهما بجملة «لا يجوز شراء الوقف» و الآخر بجملة «و لا تدخل الغلّة في ملكك» فراجع «2».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 176

(2) هدى الطالب، ج 6، ص 614 و 615

ص: 20

لانصراف (1) قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» إلى غير هذه (2) الحالة.

و كذا (3) «حبس العين و تسبيل المنفعة» إنّما يجب الوفاء به ما دام المنفعة المعتدّ بها موجودة (4). و إلّا (5) فمجرّد حبس العين و إمساكه (6)- و لو من دون منفعة- لو وجب الوفاء به لمنع (7) عن البيع في الصورة الاولى.

______________________________

(1) تعليل للإمكان، و غرضه نفي ما يتوهّم كونه مانعا، و هو إمّا إطلاق النهي في رواية ابن راشد، و المفروض انصرافه إلى حالة وجود المنفعة. و إمّا وجوب الوفاء بإنشاء الواقف و العمل على طبقه من حبس العين أبدا، و قد عرفت أيضا عدم مانعيته.

(2) أي: غير حالة كون المنفعة في غاية القلّة بحيث تلحق بالمعدوم.

(3) هذا نفي المانع الثاني، و قد تقدم بيانه، و الأولى سوق العبارة هكذا:

«و لأنّ حبس ...» فيكون معطوفا على «لانصراف».

(4) يعني: أن «حبس العين أبدا» مقدمة للتوصل إلى تسبيل المنفعة، فمع سلبها لم يكن حبس العين متعلق غرض الواقف حتى يجب الوفاء به بإبقاء الموقوفة على حالها.

(5) يعني: و إن وجب الوفاء بعقد الوقف مطلقا حتى مع سلب المنفعة المعتدّ بها، لزم منع البيع في الصورة الاولى أيضا حفظا لغرض الواقف و هو حبس العين الخاصّة، مع أنّه لا ريب في جواز البيع هناك، كما عرفت.

و الأولى بسلاسة العبارة حذف «و إلّا» أو جملة «فمجرد حبس العين ...

الوفاء به» بأن يقال: «و إلّا لمنع وجوب الوفاء عن البيع في الصورة الاولى» و الأمر سهل.

(6) الأولى تأنيث الضمير، لكون «العين» مؤنثا سماعيّا.

(7) أي: لمنع وجوب حبس العين عن البيع حتى في الصورة الاولى، لوحدة المناط، و هو تعلق غرض الواقف بحبس عين خاصة. و وجوب الوفاء بالعقد مانع

ص: 21

ثمّ إنّ الحكم المذكور (1) جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض (2) آخر غير الخراب، لجريان (3) ما ذكرنا فيه.

ثمّ إنّك (4) قد عرفت فيما سبق أنّه ذكر بعض: أنّ جواز بيع الوقف

______________________________

عن البيع في كلتا الصورتين، و حيث جاز التبديل هناك فكذا هنا.

هذا تمام الكلام في ما إذا كان منشأ ندرة المنفعة خراب الوقف، و سيأتي حكم ما لو كان منشأ قلة المنفعة غير الخراب.

(1) و هو جواز بيع الوقف المسلوب معظم منفعته لأجل الخراب، مع الإشكال الذي ذكره بقوله: «لكن الخروج بذلك ... مشكل». فيقال بجواز البيع لو قلّت المنفعة مع قابلية الموقوفة للانتفاع بها، كما إذا وقف بعيرا للسقي فاستغني عنه بعد وضع أنابيب الماء، أو وقف خانا لنزول الزوّار و المسافرين فيه، فتعطّل بعد قطع المسافات البعيدة بالطائرات و السيارات، و كذا لو وقف دارا على ذرّيته ليسكنوها بأنفسهم، و لم يمكنهم ذلك لوقوعها في محلّة لا يقيم فيها- فعلا- ذووا المروّات، و نحو ذلك ممّا تكون العين فيه عامرة، و لكن لا ينتفع بها في الجهة المقصودة للواقف.

فما تقدّم من وجه جواز البيع و منعه يجري هنا أيضا، و بعد ترجيح جانب الجواز هناك- من جهة أن حبس العين مقدمة لتسبيل الثمرة المعينة، و بانتفائها ينتفي حقيقة التسبيل المأخوذ في الوقف، و لا يبقى مجال لحفظ خصوصية العين المسلوبة منفعتها- نقول بجواز البيع هنا، لوحدة المناط.

(2) المراد به ما يكون كاللازم غير المفارق بحسب العادة، كالأمثلة المتقدمة.

(3) تعليل لقوله: «جار» و ضمير «فيه» راجع إلى الموصول في قوله:

«فيما» و هو مورد قلة المنفعة لعارض غير الخراب.

(4) ما أفاده المصنف قدّس سرّه هنا إلى آخر الصورة الثانية تعريض بكلام صاحب الجواهر قدّس سرّه من التزامه بفساد الوقف في موردين:

أحدهما: خراب الوقف على وجه تنحصر منفعته المعتدّ بها في إتلافه، كالحصير

ص: 22

لا يكون إلّا مع بطلان الوقف، و عرفت وجه النظر فيه (1). ثمّ وجّه (2) بطلان الوقف

______________________________

و الجذع و نحوهما مما يكون الانتفاع به بإتلاف العين كالإحراق.

ثانيهما: انعدام عنوان الوقف، كما إذا وقف بستانا ملاحظا في إنشائه عنوان «البستان» فخرب، و سقط عن كونه بستانا.

و قد ذهب صاحب الجواهر قدّس سرّه إلى بطلان الوقف في هذين الموردين بعد حكمه بأنّ تجويز بيع الوقف كاشف عن بطلانه، لامتناع اجتماع المتنافيين، كما تقدّم توضيحه في أوائل المسألة، فراجع «1».

و توضيح ما أفاده في المورد الأوّل هو: أنّ الوقف مؤلّف من أمرين أحدهما حبس العين، و الآخر تسبيل المنفعة، و من المعلوم تفرع التسبيل على وجود الثمرة خارجا، و لا فرق في إناطة صحة الوقف بوجود كلّ من العين و منفعتها بين الابتداء و الاستدامة، فكما يعتبر وجودهما حدوثا كذلك يعتبر بقاء، فلو خربت الموقوفة و لم ينتفع بها بطل وقفيّتها، ضرورة انتفاء المركّب بانتفاء أحد أجزائه كانتفائه بانعدام تمام الأجزاء.

و الحاصل: أن الشرط الدخيل في صحة الوقف- و هو كون العين ذات ثمرة مسبّلة- يقتضي انتهاء أمد الوقف بانتفاء الثمرة.

(1) أي: في ما ذكره البعض من بطلان الوقف بجواز بيعه، و تقدم إيراد المصنف عليه بقوله: «و فيه: أنّه إن اريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره ... فهذا لا محصّل له.

و إن اريد به انتفاء أصل الوقف- كما هو ظاهر كلامه- ففيه: مع كونه خلاف الإجماع ... أنّ المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه» فراجع «2».

(2) أي: جعل صاحب الجواهر قدّس سرّه الوجه في بطلان الوقف- في الصورة الاولى

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 533 إلى 535

(2) المصدر، ص 537 إلى 539

ص: 23

في الصورة الاولى بفوات شرط (1) الوقف المراعى في الابتداء و الاستدامة، و هو (2) كون العين ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها.

و فيه (3): ما عرفت سابقا من أنّ بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا

______________________________

المتقدمة- فوات شرط الوقف. قال قدّس سرّه: «و الظاهر تحقق البطلان فيما لو خرب الوقف على وجه تنحصر منفعته المعتدّ بها منه في إتلافه، كالحصير و الجذع و نحوهما ... و وجه البطلان حينئذ فقدان شرط الصحة في الابتداء المراعى في الاستدامة بحسب الظاهر، و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقائها» «1».

(1) المراد بالشرط في عبارة الجواهر المتقدمة مقوّم الوقف، و لذا عبّر عنه بشرط الصحة، و هذا الشرط ملحوظ في الوقف حدوثا و بقاء. فلو فرض بقاء العين على الوقفية- مع فرض انتفاء الثمرة- لم يكن حبسها مقدمة لتسبيلها كما هو واضح.

(2) أي: أن الشرط المراعى ابتداء و استدامة هو كون العين مما ينتفع بها مع بقائها.

(3) ناقش المصنّف قدّس سرّه في ما تقدم من الجواهر بوجوه أربعة:

الأوّل: أنّه لا وجه لبطلان الوقف المؤبّد بمجرّد انتفاء المنفعة. توضيحه: أن الكلام تارة في انتهاء الوقف المنقطع، و هو الموقّت بأمد محدود كجعل داره وقفا على قوم مخصوصين، فينتهي الوقف بانقراضهم، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى في (ص 197).

و اخرى في انتهاء أمد الوقف المؤبّد بانتفاء الثمرة المسبّلة، و عدمه، و هو محلّ البحث.

فذهب صاحب الجواهر إلى أنّه كان وقفا صحيحا، و قد انتهى أمده بزوال المنفعة، و أورد عليه المصنّف بأنّه «لا وجه له» و ظاهره امتناعه ثبوتا، لاستلزام

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 358

ص: 24

..........

______________________________

البطلان انقلاب الشي ء عمّا هو عليه، إذ مع وقوع الوقف المؤبّد صحيحا يمتنع انقلابه و صيرورته باطلا بنفاد المنفعة.

الثاني: أنّ القصور في جهة الإثبات، بمعنى أنّه لو سلّمنا إمكان انقلاب الوقف المؤبّد إلى المنقطع كان البطلان منوطا بوفاء الدليل به، لئلّا يكون من القول بغير العلم، لعدم نهوض دليل بالخصوص على الخروج عن مقتضى قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها». و عليه فلا حجة على بطلان الوقف بفوات المنفعة.

الثالث: أن الشرط المزبور- و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها- و إن كان دخيلا في الوقف، لوضوح كون الغاية من حبس العين تسبيل ثمرتها، إلّا أنّه يكفي في انعقاد الوقف صحيحا وجود المنفعة حال حدوث الوقفية و إنشائها، و أمّا اعتبار استمرارها فلم يقم عليه دليل.

و الشاهد على كفاية وجود هذا الشرط ابتداء هو ملاحظة شروط سائر العقود الناقلة، كمالية العوضين في باب البيع، فهي معتبرة حين الإنشاء، لكون البيع مبادلة مال بمال. و لا يقدح في صحته و ترتب النقل عليه سقوط المبيع عن المالية بيد المشتري، كما إذا اشترى خلّا فتخمّر، أو سقوط الثمن عن المالية بيد البائع إذا كان من الأنواط التي تنسخها الحكومات، فإنّ السقوط عن المالية لا يوجب الخروج عن الملك.

الرّابع: أنّ جواز بيع الوقف في مورد طروء المسوّغ له لا يوجب انتهاء أمد الوقف، و بطلانه، بل يتبدّل لزوم الوقف بالجواز و التزلزل، فإن بيع بطل، و إن لم يبع بقي وقفا، لما تقدّم في أوائل المسألة من أن مفاد دليل جواز بيع الوقف هو جواز إبطاله، و من المعلوم أن جواز الإبطال ليس مبطلا، بل المبطل هو إنشاء بيع الوقف.

و عليه فتجويز البيع شرعا تخصيص في دليل لزوم الوقف، و صيرورته جائزا بعد عروض المسوّغ.

ص: 25

لا وجه له (1) في الوقف المؤبّد (2). مع أنّه (3) لا دليل عليه. مضافا إلى أنّه (4) لا دليل على اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة، فإنّ (5) الشروط في العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل، فإنّه (6) قد يخرج المبيع عن الماليّة، و لا يخرج بذلك (7)

______________________________

هذا توضيح المناقشة- بوجوه أربعة- في المورد الأوّل مما تقدم في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(1) إمّا لاستحالة انقلاب الشي ء عمّا هو عليه. فمع فرض تحقق شرط الصحة- و هو تسبيل الثمرة ابتداء، و وقوع الوقف الصحيح- يمتنع بطلانه. نعم لا مانع من جواز إبطاله بالعقد الناقل.

و إمّا للزوم محذور الخلف لو قيل بصيرورة الوقف الدائم منقطعا ينتهي أمده بنفسه بطروء الخراب. و لذا لم يقل أحد ممّن أجاز بيع الوقف ببطلانه كما تقدّم آنفا.

(2) كما هو محلّ الكلام، و يظهر منه عدم البأس في بطلان الوقف المنقطع- بمعنى انتهاء أمده- بسلب المنفعة.

(3) الضّمير للشأن، و هذا هو الوجه الثاني، و محصّله- كما عرفت- عدم قيام دليل على بطلان الوقف في محلّ البحث، فلا مخصّص لعموم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» المقتضي لبقاء العين على صفة الوقفية بعد انتفاء الثمرة.

(4) الضمير للشأن، و هذا هو الوجه الثالث، و تقدّم تقريبه آنفا.

(5) تعليل لقوله: «لا دليل» يعني: أن أدلة شروط العقود ظاهرة في كفاية وجود الشرط حدوثا، و لا دليل على اعتبار وجودها بقاء، سواء أ كانت معتبرة في المتعاقدين أم في العوضين.

(6) الضمير للشأن، و هذا بيان لكفاية وجود الشرط ابتداء.

(7) أي: بالسقوط عن المالية. و حيث إن النسبة بين المال و الملك عموم من وجه، فلا بأس بانتفاء أحدهما و بقاء الآخر. و المراد بالملك ظاهرا ما هو أعم من النسبة الخاصة بين المالك و المملوك، و من حقّ الاختصاص الثابت في مثل الخمر

ص: 26

عن ملك المشتري (1). مع أنّ (2) جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان، بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلى الجواز، كما تقدّم (3) [1].

______________________________

المنقلب عن الخلّ.

(1) بأن يدخل في ملك البائع مرّة اخرى من جهة فساد البيع، الناشئ من فقد شرط المالية بقاء.

(2) هذا هو الوجه الرابع المتقدم آنفا.

(3) يعني في قوله: «إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع، فالوقف يبطل بنفس البيع، لا بجوازه ...» فلاحظ «1».

______________________________

[1] ينبغي بيان أمرين:

أحدهما: وجه مناسبة التعرض لكلام صاحب الجواهر قدّس سرّه في هذه الصورة الثانية.

ثانيهما: في تمامية ما أورده المصنف عليه في المقطع الأوّل و هو انتفاء المنفعة.

أمّا الأمر الأوّل، فلعلّ المناسب نقل كلام الجواهر بتمامه في مسألة بطلان الوقف بطروء المسوّغ، و عدمه، إذ ليس في الموردين المذكورين هنا إلّا تطبيق تلك الكبرى. و كذا البحث في ما يترتب على البطلان من انتقال الوقف إلى الواقف أو الموقوف عليه. و لو تعيّن اقتطاع هذين الموردين كان المناسب جدا التعرض للمورد الأوّل منهما في الصورة الاولى، كما هو مقتضى صريح المصنف قدّس سرّه «ثمّ وجّه بطلان الوقف في الصورة الاولى».

نعم البحث عن زوال العنوان يناسب الصورة الثانية كما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «2».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 529 إلى 531

(2) حاشية المكاسب للمحقق الاصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 268

ص: 27

______________________________

و أمّا الأمر الثاني، فقد اورد على مناقشة المصنف قدّس سرّه بأجنبيتها عمّا في الجواهر، و ذلك لأن حقيقة الوقف حبس العين و تسبيل الثمرة، و حيث إن مفهوم التسبيل متقوم ذاتا بالثمرة فلا يعقل بقاء الحبس و انتفاء الثمرة الموجب لانتفاء التسبيل، بلا فرق بين الابتداء و الاستدامة. فلا يعقل وقف مجرّد عن المنفعة. و لو فرض بقاء العين- بلا ثمرة- على الحبس كان وقفها بقاء بمعنى آخر أي حبسها من دون منفعة، و هذا مغاير لمعنى الوقف حال الإنشاء من حبس العين و تسبيل الثمرة.

و الحاصل: أن المركب ينتفى بانتفاء أحد أجزائه. هذا بناء على تركب ماهية الوقف.

و بناء على كون حقيقته حبسا للعين لتسبيل الثمرة، فانتفاء الحبس بانتفاء غايته أوضح، لفرض كون التحبيس مقدمة للتوصل إلى تسبيل المنفعة، و أنّ ما لا منفعة فيه لا تحبيس للعين لأجل تلك المنفعة المعدومة. قال المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: «إذ الحبس لأجل التوصل إلى غاية لا يعقل بقاؤه بعد عدم إمكان التوصل إلى الغاية» «1».

و بالجملة: لما كان تسبيل المنفعة دخيلا في حقيقة الوقف و مقوّما لماهيته تعيّن بطلانه و انتهاؤه بانتفاء مقوّمه.

و حينئذ فاعتبار اشتمال العين على الثمرة ليس شرطا تعبديا خارجا عن حقيقة الوقف، ليتجه التفصيل بين الابتداء و الاستدامة بكفاية وجوده حدوثا و عدم اعتباره بقاء يقال تارة بأنه لا وجه له، و اخرى بأنّه لا دليل على اعتباره في الاستدامة، و ثالثة بالاستشهاد بشرط المالية في البيع مما لا ريب في اعتباره حال العقد لا إلى الأبد.

إذ في الأوّل: ما تقدم من كون تسبيل الثمرة مقوّما للوقف حدوثا و بقاء، و لا ريب في انتفاء الشى ء بانتفاء مقوّمه. فعدم البطلان مما لا وجه له.

و في الثاني: أنّ الشرط المزبور ليس أمرا تعبديا خارجا عن حقيقة الوقف

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 268، و كذا حاشية المحقق التقي الشيرازي، القلم الثاني، ص 24 و 25

ص: 28

______________________________

حتى يطلب الدليل عليه، بل هو المنشأ بإنشاء الواقف. فكما لا يعقل وقف ما لا نفع فيه حدوثا، فكذا لا يعقل ذلك بقاء.

مضافا إلى عدم كون هذا الوجه مغايرا للأوّل، إذ لو كان ممتنعا لم يعقل قيام الدليل عليه، و إن قام الدليل على البطلان كان هو الوجه.

و في الثالث: أنه ليس أمرا مغايرا لقوله في الوجه الثاني: «لا دليل عليه» و الدليل عليه تقوم حقيقة الوقف بتسبيل الثمرة، فتنتهي بانتفائها.

و أمّا تنظير المقام بشرائط العقود كمالية العوضين، فيشكل بأنّ الوقف ليس من هذا القبيل، إذ حقيقة الوقف هي تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة. و من المعلوم أنّ هذا العنوان لا يتحقق إلّا ببقاء العين مع الانتفاع بها، فمع عدم إمكان الانتفاع بها مع بقائها لا يصح وقفها. و هذا بخلاف شروط العقود الناقلة كمالية العوضين، فإذا زالت مالية أحدهما بعد تمامية العقد و القبض لا يبطل العقد، بل يبقى على ملكية من انتقل إليه و إن خرج عن المالية.

و عليه فالأولى تنظير الوقف بالإجارة المتوقفة على وجود المنفعة في المدة ليستوفيها المستأجر، و لا يكفي كون العين ذات منفعة حال العقد، و لذا يبطل بسقوطها عن قابلية الانتفاع بها بعده.

و الحاصل: أن دعوى كفاية وجود شرائط العقود في الابتداء دون الاستدامة تتّجه في ما يكون خارجا عن ماهية العقد، لا فيما يتقوّم به.

و لا يخفى أن المحقق الإيرواني قدّس سرّه- بعد إبطال وجوه المناقشة الثلاثة و إرجاعها إلى وجه واحد- احتمل تارة و استظهر اخرى أن شيخنا الأعظم قدّس سرّه استفاد من تعبير الجواهر ب «شرط الصحة» أنّ تسبيل الثمرة أمر زائد على حقيقة الوقف، و لذا أورد عليه بأنّه لا وجه له و لا دليل عليه. مع أنّ مقصود صاحب الجواهر من شرط صحة الوقف هو الفصل المقوّم للماهية، و معه لا يبقى موضوع للإيراد عليه «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 177.

ص: 29

ثمّ ذكر: (1) أنّه قد يقال بالبطلان

______________________________

(1) يعني: ذكر ذلك البعض، و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، و هذا بيان المورد الثاني الذي التزم قدّس سرّه فيه بصحة وقف العنوان، و بطلانه- أي انتهاء أمده- بمجرّد زواله و إن لم يكن من الوقف المنقطع المصطلح.

و الفرق بينه و بين سابقه هو: أن الزائل- في السابق- الفصل المقوّم للوقف بما هو وقف أعني تسبيل المنفعة المأخوذ في ماهية الوقف مهما كانت الموقوفة. و الزائل في هذا المورد هو موضوع الوقف، من جهة انعدام الوصف و العنوان المجعول وقفا.

و كيف كان فينبغي الإشارة إلى ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه في باب الوقف من أنحاء أخذ عنوان في الإنشاء، ثمّ توضيح العبارة المنقولة منه في المتن، فنقول: إنّه إذا وقف دارا أو بستانا على أولاده:

فتارة: يكون المقصود موضوعية العنوان المأخوذ في صيغة الوقف بنحو تمام الموضوع، كقوله: «هذه الدار وقف عليهم ما دامت دارا» فينتهي وقفها بانهدامها و تغيير الصورة الدارية سواء أمكن الانتفاع بها أم امتنع. و هذا وقف منقطع الآخر، لأنّ المجعول للموقوف عليهم هو الملكية المحدودة ببقاء العنوان. و فرقه مع الوقف المنقطع- المقابل للمؤبّد- هو أن الانقطاع هنا بانقضاء الموقوف، و في المنقطع المتعارف بانقضاء الموقوف عليهم.

______________________________

لكن ظهر بما ذكرناه في التوضيح إمكان مغايرة مناط الإشكال الأوّل للآخرين، بجعله ناظرا إلى مقام الثبوت، و جعلهما ناظرين إلى مقام الإثبات.

و في الرابع: أنّه لم يتعرض صاحب الجواهر هنا لبطلان الوقف بطروء المسوّغ حتى يقال: إنّ تجويز البيع ينافي لزوم الوقف لا حقيقته، فإنّ كلامه متمحض في انتهاء الوقف بسلب المنفعة. و لو فرض إرادة جواز البيع من البطلان كان إشكال المصنف عليه مبنائيّا، و قد سبق البحث فيه.

ص: 30

..........

______________________________

و اخرى: يكون المقصود موضوعية العنوان لا بنحو التحديد ببقاء الدار عامرة، بل للانتفاع بها دارا، كما إذا قال: «وقفتها دارا» بمعنى أنّه ينتفع بها دارا، فيستمرّ وقفها بعد انهدامها ما دامت صالحة للانتفاع بها. فإذا خرجت عن قابلية الانتفاع- على وجه لا يرجى عودها- أمكن القول ببطلان وقفها.

و ثالثة: يكون المقصود من وقف الدار تسبيل منفعتها، سواء أ كانت دارا- كما هي حال الوقف- أم غيرها، بأن تجعل خانا أو حمّاما، أو نحوهما، فيكون أخذ عنوان «الدار» في الإنشاء مشيرا إلى وقفية الذات- و هي العرصة المعنونة بعنوان الدار- و لذا يجوز تغيير هيئتها اختيارا.

و رابعة: يكون غرض الواقف- كما في الصورة الثالثة- تسبيل منفعة الدار، لكن علم إرادة الدوام منه، بأن يتعدد مطلوب الواقف، فما دام الانتفاع بها دارا ممكنا تعيّن ذلك، و لا يجوز تغييرها، و لو انهدمت جاز الانتفاع بها مطلقا إما بإحداث دار مثلها أو حمّام أو غيرهما.

هذا ما أفاده في كتاب الوقف «1».

و أمّا كلامه هنا فمحصّله: أنّ غرض الواقف من قوله: «وقفت البستان على أولادي» إن كان هو النحو الأوّل أي كان حبس البستان على الموقوف عليهم حبسا محدودا و موقّتا ببقاء عنوان «البستان»- لكونه ملحوظا جهة تقييدية تدور الوقفية مداره- كان لازمه البطلان بالانهدام، و خروج العرصة عن الوقفية، و لا عبرة بإمكان الانتفاع بها بنحو آخر. و يتجه البحث حينئذ عن رجوعها إلى الواقف أو صيرورتها ملكا طلقا للموقوف عليهم.

فإن قلت: لا وجه لخروج العرصة عن الوقفية بعد زوال عنوان «البستان»

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 109

ص: 31

أيضا (1) بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا- مثلا- ملاحظا (2) في عنوان وقفه (3) البستانية، فخربت (4) [1] حتى خرجت عن قابلية ذلك (5)،

______________________________

لكونها جزءا من الموقوفة، إذ «البستان» مركّب من العرصة و الأشجار، و من المعلوم أن سقوط الأشجار عن الوقفية- لتبدلها بأخشاب- لا يوجب انتفاء وقفية العين.

قلت: إنّ العرصة و إن كانت جزءا من الموقوفة، إلّا أنّ الواقف لم يجعلها وقفا لا بشرط الأشجار، بل بشرطها، فزوال عنوان «البستان» و انتهاء وقفيته يوجب سقوط وقفية العرصة من جهة فقد الشرط.

و إن كان غرض الواقف حبس العرصة على الموقوف عليهم على النحو الثالث أو الرابع، لم يقدح ذهاب عنوان «البستان» في استمرار وقف العرصة، هذا.

(1) يعني: كبطلان الوقف في صورة الخراب.

(2) حال من ضمير الفاعل المستتر في «وقف».

(3) أي: وقف البستان.

(4) كذا في الجواهر أيضا، و الأولى «فخرب، خرج» لرجوع الضمير المستتر إلى البستان.

(5) أي: عن قابلية كونه بستانا.

______________________________

[1] الأولى تبديل قوله: «فخربت» بأن يقول: «فتبدّلت» إذ الكلام في ذهاب العنوان الذي اخذ موضوعا في إنشاء الوقف، لا مشيرا. فالمدار على ذهاب العنوان سواء أ كان ذلك بالخراب أم بغيره، كما إذا وقف بنت مخاض فصارت بنت لبون، و هكذا، فإنّ العنوان قد تبدل بدون الخراب.

نعم لا بأس بذكر الخراب من باب المثال، لكونه في سياق سابقه من كون انعدام المنفعة المعتد بها لأجل الخراب. و الأمر سهل.

ص: 32

فإنّه (1) و إن لم تبطل منفعتها أصلا، لإمكان الانتفاع بها دارا مثلا، لكن ليس (2) من عنوان الوقف. و احتمال (3) بقاء العرصة (4) على الوقف، باعتبار أنّها جزء من الوقف، و هي باقية (5). و خراب (6)

______________________________

(1) مقصوده بقاء مقدار معتدّ به من المنفعة بعد انعدام الصورة البستانية، كتشييد دور على الأرض، فينبغي الحكم ببقاء وقفها حينئذ، لكن لمّا كان المجعول وقفا هو عنوان «البستان» كان مقتضاه بطلان وقف العرصة أيضا كما تقدّم آنفا.

(2) أي: ليس الانتفاع بالعرصة- ببناء دار فيها- مقصودا من وقف عنوان «البستان».

(3) مبتدء، خبره «يدفعه» و غرض صاحب الجواهر قدّس سرّه من بيان الاحتمال دفع إمكان القول ببقاء العرصة على الوقفية بعد خراب البستان. و تقدم بقولنا:

«فإن قلت ...».

(4) بفتح العين و سكون الراء المهملة ك «سجدة» و هي «كل موضع واسع لا بناء فيه» «1».

(5) فينبغي بقاء وقفيتها، و عدم زوالها بانعدام وصفها، أي: كونها بستانا.

(6) مبتدء، خبره «لا يقتضي» و هذا تتمة الاحتمال المزبور، يعني: أنّ خراب البستان يقتضي بطلان الوقف في خصوص البستان، و لا يقتضي بطلان الوقف في العرصة.

ثمّ إن ما في المتن من جملة «و خراب غيرها ... بطلانه فيها» موافق لما في الطبعة الحجرية من الجواهر «2»، و هو الصحيح. و الموجود في الطبعة الأخيرة «و خراب غيرها و إن اقتضى بطلانه فيها» خطأ قطعا، و لم يشر إلى ما سقط من العبارة في جدول التصويب.

______________________________

(1) لسان العرب، ج 7، ص 53

(2) جواهر الكلام، مجلّد المتاجر، ص 77

ص: 33

غيرها (1) و إن اقتضى بطلانه فيه لا يقتضي (2) بطلانه فيها، يدفعه (3): أنّ (4) العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث كونه (5) بستانا (6)، لا مطلقا (7). فهي (8) حينئذ جزء عنوان الوقف الذي فرض خرابه. و لو فرض (9) إرادة وقفها لتكون (10)

______________________________

(1) أي: غير العرصة، و المراد بالغير هو عنوان البستان.

(2) يعني: أنّ انتهاء أمد وقف البستان لا يستلزم انتهاء أمد وقف العرصة.

(3) أي: يدفع الاحتمال، و تقدم توضيح الدفع بقولنا: «قلت ...».

(4) الجملة مرفوعة محلّا، لكونها فاعلا ل «يدفعه».

(5) أي: كون الموقوف.

(6) يعني: أن هذه الحيثية تقييدية، فبذهاب عنوان البستان تزول الوقفية عن العرصة أيضا.

(7) هذا قرينة على كون وقفية العرصة بنحو وحدة المطلوب، إذ ملحوظ الواقف موضوعية العنوان بنحو وحدة المطلوب، لا بنحو تعدد المطلوب حتى يبقى حكم أحدهما بعد زوال حكم الآخر.

(8) يعني: فالعرصة حين كون الموقوف عنوان البستان- لا بذاتها- تكون جزءا للعنوان الذي زال وقفيته بزوال البستان.

(9) هذا تقريب بقاء وقفية العرصة كما تقدم في الفرض الرابع.

(10) أي: سواء أ كانت الموقوفة بستانا كما هو كذلك فعلا، أم دارا، كما لو خرب البستان و بني دار فيها.

و عليه فالمراد بقوله: «لتكون»- بقرينة ما سيأتي من قوله: «و إن قارنت وقفه»- أنّ البستان موجود بالفعل، و مجعول الواقف وقف كل من الذات و العنوان بنحو تعدد المطلوب.

و ليس المراد وقف خصوص الأرض بدون الأشجار الموجودة بالفعل، و إنّما يجب على الموقوف عليه جعلها بستانا في المستقبل من جهة اشتراطه عليه. و ذلك

ص: 34

بستانا أو غيره لم يكن (1) إشكال في بقائها، لعدم (2) ذهاب عنوان الوقف.

و ربما يؤيّد ذلك (3)

______________________________

لأن لازم وقف هذه الأرض وجوب قلع الأشجار الفعلية- الباقية على ملك الواقف- مقدمة لغرس أشجار فيها.

(1) جواب الشرط، و ضمير «بقائها» راجع إلى «وقفها» و تأنيث الضمير باعتبار إضافة «وقف» إلى ضمير المؤنث الراجع إلى العرصة.

(2) يعني: لم يكن ملحوظ الواقف عنوان «البستان» كي ينتهي وقف العرصة، بل كان الملحوظ وقف الذات و العنوان بنحو تعدد المطلوب.

(3) المشار إليه هو بطلان وقفية العرصة فيما كان الموقوف عنوان البستان، و غرض صاحب الجواهر قدّس سرّه تأييد انتهاء مدة وقف العرصة- بذهاب العنوان- بما ذكروه في باب الوصية من أنه لو أوصى بدار لزيد، فانهدمت، ثمّ مات الموصي، بطلت الوصية، لكون الموصى به عنوان «الدار» الذي هو اسم مجموع العرصة و البناء، و المفروض فوات المركّب بفوات أحد أجزائه، و لا تنتقل أرضها إلى الموصى له، بدعوى: تعلق الوصية بكل جزء جزء من الدار، سواء أ كانت عامرة أم منهدمة.

قال المحقق قدّس سرّه: «لو أوصى له بدار فانهدمت و صارت براحا، ثم مات الموصي، بطلت الوصية، لأنّها خرجت عن اسم الدار. و فيه تردّد» «1».

و بيّن صاحب الجواهر وجه التردد و ردّه، فراجع «2».

و بالجملة: فالتزامهم ببطلان الوصية بانهدام الدار- من جهة زوال عنوان الموصى به و هو الدار- صالح لتأييد ما تقدم من سقوط العرصة عن الوقفية بزوال عنوان البستان.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 260

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 463

ص: 35

في الجملة (1) ما ذكروه في باب الوصية من أنّه لو أوصى بدار، فانهدمت (2) قبل موت الموصي، بطلت الوصية، لانتفاء موضوعها [1].

______________________________

و الوجه في التأييد- دون الشهادة- وجود الفرق بين الوصية بالعنوان و بين وقف العنوان- بعد اشتراكهما في تقييدية الجهة و العنوان- و هو: أنّ تقييدية العنوان ملحوظة في الوصية حدوثا فقط، بمعنى أن يكون المنقول بسبب الوصية إلى المنقول إليه عنوان «الدار».

و أمّا بعد الانتقال إليه و صيرورتها مالكا للموصى له فهو بالخيار بين إبقائها على العنوان الداري و بين إعدامها. و هذا بخلاف الوقف، فإنّ العنوان إذا لوحظ فيه على جهة القيدية فهو ملحوظ كذلك حدوثا و بقاء.

(1) الظاهر كون هذه الكلمة قيدا للمؤيّد و هو فرع الوصية، و مراد صاحب الجواهر قدّس سرّه الإشارة إلى مورد حكمهم بالبطلان، و هو ما إذا كان الانهدام لا بفعل الموصي، و إلّا كان رجوعا عن الوصية بلا ريب. قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و موضع الخلاف ما إذا كان الانهدام لا بفعل الموصي، و إلّا كان رجوعا» «1».

و لعلّه أشار بقوله: «في الجملة» إلى تفصيل بعضهم بين كون الموصى به دارا معينة، فلا تبطل الوصية بها، و بين كون الموصى به دارا من دوره- على نحو الكلّي في المعيّن- فانهدمت جميع دوره، فالوصية باطلة. فراجع.

(2) لا بفعل الموصي، و إلّا كان رجوعا عن الوصية، لا من بطلان الوصية بانتفاء موضوعها.

______________________________

[1] مقتضى اتحاد الوقف و الوصية في هذا الحكم جعله دليلا لا مؤيّدا، فلاحظ الجواهر.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 301

ص: 36

نعم (1) لو لم تكن الدارية و البستانية و نحو ذلك (2) مثلا عنوانا للوقف و إن (3) قارنت وقفه، بل كان المراد به الانتفاع به (4) في كلّ وقت على حسب ما يقبله (5)، لم يبطل (6) الوقف بتغيّر أحواله.

ثمّ ذكر (7) أنّ في عود الوقف

______________________________

(1) استدراك على قوله: «قد يقال بالبطلان» و غرض صاحب الجواهر قدّس سرّه الإشارة إلى بقاء وقفية العرصة إن كان الملحوظ وقف المعنون- لا البستان- لا بنحو تمام الموضوع و لا جزئه، و إنّما اخذ في الإنشاء للإشارة إلى أن متعلق الوقف هو الذات.

و الوجه في جعله عنوان مشيرا هو مقارنة الوقفية و البستانية.

و الظاهر انطباق ما تقدم في الفرض الثالث على قوله: «نعم» و لم يظهر وجه للجزم بكونه تكرارا لقوله: «لو فرض» كما زعمه العلّامة الشهيدي قدّس سرّه «1».

(2) كعنوان «الحمّام» إن كان المقصود وقف الذات الباقية بعد خرابه.

(3) وصلية، يعني: لا فرق في كون مقصود الواقف وقف العرصة بين اقترانها بكونها بستانا أو دارا، و بين عدم الاقتران، كما إذا لم يغرس فنها الأشجار بعد، أو لم يبن فيها دار كذلك.

(4) هذا الضمير و ضميرا «وقفه، به» راجعة إلى الوقف، المراد به الموقوف.

(5) الضمير المستتر راجع إلى الوقف، و البارز إلى الموصول المراد به الانتفاع.

(6) جواب الشرط في «لو لم تكن».

هذا تمام ما أفاده صاحب الجواهر في المورد الثاني أعني به بطلان وقف العنوان بمجرّد تغير أحواله، ثم ذكر احتمالين بعد بطلان الوقف، سيأتي بيانهما.

(7) يعني: ذكر ذلك البعض، و هو صاحب الجواهر، قال قدّس سرّه: «ثم على فرض

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 351

ص: 37

إلى ملك الواقف (1) أو وارثه (2)- بعد البطلان- أو الموقوف عليه (3) وجهين (4).

______________________________

بطلان الوقف بذلك- أي بانعدام العنوان- فهل يعود للواقف و ورثته كالوقف المنقطع؟ أو للموقوف عليه و ورثته، و جهان ... الخ».

و وجه العود إلى الواقف أو ورثته هو: أنّ خروج الموقوفة عن ملكه و دخولها في ملك الموقوف عليه كان محدودا ببقاء العنوان الملحوظ حين الإنشاء من بستان أو دار و إمكان الانتفاع الخاص به، و مع انتفاء ذلك الوجه يعود إلى ملك الواقف إن كان حيّا، و إلى وارثه إن كان ميّتا.

و وجه صيرورته ملكا طلقا للموقوف عليه هو: خروج العين عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليه، ملكا غير طلق بمعنى منعه عن التصرف فيها بالانتفاع المنافي لبقاء العين في الملك ما دامت قابلة لتلك المنفعة. و مع فرض ذهاب العنوان و بطلان الوقف به تصير ملكا طلقا له، لأن المنع من مطلق التصرف كان محدودا بما رسمه الواقف من عنوان، فيرتفع المنع بانتفاء العنوان.

ثم رجّح صاحب الجواهر قدّس سرّه في كتاب البيع هذا الوجه، و استشهد له بالنّص و الفتوى المجوّزين للموقوف عليهم بيع الوقف، كما قوّى في كتاب الوقف رجوعه إلى الواقف أو ورثته.

(1) إن كان حيّا حين انعدام عنوان الوقف.

(2) إن مات الواقف قبل زوال العنوان.

(3) معطوف على «الواقف» و المراد بعود الوقف إلى الموقوف عليه صيرورته ملكا طلقا له، و إلّا فالملكية المقيّدة بالعنوان كانت ثابتة له إلى حال بقائه.

(4) اسم «إنّ» و الجملة منصوبة محلّا على المفعولية ل «ذكر».

هذا ما أفاده صاحب الجواهر، و ناقش المصنف فيه و في تأييده بفرع الوصية و فيما رتّب عليه من وجهين في مآل الوقف بعد نفاد العنوان، و سيأتي بيان الكلّ إن شاء اللّه تعالى.

ص: 38

أقول (1):

______________________________

(1) ناقش المصنف في ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه هما- من بطلان الوقف بزوال العنوان- بوجهين:

الأوّل: مخالفته للإجماع على أن زوال العنوان غير مبطل للوقف، و هذا الإجماع ادّعاه صاحب الجواهر أيضا في مسألة بقاء وقف عرصة الدار المنهدمة، قال: «إذا انهدمت الدار ... لم تخرج العرصة بذلك عن الوقف، و لم يجز بيعها. بلا خلاف أجده بين من تعرّض له ...» لكنه قدّس سرّه جعل مورد البحث- أعني وقف عنوان الدار- غير مندرج في معقد الإجماع «1».

و عليه فاحتجاج المصنف قدّس سرّه باتفاق الأصحاب مبني على إطلاق حكمهم ببقاء وقف العرصة بعد انهدام الدار، سواء أ كان الملحوظ عنوان الدار أم لا، فراجع «2».

و الحاصل: أنّ الفقهاء و إن اختلفوا في حكم بيع الوقف إذا خرب أو خشي خرابه، فمنهم من جوّز البيع، و منهم من منعه، لكن هذا الاختلاف غير قادح في إطباقهم على بقاء الوقف بعد تغيير عنوانه، إذ لا ملازمة بينهما، لكون النسبة بين الخراب و سقوط العنوان عموما من وجه، لصدق «تغيّر العنوان» دون الخراب فيما إذا كانت العين الموقوفة حيوانا بسنّ خاص كبنت لبون أو بنت مخاض مثلا، فإذا تجاوز سنّهما عن هذا الحد، فقد تغيّر العنوان مع عدم صدق الخراب.

و لصدق «الخراب» بدون «تبدل العنوان» في الأرض الموقوفة للزراعة، فانقطع عنها الماء، فإنّه يصدق الخراب على هذه الأرض مع عدم تبدل عنوانها.

و لتصادقهما في الدار المنهدمة و البستان الذي خرب، و زال عنوان بستانيته.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 108

(2) المصدر، ص 109

ص: 39

يرد على [ذلك] (1) ما قد يقال- بعد الإجماع على أنّ انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف، بل (2) و لا جواز البيع، و إن اختلفوا فيه (3) عند الخراب أو (4) خوفه، لكنّه (5) غير تغيّر العنوان،

______________________________

فالنتيجة: أنّ استمرار الوقف بعد نفاد العنوان مجمع عليه. و معه لا وجه للالتزام بالبطلان كما صار إليه صاحب الجواهر قدّس سرّه. هذا توضيح الوجه الأوّل، و سيأتي الوجه الثاني.

(1) كذا في نسختنا، و الظاهر عدم الحاجة إلى هذه الكلمة، كما لم تذكر في بعض النسخ المصححة، فكأنّه قال: «إنّه: يرد- على ما أفاده في الجواهر من قوله:

قد يقال بالبطلان أيضا ...- أوّلا مخالفته للإجماع ... الخ».

(2) الوجه في الإتيان ب «بل» هو: أنّ موضوع جواز البيع هو الوقف أي ما كان باقيا على وقفيته، فلو لم يجز البيع بعد انعدام العنوان كان بقاء وقفية العين أوضح وجها.

(3) أي: في جواز البيع، فمنعه ابن إدريس «1»، و جوّزه جماعة، فراجع الأقوال «2».

(4) الإتيان ب «أو» للتنبيه على اختلاف عبائر المجوّزين، فمنهم من جوّز البيع عند الخراب كسلّار «3»، و منهم من جوّزه عند خوف الخراب و خشيته، كالشهيد في الدروس «4».

(5) أي: لكنّ «خراب الوقف» المختلف حكمه أمر، و «انعدام العنوان» أمر آخر، لكون النسبة بينهما عموما من وجه، كما تقدم آنفا.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 545

(2) المصدر، ص 547 و ما بعدها

(3) المصدر، ص 563

(4) المصدر، ص 567

ص: 40

كما لا يخفى- أنّه (1) لا وجه للبطلان بانعدام العنوان،

______________________________

(1) الجملة مرفوعة محلّا على أنّها فاعل قوله: «يرد» و هذا ثاني وجهي المناقشة، و ينبغي الإشارة إلى أمرين قبل توضيحه:

الأوّل: أن الفرق بين الأحكام التكليفية المتعلقة بالعناوين، و بين الأحكام الوضعية. هو: أن الحكم التكليفي يقف على نفس العنوان و لا يسري إلى المعنون، كالأمر بالصلاة، فإنّ مركب الوجوب هو عنوان «الصّلاة» الفاني في المعنون، لا نفس المعنون أعني به مصداقه الخارجي، لما تقرر من امتناع اتصافه بالوجوب، ضرورة أن الخارج ظرف سقوط الأمر لا ثبوته.

و هذا بخلاف الأحكام الوضعية، فيمكن تعلقها بالأشخاص و بالطبائع و بالعناوين، فلو قال: «الدار ملك زيد» كان متعلق الحكم هو الموجود الخارجي أعني المعنون بعنوان الدار، و لو قال: «الخمر نجس» كان المتعلق لبّا الجزئيات الخارجية، و يكون العنوان عبرة و طريقا إلى ما في الخارج.

و عليه فمعنى مملوكية الدار لزيد كون كل جزء جزء منها ملكا له، بلا دخل لعنوان «الدراية» فيه.

الثاني: أن حقيقة الوقف إمّا حبس العين على الموقوف عليه أو تمليكها له أو غيرهما. و لا ريب في كون مجعول الواقف اعتبارا وضعيا، لا تكليفيا. و لا يقتضي تعلقه بعنوان الدار أو البستان تحديد حبس العين على الموقوف عليه بزمان استمرار الصورة البستانية أو الدارية حتى لا تكون الأجزاء الخارجية مملوكة للموقوف عليه أو محبوسة عليهم.

إذا تقرّر هذان الأمران، قلنا في توضيح الوجه الثاني: إنّ منشأ المصير إلى بطلان الوقف بزوال العنوان هو أخذ عنوان خاصّ في صيغة الوقف، كقوله: «وقفت البستان على أولادي». و لكن يسأل من صاحب الجواهر قدّس سرّه عمّا أراده من كلمة «العنوان» فإمّا أن يكون مراده به ما يقع مفعولا به في مقام الجعل كالمثال المزبور،

ص: 41

لأنّه (1) إن اريد ب «العنوان» ما جعل مفعولا (2) في قوله: «وقفت هذا البستان» فلا شكّ [في] (3) أنّه ليس إلّا كقوله: «بعت هذا البستان» أو: «وهبته» فإن (4) التمليك المعلّق بعنوان لا يقتضي دوران الملك

______________________________

و إمّا أن يكون مراده به أمرا آخر كالشرط المبني عليه الإنشاء أو المصرّح به فيه، بأن يقول: «وقفت هذا البستان على ذريتي ما دام بستانا». و المفروض عدم اقتضاء شي ء منهما بطلان الوقف بنفاد العنوان.

أمّا الأوّل فلأنّ وقفية البستان لا تكون مقصورة على هذا العنوان، بل تسري إلى كل جزء منه، و تقدّم آنفا سراية الأحكام الوضعية من عناوينها إلى معنوناتها بلا فرق بين الملكية الحاصلة بالوقف أو بالبيع أو بالهبة.

و الشاهد على تعلّق الملكية بالمعنون أنّه لو قال: «بعتك هذا البستان» و تغيّرت صورته البستانية بعد البيع لم ينحل العقد، بل تبقى العرصة و الأجزاء ملكا للمشتري. فكذا الحال في الوقف الذي يكون حقيقته إيقافا للعين عن النقل الاعتباري أو تمليكا أو قصرا، سواء استمرّ العنوان أم تغيّر.

و أما الثاني فسيأتي.

(1) تعليل لقوله: «لا وجه» و تقدم بيان عدم الوجه بناء على أوّل شقيّ الترديد.

(2) المفعول به هو كلمة «هذا» و «البستان» بدل أو عطف بيان له.

(3) هذه الكلمة لم توجد في نسختنا، و إنّما أثبتناها تبعا لما في بعض النسخ، و مناسبة لكلمة الشك.

(4) تعليل لوحدة مدلول «وقفت هذا البستان، و: بعته، و: وهبته» في أنّ الدار مفعول به في الجميع. فكما أنّ البائع يملّك البستان من المشتري على نحو ملكيته له من الذات و العنوان، و لا يكون تمليكه مقصورا على عنوان «البستان»، فلو زال العنوان بقي ملكية المشتري للعرصة لكونها جزءا من المبيع. فكذا في الوقف يتملك

ص: 42

مدار العنوان [1]. فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كلّ جزء خارجي و إن لم يكن (1) في ضمن عنوان «البستان». و ليس (2) التمليك من قبيل الأحكام الجعلية (3) المتعلقة بالعنوانات.

و إن أريد (4) ب «العنوان» شي ء آخر، فهو خارج عن مصطلح أهل

______________________________

الموقوف عليه كلّ جزء من العين.

(1) أي: و إن لم يكن كلّ جزء منه جزءا لعنوان البستان، إذ بعد ذهاب العنوان لا تتعنون العرصة بجزئيتها له فعلا، بل كانت جزءا له قبل ذهابه.

(2) هذا دفع دخل مقدر، حاصله: مقايسة الملكية و الحبس بالأحكام التكليفيّة الموقوفة على عناوينها كوجوب الصلاة. و تقدم الدفع بما ذكرناه في الأمر الأوّل في (ص 41) فراجع.

(3) يعني: المجعولة بالأصالة و الاستقلال، و هي خصوص التكليفية، لوضوح عدم كون الوضعيات- عند المصنف- مجعولة كذلك كما تقدّم في أوّل البيع، فراجع «1».

(4) هذا هو الشّق الثاني من المنفصلة، و حاصله: أن مراد صاحب الجواهر قدّس سرّه بالعنوان إن لم يكن وقوع الكلمة مفعولا به في مقام الإنشاء، بأن كان المراد شيئا آخر كالاشتراط، قلنا: إنّ إرادة الشرط من العنوان غير معهودة عند العرف و أهل العلم.

______________________________

[1] إلا أن يفرق بينهما بما أفاده السيد قدّس سرّه من كون البستان موردا في البيع و الهبة، و عنوانا في الوقف «2».

و لعلّه لأنّ غرض الواقف من حبس العنوان تسبيل منفعة خاصة، فكأنّ المنشأ تسبيل منفعة هذا العنوان، لا منفعة العرصة التي غرست الأشجار فيها. و المفروض أن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها. و هذا بخلاف البيع.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 1، ص 122 إلى 128

(2) ملحقات العروة الوثقى، ج 2، ص 254

ص: 43

العرف و العلم، و لا بدّ من بيان المراد منه، هل يراد ما اشترط لفظا أو قصدا في (1) الموضوع زيادة على عنوانه؟

و أمّا تأييد ما ذكر (2) بالوصية فالمناسب أن يقايس ما نحن فيه بالوصية

______________________________

مع أنّ اشتراط التوقيت لا يجدي فيما رامه قدّس سرّه من بطلان الوقف بزوال العنوان، سواء أ كان الشرط مصرّحا به كما لو قال: «وقفت هذا على أن يكون بستانا أو: ما دام بستانا» أم منويّا- من غير دلالة عليه في الإنشاء- كما لو اقتصر على جملة: «وقفت هذا البستان» بانيا على كونه موقّتا ببقاء البستان.

وجه عدم الإجداء: منافاة جعل الملكية المحدودة- للموقوف عليه- للتأبيد الذي اعتبروه في الوقف. فيشكل نفوذ هذا الشرط بأدلة الشروط و بخصوص «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».

(1) متعلق ب «ما اشترط» يعني: أنّ اشتراط العنوان في العين الموقوفة يكون تارة ملفوظا به و اخرى مقصودا.

و كان المناسب تتميم المطلب بأن يقال: «و صحته محل تأمل» و نحو ذلك، و إلّا كان إطلاق العنوان على الشرط مجرد الخروج عن مصطلح القوم، و هو بحث لفظي، و المهم بيان حكم هذا الشرط صحة و فسادا و إفسادا.

هذا مناقشة المصنف في أصل ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه هما من بطلان الوقف بانعدام العنوان، و بقي الكلام في تأييده بفرع الوصية.

(2) من بطلان الوقف بزوال العنوان، و حاصل المناقشة: أنّ ما ذكروه في باب الوصية لا يؤيّد بطلان الوقف فيما نحن فيه، لافتراقهما موضوعا، فإنّ مدّعى الجواهر تمامية الوقف هنا و كونه ملكا فعليا للموقوف عليه ما دام العنوان باقيا، و المناسب تأييده بكون الملك فعليا للموصى له، و هو فيما إذا تمت الوصية بعنوان كالدار، فزال العنوان، كما إذا أوصى بدار لزيد فمات الموصي ثم انهدمت الدار، فإنّها تبقى على ملك الموصى له، لصيرورة الملكية المنشأة بالوصية فعلية بالموت. فتكون هذه المسألة

ص: 44

..........

______________________________

نظير الوقف على العنوان.

و حينئذ فإن التزم الفقهاء بخروج الدار المنهدمة عن ملك الموصى له إلى ورثة الموصي كانت متحدة مع المقام. و إن لم يلتزموا بدوران ملك الموصى له مدار العنوان، بل تبقى العرصة على ملكه، كان منافيا لما رامه صاحب الجواهر. و من المعلوم أنّ حكمهم بانتقال الملك إلى الموصى له بموت الموصي و قبول الموصى له «1» شاهد على أن الملكية المنشأة بالوصية و إن كانت متعلقة بعنوان الدار، إلّا أنّ المتعلق حقيقة هو ذات المعنون، و أنّ العنوان معرّف محض.

و بعبارة اخرى: كان مقصود صاحب الجواهر من تأييد الوقف بالوصية هو تعلق كل منهما بعنوان الدار مثلا، فكما أن زوال العنوان يبطل الوصية، فكذا يبطل الوقف. و مقصود المصنف قدّس سرّه إبطال التأييد، ثم التنظير بفرع آخر.

أمّا بطلان التأييد فللفرق بين المسألتين، و هو: اقتضاء الوقف على العنوان صيرورة الموقوفة ملكا فعليّا للعنوان، بخلاف مسألة الوصية، لكون ملك الموصى له قبل موت الموصي شأنيا لا فعليا.

مضافا إلى: أنّ الموصى به هو عنوان «البستان» حال موت الموصي، بشهادة حكمهم بعدم اعتبار وجود الموصى به حال الوصية. فلو تغيّر عنوان البستان لم يكن الموصى به موجودا حال الموت، و الموجود حاله- و هو العرصة- مغاير للموصى به، فتبطل الوصية من هذه الجهة، لا من جهة اعتبار بقاء العنوان في بقاء الوصية.

و أمّا التنظير فتقريبه: أنّ الفرع المماثل للوقف على العنوان هو الوصية بالدار التي صارت بعنوانها ملكا فعليا للموصى له بقبوله و بموت الموصي، ثم زال العنوان، فإنّهم لم يلتزموا بزوال ملك الموصى له، و بعوده إلى ورثة الموصي. و هذا كاشف عن

______________________________

(1) شرايع الإسلام، ج 2، ص 243

ص: 45

بالبستان بعد تمامها (1)، و خروج (2) البستان عن ملك الموصي بموته و قبول الموصى له. فهل يرضى أحد بالتزام بطلان الوصيّة بصيرورة البستان عرصة (3)؟

نعم (4) الوصية قبل تمامها

______________________________

عدم موضوعية العنوان، و كونه معرّفا. فليكن الوقف مستمرّا بعد ذهاب العنوان، لوحدة المناط.

(1) أي: تمام الوصية، و وجه المناسبة ما تقدم من فعلية ملك الموقوف عليه و الموصى له لو زال العنوان بعد الموت.

(2) معطوف على التمامية، و هو أثر لها.

(3) فينبغي أن لا يرضى صاحب الجواهر ببطلان الوقف بصيرورة البستان عرصة.

(4) غرضه أنّ منشأ بطلان الوصية قبل تمامها ليس ما زعمه صاحب الجواهر من تغيّر العنوان، بل لعدم وجود الموصى به- و هو البستان- حال موت الموصي، فهو نظير بطلانها من جهات اخرى:

منها: رجوع الموصي عن وصيته قولا أو فعلا، إمّا بالتصرف الاعتباري في الموصى به ببيع أو هبة أو وقف أو غيرها. و إمّا بالتصرف الخارجي.

قال المحقق قدّس سرّه: «و كذا- أي يتحقق الرجوع- لو تصرّف فيه تصرّفا أخرجه عن مسمّاه، كما إذا أوصى بطعام فطحنه، أو بدقيق فعجنه أو خبزه» «1».

و منها: تلف الموصى به، كما لو أوصى بعبده فمات قبل موت الموصي «2».

و منها: عدم بقاء الاسم لو كان بفعل غير الموصي.

و منها: رد الوصية بعد الموت و قبل قبوله «3».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 244

(2) المصدر، ص 260

(3) المصدر، ص 243

ص: 46

يقع الكلام في بقائها و بطلانها من جهات (1) أخر.

ثم ما ذكره من الوجهين (2) ممّا لا يعرف له وجه، بعد إطباق كلّ من قال بخروج الوقف المؤبّد عن ملك الواقف على عدم عوده إليه أبدا [1].

______________________________

(1) لا يخفى أن الجهات المتقدمة لم يقع كلام- في بقاء الوصية و بطلانها- في جميعها، لعدم دعوى الخلاف في بعضها كالبطلان بالرجوع و فوات المتعلق، نعم عدم صدق الاسم- إن كان بفعل غير الموصي- يقع الكلام في مبطليته لها و عدمها.

(2) أحدهما: رجوع العين بعد زوال العنوان إلى ورثة الموقوف عليه كما قوّاه في كتاب البيع، و تقدم في (ص 38).

ثانيهما: رجوعه إلى الواقف أو ورثته كما قوّاه في كتاب الوقف، و استظهره من مكاتبة الصفار و غيرها، فراجع «1».

و حاصل مناقشة المصنف في هذا المقطع من كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه هما هو:

أنّ الوقف على العنوان يكون من الوقف المؤبّد، لا المنقطع. و قد أطبق الفقهاء- القائلين بخروج العين عن ملك الواقف- على عدم عودها إليه أو إلى ورثته.

و يستفاد هذا الإجماع من غير موضع من السرائر، كقوله في عدم جواز انتفاع الواقف بما وقفه: «لما بيناه و أجمعنا عليه من أنه لا يصحّ وقفه على نفسه، و أنّه بالوقف قد خرج عن ملكه و لا يجوز عوده إليه بحال» «2» فعدم دخوله في ملك الواقف متفق عليه.

______________________________

[1] الظاهر أنّ المصنف قدّس سرّه اقتصر على ما أفاده صاحب الجواهر في كتاب البيع، فأورد عليه بأنّ عود الوقف المؤبد إلى الواقف و ورثته مخالف للإجماع.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 57

(2) السرائر، ج 3، ص 155

ص: 47

..........

______________________________

و عليه فلا ينبغي إبداء احتمال رجوع الوقف إلى الواقف، خصوصا مع تقويته في كتاب الوقف كما سيأتي نقل كلامه في التعليقة.

هذا تمام الكلام في الصورة الثانية.

______________________________

لكن صريحه قدّس سرّه في كتاب الوقف كونه من المنقطع، كقوله في تقوية رجوع العين إلى الواقف أو ورثته: «لأنّ عقد الوقف- بعد فرض مشروعيته على هذا الوجه- إنّما اقتضى نقلها عن المالك ما دام الموقوف عليه غير منقرض. و متى صار غير موقّت صار باطلا مردودا على الواقف أو ورثته كما هو صريح الصحيح الأوّل، فلا يحتاج حينئذ إلى سبب جديد، لأنّ الناقل عن مقتضى الملك إنّما نقل هذا المقدار. و ليس هذا من التوقيت في الملك أو في الوقف، الذي حكينا الإجماع على عدم جوازه، ضرورة كون ذلك الذى فد اخذت فيه المدّة غاية، لا ما إذا جاءت تبعا لانقراض الموقوف عليه» «1».

و كقوله في صور وقف العنوان كالدار المنهدمة: «أحدها: وقفها ما دامت دارا، فانهدمت، و الظاهر كونها من منقطع الآخر» «2».

و بالجملة: فمناقشة المصنف مبنيّة على كون المقام من الوقف المؤبّد حتى يتجه تمسكه بالإجماع على عود المال إلى الواقف.

إلّا أن يقال: إنّ الغرض إبطال انقطاع الوقف هنا، ثم الإيراد على الجواهر بأنّه بعد تسليم كونه من المؤبد لا سبيل لإبداء احتمال رجوعه إلى الواقف. فتأمّل.

و كيف كان فالظاهر أن الملكية المنشأة بالوقف على العنوان محدودة ببقائه.

بمعنى أنه أخرج الدار عن ملكه ما دامت دارا مثلا، و هي ممكنة ثبوتا، و اقتضاء

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 57

(2) المصدر، ص 109

ص: 48

______________________________

«الوقوف» و نحوه صحتها شرعا، نظير ما نقله المحقق الشيرازي عن بعض الأعلام في ملكية الأرض المحياة من أنّها تحدث بحدوث صفة الإحياء، و تدوم بدوامها.

و كملكية الخلّ التابعة لبقاء عنوان خليّته أو حليته، فإذا زال عنه ذلك خرج عن الملكية. و دعوى أنّه راجع إلى مزيلية الخراب أو الخمرية أو الحلية عريّة عن البيّنة «1».

و قد يفصّل في المقام بين تبدل الصورة النوعية عرفا- مع بقاء المادة الهيولائية المتصورة بصورة اخرى، كصيرورة النخلة خشبة، لمباينتهما، فيبطل الوقف، كما قال به صاحب الجواهر قدّس سرّه و بين عدم تبدلها كذلك، و إن تبدلت بالدقة، فيستمر. و الوجه فيه كون قوام الوقف بالصورة النوعية العرفية «2».

و نوقش فيه: بأن شيئية الأشياء و إن كانت بصورها النوعية العرفية أو العقلية، إلا أنّها لا تقابل بالمال في المعاوضة، و إنما توجب زيادة مالية المادة.

و عليه فإذا وقف دكانا أو دارا كان ظاهره وقف مادتهما، و لا تدور الوقفية مدار نفس الصور و العناوين، لعدم انفكاكها عن المواد، بل لا يبقى لوقف العنوان- بدون وقف المعنون- معنى محصّل، لكونهما متحدين خارجا. فزوال الوقف بزوال المادة و صورتها، هذا «3».

مضافا إلى: أن الوقف لو كان متعلقا بالعنوان- لا بالعين الخارجية- فإن بقي في ملك الواقف شي ء منها ليجوز له قلعها بعد يبسها لم يكن معنى لكونها للموقوف عليه، و إن لم يبق شي ء منها في ملك الواقف كيف تصير ملكا له بعد زوال العنوان؟

لكن يمكن أن يقال: إنّ هذا تام في الأوصاف الدخيلة في الرغبات، كما إذا اشترى عبدا كاتبا، فتبين كونه أميّا، فيصح، و يثبت له خيار تخلف الوصف، بعد وحدة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، القسم الثاني، ص 26

(2) منية الطالب، ج 1، ص 350؛ المكاسب و البيع، ج 2، ص 394

(3) مصباح الفقاهة، ج 5، ص 209 إلى 212

ص: 49

______________________________

حقيقة المبيع عرفا في الكاتب و غيره. و هذا بخلاف تعدد الصور المتحدة مادة لعدم كون المادة المشتركة مناطا لوحدة الحقيقة، لأن مورد المعاملة هو الصورة الخاصة.

ففرق بين كون المبيع غنما و بين كونه جسما مركبا من أعضاء. و المرجع في تعيين كون مورد المعاملة هو الصورة أو المادة العرف.

و أما ما أفاده في حكم النخلة الموقوفة فقد عرفت تصريح صاحب الجواهر قدّس سرّه من خروج الوقف بتمامه عن ملك الواقف موقتا و محدودا ببقاء العنوان، فيعود إليه بعد زواله. و الإشكال من ناحية اختصاص الملك بالمرسل أمر آخر. مضافا إلى النقض بعود الوقف إلى الواقف بعد انقراض البطون.

ص: 50

[الصورة الثالثة أن يخرب بحيث يقلّ منفعته]

الصورة الثالثة: أن يخرب بحيث يقلّ منفعته، لكن لا إلى حدّ يلحق بالمعدوم (1). و الأقوى هنا المنع، و هو الظاهر من الأكثر في مسألة النخلة المنقلعة،

______________________________

الصورة الثالثة: إذا خرب الوقف بحيث تقلّ منفعته

(1) تقدّم توضيح الفرق بين هذه الصورة و سابقتها في (ص 7) و أنّ مورد الكلام هنا بقاء شي ء من منفعة العين بعد خرابها.

و لا يخفى أن لقلّة المنفعة- كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدّس سرّه «1»- فرضين:

أحدهما: أن تقلّ المنفعة التي لا حظها الواقف مع بقاء مقدار معتد به منها، سواء أ كان الملحوظ جميع المنافع أو نوع خاصّ منها.

ثانيهما: أن تزول المنفعة المقصودة بالمرّة، مع بقاء منفعة غير مقصودة، أو حدوث هذه مقارنا لزوال ما قصد.

و الظاهر أنّ النزاع بين مجوّز البيع و مانعه يكون في الفرض الثاني، بشهادة تعرضهم لحكم النخلة المنقلعة، ضرورة أنّه لم يبق شي ء من الثمرة التي سبّلها الواقف، و إنما الكلام في مانعية الانتفاع الجزئي بالتسقيف و شبهه عن البيع، و عدمها. و أما لو كانت النخلة مثمرة و قلّ تمرها، لم يجز بيعها، هذا.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه قوّى منع البيع هنا وفاقا للأكثر، كما تقدّم نقله مؤيّدا للمنع في الصورة الثانية، فراجع (ص 16).

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 178

ص: 51

حيث جوّز الشيخ رحمه اللّه في محكيّ الخلاف بيعها، محتجّا بأنّه «لا يمكن الانتفاع بها إلّا على هذا الوجه (1)، لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل (2)، و لا يرجى عوده» «1». و منعه (3) الحلّي قائلا: «و لا يجوز بيعها، بل ينتفع بها بغير البيع، مستندا إلى وجوب إبقاء الوقف على حاله مع إمكان الانتفاع. و زوال بعض (4) المنافع لا يستلزم زوال جميعها، لإمكان التسقيف بها و نحوه «2».

______________________________

(1) أي: على وجه البيع و الانتفاع بثمنها.

(2) هذا التعليل- بظاهره- لا يلائم ما قبله من قوله: «إلّا على هذا الوجه» الظاهر في انتفاء جميع وجوه الانتفاع بنحو السلب الكلي.

و وجه التنافي: دلالة قوله: «لأن الوجه الذي ...» على انتفاء خصوص المنفعة المقصودة للواقف، و أنّه لا عبرة بسائر الانتفاعات.

لكن يرتفع التنافي بأنّ قوله: «إلّا على هذا الوجه» لا يدلّ على حصر الانتفاع بالبيع، و سقوط جميع وجوه الانتفاع، بل المراد عدم العبرة بسائر الانتفاعات، لعدم كونها مقصودة للواقف، و إلّا لو سقطت العين عن المنفعة بالمرّة لم يجز بيعها، إذ كيف يباع ما لا منفعة له أصلا. و سيأتي في (ص 53) بيان ما أراده الشيخ من التعليلين.

(3) أي: و منع ابن إدريس قدّس سرّه البيع، استنادا إلى وجوب إبقاء الوقف على حاله، لأنّه تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة، فإن تيسّرت الثمرة المسبّلة فهو، و إلّا فالصرف في منفعة اخرى.

(4) كعدم إثمار النخلة بسبب قلعها، فإنّه لا يستلزم فوات منفعة اخرى، كأن يعمل منها زورق أو جسر، أو يسقّف بها بيت مثلا.

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 551- 552، كتاب الوقف، المسألة: 23

(2) السرائر، ج 3، ص 167

ص: 52

و حكي موافقته (1) عن الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و أكثر المتأخرين.

و حكى في الإيضاح عن والده قدّس سرّه: أنّ النزاع بين الشيخ و الحلّي لفظي.

و استحسنه (2)، لأنّ في تعليل الشيخ (3) اعترافا بسلب جميع منافعها، و الحلّيّ فرض وجود منفعة، و منع لذلك بيعها «1».

قيل (4): و يمكن بناء نزاعهما على رعاية المنفعة المعدّ لها الوقف، كما هو

______________________________

(1) أي: موافقة الحلّي، و الموافق جماعة، و الحاكي صاحب المقابس قدّس سرّه «2».

(2) يعني: و استحسن فخر المحققين كون النزاع لفظيا بين شيخ الطائفة و الحلّي، لمغايرة موضوع المنع و الجواز، و ذلك لأنّ الشيخ اعترف بسلب جميع المنافع فجوّز البيع، و الحلّي فرض بقاء بعضها فمنعه. فلو سلب جميع منافع الموقوفة يكون الحلّي مجوزا، كما أنه لو بقي شي ء منها لكان الشيخ مانعا. و هذا هو معنى النزاع اللفظي.

(3) المقصود من تعليل الشيخ هو الجملة الاولى أعني قوله: «لا يمكن الانتفاع بها إلّا على هذا الوجه» و إلّا لم يتجه نسبة ذلك إلى الشيخ بملاحظة قوله: «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف ...».

(4) القائل صاحب المقابس قدّس سرّه «3»، و غرضه جعل النزاع بين العلمين معنويا بأن يتحد موضوع الجواز و المنع.

و حاصله: أن المدار على المنفعة التي اعدت العين الموقوفة لها كالثمرة المترتبة على البستان، أو على مطلق المنفعة العائدة من العين كالسكنى المترتبة على الدار، فإذا خرب البستان و بني دارا لم تخرج العين عن الوقفية، فيكون النزاع بين الشيخ و الحلّي معنويا، لأنّ مناط الجواز عند الشيخ انتفاء خصوص المنفعة المقصودة، و إن بقيت سائر المنافع، لقوله: «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل»، و مناطه

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 393

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62، لكنه قال: «كما نقل»، و الحاكي لها عن الجماعة هو السيد العاملي قدّس سرّه، فراجع مفتاح الكرامة، ج 9، ص 92، و تقدمت المصادر في (ص 16)، فلاحظ.

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62، لكنه قال: «كما نقل»، و الحاكي لها عن الجماعة هو السيد العاملي قدّس سرّه، فراجع مفتاح الكرامة، ج 9، ص 92، و تقدمت المصادر في (ص 16)، فلاحظ.

ص: 53

الظاهر من تعليل الشيخ (1) [1]. و لا يخلو عن تأمّل (2).

______________________________

عند الحلي هو انتفاء مطلق المنفعة، لا خصوص ما شرطه الواقف.

(1) غرض صاحب المقابس من تعليل الشيخ هو قوله: «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل» فانه كالصريح في دوران البيع منعا و جوزا مدار ما سبّله الواقف من منفعة وجودا و عدما، و أنّه لا عبرة بوجود منفعة اخرى، قال في المقابس:

«و يمكن بناء الخلاف على رعاية المنفعة المعدّ ذلك الوقف لها، و عدمها، فالشيخ على الأوّل، و الحلّي على الثاني. و هذا هو الظاهر من التعليل كما لا يخفى» «1».

(2) لعلّ وجه التأمل عدم مساعدة كلامهما على هذا التوجيه، أمّا الشيخ قدّس سرّه فلأنه علّل أوّلا جواز البيع بقوله: «لأنّه لا يمكن الانتفاع بها إلّا على هذا الوجه» و معناه حصر المنفعة- بقول مطلق- في البيع، لا نفي المنفعة المعدّ لها الوقف. ثم علّل هذا الحصر بقوله: «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل» و ليست هذه الجملة تعليلا لأصل جواز البيع حتى يقال بأنّ مناط الجواز بنظر الشيخ انتفاء المنفعة المقصودة للواقف.

______________________________

[1] لكن تعليل الجواز في المبسوط يأبى احتمال إرادة مطلق الانتفاع، فلاحظ قوله: «إذا قطعت نخلة من أرض الوقف، أو انكسرت، جاز بيعها لأرباب الوقف، لأنّه تعذّر الانتفاع بها على هذا الوجه الذي شرطه، و هو أخذ ثمرتها». و هذا هو مفاد عبارة الخلاف «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل».

و عليه فليس ما أفاده المحقق الشوشتري قدّس سرّه بعيدا عن التعليل. و يعود النزاع بينه و بين الحلّى معنويّا، كما يظهر أيضا من الفقيهين السيد العاملى و صاحب الجواهر قدّس سرّه، فلاحظ «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 92؛ جواهر الكلام، ج 28، ص 110

ص: 54

و كيف كان (1)، فالأقوى هنا المنع.

و أولى منه (2) بالمنع ما لو قلّت منفعة الوقف من دون خراب (3)، فلا يجوز بذلك (4) البيع، إلّا إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان (5) أعود، و سيجي ء تفصيله (6).

______________________________

و أمّا الحلّي فلدلالة قوله: «و زوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها» على دوران منع البيع مدار وجود منفعة ما للوقف، و لا يجدي زوال خصوص المنفعة المعدّ لها الوقف. و عليه فبناء النزاع على رعاية المنفعة المعدّ لها الوقف بعيد عن مساق الكلامين.

(1) يعني: سواء أ كان النزاع بينهما لفظيا أم معنويا، فالمختار في المسألة هو منع بيع الوقف الذي بقي مقدار من منفعته. و الوجه في المنع وجود المقتضي و فقد المانع، بالتقريب المتقدم في الصورة الثانية، فراجع (ص 8).

(2) الضمير راجع إلى «هنا» المراد به خراب الوقف بما يقلّ نفعه، و هذا هو الفرع الملحق بالصورة الثالثة. و وجه أولوية منع البيع فيه: أنّ الموضوع لجواز البيع- عند القائل به- هو «خراب الوقف» بأن يكون قلة المنفعة لأجل خراب العين، و من المعلوم عدم صدقه في فرض عمرانها.

نعم يمكن القول بجواز البيع هنا استنادا إلى ما سيأتي في الصورة الرابعة من جواز بيع الوقف لو كان أنفع بحال الموقوف عليه.

(3) كما إذا استغني عن مثل الحمّام الموقوف، و عن الخان الموقوف على الزوار و المسافرين، كما تقدم في الصورة الثانية، فراجع (ص 22).

(4) أي: فلا يجوز البيع بقلة المنفعة التي منشؤها خراب العين.

(5) أي: كان البيع أعود، و ضمير «بيعه» راجع إلى الوقف.

(6) في الصورة الرابعة، و لم يختر المصنف قدّس سرّه جواز البيع، لقوله في (ص 87):

«و الأقوى المنع مطلقا وفاقا للأكثر».

هذا ما يتعلق بالصورة الثالثة، و به تمّ الكلام في بيع الوقف لأجل الخراب، و سيأتي حكم بيعه لجهات اخرى كالحاجة إلى الثمن و غيرها.

ص: 55

[الصّورة الرابعة أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه]

الصّورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه (1).

و ظاهر المراد منه (2): أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا

______________________________

الصّورة الرابعة: إذا كان بيع الوقف أصلح للموقوف عليه

(1) مورد البحث في هذه الصورة بقاء الوقف عامرا لم يطرأ عليه الخراب، خلافا لما سبق في الصور الثلاث، و لم تكن حاجة شديدة للموقوف عليه إلى البيع لصرف الثمن في المئونة كما سيأتي في الصورة الخامسة إن شاء اللّه تعالى.

فمحلّ الكلام هو البيع لمجرد كونه أصلح بحال الموقوف عليه. و تعرّض المصنف قدّس سرّه لجهتين:

إحداهما: راجعة إلى موضوع المسألة، أعني المقصود بأنفعية البيع.

و ثانيتهما: راجعة إلى الحكم، و هو المنع الذي ذهب إليه الجلّ، أو الجواز المنسوب إلى الشيخ المفيد. و سيأتي الكلام في كل منهما إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: من كون البيع أنفع، و هذا إشارة إلى الجهة الاولى.

و توضيحها: أنّ المراد بقاء أصل الثمن و زيادة نفعه- أو نفع بدله- على ما يعود فعلا إلى الموقوف عليه. كما إذا كانت اجرة الدار الموقوفة مائة دينار شهرا، و لو بيعت بعشرة آلاف و ضورب بالثمن كان الربح الحاصل للموقوف عليه- في الشهر- مائتين. فتزيد حصة كل واحد من الموقوف عليهم على ما حصل بالإجارة.

________________________________________

و كذا لو ابدل الثمن بخان أو دكان، و كانت الاجرة مائتي دينار شهرا.

و ليس المراد بأنفعية البيع صرف أصل الثمن في البطن الموجود، ضرورة كون

ص: 56

مدّة وجود الموقوف عليه (1).

و قد نسب (2) جواز البيع هنا إلى المفيد (3)،

______________________________

البيع أنفع- بهذا المعنى- من إبقاء الوقف و الانتفاع به تدريجا.

و الحاصل: أنّ المقصود بكون البيع أعود و أصلح للموقوف عليه زيادة المنفعة التدريجية- الحاصلة من الثمن أو البدل- على ما ينتفع فعلا من نفس الموقوفة.

ثمّ إنّ الأنفعية تلاحظ تارة بالنسبة إلى خصوص البطن الموجود، مع الغضّ عن الطبقة اللاحقة، و اخرى مطلقا أي بالنسبة إلى جميع البطون، بحيث لو قيل بجواز البيع اعتبر كونه أعود لجميع البطون، لا للطبقة الموجودة خاصة، و سيأتي في العبارة التنبيه عليه.

(1) و هو كل بطن من البطون، يعني: أن النفع الواصل إلى كل طبقة- من ثمن الموقوفة أو بدلها- أزيد مما ينتفع به من نفس الوقف.

(2) الناسب جماعة كالفاضل الآبي «1» و الشهيد «2» و الفاضل الصيمري- على ما حكاه عنه في المقابس «3»- و المحقق الثاني «4» و غيرهم، ففي كشف الرموز: «فهل يجوز تغيير الوقف أو بيعه لمصلحة؟ قال الثلاثة و سلّار: نعم، لو كان أنفع للموقوف عليهم و أصلح» و مراده بالثلاثة الشيخ المفيد و السيد المرتضى و الشيخ الطوسي.

و في الدروس: «و جوّز المفيد بيعه إذا كان أنفع من بقائه» «5».

(3) ظاهره انحصار القائل بالجواز في الشيخ المفيد قدّس سرّه. لكن عرفت نسبة جواز

______________________________

(1) كشف الرموز، ج 2، ص 52 و 53، و نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و في ج 9، ص 86

(2) غاية المراد، ج 2، ص 24

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 43

(4) جامع المقاصد، ج 4، ص 68، و كذا السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 88

(5) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279

ص: 57

و قد تقدّم (1) عبارته، فراجع.

______________________________

البيع إلى غيره أيضا و إن لم تخل عن تامّل. و كذا نسبه الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى الشهيد و المحقق الثاني، فراجع «1».

(1) غرضه التأمل في نسبة الجواز إلى الشيخ المفيد قدّس سرّه، فإن العبارة التي استفيد منها تجويزه للبيع- إذا كان أنفع بحال الموقوف عليه- هي قوله: «الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث الموقوف علهم ما يمنع الشرع من معونتهم ... أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أدرّ عليهم و أنفع لهم من تركه على حاله «2»».

و محصله: جواز الرجوع في صورتين:

الاولى: امتناع التقرب إليه تعالى بمعونة الموقوف عليهم و صلتهم.

الثانية: كون تغيير الشرط أنفع للموقوف عليه، بناء على أن يكون مقصوده قدّس سرّه من تغيير الشرط تبديل العين الموقوفة. و على هذا تتّجه نسبة جواز بيع الوقف- إن كان أعود- إلى الشيخ المفيد، هذا.

و لكن الظاهر عدم وفاء العبارة بذلك، لما في «تغيير الشرط» من احتمالين:

أحدهما: ما تقدم من إرادة تغيير شرط من شرائط الموقوفة مع إبقاء الوقف بحاله، فلو غيّر شرط عدم البيع أو شرط الدوام و كان أنفع بالموقوف عليه انتقلت الوقفية إلى الثمن أو البدل. كما إذا قال الواقف: «تصدقت بهذه الدار صدقة جارية مؤبدة لا تباع و لا توهب على أولادي بشرط أن يتهجّدوا» فالمراد تجويز تغيير شرط- كشرط عدم بيعها- إن كان أنفع بحال الموقوف عليه.

و بناء على هذا الاحتمال ينبغي أن يراد بكلمة «الرجوع عن الوقف» في

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 399

(2) المقنعة، ص 652، و تقدم كلامه في الأقوال، فراجع ج 6، ص 557

ص: 58

و زيادة النفع (1) [1] قد تلاحظ بالنسبة إلى البطن الموجود، و قد تلاحظ

______________________________

جملة المستثنى منها فسخ الشرط المأخوذ في صيغة الوقف، لا فسخ أصل الوقف و العدول عنه.

ثانيهما: أن يراد من «تغيير الشرط» الرجوع عن أصل الوقف و إبطاله رأسا و جعله كأن لم يكن. و بناء على هذا الاحتمال لا يكون جواز الرجوع أنفع للموقوف عليهم، بل هو أنفع للواقف المباشر للبيع.

إلّا أن توجّه الأنفعية لهم بإرادة صرف الثمن فيهم، أو التصدق على كل واحد منهم بما يستحقه، و لكن لا قرينة في عبارة الشيخ المفيد على هذا التوجيه.

و يمكن ترجيح الاحتمال الثاني على الأوّل بقرينة كلمة «الرجوع» و بيانه:

أن المراد بالرجوع في الصورة الاولى- و هي امتناع إعانة الموقوف عليهم شرعا- ما هو ظاهره من فسخ أصل الوقف، و ينبغي أن يكون هذا المعنى هو المراد- بمقتضى السياق- من الرجوع في الصورة الثانية. و حينئذ يتعيّن حمل قوله: «تغيير الشرط» على الاحتمال الثاني، أعني به تغيير ما اشترطه في الإنشاء من عدم بيع الوقف كليّة، و تغييره بتجويز البيع لا إلى بدل، هذا.

و لو قيل بعدم قرينية كلمة «الرجوع» على العدول عن أصل الوقف، فلا أقلّ من إجمال عبارة الشيخ المفيد قدّس سرّه و عدم ظهورها فيما نسب إليه من جواز البيع إن كان أعود للموقوف عليه، هذا.

(1) يعني: أن زيادة منفعة الثمن- أو البدل- على منفعة نفس العين الموقوفة قد تلاحظ بالنسبة إلى البطن الموجود، فاللازم على متولّي البيع رعاية مصلحة خصوص البطن الموجود، و عدم العبرة بمنفعة المعدومين، و هذا مبني على ما تقدم

______________________________

[1] هذه الجملة راجعة إلى موضوع المسألة من زيادة نفع البيع على بقائه، لا إلى أصل جواز البيع و المنع، فلعلّ الاولى التعرض لها قبل قوله: «و قد نسب ... الخ».

ص: 59

بالنسبة إلى جميع البطون إذا قيل (1) بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه.

و الأقوى المنع مطلقا (2)،

______________________________

في الصورة الاولى «1» من انتهاء أمد الوقف بالبيع و انتقال الثمن إلى البطن الموجود، بدعوى: أن الوقف على تقدير بقائه يصير ملكا للبطن اللاحق، و بيعه يبطل هذا التقدير، فلذا يختص الثمن بالموجود.

و أمّا بناء على كون الثمن ملكا فعليا للموجود و شأنيا للمعدوم- كما حققه المصنف قدّس سرّه هناك «2»- فلا بد من ملاحظة زيادة المنفعة للجميع، و لا يحلّ بيع الموقوفة لو اختصت زيادة منفعة البدل أو الثمن بالبطن الموجود.

(1) و أمّا إذا قيل بالاختصاص بالبطن الموجود- كما اختاره المحقق قدّس سرّه و غيره في دية العبد الموقوف المقتول «3»- كفى كون البيع أنفع بحال البطن الموجود من إبقاء نفس الموقوفة.

(2) هذا بيان المختار، و المراد بالإطلاق ما يقابل التفصيل بين حاجة الموقوف عليهم إلى البيع، و عدمه. كما نقله السيد الفقيه العاملي «4» عن النهاية و الجامع.

و عدّه المحقق الشوشتري قولا ثانيا في المسألة، فقال: «إنّه يجوز البيع إذا كان أنفع بشرط الحاجة الضرورية إلى ذلك، و قد قال بذلك كثير من الأصحاب» «5».

و تقييد جواز البيع يظهر من الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد، كما نسبه إليه في الجواهر «6».

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 632

(2) هدى الطالب، ج 6، ص 627

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 219

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 257

(5) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 45

(6) غاية المراد، ج 2، ص 28 و 30؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 364

ص: 60

وفاقا للأكثر (1)، بل الكلّ، بناء (2) على ما تقدّم (3) من عدم دلالة قول المفيد

______________________________

(1) كما يظهر من المقابس، فإنه بعد نقل القول الثالث- و هو المنع مطلقا سواء أ كانت حاجة أم لم تكن- أفاد: أنّ المانع عن البيع هنا إمّا يمنع بيع الوقف مطلقا كالإسكافي و الحلّي قدّس سرّه هما، و إمّا يمنعه في الجملة و لم يجوّزه فيما كان البيع أنفع، قال قدّس سرّه:

«و منهم من لم يحكم ببطلان بيعه لبعض الأسباب، إلّا أنّه أسقط منها صورة الحاجة، و كون البيع أنفع من هذه الجهة، و هم: الشيخ في المبسوط و ظاهر الخلاف، و محتمل كتابي الأخبار، و المحقق في بيع الشرائع و وقفه، و ظاهر وقف النافع كما فهمه الشهيد أيضا، و العلّامة في المختلف و التخليص و بيع القواعد و الإرشاد و التذكرة و التحرير و وقفها، و الشهيدان في الدروس و اللمعة و الروضة و المسالك، و الفاضل السيوري في التنقيح، و أبو العباس في المقتصر و ظاهر المهذّب، و الصيمري في بيع غاية المرام و وقفه، و صاحب المفاتيح، و جملة ممّن تأخر عنه» «1».

و عليه فالشهرة محققة على منع البيع فيما كان أعود، و هي تجدي في تحقق الإعراض الموهن لمستند الجواز، و هما روايتا جعفر و الحميري.

(2) قيد ل «بل الكل» غرضه دعوى الإجماع على المنع، و أن الشهرة المحضة- دون الاتفاق- مبنية على وجود المخالف في المسألة، و لمّا كان المجوّز منحصرا في الشيخ المفيد و لم يكن لكلامه ظهور في تجويز البيع- إن كان أعود- لم يصحّ عدّه مخالفا، و لا استيحاش من دعوى الإجماع على المنع حينئذ.

و لو سلّم ظهور كلامه في جواز البيع لزم تأويله و حمله على ما لا يخالف القواعد، كما أفاده العلّامة قدّس سرّه في التحرير.

(3) مراده مما تقدم إمّا ما أشار إليه من قوله قبل سطرين بقوله: «و قد تقدم عبارته». و إمّا ما نقله عن تحرير العلّامة، من كونه متأولا، و عقّبه المصنف بقوله

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48

ص: 61

على ذلك (1)، و على تقديره (2) فقد تقدم عن التحرير: أنّ كلام المفيد متأوّل.

و كيف كان (3)، فلإشكال في المنع، لوجود مقتضي المنع (4)، و هو (5) وجوب

______________________________

هناك: «و لعلّه من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد ...» «1»، و ظاهر السكوت ارتضاؤه لأصل الحمل و التأويل.

(1) أي: على جواز البيع إن كان أعود.

(2) أي: تقدير دلالة قول المفيد على جواز البيع.

(3) يعني: سواء أمكن توجيه كلام الشيخ المفيد ليتحقق الإجماع على المنع، أم لم يمكن و تحققت الشهرة عليه، فلا إشكال في عدم جواز بيع الوقف إن كان أصلح بحال الموقوف عليهم. و الدليل على الدعوى وجود المقتضي و فقد المانع.

أمّا المقتضي فأمران:

أحدهما: عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود و العهود، و عدم نقضها، و هو شامل للوقف الذي حقيقته حبس الأصل عن النقل و الانتقال مطلقا، سواء أ كان بيعه أصلح بحال الموقوف عليه، أم لم يكن.

و ثانيهما: خصوص ما ورد في الوقف، كقوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» الدال على وجوب العمل على طبق ما رسمه الواقف من تحبيس الأصل على الموقوف عليه. و كقوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» الظاهر في منع بيع الوقف و تغييره و تبديله.

و أمّا المانع- أي ما يجوّز البيع إذا كان أنفع- فما يدّعى كونه مانعا رواية ابن حنّان و مكاتبة الحميري، و سيأتي قصورهما عن إثبات جواز البيع.

(4) أي: منع البيع فيما كان أعود.

(5) يعني: و المقتضي للمنع هو ما دلّ- عموما و خصوصا- على وجوب العمل على طبق الإنشاء.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 560

ص: 62

العمل على طبق إنشاء الواقف، و قوله (1) عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» «1»، و غير ذلك (2). و عدم (3) ما يصلح للمنع (4)، عدا رواية ابن محبوب (5) عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنّان [حيّان] (6)

______________________________

(1) معطوف على «وجوب» يعني: و كذا يقتضي المنع عن البيع ما دلّ على النهي عن خصوص بيع الوقف و شرائه.

(2) كالإجماع المتقدم في أوّل المسألة على عدم جواز بيع الوقف، و كالنبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرسل الدال على أن: الوقف تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة «2».

(3) معطوف على «وجود مقتضي المنع».

(4) يعني: المنع عن تأثير مقتضي المنع، فكأنه قال: «و عدم ما يصلح للجواز عدا ...» فإن نفي النفي يؤول إلى الإثبات، نحو «زيد ليس بعديم المال» أي: هو ذو مال.

(5) استدل الشهيد بهذه الرواية على مدعاه من جواز البيع عند الحاجة إن كان أعود، قال قدّس سرّه: «و أمّا الذاكرون الحاجة- أي جواز البيع عند حاجة الموقوف عليهم- فيمكن تعويلهم على ما رواه جعفر بن حيّان ... و هذه تتضمّن قيد كون البيع أعود عند الحاجة» «3». ثم قال: «و الأجود العمل بما يقتضيه الحديثان السالفان» «4» و أحد الحديثين في كلام الشهيد هو خبر جعفر.

(6) هذا الخبر لا يخلو من بحث سندا و دلالة. أمّا السند فلجهالة جعفر. و عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 303، الباب 6 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث: 1

(2) عوالي اللئالي، ج 2، ص 261، الحديث: 5، رواه عنه في مستدرك الوسائل، ج 14، ص 47، الباب 2 من أبواب الوقف، ح 1

(3) غاية المراد، ج 2، ص 28

(4) المصدر، ص 30

ص: 63

«قال: سألت (1) أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل

______________________________

إحراز وثاقته، و العمدة وقوع ابن محبوب في السند، و هو مجد عند من يرى كفاية صحة الطريق إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، مطلقا سواء روى عن مجهول بلا واسطة أو معها كما في المقام، لأن ابن محبوب يروي عن علي بن رئاب، و هو عن جعفر. فيحكم باعتبار الخبر حينئذ. و لعلّه لهذا وصفه العلّامة المجلسي التقي قدّس سرّه بالقوي كالصحيح «1».

لكن المبنى محلّ تأمل، كما تعرضنا له في شرح الكفاية، فراجع «2». و لعلّه عدّه ولده العلّامة من المجهول «3».

و أمّا الشهرة العملية الجابرة لضعف السند فغير محققة في المقام بناء على ذهاب الأكثر إلى المنع مطلقا.

و أمّا الدلالة فالرواية تشتمل على فقرات متعددة، و هي غير صافية من الإشكال كما سيأتي التعرض لجملة منها، و لا بد من توجيهها بما لا يخالف القواعد، كما تصدى غير واحد له، فراجع «4».

و الغرض من نقلها الاستدلال بالسؤال الأخير المتكفل لحكم بيع الوقف عند الحاجة، و تجويزه عليه السّلام له بشرطين:

أحدهما: رضا الموقوف عليهم بأجمعهم.

و ثانيهما: كون البيع خيرا لهم من إبقائه، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا هو السؤال الأوّل، و لعلّ مراد السائل: أنّ الواقف وقف أرضا مزروعة على قرابته من أبويه، و شرط في صيغة الوقف: أن يعطي الموقوف عليهم- بعد موت

______________________________

(1) روضة المتقين، ج 11، ص 158

(2) منتهى الدراية، ج 8، ص 145

(3) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 406

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 50 و 51

ص: 64

وقف غلّة (1) له على قرابته (2) من أبيه، و قرابته من أمّه،

______________________________

الواقف- مقدار ثلاث مائة درهم من عوائد الموقوفة لرجل ما دام حيّا، و لعقبه بعد موته، بأن قال: «هذه الأرض وقف على قرابتي، و شرطت عليهم إعطاء ثلاث مائة درهم- بعد موتي- لزيد ثم لعقبه».

فالمراد بالوصية هنا الشرط على الموقوف عليهم بإعطاء شي ء للرجل معلقا على موت الواقف، بحيث تكون نماءات الوقف بتمامها ملكا للموقوف عليهم قبل موت الواقف، و كذلك تكون لهم و لورثتهم بعد انقراض ذلك الرجل و عقبه.

و ليس المراد بالوصية هنا معناها المعهود من العقد المستقل ليشكل بأن الوصية إن كانت بعد اجتماع شرائط الوقف فهي باطلة، لعدم بقاء المال على ملك الموصي حتى يصح الإيصاء به. و إن كانت قبلها صحّت و بطل الوقف.

كما أن الظاهر عدم إرادة الاستثناء من الوقف، بأن يستثني الواقف مقدارا من منفعة الوقف لنفسه ثم أوصى به لذلك الرجل، كأن يقول: «وقفت هذه الأرض على قرابتي و استثنيت من علّتها ثلاث مائة درهم» إذ لو كان كذلك لزم دخول الدراهم في ملك ورثة الواقف بعد انقراض الموصى له. مع أنه عليه السّلام جعلها للموقوف عليهم.

(1) قال الشهيد قدّس سرّه: «المراد بالغلّة هنا أرض الغلّة، فحذف المضاف للعلم به» «1».

و يشهد له قوله السائل في السؤال الثاني: «أ رأيت إن لم يخرج من غلّة تلك الأرض التي أوقفها» لرجوع الضمير إلى الأرض لا إلى الغلّة.

و كذا قوله عليه السّلام في جواب السؤال الثالث: «يردّ إلى ما يخرج من الوقف» فيكون المراد بالموصول الغلّة، و بالوقف نفس الأرض.

(2) استفاد العلّامة و غيره من اقتصار السائل- في مقام حكاية الوقف- على

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 28

ص: 65

و أوصى (1) لرجل و لعقبه (2) من تلك الغلّة- ليس (3) بينه و بينه قرابة- بثلاثمائة (4) درهم في كل سنة، و يقسّم الباقي (5) على قرابته من أبيه، و قرابته من امّه. فقال عليه السّلام: جائز للّذي أوصي له بذلك (6).

قلت: أ رأيت (7) إن لم يخرج من غلّة تلك الأرض التي أوقفها إلّا خمسمائة درهم؟ فقال (8): أ ليس في وصيّته أن يعطى الذي اوصي له من الغلّة

______________________________

ذكر القرابة: أنّ مورد السؤال وقف منقطع، لا مؤبّد، فتكون الرواية أجنبية عن بيع المؤبّد إذا كان أنفع. و سيأتي في (ص 80).

(1) تقدّم آنفا بعض محتملات الوصية، و أن الظاهر عدم إرادة وقف بعض الأرض و الإيصاء بمنافع بعضها الآخر. و ذلك لدلالة قوله عليه السّلام: «أ رأيت إن لم تخرج من غلّة تلك الأرض التي وقفها» على أن تمام الأرض موقوفة.

(2) المراد بالعقب مطلق الوارث لا خصوص الأولاد، و ذلك بقرينة قوله عليه السّلام:

«لورثته يتوارثونها» أعم من أن يكون الوارث ولدا أو غيره.

(3) يعني: أنّ الرجل الموصى له ليس من القرابة التي وقفت عليهم الأرض.

(4) متعلق ب «أوصى» فالمال الموصى به ثلاثمائة درهم في كل سنة من منافع الأرض يجب إعطاؤها للرجل.

(5) يعني: ما بقي من الغلة بعد إخراج ثلاثمائة درهم منها.

(6) أي: بثلاثمائة درهم، و جواب الإمام عليه السّلام إمضاء لإنشاء الواقف و تنفيذ لوصيته، و لعلّها كانت شرطا في الوقف كما تقدّم آنفا.

(7) كأنّ السائل تعجب من تنفيذ هذه الوصية من جهة أن استحقاق الموصى له للثلاثمائة درهم- على كل حال- قد يوجب النقص في حصة الموقوف عليهم، كما إذا كان تمام الغلّة خمسمائة درهم، فنصيب كل واحد منهم من المائتين الباقيتين قليل جدّا.

(8) يعني: فقال الإمام عليه السّلام- لإزالة تعجب السائل- بلزوم العمل بالوصية النافذة.

ص: 66

ثلاثمائة درهم، و يقسّم الباقي على قرابته من أبيه و امّه؟ قلت: نعم (1). قال:

ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئا حتى يوفى (2) الموصى له ثلاثمائة درهم، ثمّ لهم (3) ما يبقى بعد ذلك.

قلت: أ رأيت (4) إن مات الذي اوصي له (5)؟ قال: إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته (6) يتوارثونها ما بقي أحد منهم. فإن انقطع ورثته (7)، و لم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت،

______________________________

(1) أي: نعم ورد في وصية الواقف إخراج ثلاثمائة درهم على كل حال، سواء بلغت الغلّة آلافا من الدراهم أم كانت خمسمائة درهم.

(2) يعني: حتى يتم للموصى له ثلاثمائة درهم، و تصل إليه.

(3) أي: للقرابة بعد إيفاء الثلاثمائة للموصى له.

(4) هذا سؤال عن حكم الموصى به لو مات الموصى له، و أن الدراهم لورثته أو ترجع إلى الموقوف عليهم.

(5) كذا في نسخ الكتاب و الوسائل، و هو موافق لما في الكافي، و لكن في التهذيب «اوصى» و الأولى ما في المتن.

(6) أي: لعقب الموصى له الذين أوصى الواقف بإعطاء الثلاثمائة درهم لهم بعد موت الموصى له. و المراد بالتوارث ليس هو الإرث المصطلح ليجري عليه الأحكام المختصة به مثل كون حظّ الذكر ضعف الانثى، بل المراد به استحقاق الأعقاب ما كان للموصى له بعد موته و إن كان تلقّيهم للموصى به من الموصي لا من الموصى له، نظير استحقاق البطن اللاحق للعين الموقوفة بعد انقراض البطن السابق، فإنّه ليس من الإرث المصطلح. و وجه مشابهة هذين- أعني الوصية و الوقف- بالإرث هو توقف استحقاق اللاحق على فقد السابق.

(7) أي: فإن لم يبق أحد من ورثة الموصى له انقطع حكم الوصية، فالثلاثمائة درهم لقرابة الواقف من أبيه و امّه الذين اوقفت الأرض عليهم.

ص: 67

يردّ (1) إلى ما يخرج من الوقف، ثمّ يقسّم بينهم، يتوارثون ذلك (2) ما بقوا و بقيت الغلّة.

قلت (3): فللورثة من (4) قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا (5) و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟ قال (6): نعم، إذا رضوا كلّهم، و كان البيع خيرا

______________________________

(1) أي: يرجع الموصى به- و هو الثلاثمائة درهم- إلى الموقوف عليهم، و تنضمّ إلى سائر نماءات الموقوفة، فيقسّم الجميع بينهم.

(2) المشار إليه هو ما يخرج من الوقف. و التوارث هنا بمعنى استحقاق كل بطن بعد انقراض سابقه، لا بمعنى تلقّي الملك من السابق.

(3) هذا السؤال الأخير محلّ الاستشهاد بالرواية على جواز بيع الوقف إن كان أنفع، و السائل فرض حاجة الموقوف عليهم و عدم كفاية الغلّة لهم كما سيظهر.

(4) كذا في نسخ الكتاب و كذا في الوسائل و الكافي، و لكنّه في التهذيب «فللورثة قرابة الميت» بدون حرف الجرّ. و المراد بالقرابة هم الموقوف عليهم في صدر الرواية أي أقرباء الواقف من أبيه و امّه، و المراد بالورثة هم نفس القرابة بناء على خلوّ العبارة من حرف الجرّ. و كذا بناء على ذكر «من» لاحتمال كونها بيانية، فكأنه قال: لورثة الواقف الذين هم الموقوف عليهم.

نعم بناء على كونها تبعيضية، فالمراد بقرابة الواقف ما يعمّ البطن الموجود و البطون المتأخرة، و بالورثة ورثة الميت شرعا كالبطن الحاضر.

(5) المراد من الحاجة ما ينطبق على الصورة الرابعة أعني بيع الموقوفة و تبديلها بشي ء آخر يكون الانتفاع به أزيد مما يعودهم من أصل الوقف فعلا، لأنّ غرض السائل تكميل نفع الموقوفة إلى حدّ يفي بمؤونتهم، و هذا الغرض يقتضي أن يكون جواز البيع لأجل التبديل بما هو خير للموقوف عليهم و أنفع لهم.

و سيأتي من المصنف إبداء احتمال آخر، فلاحظ (ص 77).

(6) هذا جواب الإمام عليه السّلام، و هو تجويز البيع، لكن لا كما فرضه السائل من

ص: 68

لهم، باعوا» «1».

و الخبر (1) المرويّ عن الإحتجاج: أنّ الحميري كتب إلى صاحب الزمان

______________________________

الحاجة، بل بشرطين:

أحدهما: رضى جميع الموقوف عليهم، فلا عبرة برضى بعض دون بعض.

و ثانيهما: كون البيع خيرا لهم.

و يحتمل في جواب الإمام عليه السّلام ب «نعم» تصديق السائل في جواز البيع عند الحاجة، لكن بشرطين آخرين، و عدم كفاية الحاجة التي فرضها السائل، فإن اجتمعت الحاجة و الرضا و الخير جاز البيع، و إلّا فلا.

و يحتمل أن يكون تقريرا لأصل جواز البيع، فكأنّه عليه السّلام عدل في الجواب إلى أن شرط جواز البيع هو كونه خيرا لهم و أنفع بحالهم من إبقاء الأرض.

و هذا الاحتمال الثاني هو مبنى الاستدلال برواية جعفر بن حيّان على جواز بيع الوقف إن كان أعود من دون تقييده بالحاجة.

(1) معطوف على «رواية ابن محبوب» أي: «و عدا الخبر المروي ...» و هذا الخبر لاشتماله على مضمون الخبر السابق يمكن أن يستدلّ به على جواز بيع الوقف إن كان أنفع. و البحث فيه سندا و دلالة. أما السند فالرواية مكاتبة الحميري قدّس سرّه إلى الإمام الحجة عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و جعلنا فداه، رواها أحمد بن علي ابن أبي طالب الطبرسي قدّس سرّه في الاحتجاج، و هو يروي عن الحميري بواسطة واحدة. و لو نوقش في ما روي في الاحتجاج مرسلا أمكن التعويل على خصوص توقيعات الناحية المقدسة إلى الحميري بما نقله النجاشي رحمه اللّه- على ما حكاه عنه في المقابس- من قوله:

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 306، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 8، رواه عن الكافي، ج 7، ص 35، كتاب الوصايا، باب ما يجوز من الوقف و الصدقة ...، الحديث: 29، و الفقيه، ج 4، ص 179، الحديث: 630، و تهذيب الأحكام، ج 9، ص 133، الحديث 565، و نقل جملة منه في الإستبصار، ج 4، ص 99، الباب 61، الحديث: 6

ص: 69

- جعلني اللّه فداه-: «أنّه روي عن الصادق عليه السّلام خبر مأثور (1) [1]: أنّ الوقف إذا كان على قوم بأعيانهم و أعقابهم، فاجتمع أهل الوقف على بيعه، و كان

______________________________

«و قال لنا أحمد بن الحسين: وقعت هذه المسائل إليّ في أصلها، و التوقيعات بين السطور» «1». و ظاهره الاطلاع على تمام ما كتبه الحميري إليه عليه الصلاة و السلام، هذا.

و أما الدلالة فالمكاتبة تشتمل على حكمين سألهما الحميري منه عليه السّلام:

الأوّل: حكم بيع الوقف الخاص لو لم يجتمع الموقوف عليهم على البيع، و بيانه: أنّ الحميري روى مرسلا عن الإمام الصادق عليه السّلام جواز بيع الوقف بشرطين:

أحدهما: كونه أصلح من إبقائه، و ثانيهما: اتفاقهم على البيع. فتردّد الحميري في جواز البيع عند فقد شرط الاجتماع. فأجابه عليه السلام بجواز ذلك.

الثاني: حكم الوقف الذي لا يجوز بيعه أصلا، فأجاب عليه السّلام بأن ما لا يجوز بيعه هو الوقف على الإمام عليه السّلام.

(1) يحتمل أن يكون هذا الخبر المأثور هو خبر جعفر بن حيّان كما قيل، أو خبرا آخر مشتملا على نفس المضمون و إن لم يصل إلينا. و حينئذ لو تم سند المكاتبة كشف عن صدور الجملة الأخيرة من رواية ابن حنّان عن الإمام الصادق عليه السّلام.

______________________________

[1] كذا في الوسائل نقلا عن الإحتجاج، لكن فيه «روى عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور» و «الفقيه» يطلق غالبا على الإمام المظلوم المعصوم موسى الكاظم عليه الصلاة و السلام. فنفي البعد عن كون ذلك عين رواية جعفر بن حيّان- كما في المقابس و غير واحد من الحواشي «2»- ضعيف، لعدم رواية ابن حيان عن الإمام الكاظم عليه السّلام، فلاحظ.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 52

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 51، حاشية المحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 271، حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 178

ص: 70

ذلك أصلح، لهم (1) أن يبيعوه (2).

فهل (3) يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع، أم لا يجوز إلّا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك (4)؟

و عن الوقف (5) الذي لا يجوز بيعه؟

فأجاب عليه السّلام: إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه (6). و إذا كان (7) على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون (8)

______________________________

(1) الجملة خبر قوله: «ان الوقف» و جملة «إذا كان ... أصلح» معترضة.

(2) بهذا يتمّ الخبر المأثور عن الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام.

(3) هذا سؤال الحميري من الإمام عليه السّلام حول الخبر المأثور، و قد تقدم وجه تردّده الداعي للسؤال منه عليه السّلام.

(4) أي: على البيع.

(5) هذا هو السؤال الثاني، و هو تحديد الوقف الممنوع بيعه، بلا دخل لاجتماع الموقوف عليهم في الجواز، و لعلّ مورد سؤاله الوقف العام، لكون متولّيه الإمام عليه السّلام، أو الوقف على الإمام الذي لا يحلّ لأحد أن يتصرف فيه ببيع و غيره، كما ورد النهي عنه في مكاتبة اخرى.

(6) هذا جواب السؤال الثّاني، و حاصله: أنّ الوقف على عنوان «إمام المسلمين»- المنطبق على الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، أو شخصه المقدّس عليه السّلام- يحرم أن يتصدى الغير لبيعه من جهة عدم كونه مالكا لأمر هذا الوقف حتى ينفذ تصرفه فيه.

(7) هذا جواب السؤال الأوّل، و ظاهره تعميم جواز بيع الوقف الخاص لكلتا حالتي اجتماع أهل الوقف و تفرّقهم. فإن اجتمعوا فالمبيع تمام الموقوفة، و إن تفرّقوا فالمبيع خصوص حصّة البائعين.

(8) الظاهر إرادة القدرة الشرعية، يعني: بقدر ما يستحقه البائع من الوقف،

ص: 71

على بيعه مجتمعين (1) و متفرّقين، إن شاء اللّه» «1».

دلّت (2) على جواز البيع، إمّا في خصوص ما ذكره الراوي- و هو كون

______________________________

فلا ينفذ بيع ما زاد على حصته.

(1) الاجتماع على البيع هو اتفاق كلمة أهل الوقف، سواء باعوه صفقة واحدة، أم باع كل منهم حصّته. و الافتراق إختلاف أنظارهم في البيع، بأن يريده بعضهم دون بعض.

(2) غرض المصنف قدّس سرّه تقريب دلالة هذه المكاتبة على جواز البيع، و محصله:

أن قوله عليه السّلام: «فليبع كلّ قوم» يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون تجويز بيع البعض لحصته من الوقف مشروطا بكونه أعود و أنفع للموقوف عليه. و منشأ هذا الاحتمال كون جواب الإمام عليه السّلام ناظر للسؤال، و صدوره في مورد فرض السائل أصلحية البيع، لقوله: «و كان ذلك أصلح».

و عليه فلا منافاة بين هذه المكاتبة و بين رواية جعفر المجوّزة للبيع إذا كان أنفع و أصلح، فهما متوافقتان في الحكم.

ثانيهما: أن يكون تجويز بيع البعض مطلقا و غير مقيّد بكونه أنفع، لعدم ورود قيد «الأصلح» في جواب الإمام عليه السّلام، و إنّما ورد في سؤال السائل، و العبرة بإطلاق الجواب، لاحتمال عدم دخل «الأصلح» في جواز بيع كل واحد من أهل الوقف حصّته.

و بناء على هذا الوجه يقع التنافي بين جواز البيع مطلقا- سواء أ كان أنفع أم لا- و بين مفهوم الجملة الشرطية في قوله عليه السّلام في خبر جعفر «إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم» لظهوره في انتفاء الجواز بانتفاء رضا الكل، أو بانتفاء خيرية البيع.

و يرتفع التنافي بتقييد إطلاق البيع- في المكاتبة- بمفهوم رواية جعفر، و نتيجة

______________________________

(1) الإحتجاج، ج 2، ص 312- 313، الوسائل، ج 13، ص 306، 307، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 9

ص: 72

البيع أصلح- و إمّا مطلقا، بناء (1) على عموم الجواب. لكنّه (2) مقيّد بالأصلح، لمفهوم رواية جعفر.

كما أنّه يمكن (3) حمل اعتبار رضا الكلّ في رواية جعفر على صورة بيع تمام

______________________________

التقييد اختصاص جواز البيع بكونه أنفع.

(1) قيد ل «مطلقا» يعني: أن دلالة المكاتبة على إطلاق جواز البيع مبنية على عدم قرينية السؤال على ما يراد من الجواب. فلو قيل باختصاص الجواب بمورد السؤال لم يكن إطلاق في البين، كما تقدم آنفا.

(2) أي: لكنّ إطلاق جواز البيع مقيّد بمفهوم الجملة الشرطية في قوله عليه السّلام:

«إذا رضوا كلّهم، و كان البيع خيرا لهم» كما تقدم آنفا.

(3) الضمير للشأن، و غرضه قدّس سرّه قرينية كل واحد من الخبرين على التصرف في الآخر، فكما أن مفهوم خبر جعفر مقيّد لإطلاق جواز البيع بناء على الاحتمال الثاني في المكاتبة، فكذا تكون المكاتبة قرينة على التصرف في خبر جعفر.

و بيانه: أن قوله عليه السّلام فيه: «نعم إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم» يدلّ بمفهوم الشرط على عدم نفوذ البيع بفقد كل واحد من الشرطين، و هما رضا الكل و كون البيع خيرا. و عليه فلا عبرة برضا بعض أهل الوقف في بيع حصّة نفسه منه.

و من المعلوم منافاة هذا المفهوم لقوله عليه السّلام في منطوق المكاتبة: «فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرقين» الصريح في صحة بيع كلّ صحة برضا أربابه.

و يرتفع هذا التنافي برفع اليد عن ظهور خبر جعفر في كون رضا الكلّ شرطا تعبديّا لجواز البيع كشرطية الأعودية، بل يقال: إن اريد بيع تمام الوقف لزم رضا الجميع، عملا بظاهر قوله عليه السّلام: «إذا رضوا كلهم»، كما هو الحال في التصرف في سائر الأملاك المشتركة و متعلقات الحقوق، و إن اريد بيع بعض أهل الوقف نصيبه منه كفى رضاه، و لا يكون رضا الجميع شرطا في البيع، على ما هو صريح المكاتبة.

ص: 73

الوقف، لا اعتباره (1) في بيع كلّ واحد، بقرينة (2) رواية الاحتجاج.

و يؤيّد المطلب (3) صدر رواية ابن مهزيار الآتية (4) لبيع حصّة ضيعة الإمام عليه السّلام من الوقف.

______________________________

و يؤيّد هذا الحمل ما ورد في صدر مكاتبة ابن مهزيار من قوله عليه السّلام: «أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حصّتي من الضيعة، و إيصال ثمن ذلك إليّ، إن ذلك رأيي إن شاء اللّه تعالى» ضرورة أنّ أمره عليه الصلاة و السلام ببيع حصّته دليل على كفاية رضا كل واحد من أهل الوقف ببيع حصته.

(1) أي: اعتبار رضا الكل، و عدم توقف صحته على اجتماعهم عليه.

(2) هذا و قوله: «على صورة» متعلقان ب «حمل».

(3) المراد من المطلب حمل خبر جعفر على صورة بيع تمام الوقف، و نتيجته جواز بيع كل قوم نصيبه منه.

و أمّا جعله مؤيّدا- لا دليلا- فإمّا لاحتمال إرادة الهبة من قوله: «و جعل لك في الوقف الخمس» بأن يكون الوقف بالنسبة إلى أربعة أخماس الضيعة، فيكون خمسها هبة له عليه السّلام.

و إن كان خلاف الظاهر، لأنّ قوله: «ابتاع ضيعة فأوقفها» ظاهر في كون الوقف شاملا لتمام الضيعة.

و إمّا لعدم ظهورها في حكم الوقف المؤبّد.

و إمّا لعدم تحقق القبض كما سيأتي التعرض له في الصورة العاشرة فراجع (ص 179).

(4) سيأتي في (ص 151) استدلال من جوّز بيع الوقف- في الصور الأربع الأخيرة- بها، فانتظر.

هذا كلّه ما يتعلق بقوله في (ص 63): «و عدم ما يصلح للمنع عدا رواية ...» أي جواز البيع إن كان أعود، دليلا و مؤيّدا.

ص: 74

و الجواب (1): أمّا عن رواية جعفر، فبأنّها (2) إنّما تدلّ على الجواز مع حاجة الموقوف عليهم، لا لمجرّد كون البيع أنفع [1].

______________________________

(1) أجاب المصنف قدّس سرّه عن الاستدلال بالخبرين على الجواز، فعن الأوّل بوجوه أربعة، و عن الثاني بوجهين منها، و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا هو الوجه الأوّل، و حاصله: أن الدليل أخص من المدّعى.

توضيحه: أن الغرض من الاستدلال بخبر جعفر بن حيّان إثبات جواز بيع الوقف لمجرّد كونه أنفع، سواء انضمّت جهة اخرى- من حاجة أو ضرورة شديدة- إليه، أم لا. مع أنّ الخبر يدلّ على إناطة الجواز بحاجة الموقوف عليهم أيضا، لأنّ قوله عليه السّلام: «نعم» ناظر إلى الجواز في مفروض السؤال و هو الحاجة، لكنه عليه السّلام قيّده بكونه أصلح لهم. و مقتضاه توقف نفوذ البيع على اجتماع الأمرين، و بهذا يظهر عدم وفاء الخبر بإثبات المقصود.

نعم، لا بأس بالاستدلال به لمن يشترط الحاجة و الأعودية كابن سعيد و الشهيد قدّس سرّه هما.

هذا مع الغضّ عن الشرط الآخر المذكور في جوابه عليه السّلام من اعتبار رضى

______________________________

[1] هذا ينافي ما سيأتي في الصورة الخامسة، من قوله: «مع أنه قد يقال ...»

الظاهر في إلغاء قيد الحاجة. و لم يتأمل فيه المصنف قدّس سرّه.

نعم، لا بأس بإلزام من يكتفى بكون البيع أعود بما ورد في خبر جعفر بن حنّان، بناء على كون «نعم» دالّا على تقرير جواز البيع عند الحاجة، فلو كان عدولا عنه إلى كفاية كونه خيرا لم يتجه ما في المتن.

كما أن الجواب الثالث أيضا مبني على اعتبار قيد الحاجة، حتى يقال بأنّها المراد من الخير. و أمّا الجواب الثاني فمبني على إلغاء الحاجة، و كون مناط جواز البيع الصلاح و النفع، فلاحظ.

ص: 75

فالجواز مشروط بالأمرين كما تقدّم عن ظاهر النزهة (1). و سيجي ء الكلام في هذا القول (2).

بل يمكن أن يقال (3): إنّ المراد بكون البيع خيرا لهم: مطلق النفع الذي

______________________________

الجميع، و إلّا فيكون جواز البيع دائرا مدار امور ثلاثة: الاحتياج و رضا الجميع و الأعودية. و على كل حال فلا تدل الرواية على كون المناط في جواز البيع الأعودية بالاستقلال.

فإن قلت: يمكن إلغاء قيد «الحاجة» لكونه مأخوذا في السؤال، لا في جواب الإمام عليه السّلام، كما تقدّم نظيره في الاستدلال بالمكاتبة من احتمال دلالتها على الجواز مطلقا لا مشروطا بالأصلحية، حيث قال: «و إمّا مطلقا بناء على عموم الجواب».

فتمام المناط رضا الكل و الأعودية، فيتجه الاستناد إلى الخبر لجواز البيع إن كان أصلح. و أمّا قيد «رضى الكل» فهو إمّا ظاهر في بيع تمام الوقف بمعنى رضا كل واحد ببيع نصيبه، فلا دلالة فيه على اعتبار الاجتماع حتى بالنسبة إلى بيع بعض الوقف. و إمّا لا يؤخذ به من جهة تقييده بالمكاتبة.

قلت: لا مجال لإلغاء القيد هنا، لظهور «نعم» في الجواز في موضوع الحاجة، غايته زيادة الشرطين، لا تخطئة السائل في أصل دخل الحاجة في نفوذ البيع.

(1) حيث قال فيها: «أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة و يكون بيع الوقف أصلح لهم» «1».

(2) أي: القول بجواز البيع لو احتاج الموقوف إليهم إلى البيع، و سيأتي في الصورة الخامسة.

(3) هذا هو الوجه الثاني ممّا أجاب به عن الاستدلال بالرواية، و حاصله: أنّه يمكن إرادة مطلق النفع من «الخير» في قوله عليه السّلام: «و كان البيع خيرا لهم» فالمراد

______________________________

(1) نزهة الناظر، ص 74، و تقدم في نقل الأقوال، فراجع هدى الطالب ج 6، ص 564

ص: 76

..........

______________________________

حينئذ: كون فعل البيع أرجح من تركه، كما هو ديدن العقلاء الذين لا يقدمون غالبا على فعل إلّا إذا كان أرجح من تركه. و من المعلوم أنّ الأعودية بهذا المعنى ممّا لم يقل به أحد، لعدم كونها حينئذ شرطا تعبديا، بل أمرا ارتكازيا عقلائيّا.

و بعبارة اخرى: المقصود من هذا الوجه إسقاط خبر جعفر عن الاعتبار بإبداء احتمال آخر في كلام الإمام عليه السّلام لم يقل به أحد، فيشكل العمل به من جهة مخالفته للإجماع.

و توضيحه: أنه عليه السّلام عدل عمّا فرضه السائل- من الحاجة إلى البيع- إلى قوله عليه السّلام: «إذا كان خيرا لهم». و هذه الجملة يحتمل كونها قيدا لجواز البيع، فتدل بمفهوم الجملة الشرطية على انتفاء الجواز بانتفاء الخير، كما هو مبنى الاستدلال.

و يحتمل كونها مبيّنة للموضوع بمعنى أنه عليه السّلام جوّز بيع الوقف، و لم يعلّقه على كونه أصلح بحال الموقوف عليه، و إنّما أتى بجملة «إذا كان خيرا» تمهيدا لذكر الجواب، و هو «باعوا في مورد حاجتهم» و تنبيها على أن رعاية الخير و الصلاح يكون من قبيل الداعي الذي يلاحظه العقلاء في معاملاتهم و أفعالهم الاختيارية، حيث إن إقدامهم على المعاملة مطلقا- سواء أ كان المبيع وقفا أو ملكا طلقا- و ترجيح الفعل على الترك منوط عادة برعاية النفع و المصلحة، و من المعلوم أنّ هذا الأمر الارتكازي العقلائي لا يتوقف على بيان الشارع.

و عليه تكون هذه الشرطية «إذا كان خيرا باعوا» نظير الجمل الشرطية المسوقة لبيان الموضوع، و قد تقرر عدم انعقاد المفهوم لها، لكون السلب فيها بانتفاء الموضوع، لا المحمول، فكأنّه عليه السّلام قال: «إذا كان في بيع الوقف نفع ليس في عدمه، فليبيعوا، لأنّهم لا يقدمون على فعل اختياري إلّا أن يكون فيه الصلاح و الخير».

و معناه عدم كون النفع شرطا تعبّديّا لجواز بيع الوقف، بل هو إرشاد إلى أمر ارتكازي.

ص: 77

يلاحظه الفاعل (1) ليكون منشأ لإرادته (2). فليس (3) مراد الإمام عليه السّلام بيان اعتبار ذلك (4) تعبّدا، بل المراد بيان الواقع (5) الذي فرضه السائل، يعني: إذا كان الأمر

______________________________

و بناء على هذا الاحتمال يجوز بيع الوقف بمجرّد اقترانه بالمنفعة. و هذا مخالف للإجماع، لعدم التزامهم بكفاية مطلق النفع في البيع، و إنّما يقع البحث في جواز البيع إن كان أنفع بعد وجود النفع فيه و عدمه، هذا.

فإن قلت: يمكن منع احتمال إرادة مطلق الخير و النفع من قوله عليه السّلام: «خيرا لهم» و ذلك بقرينة سبق السؤال عما إذا كان البيع أصلح، فالمتحصل من الجواب إناطة الجواز بكون البيع أنفع من تركه، و عدم كفاية مطلق الخير الموجب لحدوث إرادة البيع و اختياره على تركه.

و عليه ينطبق جوابه عليه السّلام على ما نحن فيه من جواز بيع الوقف إن كان أنفع.

قلت: لا سبيل لمنع الاحتمال المزبور، إذ كما يمكن جعل كلمة «الأصلح» قرينة على المراد من الخير، فكذا العكس أي قرينية «الخير و مطلق النفع» على ما يراد من «الأصلح» و يكون الجواب حينئذ واردا مورد السؤال، و ليس أجنبيّا عنه.

و عليه فلا شاهد لسدّ باب الاحتمال المزبور، و هو موجب لطرح الخبر، لمخالفته للإجماع.

(1) يعني: أن فاعل الفعل الاختياري- من بيع و غيره- يلاحظ مطلق النفع، فيقدم على العمل.

(2) أي: لإرادة الفاعل و العامل، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، أو إلى المفعول و هو «الفعل» المستفاد من كلمة «الفاعل».

(3) هذا نتيجة احتمال إرادة مطلق النفع.

(4) أي: اعتبار مطلق النفع الموجب لاختيار فعل شي ء على تركه.

(5) يعني: مفروض السؤال هو كون بيع الوقف ذا مصلحة بالنسبة إلى تركه.

ص: 78

على ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز. كما يقال: إذا أردت البيع و رأيته أصلح من تركه فبع. و هذا (1) ممّا لا يقول به أحد [1].

و يحتمل أيضا (2) أن يراد من «الخير» خصوص رفع الحاجة التي

______________________________

(1) أي: جواز بيع الوقف- إن كان فيه مصلحة- لا يقول به أحد، فلا وجه للعمل بهذا الخبر المخالف للإجماع.

(2) يعني: كما يحتمل إرادة مطلق النفع- كما تقدم في الوجه الثاني- فكذا يحتمل ... الخ، و هذا هو الوجه الثالث، و حاصله: أن الخير- بقرينة السؤال- يمكن أن يراد به رفع الحاجة المفروضة في كلام السائل، فيكون المسوّغ للبيع حينئذ رفع حاجة الموقوف عليهم، لا كون البيع أعود لهم، فيكون ظاهر الرواية غير مطابق للدعوى، فلا يمكن الاستدلال بها عليه.

و بعبارة اخرى: يحتمل في قوله عليه السّلام: «و كان خيرا باعوا»- من جهة كونه مسبوقا بالسؤال عن حكم حاجة الموقوف عليهم و عدم كفاية غلّة الموقوفة لمئونتهم- إرادة رفع الحاجة المفروضة في كلام السائل، لا زيادة المنفعة. فكأنّه عليه السّلام قال: «و كان البيع وافيا بالحاجة باعوا» و هذه الحاجة محتملة لأمرين:

أحدهما: أن يكون احتياج الموقوف عليهم إلى نفس ثمن الموقوفة ليصرف في شئونهم، فيكون تجويز البيع ناظرا إلى كون التصرف في نفس الثمن أنفع- في رفع الحاجة- من إبقاء العين و الانتفاع بالغلّة غير الوافية لهم. و بناء على هذا الاحتمال تصلح الرواية للاستدلال بها في الصورة الخامسة الآتية، و هي البيع لرفع الحاجة.

______________________________

[1] لا يخفى أن مخالفة الإجماع كافية في رفع اليد عن الظهور فضلا عن إسقاط الاحتمال. فحملها على معنى لا يقول به أحد ثم طرحها لأجله أمر غريب «1».

______________________________

(1) حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 179، حاشية العلّامة السيد الاشكوري قدّس سرّه، ص 163

ص: 79

فرضها السائل (1).

و عن المختلف و جماعة: الجواب (2) عنه بعدم ظهوره في المؤبّد،

______________________________

ثانيهما: أن يكون احتياجهم إلى نفع زائد لتفي الغلّة بمؤونتهم، بأن يكون الباعث على البيع تكميل النفع حتى يفي بها، و هذا ينطبق على الصورة الرابعة من تبديل العين بما يكون الانتفاع به أزيد.

و ليس الخبر ظاهرا في الاحتمال الثاني ليكون دليلا على جواز البيع في الصورة الرابعة، فيحتمل أن يراد به الاحتمال الأوّل، فيصير مدلوله أجنبيّا عمّا نحن فيه، هذا.

(1) بقوله: «فللورثة ... أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة».

(2) غرضه الإشارة إلى جواب آخر عن خبر جعفر بن حيّان، و هو كونه أجنبيّا عمّا نحن فيه من جواز بيع الوقف المؤبّد، و ذلك لاقتصار الواقف- كما ذكره السائل- على قرابة الأب و الامّ ممّا ظاهره انقطاع الوقف، و عدم تعرض الواقف لمثل قوله: «فإن انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين». فالاقتصار على ذكر الأعقاب يدل على كون الوقف منقطعا لا مؤبّدا [1] فلا تكون الرواية دليلا على المدّعى، و هو بيع الوقف المؤبّد.

قال العلّامة في التذكرة و المختلف بعد نقل الخبر: «فإن مفهوم هذه الرواية عدم التأبيد» «1».

______________________________

[1] أو لقوله في آخر الخبر «و لورثة قرابة الميت» إذا لو كان الوقف مؤبّدا

______________________________

(1) مختلف الشيعة ج، 6، ص 289؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444 و نسبه صاحب المقابس إلى الفاضل المقداد و أبي العبّاس ابن فهد و الصيمري أيضا، فراجع مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 50؛ التنقيح الرائع، ج 2، ص 329؛ المهذب البارع، ج 3، ص 67؛ غاية المرام (مخطوط)، ج 1، ص 487، و استظهره صاحب الجواهر أيضا و إن عبّر عن الرواية بالمكاتبة، فراجع جواهر الكلام، ج 22، ص 372 و 373

ص: 80

لاقتصاره (1) على ذكر الأعقاب (2).

و فيه (3) نظر،

______________________________

و لعلّ الأولى تأخير هذه المناقشة عن الوجه الرابع الآتي بقوله: «مع عدم الظفر بالقائل به» لفرض أن شبهة انقطاع الوقف محلّ نظر عنده و إن أمر بالفهم بعده.

(1) هذا الضمير و ضميرا «عنه، ظهوره» راجعة إلى خبر جعفر بن حيّان و الأولى تأنيثها بلحاظ رجوعها إلى «رواية جعفر».

(2) هذا من النقل بالمعنى، إذ الموجود في خبر جعفر «قرابته من أبيه و قرابته من امّه»، و لفظ «الأعقاب» مذكور في ما رواه الحميري عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(3) يعني: و في الجواب المذكور في المختلف نظر، وجه النظر: أن اقتصار السائل- في مقام حكاية فعل الواقف- على ذكر خصوص قرابة الأب و قرابة الام، و عدم تعقيبه بمثل «فإن انقرضوا ... لا يشهد بانقطاع الوقف، لأعميته منه، إذ قد يقتصر في المؤبّد على ذكر صنف من الموقوف عليهم كالأولاد من دون تعيين مآل الوقف لو انقرضوا.

______________________________

كانوا من الموقوف عليهم، لشمول «قرابة الميّت» للقريب مع الواسطة أيضا. فالتعبير عنهم بالورثة كاشف عن كون الموقوف عليهم هم الطبقة الأولى خاصة، و تكون الطبقة الثانية ورثة للقرابة الموقوف عليهم، و ليست منهم.

و لكن اجيب عنه بعدم شهادة التعبير المتقدم بانقطاع الوقف، لوجود مثله في الوصية أيضا، إذ الموصى له ليس خصوص الرجل، بل هو و عقبه، و مع ذلك عبّر في ذيل الرواية عن العقب بالورثة، لقوله: «و إن انقطع ورثته».

و بالجملة: فالتعبير عن الطبقة اللاحقة- وقفا و وصية- بالورثة لا يدلّ على أن استحقاقهم للعين أو للمنفعة بالإرث دون الوقف و الوصية «1».

______________________________

(1) حاشية المحقق الأصفهاني، ج 1، ص 270 و 271

ص: 81

لأنّ الاقتصار (1) في مقام الحكاية لا يدلّ على الاختصاص (2)، إذ يصحّ أن يقال في الوقف المؤبّد: إنّه وقف على الأولاد مثلا (3). و حينئذ (4) فعلى الإمام عليه السّلام

______________________________

و حيث كان الاقتصار متعارفا في كلا قسمي الوقف، أمكن التمسك بالإطلاق الناشي من ترك الاستفصال، إذ لو اختلف حكم الوقف المنقطع- في جواز البيع عند الحاجة- عن المؤبد كان المناسب أن يكلّف السائل تعيين كون الوقف المزبور موقتا أو مؤبّدا. و لمّا لم يستفصل الإمام عليه السّلام و بيّن الحكم بقوله: «نعم إذا رضوا كلّهم و كان خيرا لهم باعوا» كشف عن اتّحاد قسمي الوقف في جواز البيع إن كان خيرا للموقوف عليهم.

و هذا الجواب أفاده المحقق الثاني، و ارتضاه جمع منهم صاحب المقابس، فقال:

«و يحتمل أن يكون السكوت عن المرتبة الأخيرة العامة إحالة على ظهورها، أو لعدم تعلق غرض في أوّل السؤال بذكرها. و مثل ذلك شائع في الاستعمال. و لمّا كانت حكاية الحال محتملة، و ترك الاستفصال في الجواب، كان دليلا على العموم، كما تقدّم عن المحقق الكركي. و ليس ببعيد و إن كان ظاهر اللفظ يساعد الأوّل، و هو الانقطاع» «1».

(1) أي: اقتصار السائل- في مقام حكاية صورة الوقف- لا مقام جعل الوقف و إنشائه، إذ لو اقتصر الواقف على خصوص قرابة الأبوين في الإنشاء كان منقطعا.

(2) أي: اختصاص الوقف بالقرابة و أعقابهم حتى يكون وقفا منقطعا.

(3) من دون إضافة قوله: «فإذا انقرضوا فهو للفقراء مثلا» فعدم التصريح بمن يوقف عليه بعد الأولاد غير قادح في كون الوقف مؤبّدا.

(4) يعني: فحين عدم دلالة حكاية صورة الوقف على الاختصاص، فلو كان جواز البيع مختصا بالمنقطع كان المناسب أن يستفصل الإمام من السائل: أن المسؤول

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 50؛ جامع المقاصد، ج 9، ص 70

ص: 82

أن يستفصل إذا كان بين المؤبّد و غيره فرق في الحكم، فافهم (1).

و كيف كان (2) ففي الاستدلال بالرواية- مع ما فيها من الإشكال (3)-

______________________________

عنه موقت أو مؤبّد، مع أنّه عليه السّلام لم يستفصل.

(1) لعلّه إشارة إلى أنّه لا مورد في الخبر للاستفصال، لظهور قوله عليه السّلام:

«يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلّة» في كون السؤال عن الوقف المؤبّد.

و يمكن تأييده بأنّ السؤال مسوق لحكم ما جعله الواقف للموصى له، لا لحكم الوقف، فلا مجال لاستظهار تعيين المؤبّد من إطلاق الحكاية.

أو إشارة إلى عكس ما ذكر، بأن يقال: إن ظاهر الحكاية هو حكاية تمام الواقعة، و أنّ الموقوف عليهم هم القرابة، و بعد هذا الظهور في الانقطاع لا محلّ للاستفصال ليكون تركه دالّا على عموم الجواب.

(2) يعني: سواء أمكن التفصّي من شبهة اختصاص الخبر بالوقف المنقطع، أم لم يمكن، فإنّ الاستدلال بها على الصورة الرابعة مشكل، لما عرفت من الوجوه الثلاثة، مضافا إلى إشكالين آخرين، و هما ما ذكره في المقابس من الجمع بين الوقف و الوصية، و إعراض الجل أو الكل عنه.

(3) هذا إشارة إلى الإشكال المذكور في المقابس، و هذا لفظه:

«ثم الظاهر من الوقف هو الوقف المعروف، فقوله:- أوصى لرجل ... الخ- يدلّ على أنّ استحقاق ذلك الرجل بطريق الوصية الجارية بعد موت الواقف، و يلوح من قوله:- و يقسّم الباقي- في موضعين: أنّ استحقاق القرابة أيضا على هذا الوجه.

فإن كان الوقف قد استكمل شرائطه فكيف حكم عليه السّلام بإمضاء الوصية؟

و إن لم يستكمل شرائطه أصلا امضيت الوصية و بطل الوقف، و رجع رقبة الأرض و منافعها الخارجة عن الوصية ميراثا، و لم يثبت فيه حكم توارث القرابة لغلّتها دائما.

و إن كان الوقف معلّقا على الموت كان باطلا أيضا.

ص: 83

على (1) جواز البيع بمجرّد الأنفعية إشكال (2)، مع عدم الظفر بالقائل به (3)، عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة (4).

______________________________

و إن وقع مطلقا و لم يحصل إقباض، فأوصى ثم أقبض لها القرابة، فإن كان الإقباض فسخا للوصية مضى الوقف و بطلت الوصية. و إن لم يكن فسخا فكيف يمكن الجمع بين الأمرين معا؟ فالحديث موضع إعضال و إشكال.

و يخطر بالبال في حله وجوه:

الأوّل: أن يراد بالوقف الوصية، و لا يجب تقدير المضاف حينئذ، و لا حاجة إلى الحمل على الدوام، لتعلق الوصية بالمنفعة و المنقطع بلا إشكال. و لمّا أوصى بدوام انتفاع القرابة من منافع تلك الأرض- و ظاهره أنّ القسمة بالسوية لا على النص المعتبر في الإرث- سمّى ذلك بالوقف، و لوّح بعد ذلك بما يقتضي كونه على وجه الوصية. و حينئذ يرتفع الإشكال المذكور» ثم أجاب قدّس سرّه بوجوه اخر، فلاحظ «1».

(1) متعلق ب «الاستدلال».

(2) مبتدء مؤخر لقوله: «ففي الاستدلال» فكأنّه قال: «و كيف كان فإشكال في الاستدلال».

(3) أي: بالجواز، و هذا وجه رابع في الجواب عن الاستدلال بالرواية، و حاصله: أنّه بعد الغض عن الإشكالات المتقدمة- و تسليم ظهورها في جواز البيع بمجرد الأعودية- تكون الرواية معرضا عنها، لعدم الظفر بمن قال بمضمونها، فمن جهة الإعراض لا يمكن الاستناد إليها.

(4) تقدّمت عبارته في (ص 58) و تقدّم وجه عدم ظهورها في جواز بيع الوقف المؤبّد.

و قيل أيضا بعدم دلالة عبارته على ذلك أصلا، لأنّها ناظرة إلى حكم الوقف

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 50

ص: 84

و ممّا ذكرنا (1) يظهر الجواب عن رواية الحميري.

ثمّ لو قلنا (2) في هذه الصورة بالجواز كان الثمن للبطن الأوّل البائع يتصرّف

______________________________

قبل القبض، و من المعلوم أنّ القبض إمّا شرط في الصحة و إمّا شرط في اللزوم، و على التقديرين لا مانع عن الرجوع. فمفروض كلامه قبل القبض، كما أنّ مفروضه الرجوع عن الشرط لا جواز البيع.

لكن يمكن التأمل في هذا الوجه بعدم كون القبض شرطا لصحة الوقف أو لزومه- إلّا في بعض الصور- عند الشيخ المفيد قدّس سرّه كما ادعاه في المقابس و استشهد بكلماته، فراجع «1».

(1) يعني: يجري في المكاتبة ما ذكرناه من الوجه الثاني، و هو إرادة مطلق النفع من كلمة «الأصلح» الواردة في ما رواه الحميري عن الإمام الصادق عليه السّلام، كما تقدم توضيحه في (ص 77).

كما يجري الوجه الرابع في المكاتبة، و هو إعراض الأصحاب، المتقدم في (ص 84) فراجع [1].

(2) هذا الكلام إلى آخر الصورة جواب آخر عن القول «بجواز بيع الوقف إن كان أعود» كما ورد في كلام بعضهم. و محصّله: إبطال الوقف و اختصاص الثمن

______________________________

[1] و لعلّ الاولى في الجواب عن المكاتبة أن يقال: إنّها سيقت لبيان جواز البيع فيما ثبت جوازه مع التفرق و الاجتماع، فهي في مقام نفي اعتبار رضا الجميع في البيع. و أما جواز بيعه فلا بد أن يثبت من تقريره- صلوات اللّه عليه و عجل اللّه تعالى فرجه الشريف- لما رواه السائل مرسلا، و هو ذو احتمالات كثيرة، فيصير مجملا لا يصح الاستدلال لا بالمكاتبة و لا برواية جعفر بن حيّان بناء على اعتبار سندها سواء أ كانت هي عين ما رواه السائل مرسلا أم غيرها.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 44 و 45

ص: 85

فيه على ما شاء.

______________________________

بالبطن الموجود، مع أنّه لا يمكن الالتزام به.

و توضيحه: أن ما ذكر في عنوان الصورة الرابعة- من جواز البيع إن كان أعود أو أدرّ أو أنفع- و ما استدل به عليه و هو خبر جعفر بن حيّان و المكاتبة، يقتضيان اختصاص الثمن بالبطن الموجود. أمّا ظهور عنوان المسألة- كما مرّ في مثل عبارة النزهة- فلأنّ العائدة- كما قيل- هي المنفعة المالية التي تعود إلى الشخص، فمعنى «كون البيع أعود» كونه أكثر فائدة من المنفعة التدريجية بالغلّة و نماء الوقف.

و من المعلوم أن صدق «البيع أعود» منوط بما إذا جاز للبطن البائع صرف الثمن في مئونة نفسه، لا بأن يبدل الوقف بما يكون فائدته أزيد من فائدة المبدل.

و أمّا ظهور الدليل في اختصاص الثمن بالبطن الموجود فلدلالة خبر جعفر على تجويز البيع- مع حاجة الموقوف عليهم- في رفع حاجتهم، بصرف نفس الثمن [1].

و كذا المكاتبة، فإنّه عليه السّلام جعل حقّ البيع لهم، و ظاهره تملكهم للثمن.

و لم يستفصل عليه السّلام- في ترخيص البيع- عن أن حصة البعض مما يمكن بقاء بدله بعد البيع و انتفاع البطون اللّاحقة به أم لا. و حيث إن الثمن في صورة تعذر انتفاع البطون يكون ملكا طلقا للبائع، فكذا في صورة إمكان انتفاعهم، لاتحاد حكم البيع.

و الحاصل: أن مقتضى عنوان المسألة و الدليل عليه اختصاص الثمن بالبطن الموجود. و هذا مخالف لما تقدم في الصورة الاولى من أن الموقوفة ملك فعلي للموجود،

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إن الاحتياج- الذي هو ربما يكون قرينة على كون البيع لرفع حاجتهم المتوقف على صرف الثمن في مصالح البطن الموجود- مفقود في المكاتبة، بل هي مسوقة لبيان جواز البيع مجتمعين و متفرقين، و لا إطلاق لها بالنسبة إلى صرف الثمن في البطن الموجود.

ص: 86

و منه (1) يظهر وجه آخر (2) لمخالفة الروايتين للقواعد، فإن (3) مقتضى كون العين مشتركة بين البطون كون بدله كذلك (4)، كما (5) تقدم (6) من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع، فيكون (7) تجويز البيع في هذه الصورة

______________________________

و شأني للمعدوم، و مقتضى المعاوضة الشركة و تعلق حق المعدومين بالثمن على حدّ تعلقه بالمثمن. و بهذا يظهر مخالفة الخبرين للقواعد المسلّمة، هذا.

(1) أي: و من كون الثمن مختصا بالبطن الأوّل يظهر ... الخ.

(2) يعني: غير الوجوه المتقدمة من إعراض الأصحاب عن العمل بهما و غير ذلك.

(3) هذا بيان المخالفة بوجه آخر، و هو اقتضاء البدلية قيام الثمن مقام المثمن في ما له من إضافة.

(4) أي: مشتركة بين البطون.

(5) كذا في النسخ، و الأولى «لما».

(6) حيث قال: «و مما ذكرنا يظهر: أن الثمن على تقدير البيع لا يخصّ به البطن الموجود ... لاقتضاء البدلية ذلك ...»، فراجع «1».

(7) غرضه توجيه اختصاص الثمن بالموجودين بما لا يلزم مخالفته لمفهوم المعاوضة و المبادلة.

و بيانه: أنّه لو سلّم دلالة الروايتين على جواز البيع و صرف الثمن في مئونة الموجودين، كشف هذا التجويز عن ترخيص الشارع لهم في إسقاط حقّ الطبقات المتأخرة آنا قبل البيع، و بطلان الوقف، فيقع النقل على العين المختصة بالموجودين، و لازمه اختصاص الثمن بهم، لعدم ما يوجب شركة المعدومين فيه حينئذ.

و نظير إسقاط حق اللاحقين ما ذكروه في التملك الآني في تصرف ذي الخيار

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 627- 629

ص: 87

و التصرف (1) في الثمن رخصة (2) من الشارع للبائع في إسقاط حقّ اللّاحقين آنا مّا قبل البيع- نظير (3) الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب- لئلّا (4) يقع البيع على المال المشترك، فيستحيل (5) كون بدله مختصّا.

______________________________

و الواهب فيما يتوقف على الملك، كما إذا باع الواهب ما وهبه للغير، فإنّ مقتضى توقف البيع على الملك عود المال إلى ملكه آنا- و تحقق الرجوع عن الهبة- ليقع البيع في ملكه.

(1) يعني: التصرف الاختصاصي في ثمن الوقف، كالتصرف في أموالهم المختصة بهم.

(2) خبر قوله: «فيكون».

(3) يعني: كما أن بيع الواهب كاشف عن رجوعه، و إلغاء ملكية المتهب.

(4) يعني: أن الداعي على هذا التوجيه هو عدم وقوع البيع على مشترك، مع كون بدله مختصّا.

(5) أي: حتى يستحيل، و هذا متفرع على المنفي- و هو وقوع البيع على المال المشترك- إذ لو كان المبدل مشتركا بين جميع البطون امتنع- بمقتضى المعاوضة- كون البدل مختصا بالبطن الموجود.

هذا تمام الكلام في الصورة الرابعة.

ص: 88

[الصورة الخامسة أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة]

الصورة الخامسة: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة (1).

و قد تقدّم عن جماعة تجويز البيع في هذه الصورة، بل عن الانتصار (2)

______________________________

الصورة الخامسة: حاجة الموقوف عليهم إلى الثمن

(1) تقدم الفرق بين موضوع الحكم في هذه الصورة و سابقتها في (ص 56) فالمقصود هنا الانتفاع بالثمن بصرفه في حاجة الموقوف عليهم. و في المسألة قولان:

أحدهما: الجواز. قال به جماعة كالشيخ المفيد و السيد المرتضى و شيخ الطائفة و سلّار و أبي المكارم و ابن حمزة و الراوندي و غيرهم. ففي المقنعة:

«و كذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه». و تكرّر هذا المضمون في كلماتهم المنقولة أوّل المسألة «1». و استدلّ عليه بوجهين و هما: الإجماع و خبر جعفر بن حيّان.

ثانيهما: المنع. و هو ظاهر من لم يستثن هذه الصورة من منع البيع كالمحقق و العلّامة و الصيمري و غيرهم، لقصور دليل الجواز.

(2) قال السيد: «و ممّا انفردت الإمامية به القول بأن ... و أنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه». و قال السيد أبو المكارم:

«و يجوز عندنا بيع الوقف ... أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه» و ظهور «مما انفردت به الإمامية» و «عندنا» في الإجماع لا ينكر.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 557- 564

ص: 89

و الغنية: الإجماع عليه. و يدلّ عليه (1) رواية جعفر المتقدمة.

و يردّه (2): أنّ ظاهر الرواية

______________________________

(1) أي: على الجواز، بتقريب: أنّه عليه الصلاة و السلام جوّز البيع في مفروض كلام السائل، و هو احتياج الموقوف عليهم و عدم كفاية الغلّة لمصارفهم، و ذلك بعد تقييد مطلق الحاجة بالشديدة بالإجماع المدّعى على عدم جواز بيع الوقف لمطلق الحاجة.

ثمّ إن الغرض صرف نفس الثمن في مئونة الموقوف عليهم. و هذا ينطبق على المقام من جواز بيع الوقف إذا لحق حاجة بأهل الوقف، و ليس المراد تبديل الموقوفة بما يزيد نفعه على منفعتها.

(2) ناقش المصنف قدّس سرّه في كلا وجهي الجواز، ففي الخبر بوجهين، و في الإجماع بوجوه أربعة، و قدّم الإيراد على الخبر.

أما الوجه الأوّل فمحصّله: عدم مطابقة الدليل و الدعوى، لما بين عنوان «الضرورة الشديدة أو الحاجة الشديدة» و بين «الحاجة و عدم كفاية الغلّة»- الوارد في خبر جعفر- من العموم من وجه، و من المعلوم أن الدليل المتكفل لحكم أحد العامين من وجه قاصر عن إثبات حكم العام الآخر.

و بيانه: أن موضوع سؤال الراوي ليس هو الضرورة الشديدة حتى يكون جوابه عليه السّلام تجويزا للبيع في الصورة الخامسة، بل هو «إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة» و المحتاج الذي لا يكفيه الغلّة و المنفعة هو الفقير الشرعي الذي عرّفوه في كتاب الزكاة ب «من يقصر ماله عن مئونة سنته» كما في الشرائع «1».

و الوجه في ظهور الرواية في الفقير الشرعي هو: أن قوله: «إذا احتاجوا» و إن كان بمقتضى حذف المتعلق شاملا لكل ما يحتاجون إليه في امور معيشتهم، لكن

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 1، ص 159

ص: 90

أنّه يكفي (1) في البيع عدم كفاية غلّة الأرض

______________________________

ضمّ قوله: «و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة» إليه يدلّ على وجدان ما يكفيهم لبعض معيشتهم، فحاجتهم إلى مال آخر غير الغلّة التي لا تفي بمؤونتهم يكون في بعض السنة، و هذا هو الفقير الشرعي. كما أن ظاهر السؤال تكرر عدم كفاية الغلّة في سنين عديدة، و لم يختص بعام واحد، إذ لم يقيّد عدم وفاء الغلّة ببعض السنين، فيكون ظاهر حكاية الحال عدم استغناء الموقوف عليهم بهذه الغلّة.

و الوجه في تقييد عدم كفاية الغلّة بالسنة هو كون المتعارف ملاحظة المعاش سنة كاملة.

و على هذا فكأنّ الراوي سأل عن حكم بيع الموقوفة بعد انطباق حدّ الفقير الشرعي على أهل الوقف، و انحصار علاج فقرهم في البيع. و من المعلوم أجنبية هذا عن جواز البيع للضرورة الشديدة، المعبر عنها بالاضطرار العرفي، لكون النسبة بينهما عموما من وجه، فيجتمعان تارة، كما إذا كان فاقدا لمئونة السنة اللائقة بشأنه، و حصلت له حاجة شديدة إلى صرف مال في غير مئونته المتعارفة، كمرض أو حرق مثلا، فيتصادق عليه عنوانا «الفقير و المحتاج بشدة».

و يفترقان اخرى، فقد يكون فقيرا غير واجد لمصرف سنته، فينفق على نفسه مما ينطبق عليه من الحقوق الشرعية، و لم يكن له حاجة شديدة ليبيع شيئا من أمواله.

و قد يكون محتاجا- مع عدم صدق الفقير عليه لوجدانه مئونة سنته- كما إذا أصابه مرض أو حرق، فاضطرّ إلى صرف مال كثير ربما يكون أزيد من مئونة سنته.

و عليه فلمّا كان بين العنوانين عموم من وجه، و كان جواب الإمام عليه السّلام تجويزا للبيع في مورد عدم الكفاية- أي الفقر- لم يمكن الاستدلال بالخبر على جواز البيع في مورد الضرورة و الاضطرار. هذا توضيح الوجه الأوّل. و أما الوجه الثاني، فسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) لقوله عليه السّلام: «نعم» الظاهر في وروده مورد السؤال، و هو عدم كفاية الغلّة.

ص: 91

لمئونة سنة (1) الموقوف عليهم، كما لا يخفى. و هذا (2) أقلّ (3) مراتب الفقر الشرعي. و المأخوذ (4) في عبائر من تقدّم من المجوّزين اعتبار الضرورة و الحاجة الشديدة، و بينها و بين مطلق (5) الفقر عموم من وجه، إذ قد يكون فقيرا (6) و لا يتفق له حاجة شديدة، بل مطلق (7) الحاجة،

______________________________

(1) تقييد عدم كفاية الغلّة ب «السنّة» إمّا لأنّ المتعارف عند الناس ملاحظة فقرهم و غناهم بالنسبة إلى قصور المال عن مئونة السنة، و وفائه بها. و إمّا لأنّ سياق كلام السائل يعطي عدم كفاية غلّة الأرض إلى حصول غلّة اخرى من نفس تلك الموقوفة، و لعلّها لم تغل أكثر من مرة في كل سنة.

(2) أي: عدم كفاية غلّة الأرض لمئونة سنة أهل الوقف يجعلهم فقراء، فيجوز لهم بيع الوقف.

(3) التعبير بالأقل لأجل كون عدم وجدان مئونة سنة كاملة- فعلا أو قوة- موجبا للخروج من عنوان «الغنى» إلى عنوان «الفقر»، و حينئذ فأشدّ مراتب الفقر هو أن لا يملك مئونة يوم واحد.

(4) مبتدء، خبره «اعتبار» يعني: أن ظاهر الرواية لا ينطبق على العنوان الوارد في كلمات المجوزين، و هو الحاجة أو الضرورة الشديدة. و وجه عدم الانطباق ما سيذكره من كون النسبة بين الحاجة و الفقر عموما من وجه.

(5) التعبير ب «مطلق الفقر» لأجل أن الفقير و إن كان محتاجا، لكن بمطلق الحاجة لا بالحاجة المطلقة التي هي الشدة و الضرورة، و المفروض تجويز البيع لمطلق الفقر، لا للمرتبة الشديدة منه حتى يتّحد مع المضطرّ.

(6) هذا مورد افتراق الفقر عن الحاجة الشديدة، بصدق «الفقر» دون الحاجة الشديدة.

(7) معطوف على «حاجة شديدة» فلا يتفق للفقير مطلق الحاجة حتى يتحد مع مطلق الفقر و يجوز بيع الوقف حينئذ. و عليه فما جوّزه الفقهاء لم يدل عليه خبر

ص: 92

لوجدانه (1) من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه. و قد يتفق (2) الحاجة و الضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر على مئونة سنته. فالرواية (3) بظاهرها غير معمول بها.

مع أنّه قد يقال (4): إنّ ظاهر

______________________________

جعفر، و ما دل على جواز بيعه لم يرد في تعبيرهم.

(1) أي: وجدان الفقير، و هذا من إضافة المصدر إلى فاعله.

(2) هذا مورد افتراق الحاجة عن الفقر، إذ قد يحتاج الغني إلى بيع شي ء من أمواله لرفع الضرورة.

(3) هذا نتيجة كون النسبة عموما من وجه، يعني: أنّ خبر جعفر و إن دلّ على جواز بيع الوقف بمجرد انطباق حدّ الفقير الشرعي على الموقوف عليهم، لعدم كفاية الغلّة لمصارفهم، و لكن هذا الظاهر غير معمول به، فيسقط الخبر بإعراض الأصحاب عنه، لأن الفقهاء بين مانع عن البيع مطلقا، و بين مجوّز له عند الحاجة الشديدة، لا عند عدم وفاء الغلة بمئونة أهل الوقف.

(4) هذا ثاني وجهي المناقشة في رواية جعفر، و تقدم في الصورة الرابعة أيضا، و حاصله: أن «الحاجة و عدم كفاية الغلّة» و إن ورد في السؤال، لكن جواب الإمام عليه السّلام ب «نعم» ليس تجويزا للبيع إن احتاج أهل الوقف إلى بيعه، بل تصديق لأصل الجواز، و لكن إذا توفّر شرطان، و هما رضا الكل و كون البيع أنفع.

و على هذا فتكون الحاجة موردا في الخبر لا قيدا حتى يستدل به على الصورة الخامسة من فرض لحوق ضرورة شديدة بالموقوف عليهم. فالرواية أجنبية عن المقام.

و القائل بهذا الوجه- ظاهرا- صاحبا المقابس و الجواهر. ففي المقابس:

«و أما الجواب بقوله:- نعم- فقد اعتبر فيه رضا الكل، و كون البيع أنفع لهم أي لجميعهم ...» ثم ذكر استقلال الجواب عن السؤال و عدم العبرة بالحاجة «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 51

ص: 93

الجواب (1) جواز البيع بمجرّد رضا الكل، و كون البيع أنفع و لو لم يكن حاجة.

و كيف كان (2)، فلا يبقى للجواز عند الضرورة الشديدة إلّا الإجماعان المعتضدان بفتوى جماعة. و في الخروج (3) بهما عن قاعدة عدم جواز البيع (4) و عن قاعدة وجوب (5) كون الثمن على تقدير البيع غير مختصّ بالبطن الموجود

______________________________

و في الجواهر: «... على أن المذكور شرطا في السؤال لم يتعرض له في الجواب، الظاهر في الاكتفاء في جواز البيع بعد رضى الكل بكون البيع خيرا لهم ...» «1».

(1) يعني: بعد إلغاء الحاجة المذكورة في السؤال، و العدول عنها إلى رضا الكل و كونه أنفع.

(2) يعني: سواء تمت المناقشة الثانية في رواية جعفر، أم لم تتم- بأن كانت الحاجة قيدا أيضا لا موردا- فالرواية لأجل الإعراض الموهن لها لا تصلح حجة على جواز بيع الوقف عند الضرورة الشديدة إلى الثمن. و ينحصر الدليل في الإجماعين المنقولين المعتضدين بفتوى جماعة بالجواز.

و لكن يشكل الاستناد إليهما لوجوه أربعة.

(3) خبر مقدم لقوله: «إشكال» فكأنه قال: و إشكال في الخروج بالإجماعين عن قاعدة ... الخ.

(4) أي: عدم جواز بيع الوقف، للإجماع و النصوص الخاصة. و هذا هو الوجه الأوّل، و حاصله: أن الخروج عن هذه القاعدة المسلّمة منوط بحجة شرعية كما تحققت في الصورة الاولى. و لكن الإجماعين المنقولين قاصران عن تخصيص كبرى «لا يجوز بيع الوقف» و لا أقلّ من شبهة كونهما مدركيّين، لاحتمال استناد المجمعين- لو سلّم اتفاق الفقهاء على الجواز- إلى مثل رواية جعفر القاصرة دلالة.

(5) هذا هو الوجه الثاني، و حاصله: أنّ مجوّزي البيع للضرورة الشديدة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 373

ص: 94

- مع وهنه (1) بمصير جمهور المتأخرين و جماعة من القدماء إلى الخلاف (2)، بل (3) معارضته (4) بالإجماع المدّعى في السرائر- إشكال.

______________________________

يخصّون الثمن بالبطن البائع، مع اقتضاء المعاوضة اشتراكه بين الموجود و اللاحق.

فالخروج عمّا يقتضيه المبادلة- بالإجماعين المزبورين- مشكل.

(1) أي: وهن الإجماعين، و هذا هو الوجه الثالث. و محصله: منع صغرى الإجماع، لعدم اتفاق الأصحاب على الجواز، و معه كيف تتجه دعوى الإجماع عليه؟

(2) أي: إلى منع بيع الوقف عند الحاجة و الضرورة، و هذا المنع مذهب جماعة من القدماء كالإسكافي، و نسب إلى الصدوق و القاضي و الحلي «1»، و كذا المتأخرين كالمحقق و العلّامة و الشهيدين و غيرهم «2».

(3) هذا هو الوجه الرابع، و غرضه أن المنع ليس فتوى جماعة معدودة حتى لا تقدح في إجماع السيدين قدّس سرّهما، بل هو فتوى الكلّ، على ما ادّعاه الحلّي، و حينئذ يتعارض إجماع الجواز مع إجماع المنع، و حيث لا مرجّح لأحدهما فيتساقطان، و لا يبقى حجة على جواز البيع.

و على هذا فكلمة «بل» هنا للترقي من الوهن إلى سقوطه بالتعارض.

(4) أي: معارضة إجماع السيدين. و المناسب تثنية الضمير هنا و في «وهنه» رعاية للمرجع، كما روعي في ضمير «بهما».

هذا تمام الكلام في الصورة الخامسة.

______________________________

(1) تقدم نقل كلماتهم في الأقوال، فراجع ج 6، ص 547- 553

(2) المصدر، ص 565- 568

ص: 95

[الصّورة السادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة]

الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة (1)،

______________________________

الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيع الوقف

(1) يعني: الحاجة إلى صرف ثمن الموقوفة في مئونة الموقوف عليهم، كما تقدم في الصورة الخامسة. ثمّ إنّه ينبغي تقديم أمرين قبل توضيح المتن:

الأوّل: أنّ المقصود من شرط البيع هو أن يشترط الواقف في صيغة الوقف سلطنة الموقوف عليهم على إبطال الوقف بالبيع عند حاجتهم الشديدة إلى ثمنه، أو إذا اقتضته مصلحة البطن الموجود خاصة أو مصلحة البطون، كأن يقول: «وقفت الدار على ذريتي و شرطت عليهم بيعها إن كان أعود لهم أو احتاجوا إلى ذلك، أو اقتضت مصلحتهم تبديل الوقف بعين اخرى. أو إذا آلت إلى الخراب» أو نحو ذلك ممّا يكون بنفسه- و مع الغضّ عن الشرط- مجوّزا للبيع.

و ليس المقصود من الشرط جواز بيعها لنفس الواقف إذا احتاج إلى ثمنها.

و ذلك لبطلان شرط الرجوع في الصدقة المتقرب بها إليه تعالى.

الثاني: الظاهر عدم تعرّض من سبق العلّامة لحكم هذه الصورة، بشهادة عدم ورودها في الأقوال المنقولة أوائل المسألة، و لم ينسبها السيد العاملي قدّس سرّه إلى من تقدّم على العلّامة «1». نعم، نسب صاحب المقابس إلى الحلبي جواز اشتراطه في الوقف المنقطع لا المؤبّد، فراجع «2».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 93

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63، الكافي في الفقه، ص 325

ص: 96

أو إذا كان فيه (1) مصلحة البطن الموجود، أو جميع (2) البطون، أو عند (3) مصلحة خاصة (4)

______________________________

و كيف كان فالأقوال في المسألة أربعة:

الأوّل: نفوذ الشرط و جواز البيع، ذهب إليه العلّامة في الإرشاد «1»، و الشهيدان «2»، و هو مختار المصنف قدّس سرّه و جماعة كأصحاب مفتاح الكرامة و المقابس و الجواهر قدّس سرّه.

الثاني: الإشكال في صحة هذا الشرط كما هو صريح القواعد.

الثالث: تفصيل المحقق الثاني بين كون الشرط عروض المسوّغ للبيع فيجوز، و بين مطلق المصلحة فلا يجوز «3».

الرابع: فساد الشرط، و عدم جواز البيع بحال، كما هو مذهب المانع عن بيع الوقف مطلقا أو في خصوص المقام، بزعم منافاة هذا الشرط لمقتضى الوقف و حقيقته، أو مخالفته للكتاب و السنة كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: في البيع، فقد يكون البيع و التبديل مصلحة لخصوص البطن الموجود، و قد يكون مصلحة لجميع البطون، كما إذا قال: «وقفت الدار على أن تباع إن كان بصلاح خصوص الموجودين».

(2) كما إذا قال: «وقفت الدار و شرطت بيعها إن اقتصته مصلحة جميع البطون، فلا يجوز البيع لو كان خيرا للبطن الوجود خاصة».

(3) معطوف على قوله: «عند الحاجة».

(4) في قبال مطلق المصلحة المفروض في قوله: «إذا كان فيه مصلحة» و المراد بالمصلحة الخاصة ما ورد في كلمات العلّامة و الشهيد قدّس سرّهما من تضرر الموقوف عليهم

______________________________

(1) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 455

(2) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279، غاية المراد، ج 2، ص 452

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 73

ص: 97

على حسب ما يشترط [1].

______________________________

بالضريبة التي يجعلها الظالم، أو خراب الموقوفة، أو خروجها عن حيّز الانتفاع، أو وقوع الفتنة بين أربابه، و نحو ذلك، فكلّ منها مصلحة خاصة مجوّزة للبيع بدون الشرط.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ المصنف قدّس سرّه جمع في عنوان هذه الصورة السادسة بين كلام العلّامة و الشهيد، و لذلك لم يقيد جواز الشرط ب «شراء غيره بثمنه».

و بيانه: أنّ المواضع التي وردت في عبارة القواعد- كزيادة الخراج و الخراب و قلة النفع- لو جاز اشتراط بيع الوقف فيها كان الغرض تبديل الوقف بعين اخرى، كما هو حال البيع بطروء هذه الحالات بدون الشرط.

و لكن الشهيد قدّس سرّه- في عبارته المذكورة في المتن- عنون هذه الصورة بشرط البيع عند الحاجة أو الفتنة، و أهمل قيد «شراء البدل» لوضوح أن جواز البيع لسدّ حاجة أرباب الوقف غير مشروط بالتبديل على ما سبق في الصورة الخامسة، و لعلّه لهذا قال: «و في شراء بدله في هذه المواضع نظر، من أنّه أقرب إلى التأبيد، و هو خيرة ابن الجنيد، و من زوال المتعلّق، و هو قول الشيخ» «1».

و الحاصل: أنّ المصنف لأجل تعميم العنوان للبيع عند الحاجة- أو لمصلحة اخرى كالفتنة و الخلف بين الموقوف عليهم- أسقط القيد المأخوذ في عبارتي الإرشاد و القواعد من وجوب تبديل الوقف بغيره. و هذا لا ينافي وجوب صرف الثمن في شراء البدل في بعض المواضع، رعاية لحق البطون.

و عليه فما في كلام الفقيه المامقاني قدّس سرّه من «أنّ مراد المصنف ليس تجويز البيع بالشرط مطلقا، و لو بدون التبديل، بل المقيّد به، و ذلك بقرينة قوله بعد أسطر:

- ثمّ إنّه لو سلّم المنافاة فإنّما هو بيعه للبطن الموجود و أكل ثمنه، و أما تبديله بوقف

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279

ص: 98

فقد اختلف كلمات العلّامة و من تأخّر (1) عنه في ذلك (2). فقال في الإرشاد: «و لو شرط بيع الوقف عند حصول الضرر (3)- كالخراج و المؤن من قبل الظالم- و شراء (4) غيره بثمنه،

______________________________

(1) يلوح من هذه الكلمة أن من تقدّم العلّامة لم يستثن هذه الصورة من عموم منع بيع الوقف.

(2) أي: في نفوذ الشرط، و عدمه.

(3) كذا في النسخ، و في الإرشاد: «عند حصول ضرر به» و المقصود تضرر الموقوف عليه بعدم عود منفعة الوقف إليه، لكثرة المؤن التي يأخذها الجائر.

(4) تقدم في التعليقة وجه الحاجة إلى تقييد نفوذ الشرط المزبور بشراء البدل، في قبال صرف الثمن في مئونة أهل الوقف للضرورة الشديدة إليه. كما ظهر وجه الاستغناء عنه في عنوان المصنف لهذه الصورة.

______________________________

آخر فلا تنافي بينه و بين مفهوم الوقف- فالظاهر أنّه اعتمد في إفادة هذا القيد على وروده في عبارتي الإرشاد و القواعد» «1». لا يخلو من شي ء، لما تقدم من عدم اقتصار الماتن على ما في العبارتين، كما اقتصر صاحب المقابس عليه «2»، لعدم ذكر الحاجة و مصلحة البطن الموجود أو جميع البطون فيهما حتى يكون إهمال القيد من جهة الاتّكال على وروده فيهما.

و أما قول المصنف: «ثم إنّه لو سلم المنافاة ...» فلا يتعين للقرينية على أنّ مراده التبديل في جميع مواضع الشرط، لاحتمال إرادة التفصيل بين كون شرط البيع هو الخراب و الضرر فيجب، و لا ينافي التأبيد المعتبر في الوقف، و بين كونه الحاجة إلى صرف الثمن. فيتحقق التنافي في بادئ النظر، و يندفع بأن المنافاة للإطلاق لا لمقتضى الوقف. و عليك بالتأمل في العبارة.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 452

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62 و 63

ص: 99

فالوجه (1) الجواز» انتهى «1».

و في القواعد: «و لو شرط بيعه عند الضرورة (2)- كزيادة خراج و شبهه- و شراء غيره بثمنه، أو عند خرابه و عطلته، أو خروجه عن حدّ الانتفاع، أو قلّة (3) نفعه،

______________________________

(1) جواب الشرط في قوله: «و لو شرط» و سيأتي دليل الجواز.

(2) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في القواعد «عند التضرر به» و كذا في متن الإيضاح «2» و جامع المقاصد «3» و مفتاح الكرامة «4»، و هو الأنسب بتمثيله بزيادة الخراج و المؤن كما عبّر به في الإرشاد أيضا. بل المتعين ذلك بقرينة وجوب شراء البدل، مع أنّ جواز البيع في مورد الضرورة و الحاجة إلى الثمن غير مشروط بالتبديل كما سبق في الصورة الخامسة.

و كيف كان فالمذكور في القواعد اشتراط بيعه بطروء إحدى حالات أربع:

الاولى: التضرر الناشئ من زيادة الخراج.

الثانية: خراب الوقف و صيرورته عاطلا لا ينتفع به.

الثالثة: خروجه عن حدّ الانتفاع لجهة اخرى غير الخراب، كوقوع الدار الموقوفة في محلّة لا يسكنها أرباب الوقف و لا يتيسّر لهم إيجارها.

الرابعة: قلّة عوائد الوقف. و تقدم الكلام في حكم بيع الوقف في الصورة الاولى و الثانية و الثالثة- عند طروء إحدى الحالات الثلاث الأخيرة- فراجع.

(3) هذا و قوله: «أو عند خرابه، أو خروجه» معطوفة على قوله: «عند الضرورة».

______________________________

(1) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 455

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 393

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 72

(4) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 93

ص: 100

ففي (1) صحة الشرط إشكال. و مع البطلان (2) في إبطال الوقف نظر (3)» انتهى «1».

و ذكر (4) في الإيضاح في وجه الجواز (5) رواية جعفر بن حنّان المتقدمة، قال: «فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولى (6).

______________________________

(1) جواب الشرط في قوله: «و لو شرط» و هذا هو القول الثاني في المسألة.

و سيأتي بيان منشأ الإشكال.

(2) أي: لو بنينا على بطلان شرط بيع الوقف عند طروء أحد المسوّغات، فهل يبطل نفس الوقف؟ لكون الشرط الفاسد مفسدا، أم يصحّ الوقف و يلغو الشرط، لعدم سراية فساد الشرط إلى الوقف.

(3) وجه النظر ما أفاده فخر المحققين قدّس سرّه بقوله: «جعل الشيخ العقود المتضمنة للشرط ليست معلّقة عليها، بل هي عقود و شروط، و بطلان أحد الجزءين لا يستلزم بطلان الآخر. و يحتمل البطلان، لأنّه إنّما أوقعه على هذا التقدير، و لا يعلم رضاه بدونه ...» ثمّ رجّح عدم مفسدية الشرط هنا، لكون الوقف تبرعا محضا، بخلاف العقود المعاوضية التي يكون للشرط مدخل في العوض، فراجع.

(4) مقصوده قدّس سرّه بيان منشأ الإشكال في نفوذ الشرط، لا منشأ النظر في بطلان الوقف و صحته.

(5) أي: جواز شرط البيع عند حصول مصلحة خاصة من تضرر أو خراب أو قلّة منفعة.

(6) عبارة الإيضاح هي: «فإذا جاز بيعه بغير شرط فمعه أولى».

و وجه الأولوية: ثبوت جواز البيع في مثل الخراب و الحاجة الشديدة و نحوهما- عند من يرى ذلك- بأصل الشرع، و بدون اشتراط الواقف، فيكون الشرط مؤكّدا لجواز البيع.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 395

ص: 101

و في (1) وجه المنع: أنّ الوقف للتأبيد، و البيع ينافيه. قال: و الأصحّ أنه لا يجوز بيع الوقف بحال (2)» انتهى «1».

و قال الشهيد في الدروس: «و لو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم (3) أو وقوع الفتنة بينهم فأولى بالجواز» انتهى «2».

______________________________

(1) معطوف على «في وجه الجواز» يعني: وجّه فخر المحققين المنع بأنّ الوقف ... الخ. و محصل وجه المنع: منافاة اشتراط البيع- بطروء حالة- للتأبيد المقوم للوقف، و قد تقرر في بحث الشرط المأخوذ في العقد اعتبار عدم مناقضته لحقيقة المنشأ، لامتناع القصد الجدّي إلى المتنافيين، كما إذا اشترط عدم العوض في العقود المعاوضية، كالبيع على أن لا يكون ثمن للمبيع، و الإجارة بلا اجرة.

و كذا الحال في الوقف الذي حقيقته حبس العين- دائما- عن التصرفات الناقلة، فيمتنع إنشاء هذا المعنى و شرط البيع المنافي للحبس، و لذلك يبطل الشرط، بل مقتضى انتفاء الإرادة الجدية بطلان أصل الوقف. هذا.

و لا يخفى أن منافاة البيع للتأبيد تكون من جهة أخذ الشرط المناقض لمقتضى الوقف كما هو ظاهر كلام الفخر بشهادة ما سيأتي من مناقشة المحقق الكركي فيه.

و يمكن أن تكون المنافاة لما علم من السّنة، مثل ما دلّ على النهي عن شراء الوقف، فلا تتقوم ماهية الوقف بمنع البيع، و حينئذ فشرط البيع يخالف ما علم اعتباره في الوقف تعبدا، و هو عدم البيع.

(2) هذه الجملة هي منشأ نسبة منع بيع الوقف مطلقا إلى فخر المحققين قدّس سرّه.

(3) تقدم في (ص 98) أنّ الشهيد قدّس سرّه لم يقيّد نفوذ شرط البيع بشراء بدل بالثمن- كما قيّده به العلّامة قدّس سرّه- و وجهه: أنّه جعل الشرط بيع الوقف عند الحاجة إلى

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 393

(2) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279

ص: 102

و يظهر منه (1) أنّ للشرط تأثيرا، و أنّه (2) يحتمل المنع من دون الشرط، و التجويز معه.

و عن المحقق الكركي أنّه قال: «التحقيق (3) أنّ

______________________________

صرف الثمن في مئونة الموقوف عليهم، و معه لا مورد للتقييد المذكور في الإرشاد و القواعد.

(1) يعني: يظهر من قول الشهيد: «فأولى بالجواز» أنّ لشرط البيع عند الحاجة أو الفتنة تأثيرا في جواز البيع، إذ لو لا تأثير هذا الشرط لم يكن للأولوية معنى محصلا.

(2) معطوف على «أنّ للشرط» و الظاهر كونه مفسّرا له، بقرينة قول فخر المحققين: «فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولى» فالمراد من الأولوية كون الجواز مع الشرط أوضح وجها من الجواز بدون الشرط، كما في طروء الخراب و الفتنة و الحاجة إلى ثمنه.

و يحتمل أن يراد من الأولوية القدر المتيقن من جواز البيع، بحيث لو قيل بالمنع منه بعروض المسوّغات قيل بجوازه بالشرط.

و لكن يشكل هذا الاحتمال بأنّ دليل نفوذ الشرط مقيّد بعدم كونه محلّلا للحرام، فلو لم يحرز جواز البيع بطروء حالة على الوقف امتنع إحرازه بالشرط.

و عليه فالأولى أن يراد بالأولوية ما ذكرناه أوّلا. و يتعيّن حمل قوله: «يحتمل المنع» على الاحتمال غير المصادم للظهور، فكأنّه قال: «أن بيع الوقف بلا شرط و إن كان محتمل المنع، لكنه جائز لو خرب أو قل نفعه أو كان أعود للموقوف عليهم.

و هذا الجواز أظهر لو شرط الواقف البيع عند حصول المسوّغ».

(3) محصّل كلام المحقق الثاني قدّس سرّه هو التفصيل بين كون الشرط مسوّغا للبيع بنفسه، و بين عدمه. و استدل على نفوذ الشرط في الشق الأوّل بوجود المقتضي و فقد المانع عنه.

أما وجود المقتضي فلأنّ شرط بيع الوقف بطروء بعض الحالات عليه جائز في

ص: 103

كلّ موضع (1) قلنا بجواز بيع الوقف

______________________________

نفسه، فيجب الوفاء به بمقتضى «المؤمنون عند شروطهم». و الوجه في جوازه وفاء الأدلة الخاصة بجواز بيعه بحصول بعض الأسباب كالخراب و الحاجة و نحوهما.

و عليه يكون شرط البيع عند حصول تلك الحالات مؤكدا للجواز الثابت بأصل الشرع.

و أمّا فقد المانع فلأنّ المانع المدّعى في كلام الفخر قدّس سرّه هو التأبيد المأخوذ في إنشاء الوقف، و لكنه غير مانع، و ذلك لأنّ حبس العين أبدا و منع بيعه مقيّد واقعا بعدم حصول أحد أسباب البيع، لفرض صحة بيعه بعروض مثل الخراب أو قلة المنفعة حتى لو أخذ التأبيد في الصيغة.

و عليه فشرط البيع عند حصول السبب ليس إلّا إظهارا للقيد الدخيل في تأبيد الوقف.

نعم يختص نفوذ الشرط بإحراز كون السبب مسوّغا للبيع في نفسه. فلو شك في جواز بيع الوقف لمجرد كونه أعود و أصلح للموقوف عليهم لم ينفع جعله شرطا، بل يوجب البطلان، فلا ينعقد وقفا و لا حبسا كما سيأتي توضيحه.

(1) هذه العبارة ليست نصّ كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، لمغايرتها له كثيرا، و إنّما هي محصّله و مضمونه، و اعتمد المصنف على نقل صاحب المقابس «1»، لقوله فيه:

________________________________________

«و قال المحقق الكركي: التحقيق ...» إلى آخر ما في المتن.

و كيف كان فمراد المحقق الكركي قدّس سرّه من المواضع التي يجوز فيها بيع الوقف هو المواضع الثلاثة المتقدمة في نقل الأقوال، حيث قال: «إن المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا خرب و اضمحلّ ... ثانيها: إذا حصل خلف بين أربابه.

ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليهم حاجة شديدة ...» و استدلّ على كلّ منها في كتاب الوقف، فراجع «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63

(2) جامع المقاصد، ج 9، ص 69 و 70

ص: 104

يجوز (1) اشتراط البيع في الوقف إذا بلغ تلك الحالة، لأنّه (2) شرط مؤكّد، و ليس (3) بمناف للتأبيد المعتبر في الوقف، لأنّه (4) مقيّد واقعا بعدم حصول أحد أسباب المنع (5) [البيع]. و ما لا (6) فلا، للمنافاة، فلا يصحّ (7) حينئذ حبسا،

______________________________

(1) لعموم «المؤمنون عند شروطهم» و هذا بيان المقتضي لنفوذ شرط البيع.

(2) أي: لأنّ اشتراط البيع يكون شرطا مؤكّدا لما دلّ على جواز البيع عند عروض المسوّغ.

(3) أي: و ليس اشتراط البيع بمناف لمقتضى الوقف. و هذا إبطال للمانع عن صحة الشرط المزبور.

(4) أي: لأنّ التأبيد مقيّد تحسب جعل الشارع- بعدم عروض المسوّغ.

(5) كذا في نسختنا. و هو موافق لما في المقابس، و في بعض نسخ الكتاب «البيع» بدلا عن المنع، و هو أولى و المراد واضح.

(6) معطوف على «كل موضع» و هذا بيان الشق الثاني من التفصيل. يعني:

و كل موضع لم نقل بجواز بيع الوقف فيه لم نقل بجواز اشتراط البيع فيه، لكون اشتراط جواز بيعه حينئذ منافيا لحقيقة الوقف المتقومة بالتأبيد، و الشرط المخالف لمقتضى العقد فاسد و مفسد و إن لم نقل بمفسدية الشرط الفاسد في سائر الموارد، لأنّ الشرط المخالف لحقيقة العقد يخلّ بقصد مضمون العقد، و مع اختلال القصد لا عقد حتى يجب الوفاء به.

(7) سقط هنا أسطر من كلام المحقق الكركي، و جملة «فلا يصح ... الخ» ليست نصّ عبارته، و على كلّ فمقصوده من قوله: «فلا يصح» دفع دخل أورده المحقق على نفسه، و حاصل الدخل: قياس شرط البيع- في غير المواضع التي يجوز فيها البيع- بموارد اخرى كشرط رجوع الوقف إلى الواقف عند حاجته، فكما يصحّ الشرط المزبور و يحكم بكونه حبسا، فكذا في المقام. و لا وجه للحكم ببطلان الشرط من جهة منافاته للتأبيد.

ص: 105

لأنّ (1) اشتراط شراء شي ء بثمنه يكون وقفا مناف لذلك (2)، لاقتضائه (3) الخروج عن المالك، فلا يكون (4) وقفا و لا حبسا» «1» انتهى.

أقول: [و] يمكن أن يقال (5)

______________________________

و حاصل الدفع: أن القياس مع الفارق، ضرورة بقاء العين المحبوسة على ملك الحابس، بخلاف المقام، لأنّ شرط الواقف البيع و تبديل العين بما يكون وقفا ينافي بقاء العين على ملكه، و معه لا وجه لصحة شرط البيع. و مقتضاه فساد الإنشاء، و عدم كونه حبسا، لكون العين في الحبس باقية على ملك الحابس، فإذا بيعت كان ثمنها للحابس.

(1) تعليل لعدم تعنون الإنشاء المزبور بكونه حبسا، و تقدّم وجهه آنفا.

(2) أي: لكونه حبسا.

(3) تعليل للتنافي، يعني: لأن اشتراط شراء شي ء بالثمن يكون وقفا يقتضي خروج الثمن عن ملك الحابس، مع وضوح بقائه عليه.

(4) هذا نتيجة بطلان اشتراط البيع في الإنشاء و مبطليته للوقف، و عدم وقوعه حبسا.

أمّا الأوّل فلعدم قصد التأبيد المعتبر في حقيقة الوقف.

و أما الثاني فلما تقدم آنفا من بقاء العين المحبوسة على ملك الحابس، فلا يصحّ شراء شي ء بثمنه و وقفه، لأنّه يقتضي خروج الثمن عن ملك مالك العين المحبوسة، و المفروض بقاؤه على ملكه فلا يصحّ وقفه.

(5) غرضه المناقشة في الشق الثاني من تفصيل جامع المقاصد- و هو قوله:

«و ما لا فلا للمنافاة»- و حاصله: أنّ مجرّد عدم جواز البيع بدون الشرط في بعض المواضع- كما إذا كان أعود و أصلح لأهل الوقف- لا يوجب عدم جوازه مع

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 97 و 98

ص: 106

..........

______________________________

الشرط بعد وجود المقتضى له و فقد المانع عنه.

أمّا المقتضي الذي اعترف المحقق الثاني قدّس سرّه بوفائه بإثبات الجواز فامور:

أحدها: عموم مكاتبة الصفار، و ثانيها: عموم «المؤمنون عند شروطهم» و ثالثها:

نصّ خاص لم يتمسّك به في جامع المقاصد.

أما تقريب دلالة المكاتبة فهو: أن قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» إمضاء للوقف على حسب الكيفية التي رسمها الواقف، بمعنى كون الإمضاء مطابقا للإنشاء، فإن جعله مطلقا فمطلقا، و إن جعله مشترطا بالسلطنة على البيع لمصلحة كان ممضى كذلك. و ليس مدلول المكاتبة تأسيس حكم تعبدي كحرمة بيع الوقف حتى يكون أجنبيا عن تنفيذ الشرط المزبور.

و أما دلالة عموم «المؤمنون عند شروطهم» فلظهور كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جعل التزام المؤمن بشرطه، و عدم مفارقته له و لا التخلف عنه. و مقتضى إطلاق كونه عند شرطه وجوب الوفاء بالشرط تكليفا، و عدم نفوذ هدمه و مخالفته وضعا. و حيث إن إنشاء الواقف متضمن للسلطنة على بيع الوقف لمطلق المصلحة فهو شرط نافذ، و يصح للموقوف عليهم العمل به.

و أمّا النصّ الخاص، فهو صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الحاكية لما أوقفه أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين، و سيأتي تقريب الاستشهاد به. هذا بيان المقتضي.

و أمّا عدم المانع، فلأنّ المانع المتوهّم منافاة شرط البيع للتأبيد المقوّم للوقف كما سبق في كلام فخر المحققين و المحقق الثاني قدّس سرّه. و لكن الظاهر عدم تحقيق التنافي هنا، لأنّ شرط بيع الوقف ينافي إطلاق الوقف لا مقتضاه و ماهيّته.

و بيانه: أن الشرط المأخوذ في العقد تارة يكون مضادّا لحقيقته، كما إذا كان مفهوم البيع «تمليك عين بعوض» فاشترط فيه أن يكون بلا ثمن، و هو في قوة أن لا يكون البيع بيعا، و بطلانه واضح، لامتناع قصد المتقابلين و المتضادّين. و استحالة

ص: 107

- بعد التمسّك (1) في الجواز بعموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» و (2) «المؤمنون عند شروطهم»-

______________________________

إمضائهما شرعا حتى لو تحقق القصد من غير الملتفت.

و اخرى يكون منافيا لإطلاق العقد، بحيث لو لا الاشتراط كان الإطلاق مقتضيا لذلك الأمر، كانصراف إطلاق عقد البيع إلى كون الثمن من نقد البلد، فإن اشترط نقدا آخر كان منافيا لهذا الإطلاق لا لذات البيع. و هكذا الحال في سائر العقود.

و الظاهر أن التنافي بين الوقف و شرط البيع يكون من القسم الثاني، بمعنى: أن الوقف- على تقدير عدم تقييده بشي ء- يقتضي التأبيد، فلا تأبيد مع شرط الواقف.

و هذا يؤكّد ثبوت العقد لا أنه ينافيه. و هو نظير شرط الرجوع في الهبة، و شرط خيار الفسخ في المعاملة في كونه منافيا للزوم العقد لا لحقيقته.

و الشاهد على اجتماع الوقف مع جواز البيع هو بقاء وقفية العين عند التجرد عن الشرط و طروء حالة احرز كونها مسوّغة للبيع، و أنّ المبطل لوقفيتها إنشاء البيع خارجا، لا تجويز بيعها شرعا.

نعم بناء على كون جواز البيع مضادا لحقيقة الوقف- كما اختاره صاحب الجواهر قدّس سرّه- كان شرط البيع مضادا لحقيقة الوقف، لكن تقدم في أوّل المسألة منعه، فراجع.

و المتحصل: أن المقتضي لمشروعية شرط البيع موجود، و المانع عنه مفقود، من دون تفصيل بين القسمين.

(1) كما تمسّك المحقق الثاني قدّس سرّه و غيره بهذا العموم، و غرضه إثبات المقتضي لصحة الشرط.

(2) معطوف على «عموم» أي: و بعموم «المؤمنون». و التعبير بالعموم لأجل عدم ورودهما في خصوص شرط بيع الوقف.

ص: 108

بعدم (1) ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف،

______________________________

(1) متعلق ب «يقال» و هذا ناظر إلى نفي المانع عن شمول العمومين المزبورين لشرط البيع، و المانع هو التنافي المذكور في جامع المقاصد.

و ليس قوله: «بعدم» مناقشة اخرى في تفصيل المحقق الثاني، بل هو متمم للمناقشة، لوضوح أنّ مجرد عموم «الوقوف» و «المؤمنون» لا يصلح دليلا لنفوذ شرط البيع، ما لم يحرز عدم منافاة الشرط لمقتضى الوقف، إذ مع منافاته له يبطل عند الكلّ.

فإن قلت: إن التعبير ب «عدم ثبوت» لا يجدي في رفع المانع، فيشكل بأنّ المناط في التمسك بدليل الشروط هو إحراز عدم التنافي بين الشرط و مقتضى العقد لا احتماله.

و كما لا وجه للتمسك بأدلة الوقوف و الشروط في فرض العلم بالمنافاة كما هو واضح، فكذلك في فرض الشك فيها. أما بالنسبة إلى عموم «الوقوف» فللشك في عقديته، إذ لو كان الشرط منافيا واقعا لم يكن عقد حتى يمضى شرطه الضمني.

و أما بالنسبة إلى عموم «المؤمنون» فلتعنون الشرط بعدم كونه مخالفا لمقتضى العقد.

و عليه فلا بد من إثبات عدم التنافي، ثم التمسك بدليلي الوقوف و الشروط، إذ التمسك بهما حينئذ يكون تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية. و يتعيّن الرجوع إلى الاصول العملية، و مقتضاها في المقام عدم جواز البيع للاستصحاب.

قلت: نعم، مجرد عدم ثبوت التنافي لا يكفي في التمسك بالعمومين، إلّا أن غرض المصنف قدّس سرّه- بقرينة الاستشهاد بجواز بيع الوقف بطروء المسوّغ- هو ثبوت عدم التنافي، و إنّما عبّر بعدم الثبوت «تنزيلا على هو المتعارف في المخاصمات عند المتأدبين من عدم المسارعة إلى الإنكار» «1».

______________________________

(1) حاشية المحقق الإيرواني، ج 1، ص 180

ص: 109

فلعلّه (1) مناف لإطلاقه (2)، و لذا (3) يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طروء مسوّغاته، فإنّ التحقيق- كما عرفت سابقا (4)- أنّ جواز البيع لا يبطل الوقف، بل هو وقف يجوز بيعه، فإذا بيع خرج عن كونه وقفا.

ثمّ إنّه لو سلّم (5) المنافاة فإنّما هو بيعه للبطن الموجود و أكل ثمنه.

______________________________

(1) أي: فلعلّ شرط جواز البيع، و هذا أيضا لتعيين المنافاة للإطلاق، لا لمقتضى الوقف، و ليس المراد مجرد احتمال التنافي للإطلاق، و تقدم في توضيح عدم المانع الفرق بين منافاة شرط البيع لماهية الوقف، فيبطل، و بين منافاته لإطلاقه فيصح.

(2) لاقتضاء إطلاق الوقف التأبيد، و عدم سلطنة الموقوف عليهم على إبطاله بالبيع.

(3) أي: و لأجل منافاة جواز البيع للإطلاق- لا للحقيقة- يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طروء مسوّغاته، و هذا الاجتماع ظاهر قول المحقق الثاني قدّس سرّه: «إن كل موضع يجوز فيه بيع الوقف» «1»، فيمكن إلزامه بصحة شرط البيع أيضا، لنفوذ الشرط المخالف لإطلاق العقد.

(4) يعني: قبل التعرض لكلام الشيخ الكبير و صاحب الجواهر قدّس سرّهما، حيث قال: «ثم إنّ جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع، فالوقف يبطل بنفس البيع، لا بجوازه ...» فراجع «2».

(5) هذا وجه ثان للخدشة في المنافاة المتقدمة في كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، و محصله: أن تعليل بطلان شرط البيع بالتنافي أخص من المدعى، توضيحه: أن المواضع التي جوّز الشارع فيها بيع الوقف- بنظر المحقق الثاني قدّس سرّه- على نحوين:

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 73

(2) هدى الطالب، ج 6، ص 529- 531

ص: 110

و أمّا تبديله بوقف آخر (1) فلا تنافي بينه (2) و بين الوقف.

فمعنى كونه حبسا (3): كونه محبوسا من أن يتصرّف فيه بعض طبقات

______________________________

فتارة يجب شراء البدل بالثمن، و هما موضعان، أحدهما: خراب الوقف و اضمحلاله. و ثانيهما: حصول خلف بين أربابه.

و اخرى لا يجب التبديل، لكون الغرض من تجويز البيع صرف الثمن في حاجة أرباب الوقف، إذا لحقهم حاجة شديدة و لم يكن ما يكفيهم من غلّة و غيرها.

و على هذا، فإن لم يكن شرط سلطنة الموقوف عليهم على البيع منافيا لماهية الوقف- بأن كان منافيا لإطلاقه و عدم تقييده- فلا كلام كما مرّ في الوجه الأوّل.

و إن كان الشرط المزبور منافيا لمفهوم الوقف- و هو حبس العين أبدا و تسبيل الثمرة- كان لازمه التفصيل بين أنحاء شرط البيع، بأن يقال: إن كان الغرض من الشرط صيرورة الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود- كما في مورد جواز البيع لرفع الحاجة و الضرورة- كان منافيا لمقتضى الإنشاء من التأبيد و بقاء العين مهما أمكن لتدرّ منافعها على البطون. و إن كان المقصود من الشرط تبديل الوقف و تعلق حق البطون بالبدل على حدّ تعلقه بالمبدل لم يكن الشرط مضادا للتأبيد.

و من المعلوم أنّ المواضع المعدودة في قواعد العلّامة قدّس سرّه قد صرّح فيها بشراء بدل الوقف بالثمن، كالبيع فرارا من زيادة الخراج.

و عليه فلا وجه لمنع شرط البيع في جميع الموارد بزعم المنافاة، بل ينبغي التفصيل بين المواضع، مع أنّ المحقق الثاني قدّس سرّه لم يفصّل بينها.

(1) كما هو صريح كلام العلّامة قدّس سرّه: «و لو شرط بيعه عند الضرر ... و شراء غيره بثمنه ...».

(2) أي: بين التبديل المستند إلى الشرط.

(3) هذه الجملة دفع دخل مقدّر يرد على قوله: «فلا تنافي بينه و بين الوقف» و تقريب الدخل: أنّ شرط بيع الوقف و تبديله بوقف آخر- كما اذا

ص: 111

..........

______________________________

شرط البيع عند الخراب أو الفتنة- ينافي مفهوم الوقف، كمنافاته له إذا شرط البيع بالحاجة إلى الثمن.

و وجه المنافاة: أن حقيقة الوقف عندهم «تحبيس الأصل- أي عين خاصة- و تسبيل المنفعة» و المراد من حبسها هو المنع عن النقل و الانتقال، و من المعلوم امتناع القصد إلى المتنافيين، و هما: إنشاء الحبس، و إنشاء السلطنة على عدم الحبس بالبيع.

و الحاصل: أنّ الشرط المزبور يضاد مفهوم الوقف، لا إطلاقه حتى يقال بجوازه و نفوذه بعموم أدلة الشروط.

و تقريب الدفع: أنّ معنى الوقف و إن كان تحبيس الأصل، إلّا أن حبس عين خاصة على نحوين، فتارة يكون المراد حبس شخصها مطلقا، فلا محالة يكون اشتراط جواز بيعها و التصرف فيها منافيا لوقفها بذاتها.

و اخرى يكون المراد حبسها مقيّدا، بمعنى منع تصرف بعض البطون في العين الموقوفة على وجه تصرف المالك في ملكه الطلق من بيعه متى شاء، و تصرفه في الثمن كيفما شاء. و لا منافاة حينئذ بين الوقف و بين شرط البيع عند عروض مصلحة، كما لا منافاة بينه و بين حصول مسوّغ شرعي للبيع كالخراب، فكأنّه قال:

«حبست هذه العين عن التصرفات المالكية كبيعها متى شاء أهل الوقف من دون استبدالها بعين اخرى، و شرطت بيعها عند عروض كذا و استبدالها. أي حبستها بنفسها أو ببدلها».

و عليه فكون وقف العين بمعنى حبسها بشخصها هو مقتضى الإطلاق، و عدم اشتراط حبسها بما هي مال، بأن يقول: «وقفت هذه الدار على ذريتي» لظهور ترك التقييد بالتبديل- عند عروض مصلحة- في حبس نفس العين بخصوصيتها، فلو اشترط جواز التبديل كان قرينة على التوسعة في الحبس و تعلقه بماليتها لا بشخصها،

ص: 112

الملّاك على نحو الملك المطلق (1). و أمّا حبس شخص (2) الوقف فهو لازم لإطلاقه (3) و تجرّده عن مسوّغات الإبدال، شرعية كانت كخوف الخراب، أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد، فتأمّل (4).

______________________________

كما إذا قال: «حبستها بنفسها أو ببدلها».

فالمتحصل: عدم التنافي- في موارد اشتراط التبديل- بين مفهوم الوقف و بين الشرط، هذا تمام ما أفاده المصنف في ردّ تفصيل المحقق الثاني قدّس سرّه بين أنحاء الشرط.

و منه ظهر مختار المصنف في المسألة، و سيأتي الاستدلال على نفوذ الشرط بالنص الخاص.

(1) لجواز التصرف في الملك المطلق بالبيع و الهبة و نحوهما متى شاء المالك، ثم التصرف في ثمن البيع كذلك. و لكن البطون ممنوعة من هذا النحو من التصرف في العين الموقوفة.

(2) أي: حبس شخص العين متفرع على إطلاق الحبس و تجرده عما يجوّز البيع، إمّا بجعل الشارع كالخراب و شبهه، أو بجعل الواقف كمورد الاشتراط في متن العقد.

و نظير الوقف في اللزوم و الجواز عقد البيع، فقد يكون جائزا فيما لو اشترط فيه الخيار لجهة، أو حكم الشارع بجواز الفسخ كما لو تبيّن كون المبيع معيبا. و قد يكون لازما كما إذا بقي على إطلاقه، و لم يحدث بعده أمر مسوّغ للفسخ شرعا، هذا.

(3) في قبال التصريح في الوقف بحبس العين أو بدلها عند طروء المسوّغات، فلا يكون شخص العين محبوسا حينئذ.

(4) لعلّه إشارة إلى عدم تعدد الوقف بالنسبة إلى العين الموقوفة و بدلها بعد البيع، بل الوقفية تنشأ بالنسبة إلى نفس العين. و عليه فإن كان حبس شخصها مقتضى إطلاق العقد صحّ اشتراط البيع حتى مع أكل الثمن. و إن كان مقتضى مطلق الوقف لم يصح حتى لو شرط كون الثمن وقفا.

ص: 113

ثمّ إنّه روى (1) صحيحا في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليه السّلام في كيفية وقف

______________________________

أو إلى: أنّ شرط جواز البيع بدون المسوّغات الشرعية قد ينافي ما أفاده المصنف قدّس سرّه في الأمر الرابع مما يعتبر في صحة الشرط- و هو عدم مخالفته للكتاب و السنة- من أن حكم الموضوع قد يثبت من حيث الذات و مجرّدا عن العناوين الطارئة عليه كالمباحات، فينفذ الشرط، لكونه مغيّرا لموضوع الدليل، كتغيره بعروض عنوان عليه كالمقدمية أو النذر أو إطاعة الوالدين. و قد يثبت الحكم للموضوع على نحو لوازم الماهية بأن كان لدليله عموم أو إطلاق ناظر إلى العناوين الخارجية الطارئة عليه، كغالب المحرمات و الواجبات، فيكون اشتراط خلافه التزاما بما خالف الكتاب و السنة، لما تقدم في أوائل المسألة من أن منع البيع وصف لنوع الوقف، حيث قال قدّس سرّه:

«و إن كان الإنصاف ما ذكرنا من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع» «1» هذا.

(1) لا بأس بنقل جمل من صدر الرواية عن الكافي، و هي: أن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «بعث إليّ أبو الحسن موسى عليه السّلام بوصية أمير المؤمنين عليه السّلام، و هي:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به و قضى به في ماله عبد اللّه عليّ ابتغاء وجه اللّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار، و يصرف النار عنّي، يوم تبيضّ وجوه و تسودّ وجوه: أنّ ما كان لي من مال بينبع- يعرف لي فيها و ما حولها- صدقة و رقيقها ... إلى أن قال عليه السّلام: و إنّ الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة، حيّا أنا أو ميّتا، ينفق في كلّ نفقة يبتغى بها وجه اللّه في سبيل اللّه و وجهه، و ذوي الرّحم من بني هاشم و بني المطّلب، و القريب و البعيد، فإنّه يقوم على ذلك الحسن بن عليّ، يأكل منه بالمعروف، و ينفقه حيث يراه اللّه عزّ و جلّ في حلّ محلّل لا حرج عليه فيه. فإن أراد ...» إلى آخر ما في المتن.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 522

ص: 114

ماله في عين ينبع (1)، و فيه (2): «فإن أراد- يعني الحسن عليه السّلام- أن يبيع نصيبا من (3) المال ليقضي (4) [فيقضي] به الدين فليفعل إن شاء،

______________________________

و مورد الاستدلال بهذه الصحيحة فقرتان أو ثلاث.

(1) قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «و ينبع- بالفتح فالسكون و ضم الموحدة- قرية كبيرة بها حصن، على سبع مراحل من المدينة، نقل: أنّه لما قسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الفي ء أصاب علي عليه السّلام أرضا، فاحتفر عينا، فخرج منها ماء ينبع في الماء، كهيئة عنق البعير، فسمّاها عين ينبع» «1».

و قال ابن منظور: «و بناحية الحجاز عين ماء يقال لها ينبع، تسقي نخيلا لآل علي بن أبي طالب» «2».

و قال الفيروزآبادي: «ينبع ك- ينصر- حصن له عيون و نخيل و زروع بطريق حاج مصر» «3».

(2) أي: و في ما ذكره أمير المؤمنين عليه السّلام في كيفية الوقف هو قوله عليه السّلام: «فإن أراد ... الخ».

(3) أي: نصيبا من أعيان الوقف، و هذه الفقرة مما يستدل بها على ما نحن فيه من جواز الاشتراط في ضمن الوقف، بإعطاء السلطنة للموقوف عليه على البيع.

و سيأتي في آخر الكلام المحامل المذكورة في كلمات الفقهاء.

(4) كذا في نسختنا، و لكن في الكافي و التهذيب و الوسائل: «فيقضي».

و يمكن الاستدلال بهذه الجملة على جواز بيع الوقف لحاجة البطن الموجود، و صرف ثمنه في رفع تلك الحاجة، فتأمّل.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 4، ص 394

(2) لسان العرب، ج 8، ص 345

(3) القاموس المحيط، ج 3، ص 87

ص: 115

لا حرج عليه (1) فيه. و إن شاء (2) جعله شروى (3) [سري] الملك. و إنّ (4) ولد عليّ و مواليهم و أموالهم إلى الحسن بن علي. و إن كانت (5) دار الحسن بن علي

______________________________

(1) أي: لا حرج على الإمام المجتبى عليه الصلاة و السلام في بيع نصيب من أعيان الموقوفة لأجل أداء ما عليه من ديون.

(2) أي: و إن أحبّ الإمام المجتبى عليه السّلام جعل نصيبا من الوقف ملكا خالصا لنفسه. و هذه فقرة ثانية تدل على جعل السلطنة على إبطال بعض الوقف.

(3) كذا في نسختنا، و لكن في الكافي «سري الملك» و في الوسائل نقلا عن التهذيب «شروى الملك» و كذا في الوافي. و لكن الموجود في التهذيب «شراء الملك».

و كيف كان فمعنى «السري» النفيس «1» و الرفيع «2»، فالمراد ب «سري الملك» شريف الملك و رفيعه، و هذا كناية عن جعل الوقف ملكا طلقا، فإنّ رفعة الملك و شرافته بتمامية سلطنة المالك عليه، و هو يستلزم بطلان الوقف حينئذ، و هو أعلى من شرط البيع، فلاحظ.

و معنى «شروى الملك» مثله «3»، يعني: يجعل الوقف كالملك الطّلق يتصرف فيه بما شاء.

(4) الجملة مستأنفة أو معطوفة على «فإن أراد» يعني: ورد في هذه الصحيحة:

أنّ أمر ولد عليّ عليه السّلام و أموالهم بيد الحسن عليه السّلام، و ليس المقصود تعيين الناظر للوقف، لما تقدم بقوله عليه السّلام: «و أنه يقوم على ذلك الحسن» فالمراد هنا جعل الولاية بمعنى آخر.

(5) يعني: و إن كان الإمام المجتبى عليه السّلام ساكنا في غير دار الصدقة، و لم يكن محتاجا إلى سكناها، فإن أراد عليه السّلام أن يبيع دار الصدقة و يقسّم ثمنها أثلاثا فليفعل.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 1، ص 216

(2) لسان العرب، ج 14، ص 378

(3) مجمع البحرين، ج 1، ص 245، لسان العرب، ج 14، ص 428

ص: 116

غير دار الصدقة، فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء (1)، [و] (2) لا حرج عليه فيه. فإن باع فإنّه يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثا في سبيل اللّه، و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطّلب، و ثلثا في آل أبي طالب، و إنّه (3) يضعه فيهم حيث يراه اللّه».

ثم قال: «و إن حدث (4) في الحسن أوفي الحسين حدث، فإنّ الآخر منهما ينظر في بني عليّ».

______________________________

و قد يستشهد بهذه الفقرة أيضا على جواز بيع الوقف بالشرط، بتقريب: أن المراد بدار الصدقة دار موقوفة، بأن كانت في جملة ما أوقفه أمير المؤمنين عليه السّلام لسكنى الإمام المجتبى عليه السّلام، و جعل سلطنة بيع هذه الدار له عليه السّلام إن لم يتخذها مسكنا لنفسه.

و يحتمل بعيدا إرادة بيع غير دار الصدقة من الدار المملوكة للإمام المجتبى صلوات اللّه و سلامه عليه، و يكون تقسيم ثمنها حينئذ شرطا من الواقف على الموقوف عليه في ضمن عقد الوقف.

(1) فكأنّه عليه السّلام وقف الدار بهذه الكيفية: «هذه وقف على أبي محمد الحسن عليه السّلام و إن استغنى عن سكناها جاز له بيعها».

(2) كذا في النسخ، و ليست «الواو» في الكافي و التهذيب و الوسائل.

(3) يعني: و إنّ الإمام المجتبى عليه السّلام القائم بالوقف يضع الحصص على حسب ما يراه، و مقتضاه عدم اعتبار المساواة في تقسيم ثلث بني هاشم، و ثلث آل أبي طالب.

(4) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الكافي و التهذيب و الوسائل: «و إن حدث بحسن و حسين». و حاصله: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام جعل ولاية الوقف للسبطين عليهما السّلام مقدّما للأكبر منهما، ثم شرط على سيد الشهداء عليه السّلام أن ينصب قيّما على الوقف من سائر أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام من كان مرضيا في هداه و إسلامه و أمانته، و إلّا ففي أولاد السبطين عليهما السّلام كذلك، و إلّا ففي رجل من آل أبي طالب و ذوي آرائهم، و إلّا ففي رجل من بني هاشم، مع الاشتراط على كل واحد من

ص: 117

إلى أن قال: «فإنّه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم، و إنّه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك [هذا] (1) المال (2) على اصوله، و ينفق الثمرة (3) حيث أمره به من سبيل اللّه و وجهه، و ذوي الرّحم من بني هاشم و بني المطّلب و القريب و البعيد، لا يباع شي ء منه و لا يوهب و لا يورث ...» الرواية (4) «1».

و ظاهرها (5) جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود،

______________________________

الأولياء العمل بما رسمه عليه السّلام، و عدم بيعه، فيكون جواز البيع مختصّا بالسبطين عليهما السّلام.

(1) كذا في نسختنا، و ليست كلمة «هذا» في الكافي و التهذيب و الوسائل.

(2) أي: ترك الأعيان الموقوفة، و المراد بتركها عدم بيعها، بأن يبقيها على حالها لينتفع البطون بمنافعها، فيكون شرط البيع مختصّا بالحسنين صلوات اللّه عليهما.

(3) كذا في نسختنا و جملة من النسخ، و هو موافق لما في التهذيب و الوسائل، و لكن في الكافي «و ينفق ثمره حيث أمرته به».

(4) يعني: أن للصحيحة تتمة، و في آخرها تاريخ كتابة صورة الوقف و مكانها و الشهود عليها، و هي «هذا ما قضى به علىّ في ماله، الغد من يوم قدم مسكن، شهد أبو شمر بن أبرهة، و صعصعة بن صوحان، و سعيد بن قيس، و هياج ابن أبي الهياج. و كتب علىّ بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الاولى سنة سبع و ثلاثين».

(5) تقدم آنفا وجه ظهور فقرات ثلاث من هذه الصحيحة في جواز شرط البيع.

أولاها: قوله عليه السّلام: «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين، فليفعل إن شاء».

ثانيتها: قوله عليه السّلام: «و إن شاء جعله سريّ الملك».

______________________________

(1) الكافي، ج 7، ص 49- 51، باب صدقات النبي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام، الحديث: 7؛ التهذيب، ج 9، ص 146، الحديث 55 من كتاب الوقوف و الصدقات؛ الوسائل، ج 13، ص 313، الباب 10 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 4

ص: 118

فضلا (1) عن البيع لجميع البطون، و صرف ثمنه فيما ينتفعون به. و السند صحيح، و التأويل مشكل (2)،

______________________________

ثالثتها: قوله عليه السّلام: «و إن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فلبيعها إن شاء». و لكن أمير المؤمنين عليه السّلام شرط في هذه الفقرة توزيع الثمن على وجه خاص، و لم يجعله مختصّا بالإمام المجتبى عليه السّلام.

(1) الوجه في الإتيان ب «فضلا» هو أن البيع لأجل صرف الثمن في منفعة جميع البطون أقرب إلى غرض الواقف من جواز بيعه و اختصاص الثمن بالبطن الموجود. و كيفية اجتماع البطون على البيع تكون بقيام وليّ البطون اللاحقة بالبيع بانضمام البطن الموجود.

(2) يعني: بعد تمامية أصالتي الصدور و الظهور يشكل تأويل الصحيحة حتى تكون أجنبية عن المقام، و هو شرط البيع في الوقف.

و قد قيل في توجيه قوله عليه السّلام: «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال، فليبع» امور:

الأوّل: أنّ ما كتبه أمير المؤمنين عليه السّلام محمول على الوصية و أجنبي عن الوقف، بشهادة جملتين:

إحداهما: قوله عليه السّلام: «هذا ما أوصى به و قضى به في ماله عبد اللّه عليّ ...».

و ثانيتهما: قوله في أواخرها: «و لا يحلّ لامرء مسلم يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يغيّر شيئا مما أوصيت به في مالي ...» و لا مانع من استثناء بعض المال للوصي. فغرضه عليه السّلام الإيصاء بالأموال المدرجة في كتابه لمن يقوم بالأمر بعده.

و فيه: أن كلمة «الوصية» وردت في أثناء الكتاب مقترنة بما يدل على الوقف المصطلح، و هو قوله عليه السّلام: «و إن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة، حيّا أنا أو ميّتا» فإنّ الصدقة الموصوفة بكونها بتلة- أي منقطعة عن المتصدق حال حياته و خارجة عن ملكه- لا تنطبق إلّا على الوقف، ضرورة جواز التصرف

ص: 119

..........

______________________________

و الرجوع في الوصية قبل الممات. فحملها على التأكيد في وصية ما كتبه عليه السّلام ينافي قوله عليه السّلام: «حيّا أنا أو ميّتا».

و عليه فلا بد من رفع اليد عن معنى «الوصية» في الفقرتين المتقدمتين، بأن لا يكون المراد بها ما استقر عليه اصطلاح الفقهاء من العهد بشي ء بعد الموت، بل المراد ما بعمّ ذلك و تدبير شئون أمواله، سواء أ كان تصرفه منجّزا أم معلّقا، فيكتبها بعنوان الإيصاء لمن يقوم بالأمر بعده، و معناه جعل كل واحد- مما كتبه- في موقعه، و هذا المعنى شائع في الاستعمال.

الثاني: أنه عليه السّلام وهب الأموال لهما عليهما السّلام، و كتب الوقف لنوع المصلحة، كذا احتمله العلّامة المجلسي قدّس سرّه، و لكنه خلاف الظاهر جدّا، مع عدم قرينة عليه، فلا يصار إليه.

الثالث: أنه عليه السّلام اشترط بيع الحاصل من الوقف و ثمرته لأداء الدين، لا بيع الرقبة، كما احتمله العلّامة المجلسي قدّس سرّه أيضا و غيره «1».

و فيه: أن المناسب لذلك التعبير ب «فإن أراد أن يقضي به الدين فلا حرج عليه» ليكون مناسبا لقوله قبله: «يقوم على ذلك الحسن بن على، و يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يريد ... في حلّ محلل لا حرج عليه» و لا حاجة إلى التصريح بكلمة البيع مقدمة لقضاء الدين، إذ لمّا كان المال الموقوف من الضياع و المزارع كان أكله بالمعروف في كل وجه محلل، و كذا أداء الدين منوطا ببيع بعض الحاصل، فذكر البيع و العدول عن الضمير إلى الاسم الظاهر- و هو نصيب من المال- يدلّان على جواز بيع نفس الوقف.

الرابع: أنّ غاية ما يدل عليه هو جواز بيع الوقف عند الحاجة كأداء الدين،

______________________________

(1) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 435. مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 56

ص: 120

..........

______________________________

لا مطلقا كما هو مورد البحث، فيكون الصحيح أخصّ من المدّعى، و هو جواز شرط البيع لكلّ مصلحة «1».

و لكنّه غير ظاهر أيضا، لما تقدّم في شرح فقرات الصحيحة من ظهور كلام أمير المؤمنين عليه السّلام في إعطاء السلطنة على البيع، و هذا هو الاشتراط. و قرينة حصر التمكن من وفاء الدين في بيع نصيب من الوقف مفقودة. و لو سلّم لم يجر هذا الاحتمال في تجويزه عليه السّلام اتّخاذ نفس الوقف سري الملك، لعدم فرض الحاجة فيه إلى بيعه مقدمة لرفع الضرورة.

الخامس: أنّ النصيب الذي جاز بيعه لهما عليهما السّلام خارج من الوقف، بمعنى أنّ الأمير عليه السّلام وقف أمواله بينبع و استثنى نصيبا منها، و فوّض تعيين النصيب إلى السبطين عليهما السّلام، فيتوقف تحديد مقدار الموقوف أيضا على تعيين ذلك النصيب، و لا مانع منه، فان الوقوف على حسب ما يقفها أهلها، كذا أفاده في المقابس «2».

و لكن مخالفته لظاهر الصحيحة من كون النصيب من جملة الأموال الموقوفة و عدم استثنائه منها مما لا تنكر.

هذا ما قيل في حمل بيع نصيب من المال.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و إن شاء جعله سري الملك» فاستقرب صاحب المقابس قدّس سرّه أنّ الإذن في جعل الوقف مثل الملك وقع على وجه المبالغة في أمر التولية، و في استحقاقهما عليهما السّلام للمنافع. و كان أمير المؤمنين عليه السّلام عالما بأنّهما لا يفعلان إلّا ما هو الصحيح المشروع، و لا يقتطعان شيئا من الوقف، هذا.

و لكنك خبير ببعد هذا الحمل، لعدم قرينة عليه، مع كونه في سياق قوله عليه السّلام:

«فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال» و قد استبعد صاحب المقابس حمله على الإذن

______________________________

(1) حاشية العلّامة السيد الإشكوري على المكاسب، ص 170

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 56

ص: 121

و العمل أشكل (1).

______________________________

في أداء الدين من الوقف، فراجع المقابس «1».

و أمّا قوله عليه السّلام: «و إن كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها» فقد يؤوّل- كما في المقابس أيضا- بأنّ دار الصدقة غير داخلة في الأموال التي حكم عليها في أوّل هذا الخبر بأنّها صدقة واجبة بتلة، لأنّ الموقوف هو ماله بينبع و ما حولها و بوادي القري و بديمة و بأذينة، و كلّها ضياع و مزارع، و لم تشتمل على دار يسكنها الإمام المجتبى عليه السّلام. و حينئذ فلعلّ دار الصدقة التي فوّض أمرها إلى الإمام المجتبى عليه السّلام كانت دارا جعل له سكناها ما دامت الحاجة، و بعده عليه السّلام بعنوان الوصية يفعل ما أمره عليه السّلام به، و من المعلوم أن «الصدقة» كما تطلق على الوقف كذلك تطلق على السكنى و الرقبى و العمرى، هذا.

و لكن يمكن ترجيح احتمال إرادة الموقوفة من «دار الصدقة» بما في ذيل الصحيحة من أمره عليه السّلام بأن يترك المال و لا يباع منه شي ء و لا يوهب و لا يورث، فيكون شرط البيع توسعة للسبطين عليهما السّلام تشريفا لهما.

(1) لإعراض المشهور عنه، بل ادعى العلّامة المجلسي قدّس سرّه مخالفة الصحيحة للمقطوع به عند الأصحاب «2»، و من المعلوم أن عدم الاعتناء بما قطعوا به في غاية الإشكال كما لا يخفى على أهله. خصوصا مع ورودها في بيع الوقف العام، و تقدم منع بيعه.

هذا تمام الكلام في حكم الصورة السادسة، و تحصّل أن الاشتراط مجوّز للبيع، عملا بأدلة الشروط و بعموم «الوقوف».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 56

(2) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 435

ص: 122

[الصورة السابعة أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه]

الصورة السابعة: أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنّا (1) [1]

______________________________

الصورة السابعة: أداء بقاء الوقف إلى خوف الخراب

(1) تقدم في الصورة الاولى الفرق بينها و بين هذه الصورة، و أنّ مفروض الكلام هنا عدم الخراب فعلا، و إنّما يخاف خراب الموقوفة لو بقيت على حالها.

و تقدم في نقل الأقوال ما استظهره المصنف من وحدة مضمون تعابير الفقهاء بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه تارة، و بخوفه اخرى، و بخشيته ثالثة، و قال: «فظهر من ذلك أنّ جواز البيع بظنّ تأدية بقائه إلى خرابه ممّا تحققت فيه الشهرة بين المجوّزين» «1».

و عنوان هذه الصورة بنحو الإطلاق- في قبال من قيّد جواز البيع بكون منشئه خلف أرباب الوقف- موافق لما في المقابس من قوله: «الصورة الثالثة: أن يباع خوفا من أن يؤول إلى الخراب أو التلف، و فيها أيضا أقوال .... ثالثها:

الجواز في المؤبّد أو مطلقا، و هو قول الشيخ و ابن سعيد في كتابيه ... الخ» و اختاره هو قدّس سرّه فراجع «2».

______________________________

[1] لا يخفى منافاة تفسير خوف الخراب هنا بالعلم أو الظن به لما سيذكره في الصورة الثامنة من تفسير الخوف بما هو أعم منهما و من الاحتمال، مع أن الوارد في كلمات الأصحاب إما خوف الخراب أو خشيته، و إمّا خشية وقوع فتنة بين أربابه

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 572

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 61 و 62

ص: 123

و هو المعبّر عنه ب «خوف الخراب» في كثير من العبائر المتقدمة (1).

و الأداء إلى الخراب (2) قد يكون للخلف (3) بين أربابه، و قد يكون (4) لا له.

______________________________

ثمّ إنّ المصنف قدّس سرّه قسّم هذه الصورة تارة بالنظر إلى منشأ خوف خراب الوقف، و اخرى بالنظر إلى ما يبقى من المنفعة بعد الخراب.

أما التقسيم الأوّل فمنشأ الأداء إلى الخراب إمّا خلف الموقوف عليهم، و إمّا غيره كعدم تمكنهم من عمارة الوقف و ترميمه، فهنا فرضان.

و أما التقسيم الثاني فله فرضان أيضا، ضرورة أن الخراب المعلوم أو المظنون قد يبلغ حدّا تسقط العين به عن الانتفاع المعتدّ به، فالباقي كالمعدوم، و قد لا يبلغ هذا الحد، و إنما يوجب نقص المنفعة. فهذه فروض أربعة ستأتي أحكامها.

(1) ففي المبسوط: «إذا خيف على الوقف الخراب» و في الغنية «خيف خرابه» و قريب منهما ما في الوسيلة و فقه القرآن و جامع الشرائع و النزهة و وقف الشرائع، و القواعد، و التحرير و الإرشاد، و بيع التذكرة و الدروس «1».

(2) هذا هو المقسم الأوّل، و هو باعتبار منشأ الأول إلى الخراب.

(3) هذا أول الفرضين من المقسم الأوّل، كما تقدم. و إسناد الخراب إلى الخلف مبني على الغالب من كون الاختلاف موجبا لترك الإقدام على ترميم الوقف، فيؤول الأمر إلى الخراب، و إلّا فلا ملازمة بين الخلف و الخراب كما هو واضح.

(4) أي: قد يكون الخراب لا للخلف بين الأرباب، بل لموجب آخر.

______________________________

كما في التحرير، أو «يخاف منه تلف الأموال» كما في جامع المقاصد.

و عليه فاختصاص الخوف بالعلم و الظن في الصورة السابعة، و عمومه للاحتمال في الثامنة غير ظاهر الوجه.

______________________________

(1) تقدمت مصادر الأقوال في ج 6، ص 562- 567

ص: 124

و الخراب المعلوم (1) [1] أو المخوف قد يكون على حدّ سقوطه من الانتفاع نفعا معتدّا به، و قد يكون على وجه نقص المنفعة.

و أمّا (2) إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر، كانتفاعه السابق أو أزيد، فلا يجوز بيعه، إلّا على ما استظهره بعض من تقدّم كلامه سابقا (3): من أنّ تغيّر عنوان الوقف يسوّغ بيعه،

______________________________

(1) هذا هو المقسم الثاني، و هو باعتبار خراب الوقف كليّة، أو بما يبقى مقدار معتد به من المنفعة.

(2) هذا فرض ثالث من المقسم الثاني، و غرضه قدّس سرّه استثناء هذا الفرض من موضوع البحث في الصورة السابعة، أعني به كون الخراب موجبا لنقص المنفعة أو لقلته بما لا يعتد به.

و محصل هذا الفرض: ما إذا أمكن الانتفاع بالوقف- بعد خرابه- بوجه آخر، كالبستان الذي يبست أشجاره فقطعت، فأجرت العرصة للزراعة مثلا، و كانت الاجرة أزيد من عوائد البستان أو مثلها. و حكم هذا الفرض عدم جواز بيع الوقف حينئذ، إلّا على مبنى صاحب الجواهر قدّس سرّه من بطلان وقفية العين بانعدام عنوانها الملحوظ حين الوقف، و قد تقدم تفصيله في الصورة الثانية، فراجع.

و الحاصل: أن موضوع البحث في الصورة السابعة هو ندرة المنفعة بعد الخراب، أو مجرد نقصها و إن كانت معتنى بها.

(3) حيث قال: «ثم ذكر- يعني صاحب الجواهر- أنّه قد يقال بالبطلان أيضا بانعدام عنوان الوقف، فيما إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية» فراجع (ص 30).

______________________________

[1] هذه الكلمة مستدركة، لفرض شمول «المخوف» للمعلوم و المظنون بمقتضى تفسير الخوف بالعلم أو الظن.

ص: 125

و قد عرفت (1) ضعفه.

و قد عرفت (2) من عبارة جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلى الخراب و لو لغير الاختلاف، و من اخرى تقييدهم به.

[الصّورة الثّامنة أن يقع بين الموقوف عليهم إختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس]

الصورة الثامنة: أن يقع بين الموقوف عليهم إختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس (3)،

______________________________

(1) بقوله: «أقول: يرد على ما قد يقال بعد الإجماع على أنّ انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف ... الخ» فراجع (ص 39).

(2) غرضه قدّس سرّه الإشارة إلى ما ورد في كلمات الأصحاب حول هذه الصورة السابعة، و ظاهره وجود قولين في المسألة: أحدهما: إطلاق جواز البيع، مهما كان منشأ الأداء إلى الخراب، و هو المحكي عن النهاية.

ثانيهما: تقييد جواز البيع بكون المنشأ إختلاف أرباب الوقف، و هو للأكثر، كما يظهر بملاحظة كلماتهم المنقولة أوائل المسألة «1». و سيأتي تفصيل المصنف قدّس سرّه.

الصّورة الثامنة: وقوع الاختلاف مع خوف تلف المال أو النفس

(3) نقل صاحب المقابس قدّس سرّه عنوان هذه الصورة قولا خامسا في حكم بيع الوقف لدفع الخلف أو لرفعه، فقال: «خامسها: أنه يجوز إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه الإفضاء إلى تلف الأموال و النفوس، و هو اختيار المحقق الكركي في تعليق الإرشاد ...» «2». و يستفاد أيضا من الشهيدين قدّس سرّهما و ممّن «3» أخذ بصحيحة ابن مهزيار الآتية التي ورد فيها جواز البيع إذا خيف تلف الأموال و النفوس.

و تقدم في الكلمات المنقولة أوائل المسألة «أو يخاف من وقوع خلف بينهم

______________________________

(1) لاحظ: هدى الطالب، ج 6، ص 562- 567

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 58

(3) غاية المراد، ج 2، ص 30. الروضة البهية، ج 3، ص 255

ص: 126

و إن (1) لم يعلم أو يظنّ ذلك (2).

فإنّ الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك (3)، خصوصا (4) من عبّر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.

______________________________

يؤدّي إلى فساده- أي فساد الوقف-» «1» كما في مهذّب القاضي قدّس سرّه، من دون عطف «النفوس» على الأموال.

و كيف كان فهذه الصورة تشارك السابعة في جامع الخوف، و تفارقها بامور:

الأوّل: أخذ خصوصية الخلف بين أهل الوقف في الثامنة دون السابعة.

الثاني: أخذ خصوصية العلم أو الظن بالخراب مستقلا، في السابعة، و لحاظ خوف أحد الأمرين من تلف المال أو النفس في الثامنة.

الثالث: تفسير الخوف في السابعة بالعلم أو الظن، و في الثامنة بما يعم الاحتمال.

(1) حرف الوصل ظاهر في شمول الخوف و عدم الأمن لما يعم العلم و الظنّ و الاحتمال.

(2) المشار إليه هو تلف المال أو النفس، و المراد بتلف المال هنا تلف الوقف كما استظهره الشهيد الثاني قدّس سرّه «2».

(3) أي: جواز البيع لخوف أداء الاختلاف إلى تلف المال أو النفس، كقول العلّامة قدّس سرّه: «و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه» «3».

(4) توضيحه: أنّ بعض الفقهاء جوّز البيع عند أداء بقاء الوقف على حاله- مع خلف أربابه- إلى الخراب، كالشهيد الثاني قدّس سرّه، و المحقق و العلّامة في بيع الشرائع

______________________________

(1) المهذب، ج 2، ص 92

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 255

(3) تحرير الأحكام، ج 1، ص 165 (ج 2، ص 279، الطبعة الحديثة)

ص: 127

[الصورة التاسعة أن يؤدّي الاختلاف بينهم إلى ضرر عظيم]

الصورة التاسعة: أن يؤدّي الاختلاف بينهم إلى ضرر عظيم (1)، من غير تقييد بتلف المال (2)، فضلا عن خصوص الوقف.

______________________________

و القواعد. و من المعلوم ظهور «الأداء» في العلم و الاطمئنان بترتب خراب الوقف على بقائه مع ما بين الموقوف عليهم من المنازعة، فلا عبرة حينئذ بظنّ الأداء إليه و احتماله.

و هذا بخلاف من عبّر من الفقهاء- و هم الأكثر- بخوف الخراب أو خشيته أو «لا يؤمن ...» فإنّ «خوف الخراب» يشمل العلم و الظن و الاحتمال الموهوم، إذ «الخوف» هو الحالة النفسانية الناشئة عن مجرد الاحتمال و إن كان موهوما جدّا.

الصورة التاسعة: اداء الخلف إلى ضرر عظيم

(1) هذه الصورة مذكورة في كلام ابن سعيد قدّس سرّه، لقوله: «أو يؤدي المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم» «1» و لعله متحد مع ما في تهذيب شيخ الطائفة من تجويز البيع «لو أدّى كونه وقفا إلى ضرر أو إلى إختلاف، و هرج و مرج، و خراب الوقف» «2».

و كيف كان فتختلف هذه الصورة مع سابقيتها بأمرين:

الأول: عدم أخذ الخوف فيها، بل المناط إفضاء بقاء الوقف إلى تلف الوقف أو تلف مال آخر أو فتنة عظيمة و فساد كبير مع أن عنوان الصورة السابعة و الثامنة «خوف الخراب» كما تقدم.

الثاني: أخذ خوف خصوص الخراب فيهما، بخلاف هذه، إذ لا خصوصية لتلف الوقف هنا.

(2) أي: تلف مال غير العين الموقوفة، لما سيأتي في مكاتبة ابن مهزيار من

______________________________

(1) نزهة الناظر، ص 74

(2) تهذيب الأحكام، ج 9، ص 131

ص: 128

[الصورة العاشرة أن يلزم فساد يستباح به الأنفس]

الصورة العاشرة: أن يلزم فساد يستباح به الأنفس (1).

و الأقوى (2): الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّا به عرفا، سواء كان لأجل الاختلاف أو غيره.

______________________________

تجويز البيع لتلف الأموال و النفوس، و لا خصوصية لتلف الوقف. و أمّا تعميم الضرر للنقص في العرض فلعدم اختصاص الضرر المنفي بالنقص المالي كما قرّر في محلّه.

الصورة العاشرة: أداء بقاء الوقف إلى فساد تستباح به الأنفس

(1) هذا العنوان قريب من كلام ابن سعيد أيضا، حيث قال: «أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس» «1» و تقدم في الأقوال نقله عن تعليق الإرشاد للمحقق الكركي، و الحاكي له هو السيد العاملي قدّس سرّه، إلّا أن المنقول عنه في المقابس كما تقدم في (ص 126) الأداء إلى تلف الأموال و النفوس.

و هذه الصورة كالتاسعة لم يؤخذ فيها الخوف، و ظاهر اللزوم هو العلم باستباحة الأنفس لو بقي الوقف بحاله، و انحصر سد الفتنة في بيعه، و لا يكفي مجرد الاحتمال حينئذ أو عدم الأمن من استباحة الأنفس.

و فرقها مع الصور الثلاث المتقدمة توقف جواز البيع هنا على تلف النفوس خاصة، و لا عبرة بتلف الوقف أو سائر الأموال.

حكم الصّور الأربع

(2) فصّل المصنف قدّس سرّه في بيع الوقف- في الصور الأربع الأخيرة- فجوّزه في قسم من الصورة السابعة، و هو أداء بقاء الوقف- علما أو ظنا- الى سقوطه عن الانتفاع المعتد به، سواء أ كان منشأ الخراب إختلاف أرباب الوقف أم غيره. و الشاهد على إرادة الجواز في خصوص هذا القسم هنا ما سيأتي في (ص 149) من قوله: «و أما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة».

______________________________

(1) الجامع للشرائع، ص 372

ص: 129

و المنع (1) في غيره من جميع الصور.

أما الجواز في الأوّل (2)، فلما مرّ من الدليل (3) على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع (4)، فإنّ (5) الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه،

______________________________

و منع البيع في نقص المنفعة كما منعه في الصور التالية لها، فهنا دعويان. و يقع الكلام فعلا في أوّل شقّي التفصيل.

و قد استدل على الجواز بوجود المقتضي و دفع ما يحتمل كونه مانعا عن البيع، ثم نقل وجهين آخرين للجواز و ناقش فيها، و سيأتي بيان الكلّ إن شاء اللّه تعالى.

(1) معطوف على «الجواز» أي: أنّ الأقوى منع البيع في سائر الصور.

(2) و هو ما لو أدّى بقاء الوقف إلى الخراب علما أو ظنّا. و قد استدل على جواز البيع فيه بوجوه ثلاثة كما سيأتي، أوّلها: ما في المتن من وجود المقتضي و فقد المانع. ثانيها: ما ذكره في التنقيح. ثالثها: ما نقل عن العلّامة و جماعة.

(3) ما استدل به المصنف على جواز البيع هنا- من وجود المقتضي و فقد المانع- تقدم مستوفى في الصورة الاولى. و ظاهر المتن دفع المانع، و أمّا المقتضي فغير مذكور في العبارة اتكالا على وضوحه.

و المراد بالمقتضي في مقام الإثبات هو العمومات المقتضية لصحة البيع، كقوله تعالى: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

و أما المانع فالمذكور في المتن هو الحقوق المتعلقة بالعين الموقوفة، أعني بها حق الشارع و الواقف و الموقوف عليهم.

(4) حيث قال في الصورة الاولى: «لعدم جريان أدلة المنع. أما الإجماع ...

الخ» «1».

(5) هذا دفع المانع من ناحية غرض الواقف، و تقريب الغرض: أنّ مقصود

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 614

ص: 130

..........

______________________________

الواقف من حبس عين خاصة أبدا هو بقاؤها بشخصها لتكون صدقة جارية ينتفع بها معنويا، كما ينتفع الموقوف عليهم بها مادّيا. و من المعلوم أن تجويز بيعها- عند خوف خرابها و قلة منفعتها لو بقيت بحالها- ينافي هذا الغرض. و حيث إن الوقوف تكون على حسب ما يقفها أهلها لم يجز نقض غرض الواقف.

و المصنف دفع هذا المانع بما محصله: عدم لزوم نقض غرض الواقف، بل يلزم حفظ مقصوده لو بيع الوقف، و بيانه: أن غرض الواقف و إن كان حبس شخص ما وقفه، و عدم تبديله بشي ء آخر، إلّا أنه محدود بعدم العلم أو الظن بانقطاع هذا الشخص، لينتفع به الموقوف عليهم.

و أمّا مع علمه بأوله إلى الخراب و تعذّر الانتفاع به مستقبلا فيدور الأمر بين وجهين:

أحدهما: ترك الوقف حتى يهلك و يخرج عن كونه صدقة جارية، و حينئذ فكما تسقط العين عن حيّز الانتفاع بها فكذا تنعدم ماليتها القائمة بها.

ثانيهما: تبديل الوقف، و هو و إن استلزم إسقاط حق الواقف من الانتفاع المختص بشخص الوقف، إلّا أنّه يوجب حفظ غرضه في الانتفاع بمالية العين القائمة بالبدل. فإن قيل بالوجه الأوّل استلزم عدم رعاية حق الواقف في نوع ماله ليكون صدقة جارية. و إن قيل بالوجه الثاني فقد روعي فيه حقه، فيكون نوع ماله صدقة.

و لا ريب في أن هذا الوجه أوفق بغرض الواقف، لما فيه من رعاية حقه في الوقف، بخلاف ترك البيع الموجب لسقوط حقه شخصا و نوعا.

و المتحصل: أن البيع غير مناف للتبديل.

فإن قلت: كلام المصنف هنا ينافي ما سيأتي في (ص 148)- في ردّ المستدلّ على الجواز بلزوم رعاية غرض الواقف- من عدم الدليل على وجوب متابعة أغراض الواقفين، فإنّ ما يجب الوفاء به هو العقد و الشرط فيه، دون الأغراض

ص: 131

فإذا فرض العلم أو الظّنّ بانقطاع شخصه، فدار الأمر (1) بين انقطاع شخصه و نوعه، و بين انقطاع شخصه لا نوعه، كان (2) الثاني أولى،

______________________________

الخارجة عن حاق الإنشاءات.

قلت: لا تهافت بين كلماته، و ذلك لأنّ غرض الواقف قد يجعل مقتضيا للبيع، بأن يقال: انه كما تعلّق غرضه بحبس شخص العين كذلك بنوعه، لتعدد المطلوب، و هذا سيأتي منعه هناك بما محصله: قصور مقام الإثبات، و عدم الدليل على لزوم مراعاة غرض الواقف، فلا مقتضي للبيع من هذه الجهة. و قد يجعل مانعا عن البيع، و لا بد من إبطال مانعيته عنه كما صنعه هنا، و تقدّم تقريب المانعية و دفعها.

نعم، عبارة المصنف قدّس سرّه هنا لا تخلو من مسامحة من جهة تعبيره بالغرض، مع أن مقصوده تعلق حق الواقف، و الشاهد على هذا التسامح أنه قدّس سرّه أحال عدم مانعية الحقوق الثلاثة- عن البيع- على ما أفاده في الصورة الاولى، و هو قوله: «و الأوّل- أي ترك البيع حتى يتلف- تضييع مناف لحق اللّه و حقّ الواقف و حق الموقوف عليه» «1». و هذا التصريح قرينة على مراده من «غرض الواقف». و إن كان في العدول عن التعبير بالحق إلى «غرض» مسامحة، لوضوح كون الحق أمرا اعتباريا متعلقا بالعين، بخلاف الغرض الداعي إلى الإنشاء، و الخارج عنه.

هذا كلّه بالنسبة إلى عدم المانع من جهة تعلق حق الواقف. و أما عدم مانعية حق الشارع و الموقوف عليهم فسيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا متفرع على خوف انقطاع الشخص، و هو دوران الأمر بين وجهين كما تقدّم آنفا.

(2) هذا جواب الشرط في قوله: «فإذا فرض» و المراد بالثاني هو رعاية حق الواقف في كون ماله صدقة جارية و لو بنوع الموقوفة، بأن تباع و تبدّل بعين اخرى.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 621

ص: 132

فليس (1) فيه منافاة لغرض الواقف أصلا.

و أمّا الأدلة الشرعية (2) فغير ناهضة، لاختصاص الإجماع (3)، و انصراف النصوص إلى غير هذه الصورة (4).

و أمّا الموقوف عليهم (5)، فالمفروض إذن الموجود منهم،

______________________________

(1) هذا نتيجة أولوية البيع و التبديل من إبقاء الوقف حتى يهلك، يعني: أن حفظ حق الواقف منحصر في البيع، فضلا عن منافاته له.

(2) غرضه نفي المانع من ناحية الأدلة الشرعية الناهية عن بيع الوقف الشاملة لما يخاف خرابه، مثل الإجماع، و معتبرة علي بن راشد، و فيها: «لا يجوز شراء الوقف». فإنّهما من موانع التمسك بالعمومات القاضية بصحة البيع، و ذلك لأن إمضاء الصدقة الجارية و الحكم عليها بإبقائها ينافي بيعها.

و حاصل ما أفاده قدّس سرّه: أنه لا كاشف عن تعلق حقه تعالى بالوقف المشرف على الخراب حتى يجب رعايته. أمّا الإجماع فغير مانع، لما تقدم في الصورة الاولى من التأمل في تحققه على عدم جواز البيع حتى في ما نحن فيه. و لو شك فيه فمقتضى كونه لبيّا الاقتصار على القدر المتيقن، و هو ما عدا صورة الخراب أو خوفه. مضافا إلى احتمال كونه مدركيا.

و أما معتبرة ابن راشد فلانصرافها إلى غير صورة خشية الخراب، كانصرافها عن صورة فعلية الخراب، لوحدة مناط الانصراف و عدم دخل فعلية الخراب فيه.

و أما عموم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» فلعدم تكفله حرمة البيع تعبّدا، بل هو إمضاء للكيفية التي رسمها الواقف. و قد تقدم أن تعلق حق الواقف بحبس شخص العين محدود بما دام الانتفاع بها ممكنا، لا ما إذا آلت إلى سقوط المنفعة.

(3) يعني: اختصاصه بحال عمارة الوقف و عدم خوف الخراب.

(4) و هي صورة خشية الخراب، كانصرافها عن صورة الخراب الفعلي.

(5) هذا نفي المانع الثالث عن جواز البيع، يعني: أن حق الموقوف عليهم هو

ص: 133

و قيام الناظر العام (1) أو الخاص (2) مقام غير الموجود.

نعم (3)، قد يشكل الأمر فيما لو فرض تضرّر البطن الموجود من بيعه (4)، للزوم (5) تعطيل الانتفاع إلى زمان وجدان البدل، أو كون (6) البدل قليل المنفعة بالنسبة إلى الباقي.

______________________________

كون العين صدقة جارية لهم ينتفعوا بها. و هذا الحق لا ينافي جواز البيع إذا آلت إلى الخراب، لينتفعوا ببدلها. و أمّا حقّهم في البيع فقد روعي بكونهم متصدّين له بضمّ ولي سائر البطون.

(1) و هو الفقيه الجامع للشرائط.

(2) و هو من عيّنه الواقف. هذا تمام ما استدل به المصنف قدّس سرّه على جواز البيع لو أدى بقاء الوقف إلى خرابه. و سيأتي التعرض لبعض فروع المسألة.

(3) هذا استدراك على قوله: «أما الجواز في الأوّل» و غرضه استثناء صورتين من حكمه بجواز البيع، عند خشية الخراب و بيان حكمهما.

(4) هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و هي: أنه لو استلزم بيع الوقف تضرر البطن الموجود بعدم انتفاعهم، لكون الثمن غالبا من النقدين أو الأنواط، و توقّف التبديل على التأخير و مضيّ برهة من الزمان، فإنه لا يخلو البيع حينئذ من إشكال، لحرمان الموجودين من الوقف رأسا. أمّا العين فلأنّها بيعت، و أما البدل فلعدم حصوله بعد، و من المعلوم منافاة تعطيل الانتفاع لحقّ الموقوف عليهم. هذا.

(5) بيان لكيفية تضرر الموجودين، و قد تقدم آنفا.

(6) معطوف على «لزوم» أي: لكون البدل. و هذا إشارة إلى الصورة الثانية، و هي ما إذا أمكن التبديل و لم يلزم تعطيل انتفاع الموجودين، إلا أن منفعة البدل قليلة بالقياس إلى ما بقي من منفعة نفس الموقوفة إلى زمان خرابها، كما إذا فرض أن الزمان الباقي من أزمنة بقاء الموقوفة عام واحد، و لو بيعت قبل مضي هذا العام و استبدلت بعين اخرى كانت منفعة البدل في هذا العام مائة دينار مثلا. و لو ابقيت

ص: 134

و مما ذكر (1) يظهر أنّه يحب تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء مع (2) عدم فوات الاستبدال فيه (3)، و مع فوته (4)

______________________________

الموقوفة في هذا العام كانت منفعتها فيه مأتي دينار، فيتضرر البطن الموجود بهذه المائة.

و مقتضى قاعدة نفي الضرر عدم جواز بيعه، لأن جواز البيع حينئذ ضرري، فينفى بقاعدة الضرر.

(1) يعني: و من تضرر البطن الموجود ببيع الوقف في هاتين الصورتين يظهر ... الخ.

و محصله: أن هنا شقّين:

فتارة يمكن كلّ من البيع و شراء البدل في آخر أزمنة إمكان بقاء العين، فيجب الإبقاء، و لا يجوز البيع قبل آخر الأزمنة، إذ لا وجه لرفع اليد عن الغرض- في شخص الوقف- مع إمكان رعايته في برهة من الزمان. كما إذا فرض بقاء العين إلى سنة، و أمكن بيعها و استبدالها قبل مضيّ عام، و امتنع بعده.

و اخرى يمكن البيع في آخر أزمنة الإمكان، و لكن يتعذر شراء البدل في ذلك الوقت بذلك الثمن لقلّته مثلا، ففي جواز تقديم البيع قبل خراب الوقف بسنة إشكال.

و لعلّ وجهه تعارض الغرض القائم بشخص الوقف و نوعه أي ماليته، فمن جهة رعاية الغرض من شخص الوقف لا يجوز تقديم البيع، لقابليته فعلا للانتفاع به.

و من جهة رعاية الغرض من وقف النوع يلزم تقديم البيع و الاستبدال و إن فات الغرض القائم بالشخص.

(2) قيد لقوله: «يجب» و هذا إشارة إلى الشّق الأوّل المتقدم بقولنا: «فتارة يمكن ... الخ».

(3) أي: في آخر أزمنة إمكان بقاء شخص الوقف.

(4) أي: فوت الاستبدال، و هذا إشارة إلى الشق الثاني المتقدم بقولنا:

«و اخرى يمكن».

ص: 135

ففي تقديم البيع إشكال [1].

و لو دار الأمر (1) بين بيعه

______________________________

(1) توضيح هذا الفرع: أنه قد تكون الموقوفة بحاجة إلى عمارة و ترميم، و لم يكن لأربابها مال للصرف فيها، فكان بقاؤها بحالها مؤدّيا إلى الخراب، فيدور

______________________________

[1] لا يخفى أنه مع الشك في انصراف الأدلّة- المانعة لجواز البيع- عن هذه الصورة لا يجوز البيع، لكون الشك في تخصيص عموم المنع.

إلّا أن يقال: إن عمومات نفوذ البيع محكمة ما لم يعلم بالتخصيص، و مع الشك في شمول الأدلة المانعة يتمسك بعمومات الصحة، فيجوز البيع.

ثمّ إنّه يمكن أن يكون منشأ الإشكال تعارض ضرر البطن الموجود المقتضي للانتفاع بشخص العين إلى آخر أزمنة إمكان بقائها، و بين ضرر المعدومين المقتضي لتقديم البيع و التبديل رعاية لحقّهم في الوقف و لو في نوعه لا في شخصه. و بعد تساقط قاعدتي الضرر في الجانبين يرجع إمّا إلى عموم منع بيع الوقف، و إمّا إلى العمومات المقتضية للصحة.

و هذا المطلب و إن كان صحيحا في نفسه، إلّا أن تعارض ضرر البطن الموجود و المعدوم غير مفروض في كلام المصنف، إذ لا قرينة فيه على أنّ مراده بالتّأخير و فوات الاستبدال هو زمان انقراض الموجودين، فربّما يكون التأخير بمقدار سنة أو أقل- كما ذكرناه في التوضيح- مفوّتا للاستبدال، خصوصا لو كان منشأ خوف الخراب الخلف بين الموقوف عليهم، لعدم اقتضاء المصلحة تأخير البيع و التبديل من طبقة إلى طبقة اخرى.

نعم تعارض حق البطون مفروض في الفرع الآتي. و عليه فلعلّ الاولى ما أثبتناه وفاقا لما في بعض الشروح «1» و خلافا لما في بعضها «2».

______________________________

(1) بغية الطالب، ج 1، ص 170

(2) غاية الآمال، ص 453

ص: 136

و الإبدال به (1)، و بين (2) صرف منفعته الحاصلة مدّة من الزمان

______________________________

الأمر بين تقديرين:

أحدهما: البيع و الاستبدال، رعاية لحق الموقوف عليهم بالانتفاع بالبدل، و لكن يفوت حق الواقف من وقف شخص المال.

ثانيهما: إجارة الموقوفة على ما هي عليها، و صرف عوائدها في العمارة و الترميم، حفظا لحق الواقف لتعلق غرضه بشخص العين، و لحق البطن اللاحق ليتلقّى الوقف قابلا للانتفاع به.

نعم يفوت حق البطن الموجود مدّة الإجارة، لحرمانه عمّا يملكه من المنفعة.

و اختيار أحد الوجهين منوط بملاحظة إنشاء الوقف. فإن شرط الواقف صرف منافعه في إصلاحه و عمارته، ثم صرف ما يفضل من العوائد في الموقوف عليهم، فالأقوى هو الوجه الثاني عملا بالشرط النافذ.

و إن لم يشترط ذلك، وقع التعارض بين حق البطن الموجود المقتضي للبيع و الإبدال، و بين حق الواقف- في إبقاء شخص المال المحبوس مهما أمكن- المقتضي لصرف المنفعة في الترميم، و سقوط حق البطن الموجود.

و الأقوى بنظر المصنف قدّس سرّه هو الوجه الأوّل، و منشأ ترجيحه- كما افيد- إمّا حكومة قاعدة نفي الضرر الجارية في تضرر البطن الموجود على وجوب مراعاة غرض الواقف من وقف شخص المال. و إمّا تزاحم الحقين، و ترجيح حق البطن الموجود على حق الواقف، لكونه مالكا فعليا للوقف، و الأهمية مرجحة لأحد المتزاحمين.

(1) أي: الإبدال بالبيع أي بالثمن، و ليس المراد تبديل الوقف بعين اخرى و لو من دون بيع، و ذلك لاستدراك كلمة «بيعه» حينئذ، فالمراد صرف الثمن في شراء البدل.

(2) معطوف على «بين» و هذا هو التقدير الثاني المتقدم آنفا.

ص: 137

لتعميره (1)، ففي ترجيح (2) حقّ البطن الذي يفوته المنفعة (3)، أو حقّ (4) الواقف و ساير البطون المتأخرة المتعلّق (5) بشخص الوقف، و جهان، لا يخلو أوّلهما عن قوة [1] إذا لم يشترط (6) الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف عليه.

______________________________

(1) متعلق ب «صرف منفعته» و لعلّ الأولى إبداله ب «عمارة» لما في كلام بعض أهل اللغة «من أن التعمير بمعنى إعطاء العمر فعلا أو قولا على سبيل الدعاء» لا إصلاح البناء، فراجع «1».

(2) خبر مقدّم لقوله: «و جهان» و الجملة جواب الشرط في «و لو دار».

(3) فوات المنفعة على البطن الموجود إمّا في برهة من الزمان، كما إذا كانت مدة الإجارة خمس سنوات، و لا ينقرض البطن في مثلها، فينتفع بالوقف بعد عمارتها.

و إمّا في تمام زمان حياته إن كانت آخر مدة الإجارة و الترميم مقارنا لانقضاء البطن الموجود.

(4) معطوف على «حقّ البطن» أي: ففي ترجيح حق الواقف و ساير البطون، و هذا هو الوجه الثاني.

(5) صفة ل «حق الواقف ...».

(6) فلو شرط الواقف ذلك كان الأقوى هو الوجه الثاني، لأن المؤمنين عند شروطهم.

______________________________

[1] لا وجه للبيع مع عموم الأدلة المانعة، كما لا وجه لوجوب صرف المنفعة الحاضرة في عمارته، بل ينتفعون به إلى أن يخرب، فحينئذ يجوز بيعه.

______________________________

(1) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، للراغب، ص 347 و كذا نقل ابن منظور عن الأزهري «و لا يقال:

أعمر الرجل منزله بالألف» فلاحظ: لسان العرب، ج 4، ص 604. نعم في المنجد: أن التعمير كالأعمار جعل المنزل آهلا.

ص: 138

و قد يستدلّ على الجواز فيما ذكرنا (1) بما عن التّنقيح من: «أن بقاء الوقف على حاله- و الحال هذه- إضاعة و إتلاف للمال، و هو منهي عنه شرعا، فيكون البيع جائزا» «1».

و لعلّه (2) أراد الجواز بالمعنى الأعم،

______________________________

(1) هذا ثاني الوجوه المستدل بها على جواز بيع الوقف فيما إذا كان بقاؤه مؤدّيا إلى الخراب و التلف على وجه لا ينتفع به، استدل به الفاضل المقداد، و هو قياس مؤلف من صغرى و كبرى، فالصغرى: أنّ الإبقاء و عدم البيع إضاعة للمال و إسراف، لفرض سقوطه بتلفه عن المالية المعتد بها.

و الكبرى: أن تضييع المال منهي عنه شرعا بلا ريب. و نتيجة هاتين المقدمتين جواز البيع لئلا يتحقق التضييع المحرّم.

(2) أي: و لعلّ الفاضل المقداد قدّس سرّه أراد ... الخ. و محصله: أنه لمّا كان مقتضى حرمة التضييع وجوب البيع لا إباحته- كما هو ظاهر عبارة التنقيح: كان جائزا- أراد المصنف قدّس سرّه توجيه الجواز بما لا يرد عليه ما في المقابس، و بيانه: أن المحقق الشوشتري قدّس سرّه ناقش في الدليل المزبور بوجوه ثلاثة، و قال قبلها: «و لا يخفى أن هذا الدليل يقتضي وجوب البيع فضلا عن جوازه» «2» لوضوح أن الدافع للتضييع المحرّم ليس مجرد جواز بيع الوقف الآئل إلى الخراب، لإمكان ترك الفعل المباح و تحقق إضاعة المال خارجا.

و عليه فكان المناسب أن يقول الفاضل السيوري: «فيكون البيع واجبا».

و لو أراد إثبات مجرد الجواز كان عليه الاستدلال بوجه آخر لا بحرمة التضييع.

هذا توضيح ما في المقابس. و المصنف قدّس سرّه- مع اعترافه بأنّ مقتضى عبارة

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 330

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

ص: 139

فلا يرد (1) عليه (2) [1] «أنّه يدلّ على وجوب البيع».

و فيه: أن المحرّم (3) هو إضاعة المال

______________________________

التنقيح هو الوجوب لا الجواز- حمل قوله: «جائزا» على الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب أيضا. فلو أراد الفاضل من الجواز الوجوب- لا معناه الخاص و هو الإباحة- لم يرد عليه ما في المقابس، لابتناء إيراد صاحب المقابس على الجمود على ظاهر الجواز، و عدم إرادة الأعم منه و من الوجوب.

(1) هذا نتيجة إرادة الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب، و قد عرفته آنفا.

(2) أي: على ما في التنقيح من قوله: «فيكون البيع جائزا».

(3) ناقش المصنف قدّس سرّه فيما نقله عن التنقيح بوجهين، هذا أوّلهما، و عبارة المتن لا تخلو من إجمال- كما اعترف به المحقق الإيرواني قدّس سرّه «1»- إذ لم يتضح منها أن مراده منع صغرى القياس أو كبراه، و إن كان صدر الكلام ظاهرا في منع الكبرى و على كلّ فينبغي توضيحها على كلا الاحتمالين.

فإن كان الغرض منع الصغرى- أي عدم صدق «الإضاعة» على ترك بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى الخراب- فبيانه: أنّ صدق مفهوم «الإضاعة» منوط بأمرين:

أحدهما: صدور فعل و تصرّف في المال يكون سببا لتلفه، فلا تصدق على ترك المال بحاله إلى أن يتلف بنفسه من جهة انتهاء استعداد بقائه، أو من جهة اخرى عارضة عليه موجبة لخرابه، كالخلف بين أرباب الوقف لو استلزم تلفه.

______________________________

[1] الإنصاف وروده عليه، ضرورة أن النتيجة لحرمة التضييع هي وجوب البيع لا جوازه، و حمل الجواز على معناه الأعم خلاف ظاهر الاستدلال المزبور.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 181

ص: 140

..........

______________________________

ثانيهما: كون المتصرّف مسلّطا شرعا على ما يتصرّف فيه، فلو لم يكن الشخص سلطانا على المال عقلا و شرعا لم يكن ترك التصرف فيه إضاعة و إتلافا له.

فإن قلت: تقدّم في الصورة الاولى الاستدلال بحرمة التضييع على تعيّن البيع، حيث قال: «و الأول- أي الإبقاء حتى يتلف- تضييع مناف لحق اللّه و حق الواقف و حق الموقوف عليه» «1» و المفروض أنّ الإضاعة و التضييع بمعنى واحد كما صرّح به غير واحد من أهل اللغة «2»، فإن صدق «التضييع» على ترك البيع هناك فلتصدق «الإضاعة» عليه هنا، و إن لم تصدق «الإضاعة» هنا فليمنع من صدق «التضييع» هناك.

قلت: و إن كان اللفظان بمعنى لغة، إلا أن الفارق بينهما أمران:

الأوّل: عموم «التضييع» لكلّ من الأمر الوجودي و العدمي، بخلاف «الإضاعة» فإنّ إضافتها إلى المال توجب الاختصاص بالفعل، و لا تشمل الترك.

و لعلّ المصنف استفاد هذه الخصوصية مما قيل في تفسير الخبر الناهي عن إضاعة المال، قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «أراد به الحيوان، أي: يحسن إليه و لا يهمل. و قيل إنفاقه في الحرام و المعاصي و ما لا يحبّه اللّه تعالى. و قيل: أراد به التبذير و الإسراف و إن كان في مباح» «3».

و نحوه- عدا الجملة الاولى- ما في اللسان. فالإحسان و الإنفاق و نحوهما امور وجودية، غير صادقة على الترك و الإهمال.

ثانيهما: عموم مفهوم «التضييع» عرفا لما إذا كان المال المضيّع داخلا تحت سلطان الشخص المتصرف، و خارجا عنه كالوقف الذي يكون الموقوف عليه

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 621

(2) مجمع البحرين، ج 4، ص 367. لسان العرب، ج 8، ص 231

(3) مجمع البحرين، ج 4، ص 367. لسان العرب، ج 8، ص 231

ص: 141

..........

______________________________

مسلوب السلطنة على البيع و سائر التصرفات الناقلة فيه.

و الوجه في عموم «التضييع» هو أن المفهوم منه عرفا مطلق إتلاف المال سواء أ كان بفعل أم بتركه، و سواء أ كان مسلّطا عليه شرعا أم غير مسلّط عليه. و لأجل هذا العموم قدّم المصنف في الصورة الاولى دليل حرمة التضييع على دليل منع بيع الوقف. و هذا بخلاف «الإضاعة» لأن كون المتصرف سلطانا على المال دخيل في صدقها.

و المفروض في المقام انتفاء الأمرين معا. فلم يصدر عمل من المتولي ليكون سببا لخراب الوقف، و إنّما ترك البيع. و كذا لم يكن المتروك- و هو البيع- مقدورا له شرعا، لوضوح أن عموم النهي عن بيع الوقف سالب للسلطنة على التصرفات الناقلة، و حينئذ فالمقام خارج موضوعا عمّا دلّ على حرمة إضاعة الأموال.

و إن كان الغرض منع الكبرى فمقصود المصنف: أن حرمة الإضاعة و إن كانت ثابتة في الجملة، إلّا أن عمومها للمال الذي لا سلطان للشخص عليه، و كان ممنوعا من التصرف فيه شرعا و من حفظه عن التلف غير ثابت. فلا بد من الاقتصار على المتيقن و هو إتلاف المال الذي لا منع شرعا من التصرف فيه.

ثمّ أورد المصنف قدّس سرّه نقضا على المستدلّ- و هو الفاضل المقداد قدّس سرّه- لا يمكن التزامه به، و هو أنّه لو قيل بصدق «الإضاعة المحرّمة» على ترك بيع الوقف، لزم الحكم بوجوب عمارة الأوقاف المشرفة على الخراب في موردين:

أحدهما: إمكان كلّ من العمارة و البيع، فيلزم تقديم العمارة على البيع، و لا يجوز تركها ثم بيع تلك الأوقاف.

ثانيهما: تعذر البيع، فيتعين إصلاح تلك الأوقاف.

و وجه لزوم العمارة في الموردين هو اقتضاء حرمة الإضاعة- الصادقة على تركها على حالها- وجوب حفظ المال المحترم عن التلف، مع أنه لا سبيل للحكم

ص: 142

المسلّط عليه (1)، لا ترك (2) المال الذي لا سلطان عليه إلى أن يخرب بنفسه، و إلّا (3) [1] لزم وجوب تعمير الأوقاف المشرفة على الخراب بغير (4) البيع مهما أمكن مقدّما على البيع، أو إذا لم يمكن البيع.

______________________________

بالوجوب. و هو كاشف عن عدم صدق «الإضاعة» على ترك المال على حاله حتى يتلف. هذا توضيح الوجه الأوّل، و سيأتي بيان الوجه الثاني إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذه الجملة تكون أقرب إلى منع الكبرى، فالمحرّم ليس مطلق الترك، و لو لما لا سلطنة عليه، بل خصوص إضاعة المال المسلّط عليه.

(2) معطوف على «إضاعة». و هذه الجملة تلتئم مع منع الكبرى بناء على صدق «الاضاعة» على الترك، و لكنه غير محرّم من جهة سلب السلطنة على المتروك.

و كذا مع منع الصغرى، فليس الترك إضاعة بناء على دخل الفعل الوجودي فيها، فجواز الترك خارج موضوعا عن دليل حرمة الإضاعة. و لا يبعد ظهور قول المصنف: «إلى أن يخرب بنفسه» في منع صدق الإضاعة صغرويا.

(3) أي: و إن كان المحرّم إضاعة المال غير المسلّط عليه، لزم ... الخ. هذا بناء على الاستشهاد بالفرع المزبور لمنع عموم الكبرى. و إن كان لمنع ثبوت الصغرى فالمعنى: و إن كان ترك المال الذي لا سلطان له عليه- حتى يتلف- إضاعة لزم وجوب تعمير ... الخ.

(4) متعلق ب «تعمير» و المراد به بذل الموقوف عليهم مالا لعمارتها، و إن امتنع ذلك وصلت النوبة إلى بيعها و تبديلها. هذا إذا كان كل من العمارة و البيع ممكنا، فيقدم العمارة عليه.

______________________________

[1] يمكن منعه بأن يقال: إنّ هذا الوجوب مع عدم انتفاع المعمّر بما يعمّره من الموقوفة ضرري، فينفى بقاعدة الضرر.

ص: 143

و الحاصل (1): أنّ ضعف هذا الدليل بظاهره واضح.

و يتضح فساده (2) على

______________________________

و إن لم يمكن البيع تعين عمارة الوقف من أموال الموقوف عليهم، لا ترك الموقوفة بحالها حتى تخرب. مع أنه لا قائل بوجوب تعمير الأوقاف المشرفة على الخلاف، سواء أمكن بيعها أم لم يمكن، و هذا شاهد على عدم كون ترك العمارة إضاعة، أو عدم كونه إضاعة محرّمة.

(1) هذا حاصل أوّل وجهي المناقشة، الراجع إلى منع عموم كبرى حرمة الإضاعة، أو إلى منع كون ترك البيع صغرى لها.

(2) أي: فساد الدليل المذكور، و هذا ثاني وجهي المناقشة في دليل الفاضل المقداد قدّس سرّه، و هو مبني على القول باختصاص الثمن بالبطن الموجود، و عدم كونه- كالمبيع- مشتركا بين الجميع بأن يكون ملكا فعليا للموجودين، و شأنيا للمعدومين.

فلو قيل بالاشتراك لم يرد هذا على الاستدلال بحرمة الإضاعة على جواز البيع.

و توضيح الوجه الثاني: أنّ الإضاعة المحرّمة متحقّقة في المقام سواء بيع الوقف أم لم يبع. و ذلك لأنّ البيع و إن كان رعاية لحق البطن الموجود بحفظ ماله عن الضياع و التلف. إلّا أنه إضاعة بالنسبة إلى البطون اللاحقة، لحرمانهم من الوقف و بدله. و مقتضى حرمة إضاعة مالهم عدم جواز البيع ليختص الثمن بالموجودين.

و عليه فيلزم اجتماع حكمين في بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى الخراب:

أحدهما: الجواز لكون إبقائه على حاله إضاعة لمال الموجودين من الموقوف عليهم، و هي محرّمة.

و ثانيهما: الحرمة، لمنافاة البيع- و صيرورة الثمن ملكا طلقا للموجودين- لرعاية حق البطون المعدومة. و بهذا يسقط الاستدلال بحرمة الإضاعة على جواز البيع هنا.

و لا يخفى أن هذا الجواب يستفاد من تضاعيف كلمات صاحب المقابس قدّس سرّه

ص: 144

القول (1) بكون الثمن للبطن الموجود، لا غير.

و يتلوه (2) في الضعف ما عن المختلف و التذكرة و المهذّب و غاية المرام:

______________________________

قبل نقل كلام الفاضل السيوري و بعده، فراجع «1».

(1) فلو قيل باشتراك الثمن بين الجميع لم يلزم تعارض حرمة الإضاعة بالنسبة إلى الموجودين و المعدومين.

(2) الضمير راجع إلى الموصول في قوله: «بما عن التنقيح» و هذا ثالث الوجوه على جواز البيع. يعني: كما كان استدلال صاحب التنقيح ضعيفا، فكذا ما نقله صاحب المقابس عن العلّامة و ابن فهد و الصيمري قدّس سرّه. و استدل به في التذكرة و المختلف على جواز البيع مع خرابه و تعذر عمارته، أو خوف فتنة بين أربابه يوجب فسادا لا يستدرك، و ليس استدلالا على خصوص ما نحن فيه من خشية الخراب.

و لا يخفى أنّه تقدم في (ص 131) الفرق بين الغرض الذي أبطل المصنف مانعيته عن اقتضاء العمومات صحة البيع، و بين الغرض المستدل به على الجواز في كلام العلّامة قدّس سرّه و من تبعه، فإنّه مبني على وجوب مراعاة ما هو أقرب إلى غرض الواقف أو على تعدد غرضه و مطلوبه حتى يكون البيع حافظا لمطلوبه أو لما هو أقرب من غرضه. و من المعلوم أن البيع حينئذ يكون مما يقتضيه نفس إنشاء الوقف، و لا حاجة معه إلى التمسك بعمومات صحة البيع كما استدل بها المصنف على جواز البيع.

و عليه فمحصل هذا الوجه: أن مقصود الواقف من حبس شخص ماله هو تسبيل ثمرته، فإن أمكن استيفاء المنفعة من نفس الوقف تعيّن، و إن تعذّر جاز للمتولي إخراج العين عن كونها وقفا و بيعها و تبديلها، تحقيقا لغرض الواقف.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

ص: 145

من أنّ الغرض (1) من الوقف استيفاء منافعه، و قد تعذّرت، فيجوز إخراجه عن حدّه (2)، تحصيلا للغرض

______________________________

فإن قلت: للواقف غرضان، أحدهما: حبس شخص المال، و ثانيهما: إطلاق منفعته و تسبيلها للموقوف عليهم. و حيث إنّ بقاء العين يؤدّي إلى التلف، دار الأمر بين رفع اليد عن خصوصية العين، و حفظ المنفعة الخاصة، و بين رفع اليد عن النفع الخاص و إبقاء العين الخاصة على وقفيّتها، و لا مرجّح للأوّل على الثاني، فلا مجوّز للبيع.

قلت: يتعيّن رفع اليد عن شخص الوقف، لوجود المرجّح، و هو عدم اقتصار غرض الواقف على الانتفاع بالشخص على نحو وحدة المطلوب، بل مقصوده من الوقف الانتفاع بالشخص مهما أمكن، و إلّا فبما هو أقرب من مماثل أو غير مماثل.

و الحاصل: أن الغرض الأصلي استيفاء المنافع، و تعذره لا يوجب إبقاء العين على حالها، لأن تركها كذلك تفويت للغرض الأصلي من الوقف.

و نظيره ما ورد به النص في ما لو ساق الحاج القارن هديا لينحره بمنى، فعطب في الطريق و تعذّر وصوله إليه، فينحر في مكانه، لينتفع به. و هذا من موارد الدوران بين إبقاء العين على حالها ليكون تضييعا للمال على مستحقيه، و بين إسقاط الشرط و هو خصوصية المكان، فينحر في محل العطب، و لا ريب في رجحان الثاني على الأوّل.

(1) يعني: أن الغرض الأصلي من وقف عين هو استيفاء منافعها، فوقف شخص العين و إن كان متعلقا للغرض أيضا، إلّا أنه تبعي، فيرفع اليد عنه حفظا للغرض الأصلي.

(2) حدّ الوقف هو المنع من التصرفات الناقلة ما دام عامرا، فإذا تعذرت المنافع جاز إبطال وقفيتها و أن يعامل معها معاملة الملك الطّلق.

ص: 146

منه (1). و الجمود (2) على العين مع تعطيلها تضييع للغرض. كما أنه لو تعطل (3) الهدي ذبح في الحال و إن اختصّ بموضع (4)، فلمّا تعذّر مراعاة المحلّ ترك مراعاة الخاص المتعذّر «1».

و فيه (5): أنّ الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف،

______________________________

(1) أي: من الوقف، و قوله: «تحصيلا» مفعول لأجله علّل به قوله: «فيجوز إخراجه».

(2) هذا دفع دخل مقدر، تقدم توضيحها بقولنا: «فإن قلت ... قلت».

(3) كذا في نسختنا، و في المقابس «عطلت» و الصحيح كما في المختلف و التذكرة «عطب».

و غرض العلّامة من ذكر هذا الفرع الاستشهاد به على لزوم حفظ الغرض الأصلي و لو بإسقاط ما هو شرط فيه. قال في التذكرة: «و لو عطب الهدي في مكان لا يجد من يتصدّق عليه فيه، فلينحره، و ليكتب كتابا، و يضعه عليه، فيعلم المارّ به أنّه صدقة ...» «2».

(4) و هو مكة زادها اللّه شرفا للمعتمر، و منى للحاج «3».

(5) الأولى أن يقال: «إذ فيه» ليكون تعليلا لقوله: «و يتلوه في الضعف».

و كيف كان فحاصل المناقشة: منع تعدد غرض الواقف و مطلوبه بحيث يكون هناك مطلوبان، يقوم أحدهما بنفس العين الموقوفة ما دام الانتفاع بها ممكنا، و الآخر ببدلها إن لم يمكن الانتفاع بشخصها، فإذا تعذر المطلوب الأول تعيّن الثاني.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 288؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444 (الحجرية)؛ المهذب البارع، ج 3، ص 66؛ غاية المرام (مخطوط)

(2) تذكرة الفقهاء، ج 8، ص 289، و لاحظ- للتوسعة في البحث- جواهر الكلام، ج 19، ص 199- 203

(3) شرائع الإسلام، ج 1، ص 263

ص: 147

لأنّه الذي دلّ عليه صيغة الوقف، و المفروض تعذّره (1)، فيسقط (2). و قيام (3)

______________________________

و وجه المنع قصور مقام الإثبات، لأن اللازم مراعاة ما أنشأه الواقف حين الوقف، لا الغرض الداعي إليه و إن لم يحوه الإنشاء، و من المعلوم أن المنشأ وقفية شخص العين، لأن قوله: «وقفت هذا البستان» لا يدل إلّا على وقفية شخص البستان المشار إليه، و لا يدل على وقفية بدله على تقدير تعذر الانتفاع بالمبدل، و لو فرض كون هذا المعنى غرضا للواقف، إلّا أنّه لا دليل على لزوم مراعاته ما لم يقع في حيّز الإنشاء.

و منه يظهر عدم الوجه في وجوب مراعاة ما هو أقرب إلى غرض الواقف.

و تقدم نحو هذا الكلام من المصنف قدّس سرّه في الصورة الاولى، مضافا إلى منع الصغرى، لتعدد أغراض الواقفين، و عدم انضباطها، فراجع «1».

و ليعلم أن منع الاستدلال بحفظ غرض الواقف لا يخلو من تعريض بصاحب المقابس قدّس سرّه، فإنّه بعد نقل كلام العلّامة استجود استدلاله بالجملة الثانية- و هي قوله: «و الجمود على العين ...»- على جواز البيع فيما لو أدّى بقاء الوقف إلى الخراب «2». و حينئذ فمنع المصنف قدّس سرّه لزوم رعاية الأغراض مطلقا ردّ عليه.

(1) هذا الضمير و ضميرا «لأنه، عليه» راجعة إلى استيفاء المنافع من شخص الموقوف.

(2) أي: فيسقط غرض الواقف من الوقف.

(3) مبتدء، خبره «فرع الدليل» و غرضه منع قول العلّامة: «فيجوز إخراجه عن حدّه تحصيلا للغرض منه». وجه المنع: أن قيام غرض الواقف بالانتفاع بالنوع و المالية و إن كان محتملا، لكن لا دليل على وجوب رعاية ما هو أقرب إلى غرضه، مع عدم أخذه في الإنشاء، إذ يكون الغرض المزبور داعيا، و لا يجب مراعاة الدواعي،

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 652- 653

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

ص: 148

الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص- لكونه أقرب إلى مقصود الواقف- فرع الدليل على وجوب اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف بعد تعذّر أصل الغرض.

فالأولى (1) منع جريان أدلّة المنع مع (2) خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا، و جعل ذلك (3) مؤيّدا.

و أمّا المنع (4)

______________________________

لأن مدلول «الوقوف و أوفوا» و نحوهما إمضاء الإنشاءات خاصة.

(1) هذا نتيجة بطلان ثالث الوجوه على جواز البيع، و ينحصر الدليل في العمومات المقتضية للصحة بعد دفع الموانع عنها من الإجماع و حق الواقف و الأدلة اللفظية.

نعم لا بأس بجعل رعاية غرض الواقف مؤيّدا للجواز بعد نهوض حجة عليه.

و وجه صلاحيتها للتأييد موافقة جماعة ممّن اعتبر شراء المماثل للوقف مستدلا عليه «بكونه أقرب إلى غرض الواقف» كما تقدم مبسوطا في الصورة الاولى، فراجع «1».

(2) متعلق ب «منع» و هو يفيد الظرفية هنا، أي: عند خوف الخراب.

(3) أي: جعل اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف مؤيّدا.

(4) معطوف على: «أما الجواز ...» المتقدم في (ص 130) و هذا شروع في إثبات الدعوى الثانية، و هي منع بيع الوقف في نقص المنفعة، و في الصورة الثامنة و التاسعة و العاشرة. و استدل المصنف قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: اجتهادي، و هو ما دل على عدم جواز بيع الوقف، و المذكور منه في المتن نصوص ثلاثة.

و ثانيهما: فقاهي، و هو الاستصحاب، و سيأتي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 652- 653

ص: 149

في غير هذا القسم (1) من الصورة السابعة و فيما عداها من الصور اللاحقة لها، فلعموم (2) قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلّة في ملكك» فإنّ (3) ترك الاستفصال فيه (4) عن علم (5) المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض

______________________________

(1) المراد بهذا القسم هو خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا، و قد سبق الكلام فيه مفصّلا، و المراد بالغير هو الخراب الموجب لقلّة المنفعة، لا سقوطها بالمرّة.

(2) جواب الشرط في «و أما المنع» و تقدم توضيح دلالة معتبرة ابن راشد على منع بيع الوقف في أوّل المسألة و في الصورة الاولى، فراجع «1».

و محصله: أن النهي عن شراء الوقف وقع جوابا عن سؤال ابن راشد عن حكم شراء أرض موقوفة أمكن الزرع فيها و إن لم تكن مزروعة بالفعل، و لم يستفصل عليه السّلام من السائل عن كونه عالما بأنّ البائع أقدم على بيعها مع عدم حصول مجوّز له- من أداء بقاء إلى ضرر مالي عظيم، أو إختلاف بين أرباب الوقف يخشى وقوع فتنة يستباح بها الأموال و الأنفس، و نحوهما- أم كان السائل جاهلا بحال البائع، و مقتضى عدم علمه به هو حمل فعل البائع على الصحة بوجود المسوّغ للبيع بنظره. و مقتضى ترك الاستفصال تمامية الإطلاق في النهي عن شراء الوقف ما دام له غلّة ينتفع أهل الوقف بها، و إن نقصت عن سائر الحالات و الأزمنة.

و لا فرق في منع البيع بين كون بقاء الوقف مؤديا إلى الخراب أو الاختلاف أو ضرر آخر، و بين عدم الأداء إلى شي ء منها.

(3) هذا بيان العموم المراد به الشمول سواء أ كان وضعيا أم حكميّا.

(4) أي: في قوله عليه السّلام: «و لا يجوز» أي: ترك الاستفصال في الخبر.

(5) متعلق ب «الاستفصال» يعني: أن المشتري كان عالما بعدم حصول مجوّز البيع للبائع.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 511 و 614

ص: 150

الوجوه المجوّزة، و عدمه (1)- الموجب (2) لحمل فعل البائع على الصحة- يدلّ (3) على أنّ الوقف ما دام له غلّة (4) لا يجوز بيعه.

و كذا (5) قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». و ما دلّ (6) على «أنّه يترك حتى يرثها وارث السماوات و الأرض».

______________________________

(1) معطوف على «علم المشتري» و عدل له، يعني: ترك الاستفصال عن علم المشتري بحال البائع، أو عن جهله به.

(2) صفة ل «عدمه» لأن عدم إحراز حال البائع موضوع لقاعدة حمل فعله على الصحة، و جواز بيع الوقف.

(3) خبر قوله: «فإنّ ترك».

(4) كما هو مفروض المقام من أداء بقاء الوقف إلى نقص المنفعة، لا سقوطها عنها رأسا.

(5) معطوف على «عموم» فكأنه قال: «و أما المنع فلقوله عليه السّلام: الوقوف» و تقريب دلالته: أنه لا شك في كون مدلول إنشاء الواقف حبس العين عن التصرفات الناقلة، سواء اختلف الموقوف عليهم في الانتفاع بها أم لا، و سواء أدّى الخلف بينهم إلى تضرر الموقوفة أو تلف مال آخر أو تلف نفس محترمة، أم لا. و مقتضى كون حديث «الوقوف» دليلا على إمضاء مجعولات الواقف- من الكيفيات المرسومة في صيغة الوقف- هو عدم جواز بيعها ما دامت ذات منفعة، و إن أدّى بقاؤها إلى نقصها أو إلى ضرر آخر، هذا.

(6) معطوف أيضا على «لعموم» و هذا هو النص الثالث الدال على منع البيع، و مضمون «صدقة حتى يرثها وارث السماوات و الأرض» ورد في صورة أوقاف أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين و غيره، إلّا أن غرض المصنف قدّس سرّه- بقرينة الإتيان بكلمة «يترك»- هو الخبر الحاكي لوقف مولانا الكاظم صلوات اللّه و سلامه عليه، المتكفل لحكم الموقوفة بعد انقراض الموقوف عليهم، و أنّها تبقى صدقة جارية

ص: 151

هذا كلّه، مضافا إلى الاستصحاب (1)

______________________________

فلا يجوز بيعها، كقوله عليه السّلام: «فإذا انقرض ولد أبي و لم يبق منهم أحد فصدقتي على الأوّل فالأوّل حتى يرثها اللّه الذي رزقها ...» «1». فالأمر بتركها صدقة ينفي جواز بيعها بطروء حالة عليها.

(1) هذا ثاني وجهي منع البيع في الصور المزبورة، و هو مبني على رفع اليد عن إطلاق النصوص المتكفلة للحكم، و تقريبه: أنه لا ريب في عدم جواز بيع الوقف قبل عروض الطوارئ- من خوف الفتنة و تلف المال و الفساد- و يشك في ارتفاع الحرمة بحصول الاختلاف و شبهه، و مقتضى حجيّة الاستصحاب في الشك في الرافع و في رافعية الموجود البناء على المتيقن السابق، لكون المقام من صغريات تخصيص العموم في زمان، و الشك بعده في بقاء حكم المخصّص أو ارتفاعه، مع كون الزمان ظرفا، لا مفرّدا و مكثّرا لأفراد العام. و في مثله يدور الأمر بين الرجوع إلى العام لحجية إطلاقه الأزماني و الأحوالي، و بين استصحاب حكم المخصّص.

و قد بنى المصنف قدّس سرّه في الاصول على مرجعية الاستصحاب فيما عدا زمان تيقّن التخصيص، دون العام، لامتناع دخول الفرد الخارج منه فيه مرّة اخرى، و طبّقه على استصحاب جواز العقد الغبني لو لم يأخذ المغبون بالخيار فورا، فإنّ الخارج من عموم أصالة اللزوم فرد واحد و هو البيع الغبني، و يستصحب تزلزل العقد في ما عدا المتيقن من زمان التخصيص، و يحكم بكون خيار الغبن على التراخي.

و تطبيق هذه الكبرى على المقام هو: أنّ عموم حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقود قد خصّص بمثل مكاتبة ابن راشد بمجرد طروء عنوان «الوقف» على المال، و لا ريب في فساد بيعه ما دام عامرا ينتفع به، و لم يكن هناك خلف و لا فتنة بين أربابه، و يشك في حكم الوقف بعروض ما يحتمل كونه مجوّزا للبيع. و منشأ الشك

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 314، الباب 10 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 5، و لاحظ أيضا ص 304، الحديث: 3 و 4

ص: 152

في جميع هذه الصور [1]،

______________________________

إهمال الدليل المخصّص أو إجماله من حيث شموله للحالات الطارئة و عدمه. و حيث إنّه لا مجال للرجوع إلى الدليل الاجتهادي- سواء أ كان هو العام أو الخاص- فالمتعيّن التمسك باستصحاب منع بيع الوقف، هذا.

______________________________

[1] أورد المحقق التقي الشيرازي قدّس سرّه عليه تارة بمنع المبنى، و أنّ المرجع في مثل المقام هو عموم وجوب الوفاء بالعقود بالنسبة إلى كلّ فرد من أفراده، و من جملته عقد البيع الواقع على العين الموقوفة، و الخارج من العموم هو الوقف الخالي عن العوارض التي يشك في مسوّغيتها للبيع. و أما البيع بعد عروض الطوارئ فيجب الوفاء بمقتضى العموم.

و اخرى بمنع البناء بعد تسليم المبنى، لكون المقام من موارد الشك في التخصيص الزائد الذي لا ريب في مرجعية أصالة العموم فيه حتى عند شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

و بيانه: أن المخصص لعموم وجوب الوفاء- و هو النهي عن شراء الوقف- يثبت المنع لموضوعه المقدر وجوده كما هو شأن القضايا الحقيقية، و ذلك الموضوع هو الوقف الذي لم يطرأ عليه ما علم كونه مسوّغا للبيع كالخراب الفعلي، و لا ما يشك في مسوّغيته له. فمفاد النهي حينئذ هو: أنه لو انشى ء شراء الوقف لم يكن نافذا. و لكن المفروض عدم تحقق البيع حال ثبوت الموضوع حتى يستصحب، و إنّما يراد البيع بعد عروض ما يشك في كونه مسوّغا له شرعا، و من المعلوم أن عقد البيع الواقع بعد عروض تلك العوارض مغاير و مباين لما اخذ في دليل المخصص من البيع الواقع قبل عروضها، و الخارج من عموم الأمر بالوفاء هو البيع المقدر وجوده قبل طروء الحالات، و أما البيع بعده فموضوع آخر مقدر الوجود أيضا، و هو مشكوك الخروج عن العام، فيرجع إليه، لأنه شك في تخصيص زائد على ما علم مخصصيته للعام.

ص: 153

و عدم الدليل الوارد (1) عليه عدا المكاتبة (2) المشهورة- التي انحصر تمسّك كلّ

______________________________

(1) المراد بالورود هنا التقدم الصادق على الحكومة المصطلحة التي بنى المصنف عليها في تقدم الأمارات على الاصول العملية. نعم يتجه التعبير بالورود عند من يرى اليقين و الشك في أخبار الاستصحاب بمعنى الحجة و اللاحجة، و الأمر سهل.

(2) هذا رابع الوجوه المستدلّ بها على جواز البيع في الصورة السابعة- بقسميها- و التالية لها. و المستدل بها في مجموع الصور جماعة، إلّا أن كلّا منهم بحسب استظهاره منها استدل بها على ما ذهب إليه من جواز البيع في الجملة، و سيأتي تقريب دلالتها على كل واحدة من تلك الصور.

قال المحقق الشوشتري- بعد نقل المكاتبة و عدّها دليلا ثالثا للجواز- ما لفظه:

«و هذا الخبر بنفسه- أو مع ضمّ غيره إليه صالح في الجملة للاستناد به لجميع الأقوال السابقة. فمن اعتبر وقوع الاختلاف نظر إلى قوله: إن كان قد علم ... الخ» فراجع «1».

______________________________

و لا يقاس المقام بالبيع الغبني، فإنّه فرد واحد خارج من عموم أصالة اللزوم، و لما كان المخصص مجملا كان موردا للبحث عن الرجوع- في ما عدا المتيقن- إلى العام أو استصحاب حكم المخصّص. هذا.

و يظهر من المحقق الأصفهاني قدّس سرّه تقرير هذا الإيراد على المتن «2».

و ثالثة بأنّه أخصّ من المدّعى، إذ قد يختل ركن اليقين السابق، فلا موقع للاستصحاب حينئذ، كما إذا كان بعض تلك العوارض موجودا من أوّل الأمر، و هو غير مانع عن تحقق الوقف قطعا، فلا يقين بمنع شراء الوقف حتى يستصحب. هذا «3».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 274

(3) حاشية المكاسب، القسم الثاني، ص 41

ص: 154

من جوّزه في هذه الصور فيها (1)- و هي مكاتبة ابن مهزيار، قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: أنّ فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها، و جعل لك في الوقف الخمس، و يسأل [و يسألك] (2) عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها (3) [به]

______________________________

و عدّ صاحب الجواهر قدّس سرّه هذه المكاتبة هي العمدة من الأخبار المجوّزة للبيع، و منها اختلفت أفهامهم و اضطربت أقوالهم «1».

و كيف كان ففي هذه الرواية جهتان: إحداهما: السند، و الاخرى الدلالة.

و لا ريب في صحة السند بطريق ثقة الإسلام و الصدوق و شيخ الطائفة. فرواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، و عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، جميعا عن علي بن مهزيار. و لو صعب أمر سهل لم يكن غمز في الطريق الآخر.

كما لا ريب في طريق الصدوق، لأنه رواها باسناده عن العباس بن معروف عن عليّ بن مهزيار.

و كونها مكاتبة غير قادح في حجيتها كما قرر في محله، فلا وجه لتقديم أدلة منع البيع عليها من هذه الجهة. خصوصا مع شهرتها رواية بل و عملا، كما سيظهر، فلا مجال لرميها بالإعراض عنها. نعم للبحث الدلالي مجال واسع كما سيأتي في المتن.

ثم إن هذه المكاتبة تتضمن سؤالين، و المقصود الاستدلال بالسؤال الثاني على الجواز في الصور الأربع.

(1) متعلق ب «انحصر» و الضمير راجع إلى المكاتبة.

(2) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ كما في الوسائل و غيره: «و يسأل».

(3) كذا في نسختنا، كما في الوسائل، و لكن في بعض النسخ كالكافي زيادة كلمة «به».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 367

ص: 155

أو يدعها موقوفة (1)؟ فكتب إليّ: أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حصّتي من الضيعة، و إيصال ثمن ذلك إليّ، إنّ (2) [و إنّ] ذلك (3) رأيي إن شاء تعالى، أو يقوّمها (4) على نفسه إن كان ذلك (5) أوفق له».

قال (6): «و كتب (7) [و كتبت] إليه: أنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف عليهم بقيّة (8) هذه الضيعة اختلافا شديدا، و [أنّه] (9) ليس يأمن

______________________________

(1) ظاهر هذه الجملة- بعد الإخبار بشراء ضيعة فأوقفها و جعل خمسا منها للإمام عليه السّلام- السؤال عن أنه هل يجوز نقل حصّة الإمام عليه السّلام إلى نفسه أو إلى غيره و إيصال الثمن إليه عليه السّلام، أم لا يجوز ذلك، فيجب إبقاؤها موقوفة؟

و يحتمل في جعل الخمس له عليه السّلام الوصية به، لإطلاق الوقف عليها، كما يحتمل فيه الوقف المصطلح.

(2) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ و الوسائل: «و إنّ».

و حاصل الجواب: الأمر ببيع حصة الإمام عليه السّلام إمّا من أجنبي أو من نفس الشخص الذي خصّ خمس الضيعة به عليه السّلام و إيصال الثمن إليه عليه السّلام.

(3) أي: بيع الحصة و إيصال الثمن إليه رأيه عليه السّلام.

(4) أي: يقوّم الحصة على نفسه، بأن يشتريها لنفسه من الإمام عليه السّلام وكالة عنه.

(5) أي: إن كان التقويم على النفس أوفق له.

(6) يعني: قال عليّ بن مهزيار: «و كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام مسألة اخرى، و هي وقوع خلف بين أرباب الوقف.

(7) كذا في نسختنا، و لكن في بعض النسخ كما في الوسائل: «و كتبت».

(8) هذه الكلمة موجودة في الكافي و التهذيب و الإستبصار، و لم ترد في الفقيه و الوسائل، و المراد وقوع الخلف بين أرباب الضيعة الموقوفة، و هي أربع أخماسها لاختصاص خمسها بالإمام الجواد عليه السّلام.

(9) لم ترد «أنه» في نسختنا، و أثبتناها عن بعض النسخ، كما في المصادر

ص: 156

أن يتفاقم (1) ذلك بينهم بعده. فإن كان (2) ترى أن يبيع هذا الوقف، و يدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من (3) ذلك، أمرته.

فكتب (4) بخطّه: و أعلمه أنّ رأيي: إن كان قد علم الاختلاف بين (5) أرباب الوقف أنّ (6) بيع الوقف

______________________________

الحديثية. و الظاهر أن الجملة عطف تفسير للاختلاف الشديد، يعني: يخاف من بلوغ منازعة أهل الوقف- إلى مرتبة عظيمة- أن يتوتر فيها الأمر.

(1) قال في اللسان: «و تفاقم الأمر، أي: عظم» «1» يعني: يشتدّ النزاع بعد إختلاف أرباب الوقف.

(2) هذا سؤال ابن مهزيار منه عليه السّلام عن أنه لو جاز للواقف- في حالة وقوع الخلف بين الموقوف عليهم- البيع، فليأمر عليه السّلام ذلك الرجل بالبيع، و جعل الثمن حصصا بعدد الموقوف عليهم، و دفعها إليهم.

(3) متعلق ب «يدفع» و المشار إليه هو الثمن، فلو كان الموقوف عليهم عشرة أشخاص قسّم الثمن عشرة أجزاء، و دفع إلى كلّ منهم حصّته.

(4) معطوف على «و كتبت إليه» و الضمير المستتر راجع إلى الإمام عليه السّلام، و المكتوب إليه هو علي بن مهزيار. و تقدير الكلام: أن الراوي عن ابن مهزيار- و هو العباس بن معروف أو أحمد بن محمد بن عيسى- قال: إن الإمام كتب إلى ابن مهزيار: و أعلمه ... الخ. و الجواب منقول عن ابن مهزيار بالمعنى، إذ لو كان منقولا باللفظ كان المناسب تعبير ابن مهزيار ب «كتب إليّ» لا «فكتب إليه».

(5) كذا في نسخ الكتاب، و لكن الموجود في الوسائل و الكافي و التهذيب و الفقيه «ما بين أصحاب الوقف».

(6) كذا في نسخ الكتاب، و هو موافق لما في الفقيه بزيادة «الواو» و لكن في

______________________________

(1) لسان العرب، ج 12، ص 457

ص: 157

أمثل (1) [فليبع] (2)، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس» الخبر (3) «1».

حيث (4) إنّه يمكن الاستدلال للجواز بها

______________________________

الكافي و التهذيب و الوسائل بصيغة المضارع لا المصدر، و الجملة خبر قوله: «أن رأيي».

فعلى الأوّل يكون البيع اسم «إنّ» و خبره «أمثل». و على الثاني يتأوّل الفعل المضارع مع «أن» بالمصدر، فيكون مبتدء، و المعنى: «أن رأيي بيع الوقف أمثل».

(1) و هو الأفضل «2»، و المراد به كون البيع خيرا للموقوف عليهم من إبقاء الوقف على حاله، و لا يبعد انسلاخه عن التفضيل هنا، إذ لا خير في الإبقاء بملاحظة التعليل بخوف تلف الأموال و النفوس.

(2) لم ترد هذه الكلمة في نسختنا و الوسائل و التهذيب و الكافي، و وردت في بعض النسخ كما في الفقيه. فإن ثبتت فهي جواب الشرط في «فإن كان» و إن لم تثبت فالجواب محذوف اقيم علته مقامه.

(3) كذا في نسختنا، و هي مستغنى عنها، لكون المنقول تمام المكاتبة لا بعضها.

(4) هذا بيان لما أجمله بقوله: «تمسّك كلّ من جوّزه» من تقريب الاستدلال بالمكاتبة لكل واحدة من الصور المتقدمة. و ليس مقصوده قدّس سرّه عدم وفاء المكاتبة بإثبات جواز البيع في القسم الأوّل من الصورة السابعة، و ذلك لأنّ التمسك بها للجواز في أداء البقاء إلى قلة المنفعة و نقصها يقتضي الاستناد إليها في أدائها إلى

______________________________

(1) الكافي، ج 7، ص 36، الحديث 30؛ التهذيب، ج 9، ص 130، الحديث: 4 من أبواب الوقوف و الصدقات؛ الاستبصار، ج 4، ص 98؛ الوسائل، ج 23، ص 304- 305، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 5 و 6

(2) لسان العرب، ج 11، ص 613

ص: 158

في القسم الثاني (1) من الصورة السابعة، بناء (2) على أنّ قوله: «فإنه ... الخ»

______________________________

سقوطها بالمرّة. و يشهد لاستدلالهم بها في القسم الأوّل كلام صاحب المقابس المتقدم في (ص 154)، و من الأقوال التي نقلها عن جماعة هو قوله: «ثالثها: أنه يصحّ إذا وقع بينهم خلف بحيث يخشى خرابه مع بقائه على حاله» «1».

(1) و هو خراب الوقف الموجب لقلة المنفعة.

(2) توضيحه: أنّ الاستتدلال بهذه المكاتبة على المقصود- و هو بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى الخراب الذي تقلّ معه المنفعة- منوط بتسليم مقدمات:

الاولى: أن يكون قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس علّة لقوله عليه السّلام: «فليبع» حتى يكون المدار في جواز البيع على صيرورة الوقف معرضا للخراب، ليتعدّى من المورد- و هو الاختلاف- إلى غيره مما يوجب تلف الوقف. فلو كان قوله عليه السّلام: «فإنّه» حكمة للبيع اختصّ بالمورد، إذ التعميم و التخصيص من شئون العلّة لا الحكمة.

الثانية: أن تكون: «ربما» في قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما» دالة على الخوف الناشئ عن العلم أو الظن بالخراب لتنطبق على كلمات القوم، حيث عبّروا عما نحن فيه بالخوف و الخشية و نحوهما.

الثالثة: أن يكون المراد ب «تلف الأموال» تلف الأعيان الموقوفة، لا كلّ مال و إن لم يكن مرتبطا بالوقف.

الرابعة: أن يكون تلف المال- بمقتضى إطلاقه- أعم من تلف تمام الوقف و سقوطه عن المنفعة رأسا- كما في القسم الأوّل من الصورة السابعة- و من تلف بعضه و قلّة المنافع، كما في القسم الثاني منها.

الخامسة: أن يكون تمام المناط في جواز البيع خصوص تلف الوقف، لا هو

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 56

ص: 159

تعليل (1) لجواز البيع في صورة الاختلاف، و أنّ (2) المراد بالمال هو الوقف، فإنّ (3) ضمّ النفوس إنّما هو لبيان الضرر الآخر المترتب على الاختلاف، لا أنّ (4) المناط في الحكم هو اجتماع الأمرين كما لا يخفى. فيكون حاصل التعليل

______________________________

منضمّا إلى تلف النفوس، بحيث يكون المجموع مجوّزا واحدا للبيع، إذ- بناء على اعتبار الانضمام- لا تنطبق المكاتبة على المدّعى، و هو خشية أداء بقاء الوقف إلى خصوص قلة المنفعة، لا تلف النفوس.

فإن قلت: مقتضى عطف «النفوس» على «الأموال» ترتب جواز البيع على خوف تلفهما معا، و عدم كفاية تلف المال خاصة، فالرواية أجنبية عن المقام.

قلت: لا ظهور للعطف في اعتبار اجتماع الأمرين في جواز البيع، بل المراد ترتب الحكم على كلّ منهما بالاستقلال، فهو نظير قول القائل: «هذا الطريق غير مأمون فلا تسلكها لما فيها من خوف تلف المال و النفس» فلا يستفاد عرفا منه ضمّ خوف هلاك النفس إلى تلف المال.

فالمتحصل: دلالة المكاتبة على هذه المقدمة أيضا.

(1) إشارة إلى المقدمة الاولى.

(2) إشارة إلى المقدمة الثالثة. و تقدّم في نقل الأقوال أنّ المحقق الثاني استظهره من المكاتبة، فراجع «1».

(3) كذا في النسخ، و لا يبعد أن يكون «و أنّ» بالواو ليكون عطفا على «و أن المراد» لوضوح كونه مطلبا مستقلا عن كون المال المتلف هو الوقف.

أو يقال: «و أن المراد تلف المال خاصة، و هو الوقف» حتى يلتئم مع تعليله ب «فإنّ ضمّ ...».

(4) إشارة إلى المقدمة الخامسة.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 569، و لاحظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 97

ص: 160

بالمكاتبة: أنّه كلّما (1) كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.

و فيه (2): أنّ المقصود جواز بيعه إذا أدّى بقاؤه إلى الخراب علما

______________________________

(1) هذه الكلية مستفادة من العلية المنصوصة، لأنّها كبرى للمورد بحسب الشكل الأول، و من المعلوم اعتبار كلية الكبرى فيه، فكأنّه قيل: الاختلاف موجب لخراب الوقف، و كل موجب له يجوّز بيعه، فالاختلاف يجوّز بيعه.

(2) ناقش المصنف قدّس سرّه في الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في القسم الثاني من الصورة السابعة بوجوه ثلاثة:

الأوّل: عدم انطباق الدليل على المدّعى، و بيانه: أنّ المقصود إثبات جواز البيع في صورة العلم أو الظن بتأدية بقاء الوقف إلى الخراب و قلّة منافعه، كما تقدم في عنوان هذه الصورة، و هو المعبّر عنه بالخشية تارة و بالخوف اخرى، و من المعلوم إناطة صدقهما بوجود أمارة مورثة للظن أو الاطمئنان بكون البقاء عرضة لتلف المال و النفس، و لا يكفي مجرّد الاحتمال الموهوم.

و الشاهد على اعتبار الأمارة الظنية- و عدم كفاية الوهم- ملاحظة بعض موارد إطلاق هذه الكلمة، كقولهم بوجوب الإفطار مع خوف الضرر، و بحرمة السفر مع خوف الهلاك.

و لكن الدليل- أعني به التعليل الوارد في المكاتبة- يفيد شيئا آخر، و هو جواز البيع عند الاحتمال الموهوم بالتلف، و ذلك لظهور كلمة «ربما» في الأعم من الوهم و الشك و الظن، و لا يختص بما إذا كان مدخولها مظنونا. و لازم الأعمية هو الحكم بجواز البيع حتى لو كان احتمال أداء بقاء الوقف إلى التلف مرجوحا، و احتمال عدم أدائه إليه راجحا. مع أنه لا سبيل للالتزام بالجواز في الاحتمال الضعيف كما لم يلتزم المجوّزون به، بل خصّصوه بالعلم و الظن، هذا.

و الحاصل: أن المدّعى جواز البيع عند خوف أداء بقاء الوقف إلى الخراب و قلة المنفعة، و عدم جوازه في الاحتمال الموهوم و الشك. و التعليل ب «فإنه ربما»

ص: 161

أو ظنّا (1)، لا مجرّد كونه (2) ربما يؤدّي إليه- المجامع (3) للاحتمال المساوي أو المرجوح، على ما هو الظاهر من لفظة «ربما» (4) [1] كما لا يخفى على المتتبّع

______________________________

يدل على الجواز في الجميع، و لا يمكن الالتزام به، فلا بد من رفع اليد عن المكاتبة و التماس دليل آخر على الحكم.

هذا توضيح الوجه الأوّل، و سيأتي الوجهان الآخران.

(1) إذ الخوف حالة نفسانية تحصل بالعلم أو الظن بالمخوف، لا بالأعم منهما و من الشك و الوهم.

(2) أي: كون البقاء ربما يؤدي إلى الخراب و لو احتمالا موهوما.

(3) صفة ل «مجرّد كونه». و المراد بمجرد الأداء مطلقه، سواء أ كان معلوما أو مظنونا أو مشكوكا فيه أو موهوما.

(4) يعني: أن إرادة الاحتمال المساوي و المرجوح نشأت من ظهور «ربما» في الأعم. و لعلّ منشأه ما نسب إلى بعض النحاة من: «أنّ ربّ للتقليل و كم للتكثير، فلا يقال: ربما رأيته كثيرا» «1».

______________________________

[1] هذا في غاية الغرابة، فإن كلمة «ربما» عند أهل العربية تدل على قلة مدخولها وجودا، كما في قولك: «ربّ رجل كريم لقيته» يعنى أن الكرام الذين لقيتهم قليلون بالنسبة إلى الرجال الكرام الذين لم ألقهم. في مقابل «كم» الخبرية التي تدل على الكثرة. و قد تستعمل «ربّ» بالتشديد مع «ما» أو بدونها في الكثرة.

قال في شرح الجامي: «و ربّ للتقليل أي لإنشاء التقليل، و لهذا وجب لها صدر الكلام، كما أن- كم- وجب لها صدر الكلام، لكونها لإنشاء التكثير ...» «2».

______________________________

(1) لسان العرب، ج 1، ص 408

(2) شرح الجامي، ص 338، طبعة بمبئي 1319

ص: 162

لموارد استعمالاته- و لا أظنّ (1) أحدا يلتزم بجواز البيع بمجرّد احتمال أداء بقائه إلى الخراب، لأنّ (2) كلمات من عبّر بهذا العنوان- كما عرفت- بين (3)

______________________________

(1) هذا هو الإشكال على الاستدلال، يعني: أن ظهور المكاتبة معرض عنه، لعدم التزامهم بجواز بيع الوقف عند الشك في أن بقاءه يفضي إلى الخراب، فضلا عن الوهم. و من المعلوم سقوط الرواية الصحيحة سندا عن الحجية بترك العمل بظاهرها.

(2) تعليل لعدم الظن بالالتزام، و حاصله: الاستشهاد بكلام المجوّزين على اختصاص جواز البيع بالعلم بالأداء أو خوفه، و عدم شموله للاحتمال.

(3) خبر «لأنّ» يعني: أنّ تعبير المجوزين يكون إمّا «الأداء» الظاهر في

______________________________

هذا مضافا إلى التأمل في أصل الدعوى. قال ابن هشام: «و ليس معناها التقليل دائما، خلافا للأكثرين. و لا التكثير دائما، خلافا لابن درستويه و جماعة، بل ترد للتكثير كثيرا و للتقليل قليلا ...» فراجع «1».

و على كل تقدير لا تدل «ربما» على الاحتمال المتساوي أو المرجوح، بل تدل على وجود مدخولها قليلا أو كثيرا. فعليه يمكن دعوى العلم بتحقق مدخولها.

و لعلّ من عبّر بالخوف- كما تقدم في كثير من العبارات المتعلقة بالمقام- غرضه العلم بالخراب.

و كيف كان، فمناقشة المصنف في معنى «ربّ» ضعيفة جدّا.

فالإنصاف أن كلمة «ربما» تدل على وقوع محذور تلف المال و النفس عند إختلاف أرباب الوقف.

و يمكن تأييد دلالتها على الوقوع بمجي ء الماضي و هو- جاء- بعدها، حيث إن الماضي يدل على تحقق النسبة، فكأنّ الفعل المحقق الوقوع نزّل منزلة الماضي، فأخبر عن وقوعه كما هو كثير في المحاورات العرفية.

______________________________

(1) مغني اللبيب، ج 1، ص 180، طبعة 1964 دمشق

ص: 163

قولهم: «أدّى بقاؤه إلى خرابه» (1) و بين قولهم: «يخشى (2) أو يخاف (3) خرابه».

و الخوف (4) عند المشهور كما يعلم من سائر موارد إطلاقاتهم- مثل قولهم: «يجب الإفطار (5) و التيمم مع خوف الضرر» و «يحرم السفر مع خوف الهلاك» (6)-

______________________________

العلم به، و إمّا «الخوف».

(1) كما ورد في عبارة بيع الشرائع «1».

(2) كما في وقف الشرائع و التحرير «2».

(3) كما في الوسيلة وفقه القرآن و جامع الشرائع «3».

(4) أراد قدّس سرّه بيان معنى «الخوف» بعد أن كان المدار عليه، لا على مطلق الاحتمال.

(5) قال المحقق قدّس سرّه: «المرض الذي يجب معه الإفطار: ما يخاف به الزيادة بالصوم، و يبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنّه، لأمارة كقول عارف» «4».

و قال في التيمم: «و لا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصّا أو سبعا، أو يخاف ضياع مال. و كذا لو خشي المرض الشديد أو الشّين باستعماله الماء جاز له التيمم. و كذا لو كان معه ماء للشرب، و خاف العطش أن استعمله» «5».

(6) قال الشهيد قدّس سرّه: «و لو سلك طريقا مخوفا على النفس يغلب معه ظنّ التلف فالأقرب أنه عاص بسفره فلا يترخّص» «6»، و نحوه كلام العلّامة قدّس سرّه، فراجع «7».

و قال المصنف قدّس سرّه: «و كذا لا خلاف بينهم ظاهرا في أن سلوك الطريق المظنون

______________________________

(1) لاحظ المصادر في هدى الطالب، ج 6، ص 564- 565

(2) لاحظ المصادر في هدى الطالب، ج 6، ص 564- 565

(3) لاحظ المصادر في هدى الطالب، ج 6، ص 564- 565

(4) شرائع الإسلام، ج 1، ص 210

(5) المصدر، ص 47

(6) ذكرى الشيعة، ج 4، ص 314

(7) تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 400؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 325

ص: 164

لا يتحقق (1) إلّا بعد قيام أمارة الخوف.

هذا، مع أنّ (2) مناط الجواز- على ما ذكر (3)- تلف الوقف رأسا، و هو القسم الأوّل من الصورة السابعة الذي جوّزنا فيه البيع، فلا يشمل (4) الخراب الذي لا يصدق معه التلف [1].

______________________________

الخطر أو مقطوعه معصية يجب إتمام الصلاة فيه و لو بعد انكشاف عدم الضرر فيه» «1».

(1) خبر قوله: «و الخوف عند المشهور».

(2) هذا ثاني وجوه المناقشة، و هو ناظر إلى منع المقدمة الرابعة. توضيحه: أنّه بناء على إرادة العين الموقوفة من المال- في قوله عليه السّلام: «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال» كما استظهره الشهيد الثاني قدّس سرّه- تكون المكاتبة أجنبية عن المدّعى، و هو جواز البيع في القسم الثاني، و منطبقة على القسم الأوّل، الذي قلنا بجوازه فيه، و ذلك لظهور «تلف المال» في سقوطه عن الانتفاع رأسا، و لا يصدق تلفه- بقول مطلق- على الخراب الموجب لقلة نفعه. مع أنّ المقصود بالاستدلال تجويز البيع في صورة نقص المنفعة.

(3) يعني: في تقريب ما اختاره قدّس سرّه، حيث قال: «و الأقوى الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّ به عرفا ...».

(4) يعني: أنّ مناط الجواز لا يشمل نقص المنفعة، للفرق بين التلف و النقص.

______________________________

[1] لا يخفى ما فيه، فإن تلف بعض الوقف يصدق عليه أيضا تلف المال، فإطلاقه يشمل تلف الكل و البعض. و عليه فيمكن التمسك بإطلاقه على المفروض و هو قلة المنفعة الناشئة عن التلف، كصحة التمسك به على الصورة الاولى، و هي تلف العين بحيث لا يبقى لها منفعة أصلا.

______________________________

(1) فرائد الأصول، ج 1، ص 38، طبعة مجمع الفكر الإسلامي

ص: 165

مع أنّه (1) لا وجه- بناء (2) على عموم التعليل- للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف، بل كلّما خيف تلف مال جاز بيع الوقف (3).

و أمّا تقريب (4) الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في الصورة الثامنة

______________________________

(1) هذا ثالث وجوه المناقشة، و غرضه إسقاط المكاتبة عن الحجية بالإعراض من جهة اخرى.

و توضيحه: أن مقتضى عطف «النفوس» على «الأموال» و المقابلة بينهما أن يراد ب «تلف المال» ضياع مطلق المال، لا خصوص الموقوفة. فلو أدّى النزاع إلى تلف مال آخر من الموقوف عليهم أو من غيرهم- مع الأمن من هلاك الموقوفة- لزم الحكم بجواز بيع الوقف تحفظا على الأموال الاخرى. و من المعلوم عدم التزام المجوّز للبيع- استنادا إلى المكاتبة- بهذا الإطلاق، كما لا يمكن الالتزام به لمخالفته للإجماع كما قيل. و هذا شاهد على إعراضهم عن الرواية، و معه لا مجال للتمسك بها في تجويز البيع في القسم الثاني.

(2) الوجه في هذا البناء واضح، إذ مع اختصاص «المال»- الوارد في التعليل- بالوقف لا وجه لجعل تلف مال آخر مسوّغا لبيع الوقف، فيختص قوله عليه السّلام:

«ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال» بتلف الوقف، دون تلف سائر الأموال.

(3) و لا يمكن الالتزام به، لمخالفته للإجماع، و مقتضاه رفع اليد عن ظهور المكاتبة.

و قد تحصل: عدم جواز بيع الوقف فيما عدا القسم الأوّل من الصورة السابعة.

(4) معطوف على قوله: «حيث إنّه يمكن» و الأولى إسقاط «أمّا» هنا و فيما

______________________________

نعم، إذا اسند التلف إلى الموقوف- كأن يقال: إذا تلف الموقوف جاز بيعه مثلا- كان ظاهرا في التلف المطلق الموجب لانتفاء المنفعة رأسا، دون مطلق التلف كما لا يخفى.

ص: 166

- و هي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال و النفوس- فهو: أن الحكم بالجواز معلّق (1) على الاختلاف، إلّا أن قوله: «فإنّه ربما» مقيّد بالاختلاف الخاص، و هو الذي لا يؤمن معه (2) من التلف (3)، لأنّ (4) العلّة تقيّد المعلول، كما في قولك: لا تأكل الرّمان لأنّه حامض (5).

و فيه (6): أنّ اللازم

______________________________

سيأتي في (ص 172) من تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة، أو تصدير كلامه السابق ب «أما» بأن يقال: «أما تقريب الاستدلال في القسم الثاني من الصور السابعة ...».

و كيف كان فتقريب دلالة المكاتبة على حكم الصورة الثامنة هو: أنّ جوابه عليه السّلام متضمن لجملتين: إحداهما: تجويز البيع عند ظهور الخلف و المنازعة بين الموقوف عليهم، و كونه خيرا من إبقاء الوقف على حاله. و مقتضى الإطلاق جواز البيع بمجرد العلم بالاختلاف، سواء خيف من بقائه تلف المال و إراقة الدماء أم لا.

ثانيتهما: تعليل الحكم بقوله عليه السّلام: «فإنّه ربما» و ظاهره موضوعية إختلاف خاصّ لجواز البيع، و هو النزاع الذي لا يؤمن معه من ضياع الأموال و هلاك النفوس.

و مقتضى تقديم ظهور العلّة على المعلول تقييد الاختلاف المجوّز للبيع بما إذا خيف من بقاء الوقف تلف المال و النفس، و بهذا يتم الحكم في الصورة الثامنة.

(1) يستفاد التعليق من إناطة «فليبع» بقوله: «إن كان قد علم الاختلاف».

(2) أي: مع الاختلاف.

(3) فيتعين التوفيق بين المعلول و العلّة بتقييد إطلاق جواز البيع في «فليبع».

(4) تعليل لمحذوف، و هو لزوم الأخذ بخصوص العلة لا بعموم المعلول.

(5) فيختص النهي حينئذ بأكل الرمان الحامض.

(6) محصل المناقشة في التقريب المتقدم هو: عدم وفاء المكاتبة بإثبات الجواز في

ص: 167

..........

______________________________

الصورة الثامنة، و ذلك لأن تقديم العلّة على المعلول كما يوجب تقييد الاختلاف بما خيف منه تلف المال و النفس، كذلك يقتضي رفع اليد عن خصوصية الاختلاف، و تعميم جواز البيع لما إذا لم يكن خلف بين أرباب الوقف، و لكن علم إفضاء بقائه إلى تلفها من جهة اخرى، و توقّف سدّ الفتنة على بيع الوقف، فإنّ العلّة كما تخصّص تعمّم. و من المعلوم عدم التزام أحد بجواز بيع الوقف مقدّمة لعلاج مفسدة اخرى أجنبية عنه. و هذا المحذور يوهن العمل بظاهر المكاتبة، و تسقط حينئذ عن الدلالة على حكم الصورة الثامنة.

فإن قلت: يمكن الأخذ بموضوعية مطلق الاختلاف لجواز البيع، و عدم تقييده بقوله عليه السّلام: «فإنه ربما» و ذلك لورود مثله في الأخبار مما يكون علّة للحكم تارة، و حكمة اخرى، و من المعلوم أن ما يصلح للتقييد هو العلّة لا الحكمة.

قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «و أما التعليل فبناؤه على الكشف عن الحكمة في جواز البيع، و الغرض منه كون الاختلاف عرضة لذلك المحذور، لا أنّ أداءه إليه شرط لجواز البيع. و بذلك نصّ الشهيدان، و هو ظاهر الكفاية و المفاتيح، و يشهد له التعليل ب ربما» «1».

و عليه فلا مانع من الأخذ بموضوعية الاختلاف، و عدم تعميم الحكم لما إذا لم يكن منشأ التلف منازعة أرباب الوقف.

قلت: إن حمل «ربما» على الحكمة و إسقاطه عن العلية- ليبقى عموم الاختلاف على حاله- يوجب عدم صلاحيته لتقييد الجواز بخوف تلف المال أو النفس، فإنّ الحكمة كما لا تعمّم لا تخصّص، مع أن مفروض الصورة الثامنة هو الجواز لو أدّى بقاء الوقف إلى التلف لا مطلقا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

ص: 168

على هذا (1) تعميم الجواز في كلّ مورد لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس (2) و إن لم يكن من جهة إختلاف الموقوف عليهم، فيجوز (3) بيع الوقف لإصلاح كلّ فتنة و إن لم يكن لها دخل في الوقف.

اللّهم إلّا أن يدّعى سوق العلّة مساق التقريب (4)، لا التعليل الحقيقي حتى يتعدّى (5) إلى جميع موارده.

لكن (6) تقييد الاختلاف حينئذ (7) بكونه ممّا لا يؤمن ممنوع،

______________________________

و الحاصل: إن كانت جملة «فإنه ربما» علة لزم تعميم الجواز لغير موارد الاختلاف، و لا سبيل للقول به.

و إن كانت حكمة لزم تعميم الجواز لما إذا لم يؤدّ البقاء إلى التلف، و هو غير الصورة الثامنة.

(1) أي: على كون «فإنه ربّما» علّة لجواز البيع عند الاختلاف.

(2) أخذا بعموم العلّة لا بخصوصية المورد.

(3) هذا نتيجة تعميم الجواز لكلّ مورد يخشى فيه تلف الأموال و النفوس.

(4) لا التعليل، يعني: فلا تكون العلّة مبيّنة لمطلب جديد، بل بمنزلة عبارة اخرى لما قبلها، فلا تزيد عما قبلها. فقوله عليه السّلام: «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس» لا يكون مناطا و موضوعا للحكم حتى يدور جواز البيع مداره، بل بيانا لأمر خارجي قد يترتب على الاختلاف. فالموضوع نفس الاختلاف سواء ترتب عليه مفسدة تلف المال و النفس أم لا.

(5) لأن التعدي من شأن العلة المنصوصة التي يكون الحكم للمورد بسبب انطباقها عليه، لا لخصوصية نفس المورد.

(6) هذا ردّ قوله: «اللهم إلا أن يدّعى» و تقدم بقولنا: «قلت» كما تقدمت الدعوى في «إن قلت».

(7) أي: حين عدم عليته بل كونه تقريبا لما قبله، و وجه عدم التقييد به حينئذ

ص: 169

و هو (1) الذي فهمه الشهيد رحمه اللّه في الرّوضة كما تقدّم كلامه.

لكن الحكم على هذا الوجه (2) مخالف للمشهور. فلا يبقى حينئذ (3) وثوق بالرواية (4) بحيث يرفع اليد بها

______________________________

هو كونه توضيحا لما قبله.

(1) يعني: منع تقييد الاختلاف بما يوجب تلف المال أو النفس هو الذي فهمه الشهيد قدّس سرّه، حيث قال: «و الظاهر أن خوف أدائه إليهما و إلى أحدهما ليس بشرط، بل هو مظنة لذلك» «1». و حاصله: عدم اعتبار الاختلاف الخاص في جواز بيع الوقف، فيجوز بيعه مطلقا باعتبار أن الاختلاف بحسب نوعه يؤدّي إلى تلف المال و النفس، و لا ينظر إلى أشخاص الاختلاف في كل مورد مورد.

(2) أي: بدون تقييد الاختلاف بعدم الأمن، و الحكم بجواز البيع بمجرد الاختلاف، فإن جواز البيع حينئذ مخالف للمشهور، حيث إنّهم قيّدوا جواز البيع بالاختلاف الخاص، و هو ما لا يؤمن معه من تلف المال و النفس.

(3) أي: حين كون عدم تقييد الاختلاف خلاف المشهور.

(4) لكون فتوى المشهور مخالفة لظاهر الرواية، حيث إن ظاهرها- بعد البناء على عدم تقييد الاختلاف بما لا يؤمن معه من المفسدة- هو كون الاختلاف بنفسه موضوعا لجواز البيع من دون تقييده بترتب محذور تلف المال أو النفس عليه.

و فتوى المشهور هي كون الاختلاف المقيد بعدم الأمن من ترتب المحذور المزبور عليه موضوعا للبيع.

فمضمون الرواية حينئذ لا ينطبق على فتوى المشهور، فيصير موردا لإعراضهم المشهور عنه، و هذا موهن لاعتبار الرواية على الأقوى.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 255 و تقدم في الأقوال أيضا، راجع هدى الطالب، ج 6، ص 570

ص: 170

عن العمومات (1) و القواعد (2)، مع ما فيها من ضعف الدلالة (3)، كما سيجي ء إليه الإشارة.

و ممّا ذكرنا (4) يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة و ردّه (5).

______________________________

إلّا أن يقال: إن الإعراض إن كان عن سند الرواية بحيث لم يعمل المشهور بها أصلا، فهو يسقط الرواية عن الاعتبار. و أمّا إذا عملوا بها غايته أنهم استظهروا منها غير ما استظهرناه منها فهو لا يسقطها عن الاعتبار، لأن مخالفتنا لهم ترجع إلى الاستظهار، و من المعلوم عدم حجية فهمهم علينا.

(1) الناهية عن بيع الوقف، و التعبير بالعموم لشمولها لحالة خوف تلف المال و النفس و عدمه.

(2) المراد به استصحاب منع البيع الثابت قبل طروء خوف التلف.

(3) من جهة عدم ظهور المكاتبة في ما نحن فيه و هو الموقف المؤبد، و كذا عدم ظهورها في لزوم الوقف و تماميته بإقباض العين للموقوف عليه، و غيرهما مما سيأتي في (ص 192).

(4) أي: من جعل قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما جاء في الاختلاف» علة منصوصة يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة، و هي أداء الاختلاف إلى ضرر عظيم من دون تقييده بتلف المال.

و حاصل تقريبه: أن مقتضى العلّة كون موضوع جواز البيع هو الضرر من تلف المال أو النفس أو غيرهما بعد حمل النفس أو المال على المثال.

فالمتحصّل: أن مجوّز بيع الوقف هو الضرر العظيم من تلف المال أو غيره، فينطبق على الصورة التاسعة.

(5) و هو: أنّ لازم جعل قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما جاء الاختلاف ... الخ» علّة هو جواز البيع لكل فتنة و إن لم ترتبط بالوقف، و هو مما لا يلتزم به أحد.

مضافا إلى: أن حمل تلف المال أو النفس على المثال لمطلق الضرر العظيم ممنوع

ص: 171

و أمّا تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة فهو: أنّ (1) ضمّ تلف النفس إلى تلف الأموال- مع (2) أنّ خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالبا (3)- يدلّ على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدّة إلى حيث يخاف منه تلف النفس، و لا يكفي بلوغه إلى مادون ذلك (4)، بحيث يخاف منه تلف المال فقط.

و فيه (5):

______________________________

جدّا، لتوقفه على القطع بعدم خصوصيتهما، و دون إثباته خرط القتاد.

(1) توضيحه: أن الرواية و إن اشتملت على تلف المال و النفس معا، و هو لا ينطبق على الصورة العاشرة التي هي «لزوم فساد يستباح منه الأنفس فقط». لكن مع ذلك يمكن الاستدلال بها على الصورة العاشرة بأن يقال: إن ذكر «تلف المال» في الرواية ليس لأجل دخله في الحكم بجواز البيع حتى يكون هو مع تلف النفس- جمعا- دخيلا في جواز البيع، فلا ينطبق على الصورة العاشرة.

بل لأجل ملازمة تلف النفس لتلف المال غالبا. فذكر «تلف المال» مبني على الغالب، لا لكونه دخيلا في جواز البيع. فالمجوّز للبيع هو خصوص تلف النفس و استباحتها، و هذا المعنى ينطبق على الصورة العاشرة، و يصح أن يكون دليلا عليها.

(2) غرض المستدل من هذه الجملة المعترضة إسقاط موضوعية تلف المال، و أن جواز البيع يدور مدار تلف الأنفس خاصة، فذكر «الأموال» مبني على الملازمة الغالبية بين تلفهما، لا للاحتراز حتى ينتفي جواز البيع لو أدى بقاء تلف الوقف إلى خصوص استباحة الأنفس.

(3) إذ لا مفهوم للقب الوارد مورد الغالب كالوصف الغالبي، كما قيل في آية حرمة الربائب.

(4) أي: ما دون بلوغه إلى تلف النفس، و المراد ب «مادون» تلف المال.

(5) منع المصنف قدّس سرّه التقريب المذكور بإشكالين:

ص: 172

أنّ اللازم على هذا (1) عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم، بل يجوز حينئذ (2) بيع الوقف لرفع كلّ فتنة (3).

مع أنّ (4) ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس.

______________________________

أحدهما: أنّ مقتضى عموم العلّة التعدي عن المورد- و هو إختلاف الموقوف عليهم المؤدي إلى التلف- إلى كل ما يوحب تلف النفس، لما قرر في محله من أن العلة كما تضيّق دائرة المعلول كذلك توسعها، كما في المثال المعروف و هو «لا تأكل الرمان لأنّه حامض» كما لا يخفى.

و عليه فلا يدور جواز البيع مدار الاختلاف الخاص، بل المناط مطلق الفتنة المفضية إلى استباحة النفس.

(1) أي: بناء على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة إلى حدّ يخشى منه تلف النفس.

(2) أي: حين عدم كون المناط خصوص الفتنة بين أرباب الوقف.

(3) مع أنه لا يمكن الالتزام بهذا الإطلاق، كما تقدم في منع الصورة الثامنة.

(4) هذا هو الإشكال الثاني على الاستدلال بالمكاتبة على الصورة العاشرة.

توضيحه: أنّ ظاهر الرواية لا ينطبق على فتوى المشهور في الصورة العاشرة، إذ ظاهرهم اعتبار العلم أو الظن بتحقق الفتنة، و عدم كفاية الشك في ذلك، و ظاهر الرواية- بملاحظة لفظة «ربما»- كفاية مجرد الاحتمال فيه. فالدليل أعم من المدعى.

بل تمكن دعوى المباينة بينهما، إذ ظاهر المشهور كون الاستباحة الواقعية سببا لجواز البيع، حيث إنهم أخذوا العلم أو الظن في ذلك، و من المعلوم كونهما طريقين إلى الواقع، و ظاهر كلمة «ربما» في المكاتبة هو كون الاستباحة المحتملة مجوزة للبيع، فتدبر.

ص: 173

و المقصود (1)- كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة- هو اعتبار الفتنة التي يستباح بها الأنفس.

و الحاصل (2): أنّ جميع الفتاوى المتقدمة في جواز بيع الوقف- الراجعة إلى اعتبار أداء بقاء الوقف علما أو ظنّا أو احتمالا (3)

______________________________

(1) يعني: و الحال أن المقصود كما يظهر من عبارة ابن سعيد قدّس سرّه هو اعتبار الفتنة الواقعية التي يستباح بها الأنفس، لقوله: «أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس» بناء على طريقية العلم و الظن.

و عبارة المحقق الكركي قدّس سرّه في تعليق الإرشاد أوفق بإرادة الفتنة الواقعية، لقوله:

«يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس» «1» لعدم أخذ الخوف في الفساد المجوّز للبيع، و ظاهره الفساد الواقعي.

هذا بناء على ما حكاه السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه «2» عن تعليق الإرشاد، و نقله المصنف في أوّل المسألة. و لكن الموجود في المطبوع أخيرا موافق لما في جامع المقاصد من أخذ «الخوف» في جواز البيع، كما حكاه صاحب المقابس عنه، و نصّ عبارة تعليق الإرشاد هو: «و ثانيها: ما إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه الإفضاء إلى تلف الأموال و الأنفس» «3» و هذا متحد مع عبارة ابن سعيد قدّس سرّه.

هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه في منع دلالة المكاتبة على الصورة العاشرة.

(2) هذا حاصل ما أفاده في (ص 155) من انحصار مستند جواز البيع- في الصور الأربع الأخيرة- في مكاتبة ابن مهزيار. و هذه الصور و إن تعدّدت موضوعا، و لكن إختلاف الفقهاء في الاستظهار من المكاتبة أوجب استناد الجميع إليها.

(3) تقدم في (ص 164) نقل تعبيرهم بالخشية و الخوف و العلم و الظنّ. و أمّا

______________________________

(1) لاحظ مصادر الأقوال في ج 6، ص 562 و 568

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 86

(3) حاشية الإرشاد، ص 339

ص: 174

إلى مطلق الفساد (1)، أو فساد خاص (2)، أو اعتبار الاختلاف مطلقا (3)، أو إختلاف خاصّ (4)- مستندة (5) إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة.

و الأظهر (6) في مدلولها هو: إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه

______________________________

الاحتمال فأضافه المصنف قدّس سرّه هنا و في الصورة الثامنة، لتأثر النفس بالاحتمال الموهوم أيضا.

(1) و هو ما يعمّ نقص المنفعة و انتفاءها رأسا.

(2) و هو انتفاء المنفعة رأسا.

(3) يعني: سواء أدّى إلى تلف المال و النفس أم لا.

(4) و هو المؤدي إلى تلف المال أو النفس.

(5) خبر قوله: «ان جميع».

(6) بعد أن منع قدّس سرّه دلالة المكاتبة على القسم الثاني من الصورة السابعة و على ما بعدها، استظهر منها أمرا مغايرا لما ذهب إليه المشهور، و محصله: دلالة الرواية على إناطة جواز البيع بالاختلاف الخاص، و هو ما لو حظ فيه جهات ثلاث:

الاولى: أن يكون موجبا لتلف الأموال و النفوس، فلا عبرة بمطلق الخلف و النزاع و إن لم يؤدّ إلى تلفها. و ليس منشأ هذا التقييد حمل جملة «فإنه ربما» على التعليل ليكون مقيّدا لدائرة الاختلاف الوارد في السؤال، لفرض عدم كون «فإنه» علة حقيقة لتعمّم أو تقيّد. بل منشؤه قرينية الذيل بحسب المتفاهم العرفي على ما يراد من السؤال.

الثانية: أن يحصل الخوف من أداء بقاء الوقف إلى هلاك النفس أو المال، سواء نشأ من العلم بالأداء أو من الظن به، أو من الاحتمال الموهوم.

و الوجه في ضمّ الأخير إلى العلم و الظن ورود كلمة «ربما» في الجواب، و قد مرّ صدقه على الاحتمال.

الثالثة: أن يكون محذور تلف النفس و المال مترتبا على نزاع أرباب الوقف

ص: 175

تلف الأموال و النفوس (1)، لا مطلق الاختلاف (2)، لأنّ الذيل (3) مقيّد.

و لا خصوص (4) المؤدّي علما أو ظنّا، لأنّ (5) موارد استعمال لفظة «ربما» أعمّ من ذلك. و لا مطلق (6) ما يؤدّي إلى المحذور المذكور، لعدم ظهور الذيل في التعليل بحيث يتعدّى عن مورد النصّ، و إن كان فيه (7) إشارة إلى التعليل.

______________________________

فيما يتعلق بحفظه و بالانتفاع به، و توقف حسم مادة الفساد على البيع.

فلو كان المحذور ناشئا من غير إختلاف الموقوف عليهم لم يجز البيع.

فإن قلت: مقتضى ظهور التعليل التعدي من الاختلاف إلى موجب آخر يؤدّي إلى هلاك المال و النفس، إذ العلة كما تضيّق توسّع أيضا.

قلت: نعم لو استقرّ ظهور «فإنّه ربما» في التعليل حتى يتعدى عن مورد السؤال إلى غيره، و لكن المفروض منع الظهور المزبور.

هذا ما استفاده المصنف من المكاتبة، و سيأتي بيان النسبة بينه و بين مختار المشهور.

(1) و إن كانت الأموال غير الأعيان الموقوفة و كانت النفوس غير الموقوف عليهم. و إرادة التعميم من هذه العبارة تظهر من عبارة الآتية، و هي قوله في (ص 195): «لكن في النفس شي ء ... الخ».

(2) هذا إشارة إلى الجهة الاولى.

(3) بناء على ما تقدم في الاستدلال للصورة الثامنة، و لكنه منع التقييد سابقا بقوله: «لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن ممنوع» فلاحظ (ص 169).

(4) معطوف على «لا مطلق» و هذا إشارة إلى الجهة الثانية.

(5) تعليل لقوله: «و لا خصوص».

(6) معطوف أيضا على «لا مطلق» و هذا إشارة إلى الجهة الثالثة.

(7) أي: في الذيل إشارة إلى التعليل، لمكان «فإنّه»، إلّا أنه لا عبرة بالإشارة، لكون موضوع دليل الحجية هو الظهور المنتفي حسب الفرض.

ص: 176

و على ما ذكرنا (1)، فالمكاتبة غير مفتى بها عند المشهور، لأنّ (2) الظاهر اعتبارهم العلم أو الظّنّ بأداء بقائه إلى الخراب غير (3) الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الأموال و الأنفس (4)، فيكون (5) النسبة بين فتوى المشهور و بين مضمون الرواية عموما من وجه.

______________________________

(1) يعني: يظهر من إناطة جواز بيع الموقوفة بالجهات الثلاث المتقدمة عدم عمل المشهور بالمكاتبة، لمخالفتهم لها في جهتين منها:

إحداهما: اعتبار العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب، و عدم كفاية الاحتمال عندهم.

ثانيتهما: أنّ المؤدّي إلى الخراب أعم من الفتنة الموجبة لاستباحة الأموال و الأنفس. و مع هذه المخالفة لا مجال لدعوى استنادهم إليها في تجويز البيع في الصور المتقدمة. و لا يخفى أنّ ما ذكره قدّس سرّه إشكال عام على الاستدلال بالمكاتبة في الصور الأربع، و لا يختص بتوهين التمسك بها في خصوص الصورة العاشرة.

(2) مقصوده بيان مورد مخالفة المشهور للمكاتبة، و هما موردان تقدّما آنفا.

(3) صفة ل «أداء» أي: لا يعتبر في إختلاف أهل الوقف أن يؤدّى إلى تلف المال و النفس.

(4) هذا ثاني موردي المخالفة.

(5) هذا نتيجة مخالفة فتوى المشهور للمكاتبة في الجهتين المزبورتين.

و وجه كون النسبة عموما من وجه هو كون فتوى المشهور أعم من المكاتبة من جهتين، و أخص منها من جهة. كما أن المكاتبة أعم من فتاواهم من جهة و أخص منها من جهة اخرى.

أمّا أعمية الفتاوى من جهتين:

فالاولى منهما: شمول «تلف المال» لكل من الخراب و قلّة المنفعة، بشهادة تجويز البيع في قسمي الصورة السابعة.

ص: 177

لكن الإنصاف (1):

______________________________

و الثانية: أنّ المؤدّي إلى الخراب أعم من الفتنة الموجبة لاستباحة الأموال و الأنفس، بشهادة تجويز البيع للضرر العظيم كما في الصورة التاسعة.

و أما أخصية الفتاوى من المكاتبة، فلاعتبارهم حصول العلم أو الظن بأداء البقاء إلى الخراب، بشهادة تعبيرهم بالخوف و الخشية، مع أنّ المكاتبة تعمّ الاحتمال الموهوم، بشهادة كلمة «ربما».

و أما أعمية المكاتبة من فتوى المشهور، فلعدم اعتبار العلم و الظن، و الاكتفاء بمجرد الاحتمال. و أما أخصيتها منها فلاختصاص الجواز بالفتنة المبيحة للأموال و الأنفس.

و مادة الاجتماع- بمعنى جواز البيع بمقتضى المكاتبة و فتوى المشهور- هي العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب مع الفتنة المبيحة للمال و النفس. و مادة الافتراق من طرف الرواية هو احتمال وقوع الفتنة المبيحة لهما، فيجوز البيع فيها، خلافا للمشهور.

و من طرف فتوى المشهور موردان:

أحدهما: العلم بأدائه إلى الخراب بدون الفتنة الموجبة لاستباحة المال و النفس.

و ثانيهما: خوف الخراب بمعنى قلة المنفعة. ففي هذين الموردين لا دلالة للرواية على الجواز.

و بالجملة: فمع هذه النسبة بين المكاتبة و الفتاوى كيف يصحّ الاستدلال بها؟

فما دلّت عليه لم يعمل به، و ما عمل به لم تدل المكاتبة عليه.

(1) غرضه إصلاح التشبث بالمكاتبة و إثبات عدم إعراض المشهور عنها، و محصله: أنّهم تسالموا على جواز البيع في الجملة، و اختلفوا في خصوصيته و مناطه.

و هذا المقدار كاف في إحراز عملهم بالرواية و جبر ضعف الدلالة بالنسبة إلى المتفق عليه.

ص: 178

أنّ هذا (1) [1] لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية (2)، و قصور (3) مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة (4)، لأنّ (5) [2] إختلاف فتاوى المشهور؟؟؟ إنّما هو من

______________________________

(1) أي: كون النسبة عموما من وجه.

(2) أي: ضعف دلالتها على الجواز فيما عدا القسم الأوّل من الصورة السابعة و ما بعدها من الصور.

(3) معطوف على «ضعف» أي: جبر قصور مقاومتها لمثل قوله عليه السّلام:

«لا يجوز شراء الوقف».

و لا يخفى أن دعوى القصور مما أجاب به المانعون عن المكاتبة، قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «و أما المانعون فلهم في الجواب عن الرواية وجوه: الأوّل: أنّها كانت كتابة مشتبهة المعنى، و قد اضطربت فتاوى العاملين بها، و اختلفوا اختلافا فاحشا، فلا يترك لها تلك الأدلة الجلية البيّنة ...» «1». فيكون مقصود المصنف قدّس سرّه من جبر القصور بالعمل إثبات صلاحية المكاتبة لتخصيص عموم النهي عن بيع الوقف.

(4) متعلق ب «جبر».

(5) تعليل لقوله: «لا يمنع» و حاصله: إحراز استناد المشهور إلى المكاتبة و إن تعدّدت أنظارهم في مدلولها، و هذا المقدار كاف في نفي دعوى الإعراض عنها.

______________________________

[1] هذا لا يخلو من غرابة. أما أوّلا فلعدم جبر ضعف الدلالة بالشهرة كما حققه قدّس سرّه في الأصول.

و أمّا ثانيا: فلأنّه بعد تسليم الجبر بها لا بدّ من الأخذ بما فهمه المشهور من الرواية و إن كان ما فهموه غير ظاهر الرواية، إذ المفروض جبران ضعف هذا الظهور بفهمهم.

[2] لا مورد لهذا التعليل، فإنّ مورده اتفاق المشهور على معنى تكون دلالة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 60

ص: 179

حيث الاختلاف في فهم المناط الذي انيط به الجواز، من (1) قوله عليه السّلام: «إن كان قد علم الاختلاف» المنضمّ إلى قوله: «فإنّه ربما جاء في الاختلاف».

و أمّا (2) دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبّد التام،

______________________________

(1) يعني: أن مثار إختلاف الاستظهار و منشأه هو جملتا «إن كان قد علم ... فليبع» و «فإنه ربما جاء» من حيث كون مطلق الاختلاف موضوعا للجواز أو الاختلاف الخاص، و من كون «ربما» مفيدا لمعنى الخوف المختص بالعلم و الظن، أو لما يعم الاحتمال، و هكذا.

(2) بعد أن فرغ المصنف قدّس سرّه من حجية المكاتبة دلالة بالجبر- كحجيتها سندا- على حكم الصور الأربع، أراد التعرض لبعض وجوه الخلل في دلالتها على ما نحن فيه، و هو جواز بيع الوقف المؤبّد.

و توضيحه: أن المكاتبة ورد فيها سؤالان عن حكم الوقف، و الظاهر كون مورد السؤال في الصدر و الذيل واحدا، فكأنّ عليّ بن مهزيار سأل أوّلا من الإمام عليه السّلام عن حكم ما صنعه الواقف من جعل خمس الضيعة له عليه السّلام، ثم سأل عمّا إذا وقع الخلف بين الموقوف عليهم بالنسبة إلى بقية الوقف، و هي أربع أخماس الضيعة. و قد قيل في قصور دلالتها امور:

منها: أن الوقف منقطع لا مؤبد، بقرينة اقتصار الواقف على ذكر البطن الموجود. و هو شخص الإمام الجواد عليه السّلام بالنسبة إلى الخمس، و سائر الموقوف عليهم بالنسبة إلى بقية الأخماس. و لم يتعرض لمن بعدهم، و صرّح الصدوق قدّس سرّه بهذا على

______________________________

دلالة الرواية عليه ضعيفة حتى يكون فهمهم جابرا لهذا الضعف. و المفروض أنّه ليس كذلك، لاختلاف فتاواهم في مناط الجواز، و إختلاف أنظارهم في استفادة مناط الجواز من الرواية. فلم يتفق المشهور على مناط الجواز مع فرض ضعف دلالة الرواية عليه حتى نقول بجبران ضعفها به.

ص: 180

فهي- على تقدير (1) قصورها- منجبرة بالشهرة، فيندفع (2) ما يدّعى من قصور دلالتها من جهات، مثل: عدم ظهورها في المؤبّد (3)، لعدم ذكر البطن اللاحق، و ظهورها (4) في عدم إقباض الموقوف عليهم،

______________________________

ما تقدم كلامه في الأقوال، فراجع «1».

و منها: أن البائع لمّا كان هو الواقف جاز البيع له من جهة عدم تمامية الوقف، إذ لا قرينة في المكاتبة على تحقق القبول من الموقوف عليهم، مع اعتباره في الوقف.

قال الشهيد قدّس سرّه: «لو سلمت المكاتبة فلا دلالة في الصدر، إذ الوقف مشروط بالقبول إذا كان على غير الجهات العامة، و لم ينقل أنّ الإمام عليه السّلام قبل الوقف، و إنّما قبل الجعل و أمر ببيعه. و حمله على هذا أولى، لموافقته الظاهر» «2».

و منها: عدم تمامية الوقف من جهة عدم نحقق القبض، و هو شرط فيه، فجاز بيعه لبقائه على ملك الواقف. و هذا مختار جماعة كالعلّامة المجلسي و أصحاب الوسائل و الحدائق و الجواهر.

و هذه الجهات إن أمكن رفعها لم يكن قصور في دلالة المكاتبة على بيع الوقف المؤبّد في الصور الأربع. و إن أشكل حلّها لم تقدح في الاستدلال، لأنّ غاية ما يلزم ضعف الدلالة، و هو منجبر بعمل المشهور.

(1) هذه الكلمة تشهد بعدم تسلّم جهات الخلل، و إمكان حلّها.

(2) متفرع على وفاء المكاتبة بجواز بيع المؤبّد إمّا مع الجبر و إمّا بدونه.

(3) هذه هي الجهة الاولى، و القائل بعدم ظهورها في المؤبّد هو الصدوق قدّس سرّه.

(4) معطوف على «عدم» و هذه جهة ثانية، أي: و مثل ظهورها في عدم تحقق الإقباض.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 552؛ من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 241، ذيل الحديث: 5575

(2) غاية المراد، ج 2، ص 28

ص: 181

و عدم (1) تمام الوقف، كما عن الإيضاح، و أوضحه (2) الفاضل المحدّث المجلسي، و جزم به (3) المحدّث البحراني، و مال إليه (4) في الرياض.

قال الأوّل (5)- في بعض حواشيه على بعض كتب الأخبار-: «إنّه يخطر

______________________________

(1) معطوف على «عدم إقباض» و هذه هي الجهة الثالثة، يعني: و مثل ظهور المكاتبة في عدم تمامية الوقف بعدم لحوق القبول بالإيجاب، كما لعلّه مراد فخر المحققين قدّس سرّه. حيث قال: «و الجواب عن الرواية حملها على عدم تمام الوقف.

و ظاهرها يدل عليه» «1».

(2) أي: و أوضح العلّامة المجلسي إشكال عدم إقباض الوقف من الموقوف عليهم.

(3) أي: بظهورها في عدم الإقباض، قال صاحب الحدائق قدّس سرّه: «و المعتمد عندي في معنى هذه الرواية ما وقفت عليه في كلام شيخنا المجلسي ...» و قال بعد نقل تمام كلامه: «و إلّا فإنّه لا معنى للخبر غير ما ذكره، فإنّه هو الذي ينطبق عليه سياقه. و يؤيّده- زيادة على ما ذكره- أنّ البيع في الخبر إنّما وقع من الواقف، و هو ظاهر في بقاء الوقف في يده» «2».

(4) لقوله بعد كلام العلّامة المجلسي قدّس سرّه: «و لنعم ما قاله» لكنه قدّس سرّه تنظّر في دلالة المكاتبة- على عدم الاقباض- بما سيأتي من مناقشة المصنف قدّس سرّه، و عوّل في آخر كلامه على العمل بالمكاتبة من جهة اعتضادها بفهم الطائفة و الشهرة و الاجماعات المحكية، فراجع «3».

(5) و هو العلّامة المولى المجلسي قدّس سرّه، أفاده في شرحه على تهذيب الأحكام

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 392

(2) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 442 و 443

(3) رياض المسائل، ج 10، ص 175- 176

ص: 182

بالبال أنّه يمكن حمل الخبر (1) على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم، و لم يدفعها إليهم. و حاصل السؤال: أنّ الواقف يعلم أنّه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف و يشتدّ، لحصول (2) الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في (3) تلك الضيعة أو في (4) أمر آخر. فهل يدعها موقوفة و يدفعها إليهم، أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد (5)،

______________________________

لشيخ الطائفة، و كذا في شرحه على الكافي. قال قدّس سرّه: «و الذي يخطر بالبال أنّه ...

الخ».

(1) التعبير بالحمل من جهة عدم ذكر لفظ «القبض» في شي ء من السؤالين، و إن أمكن استفادته من القرائن.

(2) هذا منشأ علم الواقف- قبل الوقف- بحصول الاختلاف بين الموقوف عليهم، و المختلف فيه إما التصدي لشئون الضيعة، كما إذا اطّلعوا على أنّ مالك الضيعة وقفها عليهم و إن لم يدفعها إليهم بعد، فرأى نزاعهم في ذلك، بأن أراد كلّ منهم أن يكون أمرها بيده، أو أراد أحدهم زراعتها، و توزيع غلّتها على الموقوف عليهم، و أراد الآخر إجارتها. و هكذا.

و إمّا أمر آخر غير القيام بشأن الضيعة، كما إذا كانت بينهم عداوة قديمة، و خاف الواقف- من أمارات الحال- أن تشتد تدريجا، فلم يأمن من إقباضهم إيّاها، لأداء تلك الخصومة إلى نزاع في الوقف أيضا. فسأل مالك الضيعة عن أفضل الفردين، هل هو البقاء على الوقف و تسليم الضيعة؟ أم بيعها و توزيع الثمن عليهم.

(3) متعلق ب «الاختلاف» و هذا أحد موردي إختلاف أهل الوقف.

(4) هذا إشارة إلى ثاني موردي الاختلاف، و تقدم بقولنا: «و إمّا أمر أخر غير القيام بشأن الضيعة».

(5) من جهة عدم تسليم الموقوفة للموقوف عليهم.

ص: 183

و يدفع إليهم ثمنها؟ (1) [1] أيّهما أفضل؟» انتهى موضع الحاجة «1».

و الإنصاف: أنّه توجيه حسن (2) [2]

______________________________

(1) إحسانا لمن أراد المالك وقف ضيعته عليهم، إذ السؤال عن الفضل لا عمّا يجب على مالك الضيعة.

(2) فإنّ المكاتبة و إن صارت أجنبية عن الصور الأربع المذكورة، لفرض عدم تمامية الوقف في مورد السؤال، و لكن تسلم بهذا التوجيه من السؤال عن أنّه كيف جاز بيع الحصص غير المقبوضة، مع أن المتسالم عليه اعتبار القبض في الوقف؟

و قد يؤيّد هذا الحمل بما في الحدائق من: أن البائع هو الواقف، و لو تمّ الوقف كان أجنبيّا عنه و لم يجز له البيع.

و قال صاحب المقابس: «و من أعظم ما يدلّ عليه- أي على عدم تحقق القبض- و إن غفل عنه و لم يستند إليه: أنّ خمس الموقوف جعل للإمام عليه السّلام بطريق

______________________________

[1] لا وجه لدفع الثمن حينئذ إليهم بل الثمن ملك الواقف، إذ القبض إمّا شرط الصحة و إما شرط اللزوم. و على التقديرين يكون الرجوع مبطلا للوقف و موجبا لرجوعه إلى ملك الواقف، فيكون الثمن حينئذ ملكا لنفس الواقف لا للموقوف عليهم حتى يدفعه إليهم. فالحمل على ما قبل القبض بعيد غايته.

إلّا أن يراد السؤال عن الأفضل، لا عن الواجب المتعيّن، هذا.

[2] لكن الإنصاف أنّه لا داعي- مع فرض نقصان الوقف و عدم تماميته بعدم تحقق القبض- إلى تعليق جواز البيع بالاختلاف و أمثليته، بل لا وجه لهذا التعليق، ضرورة عدم إناطة جواز البيع به في صورة عدم تمامية الوقف كما لا يخفى.

______________________________

(1) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 400؛ و نحوه في مرآة العقول، ج 23، ص 61

ص: 184

لكن (1) ليس في السؤال ما يوجب ظهوره

______________________________

الإشاعة، و كان الواقف ينتظر أمره عليه السّلام في حصته حتى يبيعها أو يقوّمها على نفسه أو يدعها موقوفة. و من هذا حاله كيف يسلّم الضيعة إلى الموقوف عليهم قبل أن يأتيه أمره؟ فعدم حصوله- أي حصول القبض- كالمقطوع به. و هو ظاهر لا مرية فيه، و لا شبهة تعتريه ...» «1».

(1) غرضه المناقشة في حمل المكاتبة على عدم حصول القبض، و هي مبتنية على مقدمتين:

الاولى: أن أمره عليه السّلام في صدر المكاتبة ببيع حصته من الوقف، و بيع سائر الحصص في الذيل- عند إختلاف أربابه- مبني على سؤال ابن مهزيار و ناظر إليه.

و المفروض أنّ السؤال صالح في نفسه لأن يراد منه استعلام حكم الضيعة مطلقا سواء أ كان قبل دفعها إلى الموقوف عليهم أو إلى وكيلهم، أم بعده. و ليس فيه قرينة على عدم تحقق القبض ليختص الجواب بحكم هذه الحالة.

الثانية: أن الإمام الجواد عليه السّلام لم يستفصل من السائل أنّ الموقوف عليهم تسلّموا الضيعة أم لا؟ و إنّما أمر بالبيع بلا قيد.

و نتيجة المقدمتين انعقاد الإطلاق في جوابه عليه السّلام، و هو حجة. و رفع اليد عنها بحمل السؤال على مورد لم يتحقق فيه القبض طرح لأصالة الإطلاق بلا قرينة على التقييد.

و هذا الإشكال أورده سيّد الرياض على العلّامة المجلسي قدّس سرّهما، بقوله: «لعدم صراحته في عدم القبض، بل و لا ظهوره فيه. و ترك الاستفصال في الجواب عن حصول القبض و عدمه يقتضي عدم الفرق بينهما في الحكم» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 60

(2) رياض المسائل، ج 10، ص 175؛ و حكاه عنه صاحب المقابس بعنوان بعض مشايخنا، مقابس الأنوار، ص 60

ص: 185

في ذلك (1)، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى (2) ترك الاستفصال في الجواب.

كما أنّ (3) عدم ذكر البطن اللّاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع، إذ كثيرا ما يقتصر- في مقام حكاية وقف مؤبّد- على ذكر بعض البطون، فترك الاستفصال عن ذلك (4) يوجب ثبوت الحكم للمؤبّد.

و الحاصل (5):

______________________________

(1) أي: في عدم تحقق القبض، و هو كذلك. ثم انّ هذا إشارة إلى عدم قصور المكاتبة من حيث الدلالة، حيث إنه على تقدير ظهورها في عدم تحقق القبض لا تصلح لإثبات جواز بيع الوقف المؤبد التام بإختلاف أربابه.

(2) و هو جواز البيع في الوقف المؤبّد.

(3) هذا إشارة إلى ما تقدم بقوله في (ص 181): «مثل عدم ظهورها في المؤبّد» من قصور آخر في دلالة المكاتبة.

ملخّص القصور: أن عدم ذكر البطن اللاحق يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع، فلا تكون المكاتبة دليلا على جواز بيع الوقف المؤبد الذي هو محل البحث.

و محصل دفعه: أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب الظهور المذكور، إذ الحكاية تكون بالنسبة إلى الجهة المبتلى بها، و هي في المقام إختلاف البطن الموجود.

فعدم ذكر سائر البطون حينئذ لا يدل على كون الوقف منقطعا حتى لا تنطبق الرواية على الوقف المؤبد. و حيث كان ذكر بعض البطون متعارفا في قسمي الوقف، و لم يستفصل عليه السّلام عن أن مورد السؤال دائم أو منقطع، انعقد الإطلاق في أمره بالبيع لكلا القسمين، كما انعقد بترك الاستفصال عن حصول القبض و عدمه.

(4) أي: عن كون الوقف منقطعا أو مؤبّدا.

(5) هذا حاصل ما تقدم بقوله في (ص 178): «لكن الإنصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية ...» و محصله: أنّ هنا أمرين:

أحدهما: إحراز عمل المشهور بالمكاتبة لجبر ضعف دلالتها على جواز بيع

ص: 186

أنّ المحتاج إلى الانجبار بالشهرة (1) ثبوت حكم الرواية للوقف التام المؤبّد، لا تعيين (2) ما انيط به الجواز [1] من كونه مجرّد الفتنة أو ما يؤدّي الفتنة

______________________________

الوقف المؤبّد الذي تمت وقفيته بالقبض و القبول. و هذا ثابت بشهادة مثل الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و القول بجواز البيع في الجملة للأكثر، و مستنده صحيحة علي بن مهزيار» «1». فلا مجال لشبهة إعراض المشهور عن العمل بالمكاتبة.

ثانيهما: إحراز مناط جواز البيع، و هو أمر اختلف المشهور فيه، كما تقدم في الصورة السابعة إلى العاشرة، فلم تتفق فتاواهم على استظهار مسوّغ واحد منها، بل اختلفت أفهامهم فيها.

و مقصود المصنف قدّس سرّه: أنّ المقدار اللازم في مقام التمسك بالمكاتبة هو إحراز استنادهم إليها في جواز بيع الوقف المؤبّد التام، و هو حاصل كما مرّ. و أمّا استظهار مجوّز خاص فغير ثابت، و لكن لا يقدح عدم ثبوته في تحقق الجبر بالعمل.

(1) و وجه الحاجة إلى الجبر هو ضعف دلالتها على جواز بيع المؤبد التام، إما لشبهة انقطاع الوقف، كما ذهب إليه الصدوق و من تبعه. و إمّا لشبهة عدم تمامية الوقف كما استظهره فخر المحققين و غيره، فلذا احتاج إلى الانجبار بالشهرة كما مرّ بقولنا: «أحدهما إحراز عمل المشهور ...».

(2) معطوف على «المحتاج» يعني: أن تعيين مجوّز البيع غير محتاج إلى جبر ضعفه بالعمل، بل يكفي فيه فهم الفقيه و استظهاره من الرواية.

______________________________

[1] لا يخلو من غموض، إذ ملاك الاحتياج إلى الجبر- و هو ضعف الدلالة بالنسبة إلى مناط الجواز كنفس الجواز- موجود أيضا. فبناء على جبر ضعف الدلالة بالشهرة لا فرق بين كون ضعفها بالنسبة إلى أصل الجواز، و بين كون ضعفها بالنسبة إلى مناطه.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 398

ص: 187

إليه (1)، أو غير ذلك (2) ممّا تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين (3).

نعم (4)، يحتاج إلى الاعتضاد بالشهرة من جهة اخرى، و هي:

______________________________

(1) من تلف خصوص الوقف، أو مطلق المال، أو المال و النفس.

(2) من إحراز الأداء بالعلم أو الظن، أو كفاية الاحتمال الموهوم.

(3) و هما قوله عليه السّلام في جواب المكاتبة: «و أعلمه أن رأيي إن كان قد علم الاختلاف ... الخ» و قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما جاء في الاختلاف ... الخ».

ففي الفقرة الأولى يحتمل موضوعية مطلق الاختلاف، كما يحتمل موضوعية الاختلاف الخاص.

و في الفقرة الثانية يحتمل كونه تعليلا حقيقيا أو مجرد تقريب للحكم، كما تقدم تفصيل ذلك كله.

(4) استدراك على قوله: «لا تعيين» من عدم الاحتياج إلى الاعتضاد بالشهرة في تعيين مناط الجواز. و محصّله: وجود الحاجة إلى عمل المشهور بالرواية لأجل جبر ضعف دلالتها من جهة اخرى، و هي ظهور تجويز البيع و توزيع ثمنها على الموقوف عليهم في اختصاصه بالبطن الموجود. و هذا مخالف لما تقرّر في الصورة الاولى من اقتضاء بدلية الثمن عن المبيع كونه مشتركا بين جميع البطون لو كان الوقف مؤبّدا. و العمل بهذا الظاهر يتوقف على أحد امور:

الأوّل: التصرف في مفهوم «المعاوضة» كليّة، بأن يقال بعدم اعتبار قيام العوض مقام المعوّض في جميع ما للمعوّض من خصوصية و إضافة، فينتقل الوقف بالبيع إلى المشتري، و لا ينتقل الثمن إلى الملّاك، بل إلى خصوص المالك الفعلي، لا الشأني. هذا بناء على اشتراك الجميع في الثمن.

و لكن يمكن إبقاء المعاوضة على معناها المعهود، و الالتزام بتكلّف في خصوص بيع الوقف- إن كان لسدّ الفتنة- و هو سقوط حقّ الطبقات المعدومة عن الوقف آنا مّا قبل البيع، و صيرورته ملكا لخصوص الموجودين، فيقع البيع في ملكهم، و من

ص: 188

أنّ مقتضى القاعدة (1)- كما عرفت (2)- لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون، و ظاهر (3) الرواية تقريره عليه السّلام للسائل في تقسيم ثمن الوقف

______________________________

المعلوم اقتضاء المعاوضة اختصاص الثمن بالموجودين، لخروج المعوّض عن ملكهم خاصة.

الثاني: حمل السؤال على الحبس الذي لا يخرج المحبوس عن ملك الحابس، و نتيجته أجنبية الرواية عما نحن فيه من الوقف المؤبّد.

الثالث: حمله على الوقف المؤبّد الذي لم يتحقق شرط صحته أو لزومه، و هو إمّا القبض، و إما صيغة الوقف، و إن وطّن نفسه على إنشاء وقفية الضيعة بعد تلقّي جواب الإمام عليه السّلام، هذا.

ثم استشهد المصنف قدّس سرّه ببعض ما يؤيّد انقطاع الوقف أو عدم تماميته.

و على كلّ فلا بدّ من جبر ضعف الدلالة- من هذه الجهة- بفهم المشهور الوقف المؤبّد و إن لم تكن المكاتبة ظاهرة فيه.

(1) يعني: أنّ ضعف الدلالة مبني على القول باشتراك الجميع في الثمن، فلو قيل باختصاصه بالبطن الموجود في جميع المسوّغات لم يكن في المكاتبة ضعف من هذه الجهة.

(2) يعني: في الصورة الاولى، حيث قال: «و مما ذكرنا يظهر أنّ الثمن على تقدير البيع لا يخصّ به البطن الموجود ...» فراجع «1».

(3) يعني: و الحال أن ظاهر الرواية تقرير الإمام عليه السّلام للسائل في اختصاص الثمن بالموجودين، لقول السائل: «فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف، و يدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته» و قرّره عليه السّلام بقوله: «إن كان قد علم الاختلاف بين أرباب الوقف ... فليبع».

و هذا التقرير أحد الوجوه الموجبة لظهور الرواية في الوقف غير التام.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 627

ص: 189

على الموجودين، فلا بدّ (1): إمّا من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة إلّا (2) بتكلّف سقوط حقّ سائر البطون عن الوقف آنا مّا قبل البيع، لتقع المعاوضة في مالهم.

و إمّا (3) من حمل السؤال على الوقف المنقطع، أعني الحبس (4) الذي لا إشكال في بقائه على ملك الواقف (5)، أو (6) على الوقف غير التام، لعدم القبض، أو لعدم تحقق صيغة الوقف و إن تحقّق التوطين عليه، و تسميته (7) وقفا بهذا الاعتبار.

______________________________

(1) مقصوده علاج ضعف الدلالة، و قوله: «إمّا» إشارة إلى ما تقدم بقولنا:

«الأوّل: التصرف في مفهوم المعاوضة كليّة ...».

(2) متعلق ب «رفع اليد» فبناء على هذا التكلف تبقى المعاوضة على معناها الحقيقي. و إن كان من الممكن تبديل «إلّا» ب «أو» أو «إما» ليكون المعنى: «إمّا برفع اليد ... و إمّا بالالتزام بسقوط حق سائر البطون عن الوقف، حفظا لمفهوم المعاوضة الحقيقية».

(3) معطوف على «إمّا» و تقدم توضيحه بقولنا: «الثاني حمل السؤال على الحبس».

(4) يعني: أن المراد ليس هو الوقف المنقطع الذي اختلفوا في خروج الملك فيه عن ملك الواقف و عدمه، بل المقصود من المنقطع هو الحبس.

(5) فيكون تقسيم الثمن على الجماعة تفضلا عليهم و إحسانا لهم، لا لكونه ملكا لهم.

(6) معطوف على «على الوقف المنقطع» و تقدم آنفا بقولنا: «الثالث».

(7) كأنّه أراد دفع توهم، و هو: أنه لو لم يتم الوقف لم يكف مجرّد توطين النفس في صيرورة الضيعة وقفا، لصحة سلب العنوان حقيقة، مع أن الوارد في كلام الإمام و السائل هو «الوقف» فلا بدّ أن يكون قد تمّ الوقف حينئذ، و لا يتجه الحمل الأخير.

ص: 190

و يؤيّده (1): تصدّي الواقف بنفسه للبيع، إلّا أن يحمل (2) على كونه ناظرا، أو يقال (3): إنّه أجنبي استأذن الإمام عليه السّلام في بيعه حسبة.

بل يمكن (4) أن يكون قد فهم الإمام عليه السّلام من جعل السائل قسمة الثمن بين

______________________________

فدفعه المصنف قدّس سرّه بأنّه لا مانع من تسميته وقفا باعتبار ما يؤول إليه، فإنّ التوطين يستتبع التلفظ بالصيغة.

(1) هذا ثاني الوجوه الموجبة لظهور الرواية في الوقف غير التام، يعني: و يؤيّد حمل السؤال على الوقف غير التام تصدّي الواقف للبيع، إذ لو تمّ الوقف و جاز بيعه لبعض المسوّغات جاز للموقوف عليه، لا للواقف المفروض كونه أجنبيّا عن الموقوفة.

و تقدم في (ص 182) أن صاحب الحدائق قدّس سرّه أيّد بهذا المطلب كلام العلّامة المجلسي قدّس سرّه.

و التعبير بالتأييد- دون الدلالة- لأعمية هذا التصدي من بقاء الضيعة على ملكه، و لذا أورد عليه صاحب المقابس قدّس سرّه بما في المتن من احتمال اشتراط النظارة و التولية لنفسه، فجاز له البيع و إن لم يكن مالكا.

أو كون الواقف أجنبيا لكن استأذن من الإمام عليه السّلام بيع الوقف قربة إليه تعالى لئلّا يؤدّي بقاؤه إلى الفتنة، فأمره عليه السّلام به. و لو باع بدون الاستيذان كان فضوليا غير نافذ كما هو واضح.

(2) قال في المقابس: «فيمكن دفعه- أي دفع التأييد- باحتمال كون متولّي الوقف هو الواقف في حياته كما يتفق كثيرا» «1».

(3) معطوف على «يحمل» و الاستيذان منه منوط بعدم متولّ خاصّ له، و إلّا فهو المتصدّي لذلك، و لا يصير من الامور الحسبية.

(4) الظاهر أن الداعي إلى بيانه هو سدّ باب ما يقتضيه ترك الاستفصال من

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 61

ص: 191

الموجودين مفروغا عنها- مع أنّ المركوز في الأذهان اشتراك جميع البطون في الوقف و بدله- أنّ (1) مورد السؤال هو الوقف الباقي على ملك الواقف (2)، لانقطاعه (3)، أو لعدم تمامه.

و يؤيّده (4): أنّ ظاهر صدره المتضمّن لجعل الخمس من الوقف للإمام عليه السّلام

______________________________

جواز بيع الوقف المؤبّد، إذ المراد بقوله: «بل يمكن ... الخ» أن قاعدة البدلية و إن اقتضت كون الثمن مشتركا بين جميع البطون، و لكن الإمام عليه السّلام لمّا فهم من مفروغية قسمة الثمن بين البطن الموجود- عند السائل- أن مورد السؤال باق على ملك الواقف، لم يحتج إلى الاستفصال. فترك الاستفصال حينئذ لفهم الإمام عليه السّلام جهة السؤال، فلا يحتاج إلى الاستفصال حتى يقال: إن تركه أمارة على عموم الجواب للوقف المؤبد، و الاحتياج إلى الاستفصال إنما يكون فيما لم يعلم جهة السؤال.

(1) الجملة منصوبة محلّا، لكونها مفعولا ل «فهم».

(2) لا خصوص المؤبّد، و لا الأعم منه و من المنقطع. و الوجه في عدم احتمال شي ء منهما علمه عليه السّلام بجهة السؤال و كون الوقف منقطعا، أو غير تام.

(3) علّة لبقاء الضيعة على ملك الواقف.

(4) هذا ثالث الوجوه الموجبة لظهور الرواية في غير الوقف المؤبد التام.

وجه التأييد أنّ الواقف جعل خمس الضيعة لشخص الإمام عليه السّلام، و لم يذكر أنّه وقفه عليه عليه السّلام و على أعقابه، و من المعلوم أنّ الوقف على الشخص ليس وقفا مؤبّدا.

و تقدم في (ص 185) أن صاحب المقابس جعل عدم حصول القبض مقطوعا به، هذا.

و لكن التعبير بالتأييد دون الدلالة و الظهور لأجل إمكان ردّه، بأن يقال: إن الخمس جعل وقفا على عنوان الإمام الذي هو كلي، غاية الأمر أنّ مصداقه في كل عصر منحصر في واحد. و بلحاظ انطباق هذا العنوان على الإمام الجواد صلوات اللّه عليه قال السائل: «و جعل لك في الوقف الخمس».

ص: 192

هو هذا النحو (1) أيضا (2).

إلّا أن يصلح (3) هذا الخلل و أمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التّام،

______________________________

أو غير ذلك ممّا فصّل الكلام فيه صاحب المقابس قدّس سرّه، فراجعه «1».

(1) أي: كون الوقف منقطعا أو غير تام من جهة عدم القبض أو القبول.

(2) يعني: كما أن ذيل المكاتبة ظاهر في انقطاع الوقف أو عدم تمامه.

قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه في عداد ما يوجّه به المكاتبة: «رابعها: ما ذكروه من عدم حصول القبول أو القبض، فلم يكن- أي الوقف- لازما من طرف الإمام عليه السّلام قطعا، و لا من طرفه. لكن الرجوع في الوقف بعد التقرب به أمر مرغوب عنه شرعا مطلقا. و إذا كان- أي الوقف- على الإمام فالأمر فيه أشدّ، بحيث إنّه يتلو اللازم- أي الوقف اللازم- في الحكم ...» «2».

و قد تحصّل إلى الآن وجود الخلل في دلالة المكاتبة، من جهة شبهة انقطاع الوقف أو عدم تماميته. و مع عدم ظهورها في المؤبّد يشكل الاستناد إليها في تخصيص عموم النهي عن شراء الوقف.

(3) غرضه إصلاح الخلل و جبر ضعف الدلالة بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التام، لانحصار مستندهم- في تجويز البيع في الصور الأربع المتقدمة- في المكاتبة، و يقال: إنّ و هن ظهورها يرتفع بعمل المشهور بها في جواز بيع الوقف المؤبد بعروض الفتنة و الاختلاف.

و بالنسبة إلى ظهورها في اختصاص الثمن بالموجودين: إمّا أن نلتزم بسقوط حق المعدومين آنا مّا قبل البيع، و إمّا أن نمنع تقرير الإمام عليه السّلام لجواز توزيع الثمن على الموجودين خاصة.

و تقريب المنع هو: أن دفع الثمن إلى الموقوف عليهم ورد في السؤال، لا في

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 52 و 53

(2) المصدر، ص 54

ص: 193

و يقال (1): إنّه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصّصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف، و موجبا لتكلّف (2) الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع، أو (3) نمنع تقرير الإمام عليه السّلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين.

و يبقى الكلام في تعيين المحتملات (4) في مناط جواز البيع، و قد عرفت (5) الأظهر منها.

______________________________

الجواب، و من المعلوم أنّ العبرة بكلام المعصوم عليه السّلام و تقريره، و هو صلوات اللّه عليه و إن جوّز البيع، لكنه لم يتعرض لحكم الثمن، فيحتمل أنّه قرّر السائل في التوزيع على الموجودين. و يحتمل أنّه بيّن حكم البيع من دون نظر إلى ما يفعل بالثمن. و مع هذا الاحتمال يرتفع المحذور المتقدم أعني به ظهور الخبر في اختصاص الثمن بالموجودين.

(1) معطوف على «يصلح» و مفسّر له.

(2) التعبير بالتكلّف لأجل أن الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين مخالف لمفهوم المبادلة.

(3) معطوف على قوله: «و يقال»، يعني: يصلح هذا الخلل و أمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التام، و نمنع تقرير الإمام عليه السّلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين حتى يكون مخالفا لمفهوم المبادلة. و عليه فيتعين استفادة حكم الثمن من دليل آخر، و لو كان ما يقتضيه حقيقة المعاوضة من اشتراك الكلّ فيه.

و المتحصّل إلى هنا: انجبار ضعف ظهور المكاتبة- في الوقف المؤبد- بعمل المشهور بها، و يبقى تعيين مفادها في بعض الصور المتقدمة.

(4) أي: محتملات المكاتبة، حيث قال في (ص 174): «و الحاصل: أن جميع الفتاوى في جواز بيع الوقف ... مستندة إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة».

(5) حيث قال في (ص 175): «و الأظهر في مدلولها هو إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس ...».

ص: 194

لكن في النفس شي ء (1) من الجزم بظهوره (2). فلو اقتصر (3) على المتيقّن من بين المحتملات- و هو الاختلاف المؤدّي علما أو ظنّا إلى تلف خصوص مال الوقف، و نفوس الموقوف عليهم- كان (4) أولى.

و الفرق (5) بين هذا القسم و القسم الأوّل من الصورة السابعة الذي جوّزنا

______________________________

(1) و هو أن كلمة «ربما» تستعمل في الاحتمال و العلم و الظن، و استعمالها في الجميع شائع، و لم تثبت أظهريته في الاحتمال حتى يكون الكلام ظاهرا فيه، فيصير الكلام مجملا. و لا بدّ حينئذ من الأخذ بالمتيقن، و هو العلم و الظن، بل العلم فقط، إلّا أن يثبت إجماع عليه.

(2) أي: بظهور الخبر في ما جعلناه سابقا أظهر محتملاته، فهذا تأمّل في حسبان أظهرية الخبر في شموله للاحتمال الموهوم بأداء بقاء الوقف إلى الخراب، حيث قال هناك: «و لا خصوص المؤدّي علما أو ظنّا».

(3) هذا نتيجة الدغدغة في ما استظهره سابقا من المكاتبة. و مقصوده الاقتصار على المتيقن المستفاد منها و هو العلم أو الظن بأداء الاختلاف إلى تلف خصوص الوقف و خصوص أهله، فلا عبرة بالاحتمال، و لا بغير الاختلاف من موجبات الخراب و التلف، و لا بتلف غير الوقف و غير الموقوف عليهم.

(4) جواب قوله: «فلو اقتصر».

(5) غرضه بيان الفرق بين ما ركن إليه أخيرا بقوله: «و هو الاختلاف المؤدي ...» و بين تجويزه البيع في أوّل قسمي الصورة السابعة.

و محصل الفرق: أنّ المناط في القسم الأوّل هو الخراب المسقط لمنفعة الوقف رأسا. و لكن المناط المستفاد من المكاتبة- بقرينة مورد السؤال و هو الضيعة- تلف المال، سواء صدق عليه تلف الوقف أم لا، لوضوح عدم استلزام تلف الضيعة انعدام تمام منافعها، فلو لم تصلح للزراعة- بسبب غور مائها مثلا- أمكن الانتفاع بها بإيجارها لأمر آخر.

ص: 195

فيه البيع: أنّ المناط في ذلك القسم العلم أو الظّنّ بتلف الوقف رأسا (1).

و المناط (2) هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال و إن لم يتلف الوقف، فإنّ (3) الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف.

و ليس المراد من التلف في الرواية [1] تلف الوقف رأسا حتى يتّحد مع ذلك القسم المتقدم، إذ لا يناسب هذا (4) ما هو الغالب في تلف الضيعة (5) التي

______________________________

فلو كانت عوائد الضيعة العامرة ألف دينار سنة، و أدّى إختلاف أربابها إلى نقص العوائد بمقدار خمسمائة دينار، صدق «أداء الاختلاف إلى تلف المال» لكون ما يعود منها مالا كنفس الضيعة، و إن لم يصدق عنوان تلف الوقف بقول مطلق. و العبرة في المكاتبة بتلف المال، لا بتلف الوقف حتى يختص مدلولها بالقسم الأوّل من الصورة السابعة.

(1) لأنه جعل عنوان القسم الأول: تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّ به عرفا.

(2) معطوف على «المناط» و المشار إليه بقوله هنا: «ما استقرّ عليه رأيه أخيرا، حيث قال: «فلو اقتصر على المتيقن من بين المحتملات ... كان أولى».

(3) تعليل لوجه العدول عن تجويز البيع في خصوص أوّل قسمي الصورة السابعة، و تقدم توضيحه آنفا.

(4) المشار إليه هو تلف الوقف رأسا.

(5) نعم، قد يكون تلف غير الضيعة- كالدار و الحمام و الدكان الموقوفة-

______________________________

[1] هذا صحيح إن لم يكن المراد بتلف المال تلف العين الموقوفة، و إلّا فظاهر التلف المطلق هو تلف الوقف رأسا، فيتحد مع القسم الأوّل من الصورة السابعة، و إن لم يكن المراد بتلف المال تلف العين الموقوفة بل أعم منها و من منافعها، كان أعمّ مطلقا من القسم الأوّل.

ص: 196

هي مورد الرواية (1)، فإنّ تلفها غالبا لسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها (2).

ثمّ إنّ (3) الظاهر من بعض (4) العبائر المتقدمة- بل المحكي عن الأكثر (5)- أنّ الثمن في هذا البيع (6) للبطن الموجود. إلّا أنّ ظاهر كلام جماعة (7)

______________________________

بمعنى سقوطها عن الفائدة رأسا، كما تقدم في الصورة الثانية و الثالثة.

(1) و لا بد من أن يراد بتلف الضيعة قلة عوائدها لا الخراب بالمرّة، لأنّ موردية الضيعة للسؤال توجب نصوصية جواز البيع فيها.

(2) يعني: و ليس تلفها بسقوطها عن المنفعة رأسا.

(3) غرضه من هذه العبارة إلى آخر البحث تحقيق جهة اخرى مما يتعلق بالمكاتبة، و هي تعيين حكم الثمن من حيث اختصاصه بالموجودين حال البيع، أو شركة الجميع فيه، و توجيه كلام المحقق الثاني قدّس سرّه و من تبعه بوجهين كما سيأتي.

(4) كقول الشيخ المفيد قدّس سرّه: «فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه».

(5) لم أقف على من حكاه عن الأكثر- بقول مطلق بعد ملاحظة مفتاح الكرامة و المقابس «1» و الجواهر و بعض آخر. و لعلّ مراد الحاكي أن الاختصاص رأي أكثر القدماء، و هو لا يخلو من وجه، فإنّ السيدين ادّعيا الإجماع على ذلك، و نقله السيد العاملي عن المفيد و أبي يعلي، و الشيخ في النهاية و المبسوط، و القاضي في المهذّب «2».

(6) أي: بيع الوقف لدفع الخلف بين الموقوف عليهم، في قبال بيعه لأجل الخراب الفعلي كما تقدم في الصورة الاولى، فلقائل أن يقول بوجوب التبديل هناك دون ما نحن فيه.

(7) و هم العلّامة- في التذكرة و المختلف- و أكثر من تأخّر عنه كالفاضل

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 254، و ج 9، ص 88

ص: 197

- بل صريح بعضهم كجامع المقاصد «1»- هو: أنّه يشترى بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف، تحصيلا (2) لمطلوب الواقف بحسب الإمكان.

و هذا (3) منه قدّس سرّه مبني على منع ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة

______________________________

السيوري و ابن فهد و الشهيد الثاني و الفيض الكاشاني و غيرهم، كما حكاه عنهم السيد العاملي قدّس سرّه «2».

(2) تعليل لوجوب شراء البدل.

(3) أي: وجوب شراء بدله إن أمكن، و غرضه توجيه فتوى المحقق الثاني بعدم اختصاص الثمن بالبطن الموجود. و توضيحه: أنه قدّس سرّه استدلّ بمكاتبة ابن مهزيار على جواز البيع إذا حصل خلف بين أربابه، كما أنه استدل برواية جعفر بن حيّان على جوازه إن لحقت حاجة شديدة بالموقوف عليهم. و حكمه بوجوب شراء البدل في الأوّل يمكن توجيهه بوجهين:

إمّا منع ظهور جواب الإمام عليه السّلام- في المكاتبة- في تقرير السائل في قسمة الثمن على الموجودين خاصة، بأن يكون الجواب ناظرا إلى أصل جواز البيع في مورد الاختلاف.

و إمّا منع العمل بهذا الظهور بعد تسليمه، و وجه المنع معارضته بما هو أقوى منه من اقتضاء المعاوضة و المبادلة قيام الثمن مقام المثمن في ما كان له من اختصاص و إضافة، و حيث إنّ المثمن ملك فعلي للموجودين، و شأني للّاحقين، كان الثمن مثله، و لا يختص بالطبقة الحاضرة حال البيع. هذا مبنى نظر المحقق الثاني قدّس سرّه.

لكن لا يتم شي ء منهما. أمّا الثاني فلمنافاته لقوله باختصاص الثمن بالموجودين لو بيع الوقف للحاجة الشديدة. وجه المنافاة: أن الدليل على اختصاص

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 97، و تقدم كلامه في الأقوال، فراجع ج 6، ص 569

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 254 و ج 9، ص 88

ص: 198

الثمن على الموجودين، أو على (1) منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضى قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل.

لكن الوجه الثاني (2) ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة، تمسّكا برواية جعفر [1]، فيتعيّن الأوّل، و هو منع التقرير،

______________________________

الثمن بالبطن الموجود- فيما إذا كان مسوّغ البيع حاجة أرباب الوقف- هو تقرير رواية جعفر بن حيّان المتقدمة، و هذا التقرير بعينه موجود في المقام و هو إختلاف الموقوف عليهم. فالبناء على حجية التقرير هناك بحيث تخصص به عمومات المنع عن بيع الوقف ينافي البناء على عدم حجية التقرير في المكاتبة في صورة خلف أرباب الوقف. فلا وجه للتفكيك في الحجية بين التقريرين، بل لا بدّ من الالتزام بحجيته في المقامين أو الالتزام بعدمها فيهما، و لا معنى للتفصيل بينهما.

و بالجملة: أن المعاوضة لو اقتضت اشتراك الجميع في البدل كالمبدل، امتنع الحكم بصرف الثمن في حاجة الموجودين، بل اللازم كونه مشتركا بين الكلّ، فتصريح المحقق الثاني بعدم وجوب شراء البدل في هذا البيع مناف لمفهوم المبادلة.

و أمّا الأوّل- و هو منع التقرير- فيرده كونه خلاف مقتضى التأمل في المكاتبة، لأنّ الظاهر مطابقة الجواب للسؤال بتمامه، لا لجهة دون اخرى.

و عليه فينبغي جعل البيع للحاجة و لدفع الخلف من باب واحد، و عدم وجوب التبديل في المقامين.

(1) معطوف على «على منع» و إشارة إلى الوجه الثاني المتقدم بقولنا: «و إمّا منع العمل ...».

(2) غرضه إبطال الوجه الثاني بالمنافاة، و تقدم توضيحه آنفا.

______________________________

[1] هذا بناء على تصريحه في كتاب البيع، و لكنه في باب الوقف أوجب شراء البدل في مورد الحاجة أيضا، لقوله: «و إذا كان المجوّز للبيع حاجة الموقوف عليهم،

ص: 199

لكنّه (1) خلاف مقتضى التأمل في الرواية.

______________________________

(1) أي: لكنّ منع التقرير مخالف لظهور المكاتبة بعد التأمّل فيها.

هذا تمام الكلام في الوقف المؤبّد، و يقع الكلام في المنقطع إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

و أمكن شراء ما تكفيهم غلته و يكون وقفا وجب» «1».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 71

ص: 200

[و أمّا الوقف المنقطع]

و أمّا (1) الوقف المنقطع، و هو: ما إذا وقف على من ينقرض- بناء على

______________________________

(1) معطوف على قوله: «أمّا الأوّل» و كان المناسب التعبير هنا ب «و أما الثاني» ثم إنّ «الوقف المنقطع» يطلق تارة على ما إذا جعل المال على من ينقرض- سواء أ كان شخصا معيّنا كزيد. أم جمعا معينين كأولاده- و السكوت عمّا يصنع به بعد الانقراض.

و أخرى على الوقف المقترن بمدّة كعشرين سنة مثلا- إن لم يرد به الحبس- و هو مورد تسالمهم على البطلان.

قال السيد العاملي في شرح قول العلّامة قدّس سرّهما: «أو قرنه بمدّة لم يقع» ما لفظه:

«كما في الغنية و السرائر و الشرائع، و كذا الإستبصار، و هو معنى إجماع الخلاف و الغنية و السرائر و غيرها، إذ هو تفريع على اشتراط الدوام» «1». و في الجواهر:

«فلو وقفه و قرنه بمدة بطل قطعا مع فرض إرادته وقفا» «2».

و بالجملة: فالمقصود بالمنقطع الآخر هو المعنى الأوّل أي الوقف على من ينقرض غالبا. و المعروف في حكمه الصحة، على خلاف بينهم في مآل الوقف بعد انقراض الموقوف عليه، كما سنشير إليه. و لم يعرف القول بالبطلان إلّا من بعض

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 16

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 51

ص: 201

صحته كما هو المعروف (1)-

______________________________

الأصحاب على ما حكاه شيخ الطائفة عنه، حيث قال قدّس سرّه: «فإذا علّقه بما ينقرض، مثل أن يقول: وقفت هذا على أولادي و أولاد أولادي، و سكت على ذلك.

أو وقف على رجل بعينه، أو على جماعة بأعيانهم، و سكت على ذلك، فهل يصحّ ذلك أم لا؟ من أصحابنا من قال: يصحّ. و منهم من قال: لا يصحّ ...» «1».

(1) التعبير بالمعروف- دون المجمع عليه- في قبال القول بالبطلان رأسا كما حكي في المبسوط. قال في الجواهر في شرح عبارة المحقق: «و قيل: يجب إجراؤه حتى ينقرض المسمّون، و هو أشبه» ما لفظه: «بمعنى أنه يصحّ وقفا، كما هو صريح جماعة، بل في جامع المقاصد نسبته إلى الشيخين و المختلف و التذكرة و أكثر الأصحاب. بل قد عرفت احتمال كونه مذهب الجميع بناء على احتمال إرادة المساواة في الحكم من التصريح بكونه حبسا» «2» [1].

______________________________

[1] غرضه قدّس سرّه أن جمعا كثيرا من القائلين بصحة الوقف على من ينقرض عبّروا بكونه حبسا كما نقله السيد العاملي عن صريح جماعة و ظاهر آخرين كابني حمزة و سعيد و المحقق و العلّامة و فخر المحققين و الشهيدين و ابن فهد و الفاضل المقداد و المحقق الثاني و غيرهم. و من يظهر منه كونه وقفا هو الشيخ المفيد و ابن إدريس و محتمل كلام بعض آخر. و عليه لا يكون القول بصحة الوقف المنقطع- بعنوانه لا بعنوان الحبس- معروفا، بل و لا مشهورا.

و لعلّه لهذا اقتصر صاحب الرياض قدّس سرّه على نقل قولين في الوقف على من ينقرض غالبا، أحدهما البطلان، و الآخر صحته حبسا لا وقفا، و أن القول بصحته وقفا نادر جدّا غير معروف أصلا «3».

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 292

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 54

(3) رياض المسائل، ج 10، ص 106

ص: 202

______________________________

إلّا أن صاحب الجواهر قدّس سرّه ذهب إلى إرادتهم الوقف المنقطع من الحبس، عند من يرى رجوع المال بعد انقراض المسمّين إلى الواقف أو ورثته، بقرينة ما يفهم من أدلتهم، و أن الحبس عقد آخر غير الوقف المنقطع آخره، إذ المقصود منه التسليط على العين لاستيفاء منفعتها لا تمليك الرقبة، فلا معنى لإنشاء الوقف و وقوع الحبس.

و استشهد ببعض كلماتهم لذلك، كقول المحقق الثاني قدّس سرّه بعد نقل عبارة التذكرة:

«فعلى هذا تكون بعض أقسام الوقف حبسا، و حينئذ فالنزاع يرجع إلى التسمية فقط»، فراجع «1».

و لا بأس بالإشارة إلى ما استدل به على صحة الوقف المنقطع. و هو وجوه:

فمنها: الأصل، المراد به إما أصالة عدم اشتراط الوقف بالتأبيد، إذ مفهومه «تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة» الصادق عليه كصدقه على المؤبد، فلو اعتبر فيه كان منشؤه اشتراطه شرعا، و هو مشكوك فيه، فينفى بالأصل.

و إمّا أصالة عدم مانعية الانقطاع بناء على جريان الأصل في شرائط المركبات و أجزائها و موانعها، و كذا في الامور الاعتبارية الإنشائية. و معه لا مجال لأصالة الفساد المقتضية لعدم ترتب الأثر على فاقد الشرط المشكوك الدخل، أو واجد المانع كذلك. و تقدم بعض الكلام فيه في مقدمة ألفاظ العقود «2».

لكن لا تصل النوبة إلى الأصل العملي إلّا مع عدم الإطلاق اللفظي و المقامي، في أدلّة العقود، و في خصوص الوقف كما سيظهر.

و منها: الأمر بالوفاء بالعقود، إمّا لكون الوقف من العقود لاعتبار القبول فيه مطلقا، و إمّا لكون المراد بالعقد في الآية مطلق العهد كما في صحيحة ابن سنان، و الوقف عهد و إن أنشئ بالإيجاب خاصة، فيكون نافذا.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 55؛ جامع المقاصد، ج 9، ص 20

(2) راجع هدى الطالب، ج 2، ص 318- 325

ص: 203

______________________________

و منها: عموم قوله عليه السّلام في مكاتبة الصفار: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» لظهوره في إمضاء الوقف الموقت بكلا تفسيريه الواردين في سؤال المكاتب، و هو قوله: «قال قوم: إنّ الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان و عقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها. و قال آخرون:

هذا موقّت إذا ذكر أنّه لفلان و عقبه ما بقوا، و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين و الذي هو غير موقت أن يقول: هذا وقف و لم يذكر أحدا» «1».

لدلالته على أنّ المعهود من عنوان «الوقف الموقت» في عرف المكاتب- و هو الصفار- ما يذكر فيه الموقوف عليه، إمّا مع قرينة التأبيد كالوقف على أشخاص أو جهة، ثم تعقيبه بكونه للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، كما هو رأي قوم. و إمّا بالاقتصار على شخص و عقبه ما بقوا، و عدم تعيين مآل الوقف بعد انقراضهم. و الأوّل مؤبّد، و الثاني منقطع الآخر بحسب مصطلح الفقهاء. و يقابلهما غير الموقت أي ما لم يذكر الموقوف عليه أصلا، و هو باطل.

و بالجملة: فالقرينة الداخلية- و هي قول الصفار: «قال قوم ... و قال آخرون»- تشهد بأنّ المراد بالموقت ليس هو المقترن بمدّة و أجل، و إن كان المتبادر منه هو المحدود بزمان، بل المراد التصريح بالموقوف عليهم.

و منه يظهر متانة ما أفاده شيخ الطائفة قدّس سرّه من تفسير إجمال صحيحة ابن مهزيار بصحيحة الصفار، حيث قال: «و معنى هذا الذي رواه علي بن مهزيار من قوله: كل وقف إلى وقت معلوم واجب، معناه: أنّه إذا كان الموقوف عليه مذكورا، لأنّه إن لم يذكر في الوقف موقوف عليه بطل الوقف. و لم يرد بالوقت الأجل، و كان هذا تعارفا بينهم. و الذي يدل على ذلك ما رواه محمد بن الحسن الصفار ...» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 307- 308، الباب 7 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث: 2

(2) تهذيب الأحكام، ج 9، ص 132؛ الإستبصار، ج 4، ص 100

ص: 204

______________________________

لكن قد يشكل هذا التفسير بذكر «الورثة» في كلتا الكليتين في صحيحة ابن مهزيار من قوله: «واجب على الورثة ... باطل مردود علي الورثة» مع عدم الدخل في الصحة و البطلان.

و لعلّه قد يوجّه تارة بما ذهب إليه جمع من المحدثين و الفقهاء من إبقاء «الوقت» على ظاهره و هو المدة، و إرادة الحبس من الوقف.

قال العلّامة المجلسي الأوّل قدّس سرّه: «اعلم أن ظاهر الجواب: أنّ الوقف بحسب ما يوقف. فإن كان مؤبّدا بأيّ وجه كان سواء ضمّ الفقراء و المساكين ... أو لم يضمّ فهو وقف مؤبّد. و إن كان موقّتا بأن يكون إلى مدة معلومة أو على شخص معيّن- و الغالب انقراضه- فليس بوقف بالمعنى الأخص، و لكنه حبس صحيح، لا يجوز بيعه ما دام المحبوس عليه حيّا، و بعده يرجع إلى ورثة الواقف. و هذا معنى قوله عليه السّلام:

باطل مردود على الورثة، أي يبطل بعد المدة، لا أنّه باطل عند الصيغة ...» «1».

لكن الحمل على الحبس مع تصريحهم بكون الوقف مجازا فيه منوط بقرينة مفقودة. و مجرّد إنشاء الوقف لمن ينقرض لا يصلح قرينة على إرادة الحبس، لتوقفها على المنافاة عرفا بين مفهوم الوقف و التقييد المزبور حتى يكون التقييد قرينة على إرادة خلاف الظاهر، و المفروض عدم دخل التأبيد- بهذا المعنى- في مفهوم الوقف.

و منافاة ظهور صدر مكاتبة ابن مهزيار للإجماع على بطلان الوقف الموقّت بمدّة، لا توجب الحمل على الحبس ما لم تنهض قرينة عليه.

و اخرى بما اختاره صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد إبقاء «الوقف» على معناه المقابل للحبس، من أنّ الصحة تكون باعتبار بقاء الموقوف عليه الموقت، و الفساد بلحاظ

______________________________

(1) روضة المتقين، ج 11 ص 150، و أفاد نحوه نجله العلّامة في ملاذ الأخيار، ج 14، ص 403، و غيرهما، فلاحظ الوسائل، ج 13، ص 308؛ الحدائق الناظرة، ج 22، ص 135؛ رياض المسائل، ج 10، ص 106؛ مفتاح الكرامة، ج 9، ص 16 و 17

ص: 205

______________________________

انقراضه. قال قدّس سرّه: «ففي مثل المفروض هو موقّت ما دام الموقوف عليه موجودا، و غير موقت إذا انقرضوا، فيثبت له حكم كلّ منهما من الصحة و الفساد، ضرورة أن قوله عليه السّلام في الصحيح الأوّل:- هو كذلك عندي- تقرير للكليتين المفسّرين بالصحيح الآخر- أي صحيح الصفار- الذي هو كالصريح في صحة الوقف بالتفسير الثاني منهما، و هو مفروض مسألتنا» «1» و استشهد على ذلك بما ورد في الذيل من كونه مردودا على الورثة، إذ لو كان باطلا من أوّل الأمر لكان مردودا على الواقف الذي لم ينتقل المال عنه حتى يرد عليه مرة اخرى.

و لكن يمكن التأمل فيه بأن ظاهر المكاتبة التفصيل بين الموقت و غير الموقت، بالصحة في الأوّل و البطلان في الثاني، لا أنّ الموقت يصح في مدة بقاء الموقوف عليه، و يبطل بعده، حتى يكون إنشاء وقف متصفا بالصحة في زمان حياة الموقوف عليه و بالفساد بانقضائه.

و بعبارة اخرى: انّ توصيف «الوقف» بالصحة و الفساد تارة يكون بلحاظ حالات الوقف، بمعنى أنّه يحكم على فرد واحد من طبيعي الوقف بالصحة في مدة، و بالبطلان في مدة اخرى.

و اخرى يكون المتصف بهما هو الطبيعي بلحاظ حصصه، فبعضها محكوم بالصحة من أوّل الأمر، و ما دام عنوان «الوقف» و بعضها محكوم بالبطلان كذلك، لفقد شرط أو اقتران مانع، فلا ينقلب الصحيح باطلا. و الظاهر من الصحيحة هو الثاني، فالموقت صحيح، سواء أ كان الموقوف عليه دائما أم منقرضا، و غير الموقّت باطل.

و انتهاء الوقف في المنقطع بانقراض الموقوف عليه لا يوجب توصيفه بالباطل، إذا البطلان بانتفاء الموقوف عليه نظير انتفاء الوقف بانتفاء الموقوفة في كونه من انتفاء

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 56 و 57

ص: 206

فإمّا (1) أن نقول ببقائه

______________________________

(1) اعلم: أن محتملات مآل العين- بعد انقراض الموقوف عليه- ثلاثة، كما في كتب الأصحاب:

أوّلها: العود إلى الواقف أو ورثته، و هو قول الأكثر كما في المسالك.

ثانيها: الانتقال إلى ورثة الموقوف عليهم، نسب إلى الشيخ المفيد و ابن إدريس قدّس سرّهما.

ثالثها: الصرف في وجوه البرّ، نسب إلى السيد أبي المكارم قدّس سرّه.

قال المحقق الثاني قدّس سرّه: «ثم على بالقول بصحته وقفا، فهل يرجع إلى ورثة

______________________________

العارض بانتفاء موضوعه، و هو ضروري.

و قوله عليه السّلام: «مردود على الورثة» لا يكون قرينة على إرادة الوقف المنقطع، كما لا يكون قرينة على إرادة الحبس، فلعلّ ذكره بالخصوص لأمر ما يقتضيه، و إلّا فالوقف إن كان صحيحا فقد وجب على الواقف، و إن كان باطلا فقد ردّ إليه.

إلّا أنّ إبهام جملة «النفوذ على الورثة و الرّد عليهم» لا يقدح في الاستدلال بالمكاتبة على مشروعية الوقف المنقطع و مضيّه على الواقف، و عدم دلالتها على صحة الحبس كما ورد في كلمات من اشير إليهم، مع تصريح مثل الشهيد الثاني قدّس سرّه بكون الوقف مجازا فيه، و عدم ما يصلح للقرينية عليه.

فلو كان تبادر المدة من «الوقت» مانعا عن إرادة الموقوف عليهم، كان تبادر «الوقف» المصطلح مانعا عن الحمل على الحبس، و ليست قرينية التعارف المستفادة من مكاتبة الصفار أضعف من قرينية انقراض الموقوف عليهم حتى نلتجئ إلى إرادة الحبس.

و المتحصل: وفاء المكاتبة بإثبات صحة الوقف المنقطع، و يقع الكلام في ما أفاده المصنف قدّس سرّه من تعيين المالك له، و جواز بيعه و عدمه.

ص: 207

على ملك الواقف (1)، و إمّا أن نقول بانتقاله إلى الموقوف عليهم (2).

______________________________

الواقف أم إلى ورثة الموقوف عليه، أم يصرف في وجوه البرّ؟ أقوال أيضا» «1».

و أمّا الاحتمال الرابع- و هو المذكور أوّلا في المتن من بقائه على ملك الواقف- فمبنيّ على كون الوقف المنقطع حبسا حقيقة كما في المسالك و غيره، لبقائه على ملك الحابس.

و أمّا بناء على مفروض الكلام من كون المنقطع كالمؤبّد وقفا حقيقة، فيظهر من بعض القول به.

ففي الجواهر: «و المصرّح ببقاء العين هنا- مع ندرته- مدّع أنّ هذا الوقف له حكم الحبس، و إنّما الذي يخالفه- أي يخالف بقاء الموقوفة على ملك الواقف- الوقف المؤبّد، دونه أي دون المنقطع» «2».

و قال في المقابس: «كل وقف منقطع يجري عليه حكم الحبس على الأصحّ، فيكون باقيا على ملك الواقف» «3».

و عليه فلا بدّ أن يقال في توجيه بقاء مالكية الواقف: إنّ الوقف إما يوجب زوال ملك الواقف و هو الدائم، و إمّا يوجب سلب سلطنته الفعلية على التصرف، و إن كان مالكا.

و بالجملة: فالغرض توجيه ما صنعه المصنف قدّس سرّه من تربيع الاحتمالات، و عدم اقتصاره على الثلاثة المعروفة في كلمات الأصحاب.

(1) كما نقله صاحب الجواهر عن بعض، و يظهر من صاحب المقابس أيضا.

(2) كما هو المعروف، لأن وزان الوقف المنقطع وزان المؤبّد في كونه تمليكا، و صيرورة الواقف أجنبيا عن المال بالمرّة.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 16، و كذا في مسالك الأفهام، ج 5، ص 356

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 56

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

ص: 208

و على الثاني (1)، فإمّا أن يملكوه ملكا مستقرّا (2) بحيث ينتقل منهم إلى ورثتهم عند انقراضهم، و إمّا (3) أن يقال بعوده إلى ملك الواقف، و إمّا (4) أن يقال بصيرورته في سبيل اللّه.

فعلى الأوّل (5): لا يجوز للموقوف عليهم البيع، لعدم الملك.

______________________________

و الفارق بينهما أنّ خروج المال عن الملك في المؤبد دائمي، و في الموقّت ما دامي أي ما دامت حياة الموقوف عليه، و هو منوط بقابلية الملك للتحديد، و عدم اعتبار إرساله.

(1) و هو انتقال المال إلى ملك الموقوف عليه إلى أن ينقرض، و فيه أقوال ثلاثة، تقدّمت آنفا.

(2) لا مؤقّتا، فالمراد بالاستقرار هنا عدم عوده إلى الواقف، و عدم صرفه في وجوه البرّ. فصيرورته ملكا مستقرا هو كونه كسائر أموال الموقوف عليه التي تنتقل إلى ورثته بعد انقراضه، كما إذا وقف دارا على ثلاثة بطون من أولاده، فينتقل- بعد انقراض البطن الثالث- إلى ورثتهم، لا إلى خصوص البطن الرابع.

(3) هذا هو الاحتمال الثاني بناء على تملك الموقوف له مدّة الوقف، فيكون تملكه مؤقتا لا دائما، فيعود إلى الواقف أو ورثته.

(4) هذا ثالث الاحتمالات، و قد نسب إلى السيد أبي المكارم و العلّامة في المختلف.

(5) لا يخفى أن الغرض الأصلي من التعرض للوقف المنقطع هنا- أي في موانع كون الملك طلقا من الوقف و الرهن و نحو هما- هو بيان حكم بيعه جوازا و منعا بالنظر إلى الاحتمالات الأربع المتقدمة.

فبناء على الاحتمال الأوّل- أعني به بقاء المال على ملك الواقف، و كون ثمرة هذا الوقف تملك الموقوف عليه للمنفعة، كما أن فائدة السكنى مجرد تسليطه عليها- إمّا أن يكون البائع هو الموقوف عليه، و إما الواقف.

ص: 209

و في جوازه (1) للواقف مع جهالة مدّة استحقاق الموقوف عليهم إشكال،

______________________________

فإن كان هو الموقوف عليه لم يصحّ، لانتفاء المقتضي، و هو الملك.

فلو باع، فإن قلنا بصحته من الواقف- كما سيأتي في بعض الصور الأربع- كان بيع الموقوف عليه فضوليا منوطا بإجازة الواقف، و إن قلنا بعدم جوازه من الواقف بطل رأسا.

و إن كان البائع هو الواقف فقد فصّل المصنف قدّس سرّه بين صور أربع، فتارة يكون المشتري أجنبيا، و المراد به أن لا يكون له مساس بمنفعة الموقوفة، فليس هو الموقوف عليه، و لا من انتقل حق الموقوف عليه إليه بصلح.

و هذا على نحوين، إذ قد يبيع الواقف، و هو غير مالك للمنفعة أصلا. و هذا محل البحث في الصورة الاولى. و قد يبيع بعد أن تملّك المنفعة مرة اخرى، كأن تصالح عليها مع أرباب الموقوفة، و هذه هي الصورة الرابعة في كلام المصنف.

و اخرى يكون المشتري مستحقا لمنفعة الموقوفة، و هو على نحوين أيضا، فقد يكون هو الموقوف عليه، فتنضمّ العين إلى المنفعة، و كونهما معا ملكا له. و هذه هي الصورة الثانية.

و قد يكون غير الموقوف عليه، كما إذا تصالح أجنبي مع الموقوف عليه على منفعة الوقف، فانتقلت إليه، فأراد شراء العين من الواقف. و هذه هي الصورة الثالثة.

(1) أي: في جواز البيع. و هذا شروع في حكم الصورة الاولى، و الأصحاب بين مستشكل في جواز البيع، و مآله إلى المنع، و بين مصرّح بصحته، و بين متوقف و متردّد.

و استشكل المصنف وفاقا لصاحب المقابس قدّس سرّهما «1» في جواز البيع. و منشأ الإشكال هو الغرر اللازم من الجهل بقدر الانتفاع المستثنى، و يتضح وجهه بالنظر إلى أمرين:

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 65

ص: 210

..........

______________________________

الأوّل: أنّ العين الموقوفة على من ينقرض و إن كانت ملكا للواقف حسب الفرض، و لكنها مسلوبة المنفعة، لكونها مستحقة للموقوف عليه مدة حياته. و لمّا لم يكن أمد استحقاق المنفعة مضبوطا بالأعوام لم يعلم المشتري أن عوض الثمن هل هو المبيع المسلوب منفعته سنة أو مسلوبها عشر سنين؟ فيصدق «البيع الغرري» عليه، لدخل قصر المدة و طولها في مالية المبيع زيادة و نقصا.

و الشاهد على أن الجهل بزمان تسليم المنفعة يوجب غررية البيع ما ذكروه في بطلان بيع مسكن المطلّقة بالأقراء، لجهالة وقت انتفاع المشتري بدلك المسكن، لدوران زمان عدّتها بين ستة و عشرين يوما و لحظتين، و تسعة أشهر، و سنة، و خمسة عشر شهرا «1». فلو باع المالك هذا المسكن فلا بدّ أن يبيعه مسلوب المنفعة، فإن علم أمد العدة- كما إذا كانت بالأشهر- صحّ البيع، فهو نظير بيع دار مؤجّرة سنة. و إن لم يعلم لزم الجهل بوقت تسليم المنفعة- و هي السكنى- للمشتري، فيبطل البيع.

قال المحقق قدّس سرّه: «لو طلّقها ثم باع المنزل، فإن كانت معتدة بالأقراء لم يصح البيع، لأنّها تستحق سكنى غير معلومة، فيتحقق الجهالة ... و لو كانت معتدة بالشهور صحّ، لارتفاع الجهالة» «2».

و المقام أولى بالبطلان، لإمكان استثناء البائع- لمسكن المعتدّة- أطول مدة يقطع بعدم زيادة العدة عليها، و هي خمسة عشر شهرا، بخلاف ما نحن فيه، إذ لا سبيل للعلم بمدة حياة الموقوف عليه حتى يستثنيها الواقف.

الثاني: أنّه لا فرق في مانعية الغرر في البيع بين الجهل بذات العوضين و بين الجهل بشأنهما من وصف أو خصوصية كما في المقام، لكون وقت القدرة على تسليم

______________________________

(1) كما في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 141 و جواهر الكلام، ج 28، ص 128، و لاحظ شرائع الإسلام، ج 3، ص 36

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 43

ص: 211

من (1) حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التّام على وجه ينتفع به، و لذا (2) منع الأصحاب- كما في الإيضاح- «1» بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء، لجهالة مدّة العدّة مع عدم كثرة التفاوت (3).

نعم (4)، المحكيّ عن جماعة

______________________________

المنفعة للمشتري مجهولا.

و المتحصل من هذين الأمرين: فساد بيع الوقف لو كان المشتري أجنبيا عن الموقوف عليه، و لم يستحق المنفعة.

هذا تقريب المنع. و لعلّ التعبير عنه بالإشكال- دون المنع- للشبهة في إطلاق الغرر المنهي عنه في البيع لمثل الجهل بوقت التسليم مع معلومية ذات المبيع و منفعتها كما سيأتي تفصيله في (ص 587). و كذا منع قياس المقام ببيع مسكن المطلقة، فراجع المقابس و الجواهر و غيرهما.

(1) هذا وجه منع البيع، و لم يذكر المصنف قدّس سرّه وجها للجواز، فيظهر منه ترجيح المنع.

(2) أي: و لأجل لزوم الغرر من الجهل بزمان التسليم التام منع الأصحاب من بيع المكان الذي تسكنه المطلقة المعتدة بالأقراء. و أمّا المعتدة بالأشهر فلا مانع من البيع، للعلم بأمد عدّتها و استثناء تلك المدة، كصحته لو كان المبيع مستأجرا مدّة مضبوطة كسنة مثلا.

(3) إذ التفاوت بين أقصر العدد- و هو ستة و عشرون يوما و لحظتين- و بين أطولها- و هو خمسة عشر شهرا- يكون معلوما و مضبوطا بالأيام و الأشهر. بخلاف وقت انقضاء المنفعة بانقراض الموقوف عليه في المقام، فيفسد البيع للغرر.

(4) استدراك على قوله: «إشكال» و غرضه الإشارة إلى القول الثاني، و هو

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 409، و حكاه عن الأصحاب في مفتاح الكرامة عن إيضاح النافع، فراجع ج 9، ص 140

ص: 212

..........

______________________________

ما ذهب إليه جمع في الحبس الذي هو نظير الوقف المنقطع، من: أنّ المالك لو حبس داره لسكنى شخص فيها أي سلّطه على الانتفاع بها مع بقائها على ملكه- سواء قدّر السكنى بعمر نفسه، فيقول: «أسكنتك داري مدة حياتي» أو بعمر الساكن، فيقول: «أسكنتكها مدّة حياتك» جاز له بيع الدار، و ذلك لوجوه تدل على الجواز من القاعدة و النص الخاص و الإجماع.

أمّا الأوّل فهو إطلاق حلّ البيع المقتضي صحته، و انتفاء المانع منه سوى الغرر الناشئ من الجهل بوقت تسليم المنفعة للمشتري، إذ لا سبيل لإحراز مدّة استحقاقها للساكن.

و وجه انتفاء الغرر هو أنّ هذه الجمالة غير قادحة في صحة البيع، إذ الغرر المانع عنها هو ما ينشأ من جهالة العوضين اللّذين هما ركنا المعاملة، أو جهالة أحدهما. و أمّا إذا كان الغرر ناشئا من جهالة غير العوضين لم يكن مانعا عن صحة المعاملة كالمقام، فإنّ الغرر ناش عن الجهالة بمدة حياة الموقوف عليهم، و من المعلوم أنّ هذه الجهالة لا تمنع عن صحة البيع، إذ المبيع معلوم لكلّ من المتعاملين، و الغرر إنّما يكون في منفعتها، للجهل بزمان حياة الساكن. و من الواضح أنّ المنفعة ليست طرفا في المعاوضة.

و هذا نظير شراء البستان المشاهد المعلوم الذي لا يعلم بمقدار عوائده السنوية كما لا يخفى.

و أمّا الثاني فهو معتبرة الحسين بن نعيم عن الإمام الكاظم عليه السّلام حيث سأله أوّلا عن حكم حبس الدار على رجل و على عقبه من بعده، فأجابه عليه السّلام بنفوذه و لزومه، و يستحق المحبوس له و ذريته السكنى فيها. ثم سأله ثانيا عن جواز بيعها، فأجابه بجوازه و عدم مانعية الحبس عن صحة البيع، و لا ينتقض عقد السكنى بالبيع،

ص: 213

- كالمحقق (1) و الشهيدين في المسالك «1» و الدروس «2»

______________________________

و لكن لا تدخل منفعة الدار في ملك المشتري حتى ينقضي السكنى بانقراض الساكن و عقبه.

و المستفاد من تجويزه عليه السّلام للبيع أنّ جهالة وقت تسليم الدار للمشتري لا تمنع عن الصحة إمّا مطلقا، أو في خصوص المورد و نظائره كالوقف المنقطع بعد اتحاده حكما مع الحبس [1]، فلا مانع من بيع الواقف و إن كانت مدة استحقاق الموقوف عليهم مجهولة. و لم يستفصل الإمام عليه السّلام عن أن الحابس يريد بيعها من خصوص الساكن، أو من أجنبي، و مقتضى ترك الاستفصال جوازه مطلقا.

و أمّا الثالث، فهو الإجماع المدّعى في كلام الفاضل المقداد.

و النتيجة: أنه يجوز للواقف البيع، و لا يستحق المشتري استيفاء المنفعة إلّا بعد انقراض الموقوف عليهم.

(1) قال قدّس سرّه: «و لا تبطل- أي السكنى- بالبيع، بل يجب أن يوفى المعمّر ما شرط له» «3».

______________________________

[1] هذا بناء على اتحاد حكم الحبس و المنقطع بإلقاء خصوصية مورد السؤال، و إلّا فيقتصر في العمل بالصحيحة على الحبس، و بها يقيد إطلاق النهي عن بيع الغرر في خصوص دار السكنى. و تبقى شبهة سفهية البيع لو فرض سلب منفعة الدار عشرات السنين كما وردت في كلام السيد العاملي و غيره، فراجع «4».

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 427- 429، و الحاكي عنهم السيد العاملي و صاحب المقابس، لاحظ:

مفتاح الكرامة، ج 9، ص 140، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 65

(2) الدروس الشرعية، ج 2، ص 282

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 225 و نحوه في المختصر النافع، ص 159

(4) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 140، آخر الصفحة

ص: 214

و غيرهم (1)- صحة البيع في السّكنى الموقتة بعمر أحدهما (2)، بل (3) ربما يظهر من محكي التنقيح «1»: الإجماع عليه (4).

و لعلّه (5) إمّا لمنع الغرر، و إمّا للنّص، و هو ما رواه المشايخ الثلاثة- في الصحيح (6) أو الحسن (7)- عن الحسين بن نعيم، قال: «سألت أبا لحسن عليه السّلام عن رجل جعل داره سكنى لرجل زمان حياته، و لعقبه من بعده. قال: هي له و لعقبه من بعده، كما شرط.

______________________________

(1) كأصحاب الكفاية و المفاتيح و الرياض على ما حكاه السيد العاملي عنهم قدّس سرّه «2».

(2) أي: الساكن أو المسكن.

(3) إشارة إلى دليل آخر على الصحة، و الوجه في الإضراب ب «بل» واضح، لأنّ المصرّح بأسمائهم لا يتحقق بهم شهرة فضلا عن الاتفاق، فدعوى الفاضل السيوري قدّس سرّه ترقّ من فتوى تلك العدة إلى إطباق الكلّ عليه.

(4) أي: على الصحة، فالأولى تأنيث الضمير. و إرجاعه إلى «المحكي» لا يخلو عن سماجة.

(5) أي: و لعلّ الصحة لوجود المقتضي و عدم مانعية الغرر. و جملة «إما ...

و إما» خبر «و لعلّه».

(6) بطريق الصدوق قدّس سرّه، لأنه رواه بسنده عن محمد بن أبي عمير عن الحسين بن نعيم، و الإسناد صحيح، و ابن نعيم الصحّاف ثقة.

(7) بسند الكليني و شيخ الطائفة عنه، لأنه رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 336، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 139

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 140، و لاحظ: كفاية الأحكام، ص 143؛ مفاتيح الشرائع، ج 3، ص 220؛ رياض المسائل، ج 10، ص 191- 192

ص: 215

قلت: فإن احتاج إلى بيعها؟ قال: نعم. قلت: فينقض البيع السكنى؟

قال: لا ينقض البيع السكنى. كذلك سمعت أبي يقول: قال أبو جعفر عليه السّلام لا ينقض البيع الإجارة و لا السكنى، و لكن يبيعه على أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشتراه حتى ينقضي السكنى على ما شرط ...» الخبر (1).

و مع ذلك (2) فقد توقّف في المسألة العلّامة (3)

______________________________

عن ابن أبي عمير. و عدّه حسنا لمكان إبراهيم بن هاشم. و إن تقرّر- في محلّه- وثاقته.

(1) تتمّة الخبر هو: «و كذلك الإجارة. قلت: فإن ردّ على المستأجر ماله و جميع ما لزمه من النفقة و العمارة فيما استأجر؟ قال: على طيبة النفس، و يرضى المستأجر بذلك لا بأس» «1».

(2) أي: و مع عدم مانعية الغرر- و وجود النص على جواز البيع و دعوى الإجماع عليه- فقد توقّف العلّامة و غيره، و من المعلوم أنّ هذا التوقف يقدح في الإجماع، فليست صحة البيع في السكنى الموقتة بعمر الساكن أو المالك مسلّمة حتى تكون نقضا بما هو مسلّم عند الأصحاب، و تكون وجها لصحة بيع الواقف للوقف المنقطع.

(3) يعني: في بعض كتبه كالقواعد و المختلف و موضع من التذكرة «2»، و إلّا فنسبة التوقف إلى العلّامة بقول مطلق لا تخلو من شي ء، لدلالة قوله في الإرشاد:

«و لا يبطل بالبيع» على الجواز و كذا في موضع من التذكرة، و رجّح في التحرير

______________________________

(1) الكافي، ج 7، ص 38، الحديث: 38؛ من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 251، الحديث: 5595؛ التهذيب، ج 9، ص 141؛ الإستبصار، ج 4، ص 104، الباب 65 (باب السكنى و العمرى) الحديث: 4 عنها: وسائل الشيعة، ج 13، ص 267، الباب 24 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث: 3

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 403؛ مختلف الشيعة، ج 6، ص 336؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 451، السطر 20 و 21 (الحجرية)

ص: 216

و ولده (1) و المحقق الثاني (2).

و لو باعه (3) من الموقوف عليه

______________________________

المنع، لقوله: «الأقرب أنه لا يجوز البيع» «1».

و لعلّ المصنف قدّس سرّه اعتمد على حكاية فخر المحققين قدّس سرّه من قوله: «قال والدي دام ظله: لا افتي فيها بشي ء» فإنّه موهم لتوقفه في المسألة في جميع كتبه.

(1) قال: «و عندي في هذه المسألة إشكال» «2».

(2) قال بعد نقل وجهي الإشكال: «و للنظر في كلّ من الطرفين مجال» «3».

هذا تمام الكلام في الصورة الاولى، و هي أن يبيع الواقف الوقف المنقطع من أجنبي. و ظاهر المصنف ترجيح المنع.

(3) أي: لو باع الواقف الوقف المنقطع من الموقوف عليه، و هذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة في (ص 210). و فيها و جهان بل قولان، أحدهما الجواز، و الآخر المنع.

و استظهر المصنف قدّس سرّه الجواز أوّلا، لوجود المقتضى و هو الملك، و فقد المانع، إذ ما يتصور كونه مانعا هو الغرر، بتقريب: أن منفعة العين تنقسم- باعتبار اختصاصها بالموقوف عليه- إلى قسمين، فقسم منها مملوكة له، و هي مدة حياته، و قسم منها مملوكة للواقف، و هي ما بعد انقراض الموقوف عليه، من جهة تبعيتها لملك العين، و حيث إن مدّة حياة الموقوف عليه مجهولة فلم يعلم مقدار المنفعة التي يتملكها المشتري بالبيع، فيبطل.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 140؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 456. لكن نفى صاحب المقابس ظهور عبارة الإرشاد في جواز البيع فضلا عن صراحته فيه، و إن نسبه إليه جمع منهم العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار، ج 14، ص 424

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 409

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 125

ص: 217

المختصّ بمنفعة (1) الوقف، فالظاهر جوازه، لعدم الغرر.

و يحتمل العدم (2)، لأنّ معرفة المجموع المركّب من ملك البائع و حقّ

______________________________

و نفى المصنف قدّس سرّه شبهة الغرر هنا، و وجهه: أنّ ما يعتبر العلم به في صحة البيع- و هو العلم بالمبيع ذاتا و صفة- حاصل، و الجهل بخصوصية المنفعة و إن كان محقّقا، لكنه غير قادح في صحته، و لذا جوّزوا بيع الشاة ذات اللبن مع الجهل بقدر ما يحلب منها.

و في المقام لمّا كانت المنفعة مملوكة للموقوف عليه قبل شراء الرقبة و بعده، لم يقدح الجهل بمدّة حياته- المستتبع للجهل بزمان تملك المنفعة بتبعيتها لملك الرقبة- في صحة البيع. نعم لو كان المشتري أجنبيا غير مستحق للمنفعة كان تملك العين مسلوبة الفائدة مدّة غير مضبوطة موجبا لثبوت الخيار له بين الإمضاء و الفسخ- في صورة الجهل- دفعا للضرر.

و هذا القول نقله صاحب المقابس قدّس سرّه عن الفاضل الصيمري حاكيا له عن مشايخه في بيع العين المحبوسة على المحبوس عليه و المعمّر، و استحسنه. فراجع «1».

(1) هذه الكلمة ظاهرة في أن الموقوف عليه مختص بالمنفعة لا بالانتفاع، و لذا يجوز له تفويضها إلى الغير، كما سيأتي.

(2) أي: عدم الجواز، و هذا ثاني الوجهين، و تقدم تقريب الغرر آنفا، و المقصود سراية الجهالة من المنفعة المملوكة للواقف إلى المبيع، بدعوى كونها موزّعة على الواقف و الموقوف عليه، و لم يعلم حصة كل منهما منها، فالعين و إن كانت معلومة، إلا أن مقدارا من المنافع تابعة لها و منضمة إليها، و حيث إن هذه الضميمة مجهولة المقدار سرى الجهل إلى المبيع من حيث المجموع، فيبطل بيعه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 65

ص: 218

المشتري لا يوجب معرفة المبيع (1).

و كذا (2) لو باعه ممّن (3) انتقل إليه حقّ الموقوف عليه.

نعم (4)، لو انتقل إلى الواقف ثم باع صحّ جزما.

و أمّا (5) مجرّد رضا الموقوف عليهم، فلا يجوّز البيع من الأجنبي، لأنّ

______________________________

(1) فيصر مجهولا فيبطل البيع.

لكن فيه ما تقدم في تقريب عدم الغرر في بيع السكنى الموقتة بعمر أحدهما، فإن مقتضاه صحة البيع من الموقوف عليهم و غيرهم، إذ الغرر الناشئ في المنفعة من الجهل بمدة الحياة ليس مانعا عن البيع، لعدم كونه في شي ء من العوضين.

(2) يعني: أن الظاهر جواز البيع كما يحتمل عدمه.

و هذا إشارة إلى الصورة الثالثة، و هي ما إذا انتقل حق الموقوف عليه- بالصلح- إلى أجنبي، فصار هو المستحق للمنفعة، ثم اشترى الموقوفة. و الوجه في جواز البيع وجود المقتضي و فقد المانع، كما تقدم في الصورة الثانية.

(3) ليس المراد بمن انتقل إليه الحق البطن اللاحق للموقوف عليه، إذ لو كان كذلك لم يصح التعبير بالانتقال، لأنّه يتلقّى ملك المنفعة من الواقف بمجرد انقضاء من قبله.

(4) ظاهره الاستدراك على قوله: «فالظاهر جوازه» يعني: أن احتمال منع البيع المتطرق في الصورة الثانية و الثالثة لا مجال لها في الصورة الرابعة، و هي التي ينتقل حق الموقوف عليه إلى الواقف. و منشأ الجزم بالصحة كون المنفعة بتمامها ملكا له حال البيع، فلا يبقى منشأ لشبهة الغرر من جهة تبعض المنفعة- بين الواقف و الموقوف عليه- في فترة من الزمان.

(5) هذا كالاستدراك على قوله: «صحّ جزما» و تمهيد للنظر في ما حكاه صاحب المقابس عن الفاضل المقداد قدّس سرّهما. و توضيحه: أنّه لمّا جزم المصنف قدّس سرّه بصحة بيع الواقف بعد انتقال حق الموقوف عليهم إليه، اتّجه السؤال بأنّ المعتبر في صحة بيع

ص: 219

المنفعة مال (1) لهم، فلا تنتقل (2) إلى المشتري بلا عوض.

______________________________

الواقف هل هو الصلح على المنفعة التي هي حقّ للموقوف عليهم كي ينتقل إليه، فيكون المبيع- عينا و منفعة- مملوكا له، أم أنّه يكفي إذن الموقوف عليهم في صحة تصرفات الواقف و إن لم تدخل المنفعة في ملكه؟

اختار شيخنا الأعظم الأوّل، مستدلّا عليه بما حاصله: أنّ المقصود من بيع الواقف انتقال العين بجميع منافعها إلى المشتري لئلّا يلزم الغرر.

لكن إذن الموقوف عليه لهذا البيع مشكل، سواء أ كان المأذون فيه بيع العين أو المنفعة. أمّا الإذن في بيع العين، فلا معنى له، لكونها ملكا للواقف. و أمّا الرضا بنقل المنافع إلى المشتري فلا معنى له أيضا، و ذلك لأنّ انتقالها إليه لا بدّ أن يكون بعقد ناقل لها و هو الإجارة و الصلح المفيد فائدتها، و المفروض عدم تحقق شي ء منهما.

و معه لا موجب لتملّك المشتري للمنفعة المختصة بالموقوف عليهم، و يكون المنتقل إليه هو العين المسلوبة منفعتها.

نعم، يمكن تصحيح انتقال المنفعة إلى المشتري بأحد وجهين سيأتي بيانهما.

(1) مراده قدّس سرّه من كون المنفعة مالا للموقوف عليهم هو عدم قبولها للانتقال إلى المشتري بلا عوض، فيتوقف تملكها على نواقل المنفعة. و ليس المراد أنّ هذه المنفعة الخاصة مال غير قابل للدخول في ملك الغير. و ذلك لأنّ شأن المال- بما هو مال- ليس عدم الانتقال إلى الغير بلا عوض، فالهبة و الصلح المفيد فائدتها ناقلان للمال، و المفروض عدم تحقق ناقل المنفعة بعد.

(2) يعني: أنّ المنفعة لا تنتقل إلى المشتري، لأن البيع تمليك العين لا تمليك المنفعة، بل المنفعة تملك في البيع بتبعية العين، و المفروض فقدان قاعدة التبعية هنا، إذ المنفعة ملك لغير مالك العين، فلا تجري فيها قاعدة التبعية. فرضا الموقوف عليهم- لو أثّر- يصحّح البيع بالنسبة إلى نفس العين، فتنتقل العين مسلوبة المنفعة إلى المشتري، و انتقال المنفعة إليه منوط بناقل آخر، و لم يتحقق بعد.

ص: 220

اللّهم إلّا أن يكون على وجه الإسقاط (1) لو (2) صحّحناه منهم.

______________________________

(1) هذا أحد الوجهين المصحّحين لبيع الواقف مع عدم انتقال حق الموقوف عليهم إليه قبله، و محصّله: أن يكون إذن الموقوف عليهم إسقاطا لحق الانتفاع بالموقوفة، لأن لكل ذي حق إسقاط حقه، و مع هذا الإسقاط يخلص المال للموقوف عليه عينا و منفعة، فلا جهل و لا غرر في البين، و يصح بيعه حينئذ، و يكون تمام الثمن له.

و يستفاد قابلية المنفعة المملوكة للإسقاط من صاحب المقابس قدّس سرّه، لقوله:

«فإنّ المنفعة مملوكة للمحبوس عليه قطعا، و يجوز المعاوضة عليها بشرائطها. و حينئذ فيجوز إسقاطها قطعا» «1».

و لكن يردّه امتناع إسقاط المنفعة، إذ القابل للإسقاط- مع العوض أو بدونه- هو مقولة الحق المقابل للملك، كحق الخيار و الشفعة و التحجير. و أمّا الملك- عينا كان أو منفعة- فنقله إلى الغير يكون بالنواقل الشرعية المعهودة.

فإن كان موجودا خارجا صحّ نقله إلى الغير بالهبة المختصة بتمليك الأعيان.

و إن كان كليّا ذميّا كالديون كان قابلا للإبراء الذي لم يستبعد المصنف قدّس سرّه في أوّل البيع كونه تمليكا.

و إن كان منفعة- كالمقام- انتقلت إلى الغير بالإجارة و الصلح المفيد فائدتها.

و على هذا فلا يكون إذن الموقوف عليهم في البيع إسقاطا للمنفعة المملوكة كما لا يكون تمليكا لها للمشتري، لعدم السبب المملّك من إجارة أو صلح. و نتيجته كون بيع الواقف تمليكا للعين مجرّدا عن المنفعة، و يعود محذور الغرر حينئذ.

(2) يعني: لو صحّحنا الإسقاط منهم، و غرضه التأمل في المصحّح الأوّل.

و تقدم آنفا عدم قابلية المنفعة للإسقاط، و أنّ انتقالها يكون بالناقل المملّك.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66، و كذا عبّر بالإسقاط في ص 65، فراجع.

ص: 221

أو يكون (1) المعاملة مركّبة من نقل العين من طرف الواقف، و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم، فيكون العوض موزّعا عليهما (2).

______________________________

و لعلّ وجه التأمل: أنّ المنفعة إذا كانت ملكا للموقوف عليهم فإسقاطها إعراض عن ملكيتها، و خروج المال عن الملكية يسبب الإعراض محل الإشكال.

نعم، إذا كان للموقوف عليهم حقّ الانتفاع بالعين الموقوفة من دون أن يكونوا مالكين للمنفعة فلإسقاط حقّهم مجال.

(1) معطوف على «يكون» و هذا ثاني وجهي التصحيح، و حاصله: أن يكون بيع الواقف للموقوفة- مع رضا الموقوف عليهم- معاملة مركّبة من تمليك العين من قبل نفسه، و تمليك المنفعة من طرف الموقوف عليهم، بحيث يكون كلاهما مصبّ العقد، و تصير المنفعة كالعين معوّضا، و يكون الثمن مبذولا بازائهما معا.

و بعبارة اخرى: تكون المنفعة حينئذ في عرض العين في مقام إنشاء المعاملة، و تعلق القصد بتمليك كلّ منهما.

لكن لمّا لم يكن في العقود المعاوضية المعهودة ما ينقل به العين و المنفعة معا، كان الإنشاء القابل لنقلهما منحصرا في الصلح، فالواقف يصالح على العين- أصالة- ببعض العوض، و على مقدار من المنفعة- وكالة عن الموقوف عليه- ببعضه الآخر.

و هذا الوجه نقله صاحب المقابس و غيره عن الشهيد الثاني قدّس سرّه، لقوله:

«و ليس ببعيد جواز الصلح عليها- أي على المنفعة- لاحتماله من الجهالة ما لا يحتمله البيع، و صحته على العين و المنفعة. فعلى هذا لو كان مشتري العين غيره- أي غير الموقوف عليه- و جوّزناه، جاز له أن يصالح المشتري على تلك المنفعة المستحقة له مدة عمره بمال معلوم، و يصير المشتري حينئذ مالكا للجميع، كما لو كان هو المعمر» «1».

(2) أي: على الواقف و الموقوف عليهم، و تثنية الضمير باعتبار الطرفين،

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 430؛ المقابس، ص 65- 66

ص: 222

و لا بدّ أن يكون ذلك على وجه الصلح، لأنّ غيره (1) لا يتضمّن نقل العين و المنفعة كليهما، خصوصا (2) مع جهالة المنفعة [1].

و ممّا ذكرنا (3) يظهر وجه التأمّل فيما حكي عن التنقيح: من «أنّه لو اتّفق

______________________________

لا أشخاص الموقوف عليهم.

(1) أي: غير الصلح لا يتضمّن نقلهما معا، لوضوح كون البيع ناقلا للأعيان، و الإجارة للمنافع، و هكذا غيرهما.

(2) يعني: أنّ جهالة المنفعة مانع آخر، فإنّ الإنشاء المتضمن لنقل العين و المنفعة معا بنحو العرضية لا يكون بيعا، لما عرفت من أنّه تمليك للعين.

مضافا إلى: أنّ جهالة المنفعة مانعة عن صحة الإنشاء البيعي. فينحصر التخلص- من جهتي المنع- في الإنشاء بعنوان الصلح.

(3) يعني: و من عدم جواز نقل العين و المنفعة بإنشاء واحد غير الصلح- و عدم كفاية مجرد رضا الموقوف عليهم ببيع العين- يظهر وجه التأمّل فيما حكاه صاحب المقابس عن الفاضل المقداد قدّس سرّهما من تجويز بيع الوقف المنقطع عند توافق الواقف و الموقوف عليه.

______________________________

[1] قد يورد على هذه الخصوصية بأنّ المحذور أمر واحد، و هو جهالة المنفعة، فلو كانت معلومة أمكن نقل العين و منافعها بإنشاء واحد، بأن يبيع العين بمنافعها، فيفيد فائدة البيع بالنسبة إلى العين، و فائدة الإجارة بالنسبة إلى المنفعة.

و المانع عن هذا البيع هو الجهل بقدر المنفعة.

و الحاصل: أن التعبير ب «خصوصا» ظاهر في تعدد جهة الإشكال، أوّلهما:

فقد العقد الناقل للعين و المنفعة، و ثانيهما: الجهالة، مع أن المحذور هو الجهالة فحسب «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 276

ص: 223

الواقف و الموقوف عليه على البيع في المنقطع جاز»

______________________________

قال المحقق الشوشتري: «و أمّا السيوري فجوّز بيع الموقوف عليه إذا اتفق على ذلك مع الواقف أو وارثه، معلّلا بأنّه باق على ملك الواقف و وارثه. و الظاهر اعتبر الاتفاق لجواز بيع الموقوف عليه. و أمّا الواقف فلا يتوقف بيعه على إذن الموقوف عليه، إلّا إذا جعل المنافع داخلة- أي منضمة إلى العين- فيتوقّف من هذه الجهة. و قد صرّح هو في السكنى بأنّه إن أسكنه مطلقا كان بيع المالك رجوعا. و إن كان موقّتا لم يجز رجوع المالك في المنفعة الموقتة ... بل إن كان المشتري عالما لزم البيع ... و إلّا تخيّر بين الصبر و الفسخ» «1».

و محصل كلام التنقيح في بيع الوقف المنقطع جواز بيع كلّ من الواقف و الموقوف عليه برضا الآخر، لكون الأوّل مالكا للعين، و الآخر للمنفعة. و استظهر المحقق الشوشتري منه أن مقصوده إناطة جواز بيع الموقوف عليه برضا الواقف. و أما بيع الواقف فلا يعتبر فيه إذن الموقوف عليه. و استشهد بكلامه في باب السكنى من جواز تصدّي المسكن للبيع و صحته، و إن كان خياريا في فرض جهل المشتري.

و لا فرق في منع البيع بين الاحتمالين، و هما: أن يكون مقصوده إناطة بيع الموقوف عليه برضا الواقف، و أن يكون مراده توقف بيع الواقف على إذن الموقوف عليه. و الوجه في عدم الفرق ما تقدم في (ص 211) من أن بيع الموقوفة لا يتكفّل نقل المنفعة المملوكة إلى المشتري، و حيث إنه لا ناقل آخر للمنفعة فتبقى في ملك الموقوف عليهم، و يعود محذور الغرر.

نعم، يتجه ما أفاده الفاضل المقداد قدّس سرّه- من جواز البيع- بتسليم أمرين:

أحدهما: أن يكون عقد السكنى مفيدا لإباحة الانتفاع و السلطنة عليه، لا تمليك المنفعة. و لعلّه لهذا ذهب الأكثر إلى أنه لا يجوز للساكن إجارة الدار التي

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 65؛ التنقيح الرائع، ج 2، ص 329- 330، و لاحظ باب السكنى، ص 336

ص: 224

سواء (1) أراد بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه، كما يدلّ عليه (2) كلامه المحكيّ عنه في مسألة السّكنى،

______________________________

جعل له سكناها، إذ لو كان مدلول الإنشاء جعل منفعة الدار- و هي طبيعي السكنى فيها- للساكن من دون لحاظ قيامها بشخصه لزم صحة إيجارها.

ثانيهما: أن يكون ثمرة الوقف المنقطع مجرد حق الانتفاع بالعين، فلم ينتقل إليه العين و لا المنفعة.

فإن تمّ الأمران اتجه جواز بيع الموقوفة، لأن رضا الموقوف عليه إسقاط لحقّ انتفاعه، و من المعلوم أن لكل ذي حق إسقاط حقه، فيزول تعلق الموقوف عليه بالوقف، و يجوز للواقف بيعه حينئذ، لصيرورته ملكا خالصا له.

لكنّ في قابلية حق الانتفاع للإسقاط تأمّلا سيأتي.

(1) يعني: يعني: أن للتأمل في كلام التنقيح مجالا، سواء أ كان مقصوده بيع الواقف مع رضا الموقوف عليه، أم بيع الموقوف عليه مع رضا الواقف.

(2) يحتمل في مرجع هذا الضمير و جهان:

الأوّل: ما أفاده العلّامة الشهيدي قدّس سرّه «1» من أنه «تجويز البيع عند اتفاق الواقف و الموقوف عليه. و لعلّ نظره في موضع الدلالة إلى قوله- أي: قول الفاضل المقداد قدّس سرّه: و لو من دون نظر مالك الانتفاع أو المنفعة، حيث إنّه يدل على جواز البيع مع رضا الواقف و الموقوف عليه بطريق أولى».

و وجه الأولوية: أنّ جواز البيع مع استقلال مالك العين- و عدم رضا الموقوف عليهم- يدلّ على جوازه مع رضا مالك المنفعة أو الانتفاع بطريق أولى.

و بناء على هذا يكون مقصود المصنف قدّس سرّه من الاستشهاد بعبارة التنقيح تثبيت ما نسبه إليه من جواز البيع، بلا نظر إلى خصوصية كون البائع هو الواقف أو الموقوف عليه.

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 358

ص: 225

حيث (1) أجاز استقلال مالك العين بالبيع و لو (2) من دون رضا مالك الانتفاع أو المنفعة.

نعم (3) لو كان للموقوف عليه

______________________________

الثاني: ما يخطر بالبال من أنّ مرجع الضمير «كون البائع هو الموقوف عليه» فكأنّ المصنف ساق كلامه هكذا: «سواء أراد التنقيح بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه، و إن كان الظاهر أنه أراد بيع الموقوف عليه. و يدل على هذا الظهور كلامه في باب السكنى». و بناء على هذا الاحتمال يكون المصنف موافقا لصاحب المقابس قدّس سرّه في ما استظهره من عبارة التنقيح.

و لعلّ هذا الاحتمال أنسب بما أفاده الفاضل المقداد قدّس سرّه في شرح قول المحقق:

«و لو باع المالك الأصل لم تبطل السكنى» من أنّ مفروض الكلام هو بيع المالك لا الساكن، حيث قال: «بخلاف الأوّل- أي كون السكنى مؤقتة بأمد- فإن الساكن ملك منفعة العين بالعقد، ثم المشتري إن كان عالما فلا خيار له، و وجب عليه الصبر، و إلّا تخيّر بين الفسخ و الصبر، و هو إجماع ...» «1» فإنّ المفهوم من هذا الكلام أنّ من يتوقف بيعه على الرضا هو الساكن لا المسكن. فليكن الأمر كذلك في الوقف المنقطع.

(1) هذا موضع الاستظهار من كلام التنقيح.

(2) يستفاد هذا الإطلاق من عدم تقييد جواز بيع المالك بكونه عن رضا الساكن.

(3) استدراك على قوله: «يظهر وجه التأمل» و غرضه توجيه كلام الفاضل السيوري، و تقدم توضيحه بقولنا: «نعم يتجه ما أفاده الفاضل المقداد ...» فلاحظ (ص 224).

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 336

ص: 226

حقّ الانتفاع (1) من دون تملّك للمنفعة- كما في السكنى على قول (2)- صحّ (3) ما ذكره، لإمكان سقوط الحقّ بالإسقاط، بخلاف المال (4)، فتأمّل (5).

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الأمر الثاني المتقدم بقولنا: «ثانيهما: أن يكون ثمرة الوقف المنقطع ... الخ».

(2) لعلّ نظره قدّس سرّه إلى ما عزاه صاحب المقابس إلى ظاهر الشيخ و القاضي، بل الأكثر، من أن فائدة عقد السكنى هو ملك الانتفاع بالسكنى و نحوها- لا ملك المنفعة كما اختاره الحلّي، و لذا جوّز للساكن إيجار دار السكنى «1»- فقال في الإيراد على جواز الصلح عليه- كما تقدّم في (ص 222) عن المسالك- ما لفظه: «و لا يخفى أنّه إن كان مالكا للانتفاع بالسّكنى و نحوها- لا المنفعة- ففي جواز المعاوضة عليه نظر، لأنّها تختص بالعين و المنافع. نعم يجوز إسقاط الحق و لو بعد أن يبذل له شي ء لذلك، كما يجوز إسقاط الخيار و الشفعة .... و إن كان مالكا للمنفعة كما هو اختيار الحلّي صحّ ما ذكره» «2».

(3) جواب الشرط في «لو كان» أي: صحّ ما ذكره صاحب التنقيح من جواز بيع الوقف المنقطع بالرضا.

(4) المراد به المنفعة، فإنّها كالعين مملوكة، و نقلها إلى الغير بالإجارة و الصلح، لا بالإسقاط. فالأولى- كما افيد- تبديل المال بالملك، إذ لا ريب في صدق «المال» على بعض الحقوق كحق التحجير، و لذا يجوز المصالحة عليه بعوض.

لكن لا يبعد أن يكون المال هو الملك، بناء على ما تقدم في أوّل البيع من التأمل في صدق المال على الحقوق مطلقا حتى ما يقبل النقل و الانتقال «3».

(5) لعلّه إشارة إلى: إمكان دعوى عدم سقوط حق انتفاع الموقوف عليهم

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 169

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66

(3) راجع هدى الطالب، ج 1، ص 109

ص: 227

و تمام الكلام في هذا المسائل (1) في باب السكنى و الحبس إن شاء اللّه تعالى.

و على الثاني (2): فلا يجوز البيع للواقف، لعدم الملك، و لا للموقوف عليه لاعتبار الواقف بقاءه في يدهم إلى انقراضهم (3).

______________________________

بالإسقاط، لعدم كون سقوطه بالإسقاط لازما مساويا للحق، فيمكن أن يكون حقّا غير قابل للإسقاط كحق الولاية و الحضانة. و إن أبيت إلّا عن ملازمة الحق للسقوط بالإسقاط فلا مانع من تسميته بالحكم.

و على كل حال فلم يثبت سقوطه بالإسقاط لو لم يثبت عدم سقوطه به.

و الشك فيه مجرى استصحاب بقائه، فلاحظ و تأمل.

(1) مثل: كون أثر السكنى ملك المنفعة، أو ملك الانتفاع، أو التسليط على الانتفاع كما في العارية. و: أن المجعول لو كان حقّ الانتفاع فهل هو من الحقوق القابلة للإسقاط أم لا؟

و: هل يجوز للمالك المسكن الاستقلال بالبيع، أم يلزم الاستيذان من الساكن؟

هذا تمام الكلام في حكم بيع الوقف المنقطع بناء على القول ببقائه على ملك الواقف.

(2) معطوف على قوله في (ص 209): «فعلى الأوّل» و المراد بالثاني هو انتقال المال- بالملك المستقر- إلى الموقوف عليهم.

و حاصل ما أفاده: عدم جواز بيعه، لا للواقف، لانتفاء المقتضي، و هو الملك، و من المعلوم أنه لا بيع إلّا في ملك. و لا للموقوف عليه، فإنّ الوقف و إن كان ملكا له لكنه ليس طلقا، و ذلك للزوم مراعاة ما أنشأه الواقف كون العين مملوكة للموقوف عليهم إلى زمان الانقراض، ثم انتقالها إلى ورثتهم بالإرث، و صيرورتها ملكا طلقا لهم. و لا ريب في منافاة البيع لهذا المنشأ.

(3) يعني: فلا يكون ملكا طلقا للموقوف عليهم حتى يجوز بيعه.

هذا بناء على بعض كلمات المصنف في الوقف المؤبّد من كون منع البيع من

ص: 228

و على الثالث (1): فلا يجوز البيع للموقوف عليه و إن أجاز الواقف،

______________________________

اعتبارات الواقف الممضاة شرعا.

و أمّا بناء على ما تكرّر منه من عدم دخل منع البيع في حقيقة الوقف، بل هو أمر اعتبره الشارع تعبدا، فقد يشكل ما أفاده هنا من لزوم رعاية مجعول الواقف.

(1) معطوف أيضا على قوله: «فعلى الأوّل» و المراد بالثالث تملك الموقوف عليه موقّتا ببقائه، و انتقال الوقف بعد الانقراض إلى الواقف.

و محصّل ما أفاده قدّس سرّه: أنه لا يجوز البيع أصلا. أما عدم جوازه للموقوف عليه فلأنه و إن كان مالكا فعلا، إلا أن الواقف اشترط بقاء العين في يده لانتفاعه بها و رجوعها إليه بعد الانقراض.

و لا فرق في منع البيع بين إجازة الواقف له، و عدمه. أما مع عدم الإجازة فواضح. و أمّا معها فلعدم العبرة بها من جهة منافاة الإجازة لما اعتبره في إنشاء الوقف و أمضاه الشارع من كونه أجنبيا عن الموقوفة مدّة حياة الموقوف عليه.

و أما عدم جوازه للواقف فلعدم الملك فعلا، سواء أجاز المالك الفعلي و هو الموقوف عليه أم لا. أما مع عدم الإجازة فواضح، و أمّا مع الإجازة فلعدم سلطنته على بيع المال، فلا يكون أهلا للإجازة، و إن كان مالكا بالفعل، ضرورة كون الملكية الحاصلة بالوقف غير قابلة للانتقال إلى غير الموقوف عليه حتى يتمشى منه إنفاد بيع الواقف.

نعم، بناء على الالتزام بصحة البيع في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه»- المتقدمة في بيع الفضول- يمكن القول بصحة بيع الواقف هنا، فإنّه و إن لم يكن مالكا للموقوفة حال حياة الموقوف عليه، فيكون فضوليا، إلّا أنه يوصف بالصحة و اللزوم بعد انقراض الموقوف عليه، و انتقال المال إليه، لفرض عدم اشتراط البيع الفضولي بوجود مجيز حال العقد على مال الغير، و كفاية وجوده حال الإجازة.

ص: 229

لمنافاته (1) لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين. كما لا يجوز (2) للواقف غير المالك فعلا و إن أجاز الموقوف عليه، إلّا (3) إذا جوّزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال، بناء على أنّ الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة، لعدم تسلّطه على النقل (4)، فإذا انقرض الموقوف عليه و ملكه الواقف لزم البيع (5) [1].

ثمّ إنّه (6)

______________________________

(1) يعني: أن بيع الموقوف عليه ينافي ما اعتبره الواقف من بقاء العين.

(2) أي: لا يجوز البيع، و تقدم وجهه بقولنا: «و أما عدم جوازه للواقف فلعدم ... الخ».

(3) هذا استثناء من عدم جواز البيع للواقف، و تقدم بقولنا: «نعم بناء على الالتزام بصحة البيع في مسألة ... الخ».

(4) أي: لعدم تسلط الموقوف عليه على إجازة البيع و التصرفات الناقلة، بمقتضى إنشاء الواقف.

(5) كما يلزم البيع في سائر موارد «من باع ثم ملك» بناء على القول بالصحة كما إذا باع زيد مال عمرو ثم تملكه منه بالشراء أو بالإرث، فراجع «1».

(6) توضيحه: أنه نسب إلى القاضي ابن البراج قدّس سرّه فتويان:

______________________________

[1] قد يقال: بعدم الجواز هنا و إن جوّزنا بيع ملك الغير مع عدم مجيز له حال العقد، لعموم أدلة المنع عن بيع الوقف. هذا.

لكنه غير ظاهر، لأنّ أدلة المنع لا تخرج الوقف عن صلاحيته للبيع كالخمر و الخنزير، بل تدل على مانعية الوقف، و لذا يصح البيع بارتفاع هذا المانع.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 242 و ما بعدها

ص: 230

..........

______________________________

إحداهما: بقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف، و رجوعه بعد الانقراض إلى الواقف أو ورثته.

و الاخرى: جواز البيع للموقوف عليه في مورد وجود المسوّغ.

و أورد المحقق الشوشتري قدّس سرّه عليه بالتنافي بين الفتويين، لتوقف جواز بيع الموقوف عليه على كونه مالكا للموقوفة، و مع فرض بقائها على ملك الواقف لا سلطنة لغيره على البيع، فكيف جاز للموقوف عليه؟

قال في المقابس: «و قد وافق القاضي على رجوعه بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف و ورثته، و حكم مع ذلك بصحة بيع الوقف في جملة من الصور المذكورة، و صرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ... و هذا عجيب منه، لأنّ الوقف المؤبّد مملوك للموقوف عليه الموجود، و ما عداه معدوم، فلجواز البيع حينئذ وجه، لانحصار المالك الموجود في البائع. و أمّا المنقطع فليس ملكا له، و المالك الموجود غيره، فلا وجه لصحة البيع حينئذ. و الذي يظهر منهم في مسائل السكنى و توابعها عدم جواز بيع المحبوس عليه أصلا ...» «1».

و محصل استعجاب صاحب المقابس منه هو: أن الوقف المنقطع يكون كالحبس باقيا على ملك الواقف، كبقاء المحبوس على ملك الحابس. و مع عدم دخوله في ملك الموقوف عليهم لا مقتضي للبيع، فلا معنى لتجويزه.

و ذبّ المصنف عن مقالة القاضي قدّس سرّهما باحتمال أن يكون مسلكه في المسألة الأولى- و هي من يملك الوقف المنقطع- مالكية الموقوف عليهم للموقوفة ماداميّا و محدودا بالانقراض، لا مجرّد ملكية المنفعة أو الانتفاع كما التزموا به في الحبس.

فالفرق- بنظر ابن البرّاج- بين الوقف المنقطع و الحبس هو صيرورة الوقف ملكا لأهله، دون المحبوس الباقي على ملك الحابس.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64؛ المهذب، ج 2، ص 92

ص: 231

قد اورد (1) على القاضي قدّس سرّه حيث جوّز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع مع قوله ببقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف.

و يمكن دفع التنافي بكونه (2) [1] قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة،

______________________________

و على هذا فلا يترتب على تجويز البيع للموقوف عليهم محذور، و ذلك لوجود المقتضي و هو الملك المؤقت، و فقد المانع، إذ المانع هو الوقفية، و المفروض عدم مانعيتها، لفرض طروء المسوّغ.

نعم قد يشكل هذا الذّب بتوقفه على التزام القاضي قدّس سرّه بأن مالك الوقف المنقطع هو الموقوف عليه لا الواقف، فإن احرز تمّ التوجيه، و إلّا لم يتم، و يتجه إيراد صاحب المقابس عليه حينئذ.

(1) الوارد هو التنافي و التهافت بين الفتويين، فلو قيل «اورد بالتنافي» كان أولى، و إن كان حذف ما يعلم بقرينة «دفع التنافي» جائزا.

و كيف كان فقد تقدم توضيح التنافي بقولنا: «و أورد المحقق الشوشتري قدّس سرّه عليه بالتنافي ...».

(2) أي: بكون ابن البراج قدّس سرّه قائلا بالوجه الثالث الذي هو مورد الكلام فعلا،

______________________________

[1] هذا عين الالتزام بالتنافي لا دفع له إن كان القاضي قائلا بجواز البيع للموقوف عليهم مع بقاء الوقف على ملك الواقف. و لا يندفع هذا التنافي برفع اليد عن المبنى.

نعم يندفع لأجل عدم الموضوع للتنافي. و لعل المراد بيع الموقوف عليهم برضا الواقف. نظير ما ذكره في التنقيح على ما عرفت. و هذا و إن كان خلاف الظاهر، لكنه أولى من توجيه المصنف.

و عليه فإيراد صاحب المقابس مبني على مالكية الواقف، و تنظر المصنف قدّس سرّه فيه مبني على مالكية الموقوف عليه، فلم يردا على مورد واحد، و إلّا فكلاهما يمنعان البيع على الأوّل، و يجوّزانه على الثاني، و مثله أشبه بالنزاع اللفظي.

ص: 232

و هو ملك الموقوف عليهم، ثم عوده (1) إلى الواقف. إلّا أن الكلام في ثبوت هذا القول (2) بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع، و يتّضح ذلك (3) بمراجعة المسألة في كتاب الوقف (4).

و على الرابع (5):

______________________________

و لأجل هذا الاحتمال ناسب التعرض لكلامه و للإيراد عليه في هذا القسم الثالث.

(1) التعبير بالعود إلى الواقف هو منشأ الإيراد و دفعه. أما كونه منشأ الإيراد فلأنّ صاحب المقابس استفاد منه عود منافعها إلى ورثة الواقف، و معناه عدم انتقال نفس العين، و إنّما خرجت منافعها بالوقف عن ملكه، فيكون كالحبس. و هذا قول الأكثر كما في المسالك. و التعبير بالعود و الرجوع حينئذ مسامحة كما نبّه عليها المحقق الثاني قدّس سرّه «1» و استحسنها السيد العاملي قدّس سرّه «2».

و أما كونه منشئا للدفع فلأنّ المصنف احتمل إرادة رجوع العين و منافعها معا إلى الواقف بعد انقراض الموقوف عليهم لينطبق على القسم الثالث، كما تقدم الإشارة إلى الأقوال في (ص 205- 206).

(2) أي: القول بتملّك الموقوف عليه للعين في الوقف المنقطع، و الظاهر ثبوت هذا القول، و إن لم تكن المسألة صافية من الإشكال.

(3) أي: ثبوت القول بمالكية الموقوف عليه يتّضح بالمراجعة إلى كتاب الوقف.

(4) مثل ما في المسالك و الجواهر في شرح «فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف» فراجع «3».

(5) معطوف أيضا على «فعلى الأوّل» و المراد بالوجه الرابع هو تملك الموقوف عليه، و صرفه في سبل الخير بعد الانقراض. لا عوده إلى الواقف و لا دخوله في ملك

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 20

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 21

(3) مسالك الأفهام، ج 5، ص 356؛ جواهر الكلام، ج 28، ص 54- 59

ص: 233

فالظاهر [1] أنّ حكمه (1) حكم الوقف المؤبّد- كما صرّح به المحقق الثاني على

______________________________

ورثة الموقوف عليهم.

و حكم الوقف المنقطع- على هذا- حكم الوقف المؤبّد، و الفارق بينهما التصريح في الإنشاء و عدمه، لكون المعهود من صيغة الوقف المؤبّد هو «وقفته على كذا، ثم يوضع في سبل الخير إلى أن يرث ... الأرض و من عليها» و لم يؤخذ هذا القيد في الوقف المنقطع، لكونه حبسا على من ينقرض غالبا. فلو عقّبه بذلك كان مؤبّدا، كما لو قال: «هذه الدار وقف على فقهاء البلد، ثمّ هي في وجوه البرّ إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها».

و حيث كان الوقف المنقطع بناء على الاحتمال الرابع- و هو المنسوب إلى السيد ابن زهرة و غيره- مؤبّدا حكما لم يجز بيعه إلّا في موارد بيع المؤبّد.

هذا ما يتعلق بالقول الرابع. و به تم الكلام في ما يختص بكل واحد من الأقوال و الاحتمالات، و سيأتي بيان الحكم المشترك بينها.

(1) أي: حكم الوقف المنقطع- بناء على الاحتمال الرابع- حكم المؤبّد.

______________________________

[1] يمكن أن يقال: بجواز بيعه بعد انقراض الموقوف عليهم، إذ المفروض أنّ الوقف منقطع الآخر، و بانقراض الموقوف عليهم ينتهي أمد الوقف، فيبطل.

و صيرورته بحكم الوقف المؤبد في عدم جواز البيع بدون أحد مسوّغاته أوّل الكلام، لأنّ هذا التأبيد لم ينشأ بإنشاء الواقف، بل المنشأ خلافه، فالتأبيد محتاج إلى دليل مفقود، و مجرّد صيرورته مال اللّه ليصرف في سبيل اللّه لا يصلح لإثبات التأبيد له، بل غايته عدم جواز تملكه، لا عدم جواز بيعه و صرف ثمنه في الامور البريّة. فالعمومات المقتضية لصحة البيع محكّمة هنا.

لا يقال: إنّ مقتضى الاستصحاب عدم جواز بيعه.

فإنّه يقال: إنّ الموضوع- و هو الوقفية- قد ارتفع بانقراض الموقوف عليهم، و معه لا وجه للاستصحاب.

ص: 234

ما حكي عنه «1»- لأنّه (1) حقيقة وقف مؤبّد [1] كما لو صرّح بكونه في سبيل اللّه بعد انقراض الموقوف عليه الخاص.

ثم إنّ ما ذكرنا (2) في حكم الوقف المنقطع فإنّما هو بالنسبة إلى البطن الذي

______________________________

(1) أي: لأن الوقف المنقطع- المحكوم بصرفه في وجوه البر- وقف مؤبّد حقيقة، غايته أنه لم يصرح فيها بالتأبيد، و لا بمصرفه بعد انقراض المسمّين.

(2) أي: من بيان محتملات من يكون مالكا للوقف المنقطع، و حكم كل واحد منها.

______________________________

فإن قلت: إنّ هذا في استصحاب الشخص، و أمّا استصحاب الكلّي فلا بأس به.

قلت: انّه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، و هو التقارني، لأنّه يشك في طروء المنع عن البيع مقارنا لارتفاعه، فيستصحب المنع، و قد قرر في محله عدم حجية الاستصحاب فيه.

[1] هذا وجيه إذا قام دليل على عموم التنزيل، و أنّ آثار الوقف المؤبد تترتب على الوقف المنقطع بعد انقراض الموقوف عليهم. و أين هذا الدليل؟ فليس هذا وقفا مؤبّدا بإنشاء الواقف، و لا تعبّدا. فمقتضى عمومات صحة البيع جواز بيعه، لأنّ الشك يرجع إلى ضيق دائرة المخصّص و سعتها، و في مثله يرجع إلى عموم العام ما لم يتردّد مفهوم الخاص بين المتباينين كما حقق في محله.

لا يقال: إنّ مقتضى عمومات منع بيع الوقف هو عدم جواز البيع هنا.

فإنّه يقال: إنّ الحكم تابع لموضوعه، فإن عدم جواز بيع الوقف منوط ببقاء موضوعه أعني الوقف، و أمّا إذا خرج عن الوقفية- كما هو المفروض في الوقف المنقطع، حيث إنّ الوقفية محدودة ببقاء الموقوف عليهم- لم يصح التمسك بالعمومات المانعة عن بيع الوقف.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 70

ص: 235

..........

______________________________

و غرضه من هذا الكلام التنبيه على بعض ما يفترق فيه الوقف المنقطع عن الدائم، مثل من يجوز له البيع إن كان الموقوف عليه بطونا، كما إذا وقف داره على زيد و أولاده و أحفاده خاصة.

و توضيحه: أنّه لو قيل بجواز البيع في بعض الوجوه الأربعة- كما حكي عن القاضي في الوجه الثالث من جوازه للموقوف عليه- فهل يعمّ الجواز جميع البطون، كصحته في الوقف المؤبّد للكلّ عند طروء المسوّغ، أم يختص الحكم بالبطن الأخير كأولاد الأولاد في المثال المزبور؟ اختار شيخنا الأعظم قدّس سرّه الثاني، و فصّل في جواز بيع ما عدا البطن الأخير. فهنا دعويان:

الاولى: اختصاص الجواز في المحتملات المتقدمة بالأخير، و لعلّ وجهه: أن المانع عن بيع الوقف اجتماع حقه تعالى و حق الواقف و حق الموقوف عليهم، و هذا مختص بالوقف المؤبد، و كذا بما عدا البطن الأخير في المنقطع. و أمّا البطن الأخير فينحصر المانع فيه في الحقّين الأوّلين، و لا حقّ من ناحية الموقوف عليهم، لفرض كونه آخر السلسلة، و عدم وجود مالك شأني حتى يجب مراعاة حقه بإبقاء الوقف مقدّمة للانتفاع. و عليه فلا مانع من بيعه من هذه الجهة.

نعم لو بقي انتقل إلى الوارث، لأدلة الإرث، و لكن لا يلزم حفظ الموضوع، كوضوح عدم كون الانتقال إلى الورثة غرضا عقديا للواقف كي يلزم رعايته.

الثانية: أنّه إن قلنا بعدم كون الوقف المنقطع ملكا للموقوف عليه- كما هو الحال في الاحتمال الأوّل من بقائه على ملك الواقف- لم يجز لشي ء من البطون البيع، لعدم المقتضي و هو الملك.

و إن قلنا بتملكهم له، لم يجز للبطون المتقدمة على البطن الأخير البيع من جهة تعلق الحقوق الثلاثة بالعين. فيشترك الوقف المنقطع مع المؤبّد في هذا الحكم جوازا و منعا، فإطلاق النهي في معتبرة ابن راشد شامل للمنقطع، كما أنّ مسوّغات بيع

ص: 236

لا بطن بعده (1) يتلقى (2) الملك من الواقف.

و أمّا حكم بيع بعض البطون (3) مع وجود من بعدهم، فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع (4) فهو (5) كما تقدم. و أما (6) على تقدير القول بملكهم، فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبّد، فيشترك (7) معه في المنع في الصور التي منعنا، و في الجواز في الصور الّتي جوّزنا، لاشتراك (8) دليل المنع،

______________________________

الوقف كالخراب و خوف الفتنة تجوّز البيع في كلا القسمين.

و يترتب على جواز البيع كون الثمن مشتركا بين البطن البائع و ما بعده إلى البطن الأخير، كاشتراك ثمن الوقف المؤبّد إن كان البيع للخراب، فيجب شراء شي ء يكون وقفا، كما تقدم تفصيله في اولى صور بيع الوقف. و إن كان للصرف في الحاجة اختص بالموجودين، على الخلاف في المسألة.

(1) يعني: حتى يلاحظ حق البطن اللاحق الذي له حق في الموقوفة، بل مورد البحث هو الوقف الذي يختص بالبطن الموجود.

(2) صفة ل «بطن بعده» و البطن الذي لا بطن بعده هو البطن الأخير.

(3) يعني: غير البطن الأخير.

(4) بأن يختلف حكم المنقطع و المؤبد، فالمؤبد ملك فعلي لكلّ طبقة وجدت، و شأني لمن لم يوجد. و المنقطع ملك للواقف و ورثته، و لم ينتقل عنه إلى الموقوف عليهم.

(5) جواب «و أما» و المراد بالموصول عدم جواز البيع، المتقدم في حكم بيع ما عدا البطن الأخير.

(6) معطوف على «فإن قلنا» و عدل له، و الأولى تبديله ب «و إن قلنا».

(7) يعني: فيشترك بيع غير الأخير- في المنقطع- مع المؤبّد.

(8) تعليل لقوله: «فيشترك» و حقّ العبارة أن تكون هكذا: «لاشتراك دليلي المنع و الجواز» لعدم كون المشترك فيه خصوص المنع عن البيع.

ص: 237

و يتشاركان أيضا (1) في حكم الثمن بعد البيع (2).

______________________________

(1) يعني: كاشتراكهما في البيع منعا و جوازا، و عليه فجهة الاشتراك أمران.

(2) في اختصاص الثمن بالبطن الموجود، أو لزوم شراء عين به لتكون وقفا كالمثمن. هذا بناء على عدم انصراف أدلة منع بيع الوقف و جوازه إلى المؤبّد، و إلّا فالمتجه جواز البيع بناء على مالكية الموقوف عليهم للموقوفة في المنقطع، و صرف ثمنه في حوائجهم.

هذا تمام الكلام في بيع الوقف، الذي هو من موانع طلقية الملك، و سيأتي الكلام في سائر الموانع إن شاء اللّه تعالى.

ص: 238

[مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها]
اشارة

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا: صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها (1)،

______________________________

بيع أمّ الولد

(1) يعني: أن الجارية التي صارت أمّ ولد لسيّدها لا تكون ملكا طلقا له حتى يصح نقلها إلى الغير، لكونها متشبثة بالحرية، إذا تحقق الاستيلاد بشرائطه المعتبرة، قال المحقق قدّس سرّه: «أمّ الولد مملوكة، لا تتحرر بموت المولى، بل من نصيب ولدها. لكن لا يجوز للمولى بيعها، ما دام ولدها حيّا، إلّا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على المولى، و لا وجه لأدائه إلّا منها» «1».

ثمّ إنّ المصنف قدّس سرّه- بعد ما أشار إلى كون منع بيع أمّ الولد من المسلّمات في الجملة- تعرّض في هذه المسألة لمباحث:

الأوّل: اختصاص المنع بالبيع، أو عمومه لسائر العقود، سواء أ كانت ناقلة للملك مع عدم تعقبها بالتحرر، أم معرّضة للنقل إلى الغير كالرهن.

الثاني: اشتراط منع بيعها بحياة الولد بعد وفاة السيد. و لو مات الولد و كان له ولد فهل يمنع من بيعها، أم يختص المنع ببقاء نفس الولد الصّلبي؟

الثالث: هل تصير الأمة أمّ ولد و لو بعلوقها بالنطفة؟ أو بمطلق الحمل؟ و

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 139

ص: 239

فإنّ ذلك (1) يوجب منع المالك عن بيعها، بلا خلاف بين المسلمين، على الظاهر المحكيّ عن مجمع الفائدة (2).

و في بعض الأخبار دلالة على كونه (3) من المنكرات في صدر الإسلام،

______________________________

يعتبر انفصال الولد بالوضع؟

الرابع: إناطة صدق «أمّ الولد» بكون الحمل في زمان تملك المولى لها، فلا عبرة بالحمل منه قبل ذلك.

الخامس: أن منع بيعها قاعدة كلية مستفادة من النصوص و الإجماع، فالعمومات المقتضية لصحة نقلها مخصّصة. و جواز بيعها في كل موضع منوط بدليل عليه.

السادس: مواضع الاستثناء من عموم منع البيع.

و سيأتي التعرض للجميع بتبع المتن.

(1) أي: فإنّ صيرورة الأمة أمّ ولد لسيّدها يوجب منع سيدها عن بيعها، فلا تكون ملكا طلقا.

(2) قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه فيه: «و عدم جواز بيعها ما دام ولدها حيّا- مع إيفاء ثمنها أو القدرة عليه- مما لا خلاف فيه بين المسلمين» «1» فدعوى عدم الخلاف قطعية بنظر المحقق الأردبيلي لا مظنونة، إذ لم يقل «لا خلاف فيه بين المسلمين ظاهرا» كما لا ريب في حكاية عدم الخلاف عنه في مفتاح الكرامة.

و عليه فتقييد المصنف بقوله: «على الظاهر» مبني على اعتقاده. و لعلّه لأجل ما حكي عن الصدوق و ابن ميثم شارح النهج من أنّ أمّ الولد كسائر التركة تنتقل إلى الورثة.

(3) أي: كون بيع أمّ الولد من المنكرات.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 169؛ و الحاكي عنه و عن الغنية و الحدائق هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 262

ص: 240

مثل ما روي (1) من قول أمير المؤمنين عليه السّلام لمن سأله عن بيع أمة أرضعت ولده، قال له: «خذ بيدها، و قل: من يشتري أمّ ولدي؟» «1».

و في حكم البيع (2)

______________________________

(1) هذا خبر السكوني عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «أنّ عليّا عليه السّلام أتاه رجل، فقال: انّ أمتي أرضعت ولدي، و قد أردت بيعها؟ فقال: خذ بيدها، فقل ...

الخ».

و تقريب الدلالة: أنّ مورد السؤال و إن كان بيع الأمة المرضعة، لا بيع الأمة التي ولدت من سيّدها، إلّا أنّه لا مجال لتوهم تعدّد الموضوع، و ذلك لأنّ إطلاق «أمّ الولد» فيه على الأمة المرضعة إمّا لكونها أمّ الولد حقيقة، و إن كان خلاف الظاهر.

و إمّا لثبوت الحكم في الامّ الرضاعية أيضا. و حينئذ يكون الاستدلال به على الامّ النسبية بالأولوية. هذا.

و المناقشة في دلالتها على كون بيعها من المنكرات الإسلامية- كما في بعض الحواشي- ضعيفة جدّا، فلاحظ و تأمّل.

و كذا يدلّ على إنكار بيعها ما ورد في صحيح عمر بن يزيد الآتي في (ص 299) من قوله: «لم باع أمير المؤمنين عليه السّلام أمّهات الأولاد؟».

المبحث الأوّل: عموم المنع لكل ناقل عن ملك المولى

(2) هذا شروع في المبحث الأوّل، و هو: اختصاص المنع بالبيع، أو عمومه للعقود الاخرى، إمّا لكونها ناقلة كالهبة و الصلح، و إمّا لاستلزامها للنقل كالرهن لو توقّف استيفاء الدين على بيع أمّ الولد. ذهب السيد المجاهد قدّس سرّه إلى الاختصاص، و المصنف قدّس سرّه إلى العموم، مستشهدا بكلمات الفقهاء في مواضع أربعة، كما سيظهر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 309، الباب 19 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث: 1

ص: 241

كلّ تصرف ناقل للملك غير المستعقب بالعتق (1) أو مستلزم (2) للنقل كالرّهن، كما يظهر (3) من تضاعيف كلماتهم في جملة من الموارد:

منها (4): جعل أمّ الولد ملكا غير طلق،

______________________________

(1) يعني: أنّ الممنوع منه هو العقد الناقل للأمة إلى ملك الغير مع عدم ترتب عتقها عليه، كما إذا باعها من أجنبي، أو صالحه عليها، أو أقرضها منه، أو وقفها عليه، إذ لو صحّ هذا النقل بقيت على رقيّتها و لم تتحرّر.

و أمّا إذا كان النقل إلى الغير مستلزما لتحرّرها فلا مانع منه، كما إذا وهبها لولدها، أو صالحه عليها، فإنّ امتناع تملك العمودين يوجب عتقها بمجرد القبول.

و كذا لو نقلها إلى أجنبي بشرط العتق، إمّا بنحو شرط الفعل، و إمّا بنحو شرط النتيجة على القول بصحته في مثل التحرير. فالعقد الناقل في هذه الموارد صحيح، و لا يندرج في الدليل المانع عن بيع أمّ الولد، بناء على عمومه لجميع نواقل الأعيان.

(2) معطوف على «ناقل» فإنّ الرهن قد ينتهي إلى نقل الوثيقة، كما إذا لم يؤدّ المديون دينه، و قد لا يفضي إلى النقل، بل ينفك الرهن و يبقى على ملك الراهن، كما إذا و فى دينه. و نظير الرهن ما إذا ضمن مولاها دينا، و اشترط كون الأمة مال الضمان.

(3) يعني: يظهر أنّ حكم كل تصرف ناقل أو مستلزم للنقل يكون حكم البيع في المنع.

(4) يعني: من جملة الموارد التي يظهر منها عدم جواز التصرف الناقل أو المستلزم للنقل- في أمّ الولد- و إن لم يكن بيعا هو عدّ الفقهاء «أمّ الولد» ملكا غير طلق كالوقف و الرهن، اللذين لا يستقلّ المالك بالتصرف فيهما.

و توضيحه: أنّ ملاحظة معنى «الطّلق» و مانعية الاستيلاد عنه توجب الجزم بإرادة المنع عن جميع التصرفات الناقلة، و ذلك لأنّ «الطلق» عبارة عن تمامية الملك

ص: 242

كالوقف و الرّهن (1). و قد عرفت (2) أنّ المراد من «الطّلق» تمامية الملك، و الاستقلال في التصرف. فلو جاز (3) الصلح عنها و هبتها لم تخرج عن كونها طلقا بمجرّد عدم جواز إيقاع عقد البيع عليها (4). كما أنّ المجهول (5) الذي يجوز

______________________________

و السلطنة في التصرف، فإذا جاز الصلح عن شي ء و هبته مثلا خرج عن الطلقية بمجرّد عدم جواز بعض التصرفات الآخر كالبيع للجهالة أو غيرها.

و بالجملة: فلا يخرج الملك عن الطلق إلّا بالمنع عن جميع التصرفات الناقلة، و المفروض أنّ الاستيلاد عدّ من موجبات خروج الملك عن الطلق، فلا بدّ أن يكون مانعا من جميع التصرفات، لا خصوص البيع.

(1) قال المحقق قدّس سرّه: «الثاني- يعني من شرائط البيع- أن يكون طلقا، فلا يصح بيع الوقف ... و لا بيع أمّ الولد ... و لا بيع الرهن إلّا مع الإذن» «1».

(2) يعني: قبيل بحث بيع الوقف، حيث قال: «و المراد بالطّلق تمام السلطنة على الملك ...» فراجع «2».

(3) متفرع على كون «الطلق» بمعنى السلطنة على التصرف، و يقابله «عدم الطّلق» و هو- بقول مطلق- لا يصدق إلّا بسلب أنحاء التصرفات.

(4) بل يكون عدم طلقيته بلحاظ البيع مثلا، و لازمه بقاء طلقيته بالنسبة إلى الهبة و نحوها، مع أنّهم عدّوا «أمّ الولد» غير طلق بقول مطلق من دون تقييد بعقد دون آخر. و عليه فلا بدّ من منع مطلق التصرف الناقل لها.

(5) غرضه إقامة الشاهد على أنّ المناط في عدم الطلقية ليس مجرد منع البيع، بل لا بدّ من المنع عن كل عقد ناقل الملك. فلو كان البيع ممنوعا شرعا و جاز نقله بالصلح مثلا، كان المال طلقا.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17

(2) هدى الطالب، ج 6، ص 484

ص: 243

الصلح عنه وهبته و الإبراء (1) عنه- و لا يجوز (2) بيعه- لا يخرج (3) عن كونه طلقا.

______________________________

و توضيحه: أنّهم حكموا باعتبار العلم بالعوضين في البيع، فلا يصحّ بيع المجهول، للغرر المنهي عنه، سواء أ كان المال عينا خارجية، كصبرة من طعام مجهولة الكيل و الوزن، فلا يصحّ بيعها و إن صحّ هبتها أو الصلح عليها. أم دينا غير منضبط المقدار، فإنّه يجوز للدائن الصلح عليه، و إبراء المديون، و لم يجز بيعه من المديون أو من شخص آخر. و مجرد منع بيع المجهول لا يقتضي جعل «المال المجهول» في عداد ما ليس بطلق [1].

و عليه فلا تدور الطلقية مدار خصوص جواز البيع، كما لا يدور عدم الطلقية مدار منع خصوص البيع، بل يتوقف صدق «عدم الطلق» على منع كافة النواقل، فالوقف و الرهن و أمّ الولد لا يقع عليها شي ء من التصرفات، لكونها غير طلق.

(1) هذه الكلمة قرينة على أن مراد المصنف بالمال المجهول هو الأعم من العين الشخصية و الكلّية.

(2) معطوف على «يجوز» و الضمائر البارزة راجعة إلى المجهول.

(3) خبر «أن المجهول» و ضميره راجع إليه، و المراد به المال المجهول.

______________________________

[1] اورد عليه بعدم تمامية الاستشهاد بمنع بيع المجهول، و ذلك لأنّ الكلام فعلا في موانع الطّلق، الذي هو صفة في المبيع يمنع من استقلال المالك في التصرف فيه، مثل كونه وقفا أو رهنا، فلو كان المنع لخصوصية في البيع مثل كونه غرريا، أو في المتعاملين كعدم البلوغ، أو في الأسباب، كان أجنبيّا عما نحن فيه، إلّا أن تكون الجهالة قائمة بالعوضين لا بالمتعاملين «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 276

ص: 244

و منها (1): كلماتهم في رهن أمّ الولد، فلاحظها.

و منها (2): كلماتهم في استيلاد المشتري في زمان خيار البائع،

______________________________

(1) هذا هو المورد الثاني، و لا يخفى أنّ مسألة جواز رهن أمّ الولد خلافية، كما يظهر بمراجعة مفتاح الكرامة و الجواهر، و هي غير معنونة بالاستقلال في بعض الكتب كالشرائع، إلّا أن ظاهر المتن الإشارة إلى الإجماع المحكي على المنع.

قال العلّامة قدّس سرّه: «و في رهن أمّ الولد في ثمن رقبتها مع إعسار المولى إشكال، و مع يساره أشكل. و [في] غير الثمن أشد إشكالا» «1».

و قال السيد العاملي- في شرح الفقرة الاولى منه- ما لفظه: «نسب في الإيضاح و حواشي الكتاب للشهيد إلى الأصحاب: المنع من رهن أمّهات الأولاد.

و ظاهرهما الإجماع على ذلك. و لعلّهما فهما ذلك من اشتراطهم في الرهن أن يكون ممّا يجوز بيعه. و هو محلّ تأمّل ...» فراجع «2».

(2) أي: و من جملة الموارد التي تشهد بمنع مطلق التصرف الناقل للملك هو كلمات الفقهاء في موضعين: أحدهما في خيار الغبن، و الآخر في أحكام مطلق الخيار.

فقالوا في الأوّل: لو باع جارية دون قيمتها السوقية و أولدها المشتري، ثم تبيّن للبائع غبنه، فرجع إلى المشتري للفسخ، لم ينفذ ذلك بالنسبة إلى العين و انتقل حقّه إلى قيمتها، بمعنى أنّه يرد الثمن المسمّى إلى المشتري، و يأخذ منه قيمة الأمة.

و هذا الحكم شاهد على مانعية الاستيلاد عن تأثير الفسخ في عود كلّ من العوضين إلى صاحبه.

قال المحقق قدّس سرّه: «و لا يسقط ذلك الخيار- أي: خيار الغبن- بالتصرف، إذا لم يخرج عن الملك، أو يمنع مانع من ردّه كالاستيلاد في الأمة» «3».

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 110

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 84، و لاحظ: جواهر الكلام، ج 25، ص 139

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 22

ص: 245

فإنّ المصرّح به (1) في كلام الشهيدين (2) في خيار الغبن: أنّ البائع لو فسخ يرجع

______________________________

و نحوه عبارة القواعد «1».

و قال السيد العاملي في شرحها: «كما صرّح بجميع ذلك في الشرائع و التحرير و التذكرة و غاية المراد و المهذب البارع و التنقيح و غاية المرام و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و الروضة و المسالك. و نقله الشهيد في حواشيه عن شمس الدين.

و في الروضة و المفاتيح: أنه المشهور ...» «2».

و قالوا في الموضع الثاني- أعني به أحكام مطلق الخيار-: إنّ المشتري لو باع أو وقف أو وهب في مدة خيار البائع لم ينفذ إلّا بإجازته. و استثنوا الاستخدام، و عدم مانعيته عن الفسخ إلّا إذا استولد الأمة.

قال العلّامة قدّس سرّه: «نعم، له الاستخدام و المنافع و الوطء، فإن حبلت فالأقرب الانتقال إلى القيمة مع فسخ البائع» «3» و عقّبه السيد العاملي قدّس سرّه بقوله: «كما هو خيرة التحرير و الإيضاح و جامع المقاصد. و هو قضية كلام السرائر و المختلف، و ظاهر كنز الفوائد» «4».

و المتحصل من كلماتهم في الموضعين: مانعية الاستيلاد عن استرداد العين، و انتقال حق سيّدها إلى القيمة. فيعلم منه أنه لا خصوصية في البيع، بل نقل العين غير نافذ و إن كان بفسخ البيع الخياري.

(1) هذا هو الموضع الأوّل، و هو خيار الغبن.

(2) في اللمعة و شرحها. قال في اللمعة: «و كذا- أي لا يسقط الخيار- لو تلف العين أو استولد الأمة» و يرجع إلى القيمة كما صرّح به الشهيد الثاني في الشرح «5»،

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 67

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 572

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 70

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 604

(5) الروضة البهية، ج 3، ص 466 و 470

ص: 246

إلى القيمة، لامتناع انتقال أمّ الولد. و كذا في كلام العلّامة و ولده و جامع المقاصد ذلك (1) أيضا (2) في زمان مطلق الخيار (3).

و منها (4): كلماتهم في مستثنيات بيع أمّ الولد ردّا و قبولا (5)، فإنّها كالصريحة في أنّ الممنوع مطلق نقلها، لا خصوص البيع.

______________________________

و يستفاد من اللمعة أيضا، و لم يتعرض الشهيد لهذا الفرع في خيار الغبن في الدروس «1» و لا صرّح بالرجوع إلى القيمة في غاية المراد «2»، نعم صرح به الشهيد الثاني في تعليق الإرشاد و الروضة و المسالك «3»، فراجع.

(1) هذا هو الموضع الثاني. يعني: و كذا المصرّح به في كلام العلّامة و غيره:

أنّ البائع لو فسخ العقد يرجع إلى القيمة دون العين، لصيرورتها أمّ ولد، و قد امتنع نقلها عمّن استولدها. و من المعلوم أنّ التعليل ب «امتناع انتقال أمّ الولد» يشمل كل ناقل، سواء أ كان بيعا أم غيره.

(2) يعني: كحكمهم بالرجوع إلى القيمة لو كان البائع مغبونا و فسخ.

(3) كما إذا باعها و شرط الخيار لنفسه شهرا، فحملت من المشتري، و فسخ البائع، فلا رجوع إلى العين بل إلى القيمة.

(4) أي: و من جملة الموارد، و هذا رابعها و أخيرها، مثل ما يأتي في المتن في ما لو جنت على مولاها بما يوجب صحة استرقاقها: «فيجوز له التصرف الناقل فيها، كما هو المحكي في الروضة عن بعض» حيث عبّروا بالتصرف الناقل لا خصوص البيع، فراجع (ص 408).

(5) أي: سواء بنينا على ردّ المستثنيات أم على قبولها، لكونها محلّ النزاع،

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ص 275؛ و كذا اقتصر على نقل الأقوال في حكم خيار الشرط من دون ترجيح، فلاحظ، ص 271

(2) غاية المراد، و كذا حاشية الإرشاد، ج 2، ص 99

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 206

ص: 247

و بالجملة (1): فلا يبقى للمتأمّل شكّ في ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل. و مع ذلك كلّه (2)، فقد جزم بعض سادة مشايخنا بجواز غير البيع من

______________________________

و المهم عدم الاقتصار على «البيع» لاقتضاء مناسبة الحكم و الموضوع تعميم المنع و الجواز لمطلق الناقل.

(1) هذا ملخص ما أفاده من قوله: «و في حكم البيع كل تصرف ناقل للملك ...» إلى هنا، و توطئه للرد على صاحب المناهل.

(2) أي: و مع عدم بقاء شكّ للمتأمّل فقد جزم السيّد المجاهد بجواز نقل أمّ الولد بغير البيع، قال قدّس سرّه: «هل يلحق بالبيع الصلح، فلا يصح للمولى نقل أمّ الولد- مع وجود ولدها- منه إلى غيره بطريق الصلح، أو لا يلحق، بل لا يجوز النقل بطريق الصلح في جميع الصور؟ ظاهر الدروس الأوّل. و التحقيق أن يقال: إن كان الصلح فرعا على البيع فلا إشكال في الإلحاق. و إن كان عقدا مستقلا غير فرع- كما هو المختار- فلا يلحق. و أنّ المعتمد جواز نقلها بكل ناقل عدا البيع، للعمومات الدالة على لزوم الوفاء بالعقود، و بالشروط، و على تسلّط المالك على ملكه، خرج منها خصوص البيع بالدليل. و لا دليل على خروج غيره، فيبقى مندرجا تحتها. و يؤيّد ذلك عدم التنبيه على المنع من غير البيع في الروايات و معظم الفتاوى» «1».

و محصّله: جواز تمليك أمّ الولد للغير بما عدا البيع، لوجود المقتضي، و فقد المانع. أمّا المقتضي فامور:

أحدها: عموم الأدلة الإمضائية كالأمر بالوفاء بكل عقد إلّا ما خرج، و يشك في خروج الصلح على أمّ الولد و هبتها عنه، و أصالة العموم تنفي التقييد بغيرها.

ثانيها: عموم أدلة الشروط، و ظاهره صدق الشرط- بنظر السيد المجاهد قدّس سرّه- على الالتزام الابتدائي كالهبة و الصلح.

______________________________

(1) المناهل، ص 320، التنبيه السادس

ص: 248

النواقل، للأصول (1)، و خلوّ (2) كلام المعظم عن حكم غير البيع.

و قد عرفت (3) ظهوره (4) من تضاعيف كلمات المعظم في الموارد المختلفة.

______________________________

ثالثها: إطلاق حديث السلطنة، فإنّ منع الصلح و الهبة تحديد لها، مع أنّ إطلاق السلطنة المجعولة شرعا يقتضي جواز كل تصرف خارجي و اعتباري في المال، الصادق على أمّ الولد قطعا.

و أمّا عدم المانع من الشمول، فلاختصاص الدليل المانع عن التصرف بالبيع، فهو الخارج عن العموم المقتضي للصحة، و يبقى غيره من النواقل مندرجا فيه.

(1) يحتمل إرادة الأصل العملي، مثل عدم اشتراط عقدي الصلح و الهبة بعدم كون المتصالح عليه و الموهوب أمّ ولد. لكن لا مجال لإرادة هذا الأصل هنا، لتصريح السيد المجاهد بالأصل اللفظي، و هو العموم المراد به الشمول، لا خصوص المستند إلى الوضع في قبال ما يستند إلى مقدمات الحكمة.

(2) ظاهر عطفه على «الأصول» كون خلوّ كلمات القوم دليلا آخر، لكن السيد قدّس سرّه جعل اختصاص الفتاوى بمنع البيع مؤيّدا لجواز النقل بالصلح و الهبة.

(3) هذا إيراد المصنف قدّس سرّه على كلام المناهل، و غرضه منع ما أفاده ثانيا من خلوّ الفتاوى عن حكم غير البيع، وجه المنع ما تقدم من تعبيرهم بالنقل- دون خصوص البيع- في الموارد الأربعة. و هذه الكلمات إن بلغت حدّ الإجماع القطعي صلحت لتخصيص العمومات المقتضية للصحة كما لا يخفى.

و استشهد المصنف- مضافا إلى الموارد الأربعة المتقدمة- بكلام شيخ الطائفة و الحلي و بإجماع فخر المحققين، و بإرساله إرسال المسلمات في الرياض، و بظهور عبارة المقابس، ثم استظهر كونه ممّا اتفق عليه المسلمون. و مع هذا كيف تتجه دعوى خلو كلام المعظم عن حكم غير البيع؟

(4) أي: ظهور ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل.

ص: 249

و مع ذلك (1) فهو الظاهر من المبسوط و السرائر، حيث قالا: «إذا مات ولدها جاز بيعها و هبتها و التصرف فيها بسائر أنواع التصرف (2)» «1».

و قد ادّعى (3) في الإيضاح الإجماع صريحا على المنع عن كلّ ناقل، و أرسله (4) بعضهم- كصاحب الرياض و جماعة- إرسال المسلّمات، بل عبارة

______________________________

(1) أي: مضافا إلى ظهور كلمات الفقهاء في عموم الحكم- لغير البيع- يكون ثبوت الحكم لغير البيع ظاهر المبسوط و السرائر، لدلالة منطوق الجملة الشرطية على جواز غير البيع لو مات ولدها حال حياة السيّد، فيكون مفهومها ظاهرا في منع البيع و الهبة و سائر التصرفات لو لم يمت الولد.

(2) كالصلح عليها و وقفها، و إقراضها بناء على صحة إقراض الجواري كما ادّعي عدم الخلاف فيه «2».

(3) هذا هو الشاهد الثاني، و حاصله: أنّ اتحاد البيع و الهبة في المنع ليس ممّا انفرد به شيخ الطائفة و الحلي قدّس سرّهما، بل ادّعى فخر المحققين الإجماع على المنع عن جميع نواقل الملك من هبة و صلح و غيرهما.

قال قدّس سرّه: «للاستيلاد أحكام: أحدها: إبطال كل تصرف ناقل للملك عنه إلى غيره- غير مستلزم للعتق بذاته- بلا شرط يرتقب، إجماعا» «3».

(4) هذا هو الشاهد الثالث على تعرض الفقهاء لحكم غير البيع، و منعهم عن مطلق التصرف الناقل للملك. و عبارة الرياض قريبة من كلام الإيضاح، لكنها خالية عن دعوى الإجماع «4»، كخلوّ كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه عنه «5». و عدم الإشارة إلى

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 185؛ السرائر، ج 3، ص 21

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 21

(3) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 631

(4) رياض المسائل، ج 13، ص 109

(5) الروضة البهية، ج 6، ص 369

ص: 250

بعضهم (1) ظاهرة في دعوى الاتّفاق (2)، حيث قال: «إنّ الاستيلاد مانع من صحة

______________________________

خلاف في المسألة ظاهر في كون المنع عن كل تصرف ناقل من مسلّمات الفقه.

و تعبير صاحب الحدائق قدّس سرّه ظاهر في تسالمهم على عدم الفرق في النقل بين المعاوضي و غيره، لقوله: «و الحق بالبيع هنا سائر ما يخرجها عن الملك أيضا كالهبة و الصلح و غيرهما للاشتراك في العلّة» «1».

و ادّعى في الجواهر الإجماع بقسميه على منع كل تصرف، فلاحظ «2».

(1) و هو صاحب المقابس قدّس سرّه، و العبارة هكذا: «و إذا تحقق الاستيلاد بشرائطه المعتبرة- سواء وقع في حال الصحة أو المرض- فهو مانع ... الخ».

ثم إن الظهور الذي ادّعاه المصنف قدّس سرّه مبني على رجوع قول المقابس: «على خلاف في ذلك» إلى خصوص التصرفات المعرّضة لأمّ الولد للدخول في ملك الغير كما هو الظاهر، خصوصا بقرينة تصريحه بالإجماع في الجملة على الحكم بعده. و إلّا فلو رجع قوله: «على خلاف في ذلك» إلى قوله: «فهو مانع من صحة التصرفات الناقلة للأمة» كان صريحا في عدم الاتّفاق.

(2) الظاهر أنّ المراد من الاتفاق هو إطباق المسلمين- لا خصوص الفرقة المحقة- كما يظهر من المقابس، لقوله بعد العبارة المتقولة في المتن: «و هذا من الموانع التي لا تقبل التدارك، و لا ترتفع برضا الجارية، و لا بموت ولدها بعد التصرف. بل يطرد الحكم في جميع الصور إلّا في المواضع المستثناة. و كلّ من الحكمين إجماعي في الجملة بين الأصحاب، و إن خالف العامة في الثاني، فلم يستثنوا شيئا، كما هو المنقول عن المذاهب الأربعة» «3».

و بهذا يتجه الإتيان بكلمة «بل» إذ لو كان غرض المصنف استظهار اتفاق

______________________________

(1) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 448

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 374

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69

ص: 251

التصرفات الناقلة (1) من ملك المولى إلى ملك غيره، أو المعرّضة لها للدخول في ملك غيره كالرهن، على خلاف في ذلك (2)».

ثم إنّ (3) عموم المنع لكلّ ناقل،

______________________________

خصوص الإمامية عليه لم يزد كلام المقابس على الإيضاح- المدّعي للإجماع صريحا- و لم يحتج إلى الاضراب ب «بل».

(1) سواء أ كانت معاوضية كالبيع و الصلح المعاوضي، أم غير معاوضية كالهبة و الوقف، و القرض إن لم يعدّ من العقود المعاوضية المصطلحة.

(2) أي: في الرهن مما لا يوجب النقل، و لكنه يجعل أمّ الولد عرضة للخروج عن ملك الراهن.

(3) غرضه استظهار إطباق المسلمين على عموم منع نقل أمّ الولد، و عدم اختصاصه بالبيع، فيكون موافقا لما ادعاه صاحب المقابس قدّس سرّه بناء على ظهور «الاتفاق» في الإجماع عند الكلّ. و استند المصنف قدّس سرّه في هذه الدعوى إلى وجوه ثلاثة، اثنان منها طائفتان من النصوص، و ثالثها تعليل الحكم في كلمات الأصحاب.

فالطائفة الاولى هي رواية السكوني المتقدمة في (ص 241) الظاهرة في كون بيع «أمّ الولد» من المنكرات، بناء على إرادة مطلق المملّك، بشهادة فهم الفقهاء عدم خصوصية للمنع عن البيع، فيكون النهي عن الشراء من باب التنبيه على العام بذكر الخاص.

و الطائفة الثانية: ما سيأتي في (ص 299) من النصوص الدالة على جواز بيعها لو لم يؤدّ مولاها ثمنها إلى البائع، و عدم جواز بيعها فيما عدا ذلك، كصحيحة عمر بن يزيد عن أبي إبراهيم عليه السّلام، إذ التأمل فيها يورث الاطمئنان بأنّ المنع عن البيع من جهة كونه مملّكا للعين، لا لخصوصية في عنوان البيع و الشراء.

و الوجه الثالث هو التعليل الوارد في كلام جماعة من أنّ ملاك المنع عن البيع هو تشبثها بالحرية، و رجاء انعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها، فلو جاز

ص: 252

و عدم اختصاصه بالبيع قول جميع المسلمين (1) [1].

و الوجه فيه (2): ظهور أدلة المنع [2] المعنونة بالبيع في (3) إرادة مطلق النقل، فإنّ (4) مثل قول أمير المؤمنين عليه السّلام في الرواية السابقة: «خذ بيدها، و قل:

______________________________

نقلها إلى الغير بهبة أو صلح أو قرض كان منافيا للحكمة المزبورة. قال المحدث البحراني قدّس سرّه في تعليل عموم المنع: «و لأنّه لو جوّز غيره- أي غير البيع- لانتفى فائدة منعه و تحريمه، و هي بقاؤها على الملك لتعتق على ولدها» «1».

(1) يعني: فضلا عن المؤمنين، و إلّا كان تكرارا لما ذكره من استظهار الإجماع من الكلمات.

(2) أي: في كون المنع قول جميع المسلمين.

(3) متعلق ب «ظهور».

(4) تعليل لظهور أدلة منع البيع في إرادة كل تصرف ناقل للملك، و هذا هو

______________________________

[1] لكن كون ذلك قول المؤمنين- فضلا عن المسلمين- لا يخلو من تأمّل، لما في مفتاح الكرامة من قوله: «و قد ألحق جماعة بالبيع سائر ما يخرجها عن الملك لظهور الاشتراك في العلة، و لأنّه لو جوّز غيره لانتفى فائدة منعه، و هي بقائها على الملك لتعتق» «2» و لا بد من مزيد التتبع.

ثم إنّ ذلك إجماع منقول و موهون بجزم السيد المجاهد بجواز غير البيع من سائر النواقل، و ليس إجماعا تعبديا، للاستدلال ببعض الوجوه المذكورة في المتن و غيره، و الإجماع التقييدي ليس بحجة.

[2] أي: بحسب المناط، و إلّا فلا ظهور في الكلام أصلا، و كذا في الظهور الآتي.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 448 و 456

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 262

ص: 253

من يشتري أمّ ولدي؟» يدلّ (1) على أنّ مطلق نقل أمّ الولد إلى الغير كان من المنكرات. و هو (2) مقتضى التأمّل فيما سيجي ء من أخبار بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها، و عدم جوازه فيما سوى ذلك (3).

هذا، مضافا إلى ما اشتهر (4)- و إن لم نجد نصّا عليه- من أنّ الوجه في المنع هو بقاؤها رجاء لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها [1].

______________________________

الوجه الأوّل.

(1) خبر قوله: «فإنّ مثل».

(2) يعني: و عموم المنع لكلّ ناقل مقتضى التأمل في أخبار بيع أمّ الولد، و هذا هو الوجه الثاني المتقدم آنفا.

(3) أي: سوى ثمن رقبتها.

(4) هذا هو الوجه الثالث، و تقدم في كلام صاحب الحدائق، و قال في المقابس:

«و إنّما منع من التصرف الناقل لتشبثها بالحرية، من حيث إنّها لو بقيت و بقي ولدها بعد المولى، و كان ممّن يستحق إرثا اعتقت- كلّا أو بعضا- من نصيب الولد، لعدم استقرار ملكه على امّه» «1» و ظاهر العبارة كون التعليل مسلّما عندهم، لا مجرّد اشتهاره. لكن ليس دليلا، لكونه- مع عدم النص عليه- من العلّة المستنبطة التي ليست بحجة.

______________________________

[1] تكرر التعليل بتشبثها بالحرية في كلماتهم، كالمحقق و الشهيد الثانيين و أصحاب المدارك و الرياض و المقابس و الجواهر قدّس سرّه «2»، و استدلّ في موضع من

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69

(2) جامع المقاصد، ج 13، ص 134؛ مسالك الأفهام، ج 8، ص 45؛ الروضة البهية، ج 6، ص 371؛ نهاية المرام، ج 1، ص 292؛ رياض المسائل، ج 13، ص 111؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 381، و ج 32، ص 319

ص: 254

و الحاصل (1): أنّه لا إشكال في عموم المنع لجميع النواقل.

ثمّ إنّ المنع (2) مختصّ بعدم هلاك الولد،

______________________________

(1) هذا نتيجة ما أفاده في ردّ كلام السيد المجاهد قدّس سرّه من اختصاص المنع بالبيع، و به تمّ المبحث الأوّل.

المبحث الثاني: اختصاص المنع بحياة الولد

(2) هذا إشارة إلى اشتراط منع بيع أمّ الولد بعدم هلاك الولد في حياة سيّدها، فلو مات الولد و لم يخلّف ولدا كما إذا مات صغيرا، أو كبيرا و لكنه لم يجنب كانت

______________________________

المسالك على اشتراط كون الولد حرّا بالنبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أعتقها ولدها» «1».

و استدل السيد العاملي على ذلك بمفهوم قوله عليه السّلام في خبر زرارة الآتي في (ص 294): «حدّها حدّ الأمة إذا لم يكن لها ولد». فإنّ مفهومها «أنّها إذا كانت لها ولد» ليست على حدّ الأمة التي يباح التصرف فيها بتلك الأنواع «2»، هذا.

و لعلّ المصنف قدّس سرّه تبع في منع هذا المفهوم السيد المجاهد قدّس سرّه من حمل الحدّ على حدّ الجناية. و لعلّه بقرينة نقل الصدوق خبر زرارة في باب الحدود.

قال في المناهل: «و أما ثانيا فلاحتمال أن يكون المراد ما يترتب على المعصية، و يكون المقصود بيان اشتراك أمّ الولد و الأمة في الحدود الشرعية تارة و اختلافهما اخرى» «3».

و لكن الظاهر بعد حمل الحد على حدّ الجناية، و المراد منه عدم مساواتها للأمة في التصرفات الناقلة، و حينئذ فلا قصور في مفهوم خبر زرارة عن إثبات العلّة المتكررة في الكلمات من كونها متشبثة بالحرية بالولد، و لا بد من مزيد التأمّل.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 10، ص 525

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 263

(3) المناهل، ص 319

ص: 255

فلو هلك جاز (1) اتفاقا نصّا و فتوى.

و لو مات (2) الولد و خلّف ولدا:

______________________________

أمّ الولد ملكا طلقا. قال في الجواهر- في اشتراط منع البيع بعدم موت الولد- ما لفظه: «بلا خلاف أجده فيه، بل لعلّ الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى النصوص ...

و إلى عموم تسليط الناس على أموالهم، المقتصر في الخروج عنه على أمّ الولد، التي لا تشمل الفرض- أي فرض موت الولد في حياة السيد- حقيقة كما هو واضح» «1».

و يدل عليه من النصوص ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في رجل اشترى جارية يطأها، فولدت له ولدا، فمات ولدها. قال: إن شاءوا باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها. و إن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه» «2» بناء على كون قوله عليه السّلام: «باعوها في الدين» خارجا مخرج التمثيل «3»، فيجوز بيعها مطلقا، بل نقلها بغيره كالهبة. فالحكم- كما أفاده المصنف قدّس سرّه- مسلّم فتوى و نصّا.

إنّما الكلام لو ترك ولدا، بمعنى أنّه خلّف ولد الأمة ولدا، فمات الولد في حياة أبيه، و بقي ولده- و هو حفيد السيد- بعد وفاة جدّه، فهل يمنع من بيعها حينئذ أم لا؟ فيه وجوه، بل أقوال، سيأتي التعرض لها.

(1) أي: جاز بيعها و نقلها كما دلّ عليه النصّ و الفتوى. و مقصوده من الفتوى إجماعهم على الحكم. قال في المقابس: «و لما ذكرنا أجمعوا أيضا على أنّ الحكم بالمنع مطلقا مشروط ببقاء ولدها» «4».

(2) يعني: لو مات ولد الأمة في حياة أبيه، و خلّف ولدا، ففي إجراء حكم ولد

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 375، و قريب منه في ج 34، ص 378

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 105، الباب 5 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 2

(3) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 450

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69

ص: 256

..........

______________________________

الأمة على ولد الولد- من منع بيعها و نقلها إلى الغير- أقوال ثلاثة:

الأوّل: اللحوق مطلقا، لوجوه ثلاثة:

أحدها الاستصحاب، بتقريب: أنّ منع بيعها كان ثابتا حال حياة ولدها البطني، و يشك في بقائه و ارتفاعه بموته، فيستصحب المنع، لكونه من الشك في الرافع.

ثانيها: صدق الاسم، فإنّ «الولد» كما يصدق على الصلبي المتكوّن من السيد و المملوكة، كذلك يصدق على الحفيد، لكونه ولدهما بالواسطة، فيندرج في إطلاق الأدلة المانعة من التصرفات الناقلة لأمّ الولد.

ثالثها: تغليب جانب الحرية على الرّقية، إذ لو لم يكن ولد الوالد بحكم أبيه لزم بقاء أمّ الولد على الرقية إلى أن يحصل موجب آخر لانعتاقها. و لو كان بحكم أبيه أمكن تحررها بعد وفاة السيد. و مقتضى تغليب جانب الحرية إلحاق ولد الولد بالولد الصلبي.

القول الثاني: عدم اللحوق مطلقا، لوجهين:

أحدهما: أن المتبادر من «الولد» عند الإطلاق هو الصّلبي، فيكون إطلاق «الولد» على «ولد الولد» مجازا لا يصار إليه بلا قرينة.

ثانيهما: أنه لو سلّم كون «الولد» مشتركا معنويا بين المولود بلا واسطة و معها، قلنا بظهور «الولد» في نصوص المسألة و معاقد الإجماعات- من أنّه يجوز بيعها بعد موت ولدها- في خصوص الصلبي، هذا.

و اختار هذا القول جماعة منهم أصحاب الرياض و المناهل و الجواهر، و مال إليه في المقابس «1».

القول الثالث: التفصيل بين كون ولد الولد وارثا لجدّه- و هو السيّد- لفقد

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 13، ص 113؛ المناهل، ص 320؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 378

ص: 257

ففي (1) إجراء حكم الولد عليه (2)، لأصالة (3) بقاء المنع [1]، و لصدق (4) الاسم [2]، فيندرج في إطلاق الأدلة، و تغليبا (5) للحرية [للحرمة].

______________________________

الولد الصّلبي من غير هذه الأمة، فيكون ولد الولد بحكم الولد في انعتاق جدّته عليه من نصيبه من الإرث. و بين عدم كونه وارثا- لوجود الولد الصلبي- فلا تكون الأمة محكومة بحكم أمّ الولد.

و حكى صاحب المقابس هذا القول عن ابن فهد و صاحب المدارك قدّس سرّهم «1».

و تردّد بعضهم في حكم المسألة و لم يختصر شيئا، كالعلّامة في القواعد، و الشهيد في الدروس «2».

(1) خبر مقدم لقوله: «وجوه» و الجملة جواب الشرط في: «و لو مات».

(2) أي: على ولد الولد، و هذا إشارة إلى القول الأوّل.

(3) إشارة إلى الوجه الأول و هو الاستصحاب.

(4) معطوف على «لأصالة» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني. قال فخر المحققين قدّس سرّه: «إن حكمه حكم الولد مطلقا، و هذا هو الأقوى عندي، لأنّه ولد» «3».

(5) معطوف على «لأصالة» أي: و لتغليب الحرية كما تكرر في المقابس «4»

______________________________

[1] لا يخفى أنّه على تقدير صدق «أمّ الولد» عليها يشملها إطلاق أدلة المنع، و لا مجال معه للاستصحاب. و كذا على فرض عدم الصدق أو الشك فيه، لعدم إحراز بقاء الموضوع.

[2] نعم، لكن ليس مطلق الصدق كافيا و موضوعا، إذ مورد كثير من الأدلة هو الولد البطنى للأمة، و يشهد له أخبار الحمل، لقيامه بنفس الأمة لا بولدها.

______________________________

(1) نهاية المرام، ج 2، ص 318؛ المهذب البارع، ج 4، ص 106

(2) قواعد الأحكام، ج 3، ص 259؛ الدروس الشرعية، ج 3، ص 223

(3) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 636

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69 و 75 و 76

ص: 258

أو العدم (1)، لكونه (2) حقيقة في ولد الصّلب، و ظهور (3) إرادته من جملة من الأخبار (4)

______________________________

و غيره [1]، و الموجود في بعض نسخ الكتاب «تغليبا للحرمة».

و كيف كان فالمراد واحد. فعلى تقدير كون النسخة «للحرمة» فالمقصود تغليب منع نقل أمّ الولد على جوازه.

(1) معطوف على «إجراء» أي: ففي عدم إجراء حكم الولد على ولد الولد.

و هذا إشارة إلى القول الثاني.

(2) أي: لكون «الولد» حقيقة في خصوص الصلبي، و مجازا في الولد مع الواسطة.

(3) معطوف على «كونه» أي: لظهور إرادة الولد الصلبي، و هذا هو الوجه الثاني، و هو إشارة إلى طائفتين من الأخبار:

إحداهما: ما دلّ على منع بيع أمّ الولد كخبر السكوني المتقدم في (ص 241) و فيها: «من يشتري أمّ ولدي؟» إذ المراد بالولد هو المرتضع الذي يكون بحكم الولد الصلبي، و لا يصدق على ولد الولد.

ثانيتهما: الأخبار المجوّزه لبيع أمّ الولد بعد موت ولدها في حياة السيد، كرواية أبي بصير المتقدمة في (ص 256) و غيرها من أخبار الباب، فإنّ إطلاق جواز بيعها بعد موت الولد الصّلبي ينفي صدق «أمّ الولد» عليها لو خلّف الولد ولدا، و إلّا لم يجز بيعها، لأنّها لا زالت أم ولد.

هذا مضافا إلى الإجماع على الجواز بعد موت الولد.

(4) أي: الأخبار المتكفلة لأحكام أمّ الولد، في قبال الطائفة الثانية المجوّزة لبيعها.

______________________________

[1] لا دليل عليه إن اريد بذلك غير أدلة الاحتياط التي تمسك بها المحدثون في الشبهة التحريمية الحكمية. و إن اريد به أخبار الاحتياط فقد ثبت في محله ضعفها.

ص: 259

و إطلاق (1) ما دلّ من النصوص و الإجماع على الجواز بعد موت ولدها.

أو التفصيل (2) بين كونه وارثا، لعدم (3) ولد الصلب للمولى، و عدمه (4)، لمساواة (5) الأوّل مع ولد الصلب في الجهة المقتضية للمنع [1]، وجوه [2].

______________________________

(1) معطوف أيضا على «كونه» قال في الرياض: «لو مات الولد جاز بيعها، مضافا إلى الاتفاق، و النصوص المستفيضة، منها الصحيح: و إن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاءوا أعتقوا، و إن شاءوا استرقّوا».

(2) معطوف أيضا على «إجراء» و إشارة إلى القول الثالث المنسوب إلى ابن فهد الحلّي و صاحب المدارك قدّس سرّهما.

(3) يعني: أنّ منشأ كون ولد الولد وارثا للسيد هو انتفاء الولد الصّلبي.

(4) معطوف على «كونه» أي: بين عدم كون ولد الولد وارثا من جهة وجود الولد الصّلبي.

(5) هذا وجه التفصيل بين كونه وارثا و عدمه، فوجه كونه بحكم الولد هو مساواته للولد الصلبي في الجهة المقتضية لمنع بيعها، و هي انعتاقها من نصيب ولدها من الإرث.

هذا إذا كان ولد الولد وارثا، و أمّا لو لم يكن وارثا- بأن كان للميت ولد صلبي آخر يرثه- فالجهة المقتضية لمنع البيع مفقودة في ولد الولد، فتبقى الأمة مملوكة.

______________________________

[1] لكن لم تثبت عليتها بحيث يدور الحكم مدارها، فالمتّبع ظواهر الأدلة، و عدم العبرة بالعلل المستنبطة.

[2] أوسطها أوسطها، لما عرفت. و لأنّ المرجع في المخصص المجمل المفهومي- لتردده بين الأقل و الأكثر- هو عموم العام أعني به في المقام عمومات البيع و غيره من النواقل.

ص: 260

حكي أوّلها عن الإيضاح، و ثالثها عن المهذّب البارع و نهاية المرام.

و عن القواعد (1) و الدروس و غيرهما: التردّد «1».

بقي الكلام (2)

______________________________

(1) قال فيه: «و لو كان ولد ولدها حيّا احتمل إلحاقه بالولد إن كان وارثا، و مطلقا، و العدم».

هذا تمام الكلام في المبحث الثاني، و لم يختر المصنف قدّس سرّه شيئا من الأقوال، فهو من المتوقفين.

المبحث الثالث: اعتبار انفصال الولد، و عدمه

(2) غرضه قدّس سرّه تعيين موضوع الأحكام المختصة بعنوان «أمّ الولد».

و توضيحه: أنّ المفهوم من «أمّ الولد» لغة و عرفا كل ذات ولد حرّة كانت أم أمة، كما أنّ المراد بالولد هو المنفصل عن امّه. إلّا أنّ المقصود ب «أمّ الولد» في هذه المسألة هي المملوكة التي حملت من سيّدها، سواء وضعت جنينها أم لم تضعه.

و الشاهد على هذا التعميم صحيحة ابن مارد الآتية في (ص 265) حيث انيط جواز بيع المملوكة و عتقها بعدم كونها ذات حمل من السيّد. و كذلك ما ورد في بعض النصوص من إطلاق «أمّ الولد» على الجارية التي أسقطت بعد ثلاثة أشهر «2» من الحمل، مع عدم صدق «الولد» على مثله، لعدم تمام خلقته.

و لا ريب في مغايرة هذا المعنى لما يفهم من لفظ «أمّ الولد» عرفا، و ذلك لأنّ صدق «الولد» منوط بخروج الجنين، فإنّ تولّده- الموجب لصدق الولد عليه- هو خروجه عن بطن امّه، فما لم يخرج لا يصدق عليه الولد، بل يصدق عليه الحمل.

______________________________

(1) تقدمت المصادر آنفا في ص 258

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 104، الباب 3 من أبواب الاستيلاد، حديث: 1

ص: 261

في معنى (1) «أمّ الولد» فإنّ (2) ظاهر [1] اللفظ اعتبار انفصال الحمل، إذ لا يصدق «الولد» إلّا بالولادة. لكن المراد هنا (3) ولدها مجازا (4) [و لو حملا]

______________________________

و عليه فإطلاق «أمّ الولد» على الأمة الحامل إمّا أن يكون مجازا بعلاقة المشارفة، لكون الحمل مشرفا على الولادة، فهو ولد مجازا، و امّه أمّ ولد كذلك.

و إمّا أن يكون حقيقة، بدعوى: أنّ الولد و إن كان ظاهرا في المنفصل، إلّا أنّه لا يعتبر انفصاله عن الامّ، بل يكفي الولادة من الوالد، فيكون إطلاق الولد على الحمل حينئذ على وجه الحقيقة، لأنّ الحمل ولد للوالد، حيث إنّه ولد منه في رحم امّه، و حمل لأمّه، و ليس ولدا لها ما لم يولد منها أي لم يخرج من بطنها، هذا.

(1) معناها في مصطلح الشارع معلوم، فالمراد كونه حقيقة أو مجازا.

(2) هذا وجه مغايرة المعنى العرفي و الشرعي، و حاصله: كفاية الحمل في منع بيع أمّ الولد، مع أنّه لا ريب في إناطة صدق «أمّ الولد» بالولادة التي هي مبدأ الاشتقاق للمتضايفين و هما الولد و الوالدة.

(3) أي: في مسألة عدم بيع أمّ الولد، لخروجها بالاستيلاد عن كونها ملكا طلقا لسيّدها.

(4) كذا في نسختنا المعتمد عليها. و في بعض النسخ «ولدها و لو حملا» و المفاد واحد، إذ المقصود أنّ صدق «الولد» على الحمل يكون مجازا بعلاقة المشارفة المصحّحة لاستعمال «الولد» في غير ما وضع له.

______________________________

[1] لمّا كان موضوع الحكم بعدم جواز بيع أمّ الولد أمّ من ذلك- كما يستفاد من النصوص- فلا ثمرة حينئذ للبحث عن صدق الولد على الحمل و عدمه، إذ له ثمرة فيما إذا كان الموضوع عرفيا. و أمّا مع تصريح النص بالموضوع، و كونه أعمّ من العرفى فلا جدوى في البحث عن المفهوم العرفي.

ص: 262

للمشارفة. و يحتمل (1) أن يراد الولادة من الوالد دون الوالدة [1].

و كيف كان (2)،

______________________________

و المراد بقوله: «مجازا» كما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه «1» هو عموم المجاز، الصادق على كلّ من الحقيقي و هو الولد المنفصل عن امّه، و المجازي و هو الحمل، من دون اختصاص «الولد» بأحدهما، حتى يصدق على الأمة «أمّ الولد» بمجرد تحقق مسمّى الحمل.

(1) هذا وجه كون إطلاق «أمّ الولد» على الحامل حقيقيّا، بالتصرف في المولود، بأن يراد انفصاله عن الأب، لا الامّ، فيتحد المعنى الشرعي و العرفي.

(2) يعني: سواء أ كان إطلاق «أمّ الولد» على الحامل حقيقة أو مجازا، فلا إشكال في صدق الموضوع شرعا بمجرّد الحمل، إنّما الكلام في المراد بالحمل هل

______________________________

[1] لكن الولادة من الوالد فقط لا يوجب كون الإطلاق حقيقيا، ضرورة أنّ موضوع البحث هو «أمّ الولد» بحيث يضاف الولد إليها، و يقال: إنّه ولدها، و المفروض أنّ صحة هذا الإطلاق منوطه بخروجها عن بطنها. فالحمل و إن كان ولدا حقيقة للوالد، لكنه يكون ولدا للوالدة مجازا، فهي أمّ ولد الوالد، لا أنّها أمّ لولد نفسها.

و يمكن التفكيك بينهما، و كون الموضوع مع الغض عن الروايات هو أمّ ولد نفسها الملازم لكونه ولدا للوالد أيضا.

و قد ظهر من إمكان التفكيك في صدق الولد على الحمل بين ولديته للوالد و بين ولديتها للوالدة- بكونه ولدا للوالد و حملا لأمّه، و عدم اتصافه بالولدية لها إلّا بعد خروجه عن بطنها- أنه ليس المقام من التضايف حتى يلازم صدق أحدهما صدق الآخر. فما أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّه «2» لا يخلو من التأمّل، فلاحظ و تأمّل.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 456

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 183

ص: 263

فلا إشكال- بل (1) لا خلاف- في تحقق الموضوع بمجرّد الحمل. و يدلّ عليه (2):

الصحيح عن محمّد بن مارد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل

______________________________

يعتبر فيه ولوج الروح أم يكفي كونه مضغة أو علقة أو نطفة؟ سيأتي.

(1) التعبير ب «بل» لأجل إمكان وجود الخلاف في تحقق «أمّ الولد» بالحمل و إن لم يكن فيه إشكال بنظر المصنف قدّس سرّه.

(2) أي: و يدل على تحقق الموضوع- و هو أمّ الولد- بمجرد الحمل: الصحيح عن محمد بن مارد. و التعبير ب «عن محمد»- كما في المقابس أيضا «1»- يحتمل أن يكون لغرض تصحيح الطريق، و هو إسناد الشيخ قدّس سرّه إلى الحسن بن محبوب، لا للجهل بحال ابن مارد أو القدح فيه. و يشهد لهذا الاحتمال تعبير صاحب المقابس في غير موضع بصحيح محمد بن مارد. و عليه فلا إشكال في السند. و يندفع ما أفاده الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد من التعبير ب «بما رفعه الشيخ إلى ابن مارد» «2».

و يحتمل أن يكون للشبهة في وثاقة ابن مارد، بشهادة تعبير المصنف عنها- فيما سيأتي- بالرواية المؤذن بضعفها سندا، فيكون منشأ الضعف جهالة ابن مارد.

و على أحد الاحتمالين يبتني تضعيف جمع لها، و دعوى بعض- كصاحبي الرياض «3» و الجواهر- جبرها بعمل الأصحاب.

لكن الظاهر صحة الرواية، لأن إسناد الشيخ إلى ابن محبوب معتبر، و محمد بن مارد التميمي وثقه النجاشي قدّس سرّه «4»، و لذا وصفه العلّامة المجلسي قدّس سرّه بالصحيح «5».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

(2) غاية المراد، ج 3، ص 398

(3) رياض المسائل، ج 13، ص 109؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 373

(4) كما في معجم رجال الحديث، ج 17، ص 181

(5) ملاذ الأخيار، ج 12، ص 501

ص: 264

يتزوّج أمة، فتلد منه [يتزوّج الجارية تلد منه] (1) أولادا، ثم يشتريها، فتمكث عنده ما شاء اللّه لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثمّ يبدو له في بيعها. قال: هي أمته إن شاء باع ما لم (2) يحدث عنده حمل [بعد ذلك] (3) و إن شاء أعتق» «1».

و في رواية السكوني عن جعفر بن محمّد، قال (4): «قال علي بن الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين في مكاتبة يطؤها مولاها فتحبل، فقال: يردّ عليها

______________________________

و كيف كان، فموضع الاستشهاد بهذه الرواية- على كون المانع من البيع مطلق العلوق في زمان مملوكيتها للسيد، و صيرورتها أمّ ولد شرعا- هو قوله عليه السّلام:

«ما لم يحدث عنده حمل» لعدم تقييد الحمل بولوج الروح فيه، أو بكمال الخلقة، فيصدق على مطلق العلوق بما هو مبدأ نشوء آدمي حتى النطفة التي تنعقد ولدا لو بقيت في الرّحم، فلو ألقتها صدق عليها عنوان «أمّ الولد».

(1) كذا في نسختنا، و لكن في بعض نسخ الكتاب و المقابس و الوسائل:

«يتزوج أمة فتلد منه».

(2) يدل مفهوم هذه الجملة على مانعية إحداث الحمل عن البيع.

(3) لم تذكر هاتان الكلمتان في نسختنا، فإثباتهما موافقة لبعض النسخ و الوسائل.

(4) هذا موافق لما في المقابس تبعا لما في الفقيه، و لكن رواها في الوسائل عن الكافي و التهذيب بنحو آخر، فرواها الكليني قدّس سرّه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أمير المؤمنين عليه السّلام، قال في مكاتبة يطؤها مولاها، فتحمل، قال عليه السّلام: يردّ عليها مهر مثلها، و تسعى في قيمتها ...».

و التعبير عنها بالرواية لمكان النوفلي و السكوني، لعدم التنصيص على وثاقتهما. نعم بناء على الاكتفاء بعموم توثيق تفسير القمي و كامل الزيارة اتجه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 589، الباب 85 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1، و ج 16، ص 105، الباب 4 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 1

ص: 265

مهر مثلها، و تسعى في رقبتها، فإن عجزت فهي من امهات الأولاد» «1».

لكن (1) في دلالتها

______________________________

الاعتماد عليهما، أو إحراز صدورها بقرينة اخرى كعمل الأصحاب.

و كيف كان فالشاهد في حكمه عليه السّلام بصيرورة المكاتبة أمّ ولد بالحمل لو عجزت عن أداء مال الكتابة. و لم يقيّد «الحمل» في الرواية بمرتبة خاصة، فيكفي صدقه عرفا، المانع من بيع الامّ شرعا.

و عدّ صاحب المقابس هذه الرواية من جملة ما دلّ على كفاية المضغة، فراجع «2».

(1) غرضه قدّس سرّه المناقشة في دلالة رواية السكوني على كفاية مطلق الحمل في صيرورة الأمة أمّ ولد، و إنّما تدل على ذلك ببعض مراتب الحمل، و هو بعد ولوج الروح في الجنين.

و بيانه: أنّ مورد السؤال هي المكاتبة التي لا يجوز لمولاها المباشرة، لا بالملك و لا بالعقد، فلو فعل- و لم تطاوعه- استحقت مهر المثل، و مفروض السؤال تحقق الحمل. و حكم عليه السّلام بأن المباشرة و الحمل لا يمنعان عن سعيها لأداء مال الكتابة.

و لو فرض عجزها عن فكّ رقبتها فهي ذات ولد، يحرم بيعها، و تنعتق بعد موت سيّدها من نصيب ولدها إن بقي حيّا بعد وفاة أبيه.

و حيث إنّ حكمه عليه السّلام بكونها ذات ولد متأخر عن الحمل و وجوب السعي عليها و عجزها عن أداء القيمة- و توقّف ذلك على مضيّ زمان يكمل فيه خلقة الجنين و يلج فيه الروح- لم تدل الرواية على كفاية مطلق الحمل في صدق «أمّ الولد» على الأمة، بل تختص بما إذا تمّت خلقته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 97، الباب 14 من أبواب المكاتبة، الحديث: 2؛ الكافي، ج 6، ص 188، الحديث 16؛ الفقيه، ج 3، ص 154، الحديث: 3563؛ التهذيب، ج 8، ص 269، الحديث: 981

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

ص: 266

على ثبوت الحكم (1) بمجرّد الحمل (2) نظر، لأنّ (3) زمان الحكم بعد (4) تحقق السعي و العجز عقيب الحمل، و الغالب (5) ولوج الرّوح حينئذ [1].

ثم الحمل (6) يصدق بالمضغة اتّفاقا، على ما صرّح به (7) في الرياض «1»،

______________________________

و الحاصل: أنّ قرينة وجوب السعي- ثم العجز- تمنع عن كون الحمل في مورد السؤال نطفة أو مضغة أو علقة، و بهذه القرينة تفترق رواية السكوني عن رواية ابن مارد المجرّدة عن القرينة المعيّنة للحمل.

(1) أي: حكم أمّ الولد، و هو منع بيعها.

(2) أي: سواء تمّ أم لم يتمّ.

(3) هذا وجه النظر، و قد تقدم آنفا. و المراد بالحكم هو عدّ هذه المكاتبة من أمّهات الأولاد.

(4) خبر قوله: «لأن زمان» أي: يكون زمان حكمه عليه السّلام بكونها أمّ ولد متأخرا عن السعي و العجز المتأخرين عن الحمل.

(5) يعني: و الحال أنّ الغالب بحسب العادة ولوج الروح حين تأخر زمان الحكم بكونها أمّ ولد عن زمان السعي و العجز.

(6) غرضه التعرض لمراتب الحمل، و أنّه يصدق على جميعها أو على بعضها.

و بدأ ببيان حكم المضغة، فلو أسقطتها كانت أمّ ولد، و ذلك للإجماع المتضافر نقله، و لصحيحة ابن الحجاج.

(7) أي: بالاتفاق، قال قدّس سرّه في ما به يتحقق الاستيلاد: «بعلوق أمته منه ... بما

______________________________

[1] لا تكفي الغلبة في اعتبار ولوج الروح، لإمكان تحقق العجز قبل ولوج الروح فيه، كما إذا عجزت عن تأخير النجم في وقته، فإنّ العجز يتحقق حينئذ في وقت لم تلجه الروح.

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 13، ص 109

ص: 267

و استظهره (1) بعض آخر، و حكاه عن جماعة هنا و في باب انقضاء عدّة الحامل.

و في صحيحة ابن الحجّاج، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحبلى يطلّقها زوجها ثم تضع سقطا- تمّ أو لم يتمّ- أو وضعته مضغة، أ تنقضي عدّتها [عنها]؟ فقال عليه السّلام: كلّ شي ء وضعته (2) يستبين أنّه حمل- تمّ أو لم يتمّ- فقد انقضت عدّتها و إن كان مضغة (3)» «1».

ثم الظاهر (4) صدق «الحمل» على العلقة،

______________________________

يكون مبدأ نشوء آدميّ و لو مضغة ... على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ... و هو الحجة في الجملة».

(1) هو صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث استظهر الاتفاق بقوله: «و يكفي العلوق بالمضغة إجماعا كما هو الظاهر، و المحكي في كلام جماعة منهم، هنا و في حكم عدّة الحامل، و منهم الشيخ و القاضي و فخر الإسلام و أبو العباس و غيرهم» «2».

و حاصله: أنّ المحقق الشوشتري قدّس سرّه ادّعى الإجماع على صدق الحمل على المضغة، كما حكاه عن آخرين.

(2) لا يخفى مخالفة ما في المتن لما في الوسائل و غيره من كتب الأخبار، مثل «سألته عن الحبلى إذا طلقها زوجها، فوضعت سقطا» و عدم ذكر «أ تنقضي عدتها عنها» في الوسائل، و إن ذكر في الفقيه «أ ينقضي بذلك عدتها» و عدم ذكر «وضعته».

(3) هذه الجملة هي الغرض من ذكر الصحيحة، لصراحتها في صدق الحمل على المضغة.

(4) هذا فرع ثان، و هو صدق «الحمل» على العلقة و عدمه، و فيه خلاف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 421، الباب 11 من أبواب العدد، الحديث: 1

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

ص: 268

و قوله (1) عليه السّلام: «و إن كانت مضغة» تقرير لكلام السائل، لا بيان لأقلّ مراتب الحمل- كما (2) عن الإسكافي-

______________________________

فذهب فخر المحققين قدّس سرّه- مدعيا عليه الإجماع- إلى ذلك، قال: «يظهر ثبوت الاستيلاد و أحكامه بالوطي بوضعها علقة و ما بعدها إجماعا، و في ما قبله قولان، أقواهما المنع» «1». و قوّاه المصنف قدّس سرّه، لصدق الحمل. و تظهر ثمرة كونها ذات ولد في ما لو باعها مولاها قبل الإلقاء، فيبطل كما سيأتي التنبيه عليه في المتن.

فإن قلت: إنّ قوله عليه السّلام في صحيحة ابن الحجاج: «و إن كانت مضغة» ظاهر في أنّ أقل ما يصدق به الحمل هو المضغة، فلا عبرة بإسقاط النطفة و العلقة، و لا تصير أمّ ولد، كما لا تخرج المطلّقة عن العدة بذلك، لعدم إحراز الحمل.

قلت: ليس كلامه عليه السّلام بيانا لأقلّ مراتب الحمل، و إنّما أتى بكلمة «المضغة» لتقرير ما ورد في سؤال ابن الحجاج من قوله: «أو وضعته مضغة» فقرّره عليه السّلام بكفاية إسقاط المضغة، و من المعلوم عدم كونه تحديدا للحمل كي يدلّ بمفهومه على عدم العبرة بإلقاء النطفة أو العلقة.

(1) هذا دفع دخل مقدر، تقدما بقولنا: «إن قلت ... قلت».

(2) هذا راجع إلى المنفي، يعني: أنّ الإسكافي قائل بأن أقل مراتب الحمل هو المضغة. قال العلّامة قدّس سرّه: «قال ابن الجنيد: فإن أسقطت مضغة فما زاد عليها من الخلق فقد انقضت عدّتها. و هو يدل بمفهومه على عدم الانقضاء بدونها» «2».

و ليس هذا قول الإسكافي خاصة، إذ حكى صاحب المقابس قدّس سرّه «3» عن الشيخ و القاضي و الشهيدين في الدروس و المسالك الخلاف في صدق الحمل على العلقة، أو التردد فيه.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 631، و كذا في المهذب البارع، ج 4، ص 100

(2) مختلف الشيعة، ج 7، ص 528

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

ص: 269

و حينئذ (1) فيتجه الحكم بتحقق الموضوع بالعلقة كما عن بعض، بل عن الإيضاح و المهذّب البارع: الإجماع عليه.

و في المبسوط (2)- في ما إذا ألقت جسدا ليس فيه تخطيط لا ظاهر

______________________________

فدعوى الإجماع من الإيضاح و المهذب البارع على صدق الحمل على العلقة في غاية الغموض، و إن كان الحق الصدق. لكن دعوى الإجماع مع تردّد جماعة بل مخالفتهم مشكلة.

(1) أي: و حين كون قوله عليه السّلام تقريرا لا تحديدا، فيتجه الحكم بصدق «أمّ الولد» بإسقاط العلقة، كما ذهب إليه جمع في باب الاستيلاد، و كذا في عدة طلاق الحامل، كالمحقق و العلّامة في القواعد و صاحب الجواهر «1»، ففيه: «و يكفي في إجراء حكم أمّ الولد علوقها بما هو مبدأ إنسان و لو علقة، بلا خلاف أجده بل في الإيضاح الإجماع عليه». و يظهر منه في الطلاق أيضا، فراجع «2».

(2) توضيحه: أنّ شيخ الطائفة عقد مسائل أربع لما إذا وضعت أمّ الولد ما في بطنها بنفسها أو باعتداء عليها.

إحداها: أن تضع ولدا كاملا، حيّا أو ميّتا.

ثانيها: أن تضع بعض جسد الآدمي من يد أو رجل، أو جسدا قد بان فيه شي ء من خلقة الآدمي.

ثالثها: أن تضع جسدا ليس فيه تخطيط ظاهر، لكن ادّعت القوابل وجود تخطيط خفي فيه، و لو بقي في الرحم تظهر الخطوط فيه.

رابعها: ما نقله المصنف في المتن، و هو أن تلقي جسدا خاليا من تخطيط ظاهرا و باطنا، لكن قالت القوابل إنّه مبتدأ خلق آدمي، و أنّه لو بقي في الرحم لتخلّق و تصوّر بصورة الآدمي.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 37؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 141؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 375

(2) جواهر الكلام، ج 32، ص 254- 256

ص: 270

و لا خفي، لكن قالت القوابل: إنّه مبدأ خلق آدميّ، و إنّه لو بقي لخلق (1) و تصوّر- «قال قوم: إنّها لا تصير أمّ ولد بذلك، و قال بعضهم: تصير أمّ ولد.

و هو مذهبنا» انتهى «1». و لا يخلو (2) عن قوة، لصدق الحمل.

و أمّا (3) النطفة: فهي بمجرّدها لا عبرة بها ما لم تستقرّ في الرّحم، لعدم

______________________________

و رجّح الشيخ قدّس سرّه صدق «أمّ الولد» في المسائل الأربع، بناء على أن يكون الجسد الخالي من التخطيط هو الدم الجامد المتكوّن من النطفة، و هو العلقة المبحوث عنها.

(1) كذا في نسخ الكتاب، و الأولى ما في المبسوط «لتخلّق».

(2) أي: ما قاله البعض من صيرورتها أمّ ولد لا يخلو من قوة، لصدق «الحمل» على ما يكون منشأ خلق الآدميّ.

(3) هذا فرع ثالث من فروع المبحث الثالث، و هو صدق الحمل بالنطفة قبل تبدل صورتها بالعلقة، و عدمه، فصّل المصنف قدّس سرّه بين صورتين: إحداهما عدم استقرارها في الرّحم، و الثانية: استقرارها فيه.

و الظاهر أنّ المراد بالاستقرار حصول اللقاح، إذ لو استقرّت في الرحم و لم يطرء عليها عارض صلحت لأن تكون مبدأ نشوء آدمي، و هي اولى مراحل تكوّن الجنين، و انقلبت تدريجا إلى العلقة و ما بعدها من المراحل.

و المراد بغير المستقرة خلافها أي ما لم يحصل اللقاح و العلوق، أو حصل، و لكن النطفة- لعدم سلامة الجهاز الجنسي و شبهه- لا تصلح لتكوّن الجنين منها.

أمّا الصّورة الاولى فذهب المصنف قدّس سرّه إلى عدم صدق الحمل عليها، فلو ألقتها الأمة لم تكن ذات ولد. و ما ادعاه الفاضل المقداد- من الإجماع على عدم العبرة بإسقاط النطفة في عدة المطلقة- محمول على عدم كونها مستقرة في الرحم، و أنّها لو بقيت لم تتخلق و لم تتصور بصورة آدمي.

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 186

ص: 271

صدق كونها حاملا (1). و على هذا الفرد ينزّل إجماع الفاضل المقداد (2) على عدم العبرة بها (3) في العدّة.

و مع (4) استقرارها في الرّحم، فالمحكيّ (5) عن نهاية الشيخ تحقق الاستيلاد

______________________________

و أمّا الصورة الثانية ففيها خلاف كما سيأتي.

(1) و المفروض أنّ موضوع انقضاء العدة بالوضع هو الحامل. و لا أقلّ من الشك في صدقها على مجرد كون النطفة في جوفها، ثمّ ألقتها.

(2) قال قدّس سرّه- في ردّ من اكتفى بوضع العلقة لكونه مبدء خلق آدمي- ما لفظه:

«و المبدئية غير كافية إجماعا، و إلّا لكفت النطفة، لأنّها مبدء أيضا، لكنها غير كافية إجماعا، و إنّما الاعتبار بصدق الحمل، و إنما يصدق حقيقة بعد التخلق، فلذلك قال المصنف: مع تحققه حملا» «1».

و لا يخفى بعد الحمل المزبور، لعدم التخلق بمجرد الاستقرار في الرحم، و توقف التخلق على تبدل صورة النطفة بغيرها، فلا يصدق الحمل بمجرد استقرار النطفة في الرّحم.

(3) أي: عدم العبرة بالنطفة- أي بإسقاطها- في انتهاء عدّة المطلّقة. و مقتضى وحدة المناط بين المطلقة الحامل و أمّ الولد- في هذه الجهة- هو عدم العبرة بالنطفة غير المستقرة في صيرورة الأمة أمّ ولد، و لا يبطل بيعها لو بيعت قبل الإسقاط.

(4) كذا في نسختنا، و في بعضها «و أمّا مع» و لا حاجة إليها، لعدم سبق «أمّا» لتكون عدلا لها.

(5) الحاكي صاحب المقابس، قال قدّس سرّه: «و أمّا النطفة فذهب الشيخ في النهاية إلى إجراء الحكم عليه هنا» و ظاهره الإطلاق و عدم التفصيل بين الاستقرار و عدمه، قال في النهاية في عدة طلاق الحامل: «فعدّتها أن تضع حملها- سواء كان

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 3، ص 342؛ و حكاه عنه صاحب المقابس، ص 68

ص: 272

بها، و هو (1) الّذي قوّاه في المبسوط في باب العدّة- بعد أن نقل عن المخالفين عدم انقضاء العدّة به- مستدلا بعموم الآية (2) و الأخبار (3)، و مرجعه (4) إلى صدق الحمل.

و دعوى (5): أنّ إطلاق «الحامل» حينئذ مجاز بالمشارفة،

______________________________

ما وضعته سقطا أو غير سقط، تامّا أو غير تام» «1». و من المعلوم شمول «غير السقط» للنطفة بقسميها. و لعله لذا نسب الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى الشيخ الحكم بانقضاء العدة بوضع النطفة مطلقا و إن لم تستقر في الرّحم «2». و لكن حمل كلامه على صورة الاستقرار في الرحم كما في الرياض و الجواهر «3».

(1) أي: تحقق الاستيلاد بالنطفة المستقرة في الرّحم قوّاه شيخ الطائفة في المبسوط بقوله: «الثالثة: أن تلقى نطفة أو علقة، فلا يتعلّق بذلك شي ء من الأحكام عندهم، لأنّه بمنزلة خروج الدم من الرّحم، و يقوى في نفسي أنّه يتعلّق به ذلك، لعموم الآية و عموم الأخبار» «4». و لعلّ التعليل ب «لأنه بمنزلة» قرينة على إرادة النطفة المستقرة في الرّحم، فلا يعمّ ما لا يكون منشأ خلقة آدميّ.

(2) و هو قوله تعالى: وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «5».

(3) كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في (ص 268) و فيها:

«فقال عليه السّلام: كل شي ء وضعته يستبين أنّه حمل- تمّ أو لم يتمّ- فقد انقضت عدّتها».

(4) يعني: و مرجع استدلال الشيخ- بالآية و الأخبار- إلى صدق الحمل على النطفة المستقرة في الرحم.

(5) غرض المدّعي منع صدق «اولات الأحمال» حقيقة على من استقرّت

______________________________

(1) النهاية، ص 546؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

(2) مسالك الأفهام، ج 9، ص 255

(3) رياض المسائل، ج 13، ص 110؛ جواهر الكلام، ج 32، ص 254

(4) المبسوط، ج 5، ص 240

(5) الطلاق، الآية: 4

ص: 273

يكذّبها (1) التأمّل في الاستعمالات.

و ربّما يحكى (2) عن التحرير موافقة الشيخ،

______________________________

النطفة في رحمها، فيكون إطلاق «الحامل» عليها مجازا بعلاقة الأول، لتبدلها بالجنين في المستقبل، فيكون نظير ما تقدم في (ص 262) من كون «الولد» مجازا بالمشارقة في مطلق الحمل و إن كان بعد ولوج الروح، مع أنّه لا ريب في كون موضوع الحكم هو «أمّ الولد» بمعناه الحقيقي، لا المجازي.

و هذا نظير ما ذكروه في عدة الحامل من عدم انتهائها بإلقاء النطفة، لعدم صدق «اولات الأحمال» عليها.

و ردّ المصنف هذه الدعوى بمنع المجازية، و أنّ «الحمل» صادق عرفا على ما يكون منشأ تكوّن آدميّ، سواء أ كان في مرحلة النطفة أم ما بعدها من العلقة و المضغة.

(1) خبر «و دعوى» و وجه التكذيب عدم لحاظ علاقة و عناية فيها.

و لو كانت تلك الاستعمالات مجازية لكانت متقومة بلحاظ العلقة المصححة لها.

(2) غرضه قدّس سرّه التأمل فيما نسبه جمع إلى العلّامة في التحرير من انتهاء عدة الحامل بإلقاء النطفة، ليكون موافقا للشيخ في المبسوط.

ففي المقابس: «قال العلّامة: و عندي في إلقاء النطفة نظر. و اختار في التحرير قول الشيخ، و هو المحكي عن الجامع، و نقل السيوري إجماعهم على أنّه لا عبرة بها في العدة، و هو المشهور بينهم في الموضعين على ما يظهر، و المسألة موضع إشكال» «1».

و نسبه الفاضل الأصفهاني إلى العلّامة جازما به، لقوله: «خلافا للشيخ فاعتبرها- أي النطفة- و هي خيرة التحرير» «2». و كذا صاحب الجواهر قدّس سرّه «3».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

(2) كشف اللثام، ج 2، القسم الثاني، ص 133 (الحجرية)

(3) جواهر الكلام، ج 32، ص 256

ص: 274

مع (1) أنّه لم يزد فيه على حكاية الحكم عن الشيخ.

نعم، في بعض نسخ التحرير لفظ يوهم ذلك (2).

______________________________

(1) هذا وجه التأمل فيما نسب إلى التحرير، يعني: مع أنّ العلّامة لم يزد في التحرير شيئا على ما حكاه عن الشيخ، و من المعلوم أن الحكاية أعم من الاختيار.

قال العلّامة في طلاق التحرير ما لفظه: «لا فرق بين أن يكون الحمل تامّا أو غير تام بعد أن يعلم أنّه حمل و إن كان علقة، سواء ظهر فيه خلق آدمي من عين أو ظفر أو يد أو رجل أو لم يظهر، لكن يقول القوابل بأنّ فيه تخطيطا باطنا لا يعرفه إلّا أهل الصنعة. أو يلقي دما منجمدا [متجسدا] ليس فيه تخطيط ظاهر و لا باطن، لكن شهد القوابل أنّه مبدء خلق آدمي، لو بقي لتخلّق و تصوّر. أمّا لو ألقت دما لا يعلم، هل هو ما يخلق الآدمي فيه أو لا، فإنّ العدة لا تنقضي به. و قال الشيخ:

لو ألقت نطفة أو علقة انقضت به العدة» «1». انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

(2) استدراك على قوله: «مع أنه لم يزد» و غرضه توجيه ما حكاه صاحبا كشف اللثام و المقابس عن تحرير العلّامة، و حاصل الاستدراك: أنّ في بعض نسخ التحرير لفظا يوهم موافقة العلّامة للشيخ من كفاية إلقاء النطفة في انتهاء عدة الحامل.

و لم أظفر بالنسخة المشتملة على ذلك اللفظ الموهم. و لعلها النسخة التي نقل عنها صاحب الجواهر قدّس سرّه في عدة الحامل مدعيا في موضع آخر كونها نسخة مصحّحة.

و هي خالية من جملة: «قال الشيخ» فالعبارة فيها هكذا: «لو بقي لتخلّق و تصوّر، أمّا لو ألقت نطفة أو علقة انقضت بها العدة» «2».

و هي- كما ترى- صريحة في كفاية إلقاء النطفة، لا موهمة لها. و لعلّ غرض المصنف قدّس سرّه نسخة اخرى. و اللّه العالم.

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 2، ص 71 (ج 4، ص 159، الطبعة الحديثة)

(2) جواهر الكلام، ج 32، ص 255

ص: 275

نعم (1) قوّى التحرير موافقته فيما تقدّم عن الشيخ في مسألة الجسد الذي ليس فيه تخطيط. و نسب القول المذكور (2) إلى الجامع «1» أيضا.

و اعلم (3) أنّ ثمرة تحقق الموضوع- فيما إذا ألقت المملوكة ما في بطنها-

______________________________

(1) هذا أيضا استدراك على عدم موافقة العلّامة للشيخ قدّس سرّهما، و غرضه توافقهما في صدق وضع الحمل لو ألقت جسدا خاليا من التخطيط، و هو الذي تعرض له المصنف قدّس سرّه في إلقاء المضغة، فراجع (ص 267). و منشأ الموافقة هو قول العلّامة:

«أو يلقي دما منجمدا [متجسدا] ليس فيه تخطيط ظاهر و لا باطن».

(2) أي: القول بتحقق الاستيلاد بمجرد استقرار النطفة في الرحم، و قد عرفت أنّ الناسب صاحبا كشف اللثام و المقابس.

(3) غرضه التنبيه على ما يترتب على إسقاط الحمل من الثمرة شرعا، مع أنّهم اعتبروا في كون الأمة أمّ ولد بقاء الولد حيّا بعد وفات سيّدها، فلو مات الولد في حياته لم تتحرر امّه، و كذا لا عبرة بإسقاط الجنين سواء ولجه الروح أم لا، فلا جدوى حينئذ في ما تقدم من البحث عن صدق الحمل على المضغة و ما قبلها.

وجه عدم الإجداء كون الموضوع «أمّ الولد» و هو غير صادق حسب الفرض لو أسقطته تامّ الخلقة، فكيف بها لو كانت نطفة أو علقة.

فأفاد المصنف قدّس سرّه: أنّ الأمة التي ألقت ما في بطنها و إن بقيت مملوكة يجوز بيعها، و لكن تظهر ثمرة كونها «أمّ ولد» في ما لو باعها المولى- قبل إلقاء النطفة أو العلقة أو المضغة- بزعم عدم كونها حاملا و عدم صيرورتها أمّ ولد بعد، فأسقطت و تبيّن وقوع البيع مدة الحمل، إذ يحكم ببطلانه، لكون المبيع حال العقد ملكا غير طلق لا يجوز التصرف الناقل فيه.

______________________________

(1) الجامع الشرائع، ص 471

ص: 276

إنّما (1) تظهر في بيعها الواقع قبل الإلقاء، فيحكم ببطلانه (2) إذا كان الملقى حملا.

و أمّا بيعها بعد الإلقاء، فيصحّ بلا إشكال (3). و حينئذ (4) فلو وطأها المولى ثمّ جاءت بولد تامّ، فيحكم ببطلان البيع الواقع بين أوّل زمان العلوق و زمان الإلقاء. و عن المسالك الإجماع على ذلك (5).

______________________________

نعم، لو لم يبعها المولى لم يكن البحث عن تحقّق الحمل بالمضغة أو بما قبلها ذا ثمرة عملا، لعدم كونها فعلا من امهات الأولاد.

(1) الجملة خبر قوله: «أن ثمرة» و ضميرا «بطنها، بيعها» راجعان إلى المملوكة.

(2) أي: ببطلان البيع، إذ المفروض وقوع العقد على أمّ الولد.

(3) لخروجها عن عنوان «أمّ الولد» قبل البيع، و إن قلنا بصدق المشتق حقيقة على ما انقضى عنه المبدأ، لما دلّ من النص و الفتوى على جواز بيعها بعد موت ولدها.

(4) أي: و حين ظهور الثمرة في بيعها قبل إلقاء الحمل، فالمدار في بطلان البيع على وقوعه حال تحقق الحمل، سواء أ كان البيع بعد الوطء الموجب للحمل بلا تخلل زمان معتدّ به، أم بعده مع تخلل الزمان المعتد به، لصدق كون البيع في كلتا الصورتين واقعا على «أمّ الولد» المتحققة بالحمل الناشئ عن الوطء.

(5) أي: على بطلان البيع، قال في المسالك: «أن المولى لو وطئ أمته جاز له بيعها مع عدم تبيين الحمل، ثم إن ظهر بها حمل منه تبيّن بطلان البيع، لكونها أمّ ولد، و هذه المقدمات كلها إجماعية» «1».

و قال المحقق الشوشتري بعد حكاية مضمون كلامه: «و لم يفرق بين أزمنة وقوع البيع. و قد وردت روايات كثيرة فيمن اشترى جارية فوطئها فوجدها حبلى:

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 288

ص: 277

فذكر (1) صور إلقاء المضغة و العلقة و النطفة في باب العدّة إنّما هو لبيان انقضاء العدّة بالإلقاء (2)، و في (3) باب الاستيلاد لبيان كشفها عن أنّ المملوكة بعد الوطء صارت أمّ ولد (4).

______________________________

أنه يردها إلى البائع» «1».

(1) غرضه أنّ الفقهاء قدّس سرّهم تعرّضوا لإلقاء النطفة و ما بعدها- من مراحل تكوّن الجنين- في موضعين، أحدهما باب عدة طلاق الحامل، و ثانيهما باب الاستيلاد.

و المناط في الأوّل هو الموضوعية، و في الثاني الطريقية.

يعني: لوحظ إلقاء الحمل بمراتبه- من النطفة و العلقة و غيرهما- موضوعا في باب العدة، لأنه موضوع لحكم الشارع بانقضاء العدة. و لوحظ طريقا في باب الاستيلاد، لأنّ الموضوع عنوان «أمّ الولد» و الإلقاء المزبور كاشف عن تحققه حين البيع. فلو علم بالحمل بأمارة اخرى غير الإلقاء ترتب عليه الحكم و هو فساد البيع أيضا.

(2) كقول العلّامة في عدة الحامل: «تنقضي العدة من الطلاق و الفسخ بوضع الحمل في الحامل و إن كان بعد الطلاق بلحظة، و له شرطان: الأول: أن يكون الحمل ممّن له العدة ...، الثاني: وضع ما يحكم بأنّه حمل علما أو ظنا، فلا عبرة بما يشك فيه. و سواء كان الحمل تاما أو غير تام، حتى العلقة إذا علم أنها حمل، و لا عبرة بالنطفة» «2».

(3) معطوف على «في باب» و المعطوف و المعطوف عليه متعلقان ب «ذكر».

(4) قال في القواعد في شرائط الاستيلاد: «الثالث: أن تضع ما يظهر أنه حمل و و لو علقة. أما النطفة فالأقرب عدم الاعتداد بها» «3».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

(2) قواعد الأحكام، ج 3، ص 140

(3) المصدر، ص 259

ص: 278

لا (1) أنّ البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح إلى أن تصير النطفة علقة، و لذا (2) عبّر الأصحاب عن سبب الاستيلاد بالعلوق (3) الذي هو اللّقاح.

نعم (4) لو فرض عدم علوقها بعد الوطء إلى زمان،

______________________________

(1) يعني: أنّ ذكر صور إلقاء المضغة و غيرها- من مراتب الحمل- في باب الاستيلاد لبيان كشفها عن صيرورة المملوكة بعد الوطء أمّ ولد، لا لبيان أنّ البيع صحيح إذا وقع قبل صيرورة النطفة علقة، و باطل إذا وقع بعد صيرورتها علقة.

و ببيان أوضح: إنّ ذكر صور إلقاء المضغة و غيرها في باب الاستيلاد إنّما هو من باب الطريقية، لكون إلقائها كاشفا عن صيرورة المملوكة أمّ ولد. لا من باب الموضوعية، بأن يكون ذكر المضغة و غيرها لأجل تحديد الموضوع، و أنّ عنوان أمّ الولد يتحقق بمرتبة خاصّة من الحمل، حتى يقال بصحة البيع بعد الوطء إلى زمان تبدل النطفة بالعلقة.

(2) أي: و لأجل طريقية إلقاء المضغة و غيرها إلى إحراز كون المملوكة أمّ الولد- لا موضوعيته- عبّر الأصحاب عن السبب و الموضوع بالعلوق، و هو اللقاح أعني به ماء الفحل، و منه تلقيح النخل، و هو وضع طلع الذّكر في طلع الانثى أوّل ما ينشقّ.

(3) قال المحقق قدّس سرّه: «و هو- أي الاستيلاد- يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه» «1» و ظاهره كونه مجمعا عليه، لعدم الإشارة إلى الخلاف فيه في المسالك و الجواهر «2»، بل نفى الريب فيه صاحب المدارك «3».

(4) استدراك على بطلان البيع لو وقع بعد العلوق، و حاصله: أنه لو وطأها

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 138

(2) مسالك الأفهام، ج 10، ص 525؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 372

(3) نهاية المرام، ج 2، ص 315

ص: 279

صحّ البيع [1] قبل العلوق.

ثمّ (1) إن المصرّح به

______________________________

السيد و لم تحمل منه مدّة، ثم باعها، و حملت بعده صح البيع، لعدم صيرورة المملوكة بعد أمّ ولد، و لازمه صحة البيع و إن ألقته بعد ذلك، سواء أ كان الملقى ولدا تامّا أم ناقصا.

(1) هذا إشارة إلى فرع آخر من فروع المبحث الثالث، و هو أنّه هل يشترط في ترتب أحكام الاستيلاد كون منشأ الحمل هو الوطء، أم يكفي لحوق الولد بالمولى شرعا و إن كان العلوق بالمساحقة، إما بأن يساحق الزوج أمته، فينزل على ذلك العضو من دون تحقق الدخول، أو باستدخال قطنة من منيّه، و نحوهما، فحملت منه، فإنّه يوجب لحوق الولد به، و إن لم يصدق عليها كونها مدخولا بها. نظير ما ذكروه في عدة غير المدخول بها، كما لو حملت بمساحقة زوجها المجبوب. قال المحقق قدّس سرّه:

«أمّا لو كان مقطوع الذكر سليم الأنثيين، قيل: يجب العدة، لإمكان الحمل بالمساحقة. و فيه تردد، لأنّ العدة تترتب على الوطء. نعم لو ظهر حمل اعتدّت منه بوضعه، لإمكان الإنزال» «1».

و إمّا بأن تساحق زوجة السيد أو مملوكته- المدخول بهما- أمة المولى، فحملت، فإنّ الفعل و إن كان محرّما، لكن لا يمنع من كون الأمة فراشا، فيلحق الولد بالمولى.

______________________________

[1] هذا ينافي ما أفاده بقوله: «لا أن البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح إلى أن تصير النطفة علقة».

و الظاهر أنّ ما ذكره المصنف قدّس سرّه في هذه الأسطر لا يخلو من النظر و التهافت، فتأمّل فيها.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 34

ص: 280

في كلام بعض (1)- حاكيا له عن غيره-: أنّه لا يعتبر في العلوق أن يكون بالوطء (2)، فيتحقق بالمساحقة، لأنّ (3) المناط هو الحمل، و كون ما يولد منها ولدا للمولى شرعا، فلا عبرة بعد ذلك (4) بانصراف الإطلاقات إلى الغالب من كون الحمل بالوطء (5).

______________________________

و بالجملة: المراد من العلوق كلّ ما يوجب لحوق الولد شرعا بالأب و إن لم يكن بالوطء.

(1) كصاحب الرياض قدّس سرّه، قال: «ثمّ إنّ إطلاق العبارة ... و به صرّح من الأصحاب جملة: أنه لا يشترط الوطء، بل يكفي مطلق العلوق منه، و لا حلّ الوطء» «1». و ممّن صرّح به من الأصحاب الشهيد الثاني قدّس سرّه كما سيأتي.

(2) قال المحقق: «و هو- أي الاستيلاد- يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه» «2» و نحوه ما في اللمعة «3». و في الروضة: «و لا يشترط الوطء، بل يكفي مطلق العلوق منه، و لا حلّ الوطء إذا كان التحريم عارضا كالصوم و الإحرام و الحيض و الرهن أمّا الأصلي بتزويج الأمة مع العلم بالتحريم فلا، لعدم لحوق النسب» «4».

(3) تعليل لعدم إناطة العلوق بالوطء، و المفروض أنّ المساحقة تلحق الولد بالمساحق أو بمن منه الماء، و هو المولى.

(4) أي: بعد كون المناط هو الحمل و لحوق الولد بالمولى.

(5) لما قرّر في محلّه من عدم صلاحية الانصراف الناشئ من غلبة الوجود لتقييد الإطلاق، إذ المدار في التقييد بالانصراف على ظهور اللفظ في المعنى المنصرف إليه، و مجرد كون الحمل غالبا بالوطء لا يوجب الظهور.

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 13، ص 110

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 138

(3) اللمعة، ص 203

(4) الروضة البهية، ج 6، ص 370

ص: 281

نعم (1)، يشترط في العلوق بالوطء (2) أن يكون على وجه يلحق الولد بالواطئ و إن كان محرّما (3)، كما إذا كانت في حيض، أو ممنوعة الوطء لعارض آخر (4). أمّا الأمة المزوّجة فوطؤها زنا (5) لا يوجب لحوق الولد.

ثم إنّ المشهور (6) اعتبار الحمل في زمان الملك، فلو ملكها بعد الحمل

______________________________

(1) بعد أن نفى اشتراط اللحوق بخصوص المباشرة، و كفاية الحمل بسبب آخر، نبّه على اعتبار شرط فيه، و هو كونه على وجه يلحق الولد- شرعا- بالمولى، بأن تكون الأمة فراشا له، و لا يمنع حرمة المباشرة- لعارض- عن لحوق الولد بالمولى، كما إذا باشرها حائضا أو في نهار شهر رمضان أو في حالتي الإحرام و الاعتكاف.

نعم لو زوّج أمته حرم وطؤها، لعدم ملك البضع، فلو باشرها و حملت لم يلحق به الولد- و إن كان مالكا لرقبتها- لنفي الولد عنه شرعا، و ثبوت الحدّ عليه.

(2) ذكر «الوطء» من باب المثال، لما تقدم من أنّ المناط هو لحوق الولد بالمولى سواء أ كان بالوطء أم بالمساحقة أم بغيرهما.

(3) أي: عارضا، و إلّا فملك اليمين يقتضي حلية المباشرة أصالة.

(4) كالرّهن المانع من تصرف المالك في العين.

(5) لعدم كونه مالكا لوطئها مع كون البضع ملكا بالعقد للزوج.

المبحث الرابع: اعتبار كون الحمل في زمان الملك

(6) غرضه تحقيق موضوع حكم الشارع بمنع البيع- أي: أمّ الولد- من جهة اخرى، و هي اعتبار حدوث الحمل في ملك السيد، فلا عبرة بتملكها بعده، أم كفاية حملها منه لو تزوّجها ثم اشتراها.

و توضيحه: أنّ الأمة قد تلد مملوكا، كما إذا زوّجها مولاها من حرّ مع اشتراط رقيّة الولد- بناء على صحة هذا الشرط- ثم اشتراها. و قد تلد من حرّ، كما إذا زوّجها مولاها منه، فحملت، ثم اشتراها الزوج من السيد. و قد تلد من

ص: 282

لم تصر أمّ ولد، خلافا للمحكيّ عن الشيخ و ابن حمزة، فاكتفيا بكونها أمّ ولد قبل الملك. و لعلّه (1) لإطلاق العنوان [1]،

______________________________

سيّدها.

و لا ريب في موضوعية هذا القسم الثالث لأحكام أمّ الولد. كما أن المشهور خروج القسم الأوّل. إنّما الكلام في القسم الثاني، فحكي عن الطوسيين قدّس سرّهما صيرورتها أمّ ولد، ففي المبسوط: «أن تعلق الأمة بحرّ في غير ملكه، بأن يطأ أمة غيره بشبهة، فتعلق منه بولد حرّ، فلا تصير أمّ ولد في الحال. فإن ملكها قال قوم:

لا تصير أمّ ولده. و قال بعضهم تصير أمّ ولده. و هو الأقوى عندي» «1».

و الوجه فيه أمران، الأوّل: إطلاق «أمّ الولد» عليها حقيقة عرفا و لغة، و هي الموضوع لأحكامها في النصوص، لعدم تقييدها بكون العلوق في زمان الملك.

الثاني: وجود علّة منع بيع «أمّ الولد» فيها، و هي تشبثها بالحرية، و انعتاقها مما يرثه ولدها، و من المعلوم عدم الفرق في هذا المناط بين كونها حال حدوث الحمل أمة للمولى، و بين كونها زوجة له، ثم دخلت في ملكه، هذا.

لكن ناقش المصنف في كلا الوجهين كما سيأتي.

(1) أي: و لعلّ اكتفاءهما بكونها أمّ ولد- قبل الملك- لأجل صدق عنوان «أمّ الولد» عليها حقيقة بلا عناية، لكونها ذات ولد.

______________________________

[1] لا شبهة في إطلاق العنوان عليها، لكنه ليس بهذا الإطلاق موضوعا لأحكام خاصة، فالتشكيك في صدق عنوان أمّ الولد عرفا على المملوكة التي لم يكن حملها بالملك- بل بالتزويج- ضعيف.

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 186؛ الخلاف، ج 6، ص 426؛ الوسيلة، ص 342- 343، و الحاكي عنهما جماعة، فلاحظ: رياض المسائل، ج 11، ص 109؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 373

ص: 283

و وجود (1) العلّة، و هي كونها في معرض الانعتاق من نصيب ولدها.

و يردّ الأوّل (2): منع إطلاق يقتضي ذلك (3)، فإنّ (4) المتبادر من «أمّ الولد» صنف من أصناف الجواري باعتبار الحالات العارضة لها بوصف المملوكية، كالمدبّر (5) و المكاتب [1].

______________________________

(1) معطوف على «إطلاق» و هو إشارة إلى العلّة المستنبطة التي يحتمل اعتماد الطوسيّين عليها. و هي التشبث بالحرية.

(2) هذا ردّ الوجه الأوّل، و محصّله: منع إطلاق «أمّ الولد» على الأمة التي كان حملها سابقا على الملك، فإنّ المتبادر من هذا العنوان هو الأمة التي حملت بالولد من مولاها في حال مملوكيتها له، لا مطلقا، و إن كانت زوجة له. فكما أنّ «المكاتب» و «المدبّر» وصفان لبعض المماليك باعتبار عروض حالة التدبير و الكتابة عليهما، و اتصافهما بالعناوين المزبورين، فكذا عنوان «أمّ الولد».

و عليه فلا يراد هنا معناها لغة و عرفا الصادق على مطلق الجارية ذات الولد- سواء أ كان من مولاها أم من زوجها أم من غيرهما لشبهة- حتى يندرج المقام فيه، و يقال بكفاية كون ولدها ابنا للسيد و إن حملت به قبل تملّكها.

(3) أي: يقتضي شمول العنوان للأمة التي سبق حملها على الملك.

(4) هذا تعليل لمنع الإطلاق، قال في الرياض: «لانصرافه- أي إطلاق أمّ الولد- بحكم التبادر إلى التي علقت به في الملك، لا في الأمرين» «1».

(5) و هو الذي أنشأ المولى حريّته معلّقا على وفاته، فقال له: «أنت حرّ بعد

______________________________

[1] هذا لا يخلو من خفاء. و فرق واضح بين عنوان «أمّ الولد» و بين غيره من العناوين التي لا تنطبق على غير المملوك كالمكاتب و المدبّر، لأنّ هذين الوصفين من

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 13، ص 109- 110؛ و لاحظ المسالك، ج 10، ص 526؛ الجواهر، ج 32، ص 323- 374

ص: 284

و العلّة المذكورة (1) غير مطّردة و لا منعكسة، كما لا يخفى.

مضافا (2) إلى

______________________________

وفاتي» فلا يقال للمملوك «انه مدبّر» لو أوصى المولى بعتق عبده بعده.

و كذا لا يقال: «إنّه مكاتب» إلّا إذا عقد المولى معه الكتابة مشروطة أو مطلقة.

(1) هذا ردّ الوجه الثاني، و حاصله: أنّ تشبّثها بالحرية ليست علّة منصوصة، لتكون مناط الحكم، بل هي مستنبطة، و لذا لا تكون مطّردة بأن يقال: «كلّ أمة هي في معرض الانعتاق من نصيب ولدها أمّ ولد» و لا منعكسة بأن يقال: «كل أم ولد تكون في معرض الانعتاق من نصيب ولدها».

أما عدم اطّراد العلّة، فلأنّ المستولدة التي مات قريبها و خلّف تركة، و لم يكن له وارث سواها، تشترى حينئذ من التركة و تعتق، لترث قريبها، على ما ذهب إليه جماعة، بل ادّعى بعض الإجماع عليه، فإنّ العلة- و هي معرضيّتها للانعتاق من نصيب ولدها- موجودة فيها، و مع ذلك يجوز بيعها، و لا تمنع العلة المزبورة عن بيعها، فليست العلّة المذكورة مطردة و مقتضية للحكم بعدم جواز البيع في جميع مواردها.

و أمّا عدم انعكاس العلة فكما لو ارتدّ الولد، فإنّ أمّ الولد حينئذ لا تباع، مع أنّ الولد لارتداده لا يرث من أبيه حتى تنعتق امّه من نصيبه. فالعلة- و هي معرضية الأمة لانعتاقها من نصيب ولدها- مفقودة، و مع ذلك لا يجوز بيعها. و شأن العلة دوران الحكم مدارها وجودا و عدما.

(2) هذا وجه آخر لمنع كلام الشيخ و ابن حمزة قدّس سرّهما، و حاصله: أنّ رواية

______________________________

الأوصاف المختصة بالمملوك. بخلاف «أمّ الولد» فإنّه غير مختصّ بالمملوكة، و لذا لا يلاحظ فيه عنوان المملوكية، دون غيره من الصفات المختصة بالمملوك، فلا يكون أمّ الولد كغيره.

ص: 285

صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة «1».

ثمّ (1) إنّ المنع عن البيع [عن بيع أمّ الولد]

______________________________

ابن مارد تحدّد الموضوع، لقوله عليه السّلام- في الأمة التي تزوجها الرجل و ولدت له، ثم تملكها و لم تحمل منه بعده-: «هي أمته» فلا يعبأ بصدق «أمّ الولد» عليها عرفا و لغة بعد صراحة الرواية في التقييد.

هذا تمام الكلام في المبحث الرابع.

المبحث الخامس: عموم منع نقل «أمّ الولد»

(1) هذا شروع في بيان حكم بيع أمّ الولد بعد الفراغ عما يتحقق به الموضوع.

و هل أنّ الأصل فيه المنع إلّا ما ثبت جوازه؟ أم أنّ الأصل هو المنع عن البيع عدا ما خرج، ليكون هو المرجع في موارد الشك في جواز البيع و منعه.

فأفاد قدّس سرّه: أنّ المستفاد من النصوص و الإجماع- مؤيّدا بفهم الأصحاب- هو عموم منع التصرف الناقل لها عن ملك سيّدها إلى غيره، و لا يخرج منه إلّا بدليل، كالاضطرار إلى بيعها لوفاء ثمنها لو اشتراها السيد نسيئة، و لم يكن له ما يؤدّيه به، و نحوه من مواضع الاستثناء الآتية بالتفصيل إن شاء اللّه تعالى.

و بناء على استفادة القاعدة الكلّية يتعيّن الحكم بمنع البيع فيما لم يحرز جوازه، خلافا لمن أنكر هذا العموم، و تمسّك بآية حلّ البيع و قاعدة السلطنة على صحة بيع أمّ الولد في غير ما نهض الدليل على المنع، كما سيأتي عن المحقق الأردبيلي و السيد المجاهد و صاحب المقابس قدّس سرّهم.

أمّا النصوص التي يستفاد منها عموم المنع، فمنها: رواية السكوني المتقدمة في (ص 241) الدالة على كون بيع أمّ الولد الرضاعية من المنكرات، فتدل بالأولوية على المنع في أمّ الولد الصلبي. و لو كان المنع عن بيعها ثابتا في بعض الموارد لم يتجه إنكاره

______________________________

(1) تقدمت في ص 265

ص: 286

..........

______________________________

مطلقا.

و منها: روايته الاخرى المتقدمة في (ص 265) التي حكم عليه السّلام بكون المكاتبة- العاجزة عن أداء مال الكتابة- أمّ ولد، لإمكان اتّكاله عليه السّلام على وضوح الحكم عند السائل، و علمه بافتراق «أمّ الولد» عن المكاتبة حكما، و منع بيعها، و مقتضى الارتكاز عدم جواز نقلها مطلقا.

و منها: رواية محمد بن مارد المتقدمة في (ص 265) و فيها: «إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك» لظهور المفهوم- و هو: إن حدث عنده حمل بعد التملك لم يجز بيعها- في منع البيع بمجرّد حدوث الحمل في ملك السيّد، و مقتضى إطلاق المفهوم عدم الجواز مطلقا.

و منها: رواية عمر بن يزيد الآتية في (ص 299) المتضمنة للسؤال عن وجه بيع مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لأمّهات الأولاد، ثم سأل الراوي عن جواز بيعهن فيما سوى الدين، فقال أبو ابراهيم عليه السّلام: «لا» فإنّها صدرا و ذيلا تدل على المنع.

أمّا الصدر فلظهوره في كون المنع مسلّما، و لذا استفسر عمر بن يزيد من الإمام الكاظم عليه السّلام لرفع استبعاده عمّا أوجب إقدامه عليه السّلام على البيع.

و أمّا الذيل فلصراحته في عدم جواز البيع في غير الدين، و هذا هو العموم المدّعى.

و أمّا الإجماع، فقد ادّعي على المنع أيضا، ففي جامع المقاصد: «فإنّه لا يجوز بيع أمّ الولد ما دام حيّا، اتفاقا، إلّا في المواضع المستثناة من كلام الفقهاء» «1».

و في الرياض: دعوى نفي الخلاف في منع البيع «2».

و قال في الكفاية: «و ظاهر كلام الأصحاب عدم جواز بيع أمّ الولد» «3».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 13، ص 132

(2) رياض المسائل، ج 13، ص 111

(3) كفاية الأحكام، ص 225

ص: 287

قاعدة كلية (1) [1] مستفادة من الأخبار- كروايتي السكوني

______________________________

و نقل فخر المحققين عن والده قدّس سرّهما الإجماع على منع البيع. لكن لم أجده في الطبعة الحديثة من المختلف، فراجع «1».

و المتحصل: أنّ الأصل في بيع أمّ الولد هو المنع إلّا ما خرج بالدليل.

فإن قلت: يشكل دعوى الإجماع على عموم المنع مع ما سيأتي من اختلافهم في كثير من المواضع المستثناة، و التزام جمع بجواز البيع في جملة منها. نعم لا بأس بدعوى الإجماع على المنع في الجملة، لكنه لا يجدي للمرجعيّة في موارد الشك.

قلت: الظاهر عدم التنافي بين الإجماع عن المنع عن نقلها، و بين كون جملة من المواضع خلافية، و ذلك لأن الاتفاق على المنع ناظر إلى حكم أمّ الولد بالعنوان الأوّلي، و موارد الاختلاف من قبيل طروء عنوان ثانوي عليها، و من المعلوم أنّه لا تمانع بين كون حكم الشي ء بالعنوان الأوّلي متفقا عليه، و بين كونه حين طروء العنوان الثانوي عليه مختلفا فيه.

و عليه فالمقام نظير حكمهم بحلية اكل لحم الغنم بما هو هو، و بحرمته بعنوان المغصوب و المنذور التصدق و نحوهما. فامّ الولد يحرم بيعها بما هي أمّ ولد، و يجوز عند بعض الطوارئ، كأداء ثمن رقبتها.

(1) كما في الجواهر أيضا، لقوله: «و بذلك و نحوه ظهر لك أنّ المهم حينئذ تحقيق كون مقتضى الأدلة عدم جواز نقلها إلّا ما خرج بالدليل، أو جوازه إلّا ما خرج؟ و الظاهر الأوّل» «2».

______________________________

[1] هذا هو التحقيق. و منعه ضعيف، إذ لا قصور في إطلاق مفهوم قوله عليه السّلام في صحيح ابن مارد: «إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل».

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 634؛ مختلف الشيعة، ج 8، ص 132

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 382

ص: 288

و [محمد] ابن مارد المتقدمتين، و صحيحة عمر بن يزيد الآتية و غيرها (1)- و من (2) الإجماع على أنّها لا تباع إلّا لأمر يغلب ملاحظته على ملاحظة الحقّ

______________________________

(1) كرواية السكوني المتقدمة أوّل المسألة، فلاحظ (ص 241).

(2) معطوف على «من الأخبار».

______________________________

و التفكيك في الإطلاق- كما في حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه تبعا للمحقق الخراساني قدّس سرّه «1»: «بأنّ قوله عليه السّلام- ما لم يحدث عنده حمل- لا إطلاق فيه، لكونه مسوقا لبيان حكم المغيّى، و في موضوع عدم حدوث الحمل- لا لبيان حكم الغاية و في موضوع حدوث الحمل، فلا يستفاد منها في موضوع الحمل إلّا المنع في الجملة و مهملا. و الاختلاف بين الغاية و ذي الغاية يتحقق بذلك» «2». غير ظاهر، إذ فيه:

أوّلا: أنّ الأصل العقلائي يقتضي كون المتكلم في مقام البيان من جهة شكّ في كونه في مقام بيانها، و غاية ما ذكره هو الشكّ في كونه في مقام البيان.

و ثانيا: أنّ مثل هذه التشكيكات يوجب سقوط الإطلاقات طرّا عن الاعتبار، و حملها على التشريع فقط، و هذا بمكان من الضعف.

و ثالثا: أنّ التعرض في كلام الإمام عليه السّلام لما ذكره السائل من عدم الحمل قرينة على كونه عليه السّلام في مقام البيان من جهة حكم الغاية لا حكم المغيّى فقط، لكفاية ذكر عدم الحمل في كلام الراوي في الجواب عنه بجواز البيع و العتق. فتكرير الإمام عليه السّلام له دليل على كونه عليه السّلام في مقام بيان حكم الحمل، و هو الغاية. فالإطلاق ثابت بالنسبة إلى كلّ من حكم الغاية و المغيّى.

نعم لا بأس بالمناقشة في رواية السكوني، إذ هي لا تدلّ على أزيد من أنّ لأمّهات الاولاد حكما خاصا بهنّ.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 115

(2) حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني، ج 1، ص 183

ص: 289

الحاصل منها بالاستيلاد- أعني تشبّثها بالحرّية (1)- و لذا (2) كلّ من جوّز البيع في مقام، لم يجوّزه إلّا بعد إقامة الدليل الخاص.

______________________________

لكن لا يخفى عدم ثبوت الإجماع التعبدي هنا، لقوة احتمال استنادهم في ذلك إلى النصوص المتقدمة، فلاحظ.

(1) تقدم في (ص 254) تكرر هذه الكلمة في كتب الأصحاب، و إن رماها المصنف قدّس سرّه بكونها علة مستنبطة لا منصوصة، فلا تصلح للاستناد.

(2) هذا تشبث بفهم الأصحاب لإثبات عموم المنع، و هو مؤيّد، لا دليل. يعني:

و لأجل كون منع بيع أمّ الولد قاعدة كلية- خارجة من عموم الوفاء بالعقود و حلّ البيع- فكلّ من جوّز بيعها في موضع اعتمد على دليل يخصّص عموم المنع، لا إلى العمومات المقتضية للصحة، لفرض العلم بتخصيصها بالنصوص المانعة عن بيع أمّ الولد. و من الواضح أنّ المرجع في مورد الشك في بيعها هو العام الثاني المانع، لا العام الفوق المعلوم تخصيصه.

______________________________

و بعبارة اخرى: لا تدلّ إلّا على صغروية هذه المكاتبة العاجزة عن أداء مال الكتابة لأمّ الولد. و أمّا حكم أمّ الولد من عدم جواز بيعها و غيره فلا يظهر من هذه الرواية.

إلّا أن يقال: بوضوح الحكم عند السائل، إذ لو لم يكن منع بيع أمّ الولد معلوما له لم يجد مجرّد عدّ هذه المكاتبة من أمّهات الأولاد، و لم يتلقّ السائل وظيفته الفعلية بالنسبة إلى هذه المكاتبة. مع أن ظاهر سكوته عليه علمه بالحكم بنفس جعلها أمّ ولد.

و كيف كان فالمناقشة مختصة برواية السكوني، و لا تتأتى في صحيحة ابن مارد، لما مرّ، و لا في صحيح عمر بن يزيد، لقوة ظهور قول السائل فيه: «لم باع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أمّهات الأولاد» في كون عدم جواز بيعهن مركوزا عند أذهان المتشرعة، و اقتضاء هذا العنوان لعدم جواز البيع، و السؤال إنما يكون من وجود المانع الذى جوّز البيع، كما يظهر من كلام الإمام عليه الصلاة و السلام.

ص: 290

فلا بد (1) من التمسك بهذه القاعدة المنصوصة المجمع عليها حتى يثبت بالدليل ما هو أولى بالملاحظة (2) في نظر الشارع من الحقّ المذكور. فلا يصغى (3)

______________________________

(1) هذه نتيجة استفادة القاعدة الكلية- في بيع أمّ الولد- من النصوص و الإجماع.

(2) كتعلق حق الغير بها، أو تعلق حقها بتعجيل العتق، و غيرهما ممّا سيأتي في مواضع الاستثناء، فلاحظ (ص 295) و ما بعدها.

(3) هذا إشارة إلى القول المخالف في المسألة، و هو إنكار عموم منع بيع أمّ الولد، فيقتصر في تخصيص عمومات الصحة على ما نهض الدليل على منع البيع، و يقال بجواز البيع في الموارد المشكوكة، و قال به المحقق الأردبيلي و السيد المجاهد و نسب إلى فخر المحققين و صاحب المدارك أيضا.

ففي مجمع الفائدة: «و لكن لا يبعد أن يقال: إنّ الاستصحاب و أدلة العقل و النقل تدلّ على جواز التصرف في الأملاك مطلقا، فيجوز مطلق التصرف في أمّ الولد ببيعها مطلقا و غيره إلّا ما خرج بدليل. و ما ثبت الدليل- و هو الإجماع هنا- إلّا في منع البيع مع بقاء الولد و عدم إعسار المولى بثمنها ...» «1».

و قال السيد المجاهد- بعد الاستناد إلى عمومات صحة العقود و الشروط-:

«لا يقال: يعارض العمومات المذكورة عموم ما دلّ على النهي عن بيع أمّ الولد، و هو أخصّ من تلك العمومات، فينبغي تخصيصها به. لأنّا نقول: لم نجد عموما يدلّ على ذلك بحيث يكون أصلا يرجع إليه في موارد الشك، و إن كان الشهيد الثاني ادّعى وجوده. فإذا: الأصل فيها العمومات المذكورة» «2».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 171

(2) المناهل، ص 319 و 320، و نسب إلى الإيضاح أصالة الجواز، و هو كذلك في كتاب البيع، ج 1، ص 428، و لكن الموجود في باب الاستيلاد هو قوله: «و الأقوى عندي: أنّه لا تباع أمّ الولد» و ظاهره أصالة المنع، فراجع، ج 3، ص 636، و لا بد من مزيد التتبع.

ص: 291

إذا إلى منع الدليل على المنع كلّيّة، و التمسك (1) بأصالة صحّة البيع من حيث قاعدة تسلّط الناس على أموالهم (2) حتى يثبت المخرج (3).

ثمّ (4) إنّ المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلّيّة المذكورة

______________________________

(1) معطوف على «منع».

(2) التمسك بقاعدة السلطنة مبني على كونها مشرّعة للأسباب كما يقتضيه استدلال المحقق الأردبيلي بها على مملّكية المعاطاة. و أمّا بناء على كون مدلولها نفي حجر المالك عن التصرفات المشروعة فيشكل الاستناد إليها في المقام، لعدم إحراز قابلية أمّ الولد للنقل حتى يتجه صحة بيعها بها.

(3) أي: ما يخصّص أصالة صحة بيع أمّ الولد.

(4) غرضه قدّس سرّه أن منع بيع أمّ الولد من العمومات الشرعية المخصّصة بمواضع سيأتي ذكرها. و لكن حكي عن السيد المرتضى قدّس سرّه إنكار الاستثناء، و لو تمّت الحكاية كان هذا القول مقابلا- بتمام المقابلة- لمن أنكر أصالة المنع، و ذهب إلى أصالة صحة البيع. و في صحة ما نسبه ابن إدريس إلى السيّد تأمّل.

و الأولى نقل كلامه المنقول في المقابس- في حكم بيع أمّ الولد إن كان ثمنها دينا على مولاها المعسر- وقوفا على حقيقة الأمر، ففيه: «حيث قال- أي السيد-:

و مما انفردت به الإمامية القول بجواز بيع امهات الأولاد بعد وفات أولادهن، و لا يجوز بيع أمّ الولد و ولدها حيّ. و هذا موضع الانفراد، فإنّ من يوافق الإمامية في جواز بيع أمّهات الأولاد يخالفها في التفصيل الذي ذكرناه. ثم استدلّ- أي السيد- بإجماع الإمامية، و أطال الكلام في الأدلة الدالة على جواز البيع ردّا على المخالفين» «1».

و قال في السرائر: «و قال السيد المرتضى: لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 70؛ الانتصار، ص 175، المسألة التاسعة من كتاب التدبير

ص: 292

..........

______________________________

لا في الثمن، و لا في غيره» «1».

و الظاهر أن منشأ نسبة منع البيع إلى السيد مطلقا هو قوله: «و لا يجوز بيع أمّ الولد و ولدها حيّ» إذ لم يفصّل قدّس سرّه بين كون ثمنها دينا على السيد و عدمه.

لكن وجّه صاحب المقابس كلام السيد بما لا يكون مخالفا لإجماع الأصحاب على جواز البيع في الفرض المزبور، قال قدّس سرّه: «و عبارته ليست نصّا في المخالفة، و إنّما قصد بها الرّد على المخالفين، حيث لم يوافقوا على التفصيل بين بقاء الولد و موته. و لمّا كان التفصيل بذلك- أي بين حياة السيد و موته- مجمعا عليه بين الأصحاب، فلذلك نقل الإجماع عليه» «2».

و محصّله: أنّ نظر السيد نفي مذهب المخالفين من منع البيع مطلقا، سواء بقي الولد أم مات، و ليس مقصوده دعوى الإجماع على الجواز بعد وفاة الولد حتى يقال بمخالفته للأصحاب المفصّلين بين كون ثمنها دينا على مولاها، و عدمه.

و ارتضى المصنف قدّس سرّه هذا الحمل. و عليه فالكليّة المزبورة مخصّصة عند جميع الإمامية. و لو فرض تمامية نسبة عموم المنع إلى السيد، قلنا إنه لا عبرة به لمخالفته للنصوص المعتبرة، و هي على طائفتين:

الاولى: ما دلّت على جواز بيعها في موضع خاص، و هو ثمن رقبتها. و سيأتي التعرض لها قريبا، فلاحظ (ص 299).

الثانية: ما دلّت على أنّ أمّ الولد أمة، و يجري عليها حكم سائر الإماء، مع عدم سبق سؤال عن بيعها في خصوص الدين و لا في غيره، و من المعلوم جواز التصرف الناقل في مطلق الأمة ببيع و هبة و نحوهما. نعم يقيّد الإطلاق بمقدار قيام الحجة على المنع، مثل كون الولد حيّا، و لم يكن ثمنها دينا على مولاها.

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 21

(2) المقابس، ص 71

ص: 293

في الجملة (1). لكن المحكيّ في السرائر عن السيد قدّس سرّه عموم المنع و عدم الاستثناء.

و هو (2) غير ثابت. و على تقدير الثبوت فهو ضعيف، يردّه (3)- مضافا إلى ما ستعرف من الأخبار- قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة و قد سأله عن أمّ الولد، قال: «تباع و تورث، و حدّها حدّ الأمة» «1» بناء على حملها (4) على أنّها قد يعرض لها ما يجوّز ذلك.

______________________________

فإن قلت: هذه الرواية لا تدل على جواز بيعها في الجملة، لظهورها في اتحاد حكمها مع سائر الإماء، فكما يصحّ نقلها كذا يصح نقل أمّ الولد، و هذا ينافي تلك القاعدة التي استفادها المصنف من النصوص و الإجماع من أصالة منع بيعها.

قلت: نعم، و إن كان ظاهرها معارضا لتلك القاعدة، إلّا أن الرواية محمولة على أنّ أمّ الولد قد يعرض عليها ما يجوّز البيع. و ليس المراد مماثلة أمّ الولد لمطلق الأمة في جواز البيع متى شاء السيد.

(1) و هي القدر المتيقن من تخصيص عموم المنع، و إن لم نقل بجواز بيعها في جميع المواضع الواردة في كلمات الفقهاء.

(2) أي: و عموم المنع- عند السيد- غير ثابت، لما تقدم من توجيه كلامه في المقابس.

(3) هذه خدشة اخرى في عموم المنع- لو سلّم التزام السيد قدّس سرّه به- و محصّلها دلالة الأخبار المعتبرة على جواز البيع إمّا في خصوص الدين، و إمّا من دون التقييد به.

(4) إذ لو لم تحمل عليه لكان مقتضاها جواز البيع مطلقا لا في خصوص طروء المسوّغات، فلا بد من هذا الحمل الذي هو جمع عرفي بين هذه الرواية و بين ما دلّ على عدم جواز بيعها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 52، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، الحديث: 3

ص: 294

[و أمّا المواضع القابلة للاستثناء]
اشارة

و أمّا المواضع (1) القابلة للاستثناء- و إن [و قد] وقع التكلّم في استثنائها

______________________________

إلّا أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام: «و حدّها حد الأمة» يأبى عن هذا الحمل، لكونه كالنص في كون أمّ الولد كغيرها من الإماء من دون تفاوت بينهما. فلا بد حينئذ من معاملة التعارض، و تقديم ما دلّ على المنع عن بيع أمّ الولد لأرجحيته، فلاحظ.

المبحث السادس: المواضع القابلة للاستثناء من عموم المنع

(1) هذا شروع في ذكر موارد يمكن تخصيص عموم منع البيع فيها، و اختلفوا في ضبطها و عدّها، فاقتصر الشهيد قدّس سرّه في اللمعة على ثمانية مواضع، و تنظّر في التاسع «1».

و في جامع المقاصد جواز بيعها في أربعة عشر موضعا «2»، و أضاف الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى ما في متن اللمعة، فبلغ المجموع عشرين موضعا، ثم قال: «و في كثير من هذه المواضع نظر» «3». و أنهاها صاحب المقابس قدّس سرّه إلى ثمانية و ثلاثين موضعا على ما فيها من الوفاق و الخلاف «4».

و أفاد المصنف قدّس سرّه: أنّ الاستثناء ينشأ من وجود ما يصلح كونه أولى بالرعاية من حقّ الاستيلاد، و جواز بيعها لا بدّ أن يكون لانطباق أحد عناوين أربعة:

أوّلها: تعلق حق الغير بها، كما إذا مات مولاها مديونا بثمنها، و لم يخلّف شيئا لأدائه، فحقّ البائع أولى بالرعاية من حق أمّ الولد.

ثانيها: تعلق حقّها بتعجيل العتق، كما إذا مات أحد أقارب أمّ الولد، و ليس له وارث سواها، فتشترى من مولاها لتعتق، و لو بقي شي ء من التركة كان إرثا لها.

ثالثها: تعلّق حقّ سابق على الاستيلاد، كما إذا رهنها المولى في دين، ثم

______________________________

(1) اللمعة، ص 94

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 98- 99

(3) الروضة البهية، ج 3، ص 260- 261

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 70- 94

ص: 295

لأجل وجود ما يصلح أن يكون أولى بالملاحظة من الحقّ- فهي (1) صور، يجمعها:

[القسم الأول ما تعلّق حقّ للغير بها]
اشارة

تعلّق حقّ للغير بها، أو تعلّق حقّها بتعجيل العتق، أو تعلّق حقّ سابق على الاستيلاد، أو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل.

[المورد الأول ما إذا كان على مولاها دين و لم يكن ما يؤدّي هذا الدّين]

فمن موارد القسم الأوّل: ما إذا كان على مولاها دين، و لم يكن ما يؤدّي هذا الدّين (2). و الكلام في هذا المورد قد يقع فيما إذا كان الدّين ثمن رقبتها، و قد يقع فيما إذا كان غير ثمنها.

و على الأوّل (3)، يقع الكلام تارة بعد موت المولى، و اخرى في حال حياته.

أمّا بعد الموت (4)، فالمشهور الجواز، بل عن الروضة:

______________________________

استولدها، و تعذر الوفاء، فيجوز بيعها، لتقدم حق الارتهان على حق الاستيلاد.

رابعها: عدم تحقق الحكمة المانعة عن نقلها إلى الغير، كما إذا ارتدّ ولدها قبل وفاة السيد، فإنّ الحكمة من عدم بيعها- و هي الانعتاق من نصيب الولد- منتفية، فيجوز بيعها.

(1) جواب الشرط في «و أمّا».

القسم الأوّل: تعلق حق الغير بامّ الولد 1- أن يكون على مولاها دين

(2) هذا هي المورد الأوّل، و هو يتضمن صورتين ممّا ذكره في المقابس، و الجهة الجامعة بين الصورتين هو بيعها في الدين، ففصّل المصنف قدّس سرّه بين كون الدين ثمن رقبتها، و بين كونه مالا آخر في ذمة السيّد، فهنا مقامان. و على الأوّل فتارة يبحث عن جواز بيعها بعد وفاة السيد، و اخرى في حياته.

(3) هذا شروع في المقام الأوّل، و هو حكم بيع أمّ الولد مقدمة لأداء ثمنها إلى البائع.

(4) أي: جواز بيعها إن كان ثمنها دينا على السيد و لم يؤدّه في حياته.

ص: 296

أنّه موضع وفاق (1).

و عن جماعة (2) «أنّه لا خلاف فيه». و لا ينافي ذلك (3) مخالفة السيد في أصل المسألة، لأنّهم (4) يريدون نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء في بيع أمّ الولد،

______________________________

و استدلّ عليه- بعد الإجماع المتضافر نقله- بإطلاق قاعدة السلطنة، و بصحيح عمر بن يزيد، و إن ناقش في الاستناد إلى حديث السلطنة، كما سيأتي.

(1) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «أما مع الموت فموضع وفاق» «1».

(2) الحاكي عن جماعة عدم الخلاف هو السيد العاملي «2»، و كذا في المسالك و مجمع الفائدة «3»، بل في جامع المقاصد: دعوى الإجماع عليه، فراجع «4».

(3) أي: و لا ينافي عدم الخلاف- الذي ادّعاه جماعة- مخالفة السيد المرتضى و منعه بيعها مطلقا، سواء في دين ثمنها أو في دين آخر ممّا في ذمة مولاها.

وجه عدم التنافي: أنّ مقصود مدّعي الإجماع إمّا نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء، لا عدم الخلاف بين جميع الفقهاء حتى تقدح مخالفة السيد في تحقق صغرى الإجماع من جهة إنكاره بيع أمّ الولد مطلقا. و إمّا نفي الخلاف بين الفقهاء المجوّزين لبيعها في ثمن رقبتها، لإتفاقهم على الجواز بعد وفاة السيد، و إن اختلفوا فيه حال حياته.

و بكلّ من الوجهين تتجه دعوى الإجماع على الجواز مع عدم معارضته بمخالفة السيد قدّس سرّه له.

(4) تعليل لقوله: «لا ينافي» وجه عدم المنافاة الالتزام بأحد الأمرين كما مرّ آنفا.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 261

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 262، و لاحظ: نهاية المرام، ج 2، ص 315؛ كفاية الأحكام، ص 225؛ رياض المسائل، ج 13، ص 111

(3) مسالك الأفهام، ج 8، ص 46؛ مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 170

(4) جامع المقاصد، ج 13، ص 140

ص: 297

أو القائلين باستثناء بيعها في ثمن رقبتها، في قبال صورة حياة المولى المختلف فيها.

و كيف كان (1)، فلا إشكال في الجواز في هذه الصورة (2)، لا لما قيل:

«من قاعدة تسلّط الناس على أموالهم» لما (3) عرفت من انقلاب القاعدة إلى

______________________________

(1) أي: سواء تمّ توجيه دعوى الإجماع أم لم يتم، فالحكم بالجواز مما لا شبهة فيه، لوفاء الدليل به. و هو إمّا عمومات صحة البيع و حليته، و قاعدة السلطنة بتقريب: أن «أمّ الولد» مال من أموال السيّد، و مقتضى سلطنة الملّاك على أموالهم جواز التصرف الناقل، إلّا ما خرج بدليل، و من المعلوم أن إطلاق السلطنة يزيل الشك في جواز بيع أمّ الولد إن كان ثمنها دينا.

و نسب صاحب المناهل «1» إلى فخر المحققين الاستدلال بقاعدة السلطنة، و ارتضاه، و ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه «2» وجها لتردّد المحقق لا للاعتماد عليه بوجه.

________________________________________

قال في الإيضاح في شرح قول والده: «و في اشتراط موت المولى نظر» ما لفظه: «و الأوّل- أي عدم الاشتراط- أولى، لأنّها مملوكة، و الأصل جواز التصرف في الملك بالبيع و غيره، خرج المتفق على منعه، بقي الباقي على الأصل» «3».

لكن تقدم في (ص 291) ما ربما يستفاد عدوله في باب الاستيلاد عنه.

و ناقش المصنف فيه بأنّ قاعدة السلطنة و نحوها مما يقتضي الصحة قد علم انقلابها- في أمّ الولد- إلى قاعدة المنع، فلا بد في موارد الشك من الرجوع- في هذا المال الخاص- إلى عموم المنع، لا إلى عمومات صحة العقود المفروض تخصيصها.

(2) و هي صورة بيعها- بعد وفاة المولى- في ثمن رقبتها.

(3) تعليل لقوله: «لا» و قد اتّضح وجهه آنفا.

______________________________

(1) المناهل، ص 319

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 376

(3) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 428

ص: 298

المنع في خصوص هذا المال (1). بل (2) لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عمر بن يزيد، قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام (3): أسألك عن مسألة، فقال: سل.

قلت: لم باع أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه أمّهات الأولاد؟ قال: في فكاك

______________________________

(1) أي: أمّ الولد، و المراد من الانقلاب هو تخصيص العموم و تقييد الإطلاق.

(2) معطوف على «لا لما قيل» فكأنه قال: «لا إشكال في الجواز، لما رواه المشايخ ... الخ».

(3) هذا موافق لما في التهذيب و الفقيه، و في الكافي: «قلت لأبي عبد اللّه أو لأبي إبراهيم» من تردد الراوي في أن المسؤول هو الإمام الصادق أو الكاظم عليهما السّلام.

ثم إن هذه الصحيحة تضمّنت أسئلة ثلاثة، و المقصود من ذكرها الاستدلال بجوابه عليه السّلام عن السؤال الثاني من جواز بيع أمّ الولد في ثمنها بعد وفاة السيّد.

و لا بأس بتوضيح ما ورد فيها، إذ الظاهر حصول شبهة لعمر بن يزيد نشأت ممّا وصل إليه من أنّ أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين باع أمّهات الأولاد، و ظاهره تكرّر بيعهن، و لعلّ منشأ الشبهة حكم المخالفين بأنّ أمّ الولد حرّة، و إنكارهم بيعها، فاستجاز عمر بن يزيد من الإمام عن أن يسأل و يستعلم، فأجازه عليه السّلام. فسأل عن وجه فعل أمير المؤمنين عليه السّلام، فأجابه الإمام عليه السّلام بأنّ البيع كان في فكاك رقابهن.

و كأنّ السائل لم يقنع بهذا الجواب، لعدم كون البيع في فكاك رقابهن بيّنا، فسأل مرة اخرى «فكيف ذلك؟» فأجابه عليه السّلام بما حاصله: أنه يجوز بيعها إذا اجتمعت امور ثلاثة:

الأوّل: أن يكون ثمن الجارية دينا في ذمة مولاها، و لم يؤدّه إلى بائعها. و هذا مفاد قوله عليه السّلام: «و لم يؤدّ ثمنها».

الثاني: موت المولى حال كونه مديونا لثمنها، و هذا مدلول قوله عليه السّلام:

«و لم يدع من المال ما يؤدّي عنه» لظهور «لم يدع» في موت المولى، و إلّا لعبّر بمثل «و لم يكن له من المال ...».

ص: 299

رقابهنّ. قلت: فكيف ذلك؟ قال: أيّما رجل اشترى جارية فأولدها و لم (1) يؤدّ ثمنها، و لم يدع من المال ما يؤدّي عنه (2)، اخذ منها ولدها و بيعت (3)، و ادّي ثمنها.

قلت: فيبعن (4) فيما سوى ذلك من دين؟ قال (5): لا (6)» «1».

و في رواية (7) اخرى لعمر بن يزيد

______________________________

الثالث: عدم ترك مال لأداء الدين، و تفريغ الذمة عن ثمن الجارية، و هذا أيضا مفاد الجملة المتقدمة.

ثم سأل عمر بن يزيد عن جواز بيع أمّ الولد فيما عدا ثمنها من ديون اخرى لو كانت على السيّد. فنفى عليه السّلام ذلك.

و بالجملة: فالصحيحة وافية بإثبات المدّعى، و هو جواز بيع أمّ الولد بعد وفاة السيد إن كان مديونا بثمنها.

(1) كذا في النسخ، و في الوسائل و الكافي و الفقيه و التهذيب: «ثم لم يؤدّ».

(2) كذا في النسخ، و هو موافق لما في التهذيب و الفقيه، و لكن في الكافي «عنها»، و في الوسائل: «عند» و هذا الأخير غير ظاهر. فلعلّه من سهو النسّاخ.

(3) كذا في الكافي و الفقيه و التهذيب، و لكن في الوسائل: «فبيعت».

(4) كذا في نسختنا، و هو موافق لما في الكافي و التهذيب و الوسائل، و في بعض نسخ الكتاب «فتباع» و هو موافق لما في الفقيه.

(5) الضمير المستتر في «قال» في المواضع الأربعة رجع إلى أبي إبراهيم عليه السّلام.

(6) أي: لا يجوز بيعهن في ما سوى أداء أثمانهن.

(7) التعبير بالرواية لاشتمال السند على معلّى بن محمد، و هو و إن كان من مشايخ الإجازة، إلّا أنّه لا توثيق له بالخصوص، و لكن ضعف السند منجبر بعمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 51، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، الحديث: 1؛ الكافي، ج 6، ص 193، الحديث: 5؛ الفقيه، ج 3، ص 139، الحديث: 3512؛ التهذيب، ج 8، ص 238، الحديث:

95 من كتاب العتق (المسلسل 862).

ص: 300

عن أبي الحسن (1) عليه السّلام، قال: «سألته عن أمّ الولد، تباع (2) في الدّين؟ قال:

نعم (3)، في ثمن رقبتها (4)» «1».

و مقتضى إطلاقها (5)،

______________________________

الأصحاب، لاستنادهم إليها في الحكم بجواز بيعها في حياة المولى إن كان ثمنها دينا عليه، كما سيأتي.

(1) و هو الإمام الكاظم عليه السّلام بقرينة كون الراوي من أصحابه.

(2) بتقدير همزة الاستفهام أي: أتباع في الدين؟

(3) كذا في نسخ الكتاب، و هو موافق لما في الكافي و الوسائل، و لكن في التهذيب «نعم تباع ...».

(4) و دلالتها على المدّعى- و هو جواز البيع في ثمن رقبتها بعد وفاة السيد- إمّا لأنّ قوله عليه السّلام: «نعم» في جواب السؤال ب «تباع في الدين؟» بصيغة المجهول الظاهرة في كون البائع غير المولى. و فيه إشعار بكونه سؤالا عمّا بعد الموت.

و إمّا لأنّ تجويز البيع مطلق شامل لحالتي حياة السيد و موته.

و على كل الوجهين تصلح الرواية للاستدلال بها على الصورة المتقدمة.

(5) شرع قدّس سرّه بتحقيق مدلول الروايتين من حيث وفائهما بإثبات جواز بيعها في ثمن رقبتها حال حياة السيّد، و عدمه. و كلمات المصنف- كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدّس سرّه «2» مع اندماجها- تقع في مراحل:

الاولى: التمسك بروايتي عمر بن يزيد لجواز بيعها.

الثانية: التمسك بهما للمنع.

الثالثة: ترك الاستدلال بهما، إمّا للمعارضة، و إمّا لعدم الدلالة، ثم الانتقال

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 51، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، الحديث: 2؛ الكافي، ج 6، ص 192، الحديث: 2؛ التهذيب، ج 8، ص 238، الحديث: 92 من كتاب العتق (المسلسل 859).

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 184

ص: 301

..........

______________________________

إلى عموم المنع و القاعدة الكلية التي استفادها المصنف من النصوص و الإجماع.

و في هذه المرحلة عارض هذا العموم بعموم صحة العقود و حلّ البيع كما ذهب إليه جمع، ثم رجّح عموم المنع.

الرابعة: الرجوع ثانية إلى رواية ابن يزيد لإثبات جواز البيع حال الحياة، و تقديمها على معارضها و هي صحيحة ابن مارد.

أمّا المرحلة الاولى، فيمكن الاستدلال على جواز بيع أمّ الولد- في حياة مولاها- تارة بخصوص رواية عمر بن يزيد من جهة إطلاق الجواز، و عدم اختصاصه بحال الموت، بعد عدم كون قول السائل «تباع» قرينة على وفاة السيد.

و التقييد بالموت و إن استفيد من صحيحته، إلّا أنّه لا موجب لحمل المطلق على المقيد هنا، لكونهما مثبتين، فلسان أحدهما تجويز البيع بعد وفاة السيد، و الآخر تجويزه لأداء الدين مطلقا، و لا منافاة بينهما، فيؤخذ بهما.

و اخرى بكلتا الروايتين، بدعوى: إطلاق الصحيحة كإطلاق الرواية، و ذلك بمنع ما فيها من قرينة على وقوع بيع الأمير عليه الصلاة و السلام بعد وفاة مواليهن.

أمّا قول السائل: «لم باع أمير المؤمنين عليه السّلام؟» فلا يقتضي تحقق البيع بعد موت السيد، لما في المقابس من قوله: «و ذلك لأنّه لا فرق في حياته و موته في أنّ المباشر هو المولى مع وجوده، و الوارث بعد موته. فلا وجه لمباشرته عليه السّلام إلّا بطريق الوكالة أو الولاية حيث وجد سببها، كامتناع المولى أو الوارث، أو صغر أو نحو ذلك. فالوجه في إسناده- أي إسناد البيع- إليه: إمّا ذلك، فيعم الصورتين- أي حياة السيد و موته- أو حكمه عليه السّلام بالبيع عموما أو في الموارد الخاصة، لأنّ مثل ذلك مما يرجع فيه إليه عليه السّلام، لتعلق حق اللّه تعالى و حقّ أمّ الولد ببقائها لتحصيل انعتاقها مع حصول شرائطه» «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 72

ص: 302

بل إطلاق الصحيحة- كما قيل (1)- ثبوت الجواز مع حياة المولى كما هو مذهب

______________________________

و أمّا قوله عليه السّلام: «بيعت» فلا يشهد بكون المتصدّي للبيع غير المولى بعد وفاته، و ذلك «لأنّ التعبير بالمجهول في مقام سوق القضية بنحو الكلية- من دون اختصاص الحكم بمالك دون مالك- شائع جدّا» «1».

و أما قول السائل: «فيبعن» فليس قرينة أيضا على موت المولى، لأعميته منه و من حال حياته، خصوصا إذا كان المقصود تعميم جواز البيع لصورتي الموت و الحياة.

مضافا إلى أنّه كلام السائل، فلو فرض ظهوره في إرادة البيع بعد الوفاة لم يكن حجة، إذ العبرة بما ورد في جوابه عليه السّلام.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و لم يدع من المال» فهو و إن كان ظاهرا في البيع الواقع بعد موت المولى، و يؤمي إليه أيضا قوله: «بيعت» لكنه لا يقتضي تقييد الإطلاق، لاحتمال كون الغرض بيان إحدى الصورتين في مقام التمثيل. و إطلاق الخبر الثاني يكشف عن كونه تمثيلا، لا تخصيصا و لا بيانا، لأنّ بيع أمير المؤمنين عليه السّلام كان في هذه الصورة خاصة. و قد فهم الأصحاب ذلك أيضا كما يظهر منهم، حيث لم يخصّصوا الحكم بذلك و لم يعتبروا مفهومه «2».

و يحتمل أن يراد من قوله عليه السّلام: «و لم يدع» أنّ المولى لم يترك من ماله شيئا، كما إذا أنفق ماله مثلا، و لم يبق منه ما يؤدّي به ثمن أمّ الولد.

و عليه فلا تختص الصحيحة حينئذ بوفاة المولى.

(1) المصرّح بإطلاق صحيحة عمر بن يزيد لحال حياة المولى جماعة، منهم الشهيد الثاني و أصحاب الرياض و المناهل و المقابس «3» قدّس سرّهم. و هو مقتضى استدلال

______________________________

(1) حاشية المحقق الأصفهاني، ج 1، ص 278

(2) مقابس الأنوار، ص 71 و 72

(3) مسالك الأفهام، ج 8، ص 46؛ رياض المسائل، ج 11، ص 405- 406، و ج 13، ص 111؛ المناهل، ص 319؛ مقابس الأنوار، ص 71

ص: 303

الأكثر (1)، بل لم يعرف الخلاف فيه صريحا (2). نعم تردّد فيه الفاضلان (3).

و عن نهاية المرام و الكفاية (4) «أنّ المنع نادر، لكنّه لا يخلو عن قوّة».

______________________________

آخرين بالصحيحة على جواز بيعها في ثمن رقبتها و إن كان في حياة السيد، كالعلّامة و الشهيد و المحقق الثاني «1» و الفاضل الأصفهاني، و غيرهم قدس اللّه أسرارهم.

قال في المسالك بعد نقل الصحيحة: «و هذه الرواية كما دلّت على جواز بيعها في ثمن رقبتها في هذه الحالة مطلقا- الشاملة لموت المولى و عدمه- دلّت على عدم جواز بيعها في غيره من الديون، الشامل لما لو استغرقت التركة» «2».

(1) قال في موضع من الرياض: «بل مطلقا على الأظهر الأشهر» «3».

(2) ولدا ادّعى صاحبا الرياض و المقابس «4» الإجماع عليه.

(3) يعني: في بعض المواضع، كالمحقق في بيع الشرائع، و العلّامة في بيع القواعد و التحرير «5». و إلّا فلا تفصيل بين حياة المولى و موته في كلام المحقق في نكاح الشرائع و عتقه «6» و النافع- كما قيل- و لا في كلام العلّامة في المختلف و الإرشاد و عتق القواعد «7».

(4) هذا إشارة إلى المرحلة الثانية، و هي استظهار منع بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها حال حياة المولى، خلافا للأكثر، و هذا القول و إن كان نادرا كما ذكره صاحب المدارك قدّس سرّه، و لكنّه لا يخلو من قوة من جهة عدم الاعتماد على رواية ابن يزيد،

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 8، ص 130؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 223؛ جامع المقاصد، ج 13، ص 134

(2) مسالك الأفهام، ج 8، ص 46

(3) رياض المسائل، ج 13، ص 405

(4) رياض المسائل، ج 13، ص 111؛ مقابس الأنوار، ص 71

(5) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 23؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 165 (ج 2، ص 280، الطبعة الحديثة)

(6) شرائع الإسلام، ج 2، ص 312، و ج 3، ص 139

(7) قواعد الأحكام، ج 3، ص 60 و ص 259؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 81

ص: 304

..........

______________________________

بناء على مبناه من اختصاص أدلة حجية الخبر الواحد بالصحيح. و ينحصر الدليل في صحيحة ابن يزيد، و هي بقرينة قوله عليه السّلام: «و لم يدع من المال» مختصة بإفادة الجواز بعد موته، فيبقى البيع قبله مندرجا في ما دلّ على عموم المنع.

قال قدّس سرّه- بعد نسبة الجواز إلى الأكثر، و جزم جدّه قدّس سرّه به في المسالك، و ظهور «لم يدع» في الموت- ما لفظه: «و القول بالمنع نادر، لكنه لا يخلو عن قوّة» «1».

و قريب منه كلامه في باب الاستيلاد «2».

و تصدّى صاحب الجواهر قدّس سرّه لتوجيه دلالة الروايتين على منع البيع حال الحياة بقوله: «نعم قد يقال. إنّ الإطلاق المزبور يمكن تقييده بصحيح عمر بن يزيد الآخر ... ضرورة ظهور قوله:- و لم يدع- في حال الموت كظهوره في اعتبار ذلك في الجواز، خصوصا بعد أن كان ذلك منها في بيان الكيفية المسؤول عنها، بل هو صريح ذيله الشامل للدين حال الحياة ... الخ» «3».

و توضيحه: أنّ رواية عمر بن يزيد و إن كانت مجوّزة لبيعها مطلقا، إلّا أنها تقيّد بصحيحته المختصة بحال الموت. و الوجه في اختصاصها به أمران:

أحدهما: ظهور قوله عليه السّلام: «و لم يدع» في كونه قيدا للكيفية التي سأل الراوي عنها بقوله: «و كيف ذلك؟». و الكيفية التي جاز فيها البيع هي أداء ثمن رقبتها بعد الموت. و أمّا بيعها في حياة المولى فلم يذكره الإمام عليه السّلام، و إنّما قرّر السائل فيما كان مرتكزا عنده من عموم المنع. و من المعلوم أنّ مفهوم تقييد الجواز بما بعد الموت هو انتفاء الجواز بانتفاء القيد.

______________________________

(1) نهاية المرام، ج 1، ص 294؛ كفاية الأحكام، ص 173، حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 262

(2) نهاية المرام، ج 2، ص 316

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 376- 377

ص: 305

و ربما يتوهم (1) القوة (2) من حيث توهّم تقييدها (3) بالصحيحة السابقة، بناء على (4) اختصاص الجواز فيها بصورة موت المولى- كما يشهد به (5) قوله فيها:

______________________________

و عليه فيكون عموم المنع- المستفاد من تقريره عليه السّلام- بضميمة تقييد الجواز بالموت بمنزلة العام المخصّص، و العام المخصّص يفيد الحصر. و يتعين حينئذ تقييد إطلاق ما في رواية عمر بن يزيد «نعم تباع في ثمن رقبتها» بما إذا لم يؤدّ المولى الدين في حياته.

ثانيهما: أنّ قوله عليه السّلام: «لا» في ذيل الصحيحة في جواب سؤال ابن يزيد:

«فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟» صريح في عدم جواز البيع إلّا في مورد واحد، و هو المشار إليه ب «ذلك» و هو الدين في ثمن الرقبة بعد الموت. و من المعلوم أنّ بيعها حال الحياة- و إن كان لوفاء الدين في ثمن أمّ الولد- داخل تحت عموم «ما سوى» كما يدخل فيه سائر ديون السيّد. و بعد تقيّد الصحيحة بالجواز المختصّ بما بعد الموت يقيّد إطلاق الجواز في الرواية الاخرى. و نتيجة هذا التقييد فقد الدليل المخصّص لعموم منع أمّ الولد ليقال بجواز بيعها في ثمن رقبتها في حياة مولاها.

(1) لعلّ الأنسب بمقام صاحب الجواهر قدّس سرّه عدم التعبير عما أفاده بالتوهم في الموضعين.

(2) قد ظهر أنّ مناط منع البيع حال الحياة فقد الدليل عند صاحب المدارك قدّس سرّه لعدم استناده إلى رواية عمر بن يزيد، كما أنّ مناطه بنظر صاحب الجواهر قدّس سرّه تقييد إطلاق الرواية بالصحيحة، لصراحتها في الاختصاص بالبيع بعد الموت.

(3) أي: تقييد رواية اخرى- لعمر بن يزيد- بصحيحته.

(4) هذا البناء هو مبنى التقييد، إذ لو كان مفاد الصحيحة مجرد جواز البيع في صورة موت السيد- من دون دخل للموت فيه- لم تصلح الصحيحة للتقييد.

(5) أي: يشهد باختصاص الجواز قوله عليه السّلام: «و لم يدع».

وجه الشهادة: ظهوره في أنّ المولى لم يخلّف مالا يؤدّى به ثمنها، فهو ظاهر في

ص: 306

«و لم يدع من المال ... الخ»- فيدلّ (1) على نفي الجواز عمّا سوى هذا الفرد (2)، إمّا لورودها (3) في جواب السؤال عن موارد بيع أمّهات الأولاد، فيدلّ (4) على الحصر. و إمّا (5) لأنّ نفي الجواز في ذيلها فيما سوى هذه الصورة (6) يشمل بيعه (7) في الدين مع حياة المولى.

______________________________

الموت، فيقيّد به إطلاق قوله عليه السّلام في خبر آخر لعمر بن يزيد: «نعم في ثمن رقبتها» إن لم يكن ظاهرا في بيعها حال وفاة المولى، لظهور قول الراوي: «تباع في الدين» في كون البائع غير المولى، الظاهر في موته.

و بالجملة: فبعد تقيّد الروايتين أو تقييد المطلق منهما بمقيّدها، يكون المتحصل جواز بيع أمّ الولد في خصوص ثمن رقبتها بعد موت سيّدها.

(1) يعني: فيدل قوله عليه السّلام: «فيدع» على نفي الجواز في غير هذا الدين المخصوص.

(2) و هو دين ثمنها بعد وفاة السيد.

(3) أي: لورود الصحيحة، و هذا إشارة إلى أوّل الوجهين، و تقدم توضيحهما بقولنا: «أحدهما ... ثانيهما».

(4) أي: فيدلّ قوله عليه السّلام: «فيدع» على الحصر.

(5) معطوف على «إمّا» و هذا إشارة إلى ثاني الوجهين، و هو قوله في الجواهر:

«بل هو صريح ...».

و لعلّ الأولى تبديل «أمّا» بالواو، لأنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه جمع بين الوجهين، و جعلهما قرينة على الحصر، و ليس المقصود وفاء أحد الوجهين به على سبيل منع الخلو كما يستشمّ من كلمة «إمّا» و الأمر سهل.

(6) أي: سوى صورة موت المولى، و بقاء ثمنها في ذمته.

(7) كذا في النسخ، و الصحيح «بيعها».

ص: 307

و اندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح (1).

______________________________

(1) هذا منع قوّة عدم جواز البيع- حال حياة المولى- بالوجهين المتقدمين عن الجواهر.

أمّا منع الأوّل، فلعدم كون السؤال من تمام موارد جواز بيع أمّ الولد، حتى يكون جوابه مفيدا للحصر بما ذكره من المورد. بل الظاهر أنّ السؤال كان عن المسوّغ الذي باع الأمير صلوات اللّه و سلامه عليه لأجله أمّ الولد، و إن أجاب الإمام الكاظم عليه السّلام بنحو القضية الكلية المنطبقة على بيع الأمير عليه السّلام «في فكاك رقابهن». و حينئذ فاللازم ملاحظة هذه الكلية و ما اخذ فيها من قيود. و لا ريب في أنّ المتيقن من القيد هو عدم أداء الثمن و فقد المال الذي يؤدى به الدين، و أمّا قيدية الموت فغير معلومة، و إن كان جوابه عليه السّلام ناظرا إلى صورة الموت.

فالنتيجة: أنّه لا وجه لاستفادة الحصر من الجواب، فيمكن أن يكون هناك وجه آخر لجواز البيع.

و أمّا منع الثاني، فلظهور السؤال الثاني- كالأوّل- في بيعها في الدين بعد الموت، و الجواب أيضا ظاهر في عدم بيعها بعد الموت، فلا يشمل نفي الجواز في ذيلها بيعها في الدين مع حيوة المولى، لوضوح أنّ «بيعها في ثمن رقبتها في حياة المولى» و إن كان بيعا لها في ما سوى حال الموت، و لكنه ليس بيعا لها في ما سوى ثمن رقبتها، و المراد بقوله عليه السّلام: «في ما سوى ذلك» أي: سوى دين ثمنها من دون تقييد بالموت.

و عليه فالوجهان المزبوران لا يصلحان لإثبات عدم جواز البيع في حال حياة المولى حتى يكونا دليلين على خلاف المشهور، كما لا يخفى.

و قد تحصّل مما أفاده المصنف قدّس سرّه في المرحلة الثانية: قصور صحيحة ابن يزيد و روايته عن إثبات منع البيع في حياة المولى.

ص: 308

نعم، يمكن أن يقال (1):

______________________________

(1) هذا شروع في المرحلة الثالثة، و هي ترك العمل بالخبرين- بالنسبة إلى حكم البيع في حياة السيد- إمّا لقصور الصحيحة و الرواية، و إما للمعارضة. و على كلّ منهما يتعين الرجوع إلى قاعدة المنع العامة، أو قاعدة اخرى.

أمّا قصور الصحيحة فللجمود على ظاهرها من اختصاص الجواز بما بعد وفاة السيد. و أما قصور الرواية فلظهور قول السائل: «تباع في الدّين؟»- بصيغة المجهول- في كون البائع لها شخصا آخر بعد موت السيد.

و عليه فلا إطلاق فيها لتجويز البيع حال الحياة، كما لم يكن إطلاق في الصحيحة. و حينئذ فالمرجع القاعدة الكلية في بيع أمّهات الأولاد، و هو المنع.

و أمّا بناء على عدم اختصاص رواية ابن يزيد بالبيع بعد وفاة المولى و شمولها لحال الحياة، فتقع المعارضة بينها و بين صحيحة ابن مارد المتقدمة في (ص 265) و فيها قوله عليه السّلام: «هي أمته، إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل، و إن شاء أعتق» لظهور المفهوم في أنّ الأمة المستولدة بالتزويج لو اشتراها و تملكها- و حملت بعد الشراء- لا يجوز بيعها مطلقا، سواء أراد السيد بيعها في ثمنها أم في غيره من الديون، أم فيما ليس دينا أصلا.

و النسبة بينهما عموم من وجه، و ذلك لأخصية صحيح ابن مارد من رواية ابن يزيد من جهة، لاختصاص الصحيح بحياة المولى بقرينة قوله: «إن شاء باع» و أعميته منها من جهة اخرى، لعدم اختصاصه ببيعها في ثمن رقبتها.

و أخصية رواية ابن يزيد من الصحيح من جهة، لاختصاصها ببيعها في ثمن رقبتها، و أعميتها منه من جهة اخرى، لعدم اختصاصها بحياة المولى.

ففي مورد الاجتماع- و هو بيعها في ثمن رقبتها مع حيوة المولى- يتعارضان و يتساقطان، فيرجع إلى أصالة المنع عن البيع التي استنبطها المصنف قدّس سرّه من روايات السكوني و محمد بن مارد و عمر بن يزيد المتقدمات، و غيرها.

ص: 309

- بعد الغضّ (1) عن دعوى ظهور قوله: «تباع في الدّين» في كون (2) البائع غير المولى في ما بعد الموت- إنّ النسبة بينها (3) و بين رواية ابن مارد المتقدمة عموم من وجه، فيرجع (4) إلى أصالة المنع الثابتة بما تقدّم من القاعدة المنصوصة المجمع عليها.

نعم (5)، ربما يمنع عموم القاعدة

______________________________

(1) إذ مع عدم الغضّ عن هذه الدعوى لا تكون النسبة عموما من وجه، لأنّ رواية عمر بن يزيد تدل حينئذ على جواز بيعها في ثمن رقبتها بعد موت المولى، و لا تدلّ على جواز بيعها مع حياته حتى تكون أعمّ من وجه من صحيح ابن مارد المختص بعدم جواز بيعها مع حياة المولى، ليقع التعارض بينهما في المجمع، إذ على هذا لا مجمع بينهما، لتعدد الموضوع.

(2) متعلق ب «ظهور».

(3) أي: بين رواية ابن يزيد.

(4) هذا نتيجة تساقط المتعارضين- بالعموم من وجه- في المجمع، و هو بيعها في ثمنها في حياة المولى. فلا بدّ من الرّجوع إلى العام الفوق، و هو إمّا القاعدة المستنبطة المانعة عن بيع أمّ الولد كما عليه المصنف قدّس سرّه. و إمّا العمومات المقتضية لصحة العقود إلّا ما خرج منها بالدليل، كما يظهر من صاحب المقابس.

(5) استدراك على مرجعية أصالة المنع بعد تعارض الروايتين، و غرضه المناقشة في مرجعيتها- في مورد الاجتماع المزبور- بما حاصله: أنّ عموم القاعدة المانعة عن البيع على وجه يشمل صورة تعلق حق للمالك بامّ الولد- ليحتاج جواز بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى إلى تخصيص عموم تلك القاعدة- غير ثابت، فلا مانع حينئذ من التمسك بقاعدة السلطنة المقتضية لجواز البيع مع حياة المولى.

و الظاهر أنّ المنكر لأصالة المنع هنا هو صاحب المقابس قدّس سرّه، فإنه اختار مذهب المشهور من جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها مطلقا في حياة المولى و مماته،

ص: 310

على هذا الوجه (1) بحيث (2) يحتاج إلى المخصّص، فيقال (3): بمنع الإجماع في محلّ الخلاف، سيّما مع كون المخالف جلّ المجمعين، بل كلّهم إلّا نادرا، و حينئذ (4) فالمرجع إلى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».

لكن التحقيق خلافه (5)، و إن صدر هو

______________________________

و استدل عليه بوجوه، قال في أوّلها: «انّ الأصل في كل ملك جواز نقله إلى الغير بالبيع و غيره. و أمّ الولد ملك المولى إجماعا، و لا دليل يعتمد عليه في المنع من بيعها مطلقا غير الإجماع، و هو مفقود هنا» «1». و سيأتي تقريب منع عموم القاعدة.

(1) أي: عموما شاملا لمورد الاجتماع بين الروايتين المتعارضتين، إذ لو ثبت عموم في الجملة لم يكن مرجعا في مورد الشك.

(2) هذا شأن العموم، إذ لو ثبت لكان القول بجواز البيع في ثمن رقبتها مع حياة المولى متوقفا على المخصّص.

(3) هذا تقريب لمنع عموم قاعدة عدم جواز البيع، و حاصله: أنّ الإجماع الذي كان مستند هذه القاعدة مفقود في محل الخلاف، و هو بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى، لذهاب جلّ المجمعين- بل كلّهم إلّا نادر- إلى جواز البيع في هذه الصورة، فلا إجماع في هذا الفرض حتى يستند إليه عموم قاعدة «عدم جواز بيع أمّ الولد» على وجه يشمل صورة وجود المولى، و يحتاج خروج الفرض عنه إلى التخصيص.

فإذا لم يكن هنا عام يقتضي بطلان البيع، فالمرجع في مورد الاجتماع قاعدة السلطنة القاضية بجواز البيع.

(4) أي: و حين منع الإجماع في محلّ الخلاف.

(5) هذا الضمير و ضمير «هو» راجعان إلى منع عموم القاعدة المدلول عليه ب «يمنع».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 71

ص: 311

عن بعض المحققين (1)، لأنّ المستفاد من النصوص (2) و الفتاوى: أنّ استيلاد الأمة يحدث لها حقّا مانعا عن نقلها، إلّا إذا كان هناك حقّ أولى (3) منه بالمراعاة.

و ربما توهّم (4) معارضة هذه القاعدة بوجوب أداء الدين، فيبقى قاعدة

______________________________

(1) و هو صاحب المقابس قدّس سرّه. فعموم المنع ثابت، و هو يقتضي عدم جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها مع حياة المولى و إن كان خلاف المشهور، إذ المنسوب إليهم جوازه.

(2) تقدّم في (ص 255) نقل النص الذي استفيد منه تشبث أمّ الولد بالحرية، و كذلك جملة من الكلمات. كما تقدم في (ص 251) دعوى صاحب الحدائق قدّس سرّه إلحاق الأصحاب النقل بغير البيع بالبيع، لاشتراك علّة المنع في جميع النواقل، و هو التشبث بالحرية.

و لعلّ كلام المصنف هنا لا يخلو من منافاة لقوله هناك و في (ص 254) من عدم وجدان نصّ عليه. فلاحظ.

(3) مثل كون ثمنها دينا في ذمة مولاها المعسر، فإنّه أولى بالمراعاة من حقها بالاستيلاد.

(4) هذا انتصار للمشهور القائلين بجواز بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى، و حاصله: وقوع التعارض بين قاعدة المنع عن البيع و بين وجوب أداء الدين فيتساقطان، و يرجع إلى قاعدة السلطنة المقتضية لجواز البيع، و إلى استصحاب جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد.

و هذه المعارضة أوردها صاحب المقابس في منع ما حكي عن ابن حمزة قدّس سرّه من اختصاص جواز بيعها في ثمنها بموت السيّد، فردّه المحقق الشوشتري قدّس سرّه بالتمسك بالاستصحاب، و بوجوب أداء الدين، قال قدّس سرّه: «يمكن الرّد عليه باستصحاب الحكم الثابت في حياة المولى ... و بما دلّ على تقديم الدّين على الإرث ...» «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 71

ص: 312

«السلطنة» و أصالة (1) بقاء جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد.

و لا يعارضها (2) أصالة بقاء المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها، لأنّ (3) بيعها قبل العجز ليس بيعا في الدّين، كما لا يخفى.

و يندفع (4) أصل المعارضة بأنّ أدلة وجوب أداء الدين مقيّدة بالقدرة

______________________________

(1) معطوف على «قاعدة» أي: فتبقى أصالة الجواز ... الخ.

(2) أي: لا يعارض أصالة بقاء الجواز أصالة بقاء المنع. توضيحه: أن استصحاب جواز البيع قبل الاستيلاد معارض باستصحاب المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها و إعسار المولى عنه. فلا يصلح الاستصحاب لإثبات الجواز، فلا يثبت مذهب المشهور و هو جواز البيع.

و هذه المعارضة تظهر من السيد المجاهد قدّس سرّه القائل بجواز بيعها في حياة السيد، حيث قال في جملة كلامه: «لا يقال: يعارضها- أي عمومات الصحة- أصالة بقاء عدم جواز بيعها. لأنّا نقول ... بل أصالة بقاء جواز البيع يقتضي الحكم به حينئذ، فيتحقق التعارض بين الاستصحابين» فراجع «1».

(3) هذا تعليل لعدم معارضة الأصلين، توضيحه: أنّ الاستصحاب منوط ببقاء موضوعه، و هو مفقود في استصحاب المنع، لأنّ موضوعه عدم كون البيع في ثمن رقبتها.

و إن شئت فقل: إنّ الموضوع في جواز البيع هو إعسار المولى، و في المنع عن البيع هو إيساره، فهما نظير السفر و الحضر. و ليس اليسر و العسر في المقام نظير تبدل حالات الموضوع، بل نظير السفر و الخصر و الفقر و الغنى بالنسبة إلى الأحكام.

(4) هذا دفع ما تقدم من المعارضة بين منع بيع أمّ الولد في حياة السيد و بين وجوب أداء الدين. و التعبير ب «أصل المعارضة» لأجل عدم الموضوع للمعارضة

______________________________

(1) المناهل، ص 319

ص: 313

العقلية و الشرعية، و قاعدة المنع تنفي القدرة الشرعية (1)،

______________________________

بين أصالتي المنع و الجواز، إذ بعد وجود عموم «المنع عن بيع أمّ الولد» لا يبقى مجال للأصل العملي.

و تقريب الدفع: أنّ دليل وجوب أداء الدين لا يصلح لمعارضة قاعدة المنع، و ذلك لارتفاع موضوعه، ضرورة تقيّد وجوب أداء الدين عقلا و شرعا بالقدرة على أدائه. أمّا عقلا فلاقتضاء الخطاب القدرة على متعلقه.

و أمّا شرعا فلدلالة الآية الشريفة على اعتبار اليسار. و أنّه لا يجب شي ء على المعسر، و يجب إنظاره و إمهاله حتى يتيسّر له الأداء. و من المعلوم أن قاعدة منع بيع أمّ الولد تسلب سلطنة السيّد على بيعها، فينتقي اليسار المأخوذ في موضوع دليل وجوب أداء الدّين.

و أما حرمة بيع أمّ الولد فلم يؤخذ في موضوعه إلّا عنوان «أمّ الولد» و هو محفوظ سواء وجب بيعها لأداء الدّين أم لا.

و بعبارة اخرى: انّ موضوع وجوب البيع- لأداء الدين- ما يكون صالحا للبيع، و هو قاصر عن إثبات الصلاحية، لعدم كونه مشرّعا لجواز بيع ما لم يحرز جواز بيعه.

مثلا لو كان للمديون مال بمقدار الدين أو أزيد منه، لكن حجر شرعا عن التصرف فيه- بأن كان مرهونا- لم يصلح الأمر بأداء الدين لتجويز بيعه مقدّمة لأداء دين آخر منه. فكذا الحال في أمّ الولد، فإنّ حق الاستيلاد مانع من بيعها و إن كان في ثمن رقبتها مع حياة المولى.

و عليه فلا يصحّ توجيه فتوى المشهور- بجواز بيعها في هذه الصورة- بما افيد من تعارض قاعدة المنع و وجوب أداء الدين، و الرجوع إلى قاعدة السلطنة.

(1) فتكون حاكمة على دليل وجوب أداء الدين، لارتفاع موضوعه- و هو اليسار- بسلب سلطنة المولى على نقل أمّ الولد.

ص: 314

كما في المرهون (1) و الموقوف [1].

______________________________

(1) لوجود المانع، و هو تعلق حق الغير به، فلا يستقل الراهن ببيعه. و كذا الحال في الموقوف، فإنه و إن كان ملكا للموقوف عليه، لكن تعلق الحقّ به يخرجه عن قابلية البيع.

هذا تمام ما أفاده المصنف في المرحلة الثالثة، و يأتي الكلام في المرحلة الرابعة، و هي الانتصار لمذهب المشهور برفع التعارض بين خبري ابن يزيد و ابن مارد، و ترجيح الأوّل على الثاني.

______________________________

[1] هذا بناء على تسليم عموم القاعدة. و أمّا بناء على عدمه فالظاهر جواز بيعها في حياة السيد، «لأن مجرد عدم جواز بيعها في بعض المواضع لا يوجب سلب السلطنة على البيع في أداء الدين، لعدم إحراز مزاحم لوجوب الوفاء بالدين في خصوص هذا المورد. نعم حيث إنّ اليسار مأخوذ في موضوعه، أو أنّ الإعسار خارج عنه، فلا بد من التمسك بقاعدة السلطنة تحقيقا لليسار أو دفعا للإعسار. و لا يكفي الأمر بأداء الدين مع الشك في جواز البيع الموجب للشك في صدق اليسار.

و عليه فمع إحراز موضوع الوفاء بقاعدة السلطنة، أو نفي عنوان المخصّص لا بأس بالتمسك بدليل وجوب أداء الدين» هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «1».

و الظاهر عدم توارد المعارضة و الدفع على أمر واحد، فإنّ المصنف قدّس سرّه سلّم عموم منع بيع أمّ الولد، فنفى المعارضة بالحكومة. و صاحب المقابس قدّس سرّه أنكر أوّلا عموم المنع، ثم عارض منع البيع حال الحياة بوجوب أداء الدين، و قدّمه عليه، فأوجب بيعها في حياته لأداء الدين. و من المعلوم أنّه لا يرد على هذه المقالة تقيد وجوب أداء الدين باليسار، لوضوح أنّ المحقق الشوشترى يعترف به، و لكن يدّعي تحقق اليسار، لعدم الدليل على منع بيع أمّ الولد في هذه الحالة حتى يقاس بالمرهون و الموقوف.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 279

ص: 315

فالأولى في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال (1): برجحان (2) إطلاق رواية

______________________________

(1) توضيحه: أن منشأ تعارض خبري ابني يزيد و مارد بالعموم من وجه- و تساقطهما في الجمع- هو ظهور الثاني في منع البيع مطلقا سواء أ كان في ثمن رقبتها أم في غيره، بأن يكون مفهوم قوله عليه السّلام: «ما لم يحدث عنده حمل» عدم جواز بيعها مطلقا إن حملت عنده بعد ما تملكها، فكان هذا المفهوم معارضا لرواية ابن يزيد الظاهرة في جواز البيع في ثمن رقبتها مطلقا سواء في حياة المولى و بعد وفاته.

و المقصود فعلا إثبات إطلاق رواية ابن يزيد لحال حياة المولى، لعدم قرينية قوله: «تباع» في كون البيع مختصا بما بعد الموت. ثم ترجيح هذا الإطلاق على إطلاق صحيح ابن مارد لثمن رقبة أمّ الولد، و مرجوحية إطلاقه من وجوه:

أحدها: أن قوله: «تمكث عنه ما شاء اللّه لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها» كناية عن مضيّ مدة مديدة من زمان شراء الأمة، و من البعيد جدّا عدم أداء دين ثمنها في تلك المدة.

ثانيها: ظهور قول السائل: «ثم يبدو له في بيعها» في إرادة بيعه اختيارا، و أنّ الداعي إلى البيع هو عدم الرغبة في إبقاء أمّ الولد في ملكه، لا اضطرارا لأجل أداء ثمنها.

ثالثها: أنّ فتوى المشهور- و هي الجواز- تعاضد دلالة رواية ابن يزيد على الجواز في صورة حياة المولى.

و الحاصل: أنّ أرجحية إطلاق رواية ابن يزيد لحال حياة المولى- لهذه الوجوه المزبورة- من إطلاق صحيح ابن مارد لعدم جواز بيعها في ثمن رقبتها في حال حياة المولى، تكون دليلا على قول المشهور، و هو جواز بيعها في ثمنها مع حياة المولى.

(2) إن كان مقصوده قدّس سرّه منع إطلاق رواية ابن مارد و سلامة رواية ابن يزيد عن المعارض، كان التعبير بالرجحان مسامحة، لانتفاء التعارض الموضوع للترجيح.

و إن كان غرضه إبقاء إطلاق رواية ابن مارد و تضعيفه من جهة كون غالب أفراده و مصاديقه ممّا لا يبقى ثمن الأمة مدة طويلة في عهدة سيّدها- بحيث يصلح

ص: 316

عمر بن يزيد على إطلاق رواية ابن مارد، الظاهر (1) في عدم كون بيعها في ثمن رقبتها، كما يشهد به (2) قوله: «فتمكث عنده ما شاء اللّه لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له في بيعها». مع أنّ (3) ظاهر البداء في البيع ينافي الاضطرار إليه (4) لأجل ثمنها.

و بالجملة (5): فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت، لا إشكال في رجحان دلالتها (6) على دلالة رواية ابن مارد على (7) المنع، كما يظهر بالتأمل (8).

______________________________

قول السائل «ثم يبدو له في بيعها» للبيع في ثمن رقبتها و للبيع بداع آخر- فالتعبير بالرجحان في محلّه، لبقاء الإطلاقين على حالهما، و يتجه ترجيح أحدهما على الآخر.

و لا يبعد أن يكون هذا مراد المصنف قدّس سرّه، لا منع إطلاق صحيحة ابن مارد بالمرّة.

(1) صفة ل «إطلاق رواية ابن مارد» و هذا الظهور الانصرافي- لكونه ناشئا من غلبة الأفراد- لا يوجب و هنا في حجية أصالة الإطلاق.

(2) أي: كما يشهد بعدم كون بيع أمّ الولد- في صحيح ابن مارد- في ثمن رقبتها قول السائل: «فتمكث» و هذا إشارة إلى الوجه الأوّل.

(3) هذا هو الوجه الثاني المتقدم آنفا.

(4) أي: إلى البيع، و ضمير «ثمنها» راجع إلى الأمة المذكورة في صحيح ابن مارد.

(5) هذا خلاصة ما أفاده بقوله: «أن يقال برجحان إطلاق رواية عمر بن يزيد ...» و كان المناسب التنبيه أوّلا على إطلاق نفس رواية ابن يزيد لحالتي الموت و الحياة، ثم ترجيح إطلاقها على إطلاق الصحيحة.

(6) أي: دلالة رواية ابن يزيد على الجواز.

(7) متعلق ب «دلالة» و «على دلالة» متعلق ب «رجحان».

(8) الظاهر أنّ وجه الرجحان هو قوّة الإطلاق في الرواية، و ضعفه في الصحيحة،

ص: 317

مضافا إلى: اعتضادها (1) بالشهرة المحققة. و المسألة محلّ إشكال.

ثمّ على المشهور من الجواز (2)، فهل يعتبر فيه عدم ما يفي بالدّين و لو من

______________________________

و نتيجة ذلك كون حمل الأمة مقتضيا لعدم جواز البيع. فهذا الحكم اقتضائي، و جواز بيعها في رواية ابن يزيد فعليّ. و هذا جمع عرفي مطّرد في كل حكم ثبت بالعنوان الأوّلي، و حكم ثبت بالعنوان الثانوي، فإنّهم يحملون الأوّلي على الاقتضائي، و الثاني على الفعلي.

(1) أي: اعتضاد رواية ابن يزيد بالشهرة الفتوائية، و هذا هو الوجه الثالث، و هي قرينة خارجية للترجيح، كما أنّ الوجهين السابقين مرجّحان داخليّان.

و قد تحصّل من كلمات المصنف في المراحل الأربع أنّ قول المشهور- من جواز بيعها في ثمن رقبتها حال حياة المولى- هو مقتضى القاعدة. و لكنه قدّس سرّه استشكل في حكم المسألة، و لعلّه لما تقدم من اختصاص رواية ابن يزيد بحال موت السيد، بقرينة «تباع» فيكون المرجع عموم المنع.

(2) تعرّض المصنف- بناء على القول بالجواز- لفروع المسألة كما في المقابس و غيره أيضا.

الأوّل: أنّه لا ريب في عدم جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها إن كان للمولى مال بقدره ممّا عدا مستثنيات الدين، لصدق اليسار عليه، فتبقى أمّ الولد على حالها حتى تتحرّر بعد موت السيد من نصيب ولدها.

كما لا ريب في جواز بيعها- إن كان ثمنها دينا على السيد- و لم يكن له مال أصلا حتى من المستثنيات ليوفي دينه.

إنّما الكلام فيما لو انحصر ماله- الوافي بأداء الدين- في المستثنيات من الدار و المركوب و الخادم و نحوها، فهل يجوز بيعها في ثمن رقبتها و بقاء مستثنيات الدين في ملكه، فينتفي تحرّرها بعد موت السيد، أم لا يجوز بيعها، فيصرف شي ء من المستثنيات في تفريغ ذمة المولى من ثمنها؟ فيه قولان، المنسوب إلى الأكثر الثاني،

ص: 318

المستثنيات كما هو ظاهر إطلاق كثير (1)، أو ممّا عداها (2) كما عن جماعة (3)؟

______________________________

و إلى جماعة كالمحقق و العلّامة و الشهيدين قدّس سرّه الأوّل، و قوّاه المصنف قدّس سرّه، و سيأتي.

(1) كما في المقابس أيضا «و هذا هو الظاهر من فتاوى معظم الأصحاب هنا، حيث اعتبروا عدم تملكه لشي ء آخر غيرها ممّا يوفي ثمنها، و لم يستثنوا شيئا» «1».

(2) أي: ممّا عدا مستثنيات الدّين، فيتحقق الإعسار بفقد ما عداها، و ملكه للمستثنيات لا يوجب كونه موسرا حتى لا تباع أمّ ولده.

(3) كالمحقق و العلّامة و الشهيدين قدّس سرّهم، ممّن اعتبر في جواز بيعها إعسار المولى، و هو- شرعا- عدم تملك ما يفضل على مستثنيات الدين. قال في بيع الشرائع: «أو- أي يجوز بيعها- في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها» «2». و قال في نكاحه: «و يجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها غيرها» «3».

و مثله في الموضعين عبارة القواعد «4».

و لعل مراده من «غيرها» ما يفضل عن مستثنيات الدّين. و صرّح أصحاب مجمع الفائدة و الحدائق و المناهل «5» باعتبار ذلك، خلافا لصاحب الجواهر، ففيه:

«و حينئذ لا وجه لاعتبار الإعسار المفسّر بما سمعت، ضرورة عدم الفرق بين المستثنيات و غيرها في الدين، فيكون المعتبر حينئذ عدم شي ء غيرها يؤدي عنه كما في الصحيح» «6».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 76

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17

(3) المصدر، ص 312

(4) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23 و ج 3، ص 259؛ الدرس الشرعية، ج 2، ص 222؛ الروضة البهية، ج 3، ص 257؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 170

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 170؛ الحدائق الناظرة، ج 18، ص 448؛ المناهل، ص 319

(6) جواهر الكلام، ج 22، ص 377

ص: 319

الأقوى هو الثاني (1) [1]، بل لا يبعد أن يكون ذلك مراد من أطلق (2)، لأنّ (3) الحكم بالجواز

______________________________

(1) و هو جواز بيعها في ثمن رقبتها و إن كان السيد مالكا لمستثنيات الدين.

(2) يعني: لم يقيّد جواز البيع بالإعسار، بل قال: «لم يكن للمولى غيرها» إذ «الغير» شامل لمستثنيات الدين و غيرها. قال شيخ الطائفة: «لا يجوز بيعها إلّا في ثمنها إذا كان دينا على مولاها و لم يكن له غيرها» «1».

(3) تعليل لقوله: «الأقوى» و محصّله: أنّ رواية عمر بن يزيد- الدالة على جواز بيعها في ثمن رقبتها في حياة المولى- ناظرة إلى أنّ مانعية الاستيلاد عن البيع ترتفع لو كان ثمنها دينا، و تصير ملكا طلقا، و يتعيّن بيعها في هذا الدّين، كما يؤخذ المديون في سائر الموارد ببيع أمواله- عدا المستثنيات- لأداء دينه.

و عليه فلا إطلاق في قوله: «و لم يدع من المال ما يؤدّي عنه» ليشمل ما لو خلّف السيد دار السكنى و نحوها من المستثنيات، ليقال بإناطة جواز بيع أمّ الولد بعدم ترك شي ء من الأموال و إن كانت ممّا استثناه الشارع للمديون، و لم يلزمه ببيعها، هذا.

______________________________

[1] بل الأقوى هو الأوّل، لشمول قوله: «و لم يدع من المال ما يؤدى عنه» للمستثنيات، فإن تركها صدق أنّه ترك من المال ما يؤدى عنه، إذ المراد ب «ما يؤدى عنه» الواقع في كلام السائل هو المال الذي يمكن أداء الدين به و إن كان من المستثنيات، إذ ليس الحكم فيها عدم جواز بيعها حتى يكون وجود هذا المال كعدمه نظير الوقف، و الإمام عليه الصلاة و السلام قرّره على ذلك، و حكم صلوات اللّه عليه بجواز بيعها في ثمن رقبتها، فتكون طلقيّة أمّ الولد بعد عدم مال للمولى حتى المستثنيات.

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 185

ص: 320

في هذه الصورة (1) في النصّ و الفتوى مسوق لبيان ارتفاع المانع عن بيعها من جهة الاستيلاد (2)، فتكون ملكا طلقا كسائر الأملاك التي يؤخذ المالك ببيعها من دون بيع المستثنيات (3).

فحاصل السؤال في رواية عمر بن يزيد: أنّه هل تباع أمّ الولد في الدين على حدّ سائر الأموال التي تباع فيه (4)؟

و حاصل الجواب: تقرير ذلك (5) في خصوص ثمن الرقبة، فيكون ثمن الرقبة بالنسبة إلى أمّ الولد كسائر الديون بالنسبة إلى سائر الأموال.

و مما ذكر (6) يظهر: أنّه لو كان نفس أمّ الولد ممّا يحتاج إليها المولى للخدمة،

______________________________

(1) أي: صورة كون الثمن دينا في ذمة السيّد، فيجوز بيعها حال حياته.

(2) أي: أنّ الاستيلاد لا يمنع من البيع في هذه الصورة.

(3) فكما أنّ بيع سائر الأموال في الدين مشروط بعدم كونها من مستثنيات الدين، و إلّا لا يلزم المديون ببيعها، فكذا يكفي في بيع أمّ الولد عدم وجود غير مستثنيات الدين فلا تباع المستثنيات لا في ثمن رقبة أمّ الولد و لا في سائر الديون.

(4) أي: في الدين.

(5) أي: تقرير جواز البيع في خصوص ثمن الرّقبة، لا في سائر ديون سيّدها.

هذا كلّه في أصل جواز بيع أمّ الولد مع وجود مستثنيات الدين، و سيأتي ما فرّعه على الجواز من أمرين.

(6) من جواز بيعها إن لم يكن عند المولى شي ء غير مستثنيات الدّين، و هذا

______________________________

و مما ذكرنا يظهر ضعف دعوى «حكومة ما دلّ على استثنائها، و عدم وجوب صرفها في الدين على قوله: و لم يدع من المال ما يؤدى عنه» فلاحظ و تأمّل.

و على ما ذكرنا من عدم استثناء المستثنيات هنا يسقط ما فرّعه على خروج المستثنيات من عدم بيع نفس أمّ الولد إذا احتاج إليها للخدمة، و من عدم بيع الكفن.

ص: 321

فلا تباع (1) في ثمن رقبتها، لأنّ (2) غاية الأمر كونها بالنسبة إلى الثمن كجارية اخرى يحتاج إليها.

و مما ذكرنا (3) يظهر الوجه في استثناء الكفن و مئونة التجهيز، فإذا كان للميّت (4) كفن و أمّ ولد، بيعت في الدّين، دون الكفن، إذ يصدق أنّ الميّت لم يدع ما يؤدّي عنه الدين عداها (5)،

______________________________

متفرّع على تقديم جواز بيع أمّ الوالد على استثناء بعض الأموال عن بيعها وفاء للدين.

و حاصل هذا الفرع: أنّ من مستثنيات الدين الخادم اللائق بحال المديون، فلو كانت أمّ الولد مما يحتاج إليها السيد للخدمة كانت هي من جملة المستثنيات، و لا يجوز بيعها حينئذ. فكما لا تباع جارية المديون- المحتاج إلى خدمتها- لوفاء الدين، لكونها كدار السكنى و النفقة، فكذا لا تباع أمّ الولد و إن كان في ثمن رقبتها.

(1) جواب الشرط في «لو كان».

(2) تعليل لعدم بيعها، و تقدم توضيحه آنفا.

(3) أي: من جواز بيعها مع وجود مستثنيات الدين- إن لم يكن للمولى مال يفي به الدين- يظهر ...، و هذا فرع آخر مما يتفرع على جواز بيع أمّ الولد.

و حاصله: أنّ ما يستثنى من تركة الميّت الكفن، و مئونة التجهيز لخروجها من الأصل قبل أداء الدين. فلو ترك الكفن و أمّ الولد- مع كون ثمنها دينا على الميت قدّم المستثنى، و هو الكفن، و بيعت في ثمن رقبتها، و ذلك لصدق الضابطة الواردة في رواية عمر بن يزيد: من أنّ السيد لم يدع من المال شيئا ليؤدّى به الدّين سوى نفس أمّ الولد، لفرض عدم كون الكفن و مئونة التجهيز مالا يؤدّى به الدّين.

(4) أي: للميّت المعسر، حيث لم يكن له في حياته- سوى المستثنيات- مال لأداء ثمن أمّ ولده، فإعساره بعد الموت بعدم مالكية مئونة التجهيز.

(5) أي: عدا أمّ الولد، فتباع في ثمنها.

ص: 322

لأنّ (1) الكفن لا يؤدّي عنه الدين.

ثم (2) إنّه لا فرق بين كون ثمنها بنفسه دينا للبائع (3)، أو استدان الثمن (4)

______________________________

(1) تعليل لصدق: أن الميّت لم يخلّف مالا يؤدّى به عنه دينه.

هذا تمام الكلام في أوّل ما فرّعه المصنف قدّس سرّه على جواز بيع أمّ الولد في حياة السيد مقدمّة لأداء الدّين، و ما ترتّب عليه من فرعين. و سيأتي الكلام في الفرع الثاني.

(2) هذا فرع ثان من فروع جواز بيعها في حياة السيد، و توضيحه: أنّ كون ثمن أمّ الولد على عهدة السيد يتصور على أنحاء:

الأوّل: أن يشتري الأمة بثمن كلّيّ في ذمته- كمائة دينار- و لم يؤدّ منه شيئا إلى البائع، و لم يكن له مال غيرها ليوفي به الدين، ثم صارت عنده أمّ ولد. و هذا المورد هو القدر المتيقن من جواز بيعها في ثمنها.

الثاني: أن يقترض السيد بقدر ما عيّن من ثمن الجارية، فيشتريها، و لم يكن له مال يفي بدينه.

الثالث: أن يشتري الجارية بثمن في ذمّته- كالنحو الأوّل- إلّا أنه استدان من شخص آخر مقدار الثمن، و دفعه إلى البائع، مع فرض عدم تملّك مال يؤدّي به الدين.

و هل يختصّ جواز بيعها في ثمن رقبتها بالنحو الأوّل؟ لكون الثمن للبائع في ذمة السيّد، بخلاف الأخيرين، فإن الدّين ليس في ثمنها و إن كان لأجل ثمنها.

أو يفصّل بين النحو الثاني و الثالث، بجواز بيعها في الثاني دون الثالث؟ جزم المصنف قدّس سرّه بعدم جواز بيعها في الأخير، و نقل تأمّل صاحب المقابس قدّس سرّه في الثاني.

(3) هذا هو النحو الأوّل، المعهود من إطلاق «كون الثمن في الذمة».

(4) هذا هو النحو الثاني، و لعلّ وجه إلحاقه بالأوّل كون الدين بشخصه ثمنا للجارية، فلو بيعت في أداء هذا الدين فقد بيعت في ثمنها.

ص: 323

و اشترى به. أمّا (1) لو اشترى في الذمة، ثم استدان ما أوفى به البائع، فليس بيعها في ثمن رقبتها، بل ربما تؤمّل (2) فيما قبله، فتأمّل (3).

و لا فرق (4) بين بقاء جميع الثمن في الذمّة أو بعضه،

______________________________

(1) هذا هو النحو الثالث، و حكمه عدم جواز البيع، لأنّ ما استقرّ في ذمة السيد ليس ثمنا، بل ما أوفى به الثمن دين عليه.

(2) المتأمل- بل المانع- هو المحقق الشوشتري، قال قدّس سرّه: «و لو استدان لأداء الثمن و أدّاه منه، أو اشتراها بذلك الثمن الذي استدانه بعينه، و سلّمه إلى البائع، فقد سقط حق البائع عنه و عن الأمة، و بقي حق الدين، و حكمه كسائر الديون» «1»، ثم نقل كلام ابني زهرة و إدريس قدّس سرّه هما القائلين بجواز بيعها لو استدان لثمنها مع عجزه عن وفاء الدين، ثم قال: «و الأصح ما ذكرناه».

و لا يبعد ما ذكره، لعدم صدق «ثمن أمّ الولد» على ما في ذمته، لأنّه ليس عوضا عن الأمة، و أنّ ما في ذمته مال الغير الذي استدانه منه. و ليس عنوان الثمنية للأمة منطبقا عليه. و الجمود على ظاهر عنوان «ثمن رقبتها» يقتضي المصير إلى ما ذهب إليه في المقابس، فتدبّر.

(3) إشارة إلى: أنّ معنى قوله: «تباع في ثمن رقبتها» هل هو نفس الثمن الكلّي الواقع في ذمته بدلا عن الأمة؟ فكأنّه قيل: «تباع في دين هو نفس ثمن الأمة» فيصدق على نفس الثمن الكلي في الذمة، و على المال الذي استدانه و اشترى بعينه الجارية، و لا يصدق على غير هاتين الصورتين من الصور. بل يمنع صدقه على المال الذي اقترضه و اشترى بعينه الجارية، لعدم اشتغال ذمته به بعنوان كونه ثمنا للجارية، كما لا يخفى.

أم معناه «الدين الذي نشأ لأجل ثمن الجارية» فيصدق على جميع الصور.

(4) هذا فرع ثالث من فروع جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها حال حياة المولى،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 76

ص: 324

و لا بين (1) نقصان قيمتها عن الثمن أو زيادتها (2) عليه.

______________________________

و محصّله: أنّه لا فرق في الجواز بين عدم أداء شي ء من ثمنها إلى البائع، و بين أداء بعضه و بقاء بعضه الآخر في ذمة السيّد.

و الوجه في عدم الفرق صدق «أنّها بيعت في ثمنها» فإنّ «الثمن» و إن كان مجموع ما يقع عوضا في المعاملة، فيقول البائع: «بعتكها بمائة» مثلا، و ليس «الثمن» كليا ليصدق على كل جزء منه، فالجزء بعض الثمن لا هو الثمن، إلّا أنّه يصدق «ما لم يؤد ثمنها» ما دام بقي شي ء من ثمنها في ذمة المولى، لأنّ عدم أداء كل الثمن يتحقق بعدم أداء بعضه.

قال في المقابس: «انّه لا فرق بين بقاء جميع الثمن في ذمة المولى أو بعضه، لاشتراك السبب، و لإطلاق الأخبار حتى صحيحة عمر بن يزيد، فإنّ قوله:- لم يؤدّ ثمنها- شامل لما إذا لم يؤدّ جميعه، سواء لم يؤدّ منه شيئا أصلا، أو أدّى بعضه دون بعض. مضافا إلى إطلاق أوّله و آخره. و كلام معظم الأصحاب أيضا مطلق ...» ثم نقل خلاف الشيخ في كتاب التهذيب، و إن أطلق الحكم في الإستبصار، فراجع «1».

(1) هذا رابع الفروع، و حاصله: أنّه يجوز بيعها في ثمن رقبتها، سواء زادت عليه، بأن اشتراها بمائة دينار، فارتفعت إلى مائة و خمسين، أم ساوته، أم نقصت عنه، بأن صارت ثمانين دينارا.

و الوجه في عدم الفرق بين هذه الحالات إطلاق النصّ المجوّز لبيعها لأداء دينها، قال في المقابس: «و لا فرق أيضا بين مساواة القيمة للثمن الباقي في الذمة أو نقصانها عنه، و بين زيادتها عليه ... لإطلاق النصّ و الفتوى، مع ندرة المساواة و غلبة الاختلاف في مثل ذلك» «2».

(2) أي: زيادة القيمة الفعلية على ثمنها.

______________________________

(1) مقابس الأنوار كتاب البيع، ص 75

(2) مقابس الأنوار كتاب البيع، ص 75

ص: 325

نعم (1) لو أمكن الوفاء ببيع بعضها اقتصر عليه، كما عن غاية المراد التصريح به (2).

و لو كان (3) الثمن مؤجّلا لم يجز للمولى بيعها قبل حلول الأجل و إن كان

______________________________

(1) هذا فرع خامس، و هو كالاستدراك على الفرعين السابقين، و محصله: أنّ جواز بيعها في ثمنها يدور مدار أداء الدين، فلو بقي نصف ثمنها في عهدة السيد، و ارتفعت قيمتها إلى ضعف ثمنها لم يجز بيع أزيد من ربعها. و لو بقي تمام الثمن في ذمته اقتصر على بيع نصفها، و هكذا. و الوجه في الاقتصار عدم صدق «بيعها في ثمن رقبتها» على بيع بعضها الآخر، فلا يجوز، لكون الاضطرار إلى بيع البعض لا الكل، فهو نظير الإكراه على البعض الذي لا يدعو إلى فعل الجميع.

قال في المقابس: «و لو بيع بعضها و ادّي بقيمته جميع الثمن لم يجز بيع الباقي، لعدم كون هذا البيع في أداء الثمن، فيكون باطلا» «1».

(2) أي: بالاقتصار على بيع بعض أمّ الولد. قال قدّس سرّه فيه: «و اعلم أنّه- أي أن العلّامة قدّس سرّه- شرط في منع البيع القدرة على الثمن أو إيفائه، و هو لا يصدق إلّا بالقدرة على المجموع، أو إيفائه المجموع. و حينئذ مفهومه: صحة بيعها إذا قدر على البعض أو أوفى البعض. و هو جيّد إن اريد به بيع ما يقوم بما يفي، لا بيع الجميع لو فضل عن الباقي في الذّمة» «2». و حكاه عنه في المقابس «3».

و اقتصر صاحب الجواهر قدّس سرّه على بيان الوجهين من دون ترجيح «4».

(3) هذا سادس فروع جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها، و هو في الواقع تقييد الجواز بكون الدّين حالّا، يطالب المولى به. فلو كان مؤجّلا، كما لو اشتراها بمائة دينار إلى سنة مثلا، و حملت منه أو ولدت له قبل مضيّها، لم يجز بيعها قبل حلول

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

(2) غاية المراد، ج 2، ص 55

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 378

ص: 326

..........

______________________________

الأجل، و ذلك «لأنّ قوله: و لم يؤدّ ثمنها و إن كان مطلقا من حيث كونه حالا و مؤجّلا، إلّا أنّ المتعارف من هذا التعبير أن يكون- أي عدم الأداء- من باب العدم المقابل للملكة، لا السلب المقابل للإيجاب. فلا يقال:- لم يؤدّ الثمن- إلّا إذا كان الثمن أدائيّا، و المؤجّل ليس كذلك، إذ ليس للدائن استحقاق الأداء، و لا المديون مستحقا عليه الأداء» «1».

و بيانه: أنّ جواز بيعها في ثمن رقبتها إمّا أن يكون لأجل تزاحم حق الاستيلاد مع حق الدائن و البائع، كما يستفاد من تعليل صاحب المقابس بقوله:

«لأنّ ذلك- أي الأجل- زمان الاستحقاق، و لإمكان الإبراء أو تبرع آخر بالأداء» «2» [1]. و إمّا لأجل تعارض دليل حرمة بيعها مع دليل وجوب أداء الدين، و تقديم الثاني على الأوّل.

و المفروض عدم تحقق شي ء منهما في المقام. أمّا التزاحم فلفرض عدم حقّ فعليّ للدائن، و لا سلطنة فعلية له على المولى. فلا مزاحم فعليّ لحق الاستيلاد.

______________________________

[1] لا يخفى ما في هذا التعليل من العلّة، لأنّ الاستحقاق قد حصل بنفس العقد، لأنّه المملّك للعوضين فيما لم يكن للقبض دخل في التمليك. نعم حلول الأجل يوجب السلطنة على الطالبة. فالتعليل بدعوى انصراف إطلاق «البيع في ثمن رقبتها» عن المؤجل لعلّه أولى.

بل تمكن دعوى ظهور نفس الكلام في المعجّل، حيث إنّ قوله: «و لم يدع من المال ... الخ» ظاهر في كون الدّين حالا، و عدم مال يفي به فعلا. و هذا لا يلائم المؤجل، لأنّ الإخبار عن عدم المال الوافي بالدّين في المستقبل- مع إمكان حصول ما يفي به فيما بعد- في غاية البعد، فتدبّر.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 280

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

ص: 327

مأيوسا من الأداء عند الأجل (1).

و في اشتراط (2) مطالبة البائع، أو (3) الاكتفاء باستحقاقه و لو (4) امتنع عن

______________________________

و أمّا التعارض، فلعدم خطاب فعلي بوجوب أداء الدين حتى يقدّم على دليل بيع أمّ الولد.

(1) لعدم موضوعية اليأس فعلا مع كون الاستحقاق استقباليا.

(2) هذا سابع الفروع، و هو أيضا- كما صرّح به- ناظر إلى ما يحتمل كونه شرطا لجواز بيعها في الدّين. و توضيحه: أنّه لو اشتراها بثمن في ذمته و استولدها، فيحتمل في جواز بيعها وفاء للدين وجوه:

الأوّل: اشتراطه بمطالبة البائع، و جعله في المقابس مقتضى الاحتياط، و الاقتصار على موضع اليقين في مخالفة الأصل. و الظاهر إرادة أصالة منع بيع أمّ الولد.

الثاني: عدم اشتراط جواز بيعها بمطالبة الثمن، بل يكفي استحقاق البائع للدين ببلوغ الأجل، حتى مع امتناعه عن تسلّم الثمن. و وجهه اقتضاء إطلاق «جواز بيعها في ثمنها» سواء أ كانت هناك مطالبة من البائع أم لم تكن. و حيث إنّ الدين مستحق هنا ببلوغ الأجل، فلا يقاس هذا الفرع بالفرع المتقدم الذي موضوعه عدم فعلية الاستحقاق.

الثالث: التفصيل بين رضا البائع بتأخير أداء الدين و إسقاط ماله من حقّ الحلول- و إن لم يكن هذا الحق من الحقوق القابلة للإسقاط- فلا يجوز بيعها حينئذ.

و بين عدم مطالبته بالثمن و إن لم يرض بالتأخير، فيجوز بيعها حينئذ، لاستحقاقه للثمن بالحلول.

(3) هذا هو الوجه الثاني، و هو مقتضى إطلاق رواية ابن يزيد المجوّزة لبيعها في ثمنها.

(4) وصلية، فالمناط في الجواز هو استحقاق البائع للثمن، سواء رضي بتسلّمه من المولى أم أبى، فيوضع عند الحاكم أو أمين.

ص: 328

التسلّم، أو الفرق (1) بين رضاه بالتأخير و إسقاطه لحقّ الحلول و إن لم يسقط بذلك (2)، و بين عدم المطالبة، فيجوز في الثاني دون الأوّل (3) [في الأوّل دون الثاني] وجوه (4)، أحوطها الأوّل، و مقتضى الإطلاق الثاني (5).

و لو تبرّع (6) متبرع بالأداء، فإن سلّم إلى البائع برئت ذمّة المشتري،

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثالث، أي: التفصيل بين الرضا بالتأخير و عدم المطالبة.

(2) أي: بالإسقاط، كعدم سقوط الأجل لو أسقطه المديون ليصير الدّين حالا.

(3) كذا في بعض النسخ المصححة، و هو موافق لنصّ عبارة المقابس، فما في نسختنا من قوله: «فيجوز في الأوّل دون الثاني» لعلّه سهو من النسّاخ.

(4) مبتدء مؤخّر لقوله: «ففي اشتراط».

(5) قال في المقابس: «و الأوّل مقتضى الاحتياط، و الاقتصار على موضع اليقين في مخالفة الأصل، مع كون الغالب مطالبة صاحب الحق بحقه. و الثاني مقتضى الإطلاق. و الثالث طريق الجمع» «1».

و الحقّ دوران الجواز مطلقا مدار إطلاق دليل جواز البيع، فمع إطلاقه يجوز مطلقا، و بدونه لا بدّ من الاقتصار على المتيقن، و هو اعتبار مطالبة البائع.

(6) هذا فرع ثامن من فروع كون ثمن الأمة دينا على المولى، و محصّله: أنّه هل يشترط في جواز البيع عدم وجود من يتبرّع بأداء الدّين، أم لا؟ فصّل المصنف قدّس سرّه- كما في المقابس أيضا «2»- بين تسليم الثمن للبائع، فيسقط الدين حينئذ و يصح بيعها، لانتفاء الموضوع و هو الدين. و بين تسليمه للمولى إن كان حيّا، أو للورثة إن كان ميّتا.

و في وجوب القبول وجهان، وجه الوجوب: احتمال اختصاص جواز البيع بصورة الاضطرار و العجز عن أداء الدين و لو بالتكسّب، و أنّ مجرّد عدم ملكية ما يقابل الدّين غير كاف في جواز البيع، فيجب حينئذ عليهم القبول لئلّا تباع أمّ الولد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

ص: 329

و لا يجوز بيعها (1). و إن سلّم (2) إلى المولى أو الورثة [1]، ففي وجوب القبول نظر (3).

______________________________

و وجه عدم الوجوب كون قبول الهبة- مقدمة لأداء الدين- منة لا يجب على المولى و لا على ورثته قبولها. و عليه فلا مانع حينئذ من تقدم حق الدائن و جواز بيع أمّ الولد.

(1) لسقوط الدين عن ذمة السيّد، و لا مجوّز لبيعها.

(2) تسليم ما يقابل الثمن إلى السيد أو وارثه يمكن أن يكون بعنوان الإباحة و البذل، و أن يكون بعنوان التمليك و الهبة. و الظاهر إرادة الهبة بقرينة توقفه على القبول، و تنظّره في وجوبه.

فلو كان التبرّع للسيّد بعنوان البذل أمكن القول بعدم جواز بيع أمّ الولد، لأنّ إباحة المال محقّقة لسلطنة المولى على أداء دينه، و المفروض كفاية هذا المقدار في أداء الدين، و عدم توقفه على الملك- بقبول الهبة مثلا- كتوقف جملة من الامور عليه كالبيع و الوقف و العتق. فلا حاجة إلى القبول حينئذ حتى يتكلم في وجوبه و عدمه.

(3) كما في المقابس أيضا، و لعلّ وجه الوجوب احتمال اختصاص جواز البيع

______________________________

[1] اورد عليه بعدم الوجه في الجمع بين المالك و الوارث في العنوان، سواء أ كان التبرع بذلا أم هبة. لأن المكلّف بوجوب التكسب مقدمة لأداء الدين هو المديون دون ورثته، و لا يجب عليهم تفريغ ذمة المورّث من أموالهم و لا مما أبيح لهم التصرف فيه، بل من أموال الميت، فلا يجب على الورثة قبول الهبة. و على تقدير القبول فهو- كما لو كان التبرع بذلا- كسائر الأموال التي يملكون التصرف فيها.

و الحاصل: أن التنظر في وجوب القبول يتّجه بناء على كون التبرع هبة، و المتهب هو السيد لا الوارث «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 281؛ حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني، ج 1، ص 185

ص: 330

و كذا (1) لو ارضي البائع باستسعائها في الأداء.

و لو (2) دار الأمر بين بيعها

______________________________

بصورة الاضطرار و العجز عن أداء الدين و لو بالتكسّب، و عدم كفاية مجرد عدم تملك ما يقابل الدّين في جواز البيع، فيجب حينئذ القبول لئلّا تباع أمّ الولد.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الإطلاق يدفع هذا الاحتمال، فلا يجب عليهم القبول. كما يمكن الالتزام بعدم وجوب القبول، لكونه منة لا يلزم تحمّلها، لما في قبول الهبة لكلّ أحد و من كلّ أحد مهانة و نقص يوجب الحرج المنفي شرعا.

(1) يعني: ففي جواز البيع نظر، و هذا فرع تاسع، و هو ملحق حكما بالفرع الثامن. و محصله: أنّه لو أرضى السيد أو الورثة- أو ثالث- البائع بأن تسعى أمّ الولد و تكتسب لتوفي ثمنها، فهل يجوز للسيد أو الورثة بيعها، من جهة صدق عدم وجود مال فعلا يؤدّى به الدين؟ أم يجب الاستسعاء ما دام البائع راضيا بتأخر تسلم الثمن. و لعلّ وجهه انصراف دليل جواز البيع عن هذه الصورة التي لا مطالبة لذي الحق فعلا و إن جازت له.

(2) هذا فرع عاشر، و محصله: أنّه لو دار الأمر في بيعها في ثمن رقبتها بين أن يشتريها أبوها أو أخوها أو ابن أخيها أو غيرهم ممّن تنعتق أمّ الولد عليه قهرا، و بين أجنبي، فتبقى رقّا إلى أن تتحرر من نصيب ولدها من الإرث، ففي تقديم الأوّل، أو التخيير بينه و بين الأجنبي، و جهان.

وجه الوجوب- كما في المقابس- أمران: أحدهما: تغليب جانب الحرية، و حصول الانعتاق الذي هو الغرض الموجب لمنع بيعها.

ثانيهما: الجمع بين الحقين أي حق البائع المستحقّ للثمن. و حق أمّ الولد للتحرّر.

و وجه عدم الوجوب إطلاق الرواية المجوّز لبيعها إن لم يجد ما يؤدّي به الثمن.

و يجري الوجهان لو كان المشتري أجنبيا، و دار الأمر بين بيعها منه بشرط أن يعتقها، و بين بيعها منه مجرّدا عن الشرط.

ص: 331

ممّن ينعتق (1) عليه، أو (2) بشرط العتق، و بيعها (3) من غيره (4)، ففي وجوب تقديم الأوّل و جهان (5).

و لو (6) أدّى الولد ثمن نصيبه

______________________________

(1) كذا، و الصواب «تنعتق».

(2) أي: من لا تنعتق أمّ الولد عليه قهرا من الأصناف الأحد عشر، فالمراد كون المشتري أجنبيّا دائرا بين شخصين، أحدهما يشتريها بشرط أن يعتقها، و الثاني يأبي الشرط المزبور.

(3) معطوف على «بيعها» أي: و بين بيعها.

(4) أي: غير من ينعتق عليه و غير من يرضى شرط العتق، فتبقى أمّ الولد عنده رقّا.

(5) لكن احتمل في المقابس تفاصيل في المسألة، قال قدّس سرّه: «ففي وجوب البيع عليه- أي على من ينعتق أو من يقبل شرط الإعتاق- دون غيره به، و ممّن لم يكن كذلك، أو التخيير بينهما، أو التفصيل بين ما إذا اشتراه بما يشتريه به غيره، و ما إذا كان بأقلّ منه، فيتعيّن في الأوّل دون الثاني. أو- أي يفصّل- بين ما إذا كان البائع المولى أو الورثة، أو بينهم أيضا بين ما انحصر الوارث في الولد، و ما إذا شاركه غيره ممّن لا ينعتق عليه. أو بين حصصهم في هذه الصورة، فيجب على الولد أن يبيع على من ينعتق عليه إن أمكن، و لا يجب على غيره، إشكال» «1».

(6) هذا فرع حادي عشر، و هو مفروض في موت السيّد و بقاء ثمن أمّ الولد في ذمته، و انتقال أمواله إلى ورثته، و لكن لم يف نصيب ولدها بالدين، كما إذا كان ثمنها مائة دينار، و نصيب الولد من التركة خمسين دينارا، فأدّاها إلى البائع أو من يقوم مقامه، و بقي نصف ثمنها دينا، فينعتق منها نصفها، و يتوقف تحرّر جميعها على ما ذكروه في باب العتق بالسراية، و هو: أن الولد إن كان موسرا- أي له مال غير

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

ص: 332

انعتق (1) عليه، و حكم الباقي يعلم من مسائل السراية (2).

______________________________

ما ورثه من أبيه- انعتق تمامها، و يقوّم عليه نصيب الباقي. و إن كان معسرا سعت في باقي ثمنها، فإن أدّته انعتق نصيب سائر الورثة منها.

ثم إنّ وجه ربط هذا الفرع بفروع بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها هو حصول التعارض بين دليلين.

أحدهما: ما دلّ على انتقال التركة بمجرد الموت إلى الورثة.

و ثانيهما: ما دلّ على انعتقا هذه الأمة على الولد بالملك لإرث كان أو غيره.

و حيث إنّ صحيحة عمر بن يزيد- من جواز بيعها في الدين- ناظرة إلى صورة موت المولى، و انتقالها بالإرث، فلا بدّ من تخصيص إحدى القاعدتين بالاخرى، إمّا بالالتزام بأنّ ما ينتقل إلى الوارث غير الجارية المستولدة التي بقي ثمنها، فتنعتق. و إمّا بالالتزام باختصاص انعتاق أمّ الولد بصورة استقرار الملك بالإرث، و هو بعد أداء الدين، غاية الأمر أنّ سائر الديون لا تمنع من استقرار الإرث، بخلاف ثمن رقبتها.

و الظاهر تخصيص قاعدة الانعتاق، لما دلّ على جواز بيعها في الثمن.

و بهذا يتّجه ما في المتن من أنّه لو أدّى الولد نصيبه انعتقت عليه بمجرد الأداء، إذ المخصّص لقاعدة الانعتاق هو جواز بيعها لوفاء الثمن، فإذا أدّى ثمن نصيبه ارتفع الموضوع- و هو الدين بمقدار نصيبه- فلا يجوز البيع. فتبقى قاعدة الانعتاق بلا مانع، و ينعتق باقيها بما ذكروه في باب السراية.

(1) كذا في النسخ، و الأولى «انعتقت» و في المقابس «انعتق نصيبه» فيتجه بناء الفعل للمذكّر.

(2) قال المحقق قدّس سرّه: «و إذا ملك شقصا ممّن ينعتق عليه، لم يقوّم عليه إن كان معسرا. و كذا لو ملكه بغير اختياره» «1». و قال في عتق شقص العبد المشترك: «قوّم عليه إن كان موسرا، و سعى العبد في فكّ ما بقي منه إن كان المعتق معسرا» «2».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 113

(2) المصدر، ص 111

ص: 333

و لو أدّى (1) ثمن جميعها، فإن أقبضه البائع فكالمتبرع (2). و إن كان (3) بطريق الشراء، ففي وجوب قبول ذلك (4) على الورثة نظر (5)، من الإطلاق (6)،

______________________________

(1) أي: الولد، و هذا هو الفرع الثاني عشر، و مفروضه موت المولى و بقاء الثمن في ذمته، و انتقال التركة إلى الورثة. و المذكور في المتن- كالمقابس «1»- صورتان، فتارة يؤدّي ولد الجارية ثمنها إلى البائع تفريغا لما في ذمة أبيه، فيكون متبرعا بأداء دين أبيه، و لا ريب في منع بيع امّه حينئذ.

و اخرى يمضي إلى سائر الورثة، و يشتري منهم حصصهم من الامّ، كما لو كان الورثة عشرة، فاشترى الولد أنصبة التسعة منهم.

و هل يجب على الورثة بيعها من الولد لتنعتق عليه، أم يجوز الامتناع، فتكون كسائر التركة ملكا لهم، و يجوز لهم بيعها- من غير ولدها- في ثمن رقبتها؟ فيه و جهان، مقتضى إطلاق «بيعها في ثمنها» جواز الامتناع، فتباع من أجنبي مقدمة لوفاء الدين. و مقتضى الجمع بين حق الاستيلاد و الدّين وجوب بيعها للولد، فيؤدّي الورثة ثمنها بالعوض المأخوذ من ولدها.

(2) حيث تقدم في الفرع التاسع سقوط الدين بالتبرع، و عدم توقفه على القبول.

(3) معطوف على «فإن أقبضه» أي: و إن كان أداء الولد ثمن جميع امّه بطريق شرائها من إخوته و سائر الورثة- ليوفوا دين المورّث بما يأخذوه من الولد- ففي وجوب القبول نظر.

(4) أي: الشراء من الورثة.

(5) مبتدء مؤخر لقوله: «ففي وجوب» و الجملة بتمامها جواب الشرط ل «و إن كان».

(6) هذا وجه عدم وجوب القبول على الورثة، و المراد به عدم تقييد «بيع الأمة في ثمنها» ببيعها من ولدها، فلا مانع من كون المشتري لها أجنبيّا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 75

ص: 334

و من الجمع (1) بين حقّي الاستيلاد و الدّين.

و لو امتنع (2) المولى من أداء الثمن من غير عذر، فلجواز بيع البائع لها

______________________________

(1) هذا وجه وجوب القبول، و تقدم بيانه آنفا.

(2) هذا هو الفرع الثالث عشر، و هو مبني على إلحاق الامتناع عن أداء الدين بعدم الأداء حتى يجوز بيعها لوفاء ثمنها. و حاصله: أنّه لو امتنع مولى الجارية من أداء ثمنها إلى البائع مع كونه موسرا، و انحصر طريق استيفاء حقّه في المقاصة، بأن يأخذ الجارية من مولاها و بيعها من آخر مقاصة، فهل يجوز له ذلك إمّا مستقلا و إمّا بالاستئذان من الحاكم، أو لا يجوز ذلك؟ استدل صاحب المقابس لكلّ من الجواز و المنع، ثم رجّح المنع.

أمّا وجه الجواز فامور:

الأوّل: تنزيل يسار المولى- مع الامتناع عن أداء الثمن- منزلة إعساره، فكما لا يمنع الغريم من استرداد عين ماله مع إعسار المديون، فكذا يجوز للبائع هنا.

الثاني: إطلاق بعض النصوص، كرواية عمر بن يزيد الثانية المجوّزة للبيع في ثمن الرقبة، بدعوى شمول إطلاقها لصورة وجود المال، إلّا إذا كان المولى موسرا غير ممتنع عن أداء الثمن، فيجوز البيع فيما عداه. و منه المقام، و هو امتناع المديون من الأداء من مال آخر.

الثالث: أنّ حق البائع مقدّم عند التزاحم- مع حق الاستيلاد- من جهة سبقه زمانا، لأنّ بناء المعاوضة على التقابض من الطرفين، و المفروض عدم قبض الثمن.

و أمّا وجه المنع فامور ثلاثة أيضا، و هي المنقولة في المتن عن المقابس:

الأوّل: أنّ الشارع اعتبر لأمّ الولد حقّا يمنع من بيعها، و من المعلوم عدم سقوط هذا الحق بامتناع المولى الموسر عن أداء ثمنها، و لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ، فينبغي إلزام المولى بالوفاء، لا بيع الجارية.

الثاني: ظهور الفتاوى في منع بيعها في هذه الحالة.

الثالث: أنّ أمّ الولد متشبثة بالحرية و إن لم يتحرر منها شي ء في حياة مولاها،

ص: 335

مقاصّة مطلقا (1)، أو مع إذن الحاكم وجه (2).

و ربما يستوجه (3) خلافه (4)، لأنّ المنع (5) لحقّ أمّ الولد، فلا يسقط بامتناع المولى، و لظاهر (6) الفتاوى، و تغليب (7) جانب الحرّية.

و في الجميع نظر (8) [1].

______________________________

فلو جاز بيعها بقيت على الرّقية. و حيث إن الشارع غلّب جانب الحرية لم يجز للبائع أخذها و بيعها من آخر للحصول على ثمنها.

هذا ما استدلّ به صاحب المقابس، و سيأتي مناقشة المصنف فيها.

(1) في قبال اشتراط جواز بيعها باستيذان الحاكم، فالمراد بالإطلاق استقلال بائع الجارية باستردادها و بيعها، سواء أذن الحاكم أم لم يأذن.

(2) و الدليل على هذا الوجه الامور الثلاثة، و قد تقدم بقولنا: «أما وجه الجواز فامور ...».

(3) المستوجه صاحب المقابس قدّس سرّه، لقوله: «و الأوجه المنع، عملا بظاهر الفتاوى ... الخ» «1».

(4) أي: خلاف الجواز الذي لا يخلو من وجه.

(5) هذا أوّل الامور الثلاثة، يعني: لأنّ منع بيعها يكون لأجل حق الاستيلاد، فلا يسقط هذا الحق بامتناع المولى عمّا يجب عليه من إيصال الثمن للبائع.

(6) معطوف على «لأنّ المنع» يعني: أن قولهم: «أم الولد مملوكة لا يجوز بيعها» مطلق، يشمل ما لو امتنع المولى الموسر عن تسليم الثمن للبائع.

(7) معطوف على «ظاهر» أي: و لتغليب جانب الحرية.

(8) أمّا في الأوّل، فلعدم قيام حجة على اعتبار حقّ لأمّ الولد حتى يؤخذ

______________________________

[1] في النظر نظر، إذ موضوع جواز بيعها في ثمن رقبتها هو إعسار المولى،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75- 76

ص: 336

و المراد بثمنها (1): ما جعل عوضا لها

______________________________

بإطلاق مانعيته عن نقلها إلى الغير بالبيع و شبهه، و إنّما ينتزع حقّها من النهي عن بيعها. و حينئذ فلو فرض إطلاق بعض النصوص- بحيث يقتضي جواز بيعها- لم يكن منشأ لانتزاع الحق حتى يقال بأنّ حقّها لا يسقط بامتناع مولاها عن أداء الثمن.

و أمّا في الثاني، فلأنّ الفتاوى إن بلغت حدّ الإجماع، فهو الحجة، و إلّا فلا حجة فيها.

مضافا إلى: أنها غير مسوقة لبيان عدم ترخيص البائع في بيعها، بل ناظرة إلى حكم المولى و منعه من نقلها عن ملكه.

و أمّا الثالث: فلأنّه اعتبار محض لا حجة عليه شرعا، مع أنّ مورد تغليب جانب الحرية هو ما لو تحرّر بعض المملوك، و المفروض في المقام عدم تحرر شي ء منها بعد.

(1) هذا هو الفرع الرابع عشر، و الغرض منه بيان ما يراد ب «الثمن» الذي يجوز بيع أمّ الولد مقدمة لوفائه، فأفاد قدّس سرّه: أنّ «الثمن» و إن كان ظاهرا في ما يقابل المثمن، فيختص بعقد البيع، و لا يشمل ما إذا كان انتقال الجارية إلى المولى بعقد آخر كالصلح المعاوضي، فلا يجوز بيعها حينئذ لأداء عوض الصلح إلى المصالح، إلّا أنّ

______________________________

فصورة إيساره مع الامتناع داخلة في صور المنع عن بيعها.

مضافا إلى: أنّ أدلة المقاصة لا تشرّع البيع فيما لا يجوز بيعه كأمّ الولد و الوقف، بل موضوعها ما يجوز فيه البيع.

نعم تعليل المقابس بالوجوه الثلاثة لا يخلو من العلّة، إلّا قوله: «و لظاهر الفتاوى» و إن كان فيه أيضا: أنّه إن لم يكن إجماعا لا يجدي، لعدم كونه حجة.

كما أنّ قوله في أدلة الجواز: «تنزيلا للإيسار مع الامتناع منزلة الإعسار» غير ظاهر، لعدم دليل على هذا التنزيل. و عصيان المولى لا يوجب سقوط حقّ الاستيلاد الثابت لأمّ الولد.

ص: 337

في عقد مساومتها (1) و إن كان صلحا.

و في إلحاق (2) الشرط المذكور في متن العقد

______________________________

المراد بالثمن ما جعل عوضا في العقد المعاوضي، إمّا لظهوره عرفا في مطلق العوض، و إمّا لمناسبة الحكم و الموضوع.

قال في المقابس: «و المعتبر في الثمن مقابلته بالأمة في عقد المعاوضة و إن كان صلحا و نحوه على الأشبه، لمساواة الجميع في المعنى المقتضي للبيع، و لقوله عليه السّلام: في فكاك رقابهن. فذكر البيع و الثمن في بعض النصوص و في الفتاوى محمول على الغالب» «1».

(1) و هي «المجاذبة بين البائع و المشتري على السلعة و فصل ثمنها» «2». لكن المراد به هنا المجاذبة بين المتعاوضين سواء أ كان العقد بيعا أم غيره.

(2) هذا هو الفرع الخامس عشر، و محصله: أنّه تقدّم جواز بيع أمّ الولد في ثمنها لو كان في ذمة المولى و لم يكن له مال يفي به. و هل يجوز البيع لو أدّى الثمن أو كان له مال يفي به، و لكن شرط بائع الجارية- في العقد- على المشتري شيئا يحتاج الوفاء به إلى المال، و هو معسر لا مال له إلّا أمّ الولد، كما لو شرط الإنفاق على البائع سنة مثلا، فعجز عن الوفاء بما التزم به، بحيث توقف إنفاذه على بيعها، مقدمة للوفاء بالشرط، فيكون كجواز بيعها في ثمنها، أم لا؟

و بعبارة اخرى: هل يكون الشرط كالثمن في جواز بيعها أم لا؟

استشكل المصنف- وفاقا لصاحب المقابس قدّس سرّهما- في الإلحاق.

فوجه الإلحاق كون الشرط كالمبيع في أنّ له قسطا من الثمن، و معدودا جزءا منه، فالعجز عن الوفاء به كالعجز عن أداء الثمن، فيجوز بيعها، إن لم يكن «بيعها في ثمنها» منصرفا عنه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 76

(2) لسان العرب، ج 12، ص 310؛ مجمع البحرين، ج 6، ص 94

ص: 338

بالثمن (1)- كما إذا اشترط الإنفاق على البائع (2) مدّة معيّنة- إشكال (3).

و على العدم (4)، لو فسخ البائع، فإن قلنا بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد

______________________________

و وجه عدم الإلحاق: عدم كون الشرط جزءا منه، لأنّ الثمن عبارة عمّا يقع تلو «باء» المقابلة، و الشرط و إن كان منشأ لتفاوت ما يبذل بإزاء العين، إلّا أنّه خارج عن الثمن، فلا يجوز بيعها حينئذ فيه، لعدم صدق «بيعها في ثمنها» عليه [1].

(1) متعلق ب «إلحاق الشرط» و المراد بالإلحاق جواز بيعها مقدمة للوفاء بالشرط.

(2) متعلق ب «اشترط» يعني: اشترط البائع على المشتري للأمة: أن ينفق على البائع مدة.

(3) مبتدء مؤخر لقوله: «و في إلحاق» و تقدّم وجه الإشكال جوازا و منعا.

(4) يعني: و على عدم الإلحاق: لو فسخ البائع لأجل تخلف الشرط- بعد أن أولدها المشتري- فعلى القول بعدم منع الاستيلاد عن النقل، فلا مانع من الاسترداد بلا إشكال. و على القول بمنع الاستيلاد من الاسترداد و صيرورتها بالاستيلاد كالتالف انتقل إلى القيمة الفعلية سواء زادت عن ثمنها الذي اشتراها به أم نقصت عنه.

و الظاهر عدم جواز الاسترداد و إن قلنا بجواز بيعها في قيمتها، و ذلك لعدم صدق «بيعها في ثمنها» على بيعها للوفاء بالشرط، لما اشير إليه من عدم كون الشرط جزء للثمن حتى يصدق البيع في ثمنها عليه.

نعم، بناء على جواز بيعها في مطلق الدين أمكن أن يقال بكشف ذلك عن ارتفاع مانعية الاستيلاد النقل، فيجوز استردادها حينئذ. و المسألة تحتاج إلى التأمل.

______________________________

[1] و هو الحق، فلا يجوز بيعها للوفاء بالشرط. و مع الشك في الصدق لا يجوز أيضا، لعموم المنع.

نعم، بناء على الإشكال في أصالة المنع يتمسك بما دلّ على جواز البيع من العمومات.

ص: 339

بالفسخ استردّت. و إن قلنا (1) بمنعه عنه فينتقل إلى القيمة.

و لو قلنا (2) بجواز بيعها حينئذ (3) في أداء القيمة، أمكن القول بجواز استردادها، لأنّ (4) المانع عنه (5) هو عدم انتقالها، فإذا لم يكن بدّ من نقلها لأجل القيمة، لم يمنع (6) عن ردّها إلى البائع، كما لو بيعت على البائع في ثمن رقبتها (7).

______________________________

(1) معطوف على «فإن قلنا» يعني: و إن قلنا بمنع الاستيلاد عن استرداد نفس الجارية، انتقل حق البائع إلى القيمة.

(2) هذا تتمة لقوله: «و على العدم» لا أنه مقابل له، و حاصله: أنّه لو فسخ ذو الخيار و قلنا بانتقال حقّه إلى القيمة، لا العين رعاية لحق الاستيلاد، و لم يتمكّن المولى من أداء القيمة إلا ببيعها، أمكن القول بجواز ردّ عينها إلى البائع و عدم تعيّن بيعها، و ذلك لوحدة المناط، إذ بعد جواز انتقالها عن المولى لا فرق بين نقلها إلى المشتري، ثم تسليم القيمة إلى البائع، و بين نقلها- ابتداء- إلى البائع ذي الخيار.

و امتناع استرداد عينها بالفسخ لا ينافي جواز استردادها وفاء للقيمة التي هي كالثمن. كما أنّ عدم جواز بيعها مقدمة للوفاء بالشرط- على ما تقدم في الفرع السابق- لا ينافي جواز بيعها في أداء القيمة.

و عليه فالمقام نظير جواز بيعها في ثمن رقبتها من البائع لا من أجنبي حتى يؤدّى ثمنها إلى البائع.

(3) أي: حين الالتزام بمنع الاستيلاد عن استرداد العين و الانتقال إلى القيمة.

(4) تعليل لإمكان القول بجواز استرداد العين، و تقدم بيانه آنفا.

(5) أي: عن استرداد العين.

(6) أي: لم يمنع الاستيلاد عن ردّ أمّ الولد إلى البائع.

(7) إذ بعد جواز بيعها في أداء ثمنها لا فرق بين أن يكون مشتريها هو البائع أو أجنبيا.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل المنعقد لبيان حكم بيعها في ثمنها إن كان دينا على المولى.

ص: 340

هذا مجمل القول في بيعها في ثمنها.

و أمّا بيعها في دين آخر (1)، فإن كان مولاها حيّا، لم يجز إجماعا، على

______________________________

بيع أمّ الولد في دين آخر غير الثمن

(1) هذا هو المقام الثاني الذي أشرنا إليه في (ص 296) و هو حكم بيعها في ما إذا كان مولاها مديونا بمال آخر غير ثمنها، ذهب المصنف قدّس سرّه إلى المنع مطلقا، سواء اريد بيعها في حياة السيد أم بعد وفاته.

أمّا في حال الحياة فللإجماع عليه كما صرّح به صاحب المقابس- في الصورة الثانية من صور جواز بيعها- بقوله: «و هو- أي المنع- مجمع عليه بين الأصحاب.

و يدلّ عليه الأخبار السالفة» «1».

و أمّا بعد موته فلوجهين، أحدهما: استصحاب المنع الثابت حال الحياة.

و ثانيهما: إطلاق روايتي عمر بن يزيد. ففي الرواية الاولى- و هي صحيحته المفصّلة- سأل من الإمام عليه السّلام عن جواز بيع أمّهات الأولاد في دين آخر غير أثمان رقابهن، فنفى عليه السّلام ذلك. قال في المقابس: «و هذا السؤال و جوابه كالنّص في عدم جواز بيعها في أداء غير الثمن من الديون بعد موته و إن استغرقت قيمتها» «2».

و في الرواية الثانية سأل منه عليه السّلام عن جواز بيعهن في الدين، فخصّ عليه السّلام الجواز بما إذا كان الدين ثمن رقابهن، و من المعلوم دلالة مفهوم القيد- أو الحصر- على منع بيعهن في مطلق الدين، و أنّ المستثنى من حرمة البيع هو خصوص ما ورد في المنطوق، هذا.

و عليه فالدليل واف بإثبات منع البيع، لكن ذهب بعض الأصحاب إلى الجواز كما سيأتي.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 77

(2) المصدر، ص 78

ص: 341

الظاهر المصرّح به في كلام بعض (1).

و إن كان بيعها بعد موته، فالمعروف (2) من مذهب الأصحاب المنع أيضا، لأصالة (3) بقاء المنع في حال الحياة، و لإطلاق روايتي عمر بن يزيد المتقدمتين منطوقا و مفهوما (4). و بهما (5) يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز

______________________________

(1) و هو صاحب المقابس كما تقدم كلامه آنفا.

(2) كما في المقابس أيضا «1». لكنه قدّس سرّه نقل خلاف جماعة، كما سيأتي في المتن أيضا.

(3) كما في المقابس أيضا، و المراد به الاستصحاب، لا القاعدة الكلية التي استفادها المصنف قدّس سرّه من الإجماع و النصوص- كما زعمه بعض- و ذلك لمنافاة إرادة هذه القاعدة لتعبير المصنف بالبقاء، و لأنّ شمول القاعدة لحالتي الموت كشمولها لحال الحياة في عرض واحد.

(4) إطلاق المنطوق في صحيحته، و إطلاق المفهوم في روايته الثانية.

(5) أي: و بإطلاق المنطوق و المفهوم في روايتي ابن يزيد يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز، و توضيحه: أنّ صاحب المقابس قدّس سرّه ذهب إلى تقديم الدّين على الإرث بالإجماع و الآية الشريفة مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ و النصوص الكثيرة، و قال: «فإذا انتفى العتق الذي كان هو الغرض من منع المولى و الورثة من التصرفات- و ليس بعد موت المولى أمر يترقب للإعتاق- تعيّن جواز البيع، إذ الواسطة بينهما غير معقولة هنا، و هذا هو المدّعى».

ثم أيّد مقالته بمقطوعة يونس، و قال: «فقوله- و ليس على الميت دين- يدلّ على أنّه إذا كان على الميت دين لم يثبت الحكم المذكور، فيحمل على صورة استغراقه لقيمتها» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 77

(2) المصدر، ص 78

ص: 342

ممّا يتخيّل (1) [1] صلاحيّته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد،

______________________________

و محصله- أنّ قوله عليه السّلام في المقطوعة: «و إن كان لها ولد و ليس على الميت دين فهي للولد» جملة شرطية، مفهومها جواز بيعها لو كان على المولى دين مطلقا و لو في غير ثمنها. بل مقتضى إطلاق الدّين عدم الفرق بين مساواته لقيمة أمّ الولد و بين كونه أقلّ منه. لكن هذا الإطلاق يقيّد بصورة استغراق الدّين لقيمتها. و أما إطلاق الدّين لما إذا كان في ثمنها أو في دين آخر فباق على حاله. هذا ما في المقابس.

و ناقش المصنف فيه بأنّ النسبة بين إطلاق روايتي ابن يزيد و مفهوم هذه المقطوعة عموم مطلق، لدلالة مفهوم رواية يونس على جواز بيعها في مطلق الدين بعد موت المولى، و أنّها ليست لولدها حتى تنعتق عليه. و دلالة روايتي ابن يزيد على اختصاص جواز بيعها- بعد موت السيد- في ثمن رقبتها، و منع بيعها في غير ذلك من الديون، و من المعلوم اقتضاء الصناعة تقييد إطلاق مفهوم المقطوعة بالروايتين.

(1) لعل المتخيّل صاحب المقابس، و من يقول بجواز بيعها في كل دين، بناء على عدم انتقال تركة المديون إلى ورثته إلّا بعد الأداء.

______________________________

[1] التخصيص منوط بكون النسبة بينهما و بين مفهوم مقطوعة يونس- بعد فرض اعتبارها- أخص مطلقا. و ليس كذلك، لكون النسبة بينهما عموما من وجه، لأعميتهما من المقطوعة، لشمولهما للحياة و الموت، لأنّه مقتضى إطلاقهما كما رجّحه المصنف قدّس سرّه من شمولهما لحال الحياة أيضا، حيث قال في (ص 316): «فالأولى في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال ...». و أخصيّتهما منها، لاختصاصهما بغير ثمن أمّ الولد. و أعمية المقطوعة منهما، لشمولها للثمن و غيره، و أخصيتها منهما، لاختصاصها بالموت. ففي مادة الاجتماع- و هو غير الثمن بعد الموت- يقع التعارض بينهما. فوجه تخصيص مفهوم المقطوعة بروايتي ابن يزيد- كما في الجواهر أيضا «1»- غير ظاهر.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 377

ص: 343

كمفهوم (1) مقطوعة يونس: «في أمّ ولد ليس لها ولد، مات ولدها، و مات عنها صاحبها و لم يعتقها، هل يجوز لأحد تزويجها؟ قال (2): لا، لا يحلّ (3) لأحد تزويجها إلّا بعتق من الورثة. و إن كان لها ولد و ليس على الميّت دين فهي للولد. و إذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها لها. و إن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيبه، و تستسعي في بقية ثمنها» «1».

خلافا (4)

______________________________

(1) يعني: مفهوم قوله عليه السّلام: «و إن كان لها ولد و ليس على الميت دين فهي للولد» لدلالته على أنّه لو كان للميت دين فليست للولد، بل لا بدّ من صرفها في أداء الدين.

(2) الظاهر أن القائل هو الإمام عليه السّلام، لعدم رواية يونس كلام غير المعصوم عليه السّلام.

(3) هذا تفصيل لجملة الجواب المحذوفة.

(4) حال لقوله: «فالمعروف» و عدل له، و هذا نقل القول المقابل للمشهور، و هو جواز بيعها بعد موت المولى في ديونه الاخرى غير ثمن رقبتها. قال في المبسوط:

«إذا كانت له جارية، و لها ولد، فأقرّ في حال مرضه بأنّ ولدها منه، و ليس له مال غيرها، فإنّه يقبل إقراره ... و الجارية تكون أمّ ولده. فإن كان عليه دين يحيط بثمنها تباع فيه بعد موته. و إن كان له مال غيرها قضي به الدين و جعلت في نصيب ولدها و تنعتق عليه ...» «2».

______________________________

فالمتعين نفي حجية المقطوعة، لعدم ثبوت كونها كلام المعصوم عليه السّلام. و الظن بكونه كلامه عليه السّلام لا يغني من جوع. فمقتضى روايتي ابن يزيد- مضافا إلى قاعدة المنع- عدم جواز بيعها في غير ثمنها في زمان موت المولى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 106، الباب 5 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 3

(2) المبسوط، ج 3، ص 14

ص: 344

للمحكيّ (1) عن المبسوط، فجوّز البيع حينئذ (2) مع استغراق الدّين. و الجواز ظاهر اللّمعتين (3) و كنز العرفان و الصيمري «1».

______________________________

هذا ما أفاده في بيع المبسوط. و لكنه قدّس سرّه خصّ في كتاب أمّ الولد جواز بيعها بما إذا كان الدّين ثمنها، لا سائر وجوهه «2». و صرّح ابن حمزة أيضا بجواز بيعها في مطلق الدين «3».

(1) قال في المقابس: «و حكى الشهيد في الدروس عن الشيخ في المبسوط: أنّه جوّز البيع حينئذ إذا كان الدين مستغرقا للتركة ... الخ»، و لكن الموجود في الدروس المطبوع نسبته إلى ابن حمزة لا إلى الشيخ، فراجع «4».

(2) أي: حين كون المولى مديونا في غير ثمنها.

(3) ففي اللمعة و شرحها: «و سابعها: إذا مات مولاها، و لم يخلّف سواها، و عليه دين مستغرق، و إن لم يكن ثمنا لها، لأنّها إنّما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها، و لا نصيب له مع استغراق الدين، فلا تعتق، و تصرف في الدّين» «5». خلافا لما في الدروس و المسالك من اختصاص جواز البيع بكون الدّين ثمنها «6».

و عليه فمراد المصنف قدّس سرّه بقوله: «و الجواز» هو ما اختاره في المبسوط من جواز البيع في الدين المستوعب للتركة. و ليس المقصود حكاية تفصيل آخر عن الشهيدين و غيرهما قدّس سرّهم- بين استغراق الدين و عدمه- لتكون الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأوّل: المنع مطلقا، و هو للمشهور.

______________________________

(1) كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ غاية المرام (مخطوط) ج 1، ص 280

(2) المبسوط، ج 6، ص 185

(3) الوسيلة، ص 343 و في الحجرية من الجوامع الفقهية، ص 764

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 77؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 223

(5) الروضة البهية، ج 3، ص 258

(6) الدروس، ج 2، ص 223؛ مسالك الأفهام، ج 8، ص 47، و ج 10، ص 528

ص: 345

و لعلّ وجه تفصيل الشيخ: أنّ (1) الورثة لا يرثون مع الاستغراق، فلا سبيل (2) إلى انعتاق أمّ الولد الذي (3) هو الغرض من المنع عن بيعها.

و عن نكاح المسالك: أنّ الأقوى (4) انتقال التركة إلى الوارث

______________________________

و الثاني: الجواز في غير الدين مطلقا و إن لم يكن مستغرقا.

و الثالث: الجواز في غير ثمنها من الديون إن كانت مستغرقة.

و الحاصل: أنّ في المسألة قولين، و مصبّ الجواز و المنع هو استغراق الدين في غير ثمنها. و ذلك لما جعله المصنف قدّس سرّه مقسما في أوّل موارد الاستثناء، حيث قال:

«و من موارد القسم الأوّل: ما إذا كان على مولاها دين، و لم يكن له ما يؤدّي هذا الدين» لظهوره في كون محل البحث هو الدين المستوعب لقيمة أمّ الولد.

(1) خبر «لعلّ» و تقدم في (ص 342) نقل هذا الوجه عن المقابس، فالمنع و الجواز في هذا المورد مبني على مسألة الإرث، من أنّ مقتضى تأخّره عن الوصية و الدين هل هو منع انتقال التركة إلى ورثة المديون، أم أنه لا يمنع من الانتقال، و يتخير الورثة- في الوفاء- بين الدفع من التركة أو من غيرها؟ هذا.

فما ذهب إليه شيخ الطائفة قدّس سرّه- من جواز بيعها في الدين المستغرق لقيمتها- مبني على عدم الانتقال، كما وجّهه به الشهيد الثاني قدّس سرّه «1».

(2) يعني: مع استغراق الدين للتركة لا تنتقل إلى الورثة حتى يقال بانعتاقها من نصيب ولدها، لفرض تقدم الدين على الإرث.

(3) صفة ل «انعتاق».

(4) كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه مؤلّف من امور:

الأوّل: أنّ التركة تنتقل إلى الورثة مطلقا حتى لو كان على الميت دين مستوعب لها، و هذا موافق للمشهور و مخالف للشيخ قدّس سرّه.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 8، ص 47

ص: 346

..........

______________________________

الثاني: حجر الوارث عن التصرف في التركة إمّا مطلقا، و إمّا فيما يقابل الدين، و هذا حكم كلّي الدين، و لا ينطبق على المقام أعني به استغراق الدين قيمة أمّ الولد، و ذلك لفرض الانعتاق بمجرد الإرث، فلا يبقى مجال للمنع عن التصرف رعاية لحقّ الدّيّان.

الثالث: أنّ أمّ الولد تنعتق من نصيب ولدها، لانتقالها إليه، و انعتاقها عليه بمجرد تملكه لها.

الرابع: أنّ الواجب على الولد تقويم نصيبه من امّه، و دفعه للدّيان، و لا يجب دفع قيمة ما ينعتق منها بالسراية فيما زاد على نصيبه من مجموع التركة.

و قد أوضح قدّس سرّه مورد العتق بالسراية قبل العبارة المنقولة في المتن، و أنّه يكون تارة على عهدة الولد، كما إذا كان نصيبه من مجموع التركة يفي بقيمة ما زاد على نصيب الولد من امّه، فيرد النقص على حصته من سائر الأموال. كما إذا خلّف الميت أمّ الولد- و قيمتها مائة دينار- و خمسمائة دينار، و انحصر الوارث في ولدها و أخ له من أبيه، فحصّة كل واحد ثلاثمائة دينار، فينعتق نصف الأمة من نصيب ولدها منها، و يسري العتق إلى الباقي، و يؤدّي الولد إلى أخيه خمسين دينارا من حصته من الخمسمائة دينار، و هي قيمة نصيبه من أمّ الولد.

و اخرى على عهدة الامّ، كما إذا لم يف نصيب ولدها من مجموع التركة بقيمة ما زاد على نصيبه من الامّ، كما إذا خلّف مولاها في المثال المتقدم خمسين دينارا، فحصة الولد من الام و الخمسين هو خمس و سبعون دينارا، و هو ينقص بخمس و عشرين عن قيمتها، فينعتق منها ثلاثة أرباعها، و يسري العتق إلى الربع الآخر، و يجب عليها السعي في قيمة الربع الأخير ليدفع إلى الوارث الآخر.

و لا بأس بنقل جملة مما في المسالك وقوفا على حقيقة الأمر، قال قدّس سرّه: «لا ريب أنّ مجرد الاستيلاد ليس سببا للعتق. نعم تتشبث به بالحرية، و إنّما تعتق بموت المولى، لأنّ ولدها ينتقل إليه منها شي ء، أو ينتقل جميعها إذا كان هو الوارث خاصة، فتنعتق

ص: 347

مطلقا (1)، و إن منع من التصرف فيها على تقدير استغراق الدّين (2)، فينعتق نصيب الولد منها (3) كما لو لم يكن دين، و يلزمه (4) أداء قيمة النصيب من ماله «1».

______________________________

عليه ما يرثها منها ... و لو بقي منها شي ء خارج عن ملكه سرى إليه العتق إن كان نصيبه من التركة يفي به. و إلّا عتق بقدره. و لو عجز النصيب عن المتخلّف منها سعت فيه هي، و لا يلزم ولدها السعي فيه. و لا يسري عليه لو كان له مال من غير التركة، لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى أنّ السراية مشروطة بالملك الاختياري، و ليس الإرث منه. و إنّما سرى عليه في باقي نصيبه من التركة لإطلاق النصوص الكثيرة:

أنّها تعتق من نصيبه من التركة، و إلّا لكان الأصل يقتضي أن لا يعتق عليه سوى نصيبه منها» «2».

ثم نقل عن نهاية الشيخ «وجوب السعي على الولد إن كان ثمنها دينا على مولاها و لم يخلّف غيرها» ثم نفاه بأصالة البراءة عن وجوب السعي عليه.

و قال فيما لو كانت الديون محيطة بتركة المولى: «ان الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقا» إلى آخر ما حكاه في المتن.

(1) يعني: سواء أ كان على الميّت دين مستوعب للتركة أم لم يكن. و هذا إشارة إلى الأمر الأوّل.

(2) هذا إشارة إلى الأمر الثاني، فيكون استغراق الدين نظير سائر موارد الحجر، من حيث عدم منافاته للملك.

(3) يحتمل رجوع الضمير إلى أمّ الولد، نظير ما إذا لم يكن دين. و يحتمل رجوعه إلى التركة، و هو مبنى رابع الوجوه المذكورة في المقابس، و سيأتي بعض الكلام فيه في (ص 356).

(4) أي: و يلزم الولد أداء قيمة نصيبه إلى الدّيّان، و هذا إشارة إلى الأمر الرابع.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 8، ص 47

(2) المصدر، ص 44

ص: 348

و ربّما ينتصر (1) للمبسوط على المسالك:

أوّلا (2): بأنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّها تعتق

______________________________

(1) المنتصر للمبسوط هو المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث أورد على ما في المسالك بوجوه أربعة، كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا الإشكال ناظر إلى منع ما أفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه من لزوم تقويم نصيب الولد منها، و دفع القيمة إلى الديان.

و ملخص الإشكال: أنّ المستفاد من دليل انعتاقها من نصيب ولدها كون ذلك الانعتاق بدون تقويم عليه. و الكلام إنّما هو في حصص سائر الورثة منها، إذا لم يف نصيب الولد من جميع التركة بقيمة امّه، من أنّه تقوّم عليه أم تسعى هي في أداء قيمتها؟

و بعبارة اخرى: انّ مورد استغراق الدين خارج عن مفاد أدلة الانعتاق على الولد، توضيحه: أنّ دليل «انعتاقها ممّا يرثه ولدها من أبيه» ظاهر في أنّ الولد يستحقّها بالإرث مجّانا و بلا عوض، حيث إنّها تنتقل إلى الولد آنا و تنعتق عليه قهرا، كما هو مفاد مثل قوله عليه السّلام فيما رواه محمد بن قيس: «فإن كان لها ولد، و ترك مالا، جعلت في نصيب ولدها» «1». فلو توقف انعتاقها من نصيبه على بذل غرامة للغير كانت النصوص قاصرة عن إثبات هذا النحو من الانعتاق.

و على هذا، فإن لم يكن دين الميت محيطا بالتركة، انعتقت الامّ- كلا أو بعضا- بحسب نصيب ولدها من تركة أبيه.

و إن كان الدّين مستغرقا كما هو المفروض، و بنينا على انتقال التركة إلى الورثة- كما يلتزم به المشهور و الشهيد الثاني- منعنا عن اقتضاء هذا الانتقال للانعتاق على الولد. لما اشير إليه من اختصاص انعتاق الامّ على ولدها بالانتقال

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 107، الباب 6 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 1، و نحوه سائر أحاديث للباب.

ص: 349

من نصيب ولدها (1): أنّ (2) ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب من غير أن تقوّم عليه أصلا (3). و إنّما الكلام في باقي الحصص (4) إذا لم يف نصيبه من جميع

______________________________

إليه عن استحقاق، و عدم استتباعه للغرامة و العوض. فلا وجه لهذا النحو من الانعتاق، و لا مانع من بيعها حينئذ في الدين، و لا يبقى موضوع للتقويم على الولد.

فإن قلت: لا مانع من انتقالها إلى الولد، و انعتاق حصته منها، و لزوم دفع قيمة تلك الحصة إلى الديان، نظير ما ذكروه من التقويم على الولد و بذل قيمة حصص سائر الورثة إليهم على تقدير وفاء التركة بها.

قلت: مورد تقويم أمّ الولد على ولدها هو حصص سائر الورثة، كما إذا انتقلت، و لم يف نصيب الولد بقيمتها، فينعتق منها بمقدار نصيب الولد منها، و يسرى العتق إلى ما بقي منها رقّا، و يتعيّن بذل قيمة حصصهم إمّا على الولد و إمّا عليها بالسعي.

و على كلّ فليس مورد التقويم نصيب الولد منها ليجب دفع بدله إلى الغرماء.

و الحاصل: أنّ الأمر دائر بين عدم انعتاقها على الولد، فيجوز بيعها في الدين، و بين أن تنعتق عليه مجانا. و لمّا كان الانعتاق المستلزم للتقويم و دفع البدل خارجا عن دليل انعتاق أمّ الولد، تعيّن الالتزام بعدم الانعتاق هنا و بيعها في الدين.

و بهذا يتجه ما ذهب إليه شيخ الطائفة قدّس سرّه من بيعها في الدين المستوعب، و يشكل ما أفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه.

(1) مثل ما تقدم آنفا في معتبرة محمد بن قيس، و كذا في مقطوعة يونس المتقدمة في (ص 344) و غيرها.

(2) خبر قوله: «أن المستفاد» و ضمير «استحقاقه» راجع إلى الولد.

(3) مع أنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه حكم بالتقويم، حيث قال: «و يلزمه أداء قيمة النصيب ...».

(4) يعني: أنّ حصص سائر الورثة من أمّ الولد لمّا كانت في حد ذاتها مملوكة

ص: 350

التركة بقيمة امّه، هل تقوّم عليه، أو تسعى هي في أداء قيمتها؟

و ثانيا (1): بأنّ النصيب

______________________________

لهم- و لا موجب لانعتاقها عليهم قهرا، لعدم كونها أحد العمودين بالنسبة إليهم، و لا للعتق بالسراية كما في العتق الاختياري- فيقع الكلام في تقويمها على الولد، أو وجوب السعي عليها. و على كلّ فلا موجب لتقويم حصة الولد و دفع البدل إلى الديان كما في المسالك.

(1) هذا الإشكال راجع إلى الانتقال و أثره و هو الانعتاق على الولد، و حاصله: قصور أدلة الانعتاق من نصيب الولد عن شمولها للمقام بعد تسليم المبنى، و هو انتقال التركة في الدّين المستوعب إلى الورثة، فهنا مطلبان، أحدهما: تسليم المبنى، و ثانيهما: منع البناء.

أمّا الأوّل، فوجهه: التخلّص من محذور بقاء الملك بلا مالك، لعدم قابلية الميت للتملّك، و لا ريب في عدم تلقّي الدّيان التركة من الميت، فإمّا أن تبقى بلا مالك، و هو ممتنع، و إما من انتقالها إلى الورثة مع حجرهم عن التصرف.

و أمّا الثاني- و هو المتعين- فوجهه: أنّ الظاهر من «عتقها» من نصيب الولد» هو النصيب الفعلي لا الشأني، و من المعلوم إناطة فعليته و استقراره بإخراج الدين و الحقوق المتعلقة بأصل المال كالحج الميقاتي و الخمس و الزكاة و نحوها.

فلو خلّف الميت أموالا، و لزم صرفها في أداء الدين المحيط بها، لم يبق للولد نصيب من امّه كي تنعتق عليه، لا مجانا و لا بعوض من ماله، لفرض تأخر الإرث عن الدّين، فلا موضوع لأداء قيمة نصيب الولد إلى الديان.

و عليه، فإن اريد من «انتقال أمّ الولد إلى الولد» الانتقال المستقرّ، كان منافيا لتأخر الإرث عن الدين. و إن اريد من انتقالها إليهم انتقالها على حدّ سائر الأموال- مع الدين- فمثل هذا الانتقال غير المانع عن تعلق حق الديان به لا يمنع عن أداء

ص: 351

إذا نسب إلى الوارث (1)، فلا يراد منه إلّا ما يفضل من التركة بعد أداء الدين، و سائر ما يخرج من الأصل (2). و المقصود منه (3) النصيب المستقرّ الثابت، لا النصيب (4) الذي يحكم بتملّك الوارث له، تفصّيا (5) من لزوم بقاء الملك بلا مالك.

و ثالثا (6): أنّ ما ادّعاه من الانعتاق على الولد

______________________________

الدين به. و يتجه ما أفاده شيخ الطائفة قدّس سرّه من بيعها مقدمة لوفاء الدين.

و الفرق بين هذا الإشكال و سابقة: أنّ مقتضى الثاني عدم الدليل على أصل الانعتاق، و مقتضى الأوّل عدم الدليل على خصوصية كونه بعوض، لظهور الأدلة في كون الانعتاق لا مع بدل.

و بهذا الوجه أورد صاحب الجواهر أيضا على ما نقله عن الدروس، فراجع «1».

(1) كما إذا قيل: «إنّ نصيب الوارث من مجموع ما تركه الميت مائة دينار مثلا» فإنّ المقصود حصّته بالنسبة إلى ما يفضل من التركة بعد أداء الدين و سائر ما يخرج من الأصل.

(2) فقبل الإخراج يكون النصيب شأنيا، بمعنى أنه لو زاد شي ء على ما يخرج من الأصل كان مائة دينار.

(3) أي: المقصود من النصيب المنسوب إلى الوارث هو المستقر، فالانعتاق يكون من هذا النصيب، لا من النصيب الفرضي غير المشمول لدليل الانعتاق.

(4) معطوف على «النصيب المستقر».

(5) هذا وجه التزامهم بانتقال التركة إلى الورثة مطلقا و إن كان الدين مستوعبا لها، و تقدّم بيانه آنفا.

(6) هذا الإشكال متوجه أيضا إلى انتقال الامّ إلى الولد في فرض استغراق

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 34، ص 378

ص: 352

..........

______________________________

الدين للتركة، و جعله صاحب المقابس قدّس سرّه رابع الوجوه.

و محصّله: المنع من دعوى الانعتاق التي أفادها في المسالك مع كون الملك هنا غير مستقرّ من جهة تعلق حقّ الديان بالتركة، و ذلك لأنّ مستند هذه الدعوى:

إن كان ما دلّ على عدم ملك العمودين و انعتاقهما بمجرّد الملك، لقوله عليه السّلام:

«و أما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما» «1» ففيه: عدم شمول الدليل لهذا النحو من الملك غير المستقرّ، لظهوره في الملك المطلق الذي ليس متعلقا لحقّ الغير، لا كلّ ما يطلق عليه الملك و لو كان محجورا عن التصرف فيه كما في المقام، من جهة تعلق حق الدّيان به، و لذا لا يصح عتق غير أمّ الولد- كما لو ترك الميت عبدا أو أمة- لتعلق حقهم به. و لم ينهض دليل على كفاية مطلق الملك في الانعتاق، و لم ينصّ عليه الأصحاب.

بل يشهد لعدم كفايته أنّه لو وقف عبده على من ينعتق العبد عليه- كأبيه و امّه على تقدير تملكه له اختيارا أو قهرا- و قلنا بصحة هذا الوقف، لم ينعتق العبد على الموقوف عليه و إن انتقل إليه، بناء على ترتب الملك على الوقف الخاص.

و الوجه في عدم انعتاقه على الموقوف عليه تعلق حق الغير من الواقف و الموقوف عليه و البطون به. و من المعلوم عدم الفرق- في عدم كفاية مطلق الملك للانعتاق- بين تعلّق حق الوقف بالمملوك الموقوف و بين تعلق حقّ الدّيّان بامّ الولد.

و إن كان مستند هذه الدعوى دليل انعتاقها من نصيب ولدها، ففيه ما تقدم في الوجه الثاني من ظهور «النصيب» في ما زاد على الدّين.

فالمتحصل: أنّه إمّا أن لا تنتقل أمّ الولد- مع فرض استيعاب الدين- إلى الولد انتقالا تامّا مستقرا، فلا انعتاق حينئذ، و لا مانع من بيعها في الدين. و إمّا أن يكون هناك انتقال تام مصحّح للانعتاق، و لكنّه مناف لكون الإرث المستقرّ متأخرا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 10، الباب 7 من أبواب العتق، الحديث: 6

ص: 353

بمثل هذا الملك (1) ممّا (2) لم ينصّ عليه الأصحاب، و لا دلّ (3) عليه (4) دليل معتبر (5). و ما يوهمه (6) الأخبار و كلام الأصحاب من إطلاق الملك، فالظاهر (7) أنّ المراد به غير (8) هذا القسم، و لذا (9) لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من ينعتق عليه (10، بناء (11) على صحة الوقف و انتقال الموقوف إلى الموقوف عليه.

و رابعا (12):

______________________________

عن الدين.

(1) و هو الملك المقرون بالحجر عن التصرف.

(2) خبر «أن ما ادعاه».

(3) لانصراف الدليل إلى الانعتاق من نصيب الولد بما أنّه ملك تامّ و مستقرّ.

(4) هذا الضمير و ضمير «عليه» راجعان إلى الانعتاق على الولد.

(5) فكيف يدّعى كفاية هذا الملك في الانعتاق؟

(6) يعني: أنّ كلمة «الملك» في «إذا ملكوا» أو «تنعتق من نصيب الولد» و إن كانت موهمة لإرادة مطلق الملك و لو المحجور من التصرف فيه، و لكنها ظاهرة في الملك المستقر، و لا يراد به الأعم منه و من المحجور المشرف على الزوال لتعلق حق الديان به.

(7) خبر «و ما» و دخول الفاء عليه لتضمن الموصول معنى الشرط.

(8) أي: غير ما تعلّق به حق الدّيان.

(9) أي: و لأجل إرادة الملك المطلق لا يحكم ...، و تقدم توضيح هذا الشاهد بقولنا: «بل يشهد لعدم كفايته أنّه ...».

(10) فلو انعتق على الموقوف عليه لزم من وجوده عدمه، و هو محال، فيلزم بطلان الوقف بالانعتاق.

(11) فلو قيل ببطلان هذا الوقف لم يتم الاستشهاد بهذا الفرع للمقام.

(12) جعله صاحب المقابس قدّس سرّه ثالث الوجوه، و هو ناظر إلى تقويم نصيب

ص: 354

أنّه يلزم [1] على كلامه أنّه متى كان نصيب الولد من أصل التركة بأجمعها

______________________________

الولد، و حاصله: أنّ مقتضى كلام المسالك- من أداء قيمة النصيب من ماله إلى الدّيان- أن يخسر الولد تمام قيمة امّه أو بعضها لهم، و انعتاقها عليه في صور ثلاث.

و وجه اللزوم انعتاقها في ملك الولد مع استغراق الدّين، إذ المفروض انتقال التركة إلى الوارث، و بانتقالها إليه ينعتق نصيب الولد من امّه. فلو لم يكن الدين محيطا بالتركة كان انتقالها إليه و انعتاقها عليه أولى.

و الصور الثلاث التي أدرجها المقابس في هذا الوجه الرابع هي:

الاولى: أن يساوي نصيب الولد من مجموع التركة تمام قيمة امّه. و هذا يكون تارة مع استغراق الدين، كما إذا كانت التركة مأتي دينار و كذا الدين، و كان الوارث ولد هذه الأمة و ابنا من غيرها، و كانت قيمة أمّ الولد مائة دينار، فإنّ نصيب ولد الأمة- و هي المائة- يساوي قيمة امّه.

و اخرى بدون استغراق الدين للتركة، كما إذا فرض الدين في المثال مائة دينار.

و نصيب الولد في الفرضين يستوعب قيمة الأم، مع زيادة نصيبه على القيمة فيهما قبل الدين، و نقصان نصيبه عن قيمتها بعد أداء الدين في الفرض الأوّل.

فإن كان الدين مستغرقا انعتق الامّ من نصيب الولد، و يغرم قيمتها للديان، فترد عليه الخسارة، لأنّه يغرم القيمة من ماله الشخصي.

______________________________

[1] التعبير باللازم مسامحة- لأنّ صاحب المسالك صرّح بالانعتاق و التقويم في الدين المستوعب، لا أنّه لازم كلامه. فلعلّ إشكال المقابس عليه هو: أنّ الانعتاق مع تغريم الولد قيمة نصيبه للديان ممّا لا قائل به، و لا ممّا قام عليه دليل، و إلّا فأصل الانعتاق مما ذهب إليه الشهيدان في اللمعتين و الصيمري و السيوري قدّس سرّهم.

و بعبارة أخرى: التعبير باللزوم منوط بكون الصور الثلاث المذكورة في الإشكال الرابع خارجة عن مورد كلام المسالك حتى يتجه جعل التقويم على الولد

ص: 355

..........

______________________________

و إن كان الدين غير مستوعب للتركة- ككون الدين في المثال المزبور مائة دينار- انعتقت الامّ من نصيب الولد، و هو المائة التي هي نصف التركة، فتقوّم عليه، و لا يرث من سائر التركة، فلا يغرم في هذه الصورة من ماله الشخصي شيئا.

الثانية: أن يكون نصيب الولد في الدين غير المستغرق- بعد إخراج الديون و الوصايا- مساويا لقيمة أمّ الولد، كما إذا كانت التركة ثلاث مائة دينار، و كان الدّين مائة دينار، و الوارث هذا الولد و ولدا آخر من امرأة اخرى، فإنّ نصيب الولد بعد إخراج الدين عن مجموع التركة يكون مائة دينار، و هي تساوي قيمة الامّ كما لا يخفى.

______________________________

فيها من لوازمه. فلو كانت مندرجة فيه فلا لازم و لا ملزوم في البين.

و قد يبنى ورود الإشكال و عدمه على ما يراد من مرجع الضمير في عبارة المسالك المنقولة في المتن، و هي «فينعتق نصيب الولد منها».

فإن اريد به التركة بأن يكون مقصود الشهيد الثاني قدّس سرّه قياس صورة استغراق الدين على ما لم يكن دين، لأنّه لو لم يكن دين انعتق على الولد نصيبه من جميع التركة على ما صرّح به في عبارته المنقولة في (ص 335) فإذا انعتقت على الولد اتّجه عليه الإشكال الذي حاصله:

أنّه لو قلنا بانعتاق أمّ الولد في جميع الصور، فإنّما هو من جهة عدم قابلية أمّ الولد لأن تكون مخرجا للدّين. و أمّا سائر التركة فلا مانع من أن تكون مخرجا للدين.

مع أنّ مقتضى التزام المسالك «بأنّه يقوّم عليه مقدار قيمة النصيب من ماله» هو انعتاق أمّ الولد في جميع الصور- حتى في غير الدين المستغرق- من نصيب الولد من التركة، فلا يكون شي ء مما يرثه من التركة مخرجا للدين، بل إنّما يقوّم عليه بمقدار سهمه من الدين الذي لو لا أمّ الولد لكان للوارث أن يؤديه من عين التركة، و لو امتنع لكان للديان أخذه منها. و هذا مما لا يقول به الأصحاب، و ممّا ينبغي

ص: 356

..........

______________________________

أو أقلّ من قيمة الامّ، كما إذا كان الدّين في المثال مائتي دينار، فإنّ نصيب الولد- بعد إخراج هذا الدين- خمسون دينار، و هي نصف قيمة امّه، فيغرم حينئذ من ماله الشخصي خمسين دينارا لأخيه.

ثم إن هذه الصورة بقسميها من أقسام صورة عدم استغراق الدين للتركة، و ليست مستقلة و في قبال الصورة الاولى كما لا يخفى.

الثالثة: أن يكون نصيب الولد من أصل التركة مساويا لنصف قيمتها أو ثلثها أو أزيد أو أقل، كما إذا كان التركة مائة و عشرين دينارا، و قيمة الامّ تسعين دينارا، مع استغراق الدّين، و كون الوارث كالمثال السابق، فإنّ نصيب الولد من مجموع التركة يساوي ستين دينارا، و هي ثلثا قيمة امّه، فينعتق ثلثاها، و يغرم ستين دينارا للديان، فيبقى باقي الدين على الامّ فإنها- لانعتاقها بالسراية- تسعى في ربع الدين، و هو ثلاثون دينارا، و على الولد الآخر أيضا ثلاثون دينارا.

______________________________

القطع ببطلانه، سواء قيل بالتقويم على الولد أم قيل بسعي الام فيه.

و إن أريد به أمّ الولد لم يرد عليه الإشكال. و الظاهر ذلك، لأن الشهيد الثاني قدّس سرّه بصدد بيان عدم مانعية إحاطة الدين بالتركة عن انتقالها إلى الوارث، غاية الأمر يجب دفع ما قابل سهمه ممّن ينعتق عليه إلى الدّيّان جمعا بين الحقين. و هذا لا يلازم التقويم عليه في جميع الصور حتى مع عدم إحاطة الدين بالتركة، و لا يلازم القول بانعتاق الأمّ على الولد بمقدار تمام نصيبه من التركة.

و لو فرض رجوع ضمير «منها» إلى التركة حتى يكون مختاره انعتاق الامّ على الولد بمقدار نصيبه من التركة لم يرد الإشكال على المسالك، لظهور كلامه فيما لم يكن دين على الميت، فلو كان عليه دين لم يظهر منه ذلك، فله أن يلتزم بانعتاقها عليه بمقدار نصيبه من تمام التركة، أو بمقدار نصيبه من الامّ. فراجع «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 364- 365

ص: 357

يساوي قيمة أمّه تقوّم (1) عليه، سواء كان هناك دين مستغرق أم لا، و سواء كان (2) نصيبه الثابت في الباقي (3) بعد الديون و نحوها (4) يساوي قيمتها أم لا.

و كذلك (5) لو ساوى نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك (6)، فإنّه يقوّم نصيبه عليه (7) كائنا ما كان، و يسقط من القيمة

______________________________

(1) أي: تقوّم الامّ على ولدها، و هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و تقدم توضيحها، و أنّها تفرض تارة مع استغراق الدين للتركة، و اخرى بدونه.

(2) هذا إشارة إلى الصورة الثانية، و ضمير «نصيبه» راجع إلى الولد.

(3) المراد من الباقي باقي التركة، أي ما عدا أمّ الولد.

(4) مما يخرج من الأصل كمئونة التجهيز و الكفن.

(5) يعني: و تقوّم على الولد لو ساوى ...، و هذا إشارة إلى الصورة الثالثة، و هي تتصور تارة مع استغراق الدين، كما عرفت، و اخرى بدونه، كما إذا كان الدين ستين دينارا مع كون التركة مائة و عشرين دينارا، و قيمة أمّ الولد تسعين دينارا، فإنّ نصيب الولد- و هو ما يساوي ستين دينارا من التركة- ثلثا قيمة الامّ، فينعتق ثلثاها، و عليه ثلاثون دينارا للدّيّان، و على الامّ أن تسعى للديان في ثلثها، و هو ثلاثون دينارا. و باقي التركة- و هو الثلاثون- للولد الآخر.

(6) كالربع و الخمس، بحسب نصيب كل واحد من الورّاث.

(7) أي: يقوم نصيب الولد على الولد ربعا كان النصيب أم ثلثا أم نصفا.

______________________________

لكن الظاهر رجوع الضمير إلى التركة، لكون عبارة المسالك مسوقة لبيان انعتاق الام على الولد لو وفت حصته من مجموع التركة بقيمة امّه، لا انعتاق خصوص نصيبه منها، كما يشهد به عبارته المفصّلة المنقولة في (ص 335).

و أمّا ما أفاده الميرزا قدّس سرّه أخيرا من ظهور عبارة المسالك في ما لم يكن دين على الميّت، فلم يظهر وجهه بعد صريح قوله: «على تقدير استغراق الدين» و هو أعلم بما قال.

ص: 358

نصيبه (1) الباقي الثابت- إن كان له نصيب (2)- و يطلب (3) بالباقي (4). و هذا (5) مما

______________________________

(1) يعني: فيما إذا لم تكن التركة منحصرة بامّ الولد، فإنّ امّه تقوّم عليه، و يسقط من القيمة نصيبه من سائر التركة. فإن ساوى نصيبه منها القيمة فلا يغرم شيئا، كما إذا كانت التركة مأتين و أربعين دينارا، و الدّين ستين دينارا، فإنّ الولد لا يغرم من ماله الشخصي شيئا، لأنّ نصيبه من جميع التركة مائة و عشرون دينارا، و قيمة الام تسعون دينارا، فتنعتق كلّها من نصيب ولدها، و يسقط من قيمتها حصّتها من سائر التركة، و يصرف ما زاد من سهمه من بقية التركة على قيمتها- و هو الثلاثون- في دين الميت، و الولد الآخر يوفي أيضا باقي الدين أعني الثلاثين.

و بالجملة: فتنعتق الامّ كلّها في هذا المثال، و يسقط نصيب ولدها الثابت في بقية التركة من قيمة الامّ، و لا يطالب بشي ء في وفاء الدين، إذ المفروض بقاء ما يساوي نصف الدين من التركة للولد. و إن لم يكن له نصيب، كما إذا انحصرت التركة في أمّ الولد، فإنّ نصيبه منها- و هو النصف- يقوّم عليه بخمسة و أربعين دينارا، و يطالب بتمام هذه القيمة للدّيّان، و ليس له نصيب من غير الام حتى يسقط نصيبه الثابت فيه من الخمسة و الأربعين.

(2) كما عرفت في هذا المثال.

(3) كذا في النسخ، و الاولى «يطالب» أو «يطالبه» كما في المقابس، و المطالب هم الديان.

(4) كما عرفت في مثال كون التركة مائة و عشرين دينارا، و الدّين ستين دينارا، فإنّ الولد يضمن حينئذ ثلاثين دينارا للدّيان، لكون قيمة نصيبه من التركة- و هو النصف- ستون دينارا، فيسقط من الستين خمسة عشر دينارا، لأنّها نصيبه من غير الام من سائر التركة، و يطالب للديّان بخمسة و أربعين دينارا كما لا يخفى.

(5) أي: الانعتاق القهري على الولد- مع الضمان و غرامة قيمة نصيبه- ممنوع، لمخالفته للإجماع.

ص: 359

لا يقوله أحد من الأصحاب، و ينبغي القطع ببطلانه «1».

و يمكن دفع الأوّل: بأنّ المستفاد (1)

______________________________

فملخّص هذا الإشكال على المسالك: أنّ الانعتاق القهري مع الضمان و غرامة الولد لقيمة ما ينعتق عليه من الام ممّا لم يقل به أحد إلّا الشيخ في الخلاف، مع أنّه رجع عنه في المبسوط، بل نسب إليه أنّه لم يقل بذلك إلّا في الدين غير المستغرق، فقال: إنّه يجب على الولد فك الباقي من ماله بعد بذل ما قابل سهمه الذي ورثه من الميت، و وافقه على ذلك ابن حمزة. و المستند الخبر المذكور في باب الاستيلاد.

و الحاصل: أنّ ملخّص الإشكالات الأربعة الراجعة إلى كلتا دعويي المسالك:

- من انعتاقها من نصيب الولد، و من تقويمها عليه و أخذ قيمتها منه- هو: أنّ المراد بالنصيب الذي تنعتق به الامّ هو النصيب الزائد على الدّين، لأنّه الظاهر من النصيب.

و هذا حاصل الإشكال الثاني.

كما أنّ المراد بالملك الذي انيط به العتق في ملك العمودين و غيره هو الملك الطّلق، لا مطلق الملك، و إن لم يكن طلقا. و هذا محصّل الإشكال الثالث. فهذان الإشكالان يمنعان الدعوى الاولى، فإن تمّا جاز بيع أمّ الولد كما عن الشيخ قدّس سرّه.

كما أنّ الإشكال الأوّل و الرابع يمنعان الدعوى الثانية أعني بها التقويم على الولد، و ذلك لأنّ ظاهر أدلة الانعتاق من نصيب الولد هو انعتاقها مجّانا، لا بتقويمها على الولد. و هذا مفاد الإشكال الأوّل، لقوله: «إنّ ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب». كما أنّ حاصل الإشكال الرابع عدم التزام أحد به.

هذا ما يستفاد من ظاهر عبارات المقابس في بيان الإشكالات الأربعة.

و المصنف قدّس سرّه صار بصدد دفعها كما سيظهر.

(1) توضيحه: أنّ الشهيد قدّس سرّه لم يدّع دلالة أدلة «انعتاق أمّ الولد من نصيب

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 78

ص: 360

..........

______________________________

ولدها» على لزوم أداء قيمتها من مال الولد حتى يرد عليه: عدم دلالة تلك الأدلة إلّا على نفس الانعتاق من نصيب ولدها، من دون دلالتها على ضمان الولد أو غيره للقيمة، فتغريم الولد لقيمتها أو وجوب السعي على نفس أمّ الولد في أداء قيمتها إنّما يكون بسبب الجمع بين الأدلة.

و بالجملة: فدليل الانعتاق لا يدلّ على أزيد من نفس الانعتاق الشامل بإطلاقه لوجود الدين و عدمه، و استيعابه للتركة و عدمه.

فانعتاق أمّ الولد و عدم تعلق حق الديان بها- بمثابة يجوز لهم أخذها مع امتناع الولد عن أداء ما يقابلها، كجواز ذلك لهم في غير أمّ الولد من سائر التركة، مع امتناع الوارث عن دفع العين و القيمة- يوجب الالتزام بأحد الوجوه:

الأوّل: سقوط حق الديان عمّا يقابلها من الدين، كسقوطه عن مئونة التجهيز.

الثاني: تعلّق حقّهم بقيمتها على من تتلف في ملكه بالانعتاق، و هو الولد.

الثالث: تعلق حقّهم بقيمتها على رقبتها، فيجب عليها السعي في قيمتها للديان بإزاء حرّيتها.

الرابع: تعلق حقّهم بمنافعها التي هي كعينها من التركة.

أمّا الوجه الأوّل فلا سبيل إليه، فيدور الأمر بين تغريم الولد، و تغريمها، و تعلق حقهم بمنافعها.

أمّا تعلقه بالمنافع من حيث كونها تركة، ففيه: أنّ كونها من التركة منوط ببقائها على الرقية و المملوكية.

أمّا بعد خروجها عن الرقية فهي مالكة لمنافعها، و لا مجال لاستصحاب مملوكية منافعها حين ملكية رقبتها لمولاها، لارتفاعها قطعا، لأنّ تلك الملكية كانت بتبع ملكية العين، و قد زالت. فيدور الأمر بين تغريم الولد و بين تغريم نفس الامّ، بأن تسعى و تؤدّي قيمتها إلى الدّيّان. و لا يبعد ترجيح الثاني.

ص: 361

من ظاهر الأدلة (1) انعتاقها من نصيب ولدها حتّى (2) مع الدّين المستغرق، فالدّين غير مانع من انعتاقها على الولد. لكن ذلك (3) لا ينافي اشتغال ذمّة الولد قهرا بقيمة نصيبه، أو وجوب (4)

______________________________

هذا توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه في دفع أوّل إشكالات المقابس.

و قد ظهر أنّ مقصوده دفع المجانية التي ادعاها المحقق الشوشتري قدّس سرّه، لا تعيين ما في المسالك من خصوص التقويم على الولد، لعدم تعيّنه من بين الاحتمالات الأربعة المذكورة في المتن كما سيظهر.

(1) لمّا كان الإشكال الأوّل متّجها إلى الانعتاق بالبدل، أراد المصنف قدّس سرّه دفعه بأنّ أدلة انعتاق الامّ من نصيب ولدها و إن كانت ظاهرة في المجانية، و عدم اقتضائها للانعتاق عن غرامة و بدل. إلّا أنّ لزوم البدل هنا مقتضى الجمع بين ما دلّ على كون نفس رقبة أمّ الولد موردا لأحكام كعدم البيع و الإرث، و الانعتاق على الولد، و بين ما دلّ على عدم سقوط حقّ الدّيّان- بعد عدم تعلق حقّهم بعين رقبتها- لاقتضائه إمّا اشتغال ذمة الولد بماليتها، و إمّا اشتغال ذمتها و وجوب السعي عليها، و إمّا استحقاق الديان لمنافعها.

(2) لإطلاق قوله عليه السّلام: «جعلت في نصيب ولدها» «1».

(3) أي: انعتاقها من نصيب ولدها مطلقا- حتى مع استيعاب الدين- لا ينافي اشتغال ذمة الولد، و هذا دفع لقول صاحب المقابس: «من غير أن يقوّم عليه أصلا» من الملازمة بين الانعتاق و بين المجانية و عدم تقويمها على الولد.

و حاصل دفعه: عدم التلازم بينهما، فيمكن الانعتاق مع تغريم الولد، أو وجوب السّعي على الامّ.

(4) معطوف على «اشتغال» أي: لكن انعتاقها لا ينافي وجوب سعيها ... إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 107، الباب 6 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 1

ص: 362

سعيها (1) [بيعها] في القيمة، جمعا (2) بين ما دلّ على الانعتاق على الولد، الذي (3) يكشف عنه (4) إطلاق النهي عن بيعها، و بين (5) ما دلّ على أنّ الوارث لا يستقرّ له (6) ما قابل نصيبه من الدين على وجه (7) يسقط حق الدّيّان. غاية الأمر (8)

______________________________

(1) اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الكلمة، و الأولى- بل المتعين- ما في النسخة المصححة المعتمد عليها من «سعيها» بقرينة ما سيأتي في ثالث محتملات أداء الدين من قوله في (ص 365): «فتسعى فيها» أي في قيمتها، لا بيعها في ذلك، و كذا قوله هنا: «ما دل على الانعتاق على الولد ... إطلاق النهي عن بيعها».

(2) مفعول لأجله، و هو قيد لاشتغال الذمة، أي: اشتغال ذمة الولد بقيمة نصيبه من امّه، أو اشتغال ذمتها بالقيمة. و تقدّم توضيحه.

(3) صفة ل «ما دلّ».

(4) أي: يكشف عن الانعتاق مطلقا- و إن كان الدين محيطا بالتركة- إطلاق النهي عن بيعها في غير ثمنها، كصحيحتي ابني مارد و يزيد المتقدمتين في (ص 265 و 299) و رواية السكوني و غيرها ممّا يستفاد منه منع بيع أمّ الولد.

(5) معطوف على «بين» يعني: النصوص الدالة على عدم جواز التصرف في التركة، مع فرض إحاطة الدين بها، كقول أبي الحسن عليه السّلام في معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج: «إن كان يستيقن أنّ الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق» «1».

(6) أي: لا يستقر للوارث نصيبه من الإرث إن كان في مقابله دين.

(7) متعلق ب «يستقرّ» فلو استقرّ نصيبه من الإرث- مع وجود الدين- لزم سقوط حق الدّيّان.

(8) غرضه بيان الفارق بين أمّ الولد و بين سائر التركة، حيث إنّ حقّ الدّيّان ينتقل من عينها إلى قيمتها، لتعيّن انعتاقها من نصيب ولدها منها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 408، الباب 29 من أبواب الوصايا، الحديث: 2

ص: 363

سقوط حقّهم عن عين هذا المال الخاصّ، و عدم (1) كونه كسائر الأموال التي يكون للوارث الامتناع عن أداء مقابلها، و دفع (2) عينها إلى الدّيّان، و يكون لهم (3) أخذ العين إذا امتنع الوارث من أداء ما قابل العين.

و الحاصل (4): أنّ مقتضى النهي عن بيع أمّ الولد في دين غير ثمنها بعد موت المولى (5) عدم (6) تسلّط الديان على أخذها و لو مع امتناع الولد عن فكّها (7) بالقيمة، و عدم (8) تسلّط الولد على دفعها وفاء عن دين أبيه. و لازم ذلك (9)

______________________________

(1) معطوف على «سقوط» أي: عدم كون هذا المال الخاص محكوما بحكم سائر التركة.

(2) معطوف على «الامتناع» أي: للوارث دفع عين الأموال- غير أمّ الولد- إلى الدّيان لاستيفاء حقّهم منها.

(3) أي: للديان أخذ أعيان التركة- تقاصا- إن امتنع الوارث من وفاء دين المورّث ببدلها.

(4) هذا حاصل ما أفاده من لزوم الجمع بين ما دلّ على انعتاقها و ما دلّ على بقاء حق الديان، و غرضه بيان أنحاء الجمع ثبوتا، و ما يتعيّن القول به إثباتا، كما سيظهر.

(5) كما ورد في صحيحة عمر بن يزيد من «أنّها تباع في دين ثمنها» دون غيره من وجوه الدّين.

(6) خبر قوله: «إن مقتضى».

(7) المراد بفكّها فك ماليّتها، لما تقدم من عدم تعلق حق الديان بالعين، فالمقصود امتناع الولد عن وفاء دين أبيه باداء قيمة نصيبه إلى الديان.

(8) معطوف على «عدم تسلّط» فلا سلطنة للولد على تسليم امّه للديان، كما لا سلطنة لهم على أخذها.

(9) المشار إليه: عدم تسلط الديان على أخذها، و عدم تسلط الولد على

ص: 364

انعتاقها على الولد.

فيتردد (1) الأمر حينئذ (2): بين سقوط حقّ الدّيان عمّا قابلها من الدّين (3)، فتكون أمّ الولد نظير مئونة التجهيز التي لا يتعلق حقّ الديان بها.

و بين أن يتعلّق حقّ الدّيّان بقيمتها على من تتلف في ملكه و تنعتق عليه، و هو الولد (4).

و بين أن يتعلق حقّ الدّيّان بقيمتها على رقبتها، فتسعى فيها (5).

و بين أن يتعلّق حقّ الديان بمنافعها، فلهم أن يؤجّروها مدّة طويلة يفي أجرتها بدينهم (6)، كما قيل (7): بتعلق حق الغرماء بمنافع أمّ ولد المفلّس.

______________________________

دفعها إليهم.

(1) هذا متفرع على انعتاقها المترتب على عدم السلطنة على العين شرعا.

(2) أي: حين عدم تسلط الديان على العين، فيدور الأمر بين وجوه أربعة.

(3) هذا أوّل الوجوه، و حاصله: أنّه لو فرض كون قيمة أمّ الولد مائة دينار، و هي ربع الدين، سقط من حقّ الديان ربعه. فكما لا يتعلق حق الغرماء بمئونة التجهيز و الكفن، فكذا لا يتعلق بامّ الولد.

(4) هذا ثاني الوجوه، و حاصله: ضمان الولد لقيمة امّه، لكونها تالفة عليه بانعتاقها.

(5) هذا ثالث الوجوه، و هو يشارك سابقه في انتقال حقّ الديان إلى قيمتها، و يفترق عنه بكون الضمان عليها، فتسعى في قيمتها، كما في بعض موارد العتق بالسراية.

(6) هذا رابع الوجوه، و هو عدم تعلق حق الديان لا بالعين و لا بالقيمة، و إنّما يتعلق بمنفعتها و خدمتها، فتؤجر بما يفي بالدين.

(7) القائل صاحب الجواهر قدّس سرّه فيما لو اشترى جارية نسيئة فأولدها ثم فلس، و كانت عليه ديون اخرى، فجاز بيعها لو طالب البائع بثمنها، كما جاز له أخذها،

ص: 365

و لا إشكال (1) في عدم جواز رفع اليد عمّا دلّ على بقاء حقّ الديّان متعلّقا بالتركة (2)، فيدور (3) الأمر بين الوجهين الأخيرين، فتنعتق على كلّ حال،

______________________________

لكونه بمنزلة بيعه، ثم قال: «و ليس للغرماء المنع و إن قلنا بتعلق حقّهم بالمنفعة لو لم تبع، لأولوية حقه منهم ...» «1».

هذا بحسب مقام الثبوت، و سيأتي الكلام فيما يقتضيه مقام الإثبات.

(1) هذا مقام الإثبات، و غرضه قدّس سرّه ترجيح الاستسعاء أو تمليك منفعتها على الاحتمالين الأوّلين، و بيانه: أنّ ما دلّ على بقاء حقّ الدّيّان متعلقا بالتركة، كما يقتضي عدم سقوط التكليف بأداء الدين و وجوب الوفاء به، فيبطل الاحتمال الأول.

فكذا يقتضي عدم تعلق حقوقهم بذمة الولد حتى يجب عليه بذل قيمة امّه إلى الغرماء. و يدور الأمر حينئذ بين الوجهين الأخيرين.

و وجه عدم جواز رفع اليد عمّا دلّ على تعلق الدين بالتركة هو: أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، و دليل منع بيع أمّ الولد في غير ثمنها يقتضي عدم تعلق حقّ الديان بعينها، و لا يمنع من تعلقه بقيمتها أو منفعتها الذي هو نحو من التعلق بالتركة، فتحمل أخباره على هذا النحو من التعلق، جمعا بين الدليلين.

و لعل وجه عدم جواز رفع اليد عن دليل وجوب أداء دين الميّت- مع رفع اليد عنه في موارد مستثنيات الدين- هو: أنه دليل ينبغي إعماله مهما أمكن، و من المعلوم أنّ دليل عدم جواز بيع أمّ الولد في مطلق الدين لا يقتضي سقوط وجوب الوفاء به، بل اللازم العمل بالدليلين جمعا بينهما، فيؤدّى الدين لا من رقبتها.

(2) ظهر آنفا أنّ وجوب أداء الدين مدلول عليه ببقاء حق الديان، فلذا يبطل الاحتمالان الأوّلان معا بعدم سقوط حقهم.

(3) هذا متفرع على سقوط الوجهين الأوّلين.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 320

ص: 366

و يبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا إلى التأمّل (1).

و ممّا ذكرنا (2) يظهر اندفاع الوجه الثاني، فإن مقتضى المنع عن بيعها مطلقا (3) أو (4) في دين غير ثمنها استقرار (5) ملك الوارث عليها.

و منه (6) يظهر الجواب عن الوجه الثالث،

______________________________

(1) تقدّم آنفا إمكان ترجيح تعلق حقهم بذمتها- و استسعائها في قيمتها- على تعلق حق الديان بمنافعها، و هو مقتضى قوله في (ص 370): «كان ذلك في رقبتها».

هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه في ردّ أوّل الوجوه الأربعة المذكورة في المقابس، و يأتي الكلام في ردّ الثلاثة الاخرى.

(2) من اقتضاء الجمع بين دليل انعتاقها على الولد و بين دليل عدم استقرار نصيب الوارث من التركة بمقدار ما قابل نصيب الولد من الدين، يظهر اندفاع الوجه الثاني المبني على أنّ المراد بالنصيب هو المستقر الثابت لا الزائل.

وجه الاندفاع: أنّ مقتضى تعلق حق الديان بامّ الولد استقرار ملك الولد لها، و انعتاقها عليها، لما تقدّم من تعلق حقّهم بقيمتها لا برقبتها. فلا مزاحم لنصيب الولد من الامّ حتى يقال بخروجه عن دليل انعتاق العمودين أو خصوص أمّ الولد.

و الحاصل: أنّ النهي عن بيعها- سواء أ كان مطلقا أم في غير ثمنها- لا ينافي استقرار ملك الولد لها، الموجب لانعتاقها.

(3) كما تقدم في (ص 292) عن السيد قدّس سرّه إن لم يتأمّل في النسبة.

(4) معطوف على «مطلقا» و جواز البيع في ثمنها و منعه في دين آخر هو المشهور كما مرّ في (ص 296 و 341).

(5) خبر قوله: «فإنّ مقتضى» و ضمير «عليها» راجع إلى أمّ الولد.

(6) الضمير راجع إلى الموصول في قوله: «و مما ذكرنا» و وجه ظهور الجواب هو: أنّ مقتضى عدم تعلق حقّ الديان بعين أمّ الولد- بحيث يجوز لهم أخذها مع

ص: 367

إذ (1) بعد ما ثبت عدم تعلق حق الديان بعينها- على (2) أن يكون لهم أخذها عند امتناع الوارث من الأداء- فلا مانع عن انعتاقها. و لا جامع (3) بينها و بين الوقف الذي هو ملك للبطن اللاحق كما هو ملك للبطن السابق.

و أمّا ما ذكره رابعا، فهو إنّما ينافي (4) الجزم بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلّقا بالولد. أمّا إذا قلنا باستسعائها فلا يلزم شي ء.

______________________________

امتناع الوارث عن أداء ما قابلها من الدّين- هو عدم مانع عن انعتاقها، لاستقرار ملك الولد لها، و عدم كونها في معرض الزوال من ناحية تعلق حق الديان بها، حتى يرد عليه ما أورده صاحب المقابس من قوله: «إن ما ادّعاه من الانعتاق على الولد بمثل هذا الملك مما لم ينص عليه الأصحاب ... الخ».

(1) تعليلية، و هذا تقريب ظهور الجواب.

(2) هذا بيان للمنفي، و هو تعلق حق الديان بالعين، إذ لو كانت أمّ الولد كسائر الأموال التي تركها الميت، جاز للديان أخذها لو امتنع الوارث من الأداء. و المفروض عدم جواز أخذها، و ليس إلّا لتعلق حقهم بقيمتها لا بعينها.

(3) هذا دفع المقايسة- المذكورة في المقابس- بين أمّ الولد و بين العبد الموقوف، و الأولى أن يقال: «بخلاف الوقف».

و كيف كان، فحاصل دفعها: أنّ القياس مع الفارق، حيث إنّ العبد الموقوف على ولده مثلا يكون متعلقا لحق سائر البطون، فلا بد من إبقائه و عدم جواز بيعه لينتقل إلى البطون اللاحقة. بخلاف أمّ الولد، فإنّها ملك للولد دون غيره، إذ المفروض عدم تعلق حق الديان بها.

(4) الظاهر- كما استظهره الفقيه المامقاني قدّس سرّه «1»- أنّ مراد المصنف قدّس سرّه هو: أنّ الإشكال الرابع لا يدفع أصل الانعتاق الذي ادّعاه المسالك، بل يدفع دعوى الضمان

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 459

ص: 368

فالضابط (1) حينئذ:

______________________________

على الولد، إذ للشهيد قدّس سرّه دعويان: إحداهما: الانعتاق، و الاخرى ضمان الولد لقيمتها.

و الإشكال الرابع يدفع الثانية، لأنّه ينافي الجزم بكون القيمة بعد الانعتاق على الولد، دون الاولى، فلا بأس حينئذ بالالتزام بكون القيمة على نفس الامّ، و وجوب السعي عليها فيها، فلا يثبت بإشكال المقابس جواز البيع الذي نسب إلى شيخ الطائفة قدّس سرّه.

(1) يعني: فالضابط في انعتاق أمّ الولد- حين إذ قلنا باستسعائها في ما يزيد على نصيب ولدها منها- هو التفصيل بين كون نصيب الولد من التركة وافيا بقيمتها و عدمه. فهنا صورتان:

الأولى: أن لا يكون انعتاقها مستلزما لورود خسارة على الولد، كما إذا كان نصيبه من التركة ما يساوي قيمة الامّ، و لم يكن دين على المولى، فحينئذ تنعتق الامّ من دون ضمان على أحد. مثلا إذا كان نصيبه من التركة مائة دينار، و قيمة الام مائة دينار أيضا، فيملك الولد نصيبه من التركة بلا ضمان.

الثانية: أن يكون انعتاقها موجبا لضرر مالي و خسارة، فيكون على عهدة المنعتقة لا على الولد المنعتق عليه. و لا فرق في ضمانها بين كون مجموع نصيب الولد مقابلا بالدين أو بعضه.

فالأوّل: كما إذا كان في المثال المزبور دين مستغرق للتركة، فيصير حينئذ نصيب الولد- و هو المائة- مع الضمان، إذ المفروض وجود الدين، فإذا انعتقت الامّ التي تكون قيمتها مائة دينار، فلا بد من دفع ما يقابل قيمتها إلى الدّيّان، فنصيب الولد مملوك مع الضمان.

و الثاني: كما إذا كان نصيبه من التركة مائة دينار مع كون قيمة الامّ مائة دينار أيضا، فيملك الولد نصيبه المزبور مع ضمان بعضه فيما إذا لم يكن الدين

ص: 369

أنّها تنعتق [أنه ينعتق] (1) على الولد ما لم يتعقبه (2) ضمان من نصيبه. فإن كان (3) مجموع نصيبه أو بعض (4) نصيبه يملكه (5) مع ضمان أداء ما قابله من الدّين، كان (6) ذلك في رقبتها.

______________________________

مستغرقا، بأن كان ما قابل نصيبه منه خمسين دينارا، فهو يملك نصيبه من التركة مع ضمانه لبعض نصيبه- و هو الخمسون- للدّيّان.

(1) كذا في نسختنا، و لا بد من تأويل الأمة بالمملوك، ليصحّ تذكير الضمير، و الاولى ما أثبتناه عن نسخة مصححة اخرى.

(2) أي: ما لم يتعقب الانعتاق ضمان و خسارة على الولد. و هذا إشارة إلى الصورة الاولى.

(3) هذا متفرع على كون الضابط الانعتاق على الولد من دون تعهده بشي ء من قيمتها، كما لو لم يكن دين أصلا.

(4) معطوف على «مجموع» و تقدم توضيحه بقولنا: «و الثاني كما إذا كان نصيبه من التركة ...».

(5) أي: يملك الولد مجموع النصيب- أو بعضه- مع ضمان الدين المقابل للنصيب. و الأولى أن يقال: «بحيث يملكه».

فإن قلت: إن ضمان الولد للدين المقابل للنصيب مناقض لما هو المطلوب من عدم تضمين الولد.

قلت: نعم، لكن لعل المراد ثبوت الضمان على الولد في الجملة و إن استحق مطالبة البدل من امّه، فهذا في قبال عدم الضمان أصلا.

و يحتمل أن يكون غرضه الإشارة إلى وجود قولين في المسألة.

(6) جواب «فإن كان» و قوله: «ذلك» إشارة إلى الموصول في «ما قابله» المراد به الدين، و حاصله: أنّه لو لزم من الانعتاق على الولد ضمان انعتقت عليه، لكن لا مجانا، بل كانت هي الضامنة للدين.

ص: 370

و ممّا ذكرنا (1) يظهر أيضا (2): أنّه (3) لو كان غير ولدها أيضا (4) مستحقّا لشي ء منها بالإرث لم يملك (5) نصيبه مجّانا، بل إمّا أن يدفع (6) إلى الدّيّان ما قابل

______________________________

(1) أي: من انعتاقها مع كونها ضامنة لقيمتها للدّيان، جمعا بين النهي عن بيعها و بين عدم سقوط حقّ الدّيّان رأسا، يظهر أنّه لا فرق- في ضمانها لقيمتها إن لم تكن تمامها من نصيب الولد- بين كون من يستحقّها الدائن و بين كونه وارثا، فإنّ ما دلّ على انعتاقها يوجب حرمان الديان و الوارث عن عينها، و يتعلق الحقّ بماليتها، و يجب عليها السعي لأداء ذلك الحق.

فإذا كانت التركة مائة و عشرين دينارا و الدّين كذلك، و الوارث ولدين، و قيمة الأمة تسعين دينارا، انعتق نصيب ولدها و هو الثلثان، و يملك الولد الآخر ثلثها الباقي مع الضمان لا مجّانا، فيدفع ثلاثين دينارا قيمة نصيبه أعني الثلث من أمّ الولد إلى الدّيّان، فتسعى أمّ الولد في أداء هذا الثلث إلى الدافع. كما لو فرض عدم الدين، فإنّه وجب عليها السعي في دفع قيمة نصيب الولد الآخر إلى ذلك الولد، أو وجب على ولدها دفعها إلى أخيه الدافع.

و على كلّ فقيمة الثلث الزائد على نصيب ولدها تكون عليها، فيجب الاستسعاء.

(2) يعني: كما ظهر ضمانها للديان لو لم يستحقها غيرهم، كما لو لم يكن وارث آخر غير ولدها.

(3) الضمير للشأن، و الجملة فاعل قوله: «يظهر».

(4) يعني: كما لو كان مستحقها الديان، فكذا استحقّها بالإرث غير ولدها.

(5) جواب «لو كان» يعني: لم يملك غير الولد نصيبه من أمّ الولد مجانا بحيث تنعتق عليه بلا عوض، بل لا بد من وصول قيمة نصيبه إليه.

(6) غرضه بيان عدم مجانية ملك النصيب، يعني: أنّ غير الولد لو دفع إلى الديان مقابل نصيبه الموروث- و هو ثلاثون دينارا في المثال المزبور- سعت الامّ في

ص: 371

نصيبه (1)، فتسعى أمّ الولد، كما لو لم يكن دين (2)، فينعتق نصيب غير ولدها عليه (3) مع ضمانها أو ضمان ولدها (4) قيمة حصّته (5) التي فكّها من الدّيّان.

و إمّا (6) أن يخلّي بينها و بين الديّان، فتنعتق أيضا (7) عليهم مع ضمانها أو ضمان ولدها ما قابل الدين لهم.

______________________________

أداء هذا المال المدفوع إلى الديان، كما وجب عليها السعي في أداء نصيب غير الولد لو لم يكن هناك دين أصلا. إذ لو لم تسع في نصيب غير الولد لزم كون انعتاقها على ولدها موجبا للخسارة على غير ولدها ممّن يرثها، مع أنّه لا موجب لتحمل هذا الضرر.

(1) أي: نصيب غير الولد، و هو الثلاثون دينارا في المثال.

(2) يعني: فالسعي واجب إمّا للوارث لو لم يكن دين، و إمّا للديان لو دفع الوارث قيمة حصته إلى الديان.

(3) أي: على غير الولد، فينعتق نصيبه منها بالسراية، و تضمن قيمة النصيب للوارث.

(4) يعني: لو تبرّع ولد الأمة بدفع نصيب أخيه- الذي دفعه هذا الأخ الى الديان- لم يجب عليها السعي، أو قلنا بوجوبه من جهة انعتاقها على الولد من مجموع ما يرثه.

(5) أي: حصة غير الولد.

(6) معطوف على «إمّا أن يدفع» يعني: أن يخلّي الولد الآخر بين أمّ الولد و بين الديان، فتنعتق عليهم أيضا كما انعتقت على ولدها مع ضمان الامّ أو ولدها للديان ما قابل الدين.

(7) يعني: كما انعتقت على الوارث، كما تقدّم بقوله: «فينعتق نصيب غير ولدها عليه» و حينئذ فما قابل الدين يكون في ذمتها، فإمّا أن تسعى للديان، و إمّا أن يضمنه الولد لهم.

ص: 372

و أمّا حرمان الدّيّان (1) عنها عينا و قيمة، و إرث الورثة لها (2)، و أخذ (3) غير ولدها قيمة حصّته (4) منها أو (5) من ولدها، و صرفها (6) في غير الدين، فهو (7) باطل، لمخالفته (8) لأدلة ثبوت حقّ الدّيّان من غير (9) أن يقتضي النهي عن

______________________________

(1) مقصوده قدّس سرّه دفع توهم الفرق بين كون أمّ الولد- بالنسبة إلى الديان- كمئونة التجهيز التي لا يتعلّق بها حق الديان عينا و قيمة، و بين كونها موروثة لما عدا ولدها من الوراث.

و محصل وجه الدفع: أنّ الجمع بين ما دلّ على ثبوت حق الديان و تعلقه بالتركة، و بين النهي عن التصرف في أمّ الولد، يقتضي الالتزام بحرمان الديان عن العين، و انتقال حقهم إلى ماليتها و قيمتها. و حينئذ فإمّا أن تسعى- فيما زاد على نصيب ولدها منها- و إمّا أن يتعهد الولد بأداء الدين. و كذا الحال في حرمان سائر الورثة عن عين أمّ الولد، و استحقاقهم قيمة أنصبائهم منها.

(2) أخذا بعموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فلوارثه» و الخارج منه قطعا هو نفس الولد، فإنه لا يملك امّه.

(3) هذا و «إرث الورثة» معطوفان على «حرمان».

(4) أي: حصة غير الولد.

(5) لعلّ الترديد للإشارة إلى الخلاف في كون حصة غير الولد على عهدة ولدها، أو على الامّ بالسعي.

(6) معطوف على «أخذ» أي: صرف غير الولد قيمة نصيبه- المأخوذة منها أو من ولدها- في غير الدين، لسقوط الدين بصيرورة أمّ الولد من المستثنيات التي لا يتعلق بها حق الغرماء.

(7) جواب «و أما حرمان» و تقدم وجه البطلان آنفا.

(8) أي: لمخالفة الحرمان لأدلة ثبوت حقّ الديان.

(9) يعني: أنّ المنافي لدليل ثبوت حق الديان- و هو النهي عن بيعها و التصرف

ص: 373

التصرف في أمّ الولد لذلك (1).

و ممّا (2) ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد على ما في المسالك

______________________________

و التصرف الناقل لها- لا يزاحم تعلق الحق بقيمتها، و إنما يوجب الحرمان عن العين.

(1) أي: للحرمان، و هو متعلق ب «يقتضي».

هذا تمام ما أفاده المصنف في ردّ الوجوه الأربعة التي انتصر بها المحقق صاحب المقابس لشيخ الطائفة، و اعترض بها على ما في المسالك.

(2) أي: و من سقوط حقّ الديان عن عين أمّ الولد، و تعلّق حقّهم بقيمتها- على نفسها أو على ولدها على الخلاف- يظهر غموض ما في المقابس من الإشكال في الجمع بين كلمات الأصحاب.

و بيان الإشكال: أنّهم حكموا تارة بعدم جواز بيعها إلّا في دين ثمنها. و هذا الكلام يدلّ على عدم جواز بيعها في دين غير ثمنها، و أنّ حقّ الدّيّان ساقط عنها، فتكون أمّ الولد كمئونة التجهيز ممّا لا يتعلّق به حق الديان.

و حكموا اخرى بأنّها تسعى في ما فضل عن نصيب ولدها. و هذا الحكم ينافي كون أمّ الولد كمئونة التجهيز، لأنّه يكشف عن تعلق حقّ الدّيّان بها، إذ لا وجه لأداء قيمتها إليهم إلّا تعلق حقّهم بها.

و بالجملة: فالجمع بين حكم المشهور بعدم جواز بيعها في دين غير ثمنها، و بين وجوب سعيها في أداء قيمتها إلى الدّيّان أو تغريم الولد لها، و بين أدلتهم مشكل، لأنّ الحكم الأوّل يقتضي سقوط حق الدّيان رأسا، و هو ينافي تغريم الام أو الولد لقيمتها للديان.

نعم، لو قصدوا دلالة مثل رواية عمر بن يزيد- المانعة عن بيعها في غير ثمنها- على أنّ أمّ الولد مطلقا- أو خصوص نصيب الولد- تكون كالكفن من مستثنيات الدين، فلا تباع، كان له وجه. لكنه مجرد فرض، لعدم ذكرها في عداد المستثنيات حتى تكون كمئونة تجهيز الميت، كما لم تدل النصوص المزبورة على هذا الاستثناء.

ص: 374

بما (1) ذكرناه: «أنّ (2) الجمع بين فتاوى الأصحاب و أدلتهم مشكل جدّا، حيث (3) إنّهم قيّدوا الدّين بكونه ثمنا، و حكموا (4) بأنّها تعتق على ولدها من نصيبه، و أنّ ما فضل عن نصيبه ينعتق بالسّراية، و تسعى (5) في أداء قيمته.

و لو قصدوا: أنّ أمّ الولد أو سهم الولد مستثنى من الدّين- كالكفن- عملا بالنصوص المزبورة (6)، فله وجه. إلّا أنّهم (7) لا يعدّون ذلك (8) من المستثنيات، و لا ذكر في النصوص (9) صريحا» انتهى «1».

و أنت خبير بأنّ النصوص المزبورة (10) لا تقتضي سقوط حقّ الدّيّان، كما لا يخفى.

______________________________

هذا توضيح كلام صاحب المقابس قدّس سرّه.

(1) متعلق ب «أورد» أي: أورد بالوجوه الأربعة المنقولة عن المقابس.

(2) الجملة في محل النصب على المفعولية ل «قول» و هذا كلام المقابس.

(3) هذا بيان إعضال الجمع بين فتاوى الأصحاب و أدلتهم.

(4) معطوف على «قيّدوا» و هذا أحد الحكمين.

(5) معطوف على «ينعتق» و هذا ثاني الحكمين، و المفروض تمانعهما.

(6) الدالة على منع بيعها إلّا في ثمنها.

(7) استدراك على توجيه كلامهم بجعلها من مستثنيات الدين.

(8) أي: أمّ الولد، أو خصوص نصيب الولد منها.

(9) أي: لم يذكر استثناء الامّ- أو خصوص نصيب الولد- في النصوص.

(10) هذا ردّ ما في المقابس، و الأولى تبديله ب «و ذلك» ليكون تعليلا لقوله:

«يظهر».

و كيف كان فمحصّل الإيراد على المحقق الشوشتري هو: أن النصوص المانعة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 78- 79

ص: 375

[المورد الثاني بيعها في كفن مولاها]

و منها (1): تعلّق كفن مولاها بها- على ما حكاه

______________________________

عن بيعها- يعني عن العين و القيمة معا- لا تدلّ على سقوط حق الديان رأسا لا مطابقة و لا تضمنا و لا التزاما. فالجمع بين هذه النصوص و بين حق الاستيلاد و حق الديان يقتضي تعلق حق الديان بقيمتها، و وجوب السعي فيها، أو ضمان الولد لها.

فالحكم بالانعتاق عملا بما دلّ عليه، و وجوب السعي عليها في قيمتها أو غرامة الولد لها- عملا بما دلّ على ثبوت حقهم بالتركة- ليس مخالفا للأدلة حتى يشكل الجمع بين فتاواهم و أدلتهم.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني من أوّل مواضع الاستثناء، و هو بيعها في دين غير ثمنها.

2- بيع أمّ الولد لتعلق حق الكفن بها

(1) معطوف على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» يعني:

و من موارد جواز بيع أمّ الولد- لتعلق حقّ الغير بها- هو ما إذا مات مولاها، و لم يخلّف كفنا و لا ما يشترى به غير أمّ الولد. فقيل بأنّه إن أمكن بيع بعضها لتحصيل الكفن لم يجز بيع تمامها، و إن توقّف على بيعها بتمامها بيعت.

و عقد صاحب المقابس قدّس سرّه الصورة الثالثة لتحقيق جواز بيعها في الكفن، و سيأتي نقل بعض كلامه.

و يستدلّ للجواز بوجوه ثلاثة، يبتني ثانيها على جواز بيعها في مطلق الدين، و اثنان منها- و هما الأوّل و الثالث- على اختصاص جواز بيعها بأداء ثمن رقبتها.

و توضيح الوجه الأوّل: أنّ الغرض من منع بيع أمّ الولد كلّيّة هو انتقالها- بموت سيدها- إلى ولدها بالإرث، و انعتاقها عليه. فلو فرض عدم جواز بيعها في سائر وجوه الدين، قلنا هنا بجوازه، لانتفاء الحكمة المانعة عن التصرفات الناقلة.

و وجه انتفائها حاجة الميت إلى الكفن المانعة من انتقالها إلى الوارث، لوضوح تقدم

ص: 376

في الروضة (1)- بشرط عدم كفاية بعضها له، بناء (2) على ما تقدّم نظيره في الدين (3)، من أنّ المنع لغاية الإرث، و هو (4) مفقود مع الحاجة إلى الكفن.

و قد عرفت (5) أنّ هذه حكمة غير مطّردة و لا منعكسة.

______________________________

الكفن على الإرث، لأنّه «أوّل ما يبدأ به من المال» كما في الخبر «1». و حيث إنّ التركة منحصرة في أمّ الولد جاز بيعها في كفنه، و لا يبقى موضوع للانتقال و الانعتاق، هذا.

و ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بمنع كون الإرث علة لعدم بيعها، لما تقدم من كونه حكمة، و هي غير مطّردة و لا منعكسة، فلا يدور الحكم مدارها. و حينئذ يمكن منع بيعها، لعدم كونه بيعا في ثمن رقبتها، فتورث و تنعتق على ولدها.

(1) قال في عدّ موارد جواز بيعها: «عاشرها في كفن سيّدها إذا لم يخلّف سواها، و لم يمكن بيع بعضها فيه، و إلّا اقتصر عليه» «2».

(2) هذا قيد لمقدّر، و هو جواز بيعها لتعلق حق الغير- و هو الميت- بها.

(3) لعلّ مقصوده ممّا تقدّم في الدين- مع تبيينه بكلمة: من- هو قوله في جواب صاحب المقابس قدّس سرّه: «لأنّ المستفاد من النصوص و الفتاوى: أن استيلاد الأمة يحدث لها حقا مانعا عن نقلها، إلّا إذا كان هناك حقّ أولى منه بالمراعاة» فراجع (ص 312).

(4) يعني: و الغاية مفقودة، لوضوح تقدم الكفن على الإرث، فيجوز بيعها.

(5) هذه مناقشة المصنف في الوجه الأوّل، و تقدم في (ص 285) بقوله:

«و العلة المذكورة غير مطردة و لا منعكسة» كما تقدم توضيح وجه عدم الطرد و العكس هناك، فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 406، الباب 28 من أبواب الوصايا، الحديث: 1

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 260

ص: 377

و أمّا (1) بناء على ما تقدّم (2) من جواز بيعها في غير ثمنها من الدّين- مع أنّ (3) الكفن يتقدّم على الدّين- فبيعها له (4) أولى.

بل اللازم ذلك (5)

______________________________

(1) معطوف على «بناء على ما تقدم نظيره في الدين» و هذا ثاني وجهي الجواز، و الفارق بينه و بين الأوّل أنّ مقتضى هذا الوجه أولوية جواز بيعها في الكفن من جوازه في الدين.

توضيحه: أنّ الحقوق المتعلقة بمال الميت- و هي الكفن و الدين و حق أمّ الولد و الإرث- لا تكون في مرتبة واحدة، فالكفن مقدّم على الدين، لأنّه أول ما يبدأ به، و الدّين مقدّم على حق الاستيلاد عند المزاحمة، و هو مقدّم على الإرث.

و تقدّم حق الميت- من جهة الكفن- على حق الديان ينتج وجوب صرف أمّ الولد في الكفن.

و بعبارة اخرى: يقدّم الكفن على الدين مطلقا و لو كان ثمن رقبتها، فلو مات المولى و خلّف أمّ ولد لم يؤدّ ثمنها، و لم يكن له كفن، بيعت في كفنه بلا إشكال.

فلو بيعت و صرف الثمن في دين المولى من رقبتها، كان ذلك خلاف دليل تقديم الكفن على الدين، فتعيّن صرف الثمن في الكفن. و حيث إنّه لا ريب في تقدّم دين ثمن الرقبة على حق الاستيلاد، فبالأولوية يكون الكفن مقدّما على حق الاستيلاد.

و الحاصل: أن هذا الوجه الثاني يقتضي جواز بيعها في الكفن مطلقا بالأولوية، سواء قيل باختصاص جواز البيع بثمن رقبتها أم بعمومه لوجوه الدين.

(2) يعني: في (ص 345) حيث قال: «خلافا للمحكّي عن المبسوط، فجوّز البيع حينئذ مع استغراق الدين، ... الخ».

(3) هذا مناط الأولوية، كما عرفت توضيحه.

(4) أي: للكفن.

(5) أي: جواز بيعها، و هذا هو الوجه الثالث المبني على حصر جواز بيعها في

ص: 378

أيضا (1) بناء (2) على حصر الجواز في بيعها في ثمنها، بناء على ما تقدّم (3) من أنّ وجود مقابل (4) الكفن الممكن صرفه في ثمنها لا يمنع (5) عن بيعها،

______________________________

ثمنها لا مطلق الدين، و محصله استكشاف الحكم هنا من جواز بيعها في ثمن رقبتها.

و توضيحه: أنّه إذا خلّف المولى أمّ ولد لم يؤد ثمنها، و دنانير تفي بمئونة التجهيز، يحكم بصرف المال في الكفن، لما دلّ على كونه أوّل ما يتعلق بالتركة، و جاز بيعها لأداء ثمنها. و وجوب صرف المال في تجهيز الميت يدلّ بالالتزام على تقدم حق الميت على حق الاستيلاد عند المزاحمة و عدم وفاء التركة بهما. فكما يقدّم حقّ الميت على حق الاستيلاد في فرض الدين الخاص- و هو ثمن رقبتها- فكذا يقدّم في فرض عدم هذا الدين، لاستفادة أقوائية حقّ الميت من حق الاستيلاد.

فإن قلت: مقتضى هذا الوجه تقدم حق الميت على حق الاستيلاد فيما لو كان هناك دين، ليقال بتقدم حقه على حقّ الديان، و تقدم حقهم على حق الاستيلاد، و من المعلوم أنّ هذا التقدم لا يجدي لو لم يكن هناك دين، و دار الأمر بين حق الميت و حق الاستيلاد.

قلت: المقصود تقديم حقّ الميت على الاستيلاد، و إنّما ذكر الدين الخاص- أعني ثمن رقبتها- لمجرّد طريقيته إلى استفادة كون حق الميت أعظم من حق الاستيلاد، هذا.

(1) أي: كما جاز بيعها في الكفن لو قيل بجواز بيعها في مطلق وجوه الدين.

(2) كما بنينا في الوجه الأوّل على اختصاص الجواز بدين ثمنها، و هذا الحصر هو مفاد قوله في (ص 341): «و أمّا بيعها في دين آخر، فإن كان مولاها حيّا لم يجز إجماعا ... و إن كان بعد موته فالمعروف من مذهب الأصحاب المنع».

(3) الظاهر أنه إشارة إلى قوله في (ص 322): «و مما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن و مئونة التجهيز ...».

(4) كما إذا ترك دنانير معدودة يمكن صرفها في كفنه و تجهيزه.

(5) خبر قوله: «ان وجود»، و «الممكن» صفة للمقابل.

ص: 379

فيعلم (1) من ذلك تقديم الكفن على حقّ الاستيلاد، و إلّا (2) لصرف مقابله في ثمنها و لم تبع.

و من ذلك (3) يظهر النظر فيما قيل (4):

______________________________

(1) غرضه استظهار جواز البيع في الكفن مما ذكر: من عدم مانعية دين الثمن من لزوم صرف ما يقابل الكفن فيه، و عدم جواز أداء ثمنها به، فالمشار إليه ب «ذلك» هو عدم مانعية وجود مقابل الدين عن بيعها في ثمنها.

(2) أي: و إن لم يكن حق الكفن مقدّما على حقّ الاستيلاد لجاز صرف تلك الدنانير- المقابلة للكفن- في ثمن رقبتها، و عدم بيعها في ثمنها، مع أنّ ذلك المقابل يصرف في الكفن، و تباع هي في ثمنها.

و قد تحصّل من كلمات المصنف في هذه الوجوه الثلاثة: أن الأوّل منها ممنوع، لابتنائه على غاية غير مطردة و لا منعكسة. و الثاني منها- و هو الأولوية- منوط بالالتزام بجواز بيعها في مطلق الدين. و الثالث منها- كالأوّل- مبني أيضا على الاختصاص. و سيأتي المناقشة في ما بناه صاحب المقابس على جواز البيع في مطلق الدين.

(3) مراده بالمشار إليه هو قوله: «بل اللازم ذلك أيضا» و محصله: عدم توقف جواز بيعها في الكفن على القول بجواز بيعها في مطلق الدين، بل يتجه حتى على اختصاص جواز البيع بثمن رقبتها.

(4) القائل صاحب المقابس قدّس سرّه، قال في الصورة الثالثة ما لفظه: «و القول بجوازه حينئذ مع استيعاب قيمته لقيمتها مأخوذ من القول به في الصورة السابقة مع الاستيعاب، فإنّ الكفن مقدّم على الدين، كما أنّه مقدّم على الإرث، فجوازه في الدين المستوعب يقتضي جوازه في قيمة الكفن المستوعبة بطريق أولى، و العلة مشتركة بينهما» «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79

ص: 380

من أنّ هذا القول (1) مأخوذ من القول بجواز بيعها في مطلق الدّين المستوعب.

و توضيحه (2): أنّه إذا كان للميّت المديون (3) أمّ ولد و مقدار (4) ما يجهّز به، فقد اجتمع (5) هنا حقّ الميت، و حقّ بائع أمّ الولد، و حقّ أمّ الولد (6). فإذا ثبت (7)

______________________________

(1) أي: القول بجواز بيعها في كفنه مأخوذ ... الخ.

(2) أي: توضيح ما ينشأ منه النظر في كلام المقابس أنّه ...، و ملخّصه: أنّ تقدّم حق الكفن على حق الاستيلاد ليس منوطا بتقدم مطلق الدين الذي قد عرفت كونه محلّا للخلاف، و ذهاب المشهور إلى عدم الجواز، بل تقدمه على حق الاستيلاد منوط بتقدم خصوص دين ثمن الرقبة على حق أمّ الولد، فإنّ حقّ البائع المقتضي لجواز بيعها في ثمنها مقدّم على حق أمّ الولد. فإذا كان حق الميت- و هو حق الكفن- مقدّما على دين الثمن الذي هو مقدّم على حق الاستيلاد، فيقدّم حق الميت على حق الاستيلاد.

و بالجملة: فيقدّم حق الميت على حق أمّ الولد عند الدوران بينهما و إن لم يكن دين، فلا يتوقف تقدم الكفن على الاستيلاد على جواز بيعها في مطلق الدين الذي هو محل الخلاف و الإشكال، فلا وجه لما في المقابس من كون جواز بيعها في كفن مولاها مأخوذا من جواز بيعها في مطلق الدين.

(3) أي: المديون بثمن رقبتها، لا مطلق الدين، لما تقدم من أن غرض المصنف ترتيب جواز بيعها في الكفن على القدر المتيقن مما يجوز بيعها فيه، و هو ثمنها، لا مطلق الدين.

(4) كالدنانير المعدودة الوافية بمئونة التجهيز.

(5) جواب الشرط في قوله: «إذا كان».

(6) و المفروض تزاحم هذه الحقوق الثلاثة، لعدم وفاء التركة بها.

(7) يعني: لا ريب في تقدم هذا الحق الخاص- و هو حق بائعها- على حق الاستيلاد بالانعتاق.

ص: 381

عدم سقوط حقّ بائع أمّ الولد، دار (1) الأمر بين إهمال حقّ الميّت بترك الكفن، و إهمال حقّ أمّ الولد ببيعها (2)، فإذا حكم (3) بجواز بيع أمّ الولد حينئذ (4)- بناء على ما تقدّم في المسألة السابقة (5)- كان (6) معناه: تقديم حق الميت على حقّ أمّ الولد. و لازم ذلك (7) تقديمه عليها مع عدم الدين، و انحصار (8) الحق في الميّت و أمّ الولد.

اللّهم إلّا أن يقال (9):

______________________________

(1) جواب «فإذا ثبت» و المراد إهمال حقّي الميت و أمّ الولد، و صرفها في ثمنها.

(2) لأداء ثمنها إلى البائع.

(3) غرضه من هذه الجملة تقديم حق الميت على حقّ البائع، و هو مقدم على حق الأمة.

(4) أي: حين الدوران بين حقي الميت و الاستيلاد.

(5) من قوله في (ص 322): «و مما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن و مئونة التجهيز ...». فالمراد بالمسألة السابقة هو المورد الأوّل من موارد القسم الأوّل.

(6) جواب «فإذا حكم».

(7) أي: و لازم تقديم حق الميت على حق الاستيلاد مع الدين هو تقديم حق الميت على حق أمّ الولد إن لم يكن دين، إذ لا فرق في تقديم حق الميت بين وجود الدين و عدمه.

(8) معطوف على «عدم» أي مع انحصار الحق في الميت و الأمة.

(9) هذا استدراك على قوله: «و لازم ذلك تقديمه عليها» و حاصله: منع استفادة تقدم حق الكفن على حق الاستيلاد مطلقا و لو مع عدم الدين.

و ملخص وجه المنع: أنّ تقديم حق الكفن على حق الاستيلاد في صورة وجود الدين يكون لأجل تقديم الكفن على الدين، إذ لو لم يقدّم على الدين يلزم

ص: 382

لمّا ثبت بالدليل السابق (1) تقديم دين ثمن أمّ الولد على حقّها، و ثبت بعموم النصّ (2) تقديم الكفن على الدّين، اقتضى (3) [1] الجمع بينهما تخصيص جواز

______________________________

مخالفة النص الدال صريحا على تقديم الكفن على الدين. فالجمع بين دليلي تقديم الكفن على الدين، و تقديم الدين مطلقا- أو خصوص دين الثمن- على حق الاستيلاد، أوجب تقديم حقّ الكفن على حق الاستيلاد، المتأخر عن الدين. فحق الكفن يقدّم على حق الاستيلاد في صورة وجود الدين لا مطلقا.

و عليه فلا يستفاد من تقديم حق الكفن على الدين تقديمه على حق الاستيلاد مطلقا حتى بدون الدين- كما هو مفروض البحث- ليجوز بيعها في الكفن.

فمع الدوران بين الكفن و الاستيلاد يحتاج تقديم حقّ الكفن عليه إلى دليل، و بدون الدليل يرجع إلى عموم المنع عن البيع، على ما أسّسه المصنف قدّس سرّه في بيع أمّ الولد، أو إلى عمومات جواز البيع على ما اختاره غيره، هذا.

(1) و هو ما دلّ على جواز بيعها في ثمنها، كصحيحة ابن يزيد.

(2) المراد به النص الدال على أنّ أوّل ما يبدأ من مال الميت هو الكفن، لشموله لوجود الدين و عدمه.

(3) جواب الشرط في «لما ثبت» و تقدم وجه اقتضاء الجمع التخصيص.

______________________________

[1] لم يظهر وجه لهذا الجمع بعد كون النسبة بين دليلى بيعها في الثمن و حق الكفن عموما من وجه، لافتراقهما في بيعها في الثمن مع عدم الحاجة إلى الكفن، إمّا لوجوده، و إمّا لبذل باذل له.

و في الحاجة إلى الكفن مع عدم الدين.

و اجتماعهما في بيعها في الثمن مع الحاجة إلى الكفن، فإنّ مقتضى دليل جواز البيع في الثمن جوازه فيه، و مقتضى دليل الكفن عدمه، و لا مرجّح لأحدهما على الآخر، فيتساقطان، و يرجع إلى قاعدة المنع كما اختارها المصنف، أو إلى عمومات

ص: 383

صرفها في ثمنها بما (1) إذا لم يحتج الميت إلى الكفن بنفسه (2) أو لبذل باذل. أو بما (3) إذا كان للميّت مقابل الكفن، لأنّ مقابل الكفن غير قابل للصّرف في الدّين (4)، فلو لم يكن غيرها لزم من صرفها في الثمن تقديم الدّين على الكفن (5).

أمّا (6) إذا لم يكن هناك دين، و تردّد الأمر بين حقّها و حقّ مولاها الميّت،

______________________________

(1) متعلق ب «تخصيص» يعني: اختصاص بيعها في ثمنها بعدم الحاجة إليها في الكفن.

(2) يعني: أنّ عدم الاحتياج إلى صرف أمّ الولد في الكفن يكون تارة لأجل أنّ المولى أعدّ لنفسه كفنا قبل وفاته، و اخرى لأجل بذل ذلك له.

(3) معطوف على «بما إذا» أي: اختصاص بيعها في ثمنها بما إذا كان للميّت مال بمقدار الكفن، فيشترى به، و لا تباع أمّ الولد في ثمنها حينئذ.

(4) لكون أوّل ما يتعلق بالتركة هو حق الكفن- كما تقدم في (ص 375)- ثم الدين، ثم الاستيلاد.

(5) مع صراحة النص في تقديم الكفن على الدين.

(6) هذا عدل لمحذوف، فكأنه قال: «هذا إذا كان على الميت دين. و أما إذا لم يكن ... الخ» و غرضه- كما تقدم آنفا- اختصاص تقديم حق الكفن على حقّ الاستيلاد بصورة وجود الدين، حتى يقال: إنّ المقدّم على المقدّم على الشي ء مقدّم على الشي ء. فلو لم يكن هناك دين لم يبق مجال لقياس المساواة، و حينئذ يتردد الأمر بين الحقّين المتزاحمين، و تقديم حق الميّت منوط بدليل عليه، و هو ما دلّ على كون الكفن أوّل ما يبدأ به من المال.

______________________________

صحة البيع كما اختارها غيره.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ بيعها في الكفن عنوان ثانوي، و عنوان «أمّ الولد» بالنسبة إليه عنوان أوّلي، فيحمل على الاقتضائي، و الأول على الفعلي، فيجوز بيعها في كفن مولاها من دون تعارض بين حق الاستيلاد و بين حق الكفن كما لا يخفى.

ص: 384

فلا دليل (1) على تقديم حقّ مولاها، ليخصّص به (2) قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد، عدا (3) ما يدّعى من قاعدة تعلّق حقّ الكفن بمال الميت.

لكن الظاهر (4) اختصاص تلك القاعدة بما إذا لم يتعلّق به حقّ سابق مانع من التصرف فيه، و الاستيلاد (5) من ذلك الحق. و لو فرض تعارض الحقّين (6)

______________________________

لكن الظاهر اختصاص صرف المال في الكفن بما إذا لم يتعلق حق سابق به يمنع من التصرف فيه، و المفروض أنّ أمّ الولد قد تشبثت بالحرية في حياة المولى، فلها حقّ الانعتاق على ولدها، و من المعلوم أنّه لا إطلاق لدليل حق الكفن حتى يثبت به تقديمه على حق الاستيلاد. و لو فرض الإطلاق تعارض دليل حق الكفن و دليل حق الاستيلاد، و بعد تساقطهما يرجع إلى استصحاب منع التصرف الناقل لها، و سيأتي توضيحه.

(1) جواب الشرط في «أمّا إذا ...».

(2) أي: ليخصّص- بما دلّ على تقديم حقّ مولاها- القاعدة الكلية على منع بيع أمّ الولد.

(3) استثناء من قوله: «فلا دليل» و المدّعي صاحب المقابس قدّس سرّه، لما تقدم في عبارته من إطلاق تقديم الكفن على الدين و الاستيلاد.

(4) غرضه المناقشة في إطلاق تقديم حق الكفن على سائر الحقوق المتعلقة بالتركة من الدين و الاستيلاد و الوصية و الإرث.

(5) يعني: و الاستيلاد حقّ سابق على الكفن، فيمنع من بيع أمّ الولد في كفن مولاها.

(6) أي: تعارض دليل حق الكفن المقتضي لبيع أمّ الولد فيه، مع دليل حق الاستيلاد المانع عن البيع، فيتساقطان.

و ليس المراد به تزاحم الحقّين، إذ لو كان كذلك تعيّن تقديم الأهم إن كان، و إلّا فالتخيير، فالتساقط و الرجوع إلى الاستصحاب من أحكام تعارض الدليلين لا تزاحم المقتضيين.

ص: 385

فالمرجع إلى أصالة فساد بيعها قبل الحاجة (1) إلى الكفن، فتأمّل (2).

______________________________

(1) الظاهر أنّ المراد بما قبل الحاجة هو زمان الحياة، إذ لو كان المراد به زمان الموت فلا إشكال في انعتاقها، و بحدوث الحاجة إلى الكفن لا تعود رقّا كما هو واضح. و لو كان قبل زمان الموت كما هو الظاهر فلا مجال للاستصحاب، لتبدل الموضوع و هو حياة المولى بموته، فلا يستصحب الحكم الثابت لأمّ الولد في حال حياة المولى.

(2) لعلّه إشارة إلى ما ذكرناه من تبدل الموضوع.

أو إلى: ما ذكرناه أيضا من عدم المجال للاستصحاب مع العنوان الثانوي، لكونه دليلا على ارتفاع فعلية الحكم بالعنوان الأوّلي.

أو إلى: أنّ المقام مورد للرجوع إلى عموم صحة البيع، لا إلى استصحاب حكم الخاص، كما تمسّك بالعموم فيما سيأتي في (ص 435) عند البحث عن إسلام أمّ الولد عن مولى ذمي.

و تقريب الرجوع إلى العام كما في بيان المحقق الأصفهاني قدّس سرّه هو: أنّ عموم حل البيع بمقتضى الانحلال يتكفل أحكاما متعددة لأفراد مقدّرة الوجود، خرج منها بيع مقيّد كبيع أمّ الولد هنا، و حيث إنّ المحلّ غير قابل إلّا لفرد واحد منه فلا جرم تكون جميع تروكه مطلوبة، إذ لا ينعدم ما تقوم به المفسدة من الأفراد إلّا بترك الكل، فالمطلوب بالمنع عن بيع أمّ الولد جميع تروكه. و الخارج عن تحت عموم صحة البيع جميع الأفراد المفروضة في زمان حياة المولى، و عدم الحاجة إلى الكفن، فتروكها هي المطلوبة.

و أمّا سائر أفراد البيع المفروضة بعد الموت فهي على حالها مشمولة لعموم دليل الصحة، و لا دليل على مطلوبية تركها، إلّا أنّ الفرد المردد خارج، و الترك المردّد مطلوب «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 287 و 288

ص: 386

نعم (1) يمكن أن يقال- نظير ما قيل (2) في الدّين-:

______________________________

(1) استدراك على ما أفاده من عدم الدليل على تقديم حق مولاها، و غرضه الجمع العرفي بين دليلي حق الكفن و حق الاستيلاد، بأولوية المقام مما سبق في مطلق الدين.

و توضيحه: أنّه لو كان على مولاها دين غير ثمنها، و لم يخلّف ما يفي بالدين، انعتقت أمّ الولد بمقدار نصيب ولدها، و تعلّق حقّ الديان بقيمتها لا بعينها، فتتحرّر بالسراية، و تسعى للديان في بقية قيمتها، جمعا بين ما دلّ على عدم سقوط حقّهم عن التركة، و ما دلّ على ثبوت حقّ الاستيلاد. و لمّا كان حق الديان في قيمتها متأخّرا عن حقّ الميت في كفنه، فبالأولوية لا بدّ من تعلق حق الميت في مئونة تجهيزه بقيمتها أيضا و إن لم يحرز تعلقه بعينها.

و الوجه في الأولوية عدم احتمال خصوصية موجبة لتعلق حق الغرماء بقيمتها حتى يقتصر في وجوب السعي عليها- أو على ولدها- على مورد الدين، و يقال بانتفاء تلك الخصوصية في حق الميّت.

و بهذا الوجه يجمع بين حقّ الميت في ماله مقدّما على سائر الحقوق، و بين الحق السابق المانع من التصرف في عينها، و يقال بتعلق مئونة التجهيز بذمة الولد، في قبال نصيبه من الامّ، أو بذمة نفسها، فتسعى و لو بإيجار نفسها، و أخذ الأجرة قبل العمل من جهة رعاية فوريّة التجهيز و عدم فوت الوقت.

قال في المقابس- بعد الفرق بين الدين و الكفن-: «و على هذا فلو أمكن باستسعائها تحصيل الكفن وقت الحاجة إليه تعيّن العتق، و لم يجز البيع. و كذلك لو قلنا بتقويمها على ولدها» «1».

(2) كقوله ردّا على المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «بأنّ المستفاد من ظاهر الأدلة انعتاقها من نصيب ولدها حتى مع الدين المستغرق، لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79

ص: 387

من أنّ الولد يرث (1) نصيبه، و ينعتق عليه، و يتعلق بذمّته (2) مئونة التجهيز، أو تستسعي (3) امّه و لو بإيجار نفسها في مدّة، و أخذ الاجرة قبل (4) العمل، و صرفها في التجهيز. و المسألة محلّ إشكال (5).

[المورد الثالث إذا جنت على غير مولاها في حياته]

و منها (6): ما إذا جنت على غير مولاها

______________________________

الولد قهرا بقيمة نصيبه، أو وجوب سعيها في القيمة جمعا ...» فلاحظ (ص 362).

(1) أي: يرث الولد نصيبه من امّه، و ينعتق ذلك النصيب.

(2) أي: بذمة الولد، كما احتمل تعلق حق الديان بقيمة الام في ذمة ولدها، لكونها تالفة عليه.

(3) معطوف على «يتعلق» و تقدّم هذا في الدين احتمالا ثالثا، فراجع (ص 365).

(4) التقييد بالقبل لكونه وقت الحاجة إلى شراء الكفن قبل القيام بالعمل.

(5) لعلّ منشأ الإشكال أن حمل «تعلق حق الميت بالتركة» على تعلقه بذمة التركة- التي هي أمّ الولد- لا يخلو من تكلّف.

و على هذا فما يتحصّل من كلمات المصنف قدّس سرّه في هذا المورد قصور مقام الإثبات، و عدم وفاء الدليل بجواز بيعها في كفن سيّدها.

3- لو جنت على غير مولاها

(6) معطوف على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» و هذا مورد ثالث ممّا قيل باستثنائه من عموم المنع عن بيع أمّ الولد، و هو ما إذا جنت في حياة مولاها، فإن كان المجني عليه مولاها فسيأتي في المورد الرابع. و إن كان أجنبيا فحكمه التخيير.

و الوجه في عدّ جناية أمّ الولد من موارد تخصيص عموم منع بيعها هو دعوى عموم منع بيعها- سواء أ كان البائع سيّدها أو غيره- حتى يتجه الاستثناء بجواز بيعها بعد انتقالها قهرا إلى المجني عليه.

و كيف كان فالبحث في هذا المورد في مقامين، أحدهما: في حكم جنايتها عمدا،

ص: 388

في حياته (1)، أمّا بعد موته فلا إشكال في حكمها، لأنّها بعد موت المولى تخرج عن التشبث بالحرية، إمّا إلى الحرية الخالصة (2)، أو الرّقية الخالصة (3).

و حكم جنايتها عمدا (4): أنّه إن كان في مورد ثبت القصاص (5)،

______________________________

و ثانيهما، في حكمها خطأ.

(1) يعني: أنّ المقصود بعدّ مورد الجناية من القسم الأوّل- الذي تعلق حق الغير بها- هو وقوع الجناية في حياة المولى، لكونها بسبب الاستيلاد متشبثة بالحرية، و مولاها ممنوع شرعا عن بيعها، فلو جنت بعد موت المولى لم تكن متشبثة بالحرية، بل إمّا صارت حرة خالصة من نصيب ولدها، فيكون جنايتها جناية الحرة لا المملوك حتى يسترقّ. و إمّا عادت إلى الرقية المحضة إن بيعت بعد موت سيدها في ثمن رقبتها، فهي رق قنّ.

(2) لانعتاقها بالتقويم على نفسها أو ولدها إن كان دين الميت غير ثمن أمّ الولد.

(3) كما إذا كان دين المولى ثمن أمّ الولد، فإنّها تباع لأدائه، فتكون رقا خالصا.

و حكم جناية الحرّة الخالصة و الرق الخالص واضح.

(4) يعني: في حال حياة المولى، لأنه مورد البحث و هذا شروع في المقام الأول.

ثم إنّ الجناية إن كانت عمدا- في مورد ثبوت القصاص نفسا أو طرفا- فللمجني عليه الخيار بين القصاص نفسا أو طرفا- على ما تقتضيه الجناية- و بين استرقاقها كلّا أو بعضا على حسب الجناية، فالمقدار الذي يسترق منها يصير ملكا طلقا للمسترق، فيبطل حق الاستيلاد و يجوز بيعها.

و إن كانت خطأ فحكمها التخيير بين تسليم الجاني كلّا أو بعضا على حسب ما تقتضيه الجناية، و بين فكه- بأقل الأمرين من أرش الجناية و قيمة الجاني على المشهور، أو الأرش مطلقا على قول- للمولى، كما سيأتي في (ص 397).

(5) بأن تحقّقت شروط القصاص، و أمكن ذلك و لم تتعيّن الدية.

فمن الشروط التساوي في الدّين، فلو كانت الجانية مسلمة، و كان المجني عليه كافرا، لم يقتصّ منها و تعيّن الدية.

ص: 389

فللمجنيّ عليه القصاص، نفسا (1) كان أو طرفا، و له (2) استرقاقها كلّا أو بعضا على حسب جنايتها (3)، فيصير المقدار المسترقّ منها ملكا طلقا (4).

______________________________

و منها كون المجني عليه محقون الدم شرعا.

و منها: العقل. و غيرها مما ذكر في كتاب القصاص «1».

و لو تحققت الشرائط و تعذر القصاص تعيّنت الدية، كما إذا جنت بقطع يد و لم يكن لها يد أو رجل ليتقصّ منها.

(1) المراد من ثبوت حق القصاص للمجني عليه- في الجناية على النفس- هو ثبوته لوليّ الدم. فحق القصاص للمجني عليه إنّما هو في الجناية على الطرف و الجرح.

(2) معطوف على «فللمجني عليه» و هذا هو تخييره بين القصاص و الاسترقاق.

(3) فإن كان أرش الجناية مساويا لقيمة أمّ الولد استرقّها بتمامها، و إن كان الأرش أقلّ من قيمتها استرقّ منها بالنسبة، كما إذا قدّر الجرح بخمسين دينارا، و قيمتها مائة دينار و امتنع مولاها من دفع المال، فللمجروح استرقاق نصفها.

قال المحقق في جناية العبد عمدا: «و لو قتل العبد حرّا، قتل به، و لا يضمن المولى جنايته، لكن ولي الدم بالخيار بين قتله و استرقاقه ... و لو جرح حرّا، كان للمجروح الاقتصاص منه. فإن طلب الدية فكّه مولاه بأرش الجناية. و لو امتنع كان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجناية. و إن قصر أرشها كان له أن يسترقّ منه بنسبة الجناية من قيمته» «2».

و لو زاد أرش الجناية على قيمتها لم يضمنها المولى، لأنّه لا يعقل مملوكه.

(4) فيجوز للمسترقّ معاملة الملك الطّلق مع أمّ الولد بأن يبيعها أو يهبها، و هذا الحكم هو الموجب لعدّ جناية أمّ الولد من موارد جواز بيعها.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 4، ص 216- 204

(2) شرائع الإسلام، ج 4، ص 205

ص: 390

و ربما تخيّل بعض (1) أنّه يمكن أن يقال: إنّ رقّيّتها للمجني عليه لا تزيد (2) على رقّيّتها للمالك الأوّل، لأنّها (3) تنتقل إليه (4) على حسب ما كانت عند الأوّل.

ثمّ ادعى (5) أنّه يمكن أن يدّعى ظهور أدلة المنع- خصوصا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة- في عدم بيع أمّ الولد مطلقا.

______________________________

و خالف صاحب الجواهر قدّس سرّه في صيرورتها ملكا طلقا بعد الاسترقاق، كما سيأتي.

(1) و هو صاحب الجواهر، قال فيه ما نصه: «بل لو قيل إنّه للمجني عليه استرقاقها، أمكن أن يقال: إنّها لا تزيد على رقيتها للمالك الأوّل، لأنّها تنتقل إليه على حسب ما كانت عند الأوّل» «1».

و حاصل مرامه قدّس سرّه: أنّ ملكية المسترق لأمّ الولد لمّا كانت مترتبة على ملكية المولى المستولد لها و متلقّاة منه، لم ينتقل إلى المجني عليه إلّا الملكية على الوجه الثابت لمستولدها. و من المعلوم أن تلك الملكية لم تكن طلقا، و كذا بعد الاسترقاق، فلا يجوز بيعها للمولى الثاني أيضا.

و عليه فلا تكون الجناية موجبة لجواز بيعها بعد الاسترقاق، بل حال أمّ الولد بعد الاسترقاق كحالها قبله.

(2) خبر قوله: «إنّ رقيتها» و المراد بعدم الزيادة أنّ ملكية المسترق تكون على حدّ ملكية المولى المستولد، و لا يوجب الاسترقاق تغييرا في ملكية المسترق من حيث الطّلقية و عدم الطّلقية.

(3) أي: لأن أمّ الولد، و هذا تعليل لعدم حدوث تغيير في المملوك بالاسترقاق.

(4) أي: إلى المجني عليه.

(5) يعني: ادّعى البعض و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث قال فيه: «لا يقال:

إنّ أمّ الولد لا يبيعها مولاها أبو الولد، أمّا إذا فرض انتقالها إلى غيره لم يكن لعدم

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 379

ص: 391

..........

______________________________

جواز بيعه لها وجه، لعموم تسلط الناس على أموالهم مع عدم المانع بالنسبة إليه. لأنّا نقول: يمكن دعوى ظهور الأدلة خصوصا صحيح ابن يزيد المتقدم في عدم بيع أمّ الولد مطلقا» «1».

و مراده بالإطلاق عدم جواز بيعها حتى لغير المولى المستولد لها.

و المتحصّل من كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه- في منع بيعها عند المجنيّ عليه- أمران:

أحدهما: عدم المقتضي لصيرورة الأمة بالاسترقاق ملكا طلقا، و هو الذي أفاده أوّلا بقوله: «يمكن أن يقال».

و ثانيهما: وجود المانع عن الملك الطّلق، و هو ما نقله المصنف عنه ثانيا بقوله:

«يمكن أن يدّعى» و محصّله: إطلاق الدليل المانع عن بيع أمّ الولد [1].

و ناقش الماتن في كليهما كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

[1] لكنه عدل في كتاب القصاص عما أفاده هنا إلى جواز بيعها بعد الاسترقاق، سواء أ كانت الجناية عمدا أو خطأ، مدّعيا أنّه لا وجه لاستثناء هاتين الصورتين من عموم المنع عن بيعها، لعدم كون البائع سيّدها المنهي عن بيعها.

قال قدّس سرّه: «نعم إذا استرقها المجنيّ عليه ملكها ملكا تامّا، له بيعها، لأنّه ليست أم ولد بالنسبة إليه. بل لا يبعد جواز شراء المولى إيّاها منه، و لا يلحقها حكم الاستيلاد، لأنّه ملك جديد بسبب جديد ... الخ» «2».

و الاعتبار يؤيّد جواز البيع أيضا، فإنّ التخيير بين الإتلاف- الذي هو السلطنة على إعدامها- و بين الاسترقاق يقتضي الرقية المطلقة، فلا مانع من بيعها، فراجع و تأمّل.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 379

(2) المصدر، ج 42، ص 118

ص: 392

و الظاهر (1) أنّ مراده بإمكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلا، و إلّا (2) فهو احتمال مخالف للإجماع و النص الدال على الاسترقاق (3)، الظاهر (4) في صيرورة الجاني رقّا خالصا.

و ما وجّه [1] به هذا الاحتمال

______________________________

(1) هذا إشكال على الأمر الأوّل، و محصّله: أنّ مراد الجواهر بالإمكان إن كان الاحتمال المتطرق في مقام الثبوت- بمعنى عدم كون القول المزبور ممتنعا عقلا- فهو و إن كان صحيحا، لكن مجرد إمكان شي ء ثبوتا لا يجدى ما لم يقم عليه دليل في مقام الإثبات. و إن كان هو الاحتمال المساوق لمساعدة الدليل عليه في مقام الإثبات، فمنعه واضح، لمخالفته للنص و الإجماع المقتضيين لترتب آثار المملوك القنّ على أمّ الولد بسبب جنايتها.

(2) أي: و إن كان مراده بالإمكان وفاء الدليل بكون ملكية أمّ الولد للمسترق على حدّ ملكيتها للمستولد، فهو مخالف للإجماع.

(3) مثل ما في معتبرة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا استرقّوه» «1».

و ظاهر «الاسترقاق» ترتيب أحكام الرق المطلق عليه من جواز نقله إلى الغير ببيع و شبهه. و هذا حكم جناية المملوك مطلقا سواء أ كان أمّ ولد أم غيرها.

(4) هذا الظهور ناش عن إطلاق الاسترقاق، و ليس انتقالا اختياريا حتى يقال: إنّ المجني عليه أو وليّه يتلقّى الملك من مولى الجاني، و لا تزيد ملكيته عن ملكيته، بل هو انتقال قهري بحكم الشارع.

______________________________

[1] قد عرفت عدوله عنه في كتاب القصاص، و لم يذكره هنا اختيارا، بل احتمالا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 73، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، الحديث: 1

ص: 393

- من (1) أنّها تنتقل إلى المجنيّ عليه على حسب ما كانت عند الأوّل- فيه (2): أنّه ليس في النصّ إلّا الاسترقاق، و هو جعلها رقّا له كسائر الرقيق، لا انتقالها (3) عن المولى الأوّل إليه حتى يقال: إنّه إنّما كان على النحو الذي كان للمولى الأوّل (4).

و الحاصل (5) [1]: أنّ المستفاد بالضرورة من النصّ و الفتوى: أنّ الاستيلاد

______________________________

(1) بيان للموصول في «ما وجّه» و تقدم بيان التوجيه.

(2) خبر قوله: «و ما وجّه».

(3) معطوف على «الاسترقاق» يعني: ليس في النصّ انتقالها اختياريا حتى يمكن القول بانتقالها إلى المجني عليه أو وليّه على النحو الذي كان للمولى الأوّل.

(4) من عدم جواز انتقالها عنه.

(5) غرضه أنّ الاسترقاق خارج موضوعا عن حيّز الأدلة المانعة عن بيع أمّ الولد، لأنّها تنهى عن بيعها في شأن من شئون سيّدها إمّا لأداء دين ثمنها أو غيره، و إمّا للصرف في كفنه. و أمّا الاسترقاق لأجل جنايتها فليس راجعا إلى شئون مولاها، فلا بأس به.

______________________________

[1] الأولى سوق العبارة هكذا: «و ما ادعاه من ظهور أدلة المنع ... فيه: أن المستفاد» و وجه الأولوية أن المذكور بعد كلمة «و الحاصل» إبطال للمانع الذي أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه. و لم يسبق من المصنف ردّه حتى يكون هذا حاصله، إذ المذكور قبله ناظر إلى منع كلام الجواهر في مرحلة الاقتضاء.

لكن سبق من المصنف مثل ذلك. فقد يذكر مطلبا آخر بقوله: «و الحاصل» و هو غير متحصل من سابقه، كما مرّ في بيع الوقف «1»، و سيأتي في خيار الغبن.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 619

ص: 394

يحدث للأمة حقّا على مستولدها (1) يمنع (2) من مباشرة بيعها، و من البيع لغرض عائد إليه، مثل قضاء ديونه و كفنه، على خلاف في ذلك (3).

______________________________

و حينئذ، فإن أراد المسترقّ بيعها فلا مانع منه، لأنّها ليست أمّ ولد له، و المفروض أنّ حق الاستيلاد ثابت على مستولدها فقط.

نعم إن اريد بقوله عليه السّلام: «لا تباع» عدم قابليتها للبيع مطلقا كما استظهره في الجواهر من أدلة عدم جواز بيعها- خصوصا صحيح ابن يزيد- لم يكن حقّ الاستيلاد مختصا بالمستولد، بل لا يجوز لمسترقها أيضا بيعها. لكن هذه الاستفادة في غاية الإشكال.

و قد ظهر مما ذكرنا: أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه من قوله: «و الحاصل» رفع المانع عن صيرورة أمّ الولد ملكا طلقا للمجني عليه بالاسترقاق، بتقريب: أنّ دليل حق الاستيلاد المانع عن البيع لا يثبت هذا الحق إلّا على مستولدها، دون من يكون أجنبيا عنها، كمن يسترقها بالجناية. و بعد قصور دليل حق الاستيلاد عن إثبات الحق على غير المولى المستولد لا مانع من إطلاق الاسترقاق المقتضي لكون أمّ الولد ملكا طلقا للمسترق، هذا.

(1) الأولى إضافة «فقط» إليه، إذ المقصود اختصاص الدليل المانع عن البيع بالسيّد.

(2) نعت ل «حقّا» فالممنوع هو البيع، سواء أ كان البائع سيّدها، أم كان غيره و لكن عاد نفع البيع إلى السيد، كقضاء ديونه بثمنها، بناء على جواز بيعها في مطلق الدين كما اختاره بعض، و كبيعها في كفن السيد بناء على جوازه. فإن جاز البيع في هذين الموردين فللدليل المخصّص لعموم المنع.

(3) أي: في جواز البيع لغرض عائد إلى المستولد، كقضاء ديونه- غير ثمن رقبتها- و كفنه.

هذا حكم جنايتها عمدا على غير مولاها.

ص: 395

و إن كانت (1) الجناية خطأ، فالمشهور أنّها (2) كغيرها من المماليك،

______________________________

(1) معطوف على «و حكم جنايتها عمدا» و الأنسب بالسياق أن يقال:

«و حكم جنايتها خطأ» و هذا شروع في المقام الثاني، و حاصله: أنه لا قصاص في جناية المملوك خطأ، أمّ ولد كان أم غيرها. و اختلفوا في حكمها على أقوال ثلاثة:

الأوّل: تخيير المولى بين أمرين:

أحدهما: دفعها إلى المجنيّ عليه أو وليّه. فإن استوعبت الجناية قيمة أمّ الولد استرقها تماما. و إن لم تستوعبها كان للمجني عليه منها مقدارا يعادل الجناية. فلو كان قيمتها مائة دينار، فإن بلغ أرش الجناية مائة أو زاد عليها دفعت إلى المجني عليه و استرقها. و إن كان الأرش أقلّ من قيمتها، استرقّ المجنيّ عليه منها بقدر الجناية.

ثانيهما: فكّ رقبتها ببذل الفداء إلى المجني عليه. و اختلفوا في مقدار الفدية.

فالمشهور- كما في المقابس «1»- أنّه أقلّ الأمرين من قيمتها و أرش الجناية، فلو كان قيمتها مائة دينار، فإن كان قدر الجناية ثمانين دينارا اقتصر على الأرش. و إن كان قدرها مائة و عشرين دينارا دفع قيمتها- و هي المائة- إلى المجني عليه، و لا شي ء عليه و لا على أمّ الولد.

القول الثاني: كون الفداء بأرش الجناية بلغ ما بلغ، نسب إلى جماعة كالشيخ في الخلاف، و غيره.

القول الثالث: أنّه يلزم السيد أرش الجناية، و لا تخيير بين الفداء و دفعها إلى المجني عليه، كما عن المبسوط، و سيأتي.

(2) أي: أنّ أمّ الولد تكون كسائر المماليك في تخيير المولى بين دفعها إلى المجني عليه و بين الفداء. قال الشهيد الثاني- بعد حكاية التخيير بين الدفع و الفداء-:

«و ليس الحكم مختصّا بامّ الولد، بل بكلّ مملوك» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79

(2) مسالك الأفهام، ج 10، ص 531

ص: 396

يتخيّر (1) المولى بين دفعها أو دفع (2) ما قابل الجناية منها إلى المجنيّ عليه، و بين (3) أن يفديها بأقلّ الأمرين (4) على المشهور (5)، أو بالأرش، على ما عن الشيخ (6) و غيره.

______________________________

(1) هذا وجه الشبه في لفظ «كغيرها».

(2) المراد من دفع مقابل الجناية هو استرقاقها بقدر ما جنت.

(3) معطوف على «بين دفعها» و هذا عدل الدفع و التسليم إلى المجني عليه، المفروض وجوبه على المولى تخييرا.

(4) من الأرض و القيمة. فإن كان الأقلّ هو الأرش، فلا إشكال فيه كما هو ظاهر. و إن كان هو القيمة، فلكونه بدلا عن العين، فيقوم مقامها، إذ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و المولى لا يعقل مملوكه. فلا وجه للزائد عليه.

(5) يعني: أو يفديها بالأرش تعيينا و إن كان أكثر من القيمة، لأنّه الواجب أوّلا بالجناية.

(6) اعلم أنّ لشيخ الطائفة أنظارا ثلاثة في المسألة، فحكم تارة بالتخيير بين الفداء و تسليمها إلى المجني عليه، فإن اختار السيد الفداء كان بالأرش، لا بأقل الأمرين منه و من قيمتها.

و اخرى بتعين الأرش في رقبتها، و تخيير المولى بين الفداء و البيع.

و ثالثة بتعين الأرش على المولى، و عدم تخييره بين الفداء و التسليم للبيع.

و ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه من التخيير بين دفعها إلى المجني عليه و بين الفداء بخصوص الأرش مذكور في جراح المبسوط في حكم جناية العبد، قال قدّس سرّه: «إذا جنى العبد تعلّق أرش الجناية برقبته، فإن أراد السيد أن يفديه، فبكم يفديه؟ عند قوم بأقلّ الأمرين ... و عند آخرين بالخيار بين أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، أو يسلّمه للبيع، لأنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بذلك القدر أو أكثر. و هذا أظهر في رواياتنا

ص: 397

و عن الخلاف و السرائر و استيلاد المبسوط (1):

______________________________

على ما بيّنّاه» «1» و نحوه في جنايات الخلاف. و هو ظاهر المحقق قدّس سرّه «2».

(1) قال في استيلاد المبسوط: «أمّ الولد إذا جنت وجب بها أرش، فإنّ الأرش يتعلق برقبتها بلا خلاف، و هو بالخيار بين أن يفديها أو يبيعها عندنا. و عندهم على السيد أن يفديها و يخلّصها من الجناية» «3». و نحوه كلام ابن إدريس قدّس سرّه «4».

و قال في الخلاف- بعد ما نقل أنّ جناية أمّ الولد على سيدها عند الفقهاء إلا أبا ثور- ما لفظه: «و عندنا أنّ جنايتها مثل جناية المملوك سواء، على ما مضى فيه من أنّ السيد بالخيار بين أن يؤدي أرش جنايتها أو يسلّمها».

و قال في جناية العبد: «تعلّق أرش الجناية برقبته. فإن أراد السيد أن يفديه كان بالخيار بين أن يسلّمه برقبته أو يفديه بمقدار أرش جنايته» «5» أي بالغا ما بلغ.

و الظاهر أنّ غرض المصنف قدّس سرّه من بيان كلام الخلاف و السرائر و المبسوط إثبات التنافي بين دعويين:

الاولى: ما في استيلاد المبسوط و كذا السرائر من نفي الخلاف عمّا نسب إلى المشهور من كون الجناية على رقبة الجانية، و تخيير المولى بين دفعها أو دفع ما قابل الجناية منها إلى المجني عليه، و بين الفداء بأقل الأمرين من قيمة الأمة و دية الجناية.

الثانية: ما ادّعاه من نفي الخلاف- في ديات المبسوط- عن كون جنايتها على السيد إلّا من أبي ثور القائل بأنّ جنايتها في ذمتها تتبع بها بعد العتق.

______________________________

(1) المبسوط، ج 7، ص 7؛ و الحاكي الشهيد الثاني في المسالك، ج 10، ص 531 و حكاه صاحب المقابس عمّن نقله عن الشيخ. فلاحظ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79. و كذا ما يأتي.

(2) شرائع الإسلام، ج 4، ص 208

(3) المبسوط، ج 6، ص 187

(4) السرائر، ج 3، ص 22

(5) الخلاف، ج 6، ص 419، كتاب الجنايات، المسألة: 5، و ص 271، المسألة: 88

ص: 398

أنّه (1) لا خلاف في أنّ جنايتها تتعلّق برقبتها (2).

لكن عن ديات المبسوط: أنّ جنايتها على سيّدها بلا خلاف إلّا من أبي ثور، فإنّه جعلها (3) في ذمّتها تتبع بها بعد العتق (4).

______________________________

فإنّ المنافاة بين هاتين الدعويين ظاهرة، و لذا وجّهه في المقابس بأنّ المراد بنفي الخلاف في ديات المبسوط هو نفي الخلاف بين العامة. و لعلّه بقرينة استثناء أبي ثور.

(1) الضمير للشأن، و الجملة خبر مبتدء محذوف، و تقديره: «و المنقول عن الخلاف أنه ... الخ».

(2) الأولى زيادة «و يتخير المالك بين ... الخ» كما ورد في عبارته المنقولة، لئلّا يتوهم كون التعلق برقبتها قولا في مقابل التخيير.

(3) أي: جعل أبو ثور جناية أمّ الولد في ذمّتها، فتنعتق بموت المولى، و تسعى في أرش الجناية.

و الفرق بين تعلق الجناية برقبتها و بذمتها هو: أنّه على الأوّل تصير رقبتها مستحقة للمجني عليه أو وليّه، فيستحق دفعها إليه، إلّا أنّ للمولى فكّ رقبتها بماله إمّا بأقل الأمرين من الأرش و قيمتها، و إمّا بخصوص الأرش.

و على الثاني لا يتعلق حق الجناية برقبتها، فهي كما كانت قبل الجناية ملك لمولاها و متشبثة بالحرية، و ليس للمجني عليه استرقاقها، فتتحرّر بموت المولى، و تكون الجناية دينا في عهدتها، فيجب عليها أداؤها.

(4) هذا مضمون كلام المبسوط، و له تتمة ذكرناها في التعليقة. و على كلّ فهذه العبارة تغاير العبارتين المتقدمتين من جهتين:

إحداهما: تعيّن الأرش و عدم تخيير السيد بين الفداء و تسليم أمّ الولد إلى المجني عليه. خلافا لما تقدّم عن المشهور- بل ادعي عدم الخلاف فيه- من كون المولى بالخيار.

ثانيتهما: أنّ الأرش هو أقل الأمرين من قدر الجناية و قيمة أمّ الولد، و هذا

ص: 399

و هو (1) مخالف لما في الاستيلاد من المبسوط.

و ربما يوجّه (2) بإرادة نفي الخلاف بين العامة، و ربما نسب إليه الغفلة كما عن المختلف (3).

و الأظهر (4): أنّ المراد بكونها على سيّدها عود خسارة الجناية

______________________________

و إن وافق المشهور، لكنه خلاف ما تقدم منه من كون العبرة بأرش الجناية و إن زاد على قيمة أمّ الولد.

(1) أي: كون جنايتها على سيّدها مخالف لما في الاستيلاد، كما أنّه مخالف لما في الجراح.

(2) يعني: يوجّه ما في ديات المبسوط بأنّ المراد نفي الخلاف بين العامة، كما يفصح عنه عبارة الخلاف. و يوجّه ما في استيلاد المبسوط: بأن المراد نفي الخلاف بين الخاصة، فيرتفع المنافاة بين كلامي المبسوط في الاستيلاد و الديات.

ثم إن الموجّه هو صاحب المقابس قدّس سرّه «1».

(3) كذا في الجواهر أيضا «2»، و الناسب إلى المختلف هو الشهيد قدّس سرّه في الدروس.

(4) يعني: أن الأظهر في رفع التنافي- بين ما في ديات المبسوط و بين ما في استيلاده- أن يقال: إنّ المنافاة مبنية على إرادة وجوب الفدية على السيد تعيينا من «كون الجناية على السيد» كما هو ظاهر عبارة ديات المبسوط.

لكن يمكن منع ذلك، و إرادة خسارة المولى و نقصان ماله بسبب الجناية، لأنّه إمّا يدفع نفس الجانية أو غيرها من أمواله و هو الفداء. و على التقديرين يتضرّر المولى بسبب الجناية. و هذا المعنى لا ينافي ما في استيلاد المبسوط و غيره من تعلق

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 378؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 224، و لكن لم أظفر في المختلف- في الطبعة الحديثة و الحجرية- بما حكاه الشهيد عنه، و لا بد من مزيد التتبع.

ص: 400

على السيّد، في مقابل عدم خسارة المولى- لا من عين الجاني (1)، و لا من مال آخر (2)- و كونها (3) في ذمة نفسها تتبع بها بعد العتق، و ليس المراد وجوب فدائها.

و على هذا (4) أيضا (5) يحمل ما في رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

الجناية برقبة الجاني، و تخيير المولى بين دفعها إلى المجني عليه و بين الفداء بمال آخر، هذا [1].

(1) بأن لا يسلّمها للمجني عليه ليسترقّها أو يبيعها.

(2) بأن لا يفديها لا بخصوص الأرش و لا بأقل الأمرين من الأرش و قيمتها.

(3) معطوف على «عدم الخسارة» و مفسّر له، إذ معنى عدم تحمل المولى للخسارة كون الجناية في ذمة نفسها.

(4) أي: و على إرادة كون الخسارة على السيد- من ماله المردّد بين الجاني و بين سائر أمواله- يحمل ما ورد في رواية مسمع بن عبد الملك من أنّ جناية أمّ الولد في حقوق الناس على سيّدها، يعني: أنّ الأمة لا تتحمّل شيئا ممّا جنته، و لا شي ء في ذمّتها أصلا.

(5) يعني: كما حمل كلام المبسوط على ذلك، و عدم إرادة وجوب فدائها على السيّد.

______________________________

[1] و لكن الظاهر عدم مساعدة عبارة ديات المبسوط على توجيه المصنف، لأنه قال بعد العبارة التي نقلها المصنف بلا فصل ما لفظه: «فإذا ثبت أنّ عليه الضمان، فالذي عليه أقل الأمرين من أرش جنايتها أو قيمتها. فإن كان الأرش أقلّ فليس للمجني عليه أكثر من أرش جنايته. و إن كان الأرش أكثر، فليس عليه إلّا القيمة، لأنّه هو القدر الذي هو قيمتها» «1» فتدبّر.

______________________________

(1) المبسوط، ج 7، ص 160 و اختاره القاضي في المهذب، ج 2، ص 488

ص: 401

«قال: أمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها، و ما كان من حقوق اللّه (1) في الحدود (2) فإنّ ذلك (3) في بدنها (4)» «1».

فمعنى كونها (5) على سيّدها: أنّ الأمة بنفسها لا تتحمّل من الجناية شيئا [1].

و مثلها (6) ما ارسل عن عليّ عليه السّلام: «في المعتق عن دبر هو من الثلث،

______________________________

(1) كذا في النسخ، و لكن في الوسائل: زيادة «عزّ و جلّ».

(2) كشرب الخمر و الزنا و نحوهما من المحرّمات المستوجبة لحدّ أو تعزيز.

(3) يعني: أنّ ما كان من حقوقه تعالى فهو في بدنها، و لا يتحمّل السيد شيئا عنها.

(4) كذا في النسخ، و المناسب زيادة «الخبر» إذ للرواية تتمة.

(5) أي: معنى كون جنايتها- في حقوق الناس- على سيدها هو أنّ الأمة بنفسها ... الخ.

(6) أي: و مثل رواية مسمع ما أرسله الصدوق قدّس سرّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و رواه الشيخ مسندا عنه عليه السّلام. و الظاهر اعتماد المصنف على نقل المقابس «2»، و إلّا

______________________________

[1] لعلّ تقييد إطلاق جناية المملوك بغير «أمّ الولد» أولى من التصرف في ظهور «على سيّدها» بالحمل على كون الخسارة على السيد، و ذلك لما أفاده المحققان التقي الشيرازي و الأصفهاني قدّس سرّهما، من مخالفة الحمل المزبور لظاهر المقابلة بين جنايتها في حقوقه تعالى و بين جنايتها في حقوق الناس، و أنّ الضرر في الأولى متمحض في بدنها، و في الثانية متمحض على السيد. و لا يصدق تحمل السيد للخسارة- بقول مطلق- إلّا بتعيّن الفداء في ذمته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 76، الباب 43 من أبواب القصاص في النفس، الحديث: 1

(2) مقابس الأنوار، ص 79 من كتاب البيع

ص: 402

و ما جنى هو و أمّ الولد فالمولى ضامن لجنايتهم» «1».

و المراد من جميع ذلك (1): خروج دية الجناية من مال المولى المردّد بين ملكه الجاني (2) أو ملك آخر.

______________________________

ففي الوسائل هكذا: «المعتق عن دبر فهو من الثلث، و ما جنى هو و المكاتب ...».

و طرح صاحب المقابس كلتا الروايتين لضعف السيد، و موافقة العامة «2».

و لم يحملهما على ما في المتن.

(1) أي: أن المراد- من كون «أرشها على سيّدها» الوارد في الرويتين و كذا في ديات المبسوط- هو تحمل المولى لخسارة جناية أمّ ولده إما بتسليم الأمة إلى المجني عليه، و إمّا بدفع أرش الجناية.

(2) صفة ل «ملك» و تذكير الوصف بلحاظ الملك، و إن كانت الجناية من أمّ الولد.

______________________________

و توجيه ذلك بأنّ دفع الأمة خارجا ضرر على السيد كالفداء ممنوع بأنّ تسليمها للمجني عليه كما أنّه ضرر على المولى من حيث خروج المال عن ملكه، كذلك ضرر على أمّ الولد من حيث صيرورتها رقّا خالصا و انقطاع تشبثها بالحرية.

و يؤيّده: أنّ الخسارة المالية من حيث نفس أمّ الولد غير ملحوظة، و إلّا فجنايتها في حقوق اللّه المنصوص في كونها في بدنها أيضا خسارة في مال السيد.

فيعلم أنّ التقابل بين ضرر متوجه إلى السيد في ماله، و ضرر متوجه إلى عين الأمة في بدنها.

فالأولى ترك رواية مسمع بإعراض المشهور عن الفتوى بها «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 78، الباب 8 من أبواب كتاب التدبير، الحديث: 2؛ الفقيه، ج 3، ص 124، الحديث: 3468

(2) مقابس الأنوار، ص 80 من كتاب البيع

(3) حاشية المحقق التقي على المكاسب، القسم الثاني، ص 54؛ حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 290

ص: 403

و كيف كان (1)، فإطلاقات حكم جناية مطلق المملوك (2) سليمة عن المخصّص.

و لا يعارضها (3)

______________________________

(1) يعني: سواء تمّ توجيه كلام المبسوط و الروايتين بإرادة تحمّل الخسارة، أم لم يتم- لوجود القرينة في كلام الشيخ على إرادة تعيّن الأرش، و كذا ظهور الروايتين في ذلك- فالمعوّل عليه هو إطلاق النصوص المتكفّلة لحكم جناية المملوك، سواء أ كان الجاني قنّا أم أمّ ولد، أم مكاتبا، مثل معتبرة زرارة المتقدمة في (ص 393) الواردة في عبد قتل حرّا، و معتبرة فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال في عبد جرح حرّا، فقال: إن شاء الحرّ اقتصّ منه، و إن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته، و إن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه. فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جراحه، و الباقي للمولى، يباع العبد، فيأخذ المجروح حقّه، و يردّ الباقي على المولى» «1».

و الحاصل: أنّ ما ذهب إليه المشهور- من التخيير بين دفع المملوك الجاني إلى المجني عليه، و بين التفدية- يستفاد من النصوص الواردة في جناية المملوك خطأ، بلا فرق بين أصنافه من المدبّر و أمّ الولد و القنّ.

(2) الشامل لأمّ الولد التي هي محل البحث، يعني: فلا مانع من شمول إطلاقات حكم جناية مطلق المملوك لأمّ الولد.

(3) الظاهر أنه تعريض بما في الجواهر من قوله- بعد نقل استثناء بيعها لو جنت على مولاها أو على أجنبي عن الروضة-: «و فيه: أنّ التعارض من وجه، و لا دليل على الترجيح، بل لعلّه للثاني، باعتبار اقتصار النص و الفتوى على الجواز فيما عرفت. فيتجه حينئذ القول في الجناية الموجبة للمال التزام المولى به من غير ثمنها» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 154، الباب 8 من أبواب ديات النفس، الحديث: 2

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 378

ص: 404

أيضا (1) إطلاق المنع

______________________________

و حاصله: أنّ إطلاق ما دلّ على منع بيع أمّ الولد معارض بإطلاق ما ورد في جناية المملوك من دفعه للمجني عليه و جواز بيعه. و مورد الاجتماع هو جناية أمّ الولد، لأنّ دليل المنع يقتضي عدم بيعها سواء جنت في حياة المولى أم لا، و دليل التخيير بين الفداء و التسليم إلى المجني عليه يقتضي الاسترقاق و جواز البيع. و لعلّ الترجيح لدليل منع بيعها، لقوة الدلالة الناشئة من اقتصار النص و الفتوى على جواز بيعها في ثمن رقبتها و نحوه.

و عليه فينبغي تقييد إطلاق جناية المملوك، بعدم كونه أمّ ولد.

و محصل الجواب: أنّ دفعها إلى المجني عليه خارج عن عموم الدليل المانع عن نقل أمّ الولد عن ملك السيّد إلى غيره، الظاهر في كون المنهي عنه هو النقل الاختياري.

وجه الخروج: أنّ الوارد في نصوص الجناية هو التسليم و التخلية بينها و بين المجني عليه، و من المعلوم أنّ استرقاقها ليس نقلا اختياريا من السيد حتى تشمله الأدلة المانعة عن بيعها- بعد جعل البيع عنوانا لجميع النواقل الاختيارية- ضرورة أنّ الجناية تتعلق برقبتها، فتملّك المجني عليه لها و استحقاقه لذلك نشأ عن فعل نفس أمّ الولد بلا وساطة فعل المولى. فحقّ الاستيلاد بطل بفعلها لا بفعل المولى حتى يكون من النقل الاختياري الممنوع.

غاية الأمر أنّ للمولى ولاية التبديل بالفداء، كولاية من عليه الخمس في دفع حق السادة من غير المال الذي تعلّق به حقّهم. فلو لم يفد المولى فللمجني عليه استرقاق الجاني. فليس الاسترقاق من سنخ النقل الاختياري المشمول لأدلة المنع.

حتى يتحقق مورد يتصادق عليه الدليلان و يدّعى تعارضهما.

(1) يعني: كما لا يعارضها نفي الخلاف الذي ادّعاه في ديات المبسوط على كون جنايتها على السيد، لما عرفت من توجيه الجناية على السيد بما لا ينافي إطلاقات تخيير المولى بين التسليم و الفداء.

ص: 405

عن بيع أمّ الولد «1»، لأنّ (1) ترك فدائها و التخلية بينها و بين المجني عليه ليس نقلا لها.

خلافا (2) للمحكيّ عن موضع من المبسوط و المهذّب و المختلف (3) «2»: من تعيين الفداء على السيّد.

و لعلّه (4) للروايتين المؤيّدتين بأنّ استيلاد المولى هو الذي أبطل

______________________________

(1) تعليل لنفي المعارضة، و تقدم بيانه آنفا.

(2) هذا ليس قولا رابعا من شيخ الطائفة قدّس سرّه زائدا على ما تقدم من الأقوال الثلاثة، بل هو ما سبق في (ص 399) من قوله: «لكن عن ديات المبسوط: أنّ جنايتها على سيّدها بلا خلاف». و ما على السيد قد يعبّر عنه بأرش الجناية كما في ديات المبسوط و الخلاف، و قد يعبّر عنه بالفداء كما في جراح المبسوط، و نقلنا كلماته قدّس سرّه فلاحظها.

(3) قال العلّامة- بعد نقل عبارات الخلاف و المبسوط و المهذّب-: «و الوجه ما قاله في الخلاف، لعموم الأدلة الدالة على أن السيد لا يعقل عبده. و قوله في المبسوط ليس بعيدا من الصواب، لأن المولى باستيلاده منع من بيع رقبتها، فأشبه ما لو أعتق الجاني عمدا».

(4) أي: و لعلّ تعيين الفداء على المولى- و عدم تعلق شي ء برقبتها و لا بذمّتها- يكون للروايتين. و استدلّ بهما في المقابس أيضا لهذا القول.

أمّا تقريب دلالة خبر مسمع فهو: أنّ حرف الاستعلاء في «على سيدها» ظاهر في تحمّل المولى للخسارة و الضرر، فلا يراد منه التكليف المحض. كما يراد ذلك لو كان المتعلق عملا من الأعمال، مثل آية الحج و سائر الأحكام التكليفية، كقوله

______________________________

(1) تقدم في أوائل المسألة، فراجع ص 241، و كذا صحيحة ابن مارد في ص 265

(2) المبسوط، ج 7، ص 160؛ المهذب، ج 2، ص 488؛ مختلف الشيعة، ج 9، ص 455، و الحاكي عنهم صاحب المقابس، ص 79

ص: 406

..........

______________________________

تعالى: «كتب عليكم كذا» أو «عليك أن تفعل كذا» فالمراد ثبوت مقتضى الجناية على المولى وضعا، و اشتغال ذمته ببدل الجناية، و كون المجني عليه مالكا للفداء في عهدة السيد.

و عليه فلا شي ء في رقبة أمّ الولد ليلزم دفعها إلى المجني عليه، و لا في ذمتها ليلزمها بعد العتق.

و أمّا تقريب دلالة مرسل الصدوق فهو: ظهور قوله عليه السّلام: «فالمولى ضامن» في كون مقتضى الجناية- و أثرها- ثابتا في ذمة السيد و عهدته، كما هو المتعارف من إطلاق الضمان في سائر الموارد، كالأمانات المفرّط فيها، و العارية المضمونة و نحوها.

و من المعلوم أنّ المجني عليه لو كان مستحقا لنفس الرقبة و جاز له استرقاقها لم يصدق عليه ضمان المولى، كعدم صدقه على استحقاق دفعها إليه بالأولوية.

و الحاصل: أنّ ظهور الروايتين في كون المتعهّد بجبر الجناية من ماله هو المولى مما لا ينكر. و هذا يعارض النصوص الدالة على كون الجناية في رقبتها، و يتخير المولى بين دفعها و بين فدائها.

و يؤيّد الروايتين الوجه الاعتباري المذكور في المبسوط و المختلف، من تطبيق كبرى مسلّمة على المقام، و هي: أنّ عدل الواجب التخييري يصير تعيينيا بالعرض بتعذر سائر الأفراد، كما لو تعذر العتق و صوم شهرين متتابعين في الكفارة. و لا فرق في هذه الكلية بين كون تعذر بعض الأعدال قبل الموجب و بين كونه بعده.

و هذه القاعدة تنطبق على المقام، إذ الجناية توجب أحد الأمرين تخييرا:

الدفع و الفداء، و يتعذر الدفع هنا، لأنّ السيد بالاستيلاد منع شرعا عن نقل الأمة إلى غيره، سواء أ كان بعقد أو بغيره، و المفروض أنّ تسليمها إلى المجني عليه إخراج اختياري، و هو ممنوع. فالاستيلاد كالعتق إتلاف للمحلّ شرعا، كما أنّ قتلها بعدها إتلاف لها حقيقة، هذا. و سيأتي الجواب عن الاستدلال و التأييد.

ص: 407

أحد (1) طرفي التخيير، فتعيّن الآخر (2)، بناء (3) على أنّه لا فرق بين إبطال أحد طرفي التخيير بعد الجناية، كما لو قتل أو باع عبده الجاني (4) و بين إبطاله قبلها (5)، كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير أسباب الانتقال فيها (6).

و قد عرفت (7) معنى الروايتين، و المؤيّد مصادرة (8) لا يبطل به (9) إطلاق النصوص.

______________________________

(1) و هو الدفع إلى المجني عليه بناء على كونه من النقل الاختياري الممنوع.

(2) بمقتضى القاعدة المسلّمة من صيرورة الواجب التخييري بالذات تعيينيا بالعرض.

(3) قيد ل «للتأييد» يعني: أنّ التأييد بالكبرى الكلية مبني على عدم الفرق في تعيينية الفرد الباقي بين التعذر السابق على الموجب و اللاحق له.

(4) فلو قتل المولى عبده الجاني أو باعه لم يبق موضوع للدفع إلى المجني عليه، و يتعيّن الأرش.

(5) أي: إبطال أحد طرفي التخيير قبل الجناية.

(6) أي: في أمّ الولد.

(7) هذا جواب استدلال المبسوط و المهذّب و المختلف، و مقصوده من «معنى الروايتين» هو الحمل المتقدم بقوله: «و المراد من جميع ذلك خروج دية الجناية من مال المولى ...».

قال في المقابس: «و يمكن الحمل على أنّ للمولى الفداء كما في الدروس، أو:

على أنّ الحق متعلق بالمولى، سواء كان بالفداء أو بدفع أمّ الولد. لأنها ماله» «1».

(8) لأن مانعية الاستيلاد من الاسترقاق الذي ليس من النقل الاختياري أوّل الكلام، بل عرفت آنفا أنّ أدلة المنع عن النقل لا تشمله أصلا.

(9) أي: بالمؤيّد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 408

[المورد الرابع إذا جنت على مولاها بما يوجب صحة استرقاقها]

و منها (1): ما إذا جنت على مولاها بما (2) يوجب صحة استرقاقها لو كان

______________________________

4- جنايتها على مولاها

(1) معطوف على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» أي: و من مواضع الاستثناء عن عموم منع بيع أمّ الولد، هو جنايتها على مولاها. و البحث كما في سابقه في مقامين، أحدهما جنايتها عليه عمدا، و الآخر خطأ.

و لعلّ أوّل من استثنى هذه الصورة هو الفاضل المقداد مقيدا بما إذا كانت الجناية محيطة بقيمتها، قال قدّس سرّه: «الرابع أن تجني جناية تستغرق قيمتها» «1» بناء على إطلاق المجني عليه لما إذا كان مولاها أو أجنبيا، كما فهمه المحقق و الشهيد الثانيان من قول بعض «2». و الظاهر أنّ مرادهما من البعض هو الفاضل السيوري، و إلّا فالشهيد قدّس سرّه عدّ في اللمعة «جنايتها على غير مولاها» «3» من مواضع الاستثناء، و لم يتعرض لجنايتها على مولاها، فراجع.

و المقصود أنّ أصل استثناء هذا المورد عن عموم المنع أوّل الكلام، فإن تمّ إطلاق كلام السيوري قدّس سرّه فهو، و إلّا فهذا مجرد فرض لا قائل به، و لا ريب في مخالفته للمشهور. و سيأتي توجيه الجواز في هذا المورد بوجوه.

و كيف كان فحكم جنايتها على سيّدها عمدا هو جواز الاقتصاص منها، لا التخيير بينه و بين الاسترقاق، لأنّ الرقية حاصلة قبل الجناية، و استرقاقها مرة اخرى بسبب الجناية تحصيل للحاصل، و هو محال.

(2) هذا القيد إمّا ناظر إلى وجود شرط الاسترقاق بأن كان مولاها مسلما لا كافرا، بحيث، لو كان المجني عليه غيره لاسترقّها، و إمّا إلى كون الجناية محيطة

______________________________

(1) كنز العرفان، ج 2، ص 129

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 98؛ الروضة البهية، ج 3، ص 260

(3) اللمعة، ص 94

ص: 409

المجنيّ عليه غير المولى، فهل تعود ملكا طلقا (1) بجنايتها على مولاها، فيجوز له التصرف الناقل فيها- كما هو المحكيّ في الروضة (2) عن بعض، و عدّها (3) السيوري من صور الجواز- أم لا (4)؟ كما هو المشهور، إذ (5) لم يتحقق بجنايتها على مولاها إلّا جواز الاقتصاص (6) منها، و أمّا الاسترقاق (7) فهو تحصيل الحاصل.

______________________________

بقيمتها كما تقدم عن كنز العرفان، و أخذه المحقق صاحب المقابس في عنوان الصورة الخامسة «1». و الأقرب بسياق الكلام هو الاحتمال الأوّل.

(1) بأن يكون أثر الجناية زوال مانعية الاستيلاد عن النقل، و صيرورتها ملكا طلقا.

(2) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه فيها: «و زاد بعضهم مواضع اخر ... و ثالث عشرها:

إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها ... و رابع عشرها إذا قتلته خطأ».

(3) أي: و عدّ الفاضل المقداد جناية أمّ الولد على مولاها- بمقتضى إطلاق كلامه- من صور الجواز.

(4) معطوف على قوله: «فهل تعود ملكا طلقا».

(5) تعليل لفتوى المشهور بعدم جواز التصرف الناقل في أمّ الولد، و محصله: أنّ التخيير الثابت- في جنايتها العمدية على الأجنبي- بين الاقتصاص و الاسترقاق، غير جار في الجناية على سيّدها، لتعذر الاسترقاق من جهة حصوله قبل الجناية، فيتعين عدله لو أراد هو أو وليه الأخذ بحقّه و عدم العفو عنها.

(6) يعني: دون جواز البيع المترتب على الاسترقاق لو كان المجني عليه أجنبيا.

(7) و هو أحد العدلين فيما لو كانت الجناية على الأجنبي، فالاسترقاق ممتنع هنا، لكونه تحصيلا للحاصل.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 410

و ما يقال في توجيهه (1) من: «أنّ الأسباب الشرعية تؤثّر بقدر الإمكان، فإذا لم تؤثّر الجناية الاسترقاق أمكن أن يتحقق للمولى أثر جديد، و هو استقلال جديد في التصرف فيها (2). مضافا (3) إلى: أنّ استرقاقها لترك القصاص

______________________________

(1) أي: في توجيه الاسترقاق. و الموجّه للاسترقاق بوجوه ثلاثة هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه هذا أوّلها. قال في المقابس: «أو أنها- أي الجناية- لما كانت مقتضية لصيرورتها ملكا طلقا للمجني عليه أو وليّه، و كان الملكية موجودة قبلها، فلا يمكن حصولها، و إلّا لزم تحصيل الحاصل، فأثّرت حينئذ في حصول وصفها، و هو تماميتها و صيرورتها طلقا، فيصح البيع حينئذ» «1».

و محصله: ما أفاده في المتن من أنّ الاسترقاق الذي هو من موجبات الملكية و إن امتنع تأثيره هنا في نفس الملكية، لحصولها، لكن لا مانع من تأثيره في وصفها و هو الطلقية. فالاسترقاق يوجب ارتفاع المانع عن بيعها كما ذهب إليه الفاضل المقداد قدّس سرّه خلافا للمشهور.

(2) لئلّا ليلزم إلغاء تأثير الجناية رأسا.

(3) هذا هو الوجه الثاني من وجوه جواز البيع، قال في المقابس: «مضافا إلى تنزيل ذلك- أي استرقاقها- منزلة بيعها في ثمنها و فكّ رقبتها» «2».

توضيحه: أنّه قيس الاسترقاق بالبيع في الثمن، فكما يجوز بيعها لفكّ رقبتها عن الثمن، فكذلك يجوز استرقاقها لفكّها عن القصاص، فتدبّر.

و بعبارة اخرى: أنّ الإمام عليه السّلام باع أمّ الولد لأجل فك رقبتها من دين ثمنها.

و هذا فك لرقبتها صوريّا لا حقيقيا، لصيرورتها بالبيع مملوكة لمولى ثالث غير البائع و غير المستولد المديون. فجواز فك رقبتها المرهونة بثمنها ببيعها ليس بأعظم من فك رقبتها- من القتل قصاصا- باسترقاقها، فلا بد من جوازه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 411

كفكاك (1) رقابهنّ الذي انيط به الجواز في صحيحة ابن يزيد المتقدمة. مضافا إلى (2): أنّ المنع عن التصرف لأجل التخفيف لا يناسب الجاني عمدا» فمندفع (3) بما لا يخفى.

______________________________

و عبارة المصنف لا تخلو عن سوء التأدية، و حقّها أن تكون هكذا: «مضافا إلى أنّ استرقاقها لفكها عن القصاص كبيعها لفكّ رقبتها عن الثمن» كما لا يخفى.

(1) يعني: يكون الاسترقاق نظير بيع أمّ الولد في فكّ رقبتها عن الثمن الذي يكون على المولى، كما سبق في أول موارد الاستثناء، فراجع (ص 296).

(2) هذا هو الوجه الثالث، قال في المقابس: «و إلى: أنّه إذا قتلت مولاها عمدا لا تستوجب التخفيف عليها بالإعتاق، بل ينبغي المعاملة معها على عكس مرادها. كما اتفق نظير ذلك في بعض الموارد، كطلاق المريض» «1».

و محصله: أنّ منع السيد عن التصرفات الناقلة تخفيف بالنسبة إلى أمّ الولد، و التخفيف لا يناسب الجناية العمدية، بل المناسب لها التشديد عليها بجواز تلك التصرفات. فمعنى استرقاقها حينئذ إزالة تشبثها بالحرية، و جعلها رقّا طلقا كسائر المماليك.

(3) خبر قوله: «و ما يقال» و «الفاء» لتضمن الموصول معنى الشرط.

و غرضه عدم العبرة بالاستحسان و القياس و نحوهما من الوجوه الاعتبارية التي لا ترجع إلى محصّل، و لذا لم يعتمد صاحب المقابس عليها، و قال: «و الحقّ ما ذهب إليه معظم الأصحاب من أنّها لا تباع لذلك، و إنّما يجوز القصاص منها في العمد، و قد نصّ الشيخ و غيره على ذلك في الرّهن، لإطلاق الأخبار المانعة عن بيعها مطلقا أو فيما عدا ما استثني فيها، و ليس ما نحن فيه من ذلك» «2».

ثم ردّ الوجوه بقوله: «و ما ذكرناه للقول الآخر فمدفوع بمنع سببية الجناية

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 412

..........

______________________________

للتملك ... الخ» فراجع «1».

و توضيح اندفاع الوجوه هو:

أمّا الأوّل فلما فيه من: أن الاسترقاق يوجب حدوث الملك في محلّ قابل له، و بعد حدوثه يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة عليه من جواز التصرفات الخارجية و الاعتبارية إن لم يكن مانع يمنعها. و أمّا إذا لم يكن المحل قابلا له- لوجوده قبل الجناية- فلا مورد و لا وجه للاسترقاق.

و حديث «تأثير الأسباب الشرعية بقدر الإمكان» أجنبي عن المقام، فإنّ مورده هو الآثار العرضية التي تكون من قبيل المعلولات لعلة واحدة، كإتلاف مال الغير الذي هو سبب لأثرين شرعيّين عرضيّين، أحدهما تكليفي، و هو وجوب أداء بدله، و الآخر وضعي، و هو اشتغال ذمته ببدله. فإذا كان هناك مانع عن الحكم التكليفي- كما لو كان المتلف صبيّا مميّزا- أثّر في الضمان فقط.

و من المعلوم أنّ المقام ليس كذلك، لأنّ الاسترقاق سبب للملكية، و هي موضوع لآثار شرعية لا تترتب إلّا بعد حدوثها بموجبها أعني به الاسترقاق، فإن لم يكن المحل قابلا لحدوث الملكية فيه- كما نحن فيه- لم يترتب شي ء من الآثار المترتبة على الملكية المسببة عن الاسترقاق، فلا معنى للاسترقاق هنا.

و أمّا الوجه الثاني فقد دفعه صاحب المقابس بقوله: «و التنزيل منزلة الثمن لا دليل عليه» «2». و توضيحه: أنّ المولى- قبل الجناية- ممنوع من التصرفات الناقلة، و تبدل هذا المنع بالجواز لا دليل عليه إلّا ما دلّ على جواز استرقاق المملوك الجاني، و المفروض استحالته هنا، لعدم معقولية حصول ملك جديد بسبب الجناية حتى يتغير موضوع منع التصرف، و يتبدّل بموضوع آخر يستقل المالك بالتصرف في ماله، هذا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81

ص: 413

..........

______________________________

و يمكن أن يكون نظر المصنف في دفع الوجه الثاني إلى أمر آخر غير ما في المقابس، و هو: منع مقايسة فكاك الرقبة من القصاص بفكّها من الثمن، و ذلك لأنّ جواز بيعها في ثمنها مع فرض إعسار المولى منحصر في بيعها. بخلاف فكاك رقبتها من القصاص، لعدم تعيّنه على المجني عليه، لإمكان العفو.

و لو سلّم، أمكن منع القياس بعدم جامع بينهما، إذ ليس في البيع فكّ، بل تبديل إضافة الملكية. بخلاف الاسترقاق، فإنّه فك لها عن الجناية. و لم يستكشف مناط قطعي في البيع ليتعدى منه إلى الاسترقاق.

و أما الوجه الثالث، فقد دفعه في المقابس أيضا بقوله: «و قتلها عمدا لمولاها يقتضي القصاص منها و إن عتقت لحقّ ولدها، فعفو أولياء المولى عنها باختيارهم لا يقتضي تسبب القتل للتخفيف، و هو ظاهر» «1».

و حاصله: أنّ جنايتها العمدية غير مقتضية للتخفيف حتى يقال بعدم مناسبة العمد للتخفيف على الجاني، بل تقتضي التشديد و التغليظ عليها بالاقتصاص منها، و هذا الحق باق للمولى، أو لولي الدم، و استيفاؤه جائز. فلو عفوا باختيارهم فهو و إن كان تخفيفا عليها، لكنه ليس ممّا يقتضيه القتل، فلمولاها الإمساك عليها و أن لا يعرّضها لشي ء من النواقل. هذا.

مضافا إلى: أنه من العلة المستنبطة التي لا يعلم دوران الحكم الشرعي مدارها، فهو مجرّد استحسان لا يعتدّ به في الأحكام الشرعية، فإنّ العقول قاصرة عن إدراك ملاكاتها، و لا سبيل إلى معرفتها إلّا بيان المعصوم صلوات اللّه عليه.

فتلخص: عدم الوجه في الاسترقاق أصلا، فلا موجب لجواز بيعها جزما. فما عن المشهور من عدم جواز بيعها هو الأقوى، و اللّه العالم بأحكامه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81

ص: 414

و أمّا الجناية (1) على مولاها خطأ، فلا إشكال في أنّها لا تجوّز التصرف فيها، كما لا يخفى. و روى الشيخ- في الموثّق (2)- عن غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام، قال: «أمّ الولد إذا قتلت سيّدها خطا فهي حرّة لا سعاية عليها» «1».

و عن الشيخ و الصدوق بإسنادهما عن وهب بن وهب، عن جعفر عن أبيه صلوات اللّه و سلامه عليهما: «أنّ أمّ الولد إذا قتلت سيّدها خطا فهي حرّة لا سبيل عليها، و إن قتلته عمدا قتلت به» «2».

______________________________

(1) هذا شروع في المقام الثاني، و هو حكم جنايتها خطأ على مولاها، فلا يجوز نقلها عن ملكه، لعدم استحقاق السيّد على ماله مالا، فتتحرّر من نصيب ولدها، و لا يجب عليها أن تسعى في دية الجناية.

و يدل عليه موثق غياث بن إبراهيم و خبر وهب بن وهب. نعم يعارضهما ما ورد في خبر حماد بن عيسى من وجوب السعي عليها لو قتلت مولاها خطأ، و سيأتي في المتن الإشارة إلى الجمع بينه و بين موثق غياث ببعض الوجوه.

(2) و عبّر عنه صاحب المقابس قدّس سرّه بالقوي «3»، و رجال السند ثقات، إلّا طلحة بن زيد، و لعلّ إختلاف التعبير لأجل ما يستفاد من كلام شيخ الطائفة في شأن الرجل: «و هو عامي المذهب، إلّا أن كتابه معتمد» «4»، و رواية كامل الزيارة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 10، ص 200، الحديث: 791، عنه في الوسائل، ج 19، ص 159، الباب 11 من أبواب ديات النفس، الحديث: 2، و لفظ الحديث- المذكور في المتن- يختلف عما في التهذيب و وسائل الشيعة ببعض الكلمات، و بتقديم و تأخير في بعضها الآخر

(2) المصدر، الحديث: 792 في التهذيب، و في الوسائل، الحديث: 3، و رواه الصدوق في الفقيه، ج 4، ص 162، الحديث: 5367

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

(4) الفهرست، ص 112 (طبعة النجف الأشرف)

ص: 415

و عن الشيخ عن حمّاد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام: «إذا قتلت أمّ الولد مولاها سعت في قيمتها» «1».

و يمكن حملها على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها (1).

و عن الشيخ (2) في التهذيب و الإستبصار

______________________________

و تفسير القمي عنه، فراجع «2».

(1) كما في المقابس أيضا «3»، يعني: أنّ مورد وجوب السعي عليها قصور نصيب ولدها منها- أو من مجموع التركة- عن قيمتها، مع فرض عدم انحصار الوارث في ولدها.

و المراد بنفي السعاية في موثق غياث هو عدم وجوبها عليها من حيث القتل.

و لا منافاة حينئذ بين عدم السعي عليها من حيث قتل المولى خطأ، و بين وجوبه عليها من حيث قصور نصيب ولدها.

قال في المقابس: «و الظاهر أنّ بناء الرواية- أي موثقة غياث- على وفاء نصيبه بقيمتها، و لذلك حكم بحرّيّتها مطلقا، فصحّ نفي السعاية مطلقا» «4».

(2) قال في محكيّ التهذيب بعد ذكر هذين الخبرين ما لفظه: «و لا ينافي هذين الخبرين ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد اللّه عن الحسن بن علي عن حماد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام، قال: إذا قتلت أمّ الولد سيّدها خطأ سعت في قيمتها، لأنّ هذا الخبر نحمله على أنّها إذا قتلته شبه العمد، لأنّ من يقتل كذلك تلزمه الدية إن كان حرّا في ماله خاصّة، و إن كان معتقا لا مولى له استسعى في الدية

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 159، الباب 11 من أبواب ديات النفس، الحديث: 1؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 200، الحديث: 793

(2) معجم رجال الحديث، ج 10، ص 169

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 416

الجمع بينهما بغير ذلك (1)، فراجع.

[المورد الخامس إذا جنى حر عليها بما فيه ديتها]

و منها (2): ما إذا جنى

______________________________

حسب ما تضمنه الخبر. و أمّا الخطأ المحض، فإنّه يلزم المولى، فإن لم يكن له مولى كان على بيت المال حسب ما قدّمناه» «1».

و الفرق بين الحملين واضح، فإنّ المصنف قدّس سرّه حمل الخبر على السعي في بقية قيمتها التي لا بدّ من دفعها إلى الوارث، لانعتاقها. و الشيخ قدّس سرّه حمله على السعي في الدية. و الحمل الأوّل أقرب بل هو الظاهر، إذ المتبادر من القيمة هو المالية المساوية لقيمة أمّ الولد، لا الدية التي هي أرش الجناية، و بدل ما فات بالجناية. هذا.

و في الإستبصار حمله على صورة موت الولد، و كون السعي على وجه الجواز، و حمل خبري غياث و وهب على كون ولدها باقيا بعد المولى و انعتاقها من نصيب ولدها «2».

(1) المشار إليه هو: حمل رواية حماد على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها.

هذا ما يتعلق بالمورد الرابع، و قد تمّ الكلام في ما لو جنت أمّ الولد، و سيأتي البحث فيما لو جني عليها.

5- جناية الحرّ على أمّ الولد بما فيه ديتها

(2) معطوف أيضا على قوله: «فمن موارد القسم الأوّل»، و لعلّ أوّل من احتمل كونه من موارد الاستثناء صاحب المقابس «3» من جهة احتمال عدم الفرق في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 10، ص 200

(2) الإستبصار، ج 4، ص 276، باب أمّ الولد تقتل سيدها خطأ

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81

ص: 417

حرّ عليها (1) بما فيه ديتها، فإنّها (2) لو لم تكن مستولدة كان للمولى التخيير بين

______________________________

المملوك الذي جنى عليه حرّ بين أمّ الولد و غيرها. من تخيير المولى- في الجناية المحيطة بقيمة المملوك- بين الإمساك و لا شي ء له، و بين دفعه إلى الجاني و أخذ قيمته، قال المحقق قدّس سرّه: «فإذا جنى الحرّ على العبد بما فيه ديته، فمولاه بالخيار بين إمساكه و لا شي ء له، و بين دفعه و أخذ قيمته» «1».

و استدلّ له في المسالك بقوله: «لئلّا يجمع بين العوض و المعوّض، و لرواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في أنف العبد أو ذكره أو شي ء يحيط بقيمته: أنه يؤدّي إلى مولاه قيمة العبد، و يأخذ العبد» «2».

و ادّعى في الجواهر الإجماع بقسميه على الحكم، و جعله الحجة بعد خبر أبي مريم المنجبر ضعفه بالعمل، و جعل قاعدة «عدم الجمع بين العوض و المعوض» مؤيّدا له «3».

و اقتصر في المقابس على بيان احتمالين في المسألة، و أضاف المصنف احتمالا ثالثا، و ردّه.

و كيف كان، فعدّ هذا المورد من موارد الاستثناء مبني على الاحتمال الأوّل، و هو نقلها إلى الجاني بعد دفع قيمتها إلى السيد.

(1) أي: على الأمة، ليصحّ جعلها مقسما لما إذا كانت مستولدة و غير مستولدة.

(2) أي: فإنّ الأمة- كسائر المماليك عدا أمّ الولد- يتخير مولاها بين الإمساك و الدفع إلى الجاني.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 4، ص 208

(2) مسالك الأفهام، ج 15، ص 130

(3) جواهر الكلام، ج 42، ص 127

ص: 418

دفعها إلى الجاني و أخذ قيمتها (1)، و بين إمساكها، و لا شي ء له، لئلّا يلزم الجمع بين العوض و المعوّض. ففي المستولدة يحتمل ذلك (2)، و يحتمل أن لا يجوز للمولى أخذ القيمة (3)، ليلزم منه استحقاق الجاني للرقبة.

و أمّا احتمال (4) منع الجاني عن أخذها و عدم تملكه لها بعد أخذ الدية منه.

______________________________

(1) المراد بالقيمة هنا ديتها، و التعبير بالقيمة من جهة أنّ دية المملوك لا تزيد على قيمته شرعا.

(2) أي: يحتمل تخيير المولى بين الدفع و الإمساك، و منشأ هذا الاحتمال إطلاق أدلة الجناية. و لا ينافيه حقّ الاستيلاد، لأنّه مانع عن النقل الاختياري، لا القهري الشرعي، فلا تعارض بين دليل المنع عن نقل أمّ الولد، و بين دليل هذه المعاوضة القهرية، بعد ضمّ قاعدة «عدم جواز الجمع بين العوض و المعوض» إليه كما لا يخفى.

(3) لكون النقل حينئذ اختياريا، و المفروض منع المولى عنه بسبب الاستيلاد.

فمرجع هذا الاحتمال إلى تعيّن الإمساك الذي هو عدل دفعها و أخذ قيمتها في الاحتمال الأوّل.

(4) هذا احتمال ثالث، و محصله: التفكيك بين أخذ الدية من الجاني و بين دفع الأمة إليه، بجواز الأوّل و منع الثاني، نظرا إلى أنّ الممنوع شرعا هو انتقال أمّ الولد عن ملك المستولد لها، دون أخذ الدية.

و يمكن أن يكون وجهه الجمع بين دليل الجناية و بين حق الاستيلاد المانع عن انتقالها عن ملك مستولدها. و لا يلزم الجمع بين العوض و المعوض، لعدم كون الجنايات من باب المعاوضات، بل من باب الغرامات.

مضافا إلى: أنّ الدية ليست عوضا عن أمّ الولد، بل عمّا فات عنها بالجناية كما لا يخفى.

ص: 419

فلا وجه (1) له، لأنّ الاستيلاد يمنع عن المعاوضة أو ما في حكمها (2)، لا (3) عن أخذ المعوض بعد إعطاء العوض (4) [لا عن أخذ العوض بعد إعطاء المعوّض]

______________________________

ثمّ إنّ هذا الاحتمال الثالث ليس ملازما للاحتمال الثاني، و هو وجوب الإمساك تعيينا، و عدم جواز أخذ القيمة من الجاني كما في بعض الحواشي «1»، فلاحظ و تأمّل.

(1) جواب الشرط في «و أما احتمال» و دفع له، و حاصله: أنّ الاستيلاد يوجب منع المولى عن نقلها. و عليه فإن كان الممنوع مطلق انتقالها عن ملك السيد إلى غيره، تمّ الاحتمال المزبور، لكون أخذ الدية من الجاني مستلزما لانتقالها إليه، فيتجه التفكيك بين جواز أخذ القيمة منه، و منع دفع المجني عليها إليه.

و إن كان الممنوع خصوص النقل الاختياري، لم يتجه التفكيك المزبور، و ذلك لأنّ تملّك الجاني لرقبتها بعوض قيمتها ليس من نقل المولى المستولد لها ليكون منهيّا عنه. و حينئذ فإمّا أن يكون أخذ الدية من الجاني ممنوعا مطلقا، و إمّا أن لا يكون أخذ أمّ الولد كأخذ الدية ممنوعا.

و الحاصل: أنّ أخذ الدية من الجاني إن كان من باب تدارك ما فات بسبب الجناية فالمتعيّن هو الاحتمال الأوّل. و إن كان من باب المعاوضة على الرقبة فالمتعين هو الثاني، و لا يبقى مجال للاحتمال الثالث، هذا.

(2) مما يوجب خروجها عن ملك السيد كالهبة و الصلح.

(3) عاطفة، يعني: فلا يمنع الاستيلاد عن المعاوضة القهرية- التي حكم بها الشارع- بأخذ أمّ الولد بإزاء عوضها و هو ديتها.

(4) كذا في نسختنا، و بناء على بعض النسخ المصححة تكون أمّ الولد عوضا

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني، ج 1، ص 189

ص: 420

بحكم (1) الشرع [1].

و المسألة من أصلها موضع إشكال (2)، لعدم لزوم الجمع بين العوض و المعوّض، لأنّ الدية عوض شرعيّ عمّا فات بالجناية، لا عن رقبة العبد. و تمام الكلام في محلّه.

______________________________

و الدية معوّضا. و لا بأس، لاتصاف كلا المالين بالعوضية في مبادلتهما.

(1) متعلق ب «أخذ» يعني: يكون الأخذ مستندا إلى حكم الشارع.

(2) كذا في المقابس أيضا. و غرضهما قدّس سرّهما التأمل في كبرى المسألة المعنونة في باب القصاص، و لا اختصاص للإشكال بالجناية على أمّ الولد.

و وجه التأمّل: الخدشة في الاستدلال عليه بمحذور الجمع بين العوض و المعوّض، ضرورة كون الدية عوضا شرعيا عمّا فات بالجناية، لا عوضا عن رقبة المجني عليه، حتى يقال بلزوم تسليم المملوك إلى الجاني- لو دفع القيمة- حذرا من اجتماع العوض و المعوض عند أحد المالكين. فإن تمّ خبر أبي مريم و لو بانجباره بعمل المشهور فهو الحجة، و إلّا فيشكل الأمر في مطلق المملوك، خصوصا في أمّ الولد من جهة تشبثها بالحرية، و استلزام دفعها إلى الجاني فوات حق الاستيلاد.

هذا تمام الكلام في المورد الخامس.

______________________________

[1] لكن يمكن منعه بأن يقال: إنّ جواز الإعطاء شرعا أوّل الكلام، لإمكان الجمع بين دليلي الجناية و الاستيلاد بما عرفت آنفا من لزوم دية الجناية على الجاني، و عدم انتقالها إلى الجاني، حفظا لحق الاستيلاد. و دعوى لزوم الجمع حينئذ بين العوض و المعوض قد عرفت ما فيها. و قد أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «لأن الدية عوض شرعي عمّا فات بالجناية ... الخ».

ص: 421

[المورد السادس إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقّت]

و منها (1): ما إذا لحقت بدار الحرب، ثم استرقّت [1] حكاه في الروضة.

______________________________

6- إذا لحقت بدار الحرب، ثم استرقت

(1) معطوف أيضا على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» و هذا المورد حكاه الشهيد الثاني قدّس سرّه عن بعض. و أما الصورة الاخرى- و هي ما لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون- فأضافها صاحب المقابس قدّس سرّه.

و المراد بلحوقها بدار الحرب أعم من كونه باختيارها أو باستيلاء المشركين عليها- كما صرّح به في المقابس- كما أنّه لا فرق في المسترق بين أن يكون مولاها و غيره.

و المراد بالأسر أن يغزو المشركون على بلاد المسلمين فيأسروها، ثم استعادها المسلمون منهم.

قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «و تحقيق المسألة: أنّ المسترق لها إن كان المولى فهي أمّ ولده كما كانت. و إن كان- أي المسترق- من جملة المقاتلين فهو أحقّ بها، بل هو أولى ممّن استولد جارية من المغنم. و الكلام في تقويمها عليه كما إن لم يكن مسترقا و لا غانما. و بيان ذلك: أنّ المشركين إذا غنموا من المسلمين فإنّهم لا يملكون ذلك مطلقا. فإذا غنمه المسلمون منهم، فإن أقام أربابها البيّنة قبل القسمة ردّ عليه بأعيانها، و لا يغرم الإمام للمقاتلة شيئا، كما هو المنقول في التذكرة و المنتهى عن عامة أهل العلم ... و إن جاءوا بالبينة بعد القسمة فلعلمائنا و للشيخ قولان في ذلك ...». ثم قال في آخر كلامه: «و للاستثناء وجه في الصورة الثانية لا الاولى» «1» فراجع.

______________________________

[1] اورد عليه بأنّ اللحوق بدار الحرب إن كان مخرجا لها عن رقيّتها لمولاها

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 88

ص: 422

و كذا لو أسرها المشركون (1)، ثم استعادها المسلمون

______________________________

(1) جواز البيع في هذه الصورة موقوف على امور ثلاثة:

أحدها: أن يكون الآسر لها غير مولاها، فلو كان مولاها لا يجوز بيعها، لإطلاق أدلة المنع.

ثانيها: عدم العلم بكونها ملكا للمولى قبل القسمة، إذ معه كذلك لا يجري عليها القسمة، بل هي باقية على ملك مولاها، و لا تقسّم بين المسلمين المقاتلين.

ثالثها: لزوم القسمة و عدم انتقاضها بثبوت كونها ملكا للمولى بعد القسمة، و غرامة الإمام عليه السّلام قيمتها للمقاتلة، إذ بناء على انتقاضها بالعلم بسبق ملك

______________________________

المستولد، و كان مسترقّها غير مولاها، فجواز بيعها حينئذ ممّا لا إشكال فيه، لخروج هذه الصورة عن قاعدة المنع عن بيعها موضوعا. و إن كان مسترقها مولاها فجواز بيعها لا يخلو عن إشكال، لإطلاق أدلة المنع، فلا يجوز. و من دعوى انصرافها عن هذه الصورة فيجوز هذا ما أفاده صاحب الكفاية قدّس سرّه «1».

أقول: الظاهر جواز بيعها على كل حال. أمّا إذا كان المسترق غير المولى فظاهر. و أمّا إذا كان المولى فلأنّ المنع الذي هو حكم شرعي تابع لموضوعه، و هو بقاء سيادة المولى و مالكيته عليها، إذ عدم جواز نقلها حكم لسيدها المستولد لها فقط. فمع ارتفاع سيادته عنها يرتفع خطاب عدم الجواز عنه، فلا موضوع حتى يكون موردا للإطلاق أو الاستصحاب. فجواز البيع للمستولد لها إذا كان هو المسترق لها لا يخلو من جودة كما ذهب إليه بعض، و إن تنظّر فيه غير واحد كصاحب الجواهر قدّس سرّه.

نعم، بناء على عدم كون اللحوق مزيلا للملكية فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز البيع لمستولدها، إذ المفروض بقاؤها على ملكه، فلا موجب لجواز بيعها.

و تفصيل المسألة موكول إلى محلّه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 119

ص: 423

و كأنّه (1) [فكأنّه] فيما إذا أسرها غير مولاها (2)، و لم [فلم] يثبت كونها أمة المولى إلّا بعد القسمة (3)، و قلنا بأنّ القسمة لا تنقض، و يغرم الإمام قيمتها لمالكها (4).

لكن المحكيّ (5) عن الأكثر

______________________________

المولى لا تعطى لغيره من المسلمين، فلا يجوز له بيعها. و عدم انتقاض القسمة و غرامة الإمام عليه السّلام هو المحكي عن الشيخ في النهاية، لكن عن الأكثر انتقاض القسمة، و ردّها على مولاها، و هو المنصوص أيضا، و التفصيل في محله في كتاب الجهاد.

(1) الضمير راجع إلى الاستثناء المفهوم من السياق، و غرضه توجيه عدّ الصورة الثانية- و هي ما لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون- من جملة مواضع الاستثناء. و تقدّم آنفا اشتراط جواز البيع فيها بأمور ثلاثة.

(2) هذا أوّل الشروط، إذ لو أسرها مولاها كانت أمّ ولده، فيمنع نقلها عن ملكه.

(3) هذا ثاني الشروط، فلو أسرها غير المولى و تبيّن قبل قسمة غنائم الحرب كونها وليدة مولاها ردّت إليه. ففي الجواهر: «و أما الأموال و العبيد فلأربابها قبل القسمة، عند عامة العلماء كما في المنتهى و محكيّ التذكرة، بدون غرامة شي ء للمقاتلة» «1».

(4) هذا ثالث الشروط، فلو تبيّن كونها أمّ ولد بعد قسمة الغنائم- و قلنا بجواز نقض القسمة- ردّت إلى مولاها.

(5) نسبه صاحب المقابس إلى الأكثر خلافا لما في النهاية من كون الغنائم بعد القسمة لأربابها، و يغرم الإمام قيمتها لمالكها، قال المحقق قدّس سرّه: «و لو عرفت بعد القسمة فلأربابها القيمة من بيت المال. و في رواية: تعاد على أربابها بالقيمة. و الوجه

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 21، ص 223

ص: 424

و المنصوص (1): أنّها تردّ على مالكها، و يغرم قيمتها للمقاتلة.

______________________________

إعادتها على المالك» «1».

و استدل عليه في الجواهر بقوله: «الذي هو أحق بماله أينما وجده، وفاقا للمحكي عن الشيخ في المبسوط و ابني زهرة و إدريس و الفاضل و الشهيدين و الكركي و المقداد و غيرهم، بل عن الغنية الإجماع عليه» «2».

ثم قال مازجا للشرح بالمتن: «و لكن يرجع الغانم بقيمتها على الإمام عليه السّلام، كما صرّح به غير واحد، مطلقين ذلك، لخبر طربال المنجبر سنده بفتوى من عرفت» «3».

(1) ليست هذه الجملة منصوصة بنفسها، لكنها مضمون رواية طربال، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سئل عن رجل كان له جارية، فأغار عليه المشركون، فأخذوها منه. ثم إنّ المسلمين بعد غزوهم، فأخذوها فيما غنموا منهم. فقال: إن كانت في الغنائم و أقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم، فأخذوها منه ردّت عليه. و إن كانت قد اشتريت و خرجت من المغنم فأصابها، ردّت عليه برمّتها. و اعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه. قيل له: فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس و قسّموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال: يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البيّنة، و يرجع الذي هي في يده- إذا أقام البينة- على أمير الجيش بالثمن» «4».

و دلالتها على كون الجارية- بعد الأسر- لمولاها مطلقا ظاهرة، سواء وجدها في الغنائم قبل تقسيمها، أم وجدها في يد من اشتراها من المقاتلين بعد تقسيم الغنائم بينهم، و على كلّ فرقبتها ملك مولاها، و على أمير الجيش إعطاء الثمن لمن اشتراها من المقاتلين.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 1، ص 326

(2) جواهر الكلام، ج 21، ص 225

(3) جواهر الكلام، ج 21، ص 225

(4) وسائل الشيعة، ج 11، ص 75، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 5

ص: 425

[المورد السابع إذا خرج مولاها الذمي عن الذمّة]

و منها (1): ما إذا خرج مولاها عن الذمّة (2) و ملكت أمواله التي هي منها.

[المورد الثامن إذا قتل مولاها الذمي مسلما]

و منها (3): ما إذا كان مولاها ذمّيّا و قتل مسلما،

______________________________

قال في الوسائل: «قد عمل به الشيخ و جماعة، و حملوا ما خالفه على التقية» «1» هذا ما يتعلق بالمورد السادس.

7- خروج مولاها عن الذمة

(1) معطوف على قوله: «فمن موارد القسم الأوّل» و هذا مورد سابع، قال في المقابس: «الثامنة عشر: إذا خرج مولاها عن الذمة، و ملكت أمواله التي هي- أي أمّ ولده- منها، فيتصرّف فيها بالبيع و غيره. و القول باستثناء ذلك منقول في الروضة عن بعض الأصحاب، و إنّما فرض في الذّمّي، لأنّه هو الذي تجري عليه أحكام المسلمين، و يحكم باستيلاد أمته. و أمّا المستأمن فليس كذلك ... الخ» «2».

(2) إمّا بعدم أداء الجزية، و إمّا بمحاربته للمسلمين، و إمّا بارتكابه للمنكرات جهرا، و إمّا بإعانة الكفار عليهم، و إمّا بغير ذلك، فإنّ الذّمّي إذا خرق الذمة صار حربيا، و يجري عليه حكم الحربي من إباحة أمواله و دمه، فلا مانع من استرقاق أمّ ولده و بيعها.

8- إذا قتل مولاها الذمي مسلما

(3) معطوف أيضا على قوله: «فمن موارد القسم الأوّل» و هذا مورد ثامن مما استثني من عموم منع نقل أمّ الولد، و المستثنى له صاحب المقابس. قال قدّس سرّه في الصورة الرابعة و الثلاثين: «إذا كان مولاها ذمّيّا، و قتل مسلما، فيدفع هو و أمواله إلى أولياء المقتول كما هو المشهور بين الأصحاب و المنقول عليه الإجماع في الانتصار و السرائر

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 75، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 5

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 88

ص: 426

فإنّه يدفع (1) هو و أمواله إلى أولياء المقتول.

هذا ما ظفرت به من موارد القسم الأوّل، و هو ما إذا عرض لأمّ الولد حقّ للغير أقوى من الاستيلاد.

______________________________

و غيرهما، و المرويّ في الصحيح و غيره. فإذا استرقّوا القاتل و ملكوا أمواله فامّ الولد منها، لكونها مملوكة، و لهم التصرف فيها بما شاءوا. و إن قتلوه و قلنا بأنّ لهم حينئذ ماله بتمامه بمجرّد الدفع بل القتل، فكذلك ... الخ» «1».

و ما نسبه إلى الأصحاب- من حكم جناية الذمي على مسلم- مذكور في باب القصاص، و مورده قتل المسلم عمدا كما في الجواهر «2». و قد دلّ على الحكم غير واحد من النصوص، ففي صحيح ضريس الكناسي عن أبي جعفر قدّس سرّه: «في نصراني قتل مسلما، فلمّا اخذ أسلم. قال: اقتله به. قيل: و إن لم يسلم؟ قال يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، و إن شاءوا عفوا، و إن شاءوا استرقّوا. قيل:

و إن كان معه عين [مال]؟ قال: دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله» «3».

ثم قال في الجواهر: «و الظاهر أن ذلك حكم قتله المسلم، لا لخروجه بذلك عن الذمة المبيح لنفسه- قتلا و استرقاقا- و لماله، كما في كشف اللثام ... و إلّا لجاز لغير أولياء المقتول، و هو خلاف النص و الفتوى» «4».

و المقصود أنّ جواز استرقاق القاتل الذمي و أمّ ولده منصوص بخصوصه و معقد الإجماع كذلك، و لذا لم يعدّ من صغريات المورد السابق، و هو تخلف الذمي عن شروط الذمة.

(1) أي: يدفع المولى الذمي و أمواله- التي منها أمّ ولده- إلى أولياء المقتول، كما هو المشهور نقلا و تحصيلا، على ما في الجواهر «5».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 94

(2) جواهر الكلام، ج 42، ص 156

(3) الوسائل، ج 19، ص 81، الباب 49 من أبواب قصاص النفس، الحديث: 1

(4) جواهر الكلام، ج 42، ص 157

(5) جواهر الكلام، ج 42، ص 156

ص: 427

[و أمّا القسم الثاني و هو ما إذا عرض لها حقّ لنفسها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد]
اشارة

و أمّا القسم الثاني (1)- و هو ما إذا عرض لها حقّ لنفسها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد- فمن موارده:

[المورد الأول ما إذا أسلمت و هي أمة ذمّيّ]

ما إذا أسلمت و هي أمة ذمّيّ (2)،

______________________________

هذا ما يتعلق بجملة من صور الاستثناء التي جعلها المصنف في القسم الأوّل، و الجامع بينها تعلق حق الغير بامّ الولد. و تقدّم أنّ مناط الجواز في بعضها قصور دليل المنع عن شموله للتملّك القهري الناشئ عن الاسترق اق، و بعد حصول الملكية للمسترق يجوز له بيعها، لاختصاص عدم الجواز بمن استولدها.

و اعتذر صاحب المقابس قدّس سرّه عن إهمال عدّة من الصور في كتب الفقهاء- مع التزام كثير منهم بجواز بيع أمّ الولد في جملة منها- بأنّ مقصودهم الاقتصار على المنصوص بخصوصه، و الغالب وقوعه، و أنّ مرادهم أنه لا يجوز للمولى و من بحكمه كالوارث أن يبيعها باختياره، و لا ريب في خروج كثير من الصور عن ذلك «1».

موارد القسم الثاني

(1) أي: القسم الثاني من مواضع الاستثناء الأربعة، و قوله: «و أما» معطوف على قوله: «فمن موارد القسم الأول» و كان الأنسب بالسياق أن يقول هنا: «و من موارد القسم الثاني» أو تصدير القسم الأول بقوله: «أما القسم الأوّل فموارد منها ...».

و كيف كان فقد جمع المصنف قدّس سرّه تحت هذا العنوان موارد أربعة سيأتي بيانها.

1- إذا أسلمت و هي أمة ذمّي

(2) هذا هو المورد الأوّل، و عقد له صاحب المقابس الصورة السابعة و العشرين، فقال: «إذا كانت مستولدة ذمّيّ، ثم أسلمت دونه، فتباع عليه ...»

و أشار إلى فتوى جماعة ببيعها على مولاها قهرا، كالشيخ و الحلي و الفاضلين و الشهيدين و السيوري و الصيمري و غيرهم، فراجع «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 94- 95

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 92

ص: 428

..........

______________________________

قال ابن إدريس قدّس سرّه: «و لا خلاف بين أصحابنا: أنّ الذمي إذا كانت عنده جارية ذميّة، فأسلمت، فإنّها تباع عليه بغير اختياره، و يعطى ثمنها، لقوله تعالى:

وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. و هذا مذهب شيخنا في مبسوطه» «1».

و ظاهر «عندنا» في المبسوط «2» هو الإجماع، لا كون بيعها على الذمي رأيه خاصة.

و لا يخفى أنّ الحكم بوجوب بيعها قهرا على مولاها مورد لتعارض دليلين بالعموم من وجه:

أحدهما: ما دلّ على وجوب بيع العبد المسلم على مولاه الكافر، من النّص و الإجماع المتقدمين في مسألة منع نقل العبد المسلم إلى كافر «3»، و من المعلوم أنّ المنهي عنه هو نقل مطلق المملوك سواء أ كان عبدا أم أمة، و سواء أ كانت الأمة ذات ولد أم لم تكن.

ثانيهما: ما دلّ على منع بيع أمّ الولد رعاية لحقّ الاستيلاد، و إطلاق المنع يعمّ ما لو كان مولاها مسلما أو كافرا.

و مادة اجتماع العامّين من وجه هي أمّ ولد أسلمت عن مولى ذمّيّ.

و حينئذ فإن كان لأحد المتعارضين حكومة على الآخر، أو مرجّح يوجب تقديمه على الآخر، فهو. و إن لم يكن شي ء منهما فمقتضى قاعدة التعارض تساقطهما في مورد الاجتماع، و الرجوع إلى دليل آخر، و هو إمّا عموم ما يقتضي صحة بيعها، و إمّا استصحاب منع البيع.

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 22

(2) المبسوط، ج 2، ص 188

(3) هدى الطالب، ج 6، ص 284

ص: 429

فإنّها تباع عليه (1)، بناء (2) على أنّ حقّ إسلامها المقتضي (3) لعدم سلطنة الكافر عليها أولى من حقّ الاستيلاد المعرّض للعتق. و لو فرض تكافؤ دليلهما (4)

______________________________

و حكم المصنف قدّس سرّه بصحة بيعها، إما لترجيح أحد المتعارضين على الآخر بوجوه ثلاثة، و إمّا لمرجعية عمومات الصحة لو فرض تكافؤ العامين من وجه في مادة الاجتماع، و سيأتي بيان كلا الوجهين إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: فإنّ أمّ الولد- التي أسلمت- تباع على مولاها الذمي قهرا، و في المسألة أقوال اخرى نقلها في المقابس و الجواهر، و الجهة المشتركة بين الكل نفي سلطنة الكافر عليها.

فمنها: أنّها لا تقرّ في يده، بل تكون عند امرأة مسلمة تتولّى القيام بحالها، و يؤمر بالإنفاق عليها ما دام ولدها باقيا، كما عن الخلاف و موضع من المبسوط.

و عن ابن سعيد: أنّ الحاكم يتركها عند من يرى تركها عنده مصلحة.

و منها: ما عن التذكرة من أنه يحال بينها و بين مولاها، و تكسب في يد غيره له، و يؤخذ منه النفقة.

و منها: ما عن المختلف من أنّها تستسعى في قيمتها، فإذا أدّتها عتقت.

و منها: وجوب دفع قيمتها من الزكاة أو من بيت المال لتعتق. و إلّا بيعت.

و منها: غير ذلك، فراجع «1».

(2) لا ريب في ابتناء وجوب البيع على تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد، و وجه التقديم امور ثلاثة سيأتي بيانها. فلو قيل بتكافئ الحقّين و تساقطهما أو بالجمع بينهما مهما أمكن- كما يراه بعض القائلين بعدم تعيّن البيع- لم يتجه القول بوجوب البيع بهذا الطريق، فإن تمّ الطريق الثاني فهو، و إلّا أشكل الأمر.

(3) صفة لحقّ إسلام أمّ الولد.

(4) و تساقطهما في المجمع، و هذا إشارة إلى إثبات صحة البيع بنحو آخر، أي

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 343

ص: 430

كان المرجع عمومات صحة البيع، دون قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» المقتضية (1) لعدم جواز بيعها عليه، لأنّ (2) المفروض: أنّ قاعدة «السلطنة»

______________________________

العموم المقتضي للصحة. و تقريب التمسك به هو كون الشك في التخصيص الزائد، إذ لو كان دليل حقّ إسلامها مقدّما على دليل حق الاستيلاد لم يلزم تخصيص في عمومات صحة البيع. و إن كان حقّ الاستيلاد مقدّما على حقّ إسلامها لزم تخصيص فيها، هذا [1].

(1) و ذلك لأنّ مقتضى سلطنة المالك على ماله عدم نفوذ تصرف اعتباري فيه من دون رضاه، و حرمة مزاحمته. فالحكم بوجوب بيع الأمة- قهرا- على مولاها مع فرض بقائها بعد الإسلام على ملكه تقييد لإطلاق سلطانه، و بعد تكافؤ حقّي الإسلام و الاستيلاد و تساقطهما يرجع إلى قاعدة السلطنة المانعة عن بيعها عليه قهرا. و لا تصل النوبة إلى عموم حلّ البيع و صحة العقود.

(2) تعليل لقوله: «كان المرجع عمومات صحة البيع دون قاعدة السلطنة» و توضيحه: أنّ مرجعية قاعدة السلطنة في المقام منوطة بعدم وجود دليل حاكم عليها، و المفروض حكومة قاعدة «نفي سلطنة الكافر على المسلم» على قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».

و لعلّ وجه الحكومة: أنّ قاعدة نفي السبيل و إن لم تكن شارحة بمدلولها اللفظي لما يراد من قاعدة السلطنة، إلّا أنه يكفي في الحكومة أن يتعرض الدليل الحاكم إلى عقد الوضع أو عقد الحمل في الدليل المحكوم. و هذه الضابطة تنطبق على قاعدة نفي السبيل، و ينتفي بها سلطنة الكافر على مملوكه المسلم. و بعد سقوط

______________________________

[1] لكن الحق كون المرجع في المقام استصحاب حكم المخصص أعني به ما دلّ على عدم جواز بيع أمّ الولد، لا عموم العام، لعدم كون الشك في التخصيص الزائد، بل في استمرار حكم المخصص كما لا يخفى.

ص: 431

قد ارتفعت بحكومة أدلة نفي سلطنة الكافر على المسلم [1]. فالمالك ليس مسلّطا قطعا (1)، و لا حقّ له في عين الملك جزما (2).

______________________________

قاعدة السلطنة لا يبقى مانع من الرجوع إلى عموم ما دلّ على حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقود.

(1) و إن كان مالكا لأمّ ولده قطعا، لعدم خروجها عن ملك الكافر بمجرّد قبول الإسلام، و إلّا لم يكن معنى للبيع عليه، فإنّ إلزامه بالبيع شرعا دليل كونها ملكا له.

(2) لانتقال حقّه إلى ثمنها لو بيعت.

و قد تحصّل إلى هنا: أنّ أمّ الولد المسلمة ليست موردا لتعارض قاعدة نفي

______________________________

[1] لا يخفى أنّ دليل نفي سلطنة الكافر على المسلم- المقتضي لجواز البيع على الكافر- معارض بدليل منع البيع المقتضي لفساد البيع. و مع التعارض لا حكومة لدليل نفي السلطنة على قاعدة السلطنة. فمنع الرجوع إلى قاعدة السلطنة لحكومة دليل نفي سلطنة الكافر على المسلم غير ظاهر، كما سبق التأمل في هذه الحكومة في مسألة بيع العبد المسلم من الكافر، حيث قال: «و حكومة الآية عليها غير معلومة» «1».

و لا بأس بتوجيه الحكومة بما في كلام المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «2»: بأنّها من باب نفي الحكم بلسان نفي الموضوع تنزيلا حتى ينتفي الحكم المترتب عليه، و لا يكون حينئذ منافيا لما دلّ على ثبوت الحكم، إذ لا ملك للكافر تنزيلا- و إن كان مالكا حقيقة- حتى يترتب عليه السلطنة التي هي سبيل على المسلم. لكن لم يعلم كفاية هذا المقدار- بنظر المصنف قدّس سرّه- من كون الحاكم ناظرا بمدلوله اللفظي إلى المحكوم. و لو سلّم فالتنافي بين التأمل في الحكومة هناك و الجزم بها هنا ظاهر، و هو أعلم بما قال في الموضعين.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 304

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 229 و 293

ص: 432

إنّما الكلام في تعارض حقّي أمّ الولد (1) من حيث كونها مسلمة (2)، فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر، و من حيث (3) كونها في معرض العتق، فلا يجوز إخراجها عن هذه العرضة.

و الظاهر أنّ الأوّل (4) أولى، للاعتبار،

______________________________

السبيل مع قاعدة السلطنة، لحكومة الاولى على الثانية. نعم يتزاحم فيها حقّان كما سبق التنبيه عليه، و سيأتي تقديم الأهم منهما.

(1) غرضه من هذا الكلام تثبيت الأولوية التي أفادها بقوله: «بناء على أنّ حقّ إسلامها المقتضي لعدم سلطنة الكافر عليها أولى من حق الاستيلاد». و وجه الأولوية امور ثلاثة ستأتي في المتن.

(2) يعني: لا من حيث حقّ سلطنة المالك عليها.

(3) معطوف على «من حيث» و هذا حق آخر لام الولد.

(4) و هو حق الإسلام. لمّا كان المقام من تزاحم الحقين، و الحكم فيه تقديم الأهم منهما على المهم إن كان، و إلّا فالتخيير، أخذ في إثبات أهمية حق الإسلام من حق الاستيلاد المقتضي لبقائها إلى أن تنعتق من نصيب ولدها. و قد أثبت المصنف قدّس سرّه أهميته بوجوه:

الوجه الأوّل: الاعتبار، بتقريب: أنّ المولى الحكيم لا يرضى بأن يكون من أسلم و انقاد له مقهورا تحت استيلاء الكافر.

و الظاهر أن مراد المصنف قدّس سرّه ما جعلوه دليلا أو مؤيّد القاعدة نفي السبيل، ففي العناوين: «و ثالثها: الاعتبار العقلي، فإنّ شرف الإسلام قاض بأن لا يكون صاحبه مقهورا تحت يد الكافر، ما لم ينشأ السبب من نفسه، فإنّه حينئذ أسقط احترام نفسه. و هذا و إن لم يكن في حدّ ذاته دليلا، لكنّه مؤيّد قوي مستند إلى فحوى ما ورد في الشرع» «1».

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 352

ص: 433

..........

______________________________

و عليه فيقال في تقديم قاعدة حقّ الإسلام على حق الاستيلاد: إنّ نفي السبيل و وجوب البيع يكون باقتضاء شرافة الإسلام و حرمة الإيمان. و هذا من قبيل حقّ اللّه سبحانه و تعالى، كما حكي عن الشهيد قدّس سرّه الميل إليه و عن الشهيد الثاني القطع به. و من المعلوم أنّ ما كان كذلك لا معنى لتخصيصه ببعض الأفراد، و لا لتقييده بحال دون حال. و مع الإباء عن التخصيص و التقييد يتقوّى ظهور هذا العام أو المطلق، فيكون أظهر في العموم و الشمول لمادة الاجتماع من العام الآخر أعني به منع بيع أمّهات الأولاد [1].

الوجه الثاني: حكومة قاعدة نفي السبيل على جلّ الأحكام الأوّلية، و كونها من مبطلات العقود، «كعدم صحة وصايته على مال مسلم أو على مولّى عليه محكوم بإسلامه حتى بالاشتراك مع وليّ مسلم، و فسخ النكاح لو أسلمت زوجته و لم يسلم هو في العدّة» كما في العناوين «1».

و حيث كان منع بيع أمّ الولد- رعاية لحقّها- موجبا لثبوت السبيل لمولاها الكافر عليها، لزم بيعها تقديما لقاعدة نفي السبيل.

الوجه الثالث: النبوي المنجبر بعمل المشهور الدال على عدم علوّ الكافر على المسلم، و هو يقتضي تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد عند التزاحم، فتباع أمّ الولد على الكافر قهرا.

______________________________

[1] لكن فيه: أنّه و إن كان يشهد بتقديم حق الإسلام، لكنه لا اعتبار به، لعدم لكونه دليلا تعبديا، بل هو أمر اعتباري لا عبرة به كما لا يخفى.

و أمّا قاعدة نفي السبيل و كذا قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- على ما روى-: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» فلا يقتضيان بيعها عليه، لعدم منافاتهما لإضافة الملكية، إذ لو كانا منافيين لها لكانا مقتضيين لخروجها عن ملكيتها له. نعم ينافيان سلطنة الكافر عليها.

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 351

ص: 434

و حكومة (1) قاعدة «نفي السبيل» على جلّ القواعد، و لقوله (2) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» «1».

و ممّا ذكرنا (3) ظهر: أنّه لا وجه للتمسّك باستصحاب المنع قبل إسلامها،

______________________________

و المتحصل: أن الدليل الاجتهادي يقتضي بيع أمّ الولد في هذه الصورة، و لا تصل النوبة إلى التمسك بالأصل العملي.

(1) معطوف على «اعتبار» أي: و لحكومة ... و هذا هو الوجه الثاني.

(2) معطوف على «للاعتبار» و هذا هو الوجه الثالث.

(3) يعني: و من جواز البيع إمّا لتقديم حقّ الإسلام على حقّ الاستيلاد المقتضي لعدم جواز البيع، و إمّا لمرجعية عمومات صحة البيع عند تكافؤ دليلي الحقّين، ظهر: أنّه لا مجال للتمسك باستصحاب منع البيع، بأن يقال: إنّه لا ريب في موضوعية الاستيلاد لمنع البيع و التصرف الناقل فيها. و يشك في طروء الرافع، و هو الحق المقدّم على الاستيلاد- كحق الإسلام- بحيث يزيل ذلك المنع، و مقتضى الاستصحاب عدم طروئه، فيحكم باستمرار ذلك المنع بعد إسلامها، و نتيجته عدم جواز بيعها مطلقا، لا باختيار مولاها الكافر، و لا قهرا عليه، هذا.

و اعترض المصنف قدّس سرّه عليه بوجوه ثلاثة:

الأوّل: أن الدليل الاجتهادي على جواز البيع موجود، و هو إمّا عمومات الصحة، و إمّا حقّ الإسلام، و معه لا يبقى شك في المنع حتى تصل النوبة إلى الأصل

______________________________

فالجمع بين دليل منع البيع و دليل نفي السبيل يقتضي عدم جواز البيع، و عدم تسلطه عليها، فترجيح حق الإسلام على حق الاستيلاد بقاعدة نفي السبيل و علوّ الإسلام مرجوح، فتأمل جيّدا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 376، الباب الأول من أبواب موانع الإرث، الحديث: 11

ص: 435

لأنّ (1) الشك إنّما هو في طروء ما هو مقدّم على حقّ الاستيلاد، و الأصل عدمه (2).

مع إمكان (3) معارضة الأصل بمثله لو فرض (4)- في بعض الصور- تقدّم الإسلام على المنع عن البيع.

______________________________

العملي. للقطع بعدم سلطنة الكافر على الأمة المسلمة، هذا. و سيأتي الوجهان الآخران.

(1) هذا تقريب جريان استصحاب المنع، و تقدم بيانه آنفا.

(2) أي: عدم طروء حقّ لأمّ الولد المسلمة مقدّم على حق الاستيلاد.

(3) هذا وجه ثان لعدم المجال للتمسك بالاستصحاب، و حاصله: أنّ استصحاب المنع قبل إسلامها لا يوافق المدّعى، و هو عدم الجواز في جميع الصور، فيكون الدليل أخص من المدعى.

توضيحه: أنّه إذا كان إسلامها بعد الوطء و قبل استقرار النطفة في الرحم- بناء على صيرورتها أمّ ولد باستقرارها في الرحم- تعارض استصحاب المنع مع استصحاب الجواز، و يتساقطان.

و كذا لو أسلمت، ثم وطأها مولاها شبهة، فحملت منه، فيتعارض استصحابا المنع و الجواز.

و كذا لو تقدم الإسلام على ما هو متمّم لمانعية الاستيلاد عن البيع، كما لو استولدها، و لكن جاز بيعها في ثمن رقبتها لإعسار المولى، فأسلمت، و تجدّد اليسار قبل أن يجبره الحاكم الشرعي على البيع، فيستصحب وجوب البيع عليه قبل يساره، كما يستصحب منع البيع الحادث بالاستيلاد مع تجدد اليسار، فيتعارض الاستصحابان، و يتساقطان.

(4) أي: لو فرض تقدم الإسلام على منع بيعها للاستيلاد.

ص: 436

و مع إمكان (1) دعوى ظهور قاعدة «المنع» في عدم سلطنة المالك،

______________________________

(1) مقتضى السياق كون هذا إشكالا ثالثا على استصحاب المنع، و غاية تقريبه أن يقال: إنّ القضية المشكوكة غير المتيقنة، إذ عدم الجواز قبل الإسلام كان لأجل مصلحة المالك، فالبيع لمصلحة المالك و مراعاة مالكيته غير جائز. و هو غير البيع لأجل تقديم حق الإسلام على حقها الآخر. فالمنع المتيقن سابقا غير المنع المشكوك لاحقا، و مع إختلاف القضية المتيقنة و المشكوكة لا مجال للاستصحاب، هذا.

لكن فيه ما لا يخفى، حيث إنّ المتيقن و المشكوك- و هو المنع- واحد، غايته أنّ علة بقائه غير علة حدوثه. و إختلاف علّتي الحدوث و البقاء لا يقدح في الوحدة، و لا تنثلم به. نظير ما إذا علم بجلوس زيد في المسجد إلى الزوال بداعي الصلاة فيه، و شك في بقاء جلوسه بعد الزوال للشك في حدوث داع آخر يقتضي استمراره، فلا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب حينئذ.

هذا ما يقتضيه سوق العبارة من جعل قوله: «و مع إمكان ... الخ» إشكالا ثالثا على استصحاب المنع.

لكن الأولى جعله راجعا إلى أصل المطلب- و هو تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد- بأن يقال: إنه لا تعارض بين دليلي الحقين حتى تصل النوبة إلى الاستصحاب، و ذلك لأنّ دليل منع البيع لا إطلاق له بحيث يشمل صورة وجود حقّ آخر مجوّز للبيع حتى يقع لهذا الإطلاق التعارض بين دليلي الحقين. بل دليل المنع لا يدلّ على أزيد من مانعية حق الاستيلاد عن البيع، فهو لا يقتضي نفي حقّ آخر كحق الإسلام المقتضي لجواز البيع بناء على مذهب المصنف و غيره، و من المعلوم عدم المعارضة بين المقتضي و اللّامقتضي، فيقدّم حق الإسلام على حق الاستيلاد [1].

______________________________

[1] لكن الحق ثبوت الإطلاق و عدم الإهمال، و إلّا فهذا الاحتمال يوجب

ص: 437

و تقديم (1) حقّ الاستيلاد على حقّ الملك، فلا ينافي (2) تقديم حقّ آخر (3) لها على هذا الحقّ (4).

______________________________

(1) معطوف على «عدم» أي: ظهور قاعدة المنع في تقديم حق الاستيلاد.

(2) لأنّ المنافاة فرع الدلالة، كما إذا ورد دليل على وجوب صلاة الجمعة مثلا و آخر على حرمتها، فإنّهما متعارضان، لدلالة كل منهما التزاما على نفي مدلول الآخر. و في المقام لمّا فرض عدم دلالة دليل المنع على نفي حقّ آخر، فإذا ثبت بدليل حق آخر لم يقع التنافي بينهما، لعدم المعارضة بين البيان و اللابيان، هذا.

(3) كحقّ الإسلام فيما نحن فيه.

(4) و هو حقّ الاستيلاد.

و الحاصل: أنّ هنا- أي أمّ الولد التي أسلمت عن مولى كافر- حقوقا ثلاثة، حق المالك، و حق الاستيلاد، و حق الإسلام. و ينتفي حقّ المالك بسبب الاستيلاد لتقدمه عليه، و حقّ الإسلام مقدّم على حق الاستيلاد، فلا منافاة بين تقديم حق الاستيلاد على حق المالك، و بين تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد.

هذا تمام الكلام في المورد الأوّل من القسم الثاني، و تحصّل من كلمات المصنف قدّس سرّه وجوب بيعها على الكافر رعاية لشرف الإسلام و عظمته. و هو موافق لما ذهب إليه صاحب الجواهر في مسألة بيع العبد المسلم، و لكنه قدّس سرّه قوّى خلافه في مستثنيات بيع أمّ الولد، فراجع «1».

______________________________

وقوف جل الإطلاقات.

مضافا إلى عدم الحاجة إلى استثناء الموارد المذكورة في كتب الفقهاء من عدم جواز البيع. مع أنّ المصنف استفاد من أدلة منع بيع أمّ الولد قاعدة عامة لعدم جواز البيع، و هذه الاستفادة تمتنع مع إهمال دليل المنع و عدم إطلاقه، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 342 و 382

ص: 438

[المورد الثاني ما إذا عجز مولاها عن نفقتها]

و منها (1): ما إذا عجز مولاها عن نفقتها و لو بكسبها، فتباع على من

______________________________

2- إذا عجز مولاها عن نفقتها

(1) معطوف على قوله: «فمن موارده» أي: و من موارد القسم الثاني عجز مولاها عن نفقتها، و يتحقق العجز بأن لا يكون للمولى مال من نفسه بمقدار نفقة أمّ الولد، و أن لا تقدر هي على الكسب لتكون نفقتها من كسبها.

و في هذا المورد قال جمع بجواز بيعها، بأن يكون المشتري موسرا قادرا على الإنفاق عليها. و قيّد الشهيد الثاني قدّس سرّه جواز بيع تمام رقبتها بعدم تأدية بيع بعضها بنفقتها، و إلّا وجب الاقتصار على بيع البعض «وقوفا فيما خالف الأصل على موضع الضرورة» «1». و ربما يستفاد جواز بيعها في هذه الصورة- كما في المقابس- من المحقق «2» و العلّامة قدّس سرّه في التحرير، فلاحظ ما نقله عنهما في الصورة الخامسة و العشرين. و في المسألة وجوه اخر كما في المقابس و الجواهر «3»، فراجع.

و كيف كان فلعلّ وجه حكمهم ببيعها على من ينفق عليها هو قاعدة نفي الضرر الحاكمة على الأحكام الأوّلية، فإنّ منع البيع لحقّ الاستيلاد ضرري، فيرفع بقاعدته، نظير حقّ بقاء العذق لسمرة في حائط الأنصاري، فكما ينفى حقّ بقاء العذق و سلطنة سمرة على بقائه في الحائط، فكذلك حق الاستيلاد، لكونه ضرريا. و ارتفاع المنع عن بيعها يلازم جوازه. و لا فرق في الحكم الضرري المرفوع بقاعدة الضرر بين التكليفي و الوضعي.

و مما ذكر يظهر عدم الوجه فيما قد يقال: من أنّ قاعدة الضرر نافية للحكم لا مثبتة له. و ذلك لأنّ المرفوع هو عدم جواز البيع، و ارتفاعه ليس إلّا الجواز الثابت بعمومات صحة البيع، فتدبّر.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 258

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 354

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 91؛ جواهر الكلام، ج 31، ص 392

ص: 439

ينفق عليها، على ما حكي عن اللمعة و كنز العرفان و أبي العبّاس و الصيمري و المحقق الثاني «1».

و قال في القواعد: «لو عجز عن الإنفاق على أمّ الولد امرت بالتكسّب، فإن عجزت انفق عليها من بيت المال، و لا يجب عتقها. و لو كانت الكفاية بالتزويج وجب. و لو تعذّر الجميع ففي البيع إشكال» (1) «2».

و ظاهره عدم جواز البيع مهما أمكن الإنفاق من مال المولى (2)، أو كسبها،

______________________________

(1) حاصله: أنّه بعد عجز المولى عن الإنفاق عليها و عجزها عن التكسب لا يجب عتقها على المولى، بل إما أن ينفق عليها من بيت المال، و إمّا أن تتزوج. فإن تزوّجت دواما وجب نفقتها على الزوج، و إن تزوّجت انقطاعا أنفقت على نفسها من عوض بضعها. و إن تعذّر كل من الإنفاق من بيت المال و التزويج، فهل يجب بيعها على مولاها أم لا؟ فيه و جهان، فوجه الجواز حفظ نفسها عن الهلاك، و هو أولى لها من إبقائها متمسكة بالحرية.

و وجه المنع عموم النهي عن بيع أمّ الولد. كذا أفاده في الإيضاح و كشف اللثام «3».

(2) تقدّم آنفا أنّ العلّامة قدّس سرّه اقتصر على الإنفاق عليها من بيت المال و التزويج، و لكن المصنف وفاقا لصاحب المقابس قدّس سرّهما استظهر التعميم، رعاية لحق الاستيلاد المانع عن بيعها مهما أمكن.

قال في المقابس- بعد نقل عبارة القواعد-: «و حاصله: اعتبار عدم حصول الإنفاق، و انسداد أبوابه مطلقا من ماله و كسبه، و مالها- على القول بملكيتها-

______________________________

(1) اللمعة، ص 94؛ كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ المهذب البارع، ج 4، ص 106؛ غاية المرام (مخطوط)، ج 1، ص 280؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 99، و الحاكي عنهم المحقق الشوشتري في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 90- 91

(2) قواعد الأحكام، ج 3، ص 117

(3) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 289؛ كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 113

ص: 440

[أو مالها] (1)، أو عوض بضعها، أو وجود من يؤخذ (2) بنفقتها، أو بيت المال.

و هو (3) حسن.

و مع عدم ذلك كلّه (4) فلا يبعد المنع عن البيع أيضا،

______________________________

و كسبها، و عوض بضعها دواما و متعة، بل و تحليلا إن كان المحلّل له ينفق عليها، و كذلك المتمتع بها. و إن كان عوض البضع لا يفي بالنفقة، و من بيت المال و وجوه الخيرات، و تبرع المنفقين، و إنفاق من يجب عليهم للرّحم، و قبول الهبة و غيرها من أنواع التمليكات الممكنة، فمع التمكن من ذلك بما يتحمّل عادة وجب الصبر على ذلك ...» «1».

________________________________________

(1) هذه الكلمة مشطوب عليها في نسختنا، و لكنها ثابتة في سائر النسخ، و الأولى إثباتها، لكونها مذكورة في عبارة المقابس المتقدمة التي لا يبعد كونها مأخذا لما في المتن. و على كلّ فالمراد بالمال ما حصل لها من غير جهة الكسب- بناء على القول بمالكيتها- سواء أ كان سابقا على عجز مولاها عن الإنفاق أم لا حقا له.

(2) و هو الزوج الدائم، لأنّه يؤخذ بنفقة الزوجة الدائمة دون المنقطعة، فإنّه لا نفقة لها عليه، و إنّما تستحق عليه عوض البضع فقط. و عبارة القواعد- و هي التزويج- مشتملة على عوض البضع و من يؤخذ بنفقتها، فإنّ المأخوذ بالنفقة ليس إلّا الزوج في النكاح الدائم. فالمراد بعوض البضع هو المهر في النكاح المنقطع.

و احتمال أن يراد ب «من يؤخذ بنفقتها» الحاكم، ممنوع، لتقدم ذكره في القواعد بقوله: «انفق عليها من بيت المال» لوضوح أن ولاية التصرف فيه تكون للحاكم.

(3) يعني: و ما ذكره في القواعد- من عدم جواز البيع مهما أمكن- حسن.

(4) أي: و مع عدم إمكان شي ء ممّا ذكر- من الكسب و المال و عوض البضع و الزوج و بيت المال- فلا يبعد منع بيع أمّ الولد، كما منع منه إن أمكن شي ء من سبل

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 91

ص: 441

و فرضها (1) كالحرّ في وجوب سدّ رمقها كفاية على جميع من اطّلع عليها.

و لو فرض (2) عدم ذلك

______________________________

الإنفاق عليها.

(1) معطوف على المنع، أي: لا يبعد فرضها كالحرّ في كون سدّ رمقها واجبا كفاية على المسلمين المطّلعين على حالها.

و هذا موافق لما في الجواهر من قوله: «ضرورة أنّ ذلك لا يقتضي تقييد دليل المنع، إذ النفقة حينئذ تجب على المسلمين كفاية، أو في بيت المال، كالحرّ العاجز عنها» «1».

هذا إذا وجد من المسلمين من يسدّ رمقها، و أمّا مع فقده فسيأتي.

(2) هذا ثالث فروض المسألة و آخرها، و هو ما إذا لم يقم أحد من المسلمين بالإنفاق على أمّ الولد، أو قام به و لكن استلزم ذلك ضررا عظيما عليها لا يتحمّل عادة، لكونه نقصا في شأنها و شرفها. و حكم هذا الفرض جواز البيع، لوجوه ثلاثة:

الأوّل: قاعدة نفي الضرر الحاكمة على منع بيعها من جهة حقّ الاستيلاد، و تقدم تقريبه في (ص 439).

الثاني: قاعدة نفي الحرج، فإنّ بقاءها على هذه الحالة- رجاء أن تنتعق من نصيب ولدها- حرج عليها، و هو منفي بالآية الشريفة [1].

الثالث: تنظير المقام بالمورد السابق، من جواز بيع أمّ الولد إذا أسلمت عند

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إنّ الضرر أو الحرج لم ينشأ عن بقاء أمّ الولد ممنوعة عن البيع، بل نشأ من مخالفة من يجب عليه حفظ نفس الأمة عن التلف بإعطاء النفقة، هى الموجبة للضرر أو الحرج، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 380

ص: 442

أيضا (1)، أو كون ذلك ضررا عظيما عليها، فلا يبعد الجواز، لحكومة (2) أدلة نفي الضرر، و لأنّ (3) رفع هذا عنها أولى من تحمّلها ذلك (4) رجاء أن تنعتق من نصيب ولدها. مع جريان (5) ما ذكرنا أخيرا في الصورة السابقة: من احتمال ظهور أدلة المنع في ترجيح حقّ الاستيلاد على حقّ مالكها (6)، لا على حقّها [1] الآخر، فتدبّر.

______________________________

مولى ذمّيّ، و ذلك لأنّ قاعدة منع بيعها إنّما هو لتقديم حق الاستيلاد على حق المالك، فلو حصل لها حقّ يوجب البيع- كالإسلام- لم يناف حقّ الاستيلاد.

و كذا يقال في المقام، و الحقّ الثالث هنا هو حفظ النفس من الهلاك مهما أمكن، فإنّ حفظ حياتها مقدّم قطعا على حقّ الاستيلاد، فعدم جواز بيعها- لكونها متشبثة بالحرية- لا ينافي جوازه رعاية لحق الحياة و عدم تلفها.

و عليه فلا مورد للتمسك هنا بعموم منع البيع حتى ينحصر جواز بيعها في حكومة قاعدتي الضرر و الحرج عليه.

(1) أي: كما عدم الفرض الأوّل، و هو كسبها أو تزويجها.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و هو نفي الحرج.

(4) المشار إليه هنا و في «هذا» هو الضرر.

(5) هذا إشارة إلى الوجه الثالث.

(6) فلا إطلاق في أدلة المنع بالنسبة إلى حدوث حقّ للأمة- غير حق الاستيلاد- كي تتزاحم الحقوق أو تتعارض الأدلة.

______________________________

[1] تنظير حق العتق بحق الإسلام و النفقة لا يخلو من شي ء، لعدم إحراز هذا الحق لها في حياة المولى. و لو اريد استفادته مما دلّ على استحباب عتق المملوك كليّة فمنعه واضح. مضافا إلى أن العمل بهذا المستحب لا يتوقف على بيعها ممن تنعتق عليه، لحصول الامتثال بعتقها ابتداء.

ص: 443

[المورد الثالث بيعها على من تنعتق عليه]

و منها (1): بيعها على من تنعتق عليه- على ما حكي عن الجماعة المتقدم إليهم الإشارة «1»- لأنّ فيه (2) تعجيل حقّها.

______________________________

3- بيعها على من تنعتق عليه

(1) معطوف أيضا على قوله في (ص 428): «فمن موارده» و هذا مورد ثالث من القسم الثاني الذي يكون جواز بيع أمّ الولد لأجل عروض حقّ لها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد. و هو بيعها من قريبها بحيث تنعتق على المشتري، و لا يستقرّ تملكه لها، كما لو اشتراها أبوها أو أخوها أو ابن أخيها أو ابن اختها، أو غيرهم ممّن لا يتملّكها. و قال بجواز بالبيع هنا جماعة، و اختاره صاحب المقابس أيضا.

قال قدّس سرّه في الصورة التاسعة و العشرين: «فإنّه- أي البيع- صحيح، على ما اختاره الشهيد في اللمعة، و السيوري في كنز العرفان، و أبو العباس، و الصيمري، و المحقق الكركي. و يظهر من الشهيد في الدروس: أنه مسبوق بهذا القول. و هذا هو الظاهر من الروضة و المسالك، و اللازم من قول من جوّز بيع المسلم على الكافر إذا كان ممّن ينعتق عليه».

ثم استدلّ على الجواز بوجود المقتضي ثبوتا، و فقد المانع عنه، و سيأتي توضيحه. و استدلّ في المتن بوجوه ثلاثة، كما سيظهر.

(2) أي: في البيع، و هذا أوّل الوجوه، و هو مذكور في شرح اللمعة بقوله:

«فيكون تعجيل خير يستفاد من مفهوم الموافقة، حيث إن المنع عن البيع لأجل العتق» «2» و عبارة المقابس شرح له. و محصّله: وجود المقتضي و فقد المانع.

أمّا الأوّل فلأنّ المعتبر في البيع كون البائع و المشتري أهلا للتمليك و التملك، و المبيع مملوكا، و هو متحقق حسب، الفرض.

______________________________

(1) حكاه عنهم في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 93؛ و لاحظ: اللمعة، ص 94؛ كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ المهذب البارع، ج 4، ص 106؛ غاية المرام (مخطوط)؟؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 99

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 259

ص: 444

و هو (1) حسن لو علم أنّ العلّة حصول العتق. فلعلّ الحكمة انعتاق خاص.

اللهم (2) إلّا أن يستند إلى ما ذكرنا أخيرا في ظهور أدلة المنع «1».

أو يقال (3):

______________________________

و أمّا الثاني فلأنّ المانع عن بيعها تمسكها بالحرية، و الغاية من منع بيعها هو الانعتاق من نصيب الولد بعد وفاة السيد. فإذا فرض حصول الانعتاق معجلا في حياته فقد تحققت الغاية، و امتنع بقاء منع البيع بحاله، هذا.

و ناقش المصنف فيه بعدم إحراز كون الانعتاق المطلق علّة لمنع بيعها حتى يقال بامتناع بقاء المعلول- و هو منع البيع- بالتعجيل في عتقها. فلعلّ الحكمة في عدم جواز نقلها عن ملك السيد هي الانعتاق الخاص أي انتقالها إلى ولدها بالإرث، ثم الانعتاق عليه قهرا من نصيبه.

و عليه فعموم منع البيع محكّم، و لا يكون مجرد تعجيل حق الانعتاق مخرجا عنه.

(1) أي: و تعليل جواز البيع- بأنّ فيه تعجيل حقّها- حسن لو علم أنّ علة منع بيعها في حياة السيد هو الانعتاق، و لا سبيل لإحراز المناط القطعي حسب الفرض.

(2) هذا ثاني الوجهين لجواز بيعها على من تنعتق عليه، اختاره المصنف قدّس سرّه اعتمادا على ما تقدم في المورد الأوّل، من ظهور أدلة المنع في تقديم حق الاستيلاد على خصوص سلطنة المالك من حيث حقه المالكي، لا على حقها الآخر كحقّ الإسلام. فدليل المنع قاصر عن شموله لصورة وجود حقوق اخر لها مقتضية للبيع، و من تلك الحقوق حق التحرّر معجّلا، و عدم انتظار وفاة السيّد.

(3) هذا ثالث وجوه الجواز، و هو ناظر إلى خروج هذا المورد عن عموم دليل منع بيع أمّ الولد موضوعا، و بيانه: أنّ نقلها إلى المشتري و إن كان بيعا صورة، لكنه

______________________________

(1) تقدم في ص 437

ص: 445

إنّ هذا عتق في الحقيقة [1].

[المورد الرابع بيعها بشرط العتق]

و يلحق بذلك (2) بيعها بشرط العتق.

______________________________

عتق حقيقة، لامتناع دخولها في ملك المشتري حتى يتحقق المبادلة بين المالين في الملكية. فالغرض إنقاذها من ذلّ الرقيّة، و لذا التزم بعضهم بصرف الشراء إلى الاستتفاذ و عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى العين، و تقدم الإشارة إليه في مسألة بيع العبد المسلم من الكافر «1»، و سيأتي في مستثنيات خيار المجلس إن شاء اللّه تعالى أيضا.

4- بيعها بشرط العتق

(2) أي: و يلحق بصحة بيع أمّ الولد على من تنعتق عليه: بيعها على أجنبي بشرط أن يعتقها. حكي عن غير واحد، قال المحقق الشوشتري في الصورة الحادية و الثلاثين: «إذا بيعت بشرط العتق، فيجوز على ما نصّ عليه المحقق الكركي في الشرح، و السيوري في الكنز. و استقربه الشهيد في اللمعة، و احتمله في الدروس، و منع منه أبو العباس في المهذّب كما هو ظاهر المعظم. و ربما يلزم الجواز على القول به في بيع العبد المسلم من الكافر. و الأقرب المنع في الموضعين عملا بعموم الدليل المانع السالم عن المعارض».

ثم وجّه صحة البيع من جهة اقتضاء دليل الشرط وجوب الوفاء به، و عدم

______________________________

[1] في كونه عتقا منع، إذ لو كان كذلك لم يكن وجه لحكمهم بجواز الفسخ و الرجوع إلى القيمة إذا ظهر كون العبد معيبا فيما إذا بيع على من ينعتق عليه، إذ المفروض كونه عتقا لا بيعا. بل قيل بجواز الرجوع إلى نفس العين، و تنقيح البحث فيه موكول إلى مباحث الخيارات.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 335

ص: 446

فلو لم يف المشتري (1) احتمل وجوب استردادها [1] كما عن الشهيد الثاني (2) «1».

و يحتمل (3) إجبار الحاكم أو العدول للمشتري على الإعتاق،

______________________________

إسقاط شرط العتق لكونه حقّا له تعالى، ثم رجّح المنع مرّة اخرى، فراجع «2».

(1) يعني: بناء على صحة البيع بشرط العتق- إمّا لكونه تعجيل خير و إمّا لكونه عتقا حقيقة كما تقدم في المورد السابق- فإن و فى المشتري بالشرط و أعتقها فهو، و إن تخلّف عن الإعتاق احتمل وجوه ثلاثة:

الأوّل: أنه يجب على البائع فسخ البيع و إعادة أمّ الولد إلى ملكه، لتنعتق بعد وفاته.

ثانيها: أنّ المشتري يلزم بالإعتاق، فإن وجد الحاكم الشرعي أجبره عليه، و إن لم يوجد أجبره عدول المؤمنين.

الثالث: أنّه لا حاجة إلى الإجبار، بل مجرد امتناع المشتري عن العمل بالشرط يحقّق ولاية الحاكم على إعتاقها عليه قهرا، من دون إناطته بإجباره عليه و إبائه عنه.

(2) كما احتمل قدّس سرّه وجوب الفسخ على الحاكم. و لعلّ وجه وجوب استردادها من المشتري هو: أنّ بيع أمّ الولد كما يكون ممنوعا تكليفا مطلقا أي بدون شرط العتق، فكذا مع شرطه إن لم يتعقبه العتق خارجا، فإذا تحقق البيع المشروط بالعتق و لم يتعقبه لزم حلّ ذلك البيع باسترداد الأمة.

(3) معطوف على «احتمل» و هذا هو الاحتمال الثاني، و وجه ولاية الحاكم

______________________________

[1] بناء على كون العتق الخارجي شرطا لصحة بيعها، و أمّا بناء على كون المجوّز للبيع نفس شرط العتق، فوجوب الاسترداد غير ظاهر، بل يجبر المشتري على الوفاء بالشرط، أو تعتق عليه قهرا.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 260؛ و الحاكي عنه صاحب المقابس، ص 93

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 93

ص: 447

أو إعتاقها (1) عليه قهرا.

[المورد الخامس بيعها على من أقرّ بحرّيتها]

و كذلك (2) بيعها ممّن أقرّ بحرّيتها.

______________________________

على الممتنع.

(1) معطوف على «وجوب» و هذا هو الاحتمال الثالث، احتمله في المقابس بناء على صحة البيع.

5- بيعها على من أقرّ بحرّيتها

(2) يعني: و يلحق ببيعها على من تنعتق عليه: بيعها على من أقرّ بأنّها حرّة فعلا و ليست أمة، فيكون شراؤها مقدمة لتعجيل انعتاقها.

قال في المقابس: «الثلاثون: إذا بيعت ممّن أقرّ بحرّيّتها، و هذه أولى بالجواز و إن لم ينصّوا عليها هنا، لأنّ هذا البيع لا يقتضي تملكا في حقّ المشتري بحسب ظاهر إقراره. و يحتمل المنع هنا، لاحتمال كذب المقرّ، فيؤدّي إلى رقيّتها واقعا. و الحرية الواقعية و إن تأخّرت أولى من ذلك» «1».

و الوجه في إلحاق هذا المورد بالبيع على من تنعتق عليه هو كون المعاملة طريقا إلى حريتها من دون استقرار الملكية للمشتري «2».

و أمّا تصوير البيع هنا- مع علم المشتري بعدم دخول المبيع في ملكه، و تقوّم البيع بالتمليك و التملّك- فيمكن بالالتزام بكفاية القصد إلى النقل في نظر المشتري و إن لم يمضه الشارع، كما تعقلوه في مسألة الفضولي إذا كان غاصبا و قصد البيع لنفسه، من كفاية الملكية الادعائية. و كذا في المقام، فالمشتري من حيث كونه مقرّا بحرية المبيع فهو مسلّط للبائع على الثمن مجانا، و لا مانع منه «3».

هذا تقريب صحة بيعها ممن أقرّ بحريتها. و لكن اعترض المصنف على جواز

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 93

(2) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 335 و 338

(3) المصدر، ج 4، ص 551

ص: 448

و يشكل (1) بأنّه إن علم المولى صدق المقرّ لم يجز له البيع و أخذ الثمن في مقابل الحرّ (2). و إن علم (3) بكذبه لم يجز أيضا (4)، لعدم جواز بيع أمّ الولد.

و مجرّد (5) صيرورتها حرّة على المشتري في ظاهر الشرع مع كونها ملكا له في

______________________________

البيع بما سيأتي بيانه.

(1) توضيح الإشكال: أنّ المولى إمّا أن يعلم بصدق المقرّ من كون هذه المرأة حرّة واقعا، و إمّا أن يعلم بكذبه و كونها أمة و قد استولدها. و إمّا أن يشك في صدقه و كذبه. و لم يتعرض المصنف لحكم الشك.

و على الأوّلين يعلم البائع بفساد البيع، إمّا لكونها حرّة، و من المعلوم أنّ الحرّ لا يملك و لا يباع، و إمّا لكونها أمّ ولده.

و دعوى جواز بيعها- لما فيه من تعجيل الخير، و هو عتقها من جهة إقرار المشتري بحرّيتها- ممنوعة، لعدم حصول الغرض و هو العتق، و ذلك لأنّ المشتري و إن كان مأخوذا بإقراره في ظاهر الشرع، فيحكم بانعتاقها عليه ظاهرا، لكنها صارت بالشراء ملكا له واقعا، فيلزم بقاؤها على الرقية- في نفس الأمر- إلى أن يحصل موجب لحريتها. و لو دار الأمر بين بقائها على ملك المولى المستولد لتتحرّر- واقعا- بعد وفاته من نصيب ولدها، و بين بيعها و انعتاقها ظاهرا- و إن كانت رقا في الواقع- كان المتعين هو الأوّل.

و عليه فالغاية المقصودة من بيعها على من تنعتق عليه- و هي تعجيل العتق- لا تترتّب على بيعها ممّن أقرّ بحرّيّتها.

(2) لأنّ تملك الثمن بعنوان العوضية منوط بتمليك المثمن، و المفروض عدم دخول الحرّ في الملك.

(3) هذا هو الفرض الثاني، و هو علم المولى بكذب المقرّ.

(4) أي: كما لم يجز للمولى البيع في فرض علمه بصدق المقرّ.

(5) يعني: و مع تعقل قصد البيع جدّا صارت رقّا للمشتري واقعا، بمقتضى كون البيع نقلا و تمليكا.

ص: 449

الواقع و بقائها (1) في الواقع على صفة الرقية للمشتري لا يجوّز (2) البيع، بل الحرية الواقعية و إن تأخّرت أولى من الظاهرية (3) و إن تعجّلت.

[المورد السادس ما إذا مات قريبها و خلّف تركة و لم يكن له وارث سواها]

و منها (4): ما إذا مات قريبها و خلّف تركة، و لم يكن له وارث سواها،

______________________________

(1) معطوف على «كونها» و ضمير «له» راجع إلى المشتري.

(2) خبر قوله: «و مجرّد صيرورتها» و وجه عدم الجواز ما تقدم آنفا من أنّ المقصود بالبيع- في مثل البيع على من تنعتق عليه- هو الانعتاق واقعا، و زوال الرقية عنها بالمرّة، لا مجرّد حريتها في ظاهر الشرع بحسب الإقرار.

مضافا إلى: أن تشبث أمّ الولد بالحرية حكمة، و ليست علّة ليدور جواز نقلها عن ملك المولى مدارها.

(3) لكون الحرية الظاهرية في معرض الزوال برجوع المقرّ عن إقراره، بخلاف الواقعية المترتبة على موت المولى و نصيب الولد منها.

ثم إن المصنف قدّس سرّه تعرض لنظير هذا المورد في مستثنيات بيع العبد المسلم من الكافر المقرّ بحريته «1»، و علّل فساد البيع بخلل إما في المبيع لو كان حرّا واقعا، أو في المشتري إن كان كاذبا، فيلزم دخوله في ملكه، و المفروض انتفاء السبيل على المسلم.

و هذا التعليل لتكفّله لحكم جهل البائع بصدق المقرّ لعلّه أولى مما أفاده هنا، فتدبّر.

6- إذا مات قريبها و له مال، و هي وارثته

(4) معطوف على قوله: «فمن موارده» أي: و من موارد القسم الثاني: ما إذا مات قريبها من أب أو أخ أو اخت، و خلّف تركة، و لم يكن للميت وارث سوى أمّ الولد.

و الحكم في كلّي المملوك هو وجوب شرائه من التركة و إعتاقه، و لو فضل شي ء من الإرث كان له. و نقل الإجماع عليه مستفيض، ففي المستند: «و ادعى

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 339

ص: 450

فتشترى من مولاها لتعتق (1) [للعتق] و ترث قريبها.

______________________________

الإجماع عليه في الانتصار و السرائر و الشرائع و القواعد و التنقيح و الروضة و المسالك و المفاتيح» «1».

و في الجواهر- بعد قول المحقق: «و إذا لم يكن للميت وارث سوى المملوك، اشتري المملوك من التركة، و اعتق، و اعطي بقية المال» «2»- ما لفظه: «بلا خلاف أجده فيه في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه» «3».

و أمّا أمّ الولد فقد صرّح جماعة بأنّها كسائر المماليك تشترى بالقيمة السوقية، و تعتق و ترث ما بقي من التركة. و ادّعى ابن فهد قدّس سرّه عليه الإجماع كما نقله عنه في المقابس.

قال المحقق الشوشتري في الصورة السادسة و العشرين: «و القول باستثنائها خيرة الشهيدين في الروضة و اللمعة و المسالك، و السيوري في كتابيه، و أبي العباس، و المحقق الكركي، و اختاره ابن سعيد في النزهة أيضا، و نقله من العماني. و حكى أبو العباس في المهذّب إجماع الأصحاب. و ليس ببعيد، فإنّه الظاهر من إطلاق فتاوى الأصحاب في كتاب المواريث». ثم استدل عليه بالنصوص و بوجوه اعتبارية، فراجع «4».

و ذهب المصنف قدّس سرّه أيضا إلى وجوب شرائها من مولاها لتنعتق، و استدل عليه بما سيأتي في المتن.

(1) كذا في بعض النسخ، و هو موافق لما في المقابس الذي يكون كالأصل لكلمات المصنف في هذه المسألة. و في نسختنا «للعتق» و المعنى واحد.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 19، ص 67

(2) شرائع الإسلام، ج 4، ص 15

(3) جواهر الكلام، ج 39، ص 50

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 91

ص: 451

و هو (1) مختار الجماعة السابقة «1» و ابن سعيد في النزهة «2»، و حكي عن العماني. و عن المهذب «3»: إجماع الأصحاب عليه.

و بذلك (2) يمكن ترجيح أخبار «الإرث» على قاعدة «المنع».

______________________________

(1) أي: جواز البيع، و المراد به الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب، لأنّه مختار الجماعة، لا الإباحة.

(2) أي: و بإجماع الأصحاب على وجوب الشراء يمكن ترجيح ... الخ. و هذا هو الوجه الأوّل. و المراد بأخبار الإرث: ما دلّ على «أنّ الحر إذا مات و لم يكن له وارث حرّ، و له قرابة رقّ، اجبر مولاه على بيعه بقيمة عدل، فيشترى و يعتق».

و ليس المراد بها ما دلّ على مانعية الرق من الإرث، و أنه يجب التنزل إلى الطبقة المتأخرة. إن لم يكن له وارث حرّ في طبقة ذلك الرق.

فمن تلك الأخبار ما ورد في شراء «المملوك» من دون خصوصية كونه أبا للميت أو ابنا له أو امّا أو غيرها، و هو خبر واحد رواه في دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «أنّه قال: إذا مات الميت و لم يدع وارثا و له وارث مملوك، قال:

يشترى من تركته، فيعتق، و يعطى باقي التركة [بالميراث]» «4».

و منها: ما ورد في خصوص الأب أو الامّ أو البنت. و أكثر النصوص المعتبرة متكفل لشراء الامّ، كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: في الرجل الحرّ يموت و له أمّ مملوكة، قال: تشترى من مال

______________________________

(1) كالعلّامة في المختلف، ج 9، ص 61؛ و الشهيد في اللمعة، ص 94؛ و الدروس، ج 2، ص 344؛ و الفاضل المقداد في كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ و المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 4، ص 98؛ و الشهيد الثاني في الروضة، ج 8، ص 44 و 45؛ و المسالك، ج 13، ص 47.

(2) نزهة الناظر، ص 82، و هو الحاكي عن ابن عقيل.

(3) المهذب البارع، ج 4، ص 106، حكاه عنه في المقابس.

(4) مستدرك الوسائل، ج 17، ص 149، الباب 11 من أبواب موانع الإرث، الحديث: 1

ص: 452

..........

______________________________

ابنها، ثم تعتق، ثم يورثها» «1». بإلقاء خصوصية الامّ و البنت و نحوهما، و إرادة «المملوك» من الجميع.

و النسبة بين هذه النصوص و بين ما دلّ على منع بيع أمّ الولد- كما في المقابس و حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه «2»- عموم من وجه، لأنّ دليل المنع يقتضي منع بيع أمّ الولد مطلقا، سواء أ كانت وارثة أم لم تكن. و دليل «شراء المملوك من تركة قريبه» مطلق أيضا يشمل كون الوارث أمّ ولد و غيرها من الأب و الابن و البنت و الاخت، فيجتمعان فيما إذا كان قريب الميت أمّ ولد.

فإمّا إن يخصّص عموم منع نقل أمّ الولد، و يقال بجوازه لو كانت وارثة لقريبها. و إمّا أن يخصّص عموم وجوب شراء المملوك، و يقال بعدم جواز شراء أمّ الولد لو كانت وارثة. و إمّا أن يتساقط الدليلان، و يرجع إلى دليل آخر من عموم صحة البيع، أو استصحاب المنع. و رجّح المصنف قدّس سرّه الاحتمال الأوّل بالإجماع.

______________________________

[1] لكن النسبة بين النصوص المستفيضة الواردة في شراء الام لتنعتق و ترث، و بين عموم المنع هو العموم المطلق، فيتعيّن التخصيص، و إلّا لزم طرحها رأسا، لعدم تكفلها لحكم غير الامّ. و لم يظهر وجه جعل النسبة في المقابس عموما من وجه مع تصريحه بأنّ جملة منها وردت في الأمّ و الاخت و البنت.

ثم لو سلّم ذلك فالترجيح بالإجماع المحتمل مدركيته لا يخلو من شي ء.

و كذا بدعوى كون الشراء للإرث عنوانا ثانويا طرأ على أمّ الولد، فيندرج المورد في العناوين الثانوية المتقدمة على أحكام العناوين الأوّلية. و لو انفتح هذا الباب لم يختص بالمقام، بل يعم جميع الحقوق الثابتة لأمّ الولد الموجبة لجواز بيعها.

و هو كما ترى.

______________________________

(1) الوسائل، ج 17، ص 404، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، الحديث: 1

(2) حاشية المكاسب، ص 120

ص: 453

مضافا إلى ظهورها (1) في رفع سلطنة المالك، و المفروض هنا (2) عدم كون البيع باختياره، بل تباع عليه لو امتنع.

و من [موارد] القسم الثالث (3)- و هو ما يكون الجواز لحقّ سابق على الاستيلاد- ما إذا كان علوقها بعد الرّهن (4)، فإنّ المحكيّ عن الشيخ و الحلّي و ابن زهرة و المختلف و التذكرة و اللمعة و المسالك و المحقق الثاني و السيوري

______________________________

(1) هذا ثاني وجهي ترجيح أخبار الإرث على عموم منع بيع أمّ الولد، و محصله: أنّ قاعدة منع بيعها ظاهرة في كون المولى ممنوعا عن النقل الاختياري دون القهري، فلا إطلاق في أدلة المنع يشمل النقل القهري حتى يقع التعارض بينها و بين دليل شراء المملوك ليرث قريبه.

(2) أي: في ما لو مات قريبها و لم يخلّف غير أمّ الولد، حيث إنّها تشترى منه إمّا برضى مولاها و إمّا قهرا عليه.

هذا ما يتعلق بموارد الاستثناء في القسم الثاني.

القسم الثالث: بيعها لحقّ سابق على الاستيلاد

(3) معطوف على قوله: «فمن موارد القسم الأوّل» المتقدم في (ص 296) و تعرّض في هذا القسم لموارد سبعة يجمعها: تعلّق حقّ بها سابق على الاستيلاد، فتتزاحم الحقوق.

1- إذا كان الحمل بعد الرهن

(4) هذا هو المورد الأوّل، و هو ما إذا صارت الأمة مرهونة على دين، ثم حملت من مولاها. و جواز بيعها منوط بتمامية أمرين:

أحدهما: عدم بطلان الرهن بنفسه بمجرد الاستيلاد الموجب لخروج الأمة عن الطّلق.

و ثانيهما: عدم وجوب إبدالها بعد الحمل بمال آخر ليكون وثيقة للدين.

و الأمر الأوّل متفق عليه، و الثاني مشهور كما ذكره في المقابس.

ص: 454

و أبي العبّاس و الصيمري «1»: جواز بيعها حينئذ (1).

و لعلّه (2) لعدم الدليل على بطلان حكم الرهن السابق

______________________________

فبناء عليهما يقع الكلام في جواز بيعها لو لم يؤدّ الدين، و عدمه.

قال المحقق الشوشتري في الصورة الثامنة: «انّه إذا بقيت مرهونة مطلقا على المشهور، و مع الإعسار عن غيره- أي على غير المشهور- ففي جواز بيعها للرهن حيث يجوز البيع له، أقوال: الأوّل جوازه مطلقا، و هو اختيار الشيخ في المبسوط و الخلاف» إلى آخر من سمّاهم في المتن.

(1) أي: حين كون الحمل بعد الرهن، و المقصود تجويز بيعها في الجملة، إمّا مطلقا كما عليه ابن إدريس و غيره، و إمّا مع التفصيل بين كون الراهن موسرا و معسرا كما اختاره شيخ الطائفة في الخلاف و العلّامة في التذكرة.

(2) أي: و لعلّ جواز البيع، استدلّ له في الكلمات بلزوم الأخذ بأسبق الحقّين «2»، و هو في المقام حق المرتهن في العين المرهونة ببيعها لاستيفاء حقّه. كما أشار إليه المحقق في عبارته الآتية، فالمقصود ترجيح حق الرهن على حق الاستيلاد.

و حيث إنّ مجرّد السبق الزّماني ليس من مرجحات التزاحم، فلو كان الحق المتأخر أهمّ من المتقدم قدّم على المتقدم.

نعم في صورة عدم إحراز أهمية أحدهما يكون الحكم على طبق السابق للاستصحاب، فلذا عدل المصنف إلى التمسك به.

______________________________

(1) الحاكي عنهم السيد العاملي و صاحب المقابس، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 124؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 82؛ و لاحظ: المبسوط، ج 2، ص 217؛ الخلاف، ج 3، 230، المسألة: 19 كتاب الرهن؛ السرائر، ج 2، ص 28؛ الغنية، ص 244؛ مختلف الشيعة، ج 5، ص 440؛ تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 220 (ج 2، ص 28 الحجرية)؛ اللمعة، ص 94؛ المسالك، ج 3، ص 170 و ج 4، ص 50 و ج 10، ص 527؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 98 و ج 5، ص 80- 81؛ كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ المهذب البارع، ج 4، ص 105؛ غاية المرام (مخطوط) و تلخيص الخلاف، ج 2، ص 96، و فيه التقييد بالإعسار.

(2) كما في جامع المقاصد، ج 5، ص 80- 81

ص: 455

بالاستيلاد (1) اللاحق، بعد تعارض أدلّة حكم الرّهن و أدلة المنع عن بيع أمّ الولد في دين غير ثمنها (2).

خلافا (3) للمحكي عن الشرائع و التحرير، فالمنع مطلقا (4).

و عن الشهيد (5) في بعض تحقيقاته: الفرق بين وقوع الوطء بإذن المرتهن،

______________________________

توضيحه: أنّ إطلاق دليل الرهن يقتضي جواز بيع العين المرهونة سواء أ كانت أمّ ولد أم لا، و دليل الاستيلاد يقتضي عدم جواز بيعها- إلّا في ثمن رقبتها- سواء أ كانت مرهونة أم لا. ففي المجمع- و هو أمّ الولد المرهونة- يتعارض الدليلان، و بعد التساقط يرجع إلى استصحاب حكم الرهن أعني به جواز البيع، هذا.

(1) متعلق بالبطلان.

(2) استثناء خصوص «بيعها في ثمنها» إنّما هو لوروده في بعض أدلة منع بيع امهات الأولاد كصحيحة عمر بن يزيد و روايته المتقدمتين في (ص 299- 301) و أمّا سائر مواضع جواز بيعها فتستفاد من المخصص أو المقيد المنفصلين.

(3) عدل لقوله: «فإنّ المحكي عن الشيخ ... جواز بيعها». و هذا إشارة إلى القول الثاني، اختاره المحقق و العلّامة في التحرير، ففي الشرائع: «و لو وطأ الراهن فأحبلها، صارت أمّ ولده، و لا يبطل رهنها. و هل تباع؟ قيل: لا مام دام الولد حيّا.

و قيل: نعم، لأنّ حق المرتهن أسبق. و الأوّل أشبه» «1». و وجه المنع تقديم حق الاستيلاد تغليبا لجانب الحرية.

(4) المقصود بالإطلاق ما يقابل تفصيل الشهيد قدّس سرّه بين كون الوطء بإذن المرتهن فيمنع من يبعها، و بين كونه بدون إذنه، فيجوز بيعها.

(5) معطوف على «عن الشرائع» أي: و خلافا للمحكي عن الشهيد. و هذا إشارة إلى القول الثالث في المسألة، و وجه الفرق: أنه مع إذن المرتهن يسقط حقه

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 82 و قريب منه في الاستيلاد، ج 3، ص 138

ص: 456

و وقوعه بدونه.

و عن الإرشاد (1) و القواعد: التردّد. و تمام الكلام في باب الرّهن (2).

و منها (3): ما إذا كان علوقها

______________________________

على تقدير وجود الولد، بخلافه بدون الإذن. و قال السيد العاملي بعد حكايته:

«و هو قوي موافق للأصول و الاعتبار إن لم يكن خارقا للإجماع على الخلاف» «1».

(1) هذا أيضا معطوف على «عن الشرائع» و هذا إشارة إلى قول رابع، و هو التردد في حكم المسألة، و عدم ترجيح منع البيع أو جوازه، قال به جمع كالعلّامة في الإرشاد و القواعد. بل استظهر السيد العاملي قدّس سرّه كون التوقف مقتضى اقتصار آخرين على نقل الخلاف من دون ترجيح كالعلّامة في التلخيص، و فخر المحققين، و ابن السيد العميد في تخليص التخليص، و الشهيد في الدروس و غاية المراد، و الفاضل السبزواري في الكفاية «2».

(2) إذ المسألة محرّرة هناك «3»، و إن تعرّض صاحب المقابس لتفصيل الكلام هنا. فراجع «4».

2- إذا كان الحمل بعد إفلاس المولى و الحجر عليه

(3) معطوف على قوله: «و من القسم الثالث» و تأنيث الضمير باعتبار موارد القسم الثالث. فالمقصود بيان حكم بيع أمّ الولد- لو حجر الحاكم أموال سيّدها- بشرطين:

أحدهما: أن يكون العلوق و الحمل بعد الحجر، فلو تأخّر الحجر عن الاستيلاد لم يصحّ بيعها لأداء حقّ الغرماء.

ثانيهما: أن تكون أمّ الولد فاضلة عن مستثنيات الدين، فلو كانت خادمة

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 123 و 124

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 123 و 124

(3) لاحظ جواهر الكلام، ج 25، ص 208- 211

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81- 84

ص: 457

بعد (1) إفلاس المولى و الحجر عليه، و كانت (2) فاضلة عن المستثنيات في أداء الدين، فتباع حينئذ (3)، كما في القواعد (4) و اللّمعة و جامع المقاصد «1»، و عن المهذّب و كنز العرفان و غاية المرام «2»، لما ذكر (5) من سبق حقّ الدّيّان بها،

______________________________

لمولاها- مع كونه أهلا للإخدام- كانت من جملة المستثنيات، كما تقدم في الصورة الاولى بقوله: «و مما ذكر يظهر أنه لو كان نفس أمّ الولد مما يحتاج إليها المولى للخدمة فلا تباع في ثمن رقبتها» فراجع (ص 321).

فإن تحقق الشرطان فهل تكون كسائر أموال المفلّس تباع في حقّ الغرماء أم لا؟ ذهب العلّامة في القواعد و جماعة ممّن تأخر عنه إلى الجواز، و مقتضى عدم عدّ غيرهم هذه الصورة من المستثنيات عدم جواز بيعها.

(1) هذا إشارة إلى الشرط الأوّل.

(2) هذا إشارة إلى الشرط الثاني.

(3) أي: حين كون العلوق بعد الإفلاس و الحجر، و كونها زائدة على مستثنيات الدين.

(4) الموجود في القواعد- كما نبّه عليه المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه أيضا في الصورة التاسعة- هو اشتراط جواز بيعها بأن تكون آخر ما يباع من أموال المفلّس، رعاية لحق الاستيلاد مهما أمكن، قال العلّامة قدّس سرّه فيه: «و لا يمنع من وطء مستولدته. و في وطء غيرها من إمائه نظر، فإن أحبل فهي أمّ ولد. و لا يبطل حق الغرماء منها مع القصور، دونها».

(5) يعني: في المورد السابق من تدافع حق الرهن و حق الاستيلاد إذا تأخّر عن الرهن زمانا.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 145؛ اللمعة الدمشقية، ص 94؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 99، و ج 5، ص 241

(2) الحاكي عنهم صاحب المقابس في ص 84، و لاحظ: المهذب البارع، ج 4، ص 106؛ كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ غاية المرام (مخطوط)، ج 1، ص 280

ص: 458

و لا دليل على بطلانه (1) بالاستيلاد.

و هو (2) حسن مع وجود الدليل على تعلّق حقّ الغرماء بالأعيان. أمّا لو لم يثبت إلّا الحجر على المفلّس في التصرف و وجوب (3) بيع الحاكم أمواله في الدّين، فلا يؤثر (4) في دعوى اختصاصها بما هو قابل للبيع في نفسه، فتأمّل (5).

و تمام الكلام في باب الحجر إن شاء اللّه.

______________________________

(1) أي: على بطلان حق الديان بصيرورة الأمة أمّ ولد، لعدم إحراز أهمية حق الاستيلاد من حقّ الديّان، فلا مانع من استصحاب حقّهم الثابت قبل الاستيلاد.

(2) أي: و جواز البيع لحقّ الديان حسن مع وجود الدليل ... الخ.

ناقش المصنف قدّس سرّه- وفاقا لما في المقابس في جواز البيع هنا- بما حاصله: أنّ صغروية المورد لتعلق حقّين بامّ الولد مبنية على تعلق حق الغرماء بأعيان الأموال التي منها أمّ الولد، إذ تكون حينئذ موردا لحقّين: حقّ الغرماء و حقّ الاستيلاد، و يرجّح الأوّل للسبق مع فرض عدم إحراز أهمية حق الاستيلاد منه.

و أمّا بناء على عدم تعلق حق الدّيان بالأعيان بل بذمة المفلّس، و بيع الحاكم أمواله للصرف في ديونه، لم يكن المورد من تعلّق الحقين، بل تعلق حقّ واحد و هو الاستيلاد المقتضي لعدم جواز بيعها. و تعلّق حقّ الديان بذمة المفلّس لا يشرّع قابلية أمّ الولد للبيع، ضرورة أنّ الحجر يوجب بيع الأموال القابلة للبيع مع الغض عن حق الديان، و المفروض عدم قابلية أمّ الولد في نفسها للبيع، فلا يجوز بيعها.

و بالجملة: فلا يؤثر الحجر في جواز بيع ما ليس قابلا في نفسه للبيع.

(3) معطوف على «الحجر» أي: لم يثبت إلّا وجوب بيع الحاكم ... الخ.

(4) جواب الشرط في «أما لو لم يثبت» يعني: فلا يؤثر الحجر في دعوى اختصاص الأموال التي يبيعها الحاكم بالأموال القابلة للبيع في نفسها. و المراد بالتأثير تشريع القابلية للبيع فيما لا يقبل البيع بنفسه.

(5) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في جواز البيع قهرا على مولى أمّ الولد بين تعلق حق الديان بالأعيان، و بين تعلقه بالذمة، إذ جواز البيع القهري الثابت قبل الاستيلاد

ص: 459

و منها (1): ما إذا كان علوقها بعد جنايتها. و هذا في (2) الجناية التي لا تجوّز البيع لو كانت لا حقة، بل يلزم المولى الفداء. و أمّا لو قلنا (3) بأنّ الجناية اللّاحقة أيضا ترفع المنع لم يكن فائدة في فرض تقديمها.

______________________________

يستصحب، فلا ثمرة حينئذ بين القولين.

أو إشارة إلى: أنّ القابلية للبيع حين الحجر كافية في جواز البيع، و هي حاصلة، إذ المفروض تأخر الاستيلاد عن الحجر.

3- إذا حملت بعد الجناية على غير مولاها خطأ

(1) معطوف أيضا على قوله: «و من القسم الثالث» و هو ما إذا حملت من مولاها بعد ما جنت على أجنبي خطأ، و جواز البيع هنا مبني على ما حكاه صاحب المقابس عن موضع من المبسوط و التهذيب و المختلف- فيما لو جنت بعد الاستيلاد- من تعيّن الفداء على المولى، خلافا لما نسب إلى المشهور من التخيير بينه و بين تسليمها إلى المجنيّ عليه.

و أمّا بناء على المشهور من أن الجناية اللاحقة للاستيلاد- كالسابقة عليه- ترفع منع بيعها، فلا ثمرة في فرض سبق الجناية على الاستيلاد، لجواز بيعها على كلّ منهما.

و تعرّض صاحب المقابس لهذا المورد في الصورة العاشرة، و أحال التفصيل إلى الصورة الرابعة «1».

(2) أي: جواز البيع في الجناية السابقة على الاستيلاد إنّما هو لو قلنا بالتفصيل بين سبق الجناية و لحوقها، و أنه يتعين في اللاحقة الفداء على المولى، فيقال بجواز البيع في السابقة على الاستيلاد، فيحصل الفرق بين الجناية السابقة و اللاحقة.

(3) كما هو المشهور، فلا جدوى في فرض تقديم الجناية، لأنّ جنايتها مطلقا توجب التخيير بين الفداء و بين دفعها إلى المجني عليه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 85

ص: 460

و منها (1): ما إذا كان علوقها في زمان خيار بائعها، فإنّ المحكي عن الحلّي جواز استردادها (2)

______________________________

4- إذا بيعت الأمة فحملت من المشتري في مدة الخيار

(1) أي: و من القسم الثالث، و هو ما إذا كان العلوق في زمان خيار البائع، بأن كان مغبونا في بيعها، و استولدها المشتري، ثم علم البائع بالغبن، ففسخ العقد، فهل يجوز استردادها أخذا بأسبق الحقّين و هو حق الخيار، أم يتعيّن استرداد قيمتها، لمانعية الاستيلاد عن انتقالها من ملك سيّدها إلى ملك غيره؟

ذهب بعض إلى ثبوت حق الفسخ للبائع، و مقتضى إطلاقه- و عدم تقييده بأخذ القيمة من المشتري بدلا من العين- هو جواز استرداد الرقبة. و حكى صاحب المقابس قدّس سرّه هذا القول عن شيخ الطائفة و أبي المكارم و القاضي و الحلّي قدّس سرّهم.

و لكن المصنف قدّس سرّه لم ينسبه إلّا الحلّي. و وجهه- كما نبّه عليه في السرائر و المقابس- ذهاب الشيخ و من تبعه إلى توقف الملك في العقود الخيارية على انقضاء مدة الخيار، و لا يحصل الملك بنفس العقد، و من المعلوم أنّ استيلاد المشتري تصرف في ملك البائع الذي له الخيار، فاسترداد العين لا يتوقف على فسخ العقد ليعود المبيع إلى ملك البائع.

نعم، بناء على مسلك الحلّي من حصول الملك بنفس العقد- و كون المبيع في زمان خيار البائع ملكا للمشتري- يتجه البحث عن جواز استرداد العين.

و على القول بجواز الاسترداد فمقتضاه خروج أمّ الولد عن ملك سيّدها قهرا عليه.

(2) لم يرد في عبارة السرائر تصريح باسترداد العين، و إنّما نسب ذلك إلى ابن إدريس من جهة التزامه بالفسخ و نفي ما نقله عن الشيخ- من لزوم رد قيمة الولد و عشر قيمة الجارية إن كانت بكرا، و نصف العشر إن كانت ثيّبا- لوضوح أنّ إثبات حق الفسخ للبائع مع السكوت عن استرداد الجارية أو قيمتها، ظاهر في اقتضاء

ص: 461

مع كونها (1) ملكا للمشتري، و لعلّه (2) لاقتضاء الخيار ذلك، فلا يبطله الاستيلاد.

خلافا للعلّامة (3) و ولده «1»، و المحقق و الشهيد الثانيين «2»، و غيرهم «3»، فحكموا بأنّه إذا فسخ رجع بقيمة أمّ الولد. و لعلّه (4) لصيرورتها بمنزلة التالف.

______________________________

الفسخ عود الأمة إلى ملكه و إن صارت أمّ ولد للمشتري.

قال في السرائر: «و الذي يقتضيه اصول مذهبنا: أن المشتري لا يلزمه قيمة الولد، و لا عشر قيمة الجارية بحال، سواء فسخ البائع البيع أم لم يفسخ ...» «4».

(1) أي: كانت ملكا له قبل الاسترداد، و إلّا فالفسخ يحصل بكلّ من القول و الفعل كما هو واضح.

(2) أي: و لعلّ جواز إعادتها في ملك البائع لاقتضاء حق الخيار السابق على حق الاستيلاد، فلا يبطل السابق باللاحق.

(3) قال قدّس سرّه في القواعد: «ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك أو المختص بالبائع على إشكال. فإن فعل لم يحدّ، و الولد حرّ و لا قيمة عليه. فإن فسخ البائع رجع بقيمة الامّ خاصة، و تصير أمّ ولد» «5».

(4) أي: و لعلّ حكمهم بالرجوع إلى القيمة- لو فسخ البائع- لأجل أنّ الاستيلاد يجعل الجارية بمنزلة التالف، فكما أن تلف المبيع الخياري مانع عقلي عن ردّه إلى البائع لو فسخ البيع، و يتعيّن ردّ البدل إلى ذي الخيار، فكذا الاستيلاد الموجب لتشبثها بالحرية مانع شرعي عن ردها إلى البائع. و مقتضى الجمع بين حقّ الخيار و حقّ الجارية هو الانتقال إلى البدل، و هو هنا القيمة.

فإن قلت: الرجوع إلى القيمة مناف لما يقتضيه الفسخ، من جعل العقد السابق

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 489

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 313؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 206؛ الروضة البهية، ج 3، ص 465

(3) كابن فهد و الصيمري على ما في المقابس، ص 85

(4) السرائر، ج 2، ص 247 و 248

(5) قواعد الأحكام، ج 2، ص 71

ص: 462

و الفسخ (1) بنفسه لا يقتضي إلّا جعل العقد من زمان الفسخ (2) كأن لم يكن.

و أمّا وجوب ردّ العين فهو من أحكامه (3) لو لم يمتنع عقلا أو شرعا، و المانع الشرعي كالعقلي.

نعم (4)، لو قيل: إنّ الممنوع إنّما هو نقل المالك

______________________________

كالعدم، فكأنّه لم يحصل سبب لخروج المبيع عن ملك البائع، و لا لخروج الثمن عن ملك المشتري. و من المعلوم أنّ قيمة أمّ الولد لم يتعلق بها البيع كي يجب ردّها إلى البائع بدلا عن العين، بل اللازم ردّ ما يقتضيه الفسخ إليه، و هو نفس المبيع.

قلت: معنى الفسخ جعل العقد السابق بمنزلة العدم. و أمّا وجوب ردّ العين أو بدلها فهو من أحكام الفسخ، فإن لم يكن مانع عقلي أو شرعي عن ردّ العين وجب، و إلّا انتقل إلى البدل، و المفروض وجود المانع الشرعي و هو الاستيلاد.

(1) هذا دفع دخل مقدر، تقدم بقولنا: «فإن قلت ... قلت».

(2) بمعنى أنّ الفسخ- في أيّ زمان- يجعل العقد من حينه كالعدم.

(3) أي: من أحكام الفسخ و آثاره، لا من مقتضياته غير المنفكّة عنه حتى يتجه الإشكال.

(4) استدراك على قوله: «رجع بقيمة الولد» و غرضه قدّس سرّه توجيه رجوع أمّ الولد إلى ذي الخيار لو فسخ العقد، و ذلك لانتفاء المانع الشرعي، إذ الممنوع هو النقل الاختياري، و هو مفقود في المقام، إذ لا ينقلها المشتري إلى البائع اختيارا، بل هو يستردّها بحكم الشارع قهرا على المشتري. و من المعلوم اختصاص أدلة منع نقل أمّ الولد بموردين:

أحدهما: نقل المالك لها باختياره.

ثانيهما: نقلها عن ملك سيّدها في ديونه عدا دين رقبتها.

و المفروض في فسخ ذي الخيار انتفاء كلا الموردين، و عليه فلا منافي لحقّ البائع في استرداد العين.

ص: 463

أو النقل من قبله لديونه (1)، أمّا (2) الانتقال عنه بسبب- يقتضيه الدليل- خارج (3) عن اختياره، فلم يثبت (4)، فلا مانع (5) شرعا من استرداد عينها.

و الحاصل (6): أنّ منع الاستيلاد عن استرداد بائعها لها يحتاج إلى دليل مفقود.

اللّهم إلّا أن يدّعى (7): أنّ الاستيلاد حقّ لأمّ الولد مانع عن انتقالها عن

______________________________

(1) أي: غير ثمن رقبتها، و إلّا فيجوز بيعها فيه كما ورد في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في (ص 299).

(2) يعني: أمّا منع الانتقال عن المالك بسبب خارج عن اختيار السيد فغير ثابت، كما لو جنت على غير مولاها عمدا، حيث يجوز للمجني عليه أو وليّه الاسترقاق، كما سبق في مورد القسم الأوّل، فراجع (ص 389).

(3) هذا و «يقتضيه» و صفان ل «سبب».

(4) جواب «أما الانتقال» و الضمير المستتر راجع إلى الانتقال باعتبار مضافه المحذوف و هو المنع.

(5) جواب «لو قيل».

(6) هذا حاصل قوله: «نعم، لو قيل ... فلا مانع شرعا من استرداد عينها» يعني: أنّ حق ذي الخيار بفسخ العقد و استرداد أمّ الولد معلوم، و مانعية الاستيلاد عن استرداد العين- حتى يرجع إلى البدل- منوطة بدليل مفقود، إذ المفروض اختصاص دليل المنع بالنقل الاختياري، و عدم إطلاق له يشمل النقل القهري، كانتقال المبيع إلى البائع بسبب الفسخ.

(7) الغرض من هذه الدعوى ترجيح الانتقال إلى القيمة على حقّ الفسخ المقتضي لجواز استرداد العين، و محصلها: أنّ الاستيلاد يحدث حقّا للأمة، موجبا لسلب سلطنة المولى على التصرفات الناقلة لها عن ملكه، سواء أ كان الإخراج عن الملك لرعاية حق مالكيته، أم لرعاية حقّ غيره كالراهن إذا جعلت رهنا على دين

ص: 464

ملك المولى لحقّه أو لحقّ (1) غيره، إلّا أن يكون (2) للغير حقّ أقوى أو سابق يقتضي انتقالها مع الإمكان شرعا، و المفروض (3) أن تعلق حقّ أمّ الولد مانع شرعا كالعتق و البيع على القول بصحتهما (4) في زمان الخيار، فتأمّل (5).

______________________________

سوى ثمن رقبتها. و لا يرفع اليد عن هذه الكلّيّة إلّا في موردين:

أحدهما: ثبوت حقّ أقوى من حق الاستيلاد، فيقدّم على الاستيلاد بمناط الأهمية.

و ثانيهما: ثبوت حقّ سابق زمانا على حقّ الاستيلاد كحق الديان.

ففي هذين الموردين يقال بجواز نقلها عن ملك سيّدها.

و لكن لم يثبت شي ء منهما في المقام، بشهادة التزامهم بالانتقال إلى البدل فيما لو تصرف من عليه الخيار بعتق المملوك الذي اشتراه، أو بنقله إلى الغير بالعقد اللازم كالبيع- بناء على نفوذ التصرف المخرج عن الملك في مدة الخيار- فلو فسخ من له الخيار انتقل حقّه إلى البدل، و استردّ المثل أو القيمة.

(1) هذا و «لحقّه» متعلقان ب «انتقالها» و المقصود أنّ الممنوع هو انتقالها عن ملك المولى، أو لمصلحة غيره.

(2) استثناء من «مانع عن انتقالها» و إشارة إلى جواز نقلها في مورد أهمية الحق أو سبقه، لو أمكن النقل في نفسه.

(3) و مع وجود المانع الشرعي عن استرداد العين يتعيّن استرداد القيمة. كما إذا أعتق ذو الخيار المبيع أو نقله إلى غيره بالبيع أو الصلح.

(4) و أمّا على القول بعدم نفوذ هذه التصرفات ممّن عليه الخيار لم يكن العتق و البيع مثالا لوجود المانع الشرعي عن استرداد العين.

(5) لعله إشارة إلى: منع كون الاستيلاد مانعا عن انتقالها عن ملك سيّدها مطلقا و إن لم يكن باختياره، فإنّه أوّل الكلام، بل الظاهر من دليل المنع هو النقل الاختياري الراجع إلى مصلحة المولى، دون الانتقال القهري، كخروج المبيع عن ملك

ص: 465

و منها (1): ما إذا كان علوقها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها،

______________________________

المشتري بفسخ البائع. و عليه فلا مانع من استرداد أمّ الولد بالفسخ.

5- إذا اشترط أداء مال الضمان منها، ثم حملت

(1) معطوف أيضا على قوله: «و من القسم الثالث» و توضيحه: أنّ الضمان عندنا عقد يفيد نقل ذمة إلى ذمة اخرى، أي: نقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، كما إذا كان زيد مديونا لعمرو بكذا، فضمنه بكر. و يجوز في عقد الضمان اشتراط أداء الدين من مال معين، كما إذا شرط المضمون له على الضامن- أو شرط الضامن عليه- كون هذه الجارية المملوكة للضامن مال الضمان، ثم استولدها الضامن، فهل يجب بيعها لأداء الدين المضمون. و تقديم حق الضمان على حق الاستيلاد، أم لا يجوز بيعها رعاية لجانب الحرية؟

و مبنى المسألة هو: أنّ في شرط الأداء من مال خاص احتمالات ثلاثة:

الأوّل: أن الشرط يقتضي تعلق حق شرعي به، زيادة على اشتغال ذمة الضامن للمضمون له.

الثّاني: أنه يقتضي مجرّد التكليف بالوفاء بتفريح الذمة بالمال المعيّن، من دون المنع عن نفوذ التصرف فيه، فيكون التصرف حراما تكليفا و إن كان صحيحا وضعا.

الثالث: أنّ الشرط لا يقتضي حدوث وضع و لا تكليف، فلو تصرف الضامن في المال الخاص صحّ وضعا و جاز تكليفا، و لكنه أوجب انقلاب لزوم عقد الضمان إلى الجواز، فله الفسخ، و يلزم حينئذ رجوع المضمون له إلى المضمون عنه.

و القول بجواز بيع أمّ الولد التي اشترط كونها مال الضمان- رعاية لأسبق الحقّين- منوط بالالتزام بالاحتمال الأوّل، لتحقق حقّين حينئذ.

و أما على الثاني فالاستيلاد محرّم تكليفا، و من المعلوم أن ترتب حكم الاستيلاد- من منع نقلها عن ملك مولاها- غير مشروط بحلية المباشرة من هذه الجهة.

ص: 466

بناء (1) على ما استظهر (2) الاتفاق عليه من جواز اشتراط الأداء من مال معيّن، فيتعلّق به (3) حقّ المضمون له. و حيث فرض (4) سابقا على الاستيلاد فلا يزاحم به [1] على قول محكيّ في الروضة (5).

______________________________

و أما على الثالث، فمانعية الاستيلاد أوضح وجها.

(1) وجه التقييد: أنّه لو قيل بعدم صحة هذا الشرط في نفسه لم يتعلّق حقّ بالجارية حتى يتزاحم الحقّان.

(2) المستظهر صاحب المقابس، قال قدّس سرّه: «و قد اتفقوا على جواز اشتراط كون الضمان من مال معيّن من أموال الضامن، كما هو الظاهر، و يتعلق به حقّ المضمون له. و وقع الإشكال في أنّ تعلقه كتعلق الدين بالرهن، فلا يسقط الحق عن ذمة الضامن بتعلقه، أو كتعلق الأرش بالعبد الجاني حيث يسقط الحق بموته؟» انتهى موضع الحاجة «1».

(3) أي: بالمال المعيّن.

(4) أي: و حيث فرض كون الحق الناشئ من الشرط سابقا على حق الاستيلاد، لم يزاحم ذلك الحقّ السابق بحق الاستيلاد.

(5) قال في الروضة: «و تاسع عشرها: إذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد، ثم أولدها، فإنّ حقّ المضمون له أسبق من حق الاستيلاد كالرهن و الفلس السابقين» «2».

______________________________

[1] قد مرّ عدم العبرة بالسبق الزماني في باب التزاحم. نعم يحكم ببقاء حق المضمون له بامّ الولد للاستصحاب بعد عدم إحراز أهمية أحدهما، و الشك في ارتفاع حقّ المضمون له بالاستيلاد المتأخر عنه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 86

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 261

ص: 467

و منها (1):

______________________________

6- لو نذر المولى جعل أمته صدقة، ثم حملت

(1) معطوف أيضا على قوله: «و من القسم الثالث» و هذا المورد، مما أضافه صاحب المقابس على موارد الاستثناء كما صرح به في الصورة الرابعة عشر بقوله:

«و لم أجد من تعرّض لهذه الصورة، و كان ينبغي ذكرها كنظائرها» «1».

توضيحه: أنّ نذر الصدقة تارة يكون بنحو شرط النتيجة، و أخرى بنحو شرط الفعل، و هو إيجاد التصدق و الإتيان به. و كل منهما إمّا مطلق و إمّا مشروط.

فمثال شرط النتيجة أن يقول: «للّه عليّ أن تكون جاريتي صدقة على فلان أو على الفقراء»، و كذا لو علّقه على شرط بأن يقول بعده: «إن شفى اللّه المريض أو إن قدم زيد من الحج» و نحوهما.

و مثال شرط الفعل أن يقول: «أن أتصدق بها» بدل «صدقة» فينشئ النذر هكذا: «للّه عليّ أن أتصدق بجاريتي» إمّا مطلقا، و إمّا معلّقا على شرط.

و عدّ هذا المورد من تزاحم الحقّين مبني على خروج المال المنذور عن ملك الناذر، إمّا بمجرد النذر إن كان مطلقا، و إما بحصول الشرط إن كان مشروطا، كما استظهره صاحب المقابس قدّس سرّه من كلماتهم، فلو باشر السيد جاريته و استولدها بعد النذر- في المطلق- و بعد تحقق الشرط في المشروط، لم يكن من تزاحم الحقّين، لعدم كونها ملكا له حسب الفرض في وقت العلوق و الحمل.

إنّما الكلام فيما لو باشرها- في النذر المعلّق- قبل حصول المعلّق عليه، لبقائها على ملكه، فحقّ النذر يقتضي خروجها عن ملكه بعد تحقق الشرط، و حق الاستيلاد يقتضي بقاءها على ملك السيد لتنعتق بعد وفاته من نصيب ولدها. فهل يؤخذ بأسبق الحقين- أعني به النذر- و تنتقل إلى ملك المنذور له، أم بحق الاستيلاد، أم يحكم بأنّ

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 86

ص: 468

ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها (1) صدقة، إذا كان النذر مشروطا بشرط لم يحصل قبل (2) الوطء، ثم حصل بعده، بناء (3) على ما ذكروه من خروج المنذور كونها صدقة عن ملك الناذر بمجرّد النذر في المطلق، و بعد حصول الشرط في المعلّق، كما حكاه (4) صاحب المدارك عنهم في باب الزكاة.

______________________________

الاستيلاد بمنزلة إتلاف العين، فيتصدق بقيمتها؟ وجوه.

(1) مقصود المصنف بيان حكم نذر النتيجة، بقرينة قوله بعد أسطر: «و لو نذر التصدق بها» و لذا فالأولى- كما في المقابس- أن يقال: «بعد نذر كونها صدقة» لأنّ «جعلها صدقة» شرط الفعل لا النتيجة، مع أنّه فعلا بصدد بيان نذر النتيجة.

(2) إذ لو حصل الشرط قبل النذر خرج المنذور عن ملكه، كما ذكروه، فلا حكم للعلوق حينئذ.

(3) قيد لمحذوف علم من السياق، و هو تقديم حق النذر على حق الاستيلاد، يعني: أنّ كون هذا المورد من موارد تقديم حقّ على حقّ الاستيلاد منوط بحصول الملكية للمنذور له بعد تحقق الشرط. قال في المقابس: «و القول بذلك قوي عندي، و إن قلنا ببقائها في الملك- كما يظهر من جماعة من الأصحاب- فإذا أحبلها قبل التصدق، فالحكم كما سبق» «1» يعني تصير أمّ ولد.

(4) يعني: كما حكى صاحب المدارك قدّس سرّه عن الأصحاب خروج المنذور- كونها صدقة- عن ملك الناذر، حيث قال- بعد تعيّن النصاب للصدقة لو نذر الصدقة أثناء الحول- ما لفظه: «و أولى منه ما لو جعله- أي النصاب- صدقة بالنذر، لخروجه عن ملكه بمجرّد النذر فيما قطع به الأصحاب» «2».

و مقصوده نذر النتيجة، كما أنّ المراد بنذر الصدقة نذر الفعل.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 86

(2) مدارك الأحكام، ج 5، ص 31

ص: 469

و يحتمل (1) [1] كون استيلادها كإتلافها، فيحصل الحنث (2)، و يستقرّ القيمة جمعا بين حقّي أمّ الولد و المنذور له.

______________________________

(1) هذا الاحتمال في قبال ما تقدم من تقديم حق النذر على حق الاستيلاد، و حاصله: أنّه تقرّر في باب النذر حرمة تعجيز الناذر نفسه عن فعل المنذور، و إيجابه لحنث النذر، و استقرار الكفارة عليه. و ممّا يتحقق به العجز هو إتلاف المال المنذور صرفه في موضع، أو الصدقة به على شخص أو جهة. و يمكن إلحاق استيلاد الأمة بالإتلاف، لكونه مانعا عن إخراجها عن ملك المستولد، و عن التصدق بها.

و حينئذ يمكن الجمع بين حق المنذور له و بين حقّ أمّ الولد، بأن يقال: ببقاء أمّ الولد على ملك المولى، و وجوب دفع قيمتها إلى المنذور له. و حصول الحنث بامتناع ردّ العين لا يوجب عدم دفع القيمة إلى المنذور له.

(2) المقصود بالحنث ليس مخالفة النذر بالمرّة، بل مخالفته بالنسبة إلى التصدق برقبة الجارية، مع إمكان ردّ البدل.

______________________________

[1] لا وجه لهذا الاحتمال. أمّا في صورة إطلاق نذر النتيجة فلأنّ المفروض خروج الأمة المنذورة بمجرد النذر عن ملك الناذر، فلا حكم لاستيلادها بعد النذر، لعدم تحقق العلوق في ملكه مع كون مالكية المستولد للأمة التي يستولدها معتبرة في صيرورتها أمّ ولد. و أمّا في صورة اشتراط النذر فلسبق النذر زمانا على الاستيلاد، و المفروض اعتبار التقدم الزماني عندهم في ترجيح أحد المتزاحمين على الآخر.

و كون الاستيلاد كالإتلاف موجبا لحصول الحنث و استقرار القيمة جمعا بين حقّي أمّ الولد و المنذور له، منوط بتقديم حق الاستيلاد في العين على حق المنذور له، و هو خلف، لتقدم حق النذر عليه زمانا الموجب لترجيحه على حق أمّ الولد. فكون الاستيلاد كالإتلاف من الحنث المحرّم ممنوع.

ص: 470

و لو نذر التصدق بها (1)، فإن كان مطلقا، و قلنا بخروجها عن الملك بمجرد ذلك (2)- كما حكي عن بعض (3)- فلا حكم (4) للعلوق.

______________________________

(1) هذا شروع في حكم نذر الفعل، و هو أن يتصدق بالجارية، و قد فصّل- كما في المقابس أيضا- بين صور ثلاث:

الاولى: كون النذر مطلقا، مع القول بخروج المنذور التصدق به عن ملك الناذر بمجرد النذر.

الثانية: كون النذر مطلقا، مع بقاء المال على ملكه، و إنّما يجب الوفاء بالنذر تكليفا بتمليك المال للمنذور له.

الثالثة: كون النذر معلّقا على فعل اختياري أو غير اختياري، و المباشرة مع الأمة قبل حصول المعلّق عليه. و سيأتي حكم كلّ منها.

(2) أي: بمجرد النذر، و هذه هي الصورة الاولى، و حكمها عدم صيرورة الأمة أمّ ولد حينئذ، لعدم وقوع الوطء في ملكه، مع اعتبار ذلك فيها. و منه يظهر عدم جواز شي ء من التصرفات- التي منها الاستيلاد- فيها.

(3) لعلّ مراده بالبعض هو ابن إدريس و العلّامة على ما حكاه عنهما صاحب المقابس في نذر الإهداء و التصدق، بناء على كون المقصود نذر الفعل لا النتيجة، قال قدّس سرّه: «و في الأخيرين- و هما نذر الإهداء و التصدق- وجهان. و قد تقدّم عن العلّامة في نذر الإهداء أنّه يخرج عن الملك بمجرد النذر، مدّعيا أنه لا يعلم خلافا فيه، فراجع «1».

و قوّى في مسألتنا هذا، حيث قال: «و القول بذلك- أي بالخروج عن الملك بمجرد النذر- قوي عندي» «2».

(4) جواب الشرط في «و لو نذر».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 112

(2) المصدر، ص 87

ص: 471

و إن قلنا (1) بعدم خروجها عن ملكه، احتمل: تقديم (2) حقّ المنذور له في العين، و تقديم (3) حقّ الاستيلاد، و الجمع (4) بينهما بالقيمة.

و لو كان معلّقا (5)، فوطأها قبل حصول الشرط، صارت أمّ ولد، فإذا حصل الشرط وجب التصدّق بها، لتقدم سببه (6).

______________________________

(1) معطوف على «و قلنا» يعني: و إن كان نذر التصدق مطلقا، و قلنا ببقاء المنذور على الملك قبل إنشاء الصدقة به فأحبلها المالك، ففيه احتمالات ثلاث.

(2) هذا هو الاحتمال الأوّل، و محصله: تقديم حق المنذور له، بناء على مرجحية السبق الزماني في باب التزاحم. و قد مرّ ضعفه.

(3) هذا هو الاحتمال الثاني: و محصله: تقديم حق الاستيلاد، إذ المفروض كون الوطء في ملكه. و وجوب الوفاء بالنذر لا يوجب إلّا الحرمة التكليفية، فالوطء حرام، لكن لا يشترط حلية الوطء تكليفا في صيرورتها أمّ ولد، بل المعتبر فيها هي الملكية للمستولد، و المفروض حصولها في المقام.

(4) هذا هو الاحتمال الثالث، و محصله: الجمع بين الحقين، بإبقاء رقبتها في ملكه رعاية لحق الاستيلاد، و التصدق بقيمتها رعاية للنذر.

(5) معطوف على قوله: «فإن كان مطلقا» يعني: إن كان العلوق بعد حصول الشرط، فحكمه حكم النذر المطلق. و إن كان قبل حصول الشرط صارت أمّ ولد.

فلو حصل الشرط احتمل فيه وجوه ثلاثة:

الأوّل: كونه مندرجا في تقديم أسبق الحقين المتزاحمين، و حيث إن سبب وجوب التصدق- و هو النذر- مقدّم على سبب الاستيلاد- و هو العلوق في الملك- تعيّن التصدق بها.

(6) أي: سبب وجوب التصدق، و هذا مبني على مرجحية التقدم الزماني في باب التزاحم. لكنه غير ثابت.

ص: 472

و يحتمل (1) انحلال النذر، لصيرورة التصدق مرجوحا بالاستيلاد، مع

______________________________

(1) معطوف على «وجب التصدق» و هذا الاحتمال متضمن لنحوين:

الأوّل: انحلال النذر بالنسبة إلى أمّ الولد، و وجهه اعتبار رجحان المتعلّق- أعني به التصدق- حين الوفاء بالنذر، و المفروض مرجوحيته بالاستيلاد، فينحلّ النذر، و يتعيّن ترتيب آثار الاستيلاد عليها. و لكن يجب دفع القيمة إلى المنذور له جمعا بين الحقّين.

الثاني: انحلال النذر مطلقا سواء بالنسبة إلى العين و إلى القيمة، فلا يلزم دفع قيمتها إلى المنذور له. نظير تلف المال المنذور الصدقة أو التصدق، الموجب للانحلال.

و بالجملة: فملخص بحث النذر: أنّه إمّا نذر نتيجة، و إمّا نذر فعل، و كلاهما إمّا مطلق و إمّا مشروط بشرط.

فالأوّل: إن كان مطلقا، خرج المنذور بمجرد النذر عن ملك الناذر، فلا يجوز له شي ء من التصرفات لا تكليفا و لا وضعا. فلو استولدها الناذر لم تصر بذلك أمّ ولد.

و إن كان معلّقا، فإن استولدها بعد حصول الشرط فكالمطلق. و إن استولدها قبل حصوله، فيحتمل انحلال النذر، و يحتمل تقدم حق النذر، و كون الاستيلاد كالإتلاف موجبا للانتقال إلى القيمة. و لتحقيق المسألة مقام آخر.

و الثاني- و هو نذر الفعل- فإن كان مطلقا، و قلنا بخروج المنذور عن ملك الناذر بمجرد النذر، فكنذر النتيجة المطلق في عدم جواز تصرف الناذر فيه تكليفا و وضعا. فلو استولدها لم يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على أمّ الولد.

و إن لم نقل بخروجه عن ملك الناذر بمجرد النذر، بل قلنا بخروجه عنه بتسليم المنذور إلى المنذور له كما هو الحق- لعدم تعلق النذر بالنتيجة بل بالفعل أعني به التصدق- ففي تقديم حق الاستيلاد و انحلال النذر و صيرورته كأن لم يكن، أو الانتقال إلى القيمة، لكون الاستيلاد كالإتلاف، و عدم كونه موجبا للانحلال، أو تقديم حق النذر و وجوب تسليم العين لا بدلها إلى المنذور له، أو الجمع بينهما بدفع

ص: 473

الرجوع إلى القيمة (1) أو بدونه (2). و تمام الكلام يحتاج إلى بسط (3) لا يسعه الوقت.

[المورد السابع إذا كان حملها من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته]

و منها (4): ما إذا كان علوقها

______________________________

القيمة إلى المنذور له، وجوه، بل أقوال. و تنقيح المسألة منوط ببسط في البحث، و لا مجال له فعلا، لضيق الوقت، هذا.

(1) هذا إشارة إلى أوّل وجهي الاحتمال، فهو الوجه الثاني في المسألة.

(2) أي: بدون الرجوع، و هذا إشارة إلى ثاني وجهي الاحتمال، و هو ثالث الوجوه في المسألة.

(3) و قد بسط المحقق الشوشتري قدّس سرّه الكلام في الصورة الرابعة عشر كما تعرض لجملة من أحكام نذر التصدق في سادس أسباب خروج المال عن الملك الطلق، و هو تعلق حق النذر به، فراجع.

7- إذا حملت من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته

(4) معطوف على قوله: «و من القسم الثالث» و هذا آخر موارده، و هو: ما إذا كانت الأمة ملكا لعبد، كاتب مولاه كتابة مشروطة- أي يتوقف تحرّره على أداء تمام مال الكتابة، و لا ينعتق منه شي ء بنسبة النجوم- ثم عجز عن أداء مال الكتابة، ففسخت، و قد حملت أمته منه قبل حلّ عقد الكتابة. فحكى الشهيد الثاني قدّس سرّه عن بعض الأصحاب أنه يجوز لمولى العبد بيع هذه الأمة المستولدة. و تعرّض صاحب المقابس لتفصيل الكلام في الصورة الخامسة عشر، فراجع «1».

و لمّا كان الكلام في موارد القسم الثالث أعني به جواز بيع أمّ الولد لسبق حقّ على الاستيلاد، و كان الاستثناء مخرجا عن الحكم مع بقاء الموضوع و هو صدق أمّ الولد، و كان صغروية علوقها من المكاتب للقسم الثالث غير خالية عن الخفاء، فلا بأس بتوضيح صغرويته له، فنقول و به نستعين، و بوليّه الإمام المهدي المنتظر صلّى اللّه عليه و على آبائه الطاهرين- ما طلعت الشمس و أضاء القمر- نستجير:

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 87

ص: 474

..........

______________________________

إنّه يشترط في صدق أمّ الولد في هذا المثال امور:

الأوّل: أن يكون المكاتب مالكا للأمة بناء على مالكية العبد مطلقا أو خصوص المكاتب، إذ لو لم يكن مالكا لها لم تصر الأمة بوطيه لها أمّ ولد، لما تقدم في أوّل المسألة من اعتبار مالكية المستولد للأمة في تحقق عنوان «أمّ الولد».

الثاني: اعتبار حرية ولد الأمة تبعا لحرّية أبيه، إذ من أحكام أمّ الولد حرية ولدها و عدم جواز بيعها، و من المعلوم نشو حرية الولد عن حرّية أبيه، و المفروض أنّ المكاتب ليس حرّا فعليا حتى يتبعه الولد في الحرية، بل اقتضائيا، فلا بد في إجراء حكم أمّ الولد من الالتزام بكون الحرّية الاقتضائية كالفعلية في إيجابها حرّية الولد، فالكتابة توجد حالة في المكاتب متوسطة بين الحرية و الرقية.

فلو توقف صدق عنوان «أمّ الولد» بالنسبة إلى المكاتب على حريته المنوطة بأداء مال الكتابة لم تصر أمّ ولد له، إذ المفروض عوده إلى الرقية المحضة بسبب فسخ المكاتبة، فلا وجه لجعله من موارد جواز بيع أمّ الولد، لخروجها عن «أمّ ولد» موضوعا.

و قد أشار المصنف قدّس سرّه إلى هذا الشرط بقوله: «بناء على ان مستولدته أمّ ولد بالفعل الخ».

الثالث: أن لا يختص المنع عن البيع بالمستولد، إذ على الاختصاص لا يكون جواز بيع المولى خارجا و مستثنى عن المنع، لعدم شمول دليل المنع له حتى يخرج عنه، فلا بدّ من تعميم دليل المنع للمستولد و غيره حتى يصح استثناء المولى عنه.

الرابع: اعتبار كون المستولدة ملكا للمولى، إذ على فرض خروجها عن ملكه لا يكون عدم جواز بيعها لحق الاستيلاد، بل لعدم الملك. فالاستثناء موقوف على كون المولى مالكا للأمة المستولدة.

و إلى هذا الشرط أشار المصنف بقوله: «ثم فسخت كتابته» إذ الفسخ يوجب

ص: 475

من مكاتب مشروط (1)، ثم فسخت كتابته، فللمولى أن يبيعها- على ما حكاه في الروضة عن بعض الأصحاب- بناء (2) على أنّ مستولدته أمّ ولد بالفعل غير معلّق على عتقه (3)، فلا يجوز له (4) بيع ولدها.

______________________________

عود كل من المستولد و المستولدة إلى الرقية المحضة للمولى، فيجوز بيعها حينئذ، لسبق حقه المتعلق بالأمة، لكونه مالكا لها قبل الاستيلاد. فهذا الحق لتقدمه على حق الاستيلاد يجوّز بيعها. هذا توضيح صغروية هذا المثال للقسم الثالث.

إلّا أنّ صيرورة المستولدة قبل عتق المستولد أمّ ولد محلّ إشكال كما لا يخفى على من راجع الكتب المبسوطة.

(1) التقييد بالمشروط لأجل تحرّر المكاتب المطلق بنسبة ما يؤديه إلى المولى.

نعم لو لم يؤدّ شيئا من المال كان كالمشروط، كما في المقابس.

(2) هذا التقييد لإفادة موضوع جواز البيع- أعني كون الأمة أمّ ولد- إذ فيه قولان للعلّامة، على ما حكاه عنه في المقابس.

أحدهما: ما في القواعد، و هو كون الأمة أمّ ولد بالفعل بالنسبة إلى المكاتب، فلا يصح له بيعها ما دام ولدها موجودا، لكون المكاتب مالكا ظاهرا للأمة، و يجري على ولده حكم الحرّية في عدم جواز البيع، و لذا لو أدّى مال الكتابة حكم بكونها أمّ ولد من أوّل الأمر. مع أنّ الملك لو كان حاصلا بأداء تمام مال الكتابة لم يجد في صيرورة الأمة المستولدة أمّ ولد، لوضوح اعتبار الملكية حين العلوق.

ثانيهما: ما في التحرير، و هو عدم ثبوت حكم الاستيلاد للأمة إلّا بعد انعتاق المكاتب بأداء جميع المال، و وجهه- كما في المقابس أيضا- أنّ حرية الولد متوقفة على حرية المكاتب، و أمّ ولدية الامّ متوقفة على حريتهما جميعا، فما دام الأب رقا- لعدم أداء تمام المال- لا تصير أمته أمّ ولد، و لا يصير ولده حرّا، فلا موضوع للاستيلاد أصلا.

(3) أي: على عتق المكاتب المشروط بأداء مال الكتابة.

(4) أي: لا يجوز للمولى بيع الولد، للحكم بحريته من جهة كون علوقه في حال

ص: 476

[القسم الرابع و هو ما كان إبقاؤها في ملك المولى غير معرّض لها]

و القسم الرابع (1) و هو ما كان إبقاؤها في ملك المولى غير معرّض لها

______________________________

كتابة أبيه.

القسم الرابع: عدم كون إبقائها في ملك المولى معرّضا لعتقها

(1) معطوف على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» و كان مقتضى السياق أن يقال: «و من القسم الرابع ...» أو «و أمّا القسم الرابع» ليكون قرينا لقوله: «و أما القسم الثاني».

كما أن الأولى حذف الواو، ليكون قوله: «هو ما كان ...» خبرا للقسم الرابع.

و كيف كان فالمقصود بالقسم الرابع هو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل، لكون المناط في منع بيعها انعتاقها على ولدها، و من المعلوم توقف الانعتاق على أن يرث الولد أباه، فإذا حرم من الإرث لم يؤثر بقاؤها- في ملكه- في حريّتها، فجاز بيعها.

و الحرمان من الإرث إمّا لعدم ثبوت المقتضي للإرث، و هو النسب الشرعي.

و إمّا لوجود المانع منه.

و الأوّل- أي: عدم ثبوت النسب- إمّا أن يكون من طرف الأب، و إمّا من طرف الامّ، و في كلّ منهما فقد يكون واقعيا كالفجور طوعا أو إكراها عليه، و قد يكون ظاهريا بمقتضى الإقرار، كما سيأتي توضيح الكلّ.

و الثاني- و هو وجود المانع عن الإرث- لا فرق فيه بين كونه القتل، بأن قتل الولد أباه، أو الارتداد، أو الرّقّية.

و أجمل المصنف قدّس سرّه الكلام في هذا القسم، و فصّله صاحب المقابس قدّس سرّه في صور ست، و هي الصورة التاسعة عشر، إلى الرابعة و العشرين، و أشار إلى من استثنى جميعها أو بعضها من عموم منع بيع أمّ الولد. فراجع «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 89- 90

ص: 477

للعتق، لعدم توريث الولد من أبيه لأحد موانع الإرث، أو لعدم ثبوت النسب (1) من طرف الأمّ واقعا، لفجور (2)، أو ظاهرا (3) باعتراف.

______________________________

(1) هذا ناظر إلى انتفاء المقتضي للإرث، في قبال ما تقدم من وجود المانع عنه.

(2) أمّا الفجور من طرف الامّ، فكما إذا تشبّهت أمته المزوّجة أو المحلّلة للغير بأمته التي لم يزوّجها و لم يحلّلها للغير، و لم يعلم المولى به، فوطأها، فإنّ الولد لا يلحق شرعا بامّه و إن لحق بأبيه، لكونه من وطء شبهة.

و أمّا الفجور من طرف الأب، فكما إذا تشبّه مولاها بزوجها أو بمن جاز له وطؤها بالتحليل، و لم يعلم بها الأمة، فوطأها. فإنّه بناء على اعتبار ملكية البضع في صيرورة الأمة أمّ ولد لا يجري على الأمة التي استولدها المولى فجورا- منه أو من نفس الأمة- حكم أمّ الولد، فإنّ الولد لا يلحق بالزاني أو الزانية.

و كيف كان ففي جعل هذا المورد من المستثنيات بناء على اعتبار ملكية البضع- مضافة إلى اعتبار ملكية الرقبة- منع، إذ المفروض عدم صيرورتها أمّ ولد حتى تخرج عن حكمها.

(3) معطوف على «واقعا» إي: عدم ثبوت النسب في مرحلة الظاهر، بأن اعترف المولى بأنّ أمته المزوّجة تشبّهت بأمته غير المزوجة، أو اعترف بأنّه تشبّه بزوج أمته.

و يمكن فرض المورد فيما إذا لم يكن الواطئ مالكا للأمة حين الوطء، كما إذا أكرهته على الزنا ثم ملكها، فإنّه يصدق بعد تملكه لها «أنّها أمّ ولد حرّ» و إن لم يكن الولد ملحقا بالامّ. هذا في فجور الامّ.

و أمّا فجوز الأب، فكما إذا أكرهها على الزنا ثم اشتراها، فإنّ أمّ الولد تصدق عليها بناء على ما عن الشيخ قدّس سرّه من كفاية علوقها بولد حرّ لمولاها في صدق أمّ الولد.

و كيف كان، فإن كان الفجور من طرف الأب لم يلحق به الولد ليرث منه امّه

ص: 478

ثم إنّا لم نذكر في كل مورد من موارد الاستثناء إلّا قليلا من كثير ما يتحمّله من الكلام، فيطلب تفصيل كلّ واحد من مقامه (1).

______________________________

لتنعتق عليه. و إن كان الفجور من طرف الامّ، فالولد و إن كان ملحقا بالأب و يرث أمواله التي منها الامّ، لكنّها لا تنعتق عليه، لعدم كونها امّه شرعا.

فإبقاء أمّ الولد و عدم بيعها خال عن الحكمة- و هي انعتاقها من نصيب ولدها- مطلقا، إذ مع فجور الأب لا يلحق الولد به حتى يرث منه أمّه لتنعتق عليه.

و مع فجور الامّ يلحق الولد بالأب و يرث منه، لكن لا تنعتق عليه، لعدم الامومة شرعا.

لكن المنع عن الإرث الذي يترتب عليه الانعتاق مختص بصورة فجوز الأب الموجب لانتفاء الولد عنه.

و من هنا يظهر أنّ فجور الأمة لا دخل له في المقام، لأنّ المناط في عدم لحوق الولد بالأب- حتى يرثه و ينعتق من نصيبه امّه- هو فجور الأب، لأنّه النافي للإرث و أمّا فجوز الامّ فلا يوجب انتفاء الإرث عن الأب، فتدبّر في عبارة المتن.

(1) كالمقابس فقد استقصى جهات البحث في كثير من مواضع الاستثناء، جزاه اللّه عن الإسلام و أهله خير الجزاء.

هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه في القسم الرابع من مواضع الاستثناء من عموم بيع أم الولد، و به تم الكلام في ثاني موانع كون الملك طلقا، و سيأتي الكلام في المانع الثالث و هو كون المال مرهونا إن شاء اللّه تعالى.

ص: 479

[مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا]

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا: كونه مرهونا (1) [1]

______________________________

بيع الرّهن

(1) هذا ثالث موجبات منع المالك عن التصرف في ملكه، و هو كونه رهنا لازما من قبل الراهن، بأن أقبضه من المرتهن، و تعلّق به حق الرهانة، فينتزع منه «عدم الطّلق» على ما تقدّم قبيل بيع الوقف من معنى «طلقية الملك» و أن المانع تعلق حقّ الغير بالمال. و عليه فالرهن يوجب عدم استقلال المالك في بيعه، فإن أذن له المرتهن في البيع صحّ، و إلّا لم ينفذ فعلا.

و المصنف قدّس سرّه بعد الإشارة إلى تسلّم عدم استقلال الراهن في التصرف، تعرّض لجهات:

الاولى: في ما يراد بمنع الراهن عن البيع، هل هو فساده من أصله، و عدم صحته التأهلية حتى يجديه إجازة المرتهن المتأخرة؟ أو أنه يكون كالبيع الفضولي موقوفا على الإجازة، بناء على صحته كما عليه المشهور.

الثانية: في أنّ إجازة المرتهن هل تكون كإجازة البيع الفضولي دائرة بين الكشف و النقل؟ أم أنها في المقام متمحضة في النقل.

______________________________

[1] إن اريد به قصور سلطنة الراهن المالك للمرهونة عن بيعها بأن يبطل تصرفه راسا، أو يكون موقوفا على إجازة المرتهن، ففيه: أنّ مقتضى العمومات صحة

ص: 480

..........

______________________________

الثالثة: في أن إسقاط حق الرهانة أو فك الرهن بأداء الدين هل يقوم مقام الإجازة، أم أن صحة بيع الراهن موقوفة على خصوص الإجازة؟ و سيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

البيع و لزومه من ناحية البائع، و عدم صلاحية الرهن للمنع عن ذلك، إذ صلاحيته له منوطة بمنافاته للبيع، و من الواضح عدمها، ضرورة قيام حق المرتهن بالعين أينما كانت، فيمكن بقاء الحق مع عدم كون الراهن مالكا لها.

و يشهد له جواز رهن ملك الغير بإذنه، و عدم اعتبار كون المرهونة ملكا للراهن في صحة الرهن، فحال الاستدامة كالابتداء.

نعم، إن كان المشتري جاهلا بتعلق حق الرهن بالمبيع جاز له الفسخ. فالبيع لازم من ناحية البائع، و جائز من طرف المشتري. كما أنّه يجوز للمرتهن استيفاء دينه من المرهونة على الوجه المقرّر أين ما وجدها. و ليس للمشتري منعه عن ذلك.

هذا ما تقتضيه القواعد.

و أمّا بحسب الأدلة الخاصة، فقد ادّعي الإجماع على عدم استقلال المالك في التصرف في العين المرهونة ببيعها.

و يمكن المناقشة فيه: بأنّه إجماع مدركي، لقوة احتمال استناد المجمعين إلى ما ادّعي من دلالة الأخبار على ذلك. فالعبرة حينئذ بالمدرك، لا الإجماع. فنقول:

إنّ النبوي المشهور- كما عن بعض- و المعتمد عليه- كما عن آخر- «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف» يدلّ بإطلاقه على المنع عن التصرف في المرهونة سواء أ كان خارجيا أم اعتباريا. و منع دلالته على التصرف الاعتباري ممنوع.

لكن الكلام حينئذ فيما يقتضيه هذا المنع، و أنّه التصرف مطلقا أو خصوص الاستقلالي منه؟ مقتضى القاعدة الثاني، لأنّ بطلان التصرف صحّة و لزوما تخصيص زائد في العمومات، فيقتصر على القدر المتيقن، و هو نفي الاستقلال، و وقوف لزومه

ص: 481

فإنّ (1) الظاهر

______________________________

(1) تعليل لكون الرهن سببا لخروج الملك عن الطّلقية، و حاصله: اتّفاق الكلّ

______________________________

على إمضاء المرتهن.

و إن شئت فقل: إنّه يشكّ في أصل الانتقال، لاحتمال بطلان بيع الراهن رأسا، أو في لزوم الانتقال مع تحقق أصل.

أو يقال: إنّه يشك في خروج فرد، أو خروج استمرار حكمه أعني اللزوم، فيقدم الثاني.

و يؤيّده- بل يدلّ عليه- عطف «المرتهن» على «الراهن» في النبوي المزبور، إذ لا إشكال في كون تصرف المرتهن موقوفا على إذن الراهن.

و عليه فلا مجال للترديد في تصرف الراهن بين بطلانه رأسا، و بين وقوفه على إجازة المرتهن، إذ يكون المنع في هذا النبوي المعتمد عليه- كما عن جماعة- قرينة على النهي الوارد في غيره، فلا يدلّ على الفساد، بل على وقوفه على الإجازة.

و من هنا يظهر ضعف ما في المقابس من الميل إلى بطلان بيع الراهن رأسا «للإجماع على المنع من التصرف، و لما حكاه الشيخ من ورود الأخبار في ذلك.

و للنبوي المتقدم، فإنّ إطلاق النهي يدلّ على الفساد، كدلالته عليه في أمّ الولد، و الوقف و غيرهما مما يكون النهى فيه لجهة راجعة إلى الغير. و بهذا يمتاز المقام عن الفضولي» «1».

و ذلك لما في الأوّل: من عدم الإجماع التعبدى كما عرفت، مع وجود المخالف.

و في الثاني: من عدم ظهور النهي في الفساد. و على تقديره فالنبوي قرينة على صرفه إلى نفي الاستقلال. و قياسه على الوقف و نحوه موقوف على دلالة النهي على الفساد، و هو ممنوع كما عرفت آنفا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 108

ص: 482

- بل (1) المقطوع به- الاتّفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون.

و حكي (2) عن الخلاف: إجماع الفرقة و أخبارهم على ذلك «1»، و قد حكي الإجماع عن غيره (3) أيضا.

______________________________

على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون، سواء قيل بالبطلان رأسا أم بالوقوف على الإجازة.

(1) الوجه في الإتيان ب «بل» هو: أنّ نسبة عدم الاستقلال إلى كافة الفقهاء إن كان لأجل الاعتماد على الإجماع المدعى في الخلاف، جاء احتمال عدم تحقق اتفاق الكلّ. و إن كان لأجل تضافر نقل الإجماع، و إمكان تحصيله بملاحظة كلماتهم، كان ذلك مقطوعا به، فإنّها كما في الجواهر «بين صريحة في الإجماع، و بين ظاهرة فيه، و بين مشعرة به، و معه لا بأس بدعوى تحصيل الإجماع» «2».

(2) غرضه الاستشهاد على ما ادّعاه- من الاتّفاق- بكلام شيخ الطائفة قدّس سرّه، المتضمن لأمرين، أحدهما: إجماع الفرقة، و ثانيهما: الأخبار الدالة على عدم استقلال المالك في بيع ماله المرهون.

و لكنه قدّس سرّه لم يشر في الخلاف إليها، كما لم يذكرها في كتابي الأخبار، و لعلّ مراده قدّس سرّه- كما قيل- الأخبار الواردة في منع التصرف في المال المتعلّق لبعض الحقوق.

(3) أي: عن غير الخلاف. و الظاهر إرادة تكرّر دعوى الإجماع على منع مطلق التصرف، لا خصوص عدم جواز بيع المرهونة، فالشيخ قدّس سرّه في المبسوط ادّعى الإجماع على منع أنحاء التصرف، فقال: «و أما استخدام العبد المرهون، و ركوب الدابة المرهونة، و زراعة الأرض المرهونة، و سكنى الدار المرهونة، فإنّ ذلك كله غير جائز عندنا، و يجوز عند المخالفين» «3».

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 253، كتاب الرهن، ذيل المسألة: 59، حكى مضمونه في المقابس، كتاب البيع، ص 105

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 195

(3) المبسوط، ج 2، ص 206

ص: 483

و عن المختلف (1)- في باب تزويج الأمة المرهونة- أنّه أرسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنّ الراهن و المرتهن ممنوعان من التّصرّف».

______________________________

و في السرائر: «لأنّا قد أجمعنا بغير خلاف على أن الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» «1».

و حكى السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه الإجماع على عموم المنع عن السيد أبي المكارم و العلّامة في المختلف و التذكرة، و عن المفاتيح و الرياض، فراجع «2».

(1) هذا إشارة إلى وجه آخر استدل به على عدم استقلال المالك في التصرف في العين المرهونة، و حاصله: أنّ العلّامة قدّس سرّه تمسّك بالنبوي المرسل- الظاهر في حجر الراهن و المرتهن عن التصرف في الرهن- على عدم جواز بعض التصرفات، كتزويج الأمة المرهونة. فإنّه- بعد نقل فتوى الشيخ في الخلاف و المبسوط- قال: «و هو- أي عدم جواز التزويج- المعتمد، لنا: قوله عليه السّلام: الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن. و التزويج نوع تصرّف» ثم قال: «و لو قيل: له العقد دون التسليم و التمكين من الوطء، كان وجها» «3»، فراجع.

ثم إنّ التصرف الممنوع- كما صرّح به في بعض العبائر- أعم من المزيل للملك كالبيع و الهبة، و من المنافي لحق المرتهن، كما إذا رهنها المالك عند شخص آخر، و من المعرّض للنقص، كوطء الجارية أو تزويجها، أو إيجار العين الموجب لقلّة الرغبة في شرائها مسلوبة المنفعة، إن كان الدين حالا، أو مؤجلا و لكنه يحلّ قبل انقضاء مدة الإجارة.

و أما التصرف بما يعود به النفع إلى المرتهن- كمداواة المريض- و رعي

______________________________

(1) السرائر، ج 2، ص 425

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 265، و ج 5، ص 115

(3) مختلف الشيعة، ج 5، ص 421، و روى النبوي في المستدرك، ج 13، ص 426، الباب 17 من أبواب الرهن، الحديث: 6، عن درر اللئالي لابن أبي جمهور

ص: 484

و إنّما الكلام (1) في أنّ بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله؟ أو يقع موقوفا على الإجازة (2)،

______________________________

الحيوان و تأبير النخل، و سقي الأشجار، و تجفيف الثمار و نحوها- فلا يمنع الراهن منه «1».

(1) يعني: لا كلام في عدم الاستقلال، و إنّما الكلام في أنّ أثر عدم الاستقلال هل هو البطلان رأسا أم التوقف على الإجازة؟

و هذا شروع في الجهة الاولى، و أشار إلى إختلاف كلماتهم، كما سيأتي التنبيه عليه.

(2) الظاهر أنه إشارة إلى إختلاف القائلين بعدم بطلان بيع الراهن من أصله- و كونه موقوفا- في كون الموقوف عليه هو إجازة المرتهن خاصة، أو هو افتكاك الرهن خاصة، أو أحدهما على التخيير، كما ذكر ذلك كلّه في المقابس، فقال: «و ذهب آخرون إلى أنها لا تبطل من الأصل، و هؤلاء بين قائل بأنّها تقف على إجازة المرتهن، فإن أجاز صحّت و لزمت، و إلّا بطلت، و قائل بأنّها تلزم من طرف الراهن من حين وقوعها، فمتى ارتفع المانع بأن يجيز المرتهن أو ينفك الرّهن نفذت. و قائل بأنّها تلزم بالإجازة أو الانفكاك، و لم يتعرض لغير ذلك. و متردّد في لزومها بالانفكاك» ثمّ نقل عبائر أرباب الأقوال المزبورة، فراجع «2».

و لم يتعرّض في عبارته لما إذا أسقط المرتهن حقّ الرهانة، و إنّما أضافه المصنف قدّس سرّه استقصاء للاحتمالات، من جهة كونه من الحقوق القابلة للإسقاط. و ربّما يستفاد من بعض توقف عقد الراهن على إسقاط المرتهن حقّه، و عدم العبرة بإجازته، لعدم كونه مالكا، كما نقله صاحب الجواهر قدّس سرّه و ناقش فيه، فراجع «3».

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 125؛ مفتاح الكرامة، ج 5، ص 116 و 197

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 106

(3) جواهر الكلام، ج 25، ص 200

ص: 485

أو سقوط (1) حقه بإسقاطه أو بالفكّ.

فظاهر عبائر جماعة من القدماء (2) و غيرهم (3) الأوّل، إلّا أنّ صريح الشيخ في النهاية (4) و ابن حمزة في الوسيلة (5)

______________________________

(1) فالسقوط عدل للإجازة، و يتحقق تارة بإسقاط المرتهن حقه، و اخرى بفكّ الرهن.

(2) كالشيخ المفيد، و شيخ الطائفة في الخلاف و المبسوط، و سلّار، و القاضي في المهذّب، و ابن إدريس قدّس سرّهم، و قد نقل صاحب المقابس عبائرهم، فراجع «1».

ففي المقنعة: «فإذا رهن الإنسان شيئا و قبضه المرتهن منه، لم يكن للراهن و المرتهن أن يتصرّفا فيه ... ثم قال: فإن باع الراهن العقار كان بيعه مفسوخا، و إن أستأنف إجارته كانت باطلة» «2».

(3) يعني: جماعة من المتأخرين، و لم أظفر بمن حكم بفساد بيع الراهن بدون إذن المرتهن، إلّا ما يظهر من الدروس، و لم أجد نسبة القول إليهم في مفتاح الكرامة و المقابس «3».

نعم، حكم المحقق قدّس سرّه في البيع بمنع بيع الرهن بدون الإذن «4»، و إطلاقه ينفي صحته لو لحقه الإجازة. و لكنه صرّح في كتاب الرهن بوقوف بيع الراهن على الإجازة «5»، و هو أعلم بما قال.

(4) لكون الشيخ قدّس سرّه قائلا- في كتاب النهاية- بجواز العقد الفضولي، و يتفرع عليه صحة بيع الراهن موقوفا على الإجازة.

(5) نسب كلا القولين إلى ابن حمزة، فقال السيد العاملي قدّس سرّه: «و ممّا وافق

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 105 و 106

(2) المقنعة، ص 622

(3) لاحظ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 264 و ج 5، ص 116

(4) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17

(5) المصدر، ص 82

ص: 486

و جمهور المتأخرين (1)- عدا شاذّ منهم (2)-

______________________________

النهاية- في توقفه على إذن المرتهن و إجازته- الوسيلة و غيرها ممّا تأخر عنها، و هو كثير» «1».

و عدّ صاحب المقابس ابن حمزة من أصحاب القول الأوّل مستظهرا ذلك من قوله: «فإن أذن المرتهن له في التصرف صح» «2».

و على كلّ فدعوى المصنف قدّس سرّه صراحة عبارة الوسيلة في وقوع البيع موقوفا على الإجازة، متوقفة على ظهور «الإذن» في الرضا أعمّ من أن يكون سابقا على البيع أو لا حقا له، و إلّا فمع مقابلة الإذن و الإجازة و اختصاص الأوّل بالسابق يشكل دعوى الظهور فضلا عن الصراحة.

(1) ففي مفتاح الكرامة: «إذا تصرف الراهن بما يمنع منه، فإن كان بعقد أو بعتق كان موقوفا على إجازة المرتهن، كما في النهاية و جامع الشرائع و الشرائع و النافع و التذكرة و التحرير و الإرشاد، و شرحه لولده، و اللمعة، و المقتصر، و غاية المرام، و الميسية، و إيضاح النافع، و المسالك، و الروضة، و الكفاية، و الرياض» «3».

(2) لعلّ مراده بالشاذ هو الشهيد قدّس سرّه على ما حكاه صاحب المقابس «4» عن الدروس، فإنّه جوّز بيع المرتهن إن كان بإذن الراهن أو بإجازته، و اقتصر في بيع الراهن على إذن المرتهن. و ظاهره عدم كفاية لحوق الإجازة في الصحة، فيكون الشهيد قدّس سرّه موافقا للقدماء القائلين بالبطلان.

قال في الدروس- بعد حكمه بمنع الراهن عن إجارة العين المرهونة، و عتق المملوك-: «و لو أذن المرتهن في ذلك كله جاز. و كذا لا يتصرّف فيه المرتهن إلّا

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 264

(2) مقابس الأنوار، ص 106؛ الوسيلة، ص 266

(3) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 116

(4) مقابس الأنوار، ص 106

ص: 487

هو كونه (1) موقوفا.

و هو الأقوى (2)، للعمومات [1] السليمة عن المخصّص،

______________________________

بإذن الراهن، أو إجازته، إلّا العتق، فإنّه باطل إن لم يأذن» «1».

و يؤيّده أن السيد العاملي قدّس سرّه لم يعدّ- في عبارته المتقدمة- الدروس من القائلين بالوقوف على الإجازة.

(1) أي: كون بيع الراهن- بدون إذن المرتهن- موقوفا على إجازته.

(2) اختار المصنف قدّس سرّه القول الثاني، و هو صحة بيع الراهن تأهّلا، و توقف نفوذه على إجازة المرتهن، و استدل عليه بوجوه ثلاثة:

________________________________________

الأوّل: عموم وجوب الوفاء بالعقود، و إطلاق حلّ البيع، و التجارة عن تراض. و المانع من شمولها لبيع الراهن هو تعلق حق المرتهن بالمبيع، و يسقط بإجازته المتعقبة، فيلزم البيع.

فإن قلت: التمسك بعمومات إمضاء العقود و البيع موقوف على انتفاء المخصّص، و المفروض دلالة الإجماع و الأخبار على منع الراهن و المرتهن عن التصرف، و مع قيام المخصّص لا مجال للتمسك بالعموم، بل يتعين الحكم ببطلان بيع

______________________________

[1] الأولى التمسك بغير العمومات من الوجوه الآخر، إذ مقتضى العمومات كون العقد سببا تامّا لترتب الأثر عليه.

و لعلّ مراده أن العمومات كما يرجع إليها في أصل التخصيص، كذلك يرجع إليها في التخصيص الزائد. و في المقام لمّا علم أصل التخصيص، و لكن تردد الخاص بين كونه نفس الفرد بأن لا يتحقق النقل أصلا في بيع الراهن، و بين كونه الاستقلال و الوقوف على الإجازة، فالثاني لقلة التخصيص متعين.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 398

ص: 488

لأنّ (1) معقد الإجماع و الأخبار (2) الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال، كما يشهد به (3) عطف «المرتهن» على «الرّاهن» مع (4) ما ثبت في محلّه من وقوع تصرّف المرتهن موقوفا، لا باطلا. و على تسليم (5) الظهور في بطلان

______________________________

الراهن رأسا كما ذهب إليه جمع.

قلت: لا يصلح الإجماع و النص لتخصيص العمومات، و ذلك لوجهين:

أحدهما: أنّ المراد بمنع الراهن عن التصرف هو الاستقلال، و عدم الاستجازة من المرتهن. و الشاهد على إرادة عدم الاستقلال عطف «المرتهن» على «الراهن» مع تسالمهم على صحة تصرفه في الرهن تأهّلا، و توقف نفوذه على إجازة الراهن.

و من المعلوم أن مفاد «المنع» في المعطوف و المعطوف عليه واحد، و هو نفي الاستقلال، لا الفساد.

ثانيهما: أنه لو سلّم ظهور الإجماع في بطلان التصرف رأسا، لم يصلح لتخصيص العمومات، من جهة القطع بعدم تحقق الاتفاق على البطلان، لكثرة القائلين بالصحة و بالوقوف على الإجازة.

و كذا الحال في الأخبار، فإن ظهورها في البطلان موهون بإعراض جمهور المتأخرين، و التزامهم بكون بيع المرتهن كالفضولي موقوفا على الإجازة.

هذا تقريب الوجه الأوّل، و سيأتي الوجهان الآخران.

(1) تعليل لسلامة العمومات عن خروج فرد منها، و إشارة إلى دفع دخل مقدّر، تقدم بيانهما بقولنا: «فإن قلت ... قلت».

(2) المراد بها إما الأخبار التي ادّعاها شيخ الطائفة في الخلاف، فهي كرواية مرسلة بالنسبة إلينا، و إمّا النبوي المرسل في المختلف.

(3) أي: يشهد بأنّ ظاهر «المنع» هو الاستقلال: عطف المرتهن على الراهن.

(4) يعني: مع ملاحظة ما ثبت، فهو تفسير لكيفية الدلالة على نفي الاستقلال.

(5) كذا في النسخ، و الأولى: «و لو فرض تسليم ...».

ص: 489

التصرف رأسا، فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين على خلافه (1).

هذا كلّه، مضافا إلى ما يستفاد من صحّة نكاح العبد بالإجازة (2)، معلّلا ب «أنّه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده» «1» إذ المستفاد منه (3): أنّ كل عقد كان النهي عنه لحقّ الآدمي (4) فيرتفع [يرتفع] المنع (5)، و يحصل التأثير بارتفاع المنع

______________________________

(1) أي: خلاف بطلان التصرف رأسا.

(2) هذا ثاني الوجوه، و محصله: استفادة عدم بطلان بيع الراهن رأسا من التعليل الوارد في صحيحة زرارة الواردة في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه، حيث علّل الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام صحة النكاح بالإجازة ب «أنه لم يعص اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز» فإنّه يتضمن كبريين: و هما: أنّ سبب اختلال العقد إن كان أمرا محرّما بالأصالة، فهو يمنع عن الصحة، إذ لا يتصور الرضا منه سبحانه و تعالى بمعصيته.

و إن كان عصيان المخلوق بعدم رعاية حقّه لم يوجب الفساد، لإمكان زوال كراهته و حصول الرّضا. هذا مفاد التعليل.

و لا ريب في اقتضاء عموم العلة صحة بيع الراهن، لأنّه لم يرتكب محرّما شرعيا، و إنّما أهمل حق الرهانة، و لم يستأذن من المرتهن، فإن أجاز نفد بيع الراهن.

(3) أي: من التعليل، و مقصوده من الاستفادة الاستظهار. و هو ربما ينافي عدّ هذا التعليل مؤيّدا لصحة البيع الفضولي، لا دليلا عليه، فراجع «2».

(4) فإنّ حقّ السيد أن يتولّى نكاح عبده، فمبادرته و عدم الاستيذان من المولى معصية له، و لكنها تزول بلحوق الرضا و الإجازة.

(5) أي: المنع عن هذا العقد، و هو نكاح العبد بغير إذن مولاه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1 و 2

(2) هدى الطالب، ج 4، ص 323- 331 و ص 465

ص: 490

و حصول الرّضا، و ليس ذلك (1) كمعصية اللّه أصالة في إيقاع العقد، التي لا يمكن أن يلحقها رضا اللّه تعالى.

هذا كلّه، مضافا إلى فحوى أدلة صحة الفضولي (2).

لكن الظاهر من التذكرة «1»: أنّ كلّ من أبطل عقد الفضولي أبطل العقد هنا (3).

______________________________

(1) أي: و ليس معصية السيد نظيرا لعصيان الخالق بإيقاع العقد المنهي عنه- كبيع الخمر- حتى يمتنع نفوذه بالرضا المتأخر.

(2) هذا ثالث الوجوه، و تقريب الفحوى: أن المبيع في الفضولي ليس ملكا للبائع، فصحته تستلزم صحة البيع الأولوية فيما كان المبيع ملكا للبائع، غاية الأمر أنّه ليس طلقا له، لتعلق حقّ المرتهن به، و من المعلوم أن إضافة الحقّ أضعف من الملك.

و يمكن تقريب الفحوى بأن يقال: ان الإجازة في البيع الفضولي تفيد أمرين، أحدهما: استناد العقد إلى المالك، ليتحقق موضوع وجوب الوفاء بالعقد، لوضوح اختصاص الخطاب به بالمالك.

ثانيهما: الرضا المعتبر في العقد.

و لمّا كان العقد صادرا من الراهن المالك، كانت الإجازة دالة على الرضا خاصة، و من المعلوم اقتضاء ما دلّ على صحة البيع الفضولي صحة بيع الراهن بالأولوية [1].

(3) غرضه المناقشة في الفحوى بما أفاده العلّامة قدّس سرّه من إنكار الأولوية، لأنّه

______________________________

[1] لكن يمكن منع الأولوية بدعوى احتمال كون حق الرهن كحق الاستيلاد مانعا عن أصل الانتقال، دون عدم الملكية، فإنّه لا يمنع عن الانتقال في بيع الفضولي، فلا أولوية في البين.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 42

ص: 491

و فيه (1) نظر، لأنّ من استند في البطلان في الفضولي إلى مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا بيع إلّا في ملك» لا يلزمه (2) البطلان هنا، بل الأظهر ما سيجي ء (3) عن إيضاح النافع: من أنّ الظاهر وقوف هذا العقد و إن قلنا ببطلان الفضولي.

______________________________

ادّعى أن كل من قال ببطلان عقد الفضولي قال ببطلان العقد هنا، و هذا ينافي الأولوية. لاقتضائها صحة عقد الراهن و لو مع القول بفساد عقد الفضولي.

(1) أي: و في ما يظهر من التذكرة نظر، و هذا إشكال على دعوى المساواة بين عقد الفضولي و عقد الراهن. و محصل الإشكال: أنّ مستند بطلان بيع الفضولي هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا بيع إلّا في ملك» و من المعلوم أنه لا يصلح لإثبات بطلان عقد الراهن، لكونه مالكا للمبيع. و منشأ البطلان في عقد الفضولي- على ما هو ظاهر الرواية- فقدان الملكية، و المفروض وجودها في عقد الراهن، فيمكن تصحيح عقده دون عقد الفضولي.

نعم، إن كان مستند بطلان بيع الفضولي غير هذا النبوي- من النصوص و الإجماع و حكم العقل بقبح التصرف في ملك الغير «1»- أمكن استظهار المساواة.

و لكن الظاهر أنّ عمدة دليل القائل ببطلان البيع الفضولي هو النبوي المذكور في المتن، و لذا منع المصنف قدّس سرّه دعوى المساواة بوجود الفارق، و هو كون الراهن مالكا، فلا يخاطب بالنهي عن البيع.

و المتحصل من الوجوه الثلاثة: صحة بيع الراهن اقتضاء، و توقفه على الإجازة.

(2) خبر قوله: «من استند» و الضمير البارز راجع إلى الموصول.

(3) يعني: أن الفحوى التي ادعاها المصنف قدّس سرّه حكيت عن الفاضل القطيفي أيضا كما في مفتاح الكرامة «2». لكن لم أجد في المباحث القادمة نقل هذا المطلب عن

______________________________

(1) لاحظ أدلة المانعين في مسألة الفضولي، هدى الطالب، ج 4، ص 471- 512

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 264

ص: 492

و قد ظهر من ذلك (1) ضعف ما قوّاه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان، متمسّكا بظاهر الإجماعات و الأخبار المحكية على المنع و النهي، قال:

«و هو موجب للبطلان و إن كان لحقّ الغير، إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد (2)

______________________________

إيضاح النافع، و لا بد من مزيد التتبع.

(1) أي: و قد ظهر من الوجوه المتقدمة- الدالة على صحة عقد الراهن- ضعف القول الآخر الذي اختاره صاحب المقابس قدّس سرّه، فإنّه ذكر أوّلا اقتضاء الأصل و العمومات و الأولوية الصحة، ثم قال: «و لا يخفى أنّ هذه الأدلة بأسرها مدخولة، لما تقدم من نقل جماعة منهم الإجماع على كونه- أي الراهن- ممنوعا من التصرف، و اتفاق كلمة الأصحاب عليه، كما سبق، و حكاية الشيخ ورود الأخبار بذلك، و نقل العلّامة رواية نبوية فيه. و ظهر أنّه- أي المنع- المناسب للغرض الباعث على وضع عقد الرهن، فإذن لا محيص من القول بالمنع، و هو موجب للبطلان و إن كان لحقّ الغير ...» «1» إلى آخر ما نقله المصنف عنه.

و كلامه يقع في مقامين، أحدهما: استدلاله على فساد بيع الراهن، و ثانيهما:

ردّ الوجوه المستدلّ بها على الصحة.

(2) هذا شروع في المقام الأوّل، و توضيحه: أنّ النهي المتعلق بالمعاملة لأمر داخل فيها- كالنهي عنها لصيرورة أحد العوضين متعلق حق غير المتعاقدين، كتعلق حق المرتهن بالمبيع الموجب للنهي عن بيعه- يوجب فسادها.

نعم، إذا تعلّق بأمر خارج عنها كالنهي عن المعاملة وقت النداء- إذ النهي عنها يكون لأجل الصلاة، لا لتعلق حق شخص بأحد العوضين- لم يقتض فسادها.

فكأنّه قال: النهي تعلق بالمعاملة لأمر داخل فيها، و كلّما كان كذلك يفسدها، فبيع الراهن باطل لا موقوف، كالنهي عن بيع الوقف و أمّ الولد، لتعلق حق الموقوف عليه بالموقوفة، و تعلق حق الاستيلاد بامّ الولد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 108

ص: 493

- لا لأمر خارج عنه- و هو (1) كاف في اقتضاء الفساد، كما اقتضاه في بيع الوقف (2) و أمّ الولد (3) و غيرهما (4)، مع استواء الجميع (5) في كون سبب النهي حقّ الغير».

ثمّ أورد على نفسه بقوله: «فإن قلت (6): فعلى هذا يلزم بطلان عقد الفضولي و عقد المرتهن، مع أنّ كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن و المرتهن (7) في المنع

______________________________

(1) أي: تعلق النهي بالأمر الداخل في العقد كاف في اقتضاء الفساد.

(2) كقوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» المقتضي للفساد.

(3) مثل النهي المستفاد من إنكار بيعها في رواية السكوني التي ورد فيها: «من يشتري منّي أمّ ولدي؟».

(4) كالنهي عن بيع الخمر و الخنزير و بيع الربا.

(5) أي: أنّ سبب البطلان في الوقف و أمّ الولد تعلق حق الغير، و هو متحقق في بيع الراهن أيضا، فلا بد من فساد بيعه.

(6) هذا إشكال على اقتضاء النهي عن العقد للفساد، و حاصله: أنّه على تقدير اقتضاء النهي المتعلق بالمعاملة- لأمر خارج عنها- للفساد يلزم الحكم ببطلان عقد الفضولي و عقد المرتهن، لكون النهي فيهما أيضا لا لأمر خارج، بل لمراعاة حق المالك، مع أنّهما موقوفان على إجازة المالك، لا أنّهما باطلان. فلا بد من الحكم بالصحة في الجميع أو البطلان كذلك. و لا وجه للتفكيك بين بيع الراهن و بين بيع المرتهن و الفضولي، بالفساد في الأوّل، و الصحة- بإجازة المالك- في الأخيرين. كما لم يفكك أكثر الأصحاب بين بيع الراهن و بين بيع المرتهن، و جعلوهما بوزان واحد في تعلق النهي بهما.

(7) حيث عبّر بعضهم بعدم جواز التصرف، و آخر بعدم الصحة، و ثالث بالمنع.

ص: 494

- كما دلّت عليه الرواية (1)- فيلزم (2) بطلان عقد الجميع أو صحته، فالفرق تحكّم.

قلنا (3): إن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو محرّم، و لا تحلّله

______________________________

(1) و هي المرسلة المروية في المختلف.

(2) هذا نتيجة مساواة عقد الراهن و المرتهن في المنع.

(3) هذا جواب الإشكال، و توضيحه: أنّ التصرف المتعلق به النهي تارة يكون تصرفا خارجيا، كالانتفاع بالأكل أو الشرب أو غيرهما من الأفعال الخارجية المتعلقة بالأعيان. و اخرى يكون تصرفا اعتباريا كالعقد أو الإيقاع.

أمّا الأوّل فيكون حراما، و لا تؤثّر الإجازة في حليته.

و أمّا الثاني، فإن وقع بنحو الاستقلال من دون إضافته إلى المالك، فالظاهر أنّه حرام أيضا، و لا يجدي في صحته الإجازة، لأنّ الفعل لا يتغيّر عمّا وقع عليه. و إن وقع على وجه النيابة عن المالك لم يعدّ تصرّفا منهيّا عنه، و لا يكون حراما.

فالعقد الصادر من الفضولي أو المرتهن حرام إن كان على وجه الاستقلال، و لا يجديه الإجازة. و جائز إن كان على وجه النيابة عن المالك، و تجديه الإجازة، فعقد الفضولي و المرتهن يتصوّر على نحوين حرام و جائز.

و أمّا المالك فلا يتصور في عقده النيابة و الاستقلال حتى يكون حراما تارة و جائزا اخرى، بل المتصور فيه هو الاستقلال فقط، لانحصار الملكية فيه، فهو إمّا جائز تكليفا و نافذ وضعا كما إذا لم يكن محجورا عن التصرف في ماله بأحد موجبات الحجر. و إمّا حرام و غير نافذ إن كان محجورا فيه، كما إذا تعلق به حق المرتهن، فتخصّص العمومات المقتضية للصحة بالإجماعات و الأخبار الناهية عن التصرف في العين المرهونة، إذ ليس مطلق الملك مسوّغا للبيع، بل المسوّغ هو الملك غير المحجور عن التصرف فيه، و لذا لا يجوز بيع أمّ الولد و نحوها مما يكون متعلق حق غير المالك، الموجب لنقص سلطنة المالك.

ص: 495

الإجازة المتعقبة (1).

و إن كان (2) عقدا أو إيقاعا، فإن وقع (3) بطريق الاستقلال- لا على وجه النيابة عن المالك- فالظاهر أنّه (4) كذلك، كما سبق في الفضولي، و إلّا (5) فلا يعدّ

______________________________

فمحصل مرام المقابس هو الالتزام ببطلان بيع الراهن، إذ لا يتصور تصرفه على وجه النيابة عن المالك حتى يكون موقوفا على الإجازة. ففرق بين عقد الراهن و عقد المرتهن، و صحة الثاني لا تستلزم صحة الأوّل.

(1) يعني: أن التصرف الخارجي في مال الغير محرّم لكونه بغير إذنه، و لا توجب الإجازة اللاحقة انقلاب الحرمة التكليفية إلى الحلية، لأنّ الشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه. و لذا يبطل الوضوء بماء الغير مع كراهته، و إن رضي بعده.

(2) أي: و إن كان التصرف المنهي عنه- في مال الغير- بالعقد عليه من بيع أو تزويج أو هبة، فله صورتان.

(3) هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و موردها الغالب بيع الغاصب، و حكم هذا التصرف الاعتباري حكم التصرف الخارجي في عدم انقلاب المنع إلى الجواز بالإجازة المتأخرة.

(4) أي: أن هذا التصرف بالعقد و الإيقاع محرّم، و باطل كما سبق تفصيله في الموضع الثاني- من بيع الفضولي- الذي عقده صاحب المقابس لحكم بيع الغاصب، حيث قال: «فإذا بطلت هذه الوجوه بأسرها تعيّن بطلان العقد من أصله» «1». و عقد المصنف قدّس سرّه ثالثة مسائل البيع الفضولي لحكم بيع الغاصب، فراجع «2».

(5) هذا إشارة إلى الصورة الثانية أي: و إن لم يقع بطريق الاستقلال- بل على وجه النيابة عن المالك- كان خارجا موضوعا عن التصرف المنهي عنه في مال

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33

(2) هدى الطالب، ج 4، ص 539- 614

ص: 496

تصرفا يتعلق به النهي. فالعقد (1) الصادر عن الفضولي قد يكون محرّما، و قد لا يكون كذلك (2).

و كذا (3) الصادر عن المرتهن إن وقع (4) بطريق الاستقلال المستند إلى البناء على ظلم الراهن و غصب حقّه، أو إلى زعم التسلّط عليه بمجرّد الارتهان، كان (5) منهيّا عنه. و إن كان (6) بقصد النيابة عن الراهن في مجرّد إجراء الصيغة (7)، فلا يزيد (8) عن عقد الفضولي، فلا يتعلّق به (9) نهي أصلا.

______________________________

الغير، بل هو جائز، فإن أجازه المالك نفذ، و إن ردّه بطل.

(1) هذا إجمال صورتي التصرف في مال الغير.

(2) أي: محرّما.

(3) معطوف على العقد الصادر من الفضولي. و غرضه أن عقد المرتهن له صورتان، فقد يقصد الاستقلال و وقوع البيع لنفسه، فيكون ممنوعا للنهي عنه. و قد يقصد النيابة عن الراهن، ليقع البيع له، فيكون فضوليا قابلا للنفوذ بإجازة الراهن.

(4) يعني: أن قصد الاستقلال المفسد للبيع يستند تارة إلى البناء على العدوان و الغصب، و قد يستند إلى الجهل- بالحكم أو الموضوع- فيزعم المرتهن ثبوت السلطنة له على بيع العين المرهونة بدون مراجعة الراهن. و لا فرق في البطلان بين الفرضين.

(5) جواب الشرط في «إن وقع».

(6) معطوف على «إن وقع» يعني: أن العقد الصادر من المرتهن إن كان بقصد النيابة كان فضوليا قابلا للصحة بلحوق إجازة الراهن به.

(7) إذ المعهود من «الفضولي» هو إنشاء الإيجاب و القبول، و يكون أمر الوفاء بمقتضى العقد- كالقبض و الإقباض- بيد من له الولاية عليه بعد الإجازة.

(8) جواب الشرط في «و إن كان».

(9) أي: بالصادر عن المرتهن، أي العقد الصادر منه.

ص: 497

و أمّا المالك (1)، فلمّا حجر على ماله برهنه، و كان عقده لا يقع إلّا مستندا إلى ملكه، لانحصار المالكية فيه، و لا معنى لقصده النيابة (2)، فهو (3) منهي عنه، لكونه (4) تصرفا مطلقا، و منافيا للحجر (5) الثابت عليه. فيخصّص (6) العمومات بما ذكر. و مجرّد الملك لا يقضي بالصحة (7)، إذ الظاهر (8) بمقتضى التأمّل:

______________________________

(1) غرض صاحب المقابس قدّس سرّه إثبات بطلان بيع الراهن، و عدم كونه قابلا للصحة، لا من جهة كونه مندرجا في عنوان «الفضولي» ليصح بالإجازة اللاحقة، و لا من جهة كونه بيع المالك المستقل في التصرف.

أمّا الأوّل فلان صحة الفضولي متوقفة على قصد النيابة عن المالك، و المفروض امتناع تمشّي هذا القصد من الراهن، لكونه مالكا، فلا ينوي إلّا وقوعه لنفسه، لا للمرتهن و لا لغيره.

و أمّا الثاني فلعدم استقلاله في التصرف بعد اقتضاء أدلة الرهن حجر الراهن عنه، مع أنّه لا يكفي في البيع ملك العين، بل لا بد من السلطنة على التصرف أيضا، و هي مفقودة حسب الفرض. فيبطل حينئذ.

و عليه فلا سبيل لتصحيح بيع الراهن لا بعنوان كونه فضوليا و لا بعنوان كونه أصيلا. و يتعين تخصيص عموم الأمر بالوفاء و حلّ البيع بما دلّ على حجر الراهن، هذا.

(2) كما تقدم آنفا بقولنا: «أمّا الأول فلأن صحة الفضولي ...».

(3) جواب الشرط في «فلمّا حجر» و الضمير راجع إلى العقد.

(4) أي: لكون عقد الراهن تصرفا غير مسبوق بإذن المرتهن.

(5) كذا في النسخ، و في المقابس «و منافاته للحجر» و المعنى واحد.

(6) هذا نتيجة عدم ولاية الراهن على التصرف في العين المرهونة.

(7) تقدم آنفا عدم كفاية ملك العين في البيع.

(8) هذه الجملة منقولة بالمعنى، و العبارة في المقابس هكذا: «إذ الظاهر بمقتضى

ص: 498

أنّ الملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل مع ملك التصرف فيه، و لذا (1) لم يصحّ البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك و كان ناقصا، للمنع عن التصرف».

ثم قال: «و بالجملة (2): فالذي يظهر من تتبّع الأدلة [بالتتبع في الأدلة]:

أنّ العقود ما لم تنته إلى المالك، فيمكن وقوعها موقوفة على إجازته (3). و أمّا إذا انتهت إلى إذن المالك أو إجازته، أو صدرت منه، و كان تصرفه (4) على وجه الأصالة، فلا تقع على وجهين (5)، بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان

______________________________

التأمل الصادق: أن المراد بالملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل مع التصرف فيه، و لذلك لم يصح البيع ... الخ».

(1) أي: و لأجل أن الملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل و ملك التصرف، لم يصحّ بيع ما كان الملك ناقصا فيه، للحجر عن التصرف لسفه أو فلس مثلا.

(2) هذا ملخّص ما أفاده صاحب المقابس من اقتضاء القاعدة فساد بيع الراهن بدون إذن المرتهن.

(3) يعني: إن كانت العقود على وجه النيابة، لا على وجه الاستقلال، و إلّا فتبطل.

و بالجملة: التصرفات الصادرة من المالك أو بإذنه إمّا صحيحه لازمة، و إمّا باطلة غير قابلة للإجازة، فلا تقع موقوفة.

و عليه فبيع الراهن للمرهونة باطل، بخلاف بيع المرتهن و الفضولي إذا أوقعاه على وجه النيابة، فإنّه قابل للإجازة، و إمّا إذا أوقعاه على وجه الاستقلال، فيكون حراما و باطلا.

(4) هذا الضمير و ضمير «منه» راجعان إلى المالك.

(5) و هما: وقوع القعود بنحو الاستقلال حتى تحرم و تفسد كما إذا أوقعها الفضولي لنفسه. و وقوعها بقصد النيابة عن المالك، فتكون موقوفة على الإجازة.

ص: 499

وضع ذلك العقد على اللزوم (1).

و أمّا التعليل (2) المستفاد من الرواية المرويّة في النكاح- من قوله: لم يعص اللّه و إنّما عصى (3) سيّده ... إلى آخره- فهو جار في من لم يكن مالكا، كما أنّ العبد لا يملك أمر نفسه. و أمّا المالك المحجور عليه، فهو عاص للّه بتصرفه (4).

______________________________

(1) و أما إذا كان عقد المالك جائزا كما إذا وهب المرهون بإذن المرتهن، كانت هبته جائزة لا لازمة.

(2) هذا شروع في المقام الثاني، و هو المناقشة في دليل القائلين بالصحة، و حاصله: أنّ الاستدلال على الصحة بالتعليل المستفاد من رواية النكاح مخدوش، لأنّ مورد التعليل هو غير المالك كالعبد، فلا يجري في المالك المحجور عن التصرف العاصي للّه تعالى- دون المرتهن- بتصرفه، فلا يقال: «إنّه عاص للمرتهن» لأنّه ليس مالكا. نعم منع اللّه تعالى عن تفويت حقه. و كذا كل مالك محجور لعارض. فالتعدي عن مورد التعليل إلى غيره كالمالك المحجور عن التصرف في ماله قياس باطل.

هذا ما يتعلق بمنع التعليل. و أمّا فحوى صحة بيع الراهن من عقد الفضولي، فقد منعها صاحب المقابس قدّس سرّه قبل قوله: «و بالجملة» بما لفظه: «و تمنع دعوى الأولوية أيضا، فإنّ الحجر هو الفارق بين المقامين». و أما عمومات الصحة فقد تقدم في كلامه أيضا كونها مخصّصة بما دلّ على حجر الراهن عن التصرف.

(3) المراد بمعصية العبد لسيّده هو التخطي عن وظيفة العبودية بعدم الاستيذان، فيكون أمر الصحة و البطلان بيد السيد، فإن أجاز نفذ، و إن ردّ لغا.

(4) مع كونه ممنوعا من التصرف، يعني: أن المرتهن إن كان مالكا للعين المرهونة- كالسيد المالك لرقبة العبد- صدق على بيع الراهن «أنه معصية للمرتهن» فيصحّ بإجازته. و إن لم يكن مالكا- كما هو الفرض- كان بيع الراهن عصيانا له تعالى، فيقع فاسدا، و لا تنفعه الإجازة. كما أن العبد لو تزوّج بذات عدة كان باطلا و لم يجده إجازة السيد. و بهذا ظهر أجنبية التعليل- الوارد في نكاح العبد- عن بيع الراهن.

ص: 500

و لا يقال: إنّه عصى المرتهن، لعدم (1) كونه مالكا. و إنّما منع اللّه من تفويت حقّه بالتصرّف.

و ما ذكرناه (2) جار في كلّ مالك متولّ لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض كالفلس و غيره (3)، فيحكم بفساد الجميع.

و ربما يتّجه الصحة (4) فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة [1].

______________________________

(1) تعليل ل «لا يقال» و تقدم بيانه آنفا.

(2) غرض صاحب المقابس قدّس سرّه من هذه الجملة عدم اختصاص فساد البيع ببيع الراهن، و عمومه لتصرف سائر الملّاك المحجورين، لكونه عصيانا للنهي الشرعي، فيقع باطلا، و لا سبيل لتصحيحه بالإجازة اللاحقة له، كالمفلّس الممنوع من التصرف في أمواله بحكم الحاكم، فلو باع أو اشترى و أجازه الغرماء لم يصح.

و كذا السيد المستولد لجاريته، فإنّ منع إخراجها عن ملكه يقتضي فساد النقل و إن ارتفع المانع كما إذا مات ولدها- بعد البيع- في حياة السيد.

(3) كالسّفه.

(4) حاصله: أنّه إذا كان منشأ منع المالك عن البيع على وجه الاستقلال- بحيث لا يزاحمه أحد- هو مصلحة الغير كعدم تضرر الشريك الآخذ بالشفعة، لم يكن مانع من صحة بيع المالك مع ثبوت حق الشفعة للشريك. كما إذا كانت دار ملكا مشاعا لاثنين، فباع أحدهما حصته من أجنبي، فلا يجوز للمشتري بيع حصّته،

______________________________

[1] فيه: ان هذه المصلحة موجودة في المقام أيضا، فمصلحة المرتهن أيضا تقتضي وقوف بيع الراهن على إجازته. و لم يظهر فرق من هذه الجهة بين بيع الشريك الموجب لثبوت حق الشفعة للشريك الآخر، و بين بيع الراهن للمرهونة، فلا بد من القول بالصحة فيهما معا، أو البطلان كذلك.

ص: 501

فالقول (1) بالبطلان هنا- كما اختاره أساطين الفقهاء- هو الأقوى» انتهى كلامه، رفع مقامه.

و يرد عليه- بعد منع (2) الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير على وجه

______________________________

و هذا النهي لأجل مصلحة الشريك ليتمكن من الأخذ بالشفعة و ضمّ المبيع إلى حصة نفسه. فلو باعها المشتري من شخص، و أجازه ذو الحق- و هو الشفيع- صحّ. و هذا بخلاف الراهن، الذي يقع بيعه باطلا رأسا.

(1) هذا نتيجة البحث في بيع الراهن. و عليه فهذه الجملة مرتبطة بما قبل قوله:

«و ربما يتجه الصحة» فلا تغفل.

هذا تمام كلام صاحب المقابس، و أورد المصنف قدّس سرّه عليه بوجوه، سيأتي بيانها.

(2) هذا أوّل الوجوه، و توضيحه: أنّ حقيقة البيع هي المبادلة بين المالين اللّذين هما ركنا البيع، و لا دخل لقصد خصوصية البائع أو المشتري في إنشاء المبادلة أصلا كما تقدم في بحث الفضولي، فقصد البيع لنفسه أو لغيره خارج عن حيّز المعاملة.

فما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه في قوله: «قلنا: ان التصرف ...» من الكبرى، و هي: أن صحة عقد الفضولي بالإجازة المتعقبة منوطة بقصد النيابة عن المالك، فلو وقع بقصد الاستقلال- كما في الغاصب- كان باطلا رأسا ممنوع، لعدم دخل قصد الاستقلال و النيابة عن المالك في حقيقة البيع، فالمهمّ لحوق إجازة المالك و وقوع البيع له، سواء قصد المنشئ النيابة أو الاستقلال.

فإن قلت: النزاع هنا بين المصنف و صاحب المقابس مبنائي، لأنه قدّس سرّه بنى بطلان بيع الراهن على ما أسّسه في بيع الغاصب من فساد البيع الفضولي لو لم يقصد وقوعه للمالك و لا توقّعا لإجازته. و المصنف قدّس سرّه بنى الصحة على عدم دخل قصد النيابة و الاستقلال. و من المعلوم أنّ الإشكال المبنائي لا يجدي إلّا بتحقيق المبنى.

قلت: نعم، و إن كان صريح عبارة المقابس: «كما سبق في الفضولي» تسلّم بطلان بيع الغاصب لأجل استقلاله في التصرف و عدم الاستجازة من المغصوب منه،

ص: 502

الاستقلال و بيعه (1) على وجه النيابة، و منع (2) اقتضاء مطلق النهي

______________________________

فيبطل بيع الراهن هنا من جهة امتناع قصد النيابة، و كونه مالكا، إلّا أن غرض المصنف قدّس سرّه منع المبنى بما فصّله في المسألة الثالثة من بيع الفضولي، و لعلّه قدّس سرّه ترك الإشارة إلى ما حقّقه هناك لقرب العهد، و لا بأس بنقل جملة منه، و هي: «فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز ... فعلم من ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتى يتردّد الأمر في هذا المقام بين المحذورين، بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض، من دون تعرض لمن يرجع إليه العوض» فراجع «1».

(1) معطوف على «بيع» و الضمير راجع إلى ملك الغير.

(2) معطوف على «منع» و هذا ثاني الوجوه، و حاصله: أنّ كل نهي لا لأمر خارج عن المعاملة لا يقتضي الفساد، بل الدال على الفساد خصوص الإرشادي لا المولوي الذي هو ظاهر المنع في ما دلّ على أنّ «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف».

فهذا الجواب راجع إلى منع الكبرى، و هي «اقتضاء النهي الراجع إلى أحد العوضين للفساد» و الصغرى هي: تعلق النهي بما يرجع إلى أحد العوضين، حيث إنّ المبيع صار متعلق حق المرتهن، و لذا نهي الراهن عن التصرف فيه، و بيعه تصرف فيه، فهو منهي عنه.

و المصنف قدّس سرّه منع كلّية الكبرى، و أنّ كلّ نهي لا يقتضي الفساد، بل إذا كان إرشادا إلى المانعية. و ليس كذلك إذا تعلق النهي بمتعلق حق الغير، فإنّ المراد به نفي الاستقلال، لا البطلان، ضرورة أنّه صحيح و لازم بلا إشكال مع إذن المرتهن قبل البيع، و لا دليل على اعتبار مقارنة الرضا من ذي الحق في صحة المعاملة، كما تقدم في بحث الفضولي. فالإجازة اللاحقة أيضا تنفّذ المعاملة، هذا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 571- 573

ص: 503

لا لأمر خارج (1) للفساد-:

أوّلا (2):

______________________________

(1) تقدم في (ص 493) مثال النهي عن نفس العقد، و النهي عن خارجه.

(2) هذا ثالث الوجوه، و هو ناظر إلى منع ما في المقابس من عدم قصد النيابة في بيع الراهن حتى يمكن تنفيذه بإجازة المرتهن، حيث قال: «و كان عقده لا يقع إلّا مستندا إلى ملكه، لانحصار المالكية فيه، و لا معنى لقصده النيابة، فهو منهي عنه».

و توضيح إيراد المصنف قدّس سرّه عليه: أنّ معاملة الراهن تتصور أيضا بنحوين، و هما: قصد الأصالة و عدمها، كما يتصوّران في الفضولي و المرتهن.

أمّا قصد الاستقلال فكما إذا باع ماله المرهون بانيا على عدم الاستجازة من المرتهن، و هذا ما تصوّره صاحب المقابس و جعله تصرفا منهيا عنه.

و أمّا قصد عدم الاستقلال، فكما لو باع برجاء إجازة المرتهن، من دون نية الاستقلال حال العقد.

و قد يقصد الاستقلال مع عدم النهي عنه، لأن الغصب هو التصرف العدواني في مال الغير، و من المعلوم توقف عنوان الاعتداء على تنجز حرمة التصرف في الرهن لتعلق حق المرتهن به. فمع عدم تنجزه ينبغي صحة بيع الراهن أصالة، كما يتصور في موارد:

منها: ما لو باع ماله المرهون جاهلا بكونه رهنا، كما إذا استدان الوليّ للصبي، و جعل ماله رهنا على الدين، و لم يعلم به الصبي حتى بلغ و باع المال زاعما كونه طلقا، فتبيّن كونه رهنا.

و منها: ما لو علم بالرهن، و جهل حكمه من كونه ممنوعا من التصرف فيه.

و منها: ما لو علم بالحكم و موضوعه، و لكنه نسي كونه رهنا، فباع قاصدا للأصالة.

ص: 504

أنّ (1) نظير (2) ذلك (2) يتصوّر في بيع الرّاهن، فإنّه (4) قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن، و لا ينوي الاستقلال. و قد يبيع [استقلالا] (5) جاهلا بالرّهن، أو بحكمه (6)، أو ناسيا. و لا حرمة في شي ء من ذلك (7)، فتأمّل (8).

______________________________

(1) الجملة في محلّ رفع على أنّها فاعل لقوله: «و يرد عليه».

(2) التعبير «بالنظير» لأجل أنّ بيع الراهن بتوقّع الإجازة ليس من النيابة الجارية في بيع الفضولي و المرتهن كما هو واضح، بل هذا المثال نظيرهما في مجرد عدم الاستقلال، كما لا يخفى.

(3) أي: وقوع البيع تارة بقصد الأصالة، و اخرى بقصد النيابة.

(4) أي: فإنّ الراهن العالم بالرهن و بحكمه يمكن أن يبيع لنفسه متوقعا لإجازة ذي الحق، و هو المرتهن.

(5) هذه الكلمة غير مذكورة في نسختنا، و أثبتناها عن بعض النسخ المصححة.

و هو الأولى، للفرق بين الراجي للإجازة و بين الجاهل بالرهن، فالأوّل يبيع متوقعا للإجازة، بخلاف الجاهل و الناسي، فهما يبيعان أصالة، و لكن ليس بيعهما عدوانا على المرتهن، لعدم تنجز النهي عليهما.

(6) يعني: إذا كان الجهل بالحكم قصوريا، لا تقصيريا.

(7) أي: في بيع الجاهل- بالرهن أو بالحكم- أو في بيع الناسي.

(8) هذه الكلمة مذكورة في نسختنا دون سائر النسخ، و الأولى إثباتها، و كتب السيد الاستاد قدّس سرّه في الهامش: «وجه التأمل على ما نقل عنه رحمه اللّه في الدرس:

أنّه يمكن المناقشة في غير المثال الأوّل بأنّ الموجب للفساد النهي الواقعي، و عدم تأثيره في الصور المذكورة في الحرمة لا ينفع في الحكم بالصحة، مع عدم العذر عنه الجهل بالحكم أو لنسيانه» «1».

______________________________

(1) المكاسب، الطبعة الحجرية المطبوعة عام 1286، ص 183

ص: 505

و ثانيا (1): أنّ المتيقن من الإجماع

______________________________

و هو كذلك، ضرورة أنّ دلالة النهي على الفساد غير مترتبة على تنجزه.

و وجه كون النهي واقعيا هو تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة.

(1) هذا رابع الوجوه، و غرضه قدّس سرّه منع كبرى «دلالة النهي عن المعاملة لأمر داخل فيها على الفساد».

و حاصله: أنّ النهي في معاقد الإجماعات و الأخبار لا يدل على الفساد، لقيام قرينة على ذلك، و هي عطف «المرتهن» على «الراهن» و قد تقدم أنّ المنع عن بيع المرتهن إنّما يكون على وجه الاستقلال، دون ما إذا كان على وجه النيابة، فإنّه يصح و ينفذ بالإجازة. فالراهن أيضا كذلك.

و توضيحه: أنّ المقتضي لصحة بيع الراهن تأهّلا موجود، و المانع مفقود.

أما وجود المقتضي في مقام الإثبات فهو عموم الأمر بالوفاء بالعقود، و إطلاق حلّ البيع و التجارة عن تراض، إذ لا قصور في شمولها لبيع الراهن المفروض كونه مالكا للمبيع.

و أمّا فقد المانع فلأنّ المانع هو النبوي المرسل من «منع الراهن و المرتهن عن التصرف في الرهن» و الإجماع على هذا المضمون.

و لكن لا يصلح شي ء منهما للمنع عن الصحة. أمّا المرسل فلتعلّق «المنع» بتصرف كلّ من الراهن و المرتهن، و المفروض قيام القرينة على أن المقصود بمنع المرتهن هو عدم الاستقلال، لا الفساد رأسا، فلو باع موقوفا على إجازة الراهن صحّ بلا إشكال. و مقتضى وحدة السياق إرادة هذا المعنى بالنسبة إلى الراهن، فلو باع برجاء إجازة المرتهن، و أجازه، لم يكن مشمولا للمنع الوارد في المرسلة.

و لو شكّ في عموم «المنع» لما إذا باع متوقعا للإجازة، تعيّن الرجوع إلى عمومات الصحة، لكونه من موارد إجمال المقيّد، لدورانه بين الأقلّ و الأكثر، فيقتصر في التقييد على ما إذا باع و لم يجزه المرتهن.

ص: 506

و الأخبار (1) على منع الراهن كونه (2) على نحو منع المرتهن، على ما يقتضيه عبارة معقد الإجماع و الأخبار، أعني قولهم: «الراهن و المرتهن ممنوعان»، و من المعلوم (3) أنّ المنع في المرتهن إنّما هو على وجه لا ينافي وقوعه موقوفا، و حاصله (4) يرجع إلى منع العقد على الرهن و الوفاء (5) بمقتضاه على سبيل الاستقلال و عدم مراجعة صاحبه في ذلك (6). و إثبات المنع (7) أزيد من ذلك

______________________________

و أما الإجماع على منع التصرف فكذلك، لذهاب المجمعين إلى صحة تصرف المرتهن بإجازة الراهن، و عدم بطلانه رأسا، فيكون قرينة على المراد من منع الراهن.

و لو شكّ لزم الأخذ بالمتيقن من الدليل اللّبي، و هو الحكم بالفساد على تقدير عدم تعقب الإجازة.

(1) الظاهر أن المراد بالأخبار هو ما ادّعاه شيخ الطائفة قدّس سرّه في الخلاف، لا خصوص ما أرسله العلّامة في المختلف، فإنّه خبر واحد بهذا المضمون.

(2) يعني: لم ينهض دليل بالخصوص على منع الراهن عن التصرف، و إنّما ورد المنع عن تصرفهما معا في دليل واحد.

(3) غرض المصنف قدّس سرّه إقامة القرينة على أنّ المنع في الراهن ليس بمعنى البطلان، و هي: أنّ المنع في المرتهن متعلق بالاستقلال، كما تقدم آنفا.

(4) أي: و حاصل منع الراهن و المرتهن- بقرينة السياق و بضميمة تسلّم الحكم في تصرف المرتهن- هو منعهما عن التصرف على وجه الاستقلال، و عدم لحوق الإجازة من الآخر.

(5) معطوف على «العقد» أي: منع الوفاء على وجه الاستقلال.

(6) أي: في العقد على العين المرهونة، و الوفاء به.

(7) أي: و إثبات منع تصرّفهما في الرهن أزيد من العقد- على وجه الاستقلال- يحتاج إلى دليل، و هو مفقود.

ص: 507

يحتاج إلى دليل، و مع عدمه يرجع إلى العمومات (1) [1].

و أمّا ما ذكره- من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما (2) نحن فيه مستندا (3) إلى الفرق بينهما- فلم أتحقّق (4) الفرق بينهما،

______________________________

(1) لحجية أصالتي العموم و الإطلاق في الشك في التخصيص الزائد، و التقييد كذلك.

(2) متعلق ب «جريان» و المراد ب «ما نحن فيه» بيع الراهن العين المرهونة.

(3) حال ل «منع».

(4) جواب الشرط في قوله: «و أمّا ما ذكره». و هذا خامس وجوه الاعتراض على ما في المقابس، و هو ناظر إلى ما أفاده قدّس سرّه من منع دلالة التعليل- الوارد في نكاح العبد بغير إذنه- على نفوذ بيع الراهن بإجازة المرتهن، حيث قال: «و أمّا

______________________________

[1] الإنصاف عدم ورود هذا الإشكال على المقابس، لأنّه لا ينكر كون بيع المرتهن موقوفا على إجازة الراهن، و إنّما يدّعي الفرق بين بيعه و بيع الراهن في أنّ النيابة عن المالك لا تتصور في بيع الراهن، بخلاف بيع المرتهن، فإنّه يتصور فيه كل من الاستقلال و النيابة، فإن وقع على الوجه الثاني صح و نفذ بإجازة الراهن، و إن وقع على وجه الاستقلال لم يصح. فإذا فرض وقوع البيع من الراهن على وجه النيابة فيلتزم بمقتضى لازم كلامه بالصحة.

بل قد يتأمل في قرينية صحة تصرف المرتهن بالإجازة على ما يراد من منع الراهن، وجه التأمل: أن «المنع» ظاهر في مطلق التصرف حتى الموقوف على الإجازة، و دلالة المقيّد المنفصل على ما يراد بالمنع في المرتهن، لا توجب ظهور «المنع» في طرف الراهن في ذلك. نعم، لا بأس بذلك في القرينة المتصلة، فتأمل.

فالاولى ردّ المقابس بأنّه كما يمكن بيع المرتهن لا على وجه الاستقلال، كذا يمكن بيع الراهن كذلك، و هو الجواب الثالث الذي ذكرناه.

ص: 508

بل الظاهر (1) كون النهي في كلّ منهما (2) لحقّ الغير، فإنّ منع اللّه جلّ ذكره من تفويت حقّ الغير ثابت في كلّ ما كان النهي عنه لحقّ الغير، من غير فرق بين بيع الفضولي، و نكاح العبد، و بيع الراهن.

و أمّا ما ذكره- من المساواة بين بيع الراهن و بيع الوقف و أمّ الولد- ففيه (3): أنّ الحكم فيهما تعبّد،

______________________________

التعليل المستفاد من الرواية المرويّة في النكاح ... فهو جار في من لم يكن مالكا ...».

و ملخص إشكال المصنف قدّس سرّه عليه هو: أنّه لم يظهر فرق بين مورد التعليل أعني النكاح، و بين المقام و الفضولي و غير ذلك مما يكون النهي لتعلق حق الغير بأحد العوضين، إذ منشأ النهي هو تعلق حق الغير، و من المعلوم أنّه موجود في الكل و لا فرق بين مورد التعليل من عدم كون العبد مالكا، و بين بيع الراهن من كونه مالكا محجورا عن التصرف، رعاية لحق المرتهن و مصلحته.

و عليه فالحقّ صحة التمسك- على صحة بيع الراهن- بالعلة المزبورة.

(1) إذ لا خصوصية- بنظر العرف- للمورد، بل العبرة بعموم التعليل الوارد، كما في مثل «لا تأكل الرمان لأنه حامض».

(2) أي: من نكاح العبد و بيع الراهن.

(3) هذا سادس الوجوه، و هو ناظر إلى ما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه من مساواة بيع الراهن لبيع الوقف و أمّ الولد في دلالة النهي في الجميع على الفساد، حيث قال: «و هو كاف في اقتضاء الفساد، كما اقتضاه في بيع الوقف و أمّ الولد و غيرهما، مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير».

و حاصل إشكال المصنف قدّس سرّه عليه: عدم كون مناط المنع- في الجميع- واحدا، و ذلك لأنّ فساد البيع في الوقف و أمّ الولد تعبد محض، و لذا لا يجدي الإذن السابق أيضا في صحتهما. فلو كان النهي عن بيعهما لمراعاة حق الغير لكان الإذن

ص: 509

و لذا (1) لا يؤثّر الإذن السابق في صحة البيع، فقياس الرهن عليه (2) في غير محلّه.

و بالجملة (3): فالمستفاد من طريقة الأصحاب

______________________________

السابق من ذي الحق كافيا في صحتهما. و هذا بخلاف بيع الراهن، لصحته بإذن المرتهن.

(1) أي: و لأجل كون المنع تعبديا في الوقف و أمّ الولد- لا لرعاية الحقّ القابل للإسقاط- لا يؤثر ... الخ.

(2) أي: على كل واحد من بيع الوقف و أمّ الولد.

(3) هذا ملخّص ما أفاده في الجهة الاولى من قوله: «و إنّما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله، أو يقع موقوفا على الإجازة» ثم قوّى الثاني و استدل عليه بوجوه ثلاثة، و ناقش في كلام صاحب المقابس بوجوه ستة تقدمت.

و هذه الخلاصة نبّه عليها صاحب المقابس في آخر عبارته المتقدمة و احتمل فيها الصحة، حيث قال: «و ما ذكرناه جار في كل مالك متوّل لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض ...» فكلام المصنف هنا لا يخلو من تعريض بهذه الكبرى.

و محصّله: أنّ النهي عن معاملة تارة يكون تعبدا محضا و إن تضمّن مصلحة الغير أحيانا، فيبطل كبيع أمّ الولد و الوقف، فلا أثر لرضا الأمة و الواقف و الموقوف عليه بالبيع.

و اخرى يكون رعاية لمصلحة الغير بنحو يصح إسقاط حقّه، ففي هذا القسم لا يبطل العقد رأسا، بل يقع موقوفا على إجازة ذي الحق. و له نظائر:

الأوّل: عقد الفضولي ببيع مال الغير أو إجارته أو هبته أو الصلح عليه، و كذا في غير العقود المعاوضية كالنكاح الفضولي.

الثاني: عقد الراهن بناء على ما حققه المصنف من صحته التأهلية، و دخل إجازة المرتهن في تأثير السبب.

ص: 510

- بل الأخبار (1)- أنّ المنع من المعاملة إن كان لحقّ الغير (2) الذي يكفي إذنه السابق (3)، لا يقتضي (4) الإبطال رأسا، بل إنّما يقتضي (5) الفساد،

______________________________

الثالث: تصرّف المفلّس في أمواله، بعد حجر الحاكم الشرعي، فلا يفسد، بل أمره بيد الغرماء، إجازة و ردّا.

الرابع: تصرف المريض- في مرض الموت- في الزائد على الثلث، فإنّه و إن كان مالكا لأمواله، لكن نفوذ تصرفه موقوف على إجازة الوارث.

الخامس: إذا عقد الزوج على بنت أخ زوجته أو على بنت اختها، فنفوذه موقوف على إمضاء ذات الحق و هي العمة أو الخالة.

السادس: إذا عقد- من له زوجة حرّة- على أمة، فلا يقع فاسدا، بل موقوفا على إجازة الحرة، فإن نفّذته صح، و إن ردّته بطل.

و الحاصل: أنّ المنع في هذه الموارد يراد به عدم الاستقلال في تأثير العقد، و سببيّته لترتب الأثر عليه من دون المراجعة إلى من له الحق، و الاستجازة منه.

(1) يعني: الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة، و تقدم جملة منها في بيع الفضولي دلالة و تأييدا «1»، و كذا ما ورد في نكاح الفضولي، و تصرفات المريض و المفلّس، و العقد على بنت أخ الزوجة و على بنت اختها، و غير ذلك.

(2) يعني: الحق القابل للإسقاط، و إلّا فالنهي عن بيع أمّ الولد يكون إكراما لها، و لكنه ليس قابلا للإسقاط، فهو بحسب الاصطلاح حكم لا حقّ، على ما تقدم في أوّل البيع من الفرق بينهما.

(3) فإن كفى إذنه السابق، فقد كفت إجازته اللاحقة.

(4) خبر قوله: «ان المنع» و الجملة خبر قوله: «فالمستفاد».

(5) أي: يقتضي المنع الفساد، و المراد بالفساد عدم الاستقلال في التأثير، لا البطلان رأسا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 388 و 427- 468

ص: 511

بمعنى عدم ترتب الأثر عليه مستقلّا من دون مراجعة ذي الحقّ. و يندرج في ذلك (1): الفضوليّ و عقد الراهن، و المفلّس، و المريض، و عقد الزوج لبنت اخت زوجته أو أخيها، و للأمة على الحرّة، و غير ذلك (2)، فإنّ النهي في جميع ذلك (3) إنّما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا، و هو صيرورته سببا مستقلا لآثاره من دون مدخلية رضا غير المتعاقدين.

و قد يتخيّل (4) وجه آخر لبطلان البيع هنا،

______________________________

(1) أي: يندرج في ما إذا كان المنع عن المعاملة رعاية لحقّ الغير.

(2) كما إذا اشترى سلعة حالا، و باعها قبل تسليم الثمن، فهو من مصاديق الفضولي، فإن أجاز البائع صحّ، و إلّا بطل. و كذا لو باع المرتهن الرهن، فإنه موقوف على إجازة الراهن.

(3) أي: في عقد الفضولي و الراهن و المفلّس ... الخ.

هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل على بطلان بيع الراهن، و المناقشة فيه، و يأتي تقريب الوجه الثاني.

(4) المتخيّل صاحب المقابس قدّس سرّه، و هذا وجه ثان للقول ببطلان بيع الراهن رأسا، أفاده في ما لو باع الراهن و افتكّ الرهن قبل إجازة المرتهن، فهل يلزم العقد لزوال المانع، أو يبطل، لتعذر شرطه، حيث قال في جملة كلامه: «و لو قلنا بأنّ من باع شيئا فضولا، ثم انتقل إليه، لزم العقد من حين النقل، فيكون لازما هنا بطريق أولى. و من هنا تبيّن وجه قوة القول بالبطلان، لامتناع صحة صدور عقدين منه متنافيين مع كونهما لازمين، فتجويز أحدهما دليل المنع من الآخر» «1».

و مبنى الإشكال الالتزام بكون إجازة بيع الفضولي كاشفة عن ترتب النقل على العقد، و هو الكشف الحقيقي على ما تقدّم تفصيله في مسألة «من باع ثم ملك»، فراجع.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 109

ص: 512

بناء على ما سيجي ء (1)، من أنّ ظاهرهم كون الإجازة هنا كاشفة، حيث إنّه يلزم منه (2) كون مال غير الرّاهن- و هو المشتري- رهنا للبائع.

و بعبارة اخرى (3): الرّهن و البيع متنافيان، فلا يحكم بتحققهما في زمان

______________________________

و كيف كان فتوضيح ما قرّره المصنف قدّس سرّه من الإشكال هو: أنّ إجازة المرتهن كاشفة عن تأثير بيع الراهن- من حين العقد- كما سيأتي تحقيقه في المتن. و يترتب عليه صيرورة العين- قبل تحقق إجازة المرتهن مع كونها ملكا للمشتري- رهنا للبائع، حيث إنّ المفروض بناء على الكشف هو انتقال العين إلى المشتري بمجرد العقد. و أمّا حق الرهن فلا يسقط إلّا بإجازة المرتهن، فيلزم كون المبيع في الزمان المتخلّل بين العقد و الإجازة رهنا للبائع مع صيرورته ملكا للمشتري بنفس البيع.

مثلا لو باع الراهن الرهن يوم السبت بدون إذن المرتهن، و أجازه يوم الأحد، فمن جهة كون الإجازة كاشفة يلزم دخول الرهن في ملك المشتري في يوم السبت، و سقوط حق الرهانة عن المال الخارج عن ملك الراهن. و من جهة اخرى تتوقف صحة الإجازة على بقاء حق الرهن إلى يوم الأحد ليتمشّى إجازة المرتهن، و هو يتوقف على كون مال المشتري رهنا عند المرتهن، و هو ممنوع كما سيأتي في قوله:

«و بعبارة اخرى».

(1) سيأتي في (ص 519) تصريح المصنف بأن «القول بالكشف هناك- أي في البيع الفضولي- يستلزمه هنا بالفحوى» و صرّح صاحب المقابس به أيضا بقوله:

«لاحتمال كون الإجازة ناقلة في الفضولي، لكونها جزء المقتضي للنقل ... بخلافها هنا، فإنّها كاشفة قطعا» و عليه فمبنى الإشكال كأنّه مسلّم عند الكلّ.

(2) أي: من كون إجازة المرتهن كاشفة عن تأثير البيع من زمان وقوعه.

(3) هذه العبارة أظهر- من سابقتها- في إثبات التنافي بين الرهن و البيع، و أنّ لازم القول بالكشف اجتماع مالكين على مال واحد في المدة المتوسطة بين بيع الراهن و إجازة المرتهن. و المنافاة- التي ادعاها المتخيّل- مبنية على اعتبار بقاء العين

ص: 513

واحد، أعني: ما قبل الإجازة (1). و هذا (2) نظير ما تقدّم في مسألة «من باع شيئا ثمّ ملكه» من (3) أنّه على تقدير صحّة البيع يلزم كون الملك

______________________________

المرهونة على ملك مالكها في بقاء حق الرهن، فإذا خرجت عن ملك مالكها خرجت عن الرهنية، و من المعلوم امتناع الجمع حينئذ بين بقائها على الرهنية و بين صيرورتها ملكا للمشتري بنفس العقد كما هو قضية كاشفية الإجازة، فإنّ الجمع بينهما جمع بين المتنافيين كما لا يخفى، فلا محالة يقع البيع فاسدا [1].

(1) يعني: في الزمان المتخلل بين بيع الراهن و إجازة المرتهن.

(2) يعني: أنّ اجتماع المالكين- و هما البائع بناء على اعتبار الملكية في المرهونة، و المشتري بناء على كشف الإجازة عن مالكية المشتري للمبيع بنفس العقد- نظير الإشكال المتقدم في «من باع شيئا ثم ملكه» من أن المبيع يكون ملكا لشخصين: أحدهما المجيز، لتوقف صحة الإجازة على كونه مالكا، و الآخر: المشتري الذي اشتراه من الفضولي، على ما تقتضيه كاشفية الإجازة، فقبل تحقق الإجازة يكون المبيع ملكا لشخصين، كما هو الحال في كل عقد فضولي كما ذكروه في محله من بحث الفضولي.

(3) بيان للموصول في «ما تقدم» و غرضه الإشارة إلى ما أفاده صاحب المقابس في رابع الوجوه التي وجّهها على القول بالصحة في ما لو باع الفضولي مال غيره ثم ملكه، حيث قال: «ان العقد الأوّل إنّما صح و ترتب عليه أثره بإجازة الفضولي، و هي متوقفة على صحة العقد الثاني، المتوقفة على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي، فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك، و ملكا

______________________________

[1] لكن الحق عدم التنافي بين البيع و الرهن، بعد وضوح عدم اعتبار مالكية الراهن للمرهونة استدامة كالابتداء، فيمكن الحكم بصحة البيع من هذه الجهة.

نعم إن لم يكن التسليم مقدورا للبائع و المشتري فيشكل صحته من هذه الحيثية، فتدبّر.

ص: 514

لشخصين (1) في الواقع.

و يدفعه (2): أنّ القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في الواقع (3)، و إلّا (4) لجرى

______________________________

للمشتري معا في زمان واحد، و هو محال» «1».

(1) الأوّل: المشتري من الراهن، لصيرورته مالكا من يوم السبت بعد الإجازة الكاشفة عن صحة البيع. و الثاني: الراهن، لتوقف صحة إجازة المرتهن على مالكيته حتى يتعلق حق الرهانة بالرهن.

هذا تقريب الوجه الثاني لفساد البيع.

(2) أي: و يدفع تخيّل بطلان البيع، و هذا ردّ الوجه الثاني، و حاصله: أنّ إجازة المرتهن تكشف عن زوال الرّهن آنا مّا قبل البيع، بحيث وقع البيع على غير المرهون، فلا يلزم محذور اجتماع المالكين- و هما البائع و المشتري- في الزمان المتخلل بين العقد و بين إجازة المرتهن، إذ المفروض انكشاف بطلان الرهن بسبب الإجازة قبل البيع آنا مّا، فيكون المالك بعد العقد واحدا و هو المشتري.

و أمّا احتمال انكشاف بطلان الرهن من أصله بالإجازة فلا موجب له، بل مقتضى الاستصحاب خلافه كما لا يخفى.

(3) بأن تكون الاجازة كاشفة عن إسقاط حقه.

(4) يعني: و إن لم تكن الإجازة كاشفة يلزم هذا المحذور فيما إذا كان العاقد فضوليا غير الراهن، لاجتماع المالكين أيضا، كما لو باع الفضولي مال زيد يوم السبت و أجازه يوم الأحد، فلازم الكشف كون المشتري هو المالك من يوم السبت، و لازم إناطة الإجازة بالملك كون المجيز هو المالك إلى زمان الإجازة، فيلزم محذور اجتماع المالكين في كل عقد فضولي بناء على الكشف.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 268- 270

ص: 515

ذلك (1) في عقد الفضولي أيضا (2)، لأنّ (3) فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذ (4) الإجازة يوجب (5) تملّك مالكين لملك واحد قبل الإجازة.

و أمّا ما يلزم (6) في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» فلا يلزم في مسألة

______________________________

(1) أي: التنافي بين البيع و الرهن.

(2) يعني: كما جرى في إجازة المرتهن بيع الراهن.

(3) تعليل لجريان محذور اجتماع المالكين في كل عقد فضولي، و تقدم بيانه آنفا.

(4) خبر ثان ل «كون المجيز» أو حال عن المجيز.

(5) خبر قوله: «لأن فرض».

(6) غرضه قدّس سرّه أنّ ملكية العين المرهونة- في الزمان المتوسط بين العقد و الإجازة- للبائع و المشتري، تكون نظير الإشكال الساري في كل عقد فضولي، و هو اجتماع مالكين على ملك واحد.

و أمّا الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا فضوليا ثم ملكه» فلا يجري في المقام. فافترق مورد النفي و الإثبات، إذ الإشكال الجاري في المقام هو الإشكال العام الوارد في مطلق الفضولي. و هذا مورد الإثبات.

و أمّا مورد النفي فهو الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» و ذلك الإشكال المختص هو ما أفاده صاحب المقابس- في تلك المسألة- ذيل الإشكال الرابع بقوله:

«فإنّ قلت: مثل هذا لازم في كل عقد فضولي، لأنّ صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة، المتوقفة على بقاء ملك المالك بعده، و المستلزمة لملك المشتري كذلك، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشتري معا في آن واحد، فيلزم إمّا بطلان عقد الفضولي مطلقا، أو بطلان القول بالكشف، فلا اختصاص للإيراد بما نحن فيه.

قلنا: يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا، و هو الحاصل من استصحاب

ص: 516

إجازة المرتهن. نعم (1)

______________________________

تملكه السابق، لأنّها في الحقيقة رفع لليد و إسقاط للحق، و لا يكفي المالك الصوري في صحة العقد الثاني، فتدبر» «1». انتهى كلامه رفع مقامه.

فملخص الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» هو اجتماع المالكين حقيقة على ملك واحد في آن واحد، لاعتبار الملكية حقيقة في البيع، بخلاف الملكية في الإجازة، فإنّ الصوري منها كاف في نفوذ الإجازة. فاجتماع المالكين في سائر العقود الفضولية ليس حقيقيا، و في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» يكون حقيقيا. هذا في صورة إجازة البائع الذي باع فضوليا ثم ملك و أجاز.

و أمّا إذا لم يجز ذلك، فالمانع عن صحته هو أنّ نفس انتقال المبيع إلى الفضولي ليس إمضاء لمضمون العقد الذي أوقعه فضولا حتى يقال: بترتب الأثر على عقد الفضولي من حين وقوعه، بل على القول بصحته لا بدّ من الالتزام بترتب أثره من زمان انتقال المبيع إلى العاقد الفضولي، و مع عدم طيب نفسه كيف يحكم بصحة العقد و لو من حين انتقال المبيع إليه؟ فمقتضى القاعدة البطلان.

و هذا الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا، ثم ملك و لم يجز» لا يجري في المقام، إذ المفروض تحقق الإجازة من المرتهن، و هي تكشف عن أمرين:

أحدهما: انتقال المبيع إلى المشتري حين بيع الراهن.

و ثانيهما: انتهاء زمان الرهن، و خروج العين عن كونها وثيقة.

نعم، يجري فيما إذا سقط حق المرتهن بالافتكاك، إذ لا إجازة حينئذ، مثل من «باع شيئا ثم ملك و لم يجز» و سيأتي ذلك.

(1) استدراك على قوله: «فلا يلزم» يعني: أن محذور مسألة «من باع شيئا ثم ملكه فأجاز» يجري في ما لو باع الراهن و لم تلحقه إجازة المرتهن، و لكن افتك

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 36 و تقدّم كلامه في ج 5، ص 268- 272

ص: 517

يلزم (1) في مسألة افتكاك الرهن، و سيجي ء (2) التنبيه عليه إن شاء اللّه تعالى.

ثم إنّ الكلام (3) في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة هو الكلام في

______________________________

الرهن، فإنّ حق الرهانة و إن كان يسقط بإجازة المرتهن و بإسقاط حقّه و بإبراء الدين و بافتكاك الرهن، إلّا أن مبدء سقوط الحق- في الإجازة لكونها كاشفة- هو زمان بيع الراهن. و لكن مبدء انتهاء الرهن في الفك و الإبراء هو زمان حصول أحدهما، فيكون الفك نظير إجازة الفضولي على النقل.

و عليه فلو باع الراهن و افتك الرهن بعده لزم كون ملك المشتري رهنا في الواقع على دين البائع إلى زمان الافتكاك، و هذا هو إشكال لزوم كون مال غير الراهن رهنا للبائع. و سيأتي بيان ذلك عند التعرض لشرح كلام المصنف إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: بناء على عدم كون الفكّ بعد البيع بمنزلة الإجازة.

(2) يعني: في (ص 528) بقوله: «و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك ...» فانتظر.

هذا ما يتعلق برد الوجه الثاني على بطلان بيع الراهن، و به تمّ الكلام في الجهة الاولى.

(3) هذا شروع في الجهة الثانية، و هي تحقيق كون إجازة المرتهن كاشفة أو ناقلة، و محصله: أنه تقدم في إجازة بيع الفضولي اقتضاء قاعدة امتناع تقدم المسبب على سببه للقول بالنقل، و عدم ترتب الأثر على مجرد العقد من زمان وقوعه، لكن استفيد الكشف من بعض الأدلة الخاصة كصحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين، قال المصنف قدّس سرّه: «نعم صحيحة أبي عبيده الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث- من الزوج المدرك الذي أجاز فمات- للزوجة غير المدركة حتى تدرك و تحلف، ظاهرة في قول الكشف» «1» أي الكشف الحقيقي بمناط الشرط المتأخر، في قبال الحكمي و التعقبي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 69- 71

ص: 518

مسألة الفضولي (1)، و محصّله (2): أن مقتضى القاعدة النقل، إلّا أنّ الظاهر من بعض الأخبار (3) هو الكشف. و القول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوى، لأنّ (4) إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي، و هي هنا من قبيل رفع المانع [1].

______________________________

و بناء على هذا فالالتزام بكون إجازة المرتهن كاشفة عن دخول العين المرهونة في ملك المشتري من زمان تحقق بيع الراهن، أولى، ضرورة أنّ إجازة المالك- في البيع الفضولي- تكون بمنزلة الإيجاب الذي هو جزء المقتضي أعني به العقد. و إجازة المرتهن تكون في رتبة عدم المانع، لأنّ حق الرهانة من موانع تأثير تصرف المالك، فإجازة المرتهن رفع للمانع. فإذا جاز تقدم المسبب على المقتضي جاز تقدمه على عدم المانع بالأولوية القطعية، لتأخر رتبة عدم المانع عن رتبة المقتضي و الشرط.

(1) فمن قال في البيع الفضولي بالنقل قال به هنا، و من قال ثمة بالكشف فكذا هنا، لوحدة المناط.

(2) أي: و محصّل الكلام: أن مقتضى تقدم أجزاء السبب على المسبب هو النقل.

(3) كصحيحة محمد بن قيس الواردة في بيع الوليدة بغير إذن السيد «1»، و صحيحة أبي عبيدة المشار إليها آنفا «2»، و غيرهما، فراجع.

(4) هذا تقريب الفحوى، و حاصله: أنّ رتبة عدم المانع متأخرة عن رتبة المقتضي.

______________________________

[1] و فيه: أنّ العقد ليس علة حقيقية لترتب الحكم الشرعي، بل يكون موضوعا للحكم، و ليس من باب التأثير و التأثر أصلا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 349

(2) المصدر، ج 5، ص 69

ص: 519

و من أجل ذلك (1) جوّزوا (2) عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة المرتهن (3)، مع أنّ الإيقاعات عندهم لا تقع مراعاة (4).

______________________________

(1) أي: و من أجل كون إجازة المرتهن من قبيل رفع المانع عن تأثير بيع الراهن- و لا دخل لها في المقتضي- جوّزوا للرّاهن عتق مملوكه المرهون إذا تعقبه إجازة المرتهن. مع أن العتق إيقاع، و ادعي الإجماع على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات. فلو كانت إجازة المرتهن ناقلة لزم وقوع العتق مراعى بمعنى تأخره و انفصاله عن صيغته.

و عليه فصحة العتق مراعى بإجازة المرتهن تشهد بأنّ مرادهم من منع الإيقاع الفضولي هو ما إذا كان القصور في المقتضي، كما إذا لم يكن المعتق مالكا أو من يقوم مقامه.

(2) ظاهره كون الجواز مذهب الكل أو الجلّ، و هو كذلك، فإنّ السيد العاملي قدّس سرّه لم يحك الخلاف إلّا عن شيخ الطائفة و أتباعه كابني زهرة و حمزة و سلّار «1»، و هو جار على مبناهم من عدم جواز الفضولي مطلقا.

نعم قد يشكل مخالفة الشهيد قدّس سرّه في محكّي الدروس. و قد يوجّه- كما في الجواهر «2»- بأن يكون مراد الجميع مع عدم تعقب الإجازة، فتأمّل.

(3) قال المحقق قدّس سرّه: «و في صحة العتق مع الإجازة تردد، و الوجه الجواز» «3».

(4) مقصوده بالمراعى هو الموقوف، أي: لا تقع موقوفة على الإجازة، و إلّا فاصطلاحهم في المراعى هو وقوع الشي ء صحيحا في نفس الأمر، و يكون وجود الموقوف عليه كاشفا محضا عن صحته من حين وقوعه. و اصطلاحهم في الموقوف هو ما بقي من علته التامة جزء لم يتحقق بعد «4».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 117

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 206

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 82

(4) جامع المقاصد، ج 5، ص 145، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 199

ص: 520

و الاعتذار (1)

______________________________

و بعبارة اخرى: الفرق بينهما أن الرعاية ناظرة إلى مقام الإثبات، و الوقف إلى مقام الثبوت.

(1) توضيحه: أنّه لو جني على عبد مرهون، فعفا المولى- و هو الراهن- عن الجناية في الخطاء، أو عفا عن الجناية و عن المال- في العمد- الذي هو بدل عنها و عن الإتلاف، فهل يصح عفوه، أي إسقاط حقّه، أم لا يصح رعاية لحق المرتهن، مع أن العفو مسقط لحقّه؟ ذهب العلّامة في القواعد إلى وجوب أخذ بدل الجناية، ثم العفو، فإن افتكّ الرهن بعد ذلك كشف عن صحة العفو، و إن استمرّ الرهن- لبقاء الدّين في ذمة الراهن- لم يصحّ العفو، قال قدّس سرّه: «فإن عفا الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال لحقّ المرتهن، فإن انفك ظهر صحة العفو، و إلّا فلا» «1» و بيّن وجهين في التذكرة «2».

و أضاف المحقق الثاني قدّس سرّه إلى عفو الراهن عن الجناية: ما لو أعتق الراهن عبده المرهون، فقال: «و مثل هذا- أي ما تقدم في العفو- يأتي في ما لو أعتق الراهن. إلّا أن يفرّق بأنّ عناية الشارع بالفكّ من الرّق- فكان مبنيّا على التغليب- أخرجته عن ذلك، فبقي الحكم هنا الذي يدل عليه الدليل هو البطلان، لوجود حقّ المرتهن المنافي لوقوع العفو» «3».

و غرض المصنف قدّس سرّه منع توجيه جامع المقاصد لصحة عتق الراهن- دون عفوه- بابتنائه على تغليب الشارع لجانب الحرية على الرقية.

و وجه المنع: أن القائلين بصحة عتق الراهن استندوا إلى إطلاق النصوص

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 126

(2) تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 300

(3) جامع المقاصد، ج 5، ص 146

ص: 521

عن ذلك (1) ببناء (2) العتق على التغليب- كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن، في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني على العبد المرهون- مناف (3) لتمسّكهم في العتق بعمومات العتق، مع أنّ العلّامة (4) قدّس سرّه في تلك المسألة قد جوّز العفو

______________________________

المرغّبة في التحرير- كما في الجواهر «1» أيضا- كمعتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أعتق مسلما أعتق اللّه العزيز الجبار بكلّ عضو منه عضوا من النار» «2». فلو لا هذا الإطلاق لم يجد مجرّد بناء العتق على التغليب في الخروج عن إجماعهم على عدم وقوع الإيقاعات مراعاة.

(1) أي: عن وقوع عتق الراهن موقوفا على إجازة المرتهن.

(2) متعلق بالاعتذار، و هذا مضمون كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، و تقدّم آنفا.

(3) خبر قوله: «و الاعتذار» و وجه المنافاة: أنه لو كان العتق لأجل بنائه على التغليب لكان اللازم التمسك به لا بعمومات العتق، هذا [1].

(4) ظاهر العبارة بحسب السياق أنّه إشكال آخر على الاعتذار المزبور، و حاصله: أنّ العلّامة قدّس سرّه ألحق العفو عن الجناية- الذي هو من الإيقاعات- بالعتق

______________________________

[1] لكن فيه ما قيل: من عدم المنافاة، لأنّ مرجع التمسك بعمومات العتق إلى ترجيحها لأجل بنائه على التغليب، كتقديم دليل الحرمة على دليل الإباحة في صورة الدوران بينهما لوجوه مذكورة في محلّها، فتدبر.

مضافا إلى: أن دعوى عدم استنادهم إلى التغليب عهدتها على مدّعيها، و إلّا ففي مفتاح الكرامة: «و قد طفحت عباراتهم في المقام بالاستدلال بأن العتق مبني على التغليب» «3» و لا بد من مزيد التتبع.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 206

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 2، الباب 1 من أبواب العتق، الحديث: 1، و نحوه سائر أحاديث الباب

(3) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 117

ص: 522

مراعى بفكّ الرّهن.

هذا (1) إذا رضي المرتهن بالبيع و أجازه. أمّا إذا أسقط حقّ الرّهن، ففي كون الإسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو إبراء الدّين.

ثمّ (2) إنّه لا إشكال في أنّه لا يقع الرد بعد الإجازة، و هو واضح.

و هل ينفع الإجازة بعد الرّد؟ و جهان:

______________________________

في النفوذ بالإجازة. فلو كان نفوذ العتق بالإجازة لخصوصية في العتق و بنائه على التغليب، لم يكن وجه للتعدي عن العتق إلى العفو، فالتعدي كاشف عن خصوصية في الإجازة و كونها من رفع المانع لا جزء المقتضي، فوزان إجازة المرتهن وزان إجازة المالك. كما أنّ فكّ الرهن كالإجازة رفع للمانع، و لذا اتجه التعدي المزبور كما لا يخفى.

و الحاصل: أن صحة العفو عن الجاني مراعى بالفك في المستقبل توجب الخدشة في ما تقدم، من أن الإيقاعات عندهم لا تقع مراعى.

(1) أي: نفوذ بيع الراهن- و انتقال الرهن إلى المشتري بنفس العقد- إذا رضي المرتهن بالبيع و أجازه. و أمّا إذا لم يجز البيع و إنّما أسقط حقّ الرهانة ليصير مال الراهن بعد الإسقاط طلقا، فهل يكون الإسقاط كالإجازة كاشفا عن تأثير البيع في زمان وقوعه، أو يكون ناقلا؟ سيأتي البحث فيه في الجهة الثالثة، كما سيأتي فيها الفرق بين الإجازة و الإسقاط.

(2) تعرض المصنف قدّس سرّه هنا لفرعين:

أحدهما: أنّه لو أجاز المرتهن بيع الراهن، ثم ردّه، لغا الثاني، لأنّ الإجازة تمّمت تأثير العقد، و لم يبق بعدها شي ء في وعاء الاعتبار ليتعلّق به الرد و الرضا، و هو واضح.

ثانيهما: أنّه لو ردّ المرتهن فأجاز، فهل تنفع الإجازة المسبوقة بالرد في صحة بيع الراهن، أم تلغو؟ و جهان يأتي بيانهما.

ص: 523

من أنّ الرّد (1) في معنى عدم رفع اليد [1] عن حقّه.

______________________________

(1) هذا وجه تأثير الإجازة بعد الرد، و حاصله: أنّ للمرتهن حقّا في العين المرهونة، و معنى ردّ بيع الراهن إبقاء حقّه، و عدم الإعراض عنه، و له إسقاط حقّه فيما بعد، كما هو شأن كل ذي حق.

فإن قلت: بيع الراهن نظير بيع الفضولي في التوقف على الإجازة، و من المعلوم أنّ إجازة المالك المسبوقة بالردّ لا تجدي في تأثير عقد الفضولي، لسقوطه عن الصحة التأهلية بالرد. و لمّا كان مقتضى حقّ الرهانة سلطنة المرتهن على الإمضاء و الردّ، كان ردّه موجبا لجعل عقد الراهن بمنزلة العدم، فلم يبق شي ء في وعاء الاعتبار حتى تلحقه الإجازة.

قلت: الفرق بين إجازة بيع الفضول و الراهن هو: أنّ المجيز لعقد الفضول مالك، و إجازته تجعله أحد طرفي العقد، و تصحّح انتسابه إليه حتى يخاطب بوجوب الوفاء بعهده. و قد تقرّر أنّ البائع الأصيل لو رفع يده عن الإيجاب- قبل انضمام القبول إليه- لم يبق موضوع للقبول.

و عليه فردّ المالك مبطل لإنشاء الطرف الآخر، لكونه بمنزلة ردّ الموجب قبل لحوق القبول به.

و هذا بخلاف المقام، ضرورة أنّ طرفي العقد هما الراهن و المشتري، و إجازة المرتهن و إن كانت دخيلة في التأثير، و لكنها لا تجعل عقد الراهن عقدا للمرتهن، لكونه أجنبيا عن المبيع كأجنبيته عن الثمن، فردّه لا يوجب سقوط الإنشاء عن

______________________________

[1] هذا لازم معنى الرد لا معناه، فان حقيقة الرد هو المنع عن نفوذ المعاملة و إسقاط العقد عن قابلية التأثير و جعله كالعدم، في مقابل الإجازة التي هي تنفيذ مضمون العقد. و لازم الإجازة سقوط حق المجيز المرتهن، فالرد يكون مانعا عن لحوق الإجازة.

ص: 524

فله إسقاطه (1) بعد ذلك (2). و ليس ذلك (3) كردّ بيع الفضولي [1]، لأنّ (4) المجيز هناك (5) في معنى أحد المتعاقدين (6)، و قد تقرّر (7) أنّ ردّ أحد المتعاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر، بخلافه (8) هنا، فإنّ المرتهن أجنبي له حقّ في العين.

______________________________

الصحة التأهلية، و لذا لا مانع من الرضا به، و ترتب الأثر عليه.

(1) أي: إسقاط الحق، و ضميرا «حقّه، له» راجعان إلى المرتهن.

(2) أي: بعد الرّد.

(3) أي: و ليس ردّ المرتهن نظيرا لردّ المالك البيع الفضولي. و هذا إشارة إلى دخل، تقدّم بيانه بقولنا: «إن قلت ...».

(4) تعليل لقوله: «و ليس» و هو دفع الدخل، و تقدم بقولنا: «قلت ...».

(5) أي: في بيع الفضولي، حيث قال في تنبيهات الإجازة: «انّ الإجازة إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد، و إلّا لم يكن مكلّفا بالوفاء بالعقد» «1».

(6) يعني: أن المجيز و إن لم يكن صورة أحد المتعاقدين، لقيام الإنشاء بالفضول و الأصيل، و لكن حيث إنّ المخاطب بوجوب الوفاء هو المجيز، فإجازته تصحّح انتساب العقد إليه، و تجعله أحد المتعاقدين لبّا.

(7) يعني: في أحكام الصيغة، حيث قال: «و الأصل في جميع ذلك: أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغا الإيجاب السابق ...» «2» و علّله بعدم تحقق معنى المعاقدة.

(8) أي: بخلاف الرد هنا يعني: في مسألة بيع الراهن بدون إذن المرتهن، فإنّ هذا الرد غير مبطل لإنشاء الراهن، لكون المرتهن أجنبيا عن المبيع أي غير مالك له و إن كان حقه متعلقا به.

______________________________

[1] بل على ما ذكرنا من معنى الرد يكون مثل رد بيع الفضولي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 182

(2) هدى الطالب، ج 2، ص 605

ص: 525

و من (1) أنّ الإيجاب المؤثّر إنّما يتحقق برضا المالك و المرتهن، فرضا كلّ منهما جزء مقوّم للإيجاب المؤثّر (2). فكما أنّ ردّ المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم، كذلك ردّ المرتهن. و هذا (3) هو الأظهر من قواعدهم.

ثم إنّ (4) الظاهر أنّ فكّ الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة، لسقوط حقّ

______________________________

(1) هذا وجه عدم نفع الإجازة المسبوقة بالرد، و حاصله: أنّ العين المرهونة ليست ملكا طلقا للراهن لتعلق حق المرتهن بها، فمن له السلطنة على نقلها إلى المشتري هو الراهن و المرتهن معا، و لا يكفي فيه رضا خصوص المالك قطعا. و حينئذ يندرج المقام في الضابطة المقررة في بيع الفضولي من قدح تخلّل رد المالك بين العقد و الإجازة، بناء على أن المراد بالمالك من يكون رضاه دخيلا في ترتب الأثر، إذ لا ريب في دخل رضا المرتهن في تصرفات الراهن. فكذا يكون ردّه مسقطا لعقد الراهن عن قابلية التأثير.

(2) فليس إيجاب الراهن- بمجرّده- إيجابا مؤثرا على تقدير انضمام القبول به، بل تأثيره مشروط برضا المرتهن المستكشف بإذنه أو إجازته.

(3) أي: عدم نفع الإجازة بعد الرد هو الأظهر ... الخ، لأنّه مقتضى دخل الإجازة جزءا أو شرطا في موضوع الحكم الشرعي أعني به الملكية، أو غيرها مما يترتب على العقد، و من المعلوم أنّ انعدام جزء أو شرط من الموضوع يسقط سائر أجزائه و قيوده عن قابلية التأثير، لكونه كالمركب الارتباطي، هذا.

(4) هذه ثالثة جهات البحث في المسألة، و هي: أنّ الراهن لو باع الرهن بلا إذن من المرتهن، ثم فكّ الرهن بأداء الدين أو بإبراء الدائن، فهل يكفي سقوط حقّ المرتهن في نفوذ البيع، أم ينحصر تصحيح العقد بإجازة المرتهن حتى بعد سقوط حق الرهانة؟ فيه قولان: أحدهما كون الفك بمنزلة الإجازة، و الآخر التردد في كونه بمنزلتها.

ص: 526

المرتهن بذلك (1)، كما صرّح به (2) في التذكرة (3)، و حكي (4) عن فخر الإسلام

______________________________

(1) أي: بالفكّ، هذا وجه السقوط، و توضيحه: أنّ المانع عن نفوذ العقد الصادر من المالك الراهن منحصر في حق المرتهن، فإذا سقط ارتفع المانع عن نفوذه، و قد تقدّم اعتراف المصنف قدّس سرّه بكون إجازة المرتهن من قبيل رفع المانع. و لا فرق في ارتفاعه بين روافعه من الإجازة و الافتكاك أو الإسقاط، فلا ينبغي التأمل في لزوم المعاملة بسقوط حق المرتهن كما هو جماعة منهم العلّامة و ولده و الشهيد، و المحقق و الشهيد الثانيين.

و بعبارة اخرى: إضافة العين إلى المرتهن إضافة- يعبّر عنها بحق الرهانة- أحدثت سلطنة مزاحمة لسلطنة الراهن على العين، فإذا ارتفعت هذه السلطنة بأيّ رافع أثّرت سلطنة المالك، لصيرورتها تامة حينئذ. فإنشاء الراهن تمليك العين و تبديلها يصير بلا مزاحم، فيؤثّر أثره.

و من هنا يتضح الفرق بين المقام و بين «من باع شيئا ثم ملك» حيث إنّ إنشاء التبديل هناك حدث قبل إضافة الملكية المتقدمة رتبة على إنشاء المبادلة، بخلافه هنا، فإنّ إنشاء التبديل وقع بعد إضافة الملكية الملحوظة قبل الإنشاء، غاية الأمر أنّ هذا الإنشاء زوحم بمانع، و هو سلطنة الراهن، فإذا زال المزاحم لا يبقى مانع عن التأثير.

(2) أي: بكون الفك كالإجازة، و سقوط حق المرتهن.

(3) قال فيها: «و لو باع- أي الراهن- و لم يعلم المرتهن، ففكّ، لزم البيع، لانتفاء المعارض» «1» و احتمل الصحة في كتاب الرهن «2».

(4) الحاكي عن الفخر و الشهيد و المحقق الكركي هو السيد العاملي قدّس سرّهم بقوله:

«و قد قوّى اللزوم في العقود الفخر في الإيضاح و الشهيد في حواشيه و المحقق الثاني،

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 42

(2) تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 386

ص: 527

و الشهيد في الحواشي، و هو (1) الظاهر من المحقق و الشهيد الثانيين.

و يحتمل عدم لزوم العقد بالفكّ- كما احتمله في القواعد (2)- بل

______________________________

لأنها لازمة في أصلها ...» «1».

(1) أي: كون الفك بمنزلة الإجازة ملزما لبيع الراهن ظاهر ... الخ، قال المحقق الثاني- في شرح قوله العلّامة قدّس سرّهما: «فلو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر» بعد بيان الوجهين- ما لفظه: «إذ تصرفه قبل الانفكاك غير محكوم ببطلانه، فكيف يحكم ببطلانه بعده؟ و بهذا يظهر أنّ الحكم باللزوم هو الأقوى» «2».

و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في شرح عبارة الشرائع: «و في عتقه مع إجازة الراهن تردد» ما لفظه: «و على هذا، لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتك الرهن لزم» «3» و نحوه في الروضة. و الظاهر عدم خصوصية للعتق جوازا و منعا.

(2) لقوله في الجملة المنقولة عنه آنفا: «نظر» و كذلك احتمل الوجهين في رهن التذكرة، كما أشرنا إليه أيضا. أمّا لزوم العقود بالفك فقد نقدم.

و أما عدم لزومها به فلوجوه ثلاثة ذكرها المصنف ثم ناقش فيها:

الأوّل: أنّ بيع الراهن- حال حصوله- لم يكن مشمولا لدليل الإمضاء كوجوب الوفاء بالعقود، و حلّ البيع، لكونه تصرفا في متعلق حق المرتهن، و المفروض عدم لحوق إجازته به حتى تنفّذه، و يصير سببا تامّا للنقل. فالمانع من التأثير مقترن بالبيع، و الذي حصل بعده هو سقوط حقّ الرهانة بسبب الفك أو بموجب آخر، و لكن لا دليل على كفاية السقوط، ضرورة اختصاص التعليل المذكور في صحيحة زرارة- الواردة في نكاح العبد بلا إذن السيد- بالإجازة، و لا وجه للتعدي عنها إلى سقوط الحق.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 118 و لاحظ: إيضاح الفوائد، ج 2، ص 19

(2) جامع المقاصد، ج 5، ص 75

(3) مسالك الأفهام، ج 4، ص 48؛ الروضة البهية، ج 4، ص 84

ص: 528

بمطلق (1) السقوط الحاصل بالإسقاط (2) أو الإبراء (3) أو بغيرهما (4)، نظرا (5) إلى أنّ الراهن تصرّف فيما فيه حقّ المرتهن (6)، و سقوطه (7) بعد ذلك لا يؤثّر في تصحيحه.

و الفرق (8) بين الإجازة و الفكّ: أن مقتضى ثبوت الحقّ له هو صحة

______________________________

و نتيجة ذلك: أن بيع الراهن حين صدوره كان مقترنا بالمانع، و خارجا عن أدلة الإمضاء، و في زمان انتفاء المانع- بسقوط حق الرهانة- لا عقد حتى يعمّه خطاب «أَوْفُوا». و سيأتي بيان الوجهين الآخرين.

(1) لمّا كان مورد تنظّر العلّامة قدّس سرّه خصوص فك الرهن بعد بيع الراهن، نبّه المصنف قدّس سرّه على جريان الاحتمالين في مطلق موجبات سقوط حقّ الرهانة، و لا خصوصية للفكّ. و عليه فليس المراد ب «بل» الترقي، بل المقصود مجرد التعميم.

(2) أي: إسقاط المرتهن حقّ الرهانة مع بقاء الدين في ذمة الراهن.

(3) أي: إبراء المرتهن عهدة الراهن من الدّين، و يتبعه خروج العين عن كونها رهنا.

(4) كما لو ضمن شخص دين الراهن، فانتقل إلى ذمة الضامن، فتخرج العين عن حق الرهانة أيضا.

(5) هذا وجه احتمال عدم لزوم العقد، و تقدم توضيحه آنفا.

(6) نظير تصرف العاقد الفضولي ببيع مال الغير فضولا، فانتقاله إليه باشترائه من المالك لا يصحّح العقد الذي أوقعه فضولا قبل الاشتراء.

(7) يعني: سقوط حق المرتهن بعد تصرف الراهن لا يؤثر في تصحيح تصرفه.

(8) إشارة إلى توهم و دفعه.

أمّا التوهم فهو: أنّ الملاك في عدم تأثير العقد إن كان وقوعه على ما فيه حق المرتهن، و عدم تغير العقد عمّا وقع عليه، فهذا الملاك بعينه موجود فيما إذا أجاز المرتهن أيضا، إذ الإجازة كالفكّ لا تؤثر في العقد الذي وقع على متعلق حق المرتهن.

و أمّا دفع التوهم فقد أشار إليه بقوله: «ان مقتضى ثبوت الحق» و توضيحه:

ص: 529

إمضائه للبيع الواقع في زمان حقّه. و إن لزم (1) من الإجازة سقوط حقّه.

و بالجملة (2): فالإجازة تصرّف من المرتهن في الرهن حال وجود حقّه- أعني حال العقد- بما يوجب سقوط حقّه، نظير إجازة المالك (3). بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء (4)، فإنّه (5) ليس فيه دلالة على مضيّ العقد حال وقوعه.

______________________________

أنّ من لوازم الحق سلطنة ذيه على إسقاطه بإمضاء العقد الواقع على متعلق حقه، فبإمضائه يلزم العقد و يسقط حقّه. و هذا بخلاف سقوط الحق بالافتكاك أو غيره، فإنّه ليس فيه دلالة على إمضاء العقد و تنفيذه، فمجرّد سقوط الحق لا يقتضي لزوم العقد.

(1) يعني: أن الإجازة تصرّف من المرتهن، و يترتب عليه سقوط الحقّ، لانتهاء بيع الراهن إلى اللزوم بسبب هذه الإجازة.

(2) هذه الجملة بيان للفرق بين الإجازة و سقوط حقّ الرهانة، و محصلها ما تقدم من: أن للإجازة متعلّقا و هو عقد الراهن، فهو المجاز، فإن المرتهن الملتفت إلى بيع الراهن له السلطنة على إمضائه و فسخه. و لكن إسقاط الحق لا دلالة فيه على إمضاء العقد و إعمال الحق أصلا، بل قد لا يعلم المرتهن به حتى يجيزه أو يردّه.

فمن هذه الجهة يكون إسقاط الحق نظير ما إذا باع الغاصب مالا بقصد دخول الثمن في ملكه، ثم تملّك المال بإرث أو اتّهاب، فإنّ المغصوب منه- لجهله بتصرف الغاصب- لا يتمشى منه الإجازة و الرد.

(3) لكون كل منهما سلطانا على عقد الفضولي و الراهن، فله الإجازة و الرّد.

(4) يعني: أداء الدين، الموجب لفكّ الرهن، كما يوجبه الإبراء و الإسقاط و غيرهما.

(5) أي: فإنّ كل واحد- من الإسقاط و السقوط- لا تعلّق له بعقد الراهن حتى يمضى به.

ص: 530

فهو (1) أشبه شي ء ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم تملّكهما، و قد تقدم الإشكال فيه عن جماعة (2).

مضافا إلى: استصحاب (3) عدم اللزوم الحاكم على عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

______________________________

(1) هذا نتيجة الفرق بين إجازة المرتهن و بين سقوط حقّ الرهانة، يعني: فبيع الراهن ثم سقوط حقه يكون شبيها بمسألة «من باع ثم ملك» فكما استشكل جماعة في تلك فكذا في هذه.

(2) و المصنف قدّس سرّه أيضا رجّح هناك القول بالبطلان، حيث قال: «فالأقوى:

العمل بالروايات، و الفتوى بالمنع عن البيع المذكور»، و هي ما لو باع الفضولي لنفسه ثم اشتراه من المالك، و أجاز. و كذا لو لم يجز، فراجع «1».

(3) هذا ثاني الوجوه على ما احتمله العلّامة قدّس سرّه من عدم لزوم بيع الراهن بمجرد الفكّ، و هو استصحاب ما كان قبل فك الرهن من عدم لزوم العقد، لعدم تعقبه بالإجازة قبل الفك، و لا سلطنة للمرتهن بعد الفك حتى تنفعه الإجازة، فيبطل.

فإن قلت: إن المقتضي لصحة بيع الراهن- و هو صدوره من المالك- موجود، و المانع من اللزوم هو حق المرتهن، فمع سقوطه يندرج العقد في عموم الأمر بالوفاء، و يلزم.

قلت: لا مجال للرجوع إلى العموم في المقام، لحكومة الاستصحاب عليه.

وجه الحكومة: أنّ الاستصحاب منقّح للموضوع، و يحرز الخاص، كما إذا شك في فاسقية زيد بعد سبقها، فتستصحب، و يحرز بالاستصحاب موضوع الخاص، فلا يكون محكوما بحكم العام ك «أكرم العدول أو صلّ خلفهم». فعدم جريان العموم في مثل المقام إنما هو لأجل إحراز عنوان الخاص، فلا شك في التخصيص حتى يتمسك بالعام.

و عليه، فلا وجه للإشكال على حكومة الاستصحاب على العام كما في بعض

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 328

ص: 531

بناء (1) على أن هذا العقد غير لازم (2)، فيستصحب حكم الخاصّ.

و ليس (3) ذلك محلّ التمسك بالعام، إذ (4) ليس في اللفظ عموم زماني حتى يقال: إنّ المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط، فيبقى ما بعد السقوط داخلا في العامّ.

______________________________

الحواشي. نعم هذه الحكومة ظاهرية لا واقعية كما هو واضح.

(1) إذ بناء على بطلان بيع الراهن بدون إذن المرتهن- كما يراه صاحب المقابس قدّس سرّه- لا مجال لهذا الاستصحاب، ضرورة عدم إجداء الإجازة فضلا عن الفك و الإسقاط.

(2) هذا تقريب الاستصحاب، و الغرض منه إثبات فساد بيع الراهن، لا صحته و تزلزله كما في البيوع الخيارية. فالمقصود استصحاب عدم الملكية.

و لعلّ الأولى في تقريبه ما حكاه صاحب الجواهر قدّس سرّه عن المستدلّ به، حيث قال: «مضافا إلى استصحاب حال العقد قبل الفك من عدم التأثير» «1».

(3) أي: و ليس بيع الراهن- بعد الفك و سقوط حقّ المرتهن- محلّا للتمسك بالعام. و هذا إشارة إلى توهم منع التمسك بالاستصحاب، و تقدم بقولنا: «فإن قلت ...».

(4) تعليل لقوله: «ليس» و دفع للتوهم المزبور، و توضيحه: أنّ الزمان لم يؤخذ مفرّدا و مكثّرا للموضوع ليكون العقد في كل زمان موضوعا مستقلا لحكم العام حتى يقال: إنّ العقد المقيد بزمان معيّن قد خرج عن حيّز العام، و يشك في خروجه في غير ذلك الزمان، فيتمسك بالعام، لكونه من الشك في التخصيص الزائد.

بل الزمان اخذ ظرفا للحكم، فإذا خرج فرد كان ذلك فردا واحدا، و لا يكون خروجه في زمان آخر تخصيصا زائدا ليتمسك بالعام.

فتلخص: أنّ سقوط حق المرتهن ليس كالإجازة ملزما للعقد، بل العقد باق

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 202

ص: 532

و يؤيّد ما ذكرناه (1)- بل يدلّ عليه (2)-: ما يظهر من بعض الروايات من

______________________________

على ما كان عليه من عدم اللزوم.

(1) أي: و يؤيّد عدم صيرورة بيع الراهن لازما بالفك ما يظهر، و هذا ثالث الوجوه، و توضيحه: أن النصوص الخاصة دلّت على عدم نفوذ نكاح العبد لو تزوّج بغير إذن السيّد، و علم به و لم يلحقه إجازته.

و قد أشار إليها في مبحث إجازة الفضولي «1».

فمنها: صحيحة ابن وهب: «جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إني كنت مملوكا لقوم، و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مولاي، ثم أعتقوني بعد ذلك.

فاجدّد نكاحها حين اعتقت؟ فقال عليه السّلام: أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟ فقال: نعم، و سكتوا عنّي، و لم يغيّروا عليّ، فقال عليه السّلام: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، أثبت على نكاحك الأوّل» «2».

و جعله المصنف قدّس سرّه في بادئ الأمر مؤيّدا لا دليلا، لاحتمال دخل الإجازة بالخصوص فيما لم يكن اللزوم لعدم المقتضي، و كون القصور لأجله، لا لأجل وجود المانع، فإنّ العبد لا مقتضي لنفوذ تصرفاته، لكونه مسلوب السلطنة و لا يقدر على شي ء. بخلاف الراهن السلطان على التصرف في ماله، غاية الأمر أنّ حق المرتهن صار مانعا عن نفوذ تصرفاته، فإذا ارتفع المانع أثّر المقتضي في المقتضى.

و هذا الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال بالصحيحة على نفوذ بيع الراهن بسقوط حق المرتهن، فتكون الصحيحة مؤيدة.

(2) وجه الدلالة: ظهور الرواية في أن عقد النكاح لمّا لم يجب الوفاء به حال حدوثه- لكونه تصرفا في ملك السيد بغير إذنه- كان كذلك بقاء، و لا يقتضي العتق دخول هذا العقد في عموم وجوب الوفاء بالعقود. و الظاهر عدم الفرق في هذه الجهة

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 175

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1

ص: 533

عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيّده بمجرّد (1) عتقه ما لم يتحقق الإجازة (2) و لو بالرضا (3) المستكشف من سكوت السيّد مع علمه (4) بالنكاح، هذا.

و لكنّ الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور (5)، من جهة أنّ (6) عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس إلّا لمزاحمة حقّ المرتهن المتقدّم على حقّ المالك

______________________________

بين نكاح العبد و بين بيع الراهن، فتكون هذه النصوص دليلا على عدم تأثير فكّ الرهن في ترتب الأثر على البيع السابق.

(1) متعلق ب «صحة».

(2) أي: إجازة السيد قبل العتق، فيكون من أنحاء العقد الفضولي.

(3) متعلق بالإجازة و إشارة إلى الفرد الخفيّ منها، إذ قد تحصل بقول السيد:

«أجزت» و قد تحصل بالفعل الدال على الرضا بنكاح العبد كإهداء شي ء لزوجته، و قد تحصل بمجرد السكوت و عدم إظهار الكراهة.

(4) إذ لو لم يعلم السيد بالنكاح لم يكن سكوته إجازة قطعا، لعدم دلالته على الرضا.

(5) و هو احتمال عدم لزوم بيع الراهن بالفك المتقدم في (ص 528)، و منشأ ضعفه عدم تمامية الوجوه الثلاثة المتقدمة، كما سيظهر.

(6) هذا منع الوجه الأوّل، و حاصله: أنّ عدم نفوذ بيع الراهن إنّما هو لأجل المانع لا لعدم المقتضي، فإذا ارتفع المانع أثّر المقتضي. مثلا: إذا القي الثوب الذي فيه رطوبة مانعة عن الاحتراق في النار، فما دامت الرطوبة باقية لا يحترق الثوب، و أمّا بعد زوال الرطوبة فيحترق بها.

و في المقام تكون أدلة الإمضاء مقتضية لتأثير بيع الراهن في النقل، و عدم فعلية التأثير إنّما هو لوجود المزاحم و هو حق المرتهن المفروض سبقه على البيع، و لكن لا ريب في أن مزاحمة المانع ما دامية لا مطلقة، فمع سقوط حقّه بقي وجوب الوفاء بالبيع بلا مزاحم، فيؤثّر.

ص: 534

بتسليط (1) المالك، فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي (2)، و إنّما هو (3) من جهة المانع، فإذا زال أثّر المقتضي.

و مرجع ما ذكرنا (4) إلى: أنّ أدلة سببية البيع- المستفادة من نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و «الناس مسلّطون على أموالهم» «2» و نحوه ذلك (5) عامّة (6)، و خروج زمان الرّهن يعلم أنّه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو أسبق، فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب (7).

و لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع (8)،

______________________________

(1) متعلق ب «حق المرتهن» أي: حقّه الحاصل في الرهن بسبب تسليط الراهن.

(2) المقتضي في مقام الثبوت هو الملك، و المقتضي في مقام الإثبات هو عمومات الصحة، من آية الوفاء و حديث السلطنة.

(3) أي: عدم الأثر، و هو النقل و الانتقال.

(4) أي: كون عدم تأثير بيع الراهن لمزاحمة حق المرتهن، لا لقصور المقتضي.

(5) كآية التجارة عن تراض، و حلّ البيع.

(6) فبيع المال المملوك صحيح، سواء أ كان مرهونا أم لم يكن.

(7) فلو لم يؤثّر لزم عدم كون البيع سببا للتمليك، و هو خلف.

(8) هذا منع الوجه الثاني، و حاصله: عدم جريان استصحاب عدم التأثير هنا، لأن البناء على تأثير البيع السابق- بعد سقوط حق المرتهن- يكون من نقض اليقين باليقين، لا من نقض اليقين بالشك، و ذلك لأنّ مناط المستصحب- أعني به جواز العقد- هو حقّ المرتهن المزاحم للزوم، و المفروض سقوط حقّه و العلم بارتفاعه، و من المعلوم تبعية الحكم بالجواز لمناطه، فيرتفع بانتفاء المناط.

______________________________

(1) المائدة، الآية: 1

(2) عوالى اللئالي، ج 1، ص 222، الحديث: 99 و ج 3، ص 208، الحديث: 49

ص: 535

للعلم (1) بمناط المستصحب و ارتفاعه. فالمقام (2) من باب وجوب العمل بالعام، لا من مقام استصحاب حكم الخاص، فافهم (3).

و أمّا قياس ما نحن فيه (4) على نكاح العبد بدون إذن سيّده، فهو قياس

______________________________

و بعبارة اخرى: يعتبر في صدق «نقض اليقين بالشك» وحدة موضوع القضية المتيقنة و المشكوكة، كاليقين بعدالة زيد يوم الجمعة، و الشك في بقائها يوم السبت. و هذا الأمر غير متحقق في المقام من جهة تبدل الموضوع، لأن المتيقن السابق عدم تأثير بيع الرهن، لكونه متعلق حق الرهانة، و المشكوك اللاحق هو بيع المال الطّلق، لسقوط حق المرتهن عنه، و يعمه الأمر بالوفاء حينئذ.

و بهذا ردّ صاحب الجواهر الاستصحاب، فراجع «1».

(1) تعليل ل «لا مجال» و المناط حق المرتهن، و المستصحب هو عدم التأثير.

(2) هذا نتيجة عدم كون المورد موضوعا لدليل الاستصحاب، و أنّه بعد ارتفاع المانع يرجع إلى العموم.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ مجرد العلم بارتفاع مناط الحدوث لا يكفي في العلم بارتفاع الحكم الناشئ عنه، لاحتمال كون المناط حكمة غير مطردة، لا علة يدور الحكم معها وجودا و عدما. فالشكّ في بقاء الحكم موجود مع وحدة القضية المتيقنة و المشكوكة.

فالأولى أن يقال: إنّ التخصيص لمّا كان من الأوّل، فبعد زمان التخصيص يرجع إلى العام و إن لم يكن له عموم زماني كما ثبت في الاصول، بعد كون العقد عقد المالك، بخلاف عقد الفضولي و إجازته بعد التملك «2».

(4) غرضه قدّس سرّه منع الوجه الثالث، و هو استفادة الحكم من بطلان نكاح العبد

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 203

(2) راجع هدى الطالب، ج 5، ص 342

ص: 536

مع الفارق، لأنّ المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيّده قصور تصرّفاته عن الاستقلال في التأثير، لا مزاحمة حق السيّد لمقتضى النكاح (1)، إذ (2) لا منافاة بين كونه عبدا و كونه زوجا.

و لأجل ما ذكرنا (3) لو تصرّف العبد لغير السيّد ببيع أو غيره، ثمّ انعتق العبد، لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف. هذا [1].

______________________________

بمجرد العتق، و توضيحه: أنّ القياس مع الفارق، حيث إنّ عقد العبد ليس فيه مقتضى الصحة. فعدم نفوذ عقده لأجل عدم المقتضي، لا لأجل المزاحمة مع حق السيّد ليكون من قبيل المانع، كحق الرهن الذي هو مانع عن نفوذ عقد الراهن.

و لأجل عدم المقتضي لا يصح سائر تصرفاته و لو لغير المولى بعد انعتاقه. فلو كان عدم النفوذ لأجل المزاحمة مع حق السيد لكان اللازم نفوذه بمجرد ارتفاع المزاحم أعني الرقية و صيرورته حرّا.

(1) حتى يصح نكاح العبد بارتفاع المزاحم و إجازة السيد أو عتقه، كما يصح بيع الراهن بسقوط حق المرتهن أو إجازته.

(2) تعليل لعدم المزاحمة، و أنّ منشأ بطلان نكاح العبد هو قصور المقتضي، و من المعلوم أن سقوط المانع- و هو حقّ السيد- لا يجبر قصور المقتضي، و لا يوجب تماميته في التأثير.

________________________________________

(3) يعني: و لأجل عدم المقتضي لنفوذ تصرفات العبد، لا ينفع انعتاقه في نفوذ تصرفه لغير المولى أيضا، كما لو اشترى أو باع لزيد بلا إذن مولاه و لا إجازته، فمجرد سقوط حق العبودية بالانعتاق لا يصحّح ذلك التصرف.

هذا ما يتعلّق برد الوجوه الثلاثة المستدل بها على بطلان عقد الراهن بدون إذن المرتهن و إجازته، و عدم الجدوى في سقوط حق الرهانة.

______________________________

[1] لكن الإنصاف عدم شهادة هذا الشاهد بعدم المقتضي، و ذلك لأنّ عدم

ص: 537

و لكن مقتضى ما ذكرنا (1) كون سقوط حقّ الرهانة بالفكّ أو الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك (2) ناقلا

______________________________

(1) أي: مقتضى كون عدم تأثير بيع المالك لأجل مزاحمة حق المرتهن- و إناطة تأثيره بسقوط حقه- هو ناقلية سقوط حق الرهانة لا كاشفيته، لأن المزاحم و هو حق المرتهن مانع عن التأثير، فما دام موجودا يمتنع تأثير المقتضي، فلا محالة يكون ترتب الأثر من حين سقوط الحق لا من زمان وقوع العقد.

و غرضه قدّس سرّه من هذا الكلام التنبيه على إشكال كون فك الرّهن ناقلا، و هو منافاته لما ذهب إليه القائلون بلزوم العقد بالفك من جعله كاشفا عن صحة عقد الراهن. فحال الفكّ عندهم حال الإجازة في البيع الفضولي، مع أنّ مقتضى الصناعة الالتزام بالنقل، لئلّا يلزم تعلق حق الرهانة بمال انتقل إلى المشتري، كما تقدم تقريبه في (ص 513) بقوله: «حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن و هو المشترى رهنا للبائع».

و المصنف قدّس سرّه قرّب كون الفك ناقلا، و نظّره بالإجازة الكاشفة في مسألة «من باع ثم ملك» ثمّ قال بتعين القول بالكشف للإجماع.

(2) من موجبات سقوط حق الرهانة، كوفاء الدين، و كضمان الغير له،

______________________________

نفوذ تصرفه يمكن أن يكون لمنافاته لحقّ المولى، حيث إنّه ليس للمملوك أن يحدث عقدا من نكاح أو غيره بلا إذن مولاه و مالكه.

إلّا أن يقال: إنّ مجرد منافاة الحق للتصرف تمنع عن نفوذه ما دام الحق موجودا، و أمّا إذا ارتفع فلا وجه لعدم نفوذ العقد بعد ارتفاعه، إذ شأن المانع المنع عن التأثير ما دام موجودا، لا مطلقا، فلا بد أن يكون عدم النفوذ حتى بعد صيرورته حرّا لأجل عدم المقتضي لصحة العقد، فلاحظ حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 191

ص: 538

و مؤثّرا (1) من حينه، لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه- خصوصا (2) بناء على الاستدلال على الكشف بما ذكره جماعة (3) ممّن قارب عصرنا: من أنّ مقتضى مفهوم الإجازة إمضاء العقد من حينه- فإنّ (4) هذا غير متحقق في افتكاك الرهن، فهو (5) نظير بيع الفضولي، ثم تملكه للمبيع، حيث إنّه لا يسع

______________________________

و كالحوالة، و الإقالة المسقطة للثمن إن كان الرهن على ثمن في ذمة المشتري.

(1) هذا معنى النقل، لأنّ الإسقاط و السقوط كالإيجاد و الوجود، فلا يؤثّر السقوط المتأخر عن العقد إلّا حال تحققه، لا سابقا عليه.

(2) مقصوده بهذه الكلمة أن الكشف في الإجازة على نحوين، فتارة يقال باقتضاء نفس مفهومها إمضاء العقد من حينه، كما هو مختار جماعة. و اخرى بأنّ مقتضى القاعدة في الإجازة هو النقل، و إنّما قيل بالكشف في خصوص البيع الفضولي لأجل التعبد، كما هو مختار المصنف قدّس سرّه.

و على كلا القولين في الإجازة لا بدّ من القول بالنقل في الفك و السقوط، و لكن بناء على القول الأوّل تتأكد مخالفة الفك للإجازة الكاشفة، لحصول المباينة بين مفهوم الفك الذي هو رفع المانع، و بين مفهوم الإجازة الذي هو إمضاء العقد.

(3) كالسيد الطباطبائي و المحقق القمي قدّس سرّهما، و تقدم كلامهما في أوّل بحث الإجازة، فراجع «1».

(4) تعليل لقوله: «لا كاشفا عن تأثير العقد» يعني: فإنّ اقتضاء الإجازة- مفهوما أو تعبدا لإمضاء العقد من حينه- غير جار في الفك و الإسقاط.

(5) أي: فبيع الراهن ثم فكّه يكون نظيرا لمسألة «من باع ثم ملك».

و وجه المماثلة بينهما: أنه- بناء على كاشفية الإجازة في مطلق العقود الفضولية- لا بد من التصرف في مدلولها بجعل إجازة الفضولي- الذي تملّك المبيع-

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 16

ص: 539

القائل بصحته (1) إلّا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأوّل (2)، لا من حين العقد (3)، و إلّا (4) لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه، كما كان يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الإجازة للتأثير من حين العقد، هذا.

و لكن (1)

______________________________

كاشفة عن انتقال المال إلى المشتري من زمان دخوله في ملك الفضولي، كما لو باع زيد يوم الخميس مال عمرو من بكر، ثم اشتراه يوم الجمعة من عمرو، و أجاز يوم السبت بيع يوم الخميس، فانتقال المبيع إلى بكر يكون من يوم الجمعة لا من يوم الخميس، إذ لو كشفت إجازته عن دخول المال في ملك بكر من يوم الخميس لزم اجتماع مالكين على مال واحد، و هو ممتنع.

(1) أي: بصحة بيع الفضولي ثم تملكه للمبيع. و أما القائل ببطلانه كالمحقق صاحب المقابس ففي سعة من محذور اجتماع المالكين.

(2) و هو عمرو في المثال المتقدم، الذي انتقل المال عنه يوم الجمعة إلى الفضولي.

(3) و هو عقد الفضولي يوم الخميس.

(4) أي: و إن كان فكّ الرهن كاشفا عن تأثير بيع الراهن حال حدوثه لزم كون ملك المشتري رهنا للبائع.

(5) أي: لو قلنا بكاشفية الإجازة في «مسألة من باع ثم ملك و أجاز» عن تأثير بيع الفضول حال حدوثه- أي يوم الخميس- لزم اجتماع مالكين على المبيع، أحدهما المشتري بمقتضى كاشفية الإجازة، و الآخر المالك- و هو عمرو- ليصحّ منه البيع يوم الجمعة.

(1) استدراك على قوله: «و لكن مقتضى ما ذكرنا كون سقوط حقّ الرهانة بالفك ناقلا ...» يعني: أن القاعدة تقتضي ناقلية فك الرهن و سقوطه، و لكن مصير

ص: 540

ظاهر كلّ من قال بلزوم (1) العقد هو القول بالكشف.

و قد تقدّم عن القواعد- في مسألة عفو الرّاهن عن الجاني على المرهون-: أنّ الفكّ يكشف عن صحّته (2).

و يدلّ على الكشف أيضا (3): ما استدلّوا به على الكشف في الفضولي:

من أنّ العقد سبب تامّ ... إلى آخر ما ذكره في الروضة و جامع المقاصد (4).

______________________________

القائلين بصحة بيع الراهن- المتعقب بالفك- إلى الكشف يمنعنا من جعل الفك ناقلا.

و عليه يكون حاله حال إجازة المرتهن و إجازة العقود الفضولية.

(1) أي: لزومه بالفك. و الحاصل: أن الفقهاء على قولين، أحدهما: لزوم عقد الرهن، و استكشافه بالفك. و ثانيهما: بطلان عقده و عدم تصحيحه بالفك.

فالقول الثالث- و هو الصحة و كون الفك ناقلا- ممّا لا قائل به. و إن شئت التفصيل فراجع رهن الجواهر «1».

(2) أي: عن صحة العفو، و تقدم كلامه في (ص 521) و الغرض منه ظهور قوله: «فإن انفك ظهر صحة العفو» في كون الفك كاشفا.

(3) يعني: كما دلّ عليه ظاهر كلّ من قال بلزوم العقد بالفك، و صرّح به العلّامة قدّس سرّه، و غرضه أن بعض أدلة كاشفية الإجازة في البيع الفضولي يقتضي- بالأولوية- أن يكون فكّ الرهن كاشفا، لأنّهم استدلّوا هناك «بأنّ العقد سبب تام في التأثير ...» و من المعلوم أنّ عقد الراهن- لكونه مالكا- أولى بالسببية، إذ لا مزاحم إلّا حق المرتهن.

(4) نقله المصنف عنهما في أوّل بحث الإجازة بقوله: «ان العقد سبب تام في الملك، لعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة، فإذا أجاز تبيّن كونه تاما يوجب ترتب الملك عليه، و إلا لزم أن لا يكون الوفاء

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 201- 203

ص: 541

ثم (1) إنّ لازم الكشف- كما عرفت (2) في مسألة الفضولي- لزوم العقد قبل إجازة المرتهن من طرف الراهن (3)،

______________________________

بالعقد خاصة، بل به مع شي ء آخر. و بأنّ الإجازة متعلقة بالعقد فهو رضي بمضمونه و ليس إلّا نقل العوضين من حينه» «1».

(1) بعد ترجيح كون الفكّ كاشفا عن تأثير بيع الراهن، تعرّض المصنف قدّس سرّه لفرع يترتب عليه، و هو: أنه هل يجب على الراهن فك الرهن إمّا بأداء الدين، و إما بتبديله برهن آخر ليتمكن من الوفاء بعقد البيع و تسليم المبيع للمشتري، أم لا يجب ذلك؟

و تقدم نظيره في ثمرات الكشف و النقل بالنسبة إلى وظيفة الأصيل المتعامل مع الفضولي، فلو كان البائع فضوليا كان المشتري هو الأصيل، فقيل بوجوب الانتظار و التربص عليه حتى يجيز المالك أو يرد، بناء على الكشف، و بجواز نقض العقد بناء على النقل.

ففي المقام لا يجوز للراهن- قبل فكّ الرهن- الإقدام على ما يناقض البيع، إمّا بفسخه قولا أو فعلا و ردّ الثمن إلى المشتري، و إمّا بإبطاله بأن يأذن للمرتهن في بيع المرهونة ليستوفي دينه أو لجهة اخرى. و الوجه في عدم جواز فعل المنافي هو كون البيع عقدا للمالك، و لازما من قبله، فيجب الوفاء به حتى ينكشف تماميته بالفك أو سقوط حقّ المرتهن بمسقط آخر.

(2) حيث قال في الثمرات: «و منها: جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل و إن قلنا بأنّ فسخه غير مبطل لإنشائه ... و أمّا على القول بالكشف فلا يجوز التصرف فيه، على ما يستفاد من كلمات جماعة» «2».

(3) و هو أحد الأقوال في المسألة، قال العلّامة قدّس سرّه: «و الأقرب اللزوم- أي

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 74؛ الروضة البهية، ج 3، ص 229؛ هدى الطالب، ج 5، ص 14- 17

(2) هدى الطالب، ج 5، ص 107 و 112

ص: 542

كالمشتري (1) الأصيل، فلا يجوز له (2) فسخه، بل و لا إبطاله بالإذن (3) للمرتهن في البيع.

نعم، يمكن أن يقال (4): بوجوب فكّه من مال آخر، إذ لا يتمّ الوفاء بالعقد

______________________________

لزوم العقود- من جهة الراهن قبل الفك» «1».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه في شرحه: «كما هو خيرة الإيضاح و جامع المقاصد، لأنه صدر منه العقد في حال كونه مالكا، فحقّه أن يكون لازما، و لا مقتضى للجواز إلّا حق المرتهن، و هو منحصر في جانبه، فيختص به، لأنّ العقد فضولي بالنسبة إليه خاصة، دون العاقد الآخر مع الفضولي، فالعقد فيما نحن فيه لازم من جهة الراهن البائع، و المشتري، و جائز من جهة المرتهن خاصة» «2». و اختاره صاحبا المقابس و الجواهر، فراجع «3».

(1) يعني: كلزوم البيع على المشتري من الراهن، و لعلّ المقصود لزوم العقد على المشتري من البائع الفضولي.

(2) أي: للراهن. و الفرق بين الفسخ و الإبطال أن الفسخ إيقاع منوط بالإنشاء و لو فعلا، بخلاف الإبطال فقد يتحقق بالإذن للمرتهن غفلة عمّا أنشأه بنفسه من البيع.

(3) سواء أذن للمرتهن بيع الرهن مرة اخرى من نفس المشتري من الراهن، أو من غيره، و سواء أ كان بقصد استيفاء الدين أم لغاية اخرى.

(4) هذا في مقام الترقي، يعني: لا يجوز للراهن فسخ البيع و لا إبطاله، بل يمكن أن يقال بوجوب فك المرهونة على الراهن من مال آخر، لتوقف وجوب الوفاء ببيعه على ذلك، فوجوب الفك يكون من باب المقدمة.

و من هنا يظهر أن حقّ التعبير أن يكون هكذا: «بل يمكن أن يقال بوجوب

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 113

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 118

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 109؛ جواهر الكلام، ج 25، ص 202

ص: 543

الثاني (1) إلا بذلك (2)، فالوفاء بمقتضى الرهن غير مناف للوفاء بالبيع.

و يمكن أن يقال (3): إنّه إنّما يلزم الوفاء بالبيع بمعنى عدم جواز نقضه.

و أمّا دفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب (4)، و لذا (5) لا يجب على من باع مال

______________________________

فكه ... الخ» لا «نعم» لظهوره في الاستدراك على ما سبق من وجوب الوفاء، مع أنّ مقصوده تثبيته و حرمة نقض البيع.

(1) و هو بيع الراهن، لكونه عقدا ثانيا بالنسبة إلى عقد الرهن.

(2) أي: إلّا بفك هذا الرهن- المبيع حسب الفرض- لتسليمه للمشتري.

(3) غرضه التأمل في وجوب الفك، المتقدم بقوله: «نعم يمكن أن يقال».

و حاصله: أنّ وجوب الوفاء لا يقتضي رفع سلطنة الغير، بل مقتضاه عدم نقض البيع. فإن كان المحل خاليا عن حق الغير و سلطنته ترتّب اللزوم على العقد، و إلّا فوجوب الوفاء ليس إلّا حرمة نقضه، لا إفراغ المحلّ عن سلطنة الغير.

و عليه، فلا يقتضي وجوب الوفاء بالعقد فكّ الرهن.

(4) لعدم كونه من مقتضيات وجوب الوفاء بالعقد، لا مطابقة و لا تضمنا و لا التزاما.

(5) أي: و لأجل أن معنى لزوم الوفاء عدم جواز النقض- لا إتمام العقد بتحصيل السلطنة أو طلب الإسقاط من ذي الحق- لا يجب ... الخ.

و توضيح هذا الفرع الذي جعله شاهدا على المقام هو: أنّ الفضول لو باع مال الغير بقصد وقوعه لنفسه، ففيه احتمالان:

أحدهما: كون هذا البيع كسائر العقود الفضولية من أن من بيده أمر العقد إن أجاز، وقع العقد له، و وجب عليه الوفاء به، و لا شأن للفضولي أصلا. و إن ردّه كان إنشاء الفضولي عقدا صوريا، لا عبرة به.

و ثانيهما: كون هذا البيع لازما على الفضولي، و يجب الوفاء به، و لكن لا يجب عليه شراء المال من مالكه مقدمة لإيجاد الشرط- و هو الملك- و تسليم المبيع للمشتري، بل إن اتفق دخوله في ملك الفضولي وجب الوفاء بعقده، و إن

ص: 544

الغير لنفسه أن يشتريه (1) من مالكه، و يدفعه إليه (2) [1]، بناء على (3) لزوم العقد بذلك (4).

و كيف كان (5)، فلو امتنع،

______________________________

لم يتفق ذلك لم يجب.

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من جعل هذا الفرع شاهدا للمقام- مبني على الاحتمال الثاني، فيقال: كما لا يجب على الأجنبي إيجاد شرط الوفاء بالعقد، فكذا لا يجب على الراهن إعدام المانع عن نفوذ بيعه، بتخليص المبيع من حقّ الرهانة، هذا.

(1) الجملة في محل رفع على الفاعلية ل «يجب» و ضمائر «يشتريه، مالكه، يدفعه» راجعة إلى مال الغير.

(2) أي: إلى المشتري، المستفاد من السياق.

(3) و أما بناء على بطلان هذا البيع رأسا، أو كونه موقوفا على إجازة المالك- كما ربما يظهر من فروع «من باع ثم ملك» «1»- فلا مجال للاستشهاد به، فكونه شاهدا مبني على الاحتمال الثاني المتقدم بقولنا: «ثانيهما ...».

(4) أي: بمجرد بيع مال الغير لنفسه.

(5) يعني: سواء قلنا بوجوب الفك على الراهن أو عدم وجوبه، فلو امتنع الراهن البائع من فكّ الرهن بعد بيعه و كان له مال آخر- سوى الرهن- يمكن فكّ الرهن به، ففيه و جهان:

______________________________

[1] لا يخفى ما فيه، فإنّ العقد هناك ما لم ينتقل المبيع إلى الفضولي لا يصير عقدا له، و من المعلوم أنّ موضوع وجوب الوفاء هو عقد العاقد، و هذا الموضوع كسائر موضوعات الأحكام لا يجب تحصيله، لعدم اقتضاء الحكم وجوب إيجاد موضوعه، بخلاف عقد الراهن، فإنّ العقد عقده، فيجب عليه الوفاء به.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 330- 334

ص: 545

..........

______________________________

أحدهما: اقتضاء حق المرتهن جواز بيع العين المرهونة مقدمة لاستيفاء الدّين، و من المعلوم أنّ لازم جواز البيع قهرا على الراهن هو إبطال العقد الصادر من الراهن و المشتري.

ثانيهما: عدم جواز البيع، و لكن بجبر الراهن على فك الرهن بأداء الدين من سائر أمواله.

أمّا جريان الوجهين- بناء على احتمال وجوب فك الرهن- فلما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «1» بما توضيحه: أمّا بيع الرهن- قهرا على الراهن- فلجوازه عند الامتناع من فكّ الرهن و أداء الدين، و الامتناع المجوّز للبيع عليه أعمّ من الاختياري و القهري الناشئ من مبادرته بنقل الرهن إلى غيره بالبيع، فجاز بيع خصوص العين المرهونة لتعلق حق المرتهن بها سابقا على نقل الراهن. و لا يلزم حينئذ بفكّ الرهن من مال آخر.

و أمّا الوجه الثاني- و هو الإجبار على الفك بمال آخر- فلأنّ الواجب على الراهن الذي باع الرهن أن يفكّها منه حتى يسلّم العين للمشتري، و حيث إنّه يمتنع عن الفك، جاز للحاكم أن يجبره عليه، لكونه وليّا على الممتنع.

و أمّا جريان الوجهين- بناء على احتمال عدم وجوب الفك- فلما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه بقوله: «و أمّا على تقدير عدم وجوبه، فالبيع عليه أيضا لا إشكال فيه، و إنّما الإشكال في إجباره. و وجه دفعه ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله:

جمعا بين حق المشتري و المرتهن اللازمين على الراهن البائع» «2».

و الظاهر أنه قدّس سرّه استظهر من التعليل «بالجمع بين الحقّين» جواز الإجبار على البيع، و هو كذلك. و يبقى الإجبار على الفك خاليا عن الدليل، بعد فرض كون مبنى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 299

(2) غاية الآمال، ص 461

ص: 546

فهل يباع عليه (1)، لحقّ المرتهن، لاقتضاء الرهن ذلك (2)، و إن لزم من ذلك (3) إبطال بيع (4) الرّاهن، لتقدم (5) حق المرتهن، أو يجبر (6) الحاكم الراهن على فكّه من مال آخر، جمعا (7) بين حقّي المشتري و المرتهن (8) اللازمين (9) على الراهن البائع؟

وجهان (10) [1].

______________________________

الإجبار على البيع و الفك هو الاحتمال الثاني أعني به عدم وجوب الفكّ. فكيف يعلّل وجوب الفك بالجمع بين الحقين؟

(1) أي: يباع على الراهن رعاية لحق المرتهن السابق على بيع الراهن.

(2) أي: بيع الرهن قهرا على الراهن الممتنع من أداء دينه و فكّ ماله المرهون.

(3) أي: من بيع الرهن- قهرا على الراهن- لغاية حق المرتهن.

(4) أي: بيع الرهن من المشتري من دون رضا المرتهن.

(5) تعليل لقوله: «يباع عليه».

(6) هذا هو الوجه الثاني المتقدم بقولنا: «ثانيهما».

(7) تعليل لجواز الإجبار.

(8) أما حق المرتهن، فلكون العين وثيقة على ما يستحقه من الدين. و هو لازم على الراهن. و أما حقّ المشتري فلاستحقاقه المبيع الذي اشتراه من الراهن ببيع لازم.

فالجمع بين هذين الحقين يقتضي إلزام الراهن بفك الرهن من مال آخر ليخلص المبيع للمشتري.

(9) صفة ل «حقّي» يعين: أنّ الحقّين ثابتان- للمشتري و المرتهن- على عهدة الراهن.

(10) مبتدء مؤخر لقوله: «يباع عليه، أو يجبر» و مجموع الجملة جواب للشرط في قوله: «فلو امتنع».

______________________________

[1] الإنصاف عدم إمكان المساعدة على ظاهر كلام المصنف قدّس سرّه، و ذلك لأنّ

ص: 547

و مع انحصار (1) المال في المبيع فلا إشكال في تقدم حق المرتهن (2).

______________________________

(1) يعني: أن مصبّ الوجهين المتقدمين هو تملك الراهن مالا آخر- غير الرهن- ليقال بوجوب فكّ الرهن بذلك المال. و أما مع انحصار ماله في العين المرهونة فلا إشكال في تقديم حق المرتهن، و بطلان بيع الراهن.

(2) لتعين حقه في المبيع، إذ ليس للراهن مال آخر حتى يكون مخيرا في وفاء الدين من المرهونة و غيرها.

______________________________

مقتضى وجوب الفكّ هو إجبار الحاكم أو عدول المؤمنين، بل كل أحد- من باب وجوب النهي عن المنكر- على الفك، لا التخيير بين الفك و بين بيع الرّهن عليه، إذ المفروض أنّ بيع الراهن يقتضي وجوب الوفاء الذي هو منوط برفع سلطنة المرتهن بالفك، فيجب عليه الفك. و مع امتناعه عن الفك يجبره الحاكم أو العدول عليه، لكونه ممتنعا عن أداء حقّ الغير.

و مقتضى عدم وجوب الفك- لعدم اقتضاء وجوب الوفاء ذلك بالتقريب المتقدم- هو عدم إجباره على الفك و جواز بيع المرهونة، لاقتضاء الرهن جواز استيفاء الدين من العين المرهونة، و مع الامتناع يجبر على بيعها، و لا وجه لإجبار الراهن على خصوص فكها.

فالمتحصل: أنّه بناء على وجوب الفك يجبر الراهن عليه، و بناء على عدمه يجبر على بيع الرهن.

ص: 548

[مسألة إذا جنى العبد عمدا بما يوجب قتله أو استرقاق كلّه أو بعضه]

مسألة (1) إذا جنى العبد عمدا بما (2) يوجب قتله أو استرقاق كلّه (3) أو بعضه (4)،

______________________________

بيع العبد الجاني عمدا

(1) عدّ بعض الفقهاء تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني رابع الامور المخرجة للمال عن الطّلق، و تقدّم في (ص 389 و 396)- فيما لو جنت أمّ الولد على غير مولاها- بيان حكم جنايتها عمدا و خطأ، كما تقدم حكم جناية مطلق المملوك، فراجع.

و المقصود بالبحث هنا مجرّد كون حق الجناية مانعا عن صحة البيع أو عن لزومه، و عدمه. و الأقوال مبنية على بقاء الجاني على ملك مولاه، و عدم اقتضاء الجناية العمدية دخوله قهرا في ملك المجنيّ عليه أو في ملك وليّه، نعم يجوز له الاسترقاق كلّا أو بعضا بقدر الجناية، كما يجوز قتله قصاصا.

(2) أي: باجتماع شرائط القصاص، بأن يكون المجني عليه حرّا مسلما، و تقدم في (ص 389) الإشارة إلى بعض شرائط القصاص.

(3) كما إذا قتل العبد- عمدا- حرّا أو حرّة، أو عبدا أو أمة، أو جنى على طرف من الأطراف، و كانت ديته مستوجبة لقيمة الجاني، فإنّ المجني عليه أو وليّه مخيّر بين قتل الجاني و بين استرقاقه.

(4) كما إذا جنى العبد على طرف من الأطراف، و كانت ديته أقلّ من قيمة العبد، فيسترقّ المجنيّ عليه أو وليّه من الجاني بالنسبة، و التفصيل في محلّه.

ص: 549

فالأقوى صحة بيعه (1)، وفاقا للمحكيّ عن العلّامة (2) و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم (3)، بل في شرح الصيمري: أنّه المشهور (4)،

______________________________

(1) قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و اختيرت صحته- أي: صحة البيع- في نهاية الاحكام و التحرير و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و المسالك و الروضة. و قد سمعت ما في التذكرة. و هو ظاهر جماعة من المحشين و الشارحين، و في الحدائق: أنّه المشهور. قالوا: و البيع حينئذ يكون موقوفا على رضا المجني عليه أو وليه ...» «1».

(2) قال في القواعد: «و يجوز بيع الجاني و إن كان عمدا و عتقه، و لا يسقط حق المجني عليه عن رقبته في العمد» «2».

و قال في التذكرة: «الأقوى بين علمائنا صحة بيع الجاني، سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ أوجبت القصاص أو لا، على النفس أو ما دونها» «3».

و المستفاد من كلمات الأصحاب: أن الأقوال في بيعه ثلاثة:

أحدها: الصحة على وجه الجواز.

ثانيها: هي مع اللزوم.

ثالثها: البطلان.

(3) كفخر المحققين قدّس سرّه لعدم التعليق على ما في القواعد، و كصحابي الحدائق و الجواهر «4».

(4) قال في المقابس: «لكنه- أي الصيمري- نسب الجواز- أي جواز البيع-

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 266 و لاحظ الدروس الشرعية، ج 3، ص 200؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 99؛ الروضة البهية، ج 3، ص 263؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 171

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23

(3) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 42

(4) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 428؛ الحدائق الناظرة، ج 18، ص 458؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 383

ص: 550

لأنّه (1) لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق عن ملك مولاه،

______________________________

إلى المشهور، و استدلّ عليه بما يكشف عن اختياره أو الميل إليه» «1».

(1) أي: لأن العبد الجاني لم يخرج عن ملك مولاه، و هذا دليل ما قوّاه من صحة بيع الجاني على وجه الجواز، أي موقوفا على افتكاكه من القتل و الاسترقاق، و ذلك لبقاء الملكية و المالية، إذ مجرّد تعلق الجناية بالعبد لا يخرجه عنهما، فسلطنة المالك على بيعه بلا مزاحم.

و الحاصل: أنّه لا منافاة بين البيع و بين حق الجناية، لتعلقه بالجاني بما أنه جان، لا بما أنّه مملوك لسيده المعيّن. و ليس كحق الرهانة، فإنّه- على ما قيل- يتعلق بالمرهونة بما أنها مملوكة للراهن، فالبيع مناف له. و بهذا يتضح الفرق بين حق الرهانة و بين حق الجناية.

فإن قلت: إنّ القول ببقاء العبد الجاني على ملك سيّده لا يكفي في الحكم بصحة بيعه معلّقا على الافتكاك، و ذلك لأن من شروط البيع قابلية الانتفاع بالمبيع، فلو خرج عن قابليته بطل بيعه رأسا، لا وقوعه موقوفا على إمكان الانتفاع، كالتزامهم ببطلان بيع العبد الآبق من جهة كونه بمنزلة التالف، و كبيع الحيوان المريض المشرف على الموت كما قيل. و لمّا كانت جناية العبد عمدا معرّضة له للقتل أو الاسترقاق- لاستحقاق المجني عليه أو وليّه ذلك، و جواز المطالبة بأحد الأمرين- كان الجاني ملكا لا ينتفع به، بل ساقطا عن التموّل، هذا.

قلت: أوّلا: إنّ جواز القصاص أو الاسترقاق لا يوجب نقصا في جهة من الجهات الدخيلة في النقل و الانتقال- من خروج المبيع عن ملك السيد، أو سقوطه عن المالية، أو كونه مما لا يبذل بإزائه المال، لكون ملكيته في معرض الزوال بالقصاص، أو لكونه متعلقا لحقّ الاسترقاق المنافي للنقل عن ملك السيد- و ذلك:

أمّا عدم خروجه عن ملك السيد بمجرد تحويز استرقاقه، فلأنّ معناه جواز أن

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 96

ص: 551

على ما هو المعروف عمّن عدا الشيخ في الخلاف كما سيجي ء (1).

و تعلّق (2) حقّ المجنيّ عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابلية الانتفاع

______________________________

يتملكه المجني عليه، و ليس معناه دخول العبد الجاني في ملك المجني عليه قهرا. كما أن تجويز القصاص ليس بمعنى إسقاط ملكيته، و خروجه عن طرف إضافته إلى السيّد، بل معناه تجويز إعدام الملك. و تقدم نظير هذا في بيع الوقف من أن تجويز بيعه بطروء المسوّغ لا يترتب عليه بطلان الوقفية، بل المبطل هو بيعه خارجا.

و أمّا عدم سقوطه عن المالية- مع كونه مالا في حد ذاته- فلأنّ تجويز القصاص ترخيص في إعدام المال، لا إسقاطه عن المالية فعلا.

و أمّا عدم قبول العبد الجاني لبذل المال بإزائه، فممنوع أيضا، ضرورة عدم تعيّن القتل أو الاسترقاق ليكون بذل المال بإزائه سفهيا و أكلا للمال بالباطل، و ذلك لإمكان العفو، بل ربما يكون العفو موثوقا به «1».

و أمّا منافاة حقّ المجنيّ عليه للبيع فقد تقدم آنفا في الفرق بين حقّي الجناية و الرهانة.

و ثانيا: أن تعلق حق المجني عليه لا يقتضي فساد بيع الجاني من أصله، بل يوجب عدم نفوذه فعلا، و توقّفه على افتكاك العبد عمّا يستحقه المجني عليه من القتل أو الاسترقاق، فإن افتك لزم، و إن لم يفتك- بل قتل أو استرق- كشف عن بطلان بيع السيد عبده الجاني.

(1) سيأتي في (ص 562) نقل إجماع الخلاف- على خروجه عن ملك السيد- بما لفظه: «فإنّه لا خلاف بينهم أنّه إذا كانت جنايته عمدا ينتقل ملكه إلى المجني عليه».

(2) هذا دفع دخل مقدّر، تقدّما بقولنا: «فإن قلت ... قلت» و مقصود المصنف قدّس سرّه ردّ ما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه بقوله: «و التحقيق: أنّه و إن قلنا بكونه مملوكا للمولى صورة، إلّا أنه ليس له أثر معلوم، و لا نفع متبيّن مقداره، لإمكان

______________________________

(1) حاشية المحقق الأصفهاني، ج 1، ص 299

ص: 552

به (1)، و مجرّد (2) إمكان مطالبة أولياء المجنيّ عليه له في كلّ وقت بالاسترقاق أو القتل لا يسقط (3) اعتبار ماليّته.

و على تقدير تسليمه (4)،

______________________________

مطالبة أولياء المقتول بأحدهما- أي القصاص أو الاسترقاق- في كلّ وقت. و مثل هذا يسقط اعتبار ماليّته، و ترفع صلاحيته لما ذكر، إذ مقتضاها الدوام و الاستمرار، كما أشرنا إليه في حكم البيع سابقا» «1».

(1) حتى يكون بذل المال بإزاء هذا الملك- الخارج عن قابلية الانتفاع به- سفهيا.

(2) غرض المستشكل من هذه الجملة إسقاط العبد الجاني عن المالية المقومة للبيع.

(3) خبر قوله: «و مجرّد» و دفع لتوهم سقوطه عن المالية، كما لا مجال لتوهم خروجه عن ملك السيد.

(4) هذا ثاني الوجهين المتقدم بقولنا: «و ثانيا» و الظاهر رجوع الضمير إلى «خروج الملك عن قابلية الانتفاع به» فالمعنى: أنّ تسليم خروج الملك عن قابلية الانتفاع، كما تقدم في كلام المقابس آنفا- مع الالتزام بتعلق حق الغير برقبته- لا يوجب سقوط إضافة الملكية. فالمقصود نقص الملك فعلا، و كون السيد مسلوب السلطنة على عبده الجاني من جهة كون الأمر- في قتله أو استرقاقه أو قبول الفداء أو العفو مجانا- راجعا إلى المجني عليه أو وليّه.

و عليه فالعبد الجاني باق على ملك مولاه متعلقا به حق الغير، كبقاء الرهن على ملك الراهن متعلقا به حق المرتهن. فلو باعه السيد صحّ، لكن لا منجزا، بل موقوفا على افتكاكه عن حقّ المجني عليه، فإن افتك- بالفداء أو العفو- كشف عن لزوم البيع، و إلّا كشف عن بطلانه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 98

ص: 553

فلا ينقص ذلك (1) عن بيع مال الغير، فيكون (2) موقوفا على افتكاكه [1] عن القتل و الاسترقاق، فإن افتكّ لزم، و إلّا (3) بطل البيع من أصله.

______________________________

و يشهد لبقاء صفة الملكية- و عدم زوالها بالجناية- قوله بعد أسطر: «ان المبيع إذا كان متعلقا لحقّ الغير فلا يقبل» إذ لو كان مراده من ضمير «تسليمه» خروج العبد عن ملك السيد لم يتجه ذلك.

(1) أي: بيع العبد الجاني مع فرض خروج الملك عن قابلية الانتفاع به فعلا.

و وجه عدم كونه أسوأ حالا من البيوع الفضولية المعهودة هو كون الفضولي أجنبيا عن العوضين، و لا ولاية لا عليهما، بخلاف المقام، لفرض بقاء الجاني على ملك السيد، و إن كانت رقبته متعلّق حقّ المجني عليه.

(2) أي: فيكون بيع العبد الجاني موقوفا على افتكاك العبد عن القتل أو الاسترقاق.

(3) أي: و إن لم يفتك- بأن قتله المجنيّ عليه أو استرقّه- كشف عن بطلان البيع من أصله.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الوقوف على الافتكاك غير الصحة التي قوّاها في صدر المسألة، فإنّ صحة عقد الفضولي موقوفة على الإجازة. و ظاهر عبارته هنا الصحة الفعلية. كما أنّ قوله قدّس سرّه بعد ذلك: «فإن افتك لزم» لا يخلو من مسامحة، إذ الصواب أن يقال: «فإن افتكّ صحّ و لزم».

و قوله: «و إلّا بطل البيع من أصله» يدلّ على أنّ المراد بقوله: «فإن افتكّ لزم» هو الصحة المستتبعة للزوم، إذ مقابل البطلان هو الصحة، لا اللزوم. و أما الصحة على وجه اللزوم فقد أشار إليها بقوله: «و يحتمل».

و قد يورد على العبارة أيضا بما في حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه بعدم الاستقامة، لأن ضمير «تسليمه» إما أن يعود إلى كلا المنعين- و هما خروج العبد

ص: 554

و يحتمل أن يكون البيع غير متزلزل (1)،

______________________________

(1) هذا إشارة إلى القول الثاني في المسألة، و هو صحة بيعه منجزا، لا موقوفا

______________________________

الجاني عن قابلية الانتفاع و السقوط عن التمول- و إمّا إلى خصوص الخروج عن قابلية الانتفاع.

فعلى الأوّل لا وجه لقوله: «فلا ينقص» إذ بعد تسليم الأمرين يتعيّن البطلان، لا أنه أحسن حالا من البيع الفضولي، ضرورة عدم خروج المبيع الفضولي عن التملك و التمول، و أمّا بيع ما لا نفع فيه أو ما ليس بمتمول فباطل، سواء أ كان أصالة أم فضولا.

و على الثاني لم يتجه قوله: «فإن افتك لزم» إذ بعد تسليم الخروج عن الملك كان بيع السيد فضوليا موقوفا على إجازة المالك الفعلي، و هو المجني عليه كسائر البيوع الفضولية، الواقعة للملّاك بإجازاتهم، و لا دخل للافتكاك في نفوذ البيع السابق أصلا، هذا «1».

لكن يمكن اختيار الشق الثاني كما ذكرناه في التوضيح، و جعل التسليم راجعا إلى الخروج عن قابلية التملك، بأن يكون مراد الشيخ الأعظم منع السيد فعلا عن التصرف في العبد حتى يختار المجني عليه أحد الامور، و ليس في عبارة المتن الخروج عن الملك و الانتقال إلى المجنى عليه حتى يكون بيع السيد فضوليا موقوفا على الإجازة، لا الفك.

و على هذا فلا حزازة في العبارة من جهة التعبير ب «فلا ينقص» باعتبار كون البيع تصرفا في متعلّق حقّ الغير مع بقائه على ملك السيد. و ما أفاده المحقق الإيرواني «من وقوع البيع للمجني عليه و توقفه على إجازته» موافق لما في المقابس من وقوعه له على تقدير الإجازة، لا للسيد الذي لا خيار له في العبد الجاني «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 98

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 192

ص: 555

..........

______________________________

على الفك أو الإجازة، و المحتمل صاحب المقابس قدّس سرّه، و يظهر من قصاص الجواهر «1» وجود القائل به كما نقله فيه عن الفاضل الأصفهاني قدّس سرّه «2».

قال المحقق الشوشتري فيما لو باع المولى عبده الجاني أو رهنه: «و إن كان- أي التصرف- بيعا أو رهنا فلا ريب في أنه لا يرفع الخيار الثابت للولي ... و هل يبطل البيع من أصله؟ أو ينفسخ من حينه، أو يكون كالتلف الطارئ على المبيع، فيثبت الخيار للمشتري مع جهله، للعيب السابق على البيع، لا مع علمه، فيكون كبيع المريض الذي يخاف عليه من الموت إذا مات بعد البيع و القبض، و بيع الأرمد الذي يخاف عليه من العمى، فعمي بعدها و انعتق بذلك، أو يفرّق ... الخ» ثم اختار البطلان، و ردّ الاحتمالات الاخرى، فراجع «3».

و كيف كان فتوضيح ما في المتن من الصحة المنجزة هو: أنّ شرط صحة البيع و لزومه- أعني به كون المبيع ملكا للبائع- موجود، و مقتضاه انتقال الرقبة إلى ملك المشتري، فإن رضي وليّ المجني عليه بالفداء أو عفا فلا كلام. و إن اقتصّ من العبد أو استرقّه جاز. فإن كان المشتري عالما بجنايته الموجبة للقتل أو الاسترقاق كان التلف عليه، و لا يستحق الرجوع إلى البائع بالثمن. و إن كان جاهلا ثبت له الخيار، لأنّ كون العبد معرضا للقتل أو الاسترقاق عيب يوجب الخيار. نظير شراء عبد أرمد مشرف على العمى، لكونه عيبا فيه يستحق المشتري الجاهل به الفسخ.

و حينئذ فإن كان القتل أو الاسترقاق في زمن الخيار- أي قبل علم المشتري بالحال- كان على البائع. و إن كان بعده فهو على المشتري.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 42، ص 138، و يظهر من بيع الجواهر اختيار كونه مراعى، فلاحظ ج 22، ص 384

(2) كشف اللثام، ج 2، ص 272 (الحجرية)

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 101 و 102

ص: 556

فيكون تلفه (1) من المشتري في غير زمن الخيار (2)، لوقوعه (3) في ملكه، غاية الأمر أنّ كون البيع عرضة لذلك (4) عيب يوجب الخيار مع الجهل، كالمبيع (5) الأرمد (6).

إذا عمي، و المريض إذا مات بمرضه.

و يردّه (7): أنّ المبيع إذا كان متعلّقا لحقّ الغير فلا يقبل أن يقع لازما (8)،

______________________________

(1) المراد من تلفه قتله أو استرقاقه، فلا يسلم المبيع للمشتري حينئذ.

(2) إذ لو كان التلف في زمن الخيار كان على البائع، لقاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له».

(3) تعليل لكون التلف من المشتري لا البائع، و ذلك في صورتين:

إحداهما: علم المشتري حال البيع بحال المبيع.

و ثانيتهما: جهله به حاله، و لكن علم به بعده و لم يفسخ البيع، لسقوط خيار العيب حينئذ.

(4) أي: كون المبيع عرضة للتلف عيب موجب لخيار المشتري الجاهل بالعيب المشرف عليه.

(5) كذا في نسخ الكتاب، و الأنسب- كما تقدم عن المقابس- «كبيع الأرمد».

(6) الذي هو في معرض العمى الموجب للانعتاق، و قد عمي بعد البيع، و انعتق بذلك. و كذا المريض الذي يخاف عليه من الموت، و قد مات بعده، فإنّ جهل المشتري بالعيب يوجب الخيار.

(7) أي: و يردّ احتمال صحة البيع على وجه اللزوم: أنّ المبيع- و هو العبد الجاني- قد تعلق به حق الغير، فوقوع بيعه لازما يوجب سقوط الحق، و هو باطل.

فلا محيص عن الالتزام بأحد الأمرين، إما بطلان البيع رأسا، أو وقوفه على الإجازة.

و المتعين هو الثاني. أمّا الصحة فلكون السيد مالكا، و أما إجازة المجني عليه فلتعلق حقه بالعبد.

و على كلّ فلا وجه للالتزام بكون بيع السيد لازما كما زعمه المحتمل.

(8) كما تقدم في حقّ الرهانة أيضا.

ص: 557

لأدائه (1) إلى سقوط حق الغير. فلا بدّ إمّا أن يبطل، و إمّا أن يقع مراعى.

و قد عرفت (2) أن مقتضى عدم استقلال البائع في ماله، و مدخليّة الغير فيه وقوع بيعه مراعى، لا باطلا.

و بذلك (3) يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين المريض الذي يخاف عليه من الموت، و الأرمد الذي يخاف عليه من العمى الموجب للانعتاق، فإنّ (4) الخوف في المثالين لا يوجب نقصانا في سلطنة المالك مانعا عن نفوذ تمليكه منجّزا، بخلاف تعلق حقّ الغير (5).

اللهم إلّا أن يقال (6): إن تعلّق حقّ المجنيّ عليه

______________________________

(1) أي: لأداء لزوم البيع إلى سقوط حق الغير من المجني عليه و المرتهن.

(2) حيث قال في (ص 554): «فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير، فيكون موقوفا على افتكاكه ... الخ» و غرضه قدّس سرّه تعيين الشق الأخير، و هو الصحة الموقوفة على الافتكاك.

(3) يعني: و بتعلق حق الغير بالعبد الجاني يظهر الفرق بينه و بين المثالين المتقدمين في كلام المحتمل، و هما: بيع المريض المشرف على الموت، و الأرمد المشرف على العمى، حيث إنّ خوف الموت و العمى لا يوجب قصورا في سلطنة المالك، بخلاف حق الغير، فإنّه يزاحم سلطنة المالك، فيمنع من لزوم العقد.

(4) تعليل لظهور الفرق و بيان له. فالحيوان المريض بمرض يخشى منه الموت يصحّ بيعه لتمام سلطنة المالك عليه، و المشتري الجاهل بالحال يثبت له الخيار.

(5) و هو المجني عليه، فإنّ حقه مانع عن نفوذ تمليك السيّد و بيعه منجّزا.

(6) غرضه تأييد ما تقدم في قوله: «و يحتمل» من صحة بيع السيد منجزا و عدم توقفه على فك العبد من حقّ المجنيّ عليه، و كون بيع العبد الجاني و المريض و الأرمد من باب واحد. و حاصله: أن حق الجناية قائم برقبة الجاني أينما كانت، سواء بقي العبد رقّا لسيّده أم انتقل إلى غيره ببيع أو هبة. و للمجني عليه الأخذ بحقّه

ص: 558

لا يمنع من نفوذ تمليكه (1) منجّزا، لأنّ للبائع سلطنة مطلقة (2) عليه، و كذا للمشتري، و لذا (3) يجوز التصرف لهما فيه من دون مراجعة ذي الحق، غاية الأمر أنّ له (4) التسلّط على إزالة ملكهما، و رفعه (5) بالإتلاف أو التملّك (6) [التمليك]. و هذا (7) لا يقتضي وقوع العقد مراعى، و عدم استقرار الملك.

و بما ذكرنا (8) ظهر الفرق بين حقّ المرتهن المانع من تصرّف الغير،

______________________________

- من القصاص أو الاسترقاق- أينما وجد العبد.

و عليه فمقتضى سلطنة المالك على ماله نفوذ بيع العبد الجاني، من دون مراعاته بإجازة المجني عليه، أو بافتكاكه. كما أنّ للمشتري سلطنة التصرف فيه بذلك ما لم يكن مفوّتا.

(1) أي: تمليك المولى العبد الجاني منجّزا، لا مرعيّا بالافتكاك.

(2) بمقتضى حذف المتعلق في حديث «الناس مسلطون على أموالهم» مع عدم نهوض حجة على التقييد.

(3) أي: و لأجل ثبوت السلطنة المطلقة- للبائع و المشتري- على العبد الجاني، ينفذ تصرفهما فيه منجزا.

(4) أي: أنّ لذي الحق سلطنة على إزالة ملك البائع و المشتري، لثبوت الولاية للمجني عليه شرعا.

(5) معطوف على «التسلط» أي: له رفع ملك البائع أو المشتري بالإتلاف، و هو قتل العبد الجاني.

(6) أي: الاسترقاق. و ما في نسختنا أولى ممّا في أكثر النسخ من «التمليك».

(7) أي: ثبوت التسلّط للمجني عليه- على إزالة الملك- لا يقتضي تزلزل ملك المشتري، و كون لزومه مراعى بالافتكاك. و عليه فلا يبقى فرق بين ما نحن فيه و بين الخوف في المثالين- و هما بيع الأرمد و المريض- في كون البيع منجّزا.

(8) أي: بعدم مانعية حق الجناية عن نفوذ التمليك المنجّز- لكون البائع سلطانا مستقلا في التصرف في ماله- ظهر الفرق بين حق الجناية و بين حق الرهانة،

ص: 559

و حقّ (1) المجنيّ عليه غير المانع فعلا، غاية الأمر أنّه (2) رافع [مانع] شأنا.

و كيف كان (3)، فقد حكي عن الشيخ في الخلاف البطلان، فإنّه قال فيما حكي عنه: «إذا كان لرجل عبد، [جان] (4) فجنى، فباعه مولاه بغير إذن المجنيّ عليه، فإن كانت جنايته (5) [جناية] توجب القصاص فلا يصح البيع،

______________________________

حيث إنّ المالك الراهن محجور عن التصرف في المرهونة بدون إجازة المرتهن أو إذنه، هذا.

لكن الإنصاف أنّ هذا الفرق بحسب القواعد غير فارق، لعدم منافاة بين حق الرهانة و بين بيع المرهون، لإمكان تعلق الحق بالعين أينما كانت كحق الجناية.

فالأولى الاستناد في الفرق بينهما إلى ما ثبت بالتعبد من ممنوعية الراهن و المرتهن عن التصرف.

(1) معطوف على «حق المرتهن» فحق المجنيّ عليه لا يمنع صحة تصرف البائع و المشتري فعلا بحيث يكون مراعى بإجازة ذي الحق أو الافتكاك.

(2) أي: أنّ حق المجني عليه رافع شأني، و له اقتضاء رفع تصرف السيد- بالبيع- أو المشتري. و من المعلوم أن المانع الشأني- أي قبل الأخذ بحقّ الجناية بالقتل أو الاسترقاق- لا يزاحم تأثير بيع السيد في النقل إلى الغير.

و قد تحصّل إلى هنا اقتضاء القاعدة للقول بلزوم بيع العبد الجاني، هذا.

(3) أي: سواء قلنا بالصحة الفعلية أو المرعية، فقول شيخ الطائفة قدّس سرّه مخالف لكليهما، لأنّه ذهب إلى عدم صحة بيع العبد الجاني عمدا.

و غرض المصنف قدّس سرّه التعرض للقول الثالث في المسألة، و هو الفساد، المبني على انتقال العبد عن ملك السيد إلى المجني عليه أو وليّه.

(4) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ كالمصدر «فجنى».

(5) كذا في النسخ، و لكن في الخلاف- في الموضعين- «جناية» يعني: كانت

ص: 560

و إن كانت (1) جنايته [جناية] توجب الأرش صحّ (2) إذا التزم مولاه الأرش».

ثم استدلّ (3) «بأنّه إذا وجب (4) عليه القود فلا يصحّ بيعه، لأنّه قد باع منه (5) ما لا يملكه (6)، فإنّه حقّ للمجنيّ عليه. و أمّا إذا وجب عليه الأرش صحّ (7)، لأنّ رقبته سليمة، و الجناية أرشها، فقد التزمه (8) السيد، فلا وجه يفسد البيع» انتهى «1».

______________________________

جناية العبد عمديّة، فيكون أثرها ثبوت حق القصاص لولي المجني عليه.

(1) معطوف على «فإن كانت» و هذا حكم الجناية الخطائية، لأن الخيار للمولى بين الأرش و تسليم الجاني للمجني عليه.

(2) كذا في المقابس، و في الخلاف: «فإنّه يصح بيعه إذا ...».

(3) يعني: قال الشيخ: «دليلنا: أنه إذا وجب».

(4) يعني: أن العبد الجاني إذا ثبت عليه القصاص لم يصح للمولى بيعه، لأنّه باع ما لا يملكه، و يشمله النهي في: «لا تبع ما ليس عندك» فيبطل.

(5) أي: من قبل نفسه- لا من طرف المجني عليه- و المراد: أن السيد باع من ما لا يملكه.

(6) كذا في النسخ، و في الخلاف: «ما لا يملك، لأن ذلك حق المجني عليه» و على تقدير ثبوت الضمير في «يملكه» فالمرجع و المشار إليه ل «ذلك» هو الموصول المراد به العبد الجاني.

(7) في الخلاف: «فإنّه يصح بيعه، لأنّ رقبته سليمة من العيب».

(8) كذا في النسخ، و في الخلاف: «فقد التزامها».

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 118- 117، كتاب البيوع، المسألة: 198، و حكاه المصنف عن مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 95

ص: 561

و قد حكي (1) عن المختلف: «أنّه حكى (2) عنه في كتاب الظهار: التصريح بعدم بقاء ملك المولى على الجاني عمدا، حيث قال: «إذا كان عبد قد جنى جناية (3)، فإنّه لا يجزئ عتقه عن الكفارة، و إن كان خطأ جاز ذلك (4). و استدلّ بإجماع الفرقة، فإنّه (5) لا خلاف بينهم أنّه إذا كانت جنايته عمدا ينتقل (6) ملكه إلى المجنيّ عليه، و إن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه» (7) انتهى.

و ربما يستظهر ذلك (8) من عبارة الإسكافي المحكية عنه في باب الرهن،

______________________________

(1) الحاكي صاحب المقابس «1»، نقله في القول الأوّل، و هو بطلان بيع العبد الجاني عمدا و عتقه و رهنه.

(2) أي: حكى العلّامة في المختلف عن شيخ الطائفة في ظهار الخلاف.

(3) كذا في النسخ، و لكن في الخلاف و المختلف و المقابس «جناية عمد، فإنّه لا يجزئ إعتاقه».

(4) أي: جاز عتق العبد الجاني عمدا في كفارة الظهار.

(5) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الخلاف و المختلف و المقابس «لأنّه».

(6) كذا في النسخ و المقابس، و في الخلاف و المختلف «أنّه ينتقل» و هذه الجملة هي مبنى حكم شيخ الطائفة بفساد عتق العبد الجاني عمدا، لانتقاله قهرا إلى ملك المجني عليه، و حيث إنه «لا عتق إلّا في ملك» فيبطل عتق السيد.

(7) تتمة عبارة الخلاف هي: «لأنّه عاقلته، و على هذا لا شك فيما قلناه».

(8) أي البطلان، و المستظهر هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه، فإنّه بعد نسبة البطلان إلى شيخ الطائفة و العلّامة قدّس سرّهما، قال: «و أيضا هو الظاهر من ابن الجنيد، حيث قال ...» «2».

______________________________

(1) الخلاف، ج 4، ص 546، كتاب الظهار، المسألة: 33؛ مختلف الشيعة، ج 7، ص 443؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 95

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 95

ص: 562

و هي: أنّ من شرط الرّهن أن يكون الراهن مثبتا لملكه إيّاه، غير خارج بارتداد أو استحقاق الرقبة بجنايته على ملكه» انتهى.

و ربما يستظهر (1) البطلان من عبارة الشرائع أيضا في كتاب القصاص، حيث قال: «إنّه إذا قتل العبد حرّا عمدا، فأعتقه مولاه، صحّ، و لم يسقط القود.

و لو قيل: لا يصحّ لئلّا يبطل حقّ الولي من الاسترقاق، كان حسنا. و كذا (2) بيعه و هبته» انتهى.

لكن يحتمل قويّا (3) أن يكون مراده بالصحة: وقوعه لازما غير متزلزل

______________________________

(1) المستظهر صاحب المقابس أيضا، حيث قال: «و ربما يظهر- يعني البطلان- من باب القصاص من الشرائع أيضا كما سيأتي، و كذا من الغنية و المهذّب».

و الوجه في التعبير ب «ربما» ما نقله في المقابس عن المحقق قدّس سرّه من أنه في كتاب البيع تردّد في جواز بيع العبد الجاني مطلقا، و في كتاب الرهن تردّد في جواز رهنه، ثم قال: «و الأشبه الجواز» و يظهر من القصاص ترجيح المنع، ثم نقل عبارة الشرائع المذكورة في المتن، ثم قال: «و يمكن أن يكون هذا رجوعا عمّا ذكره في الرهن- يعني من ترجيح الجواز- كما أنه رجوع عن تردّده في جواز البيع في كتاب البيع.

و كان هذا أولى» «1».

(2) كذا في النسخ و المقابس، و في الشرائع: «و كذا البحث في بيعه و هبته» يعني: أنّ حكم بيع العبد الجاني عمدا و هبته حكم عتقه، فلو قيل بعدم الصحة في الجميع كان حسنا.

(3) غرضه الخدشة فيما استظهره صاحب المقابس من كلام المحقق في القصاص، من بطلان بيع العبد الجاني عمدا، و أنّ المحتمل قويا أن يريد بقوله: «و لو قيل لا يصحّ» أنّه لا يقع لازما، لظهور تعليل بطلان العتق- بكونه مفوّتا لحق وليّ

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 95- 96؛ شرائع الإسلام، ج 4، ص 209

ص: 563

كوقوع (1) العتق، لأنّه (2) الذي يبطل به حقّ الاسترقاق، دون وقوعه مراعى بافتكاكه عن القتل و الاسترقاق.

و كيف كان (3)، فالظاهر من عبارة الخلاف الاستناد في عدم الصحة إلى عدم الملك، و هو (4) ممنوع، لأصالة بقاء ملكه،

______________________________

المجني عليه- في أن المبطل للحق هو اللزوم، و حيث إنّ العتق لا يقع موقوفا و مراعى فيلغو من أصله. و هذا بخلاف البيع، لإمكان وقوعه مراعى بالافتكاك عن حقّ المجني عليه، فلا مانع من صحته متزلزلا.

و عليه فنسبة فساد البيع إلى المحقق قدّس سرّه لا تخلو من خفاء.

(1) أي: كوقوع العتق لازما أو باطلا، و ليس بينهما متوسط، و هو العتق المراعى بالافتكاك أو الإجازة.

(2) أي: لأن وقوع البيع لازما يبطل حق الاسترقاق و إن لم يبطل حق القصاص.

(3) يعني: سواء أ كان مقصود المحقق من عدم صحة بيع العبد الجاني بطلانه رأسا كما استظهره صاحب المقابس، أو صحته مراعى بالافتكاك كما احتمله المصنف، فالظاهر أن منشأ البطلان عند شيخ الطائفة هو عدم كون السيد مالكا للعبد الجاني متعمدا، لقوله تارة: «لأنّه قد باع منه ما لا يملكه» و اخرى: «ينتقل ملكه إلى المجني عليه»، و من المعلوم اشتراط البيع بالملك.

(4) أي: و عدم الملك ممنوع، و مقصود المصنف الخدشة في دعوى الشيخ بوجهين:

أحدهما: استصحاب ملكية العبد، للشك في ارتفاعها بالجناية العمدية، فتستصحب الملكية.

و ثانيهما: ظهور لفظ «الاسترقاق» في النصوص في بقائه على ملك سيّده بعد الجناية ليسترقّه المجني عليه أو وليّه، إذ لو انتقل العبد إليه بمجرد الجناية لم يبق

ص: 564

و لظهور [و ظهور] (1) لفظ «الاسترقاق» في بعض الأخبار (2) في بقاء الملك.

نعم في بعض الأخبار (3) ما يدلّ على الخلاف.

______________________________

موضوع للاسترقاق المملّك.

(1) معطوف على «أصالة» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و في بعض النسخ «و لظهور» و هما بمعنى.

(2) كصحيح زرارة عن أحد هما عليهما الصلاة و السلام: «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا استرقوه» «1».

و نحوه غيره «2».

(3) كخبر علي بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار، واحدا بعد واحد؟ قال: فقال: هو لأهل الأخير من القتلى، إن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا استرقوه، لأنّه إذا قتل الأوّل استحق أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأوّل، فصار لأولياء الثاني. فإذا قتل الثالث، استحق من أولياء الثاني، فصار لأولياء الثالث. فإذا قتل الرابع استحقّ من أولياء الثالث، فصار لأولياء الرابع، إن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا استرقوه» «3».

______________________________

[1] هذا لو دار أمر عتق العبد الجاني عمدا بين الصحة فعلا و بين البطلان ليكون مقتضى السياق ذلك في بيعه. إلّا أن القائل بصحة العتق مراعى موجود.

و التعليق على الافتكاك تعليق على واقع لا على متوقع، و هو غير مبطل للإنشاء.

مضافا إلى ما احتمله صاحب الجواهر قدّس سرّه من اختصاص التعليق الممنوع بما يذكر في صيغة العتق، فراجع «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 73، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، الحديث: 1

(2) المصدر، ص 74، الحديث: 4

(3) المصدر، ص 77، الباب 45 من أبواب القصاص في النفس، الحديث: 3

(4) جواهر الكلام، ج 42، ص 137

ص: 565

و يمكن أن يكون (1) مراد الشيخ بالملك السلطنة عليه،

______________________________

و استدل به صاحب المقابس قدّس سرّه على مدعاه من اقتضاء الجناية دخول المملوك في ملك أولياء المجني عليه، و أن المراد بالاسترقاق- الذي جعل مقابلا للقصاص- الرضا ببقائه رقّا.

و قال في ذيل هذا الخبر: «و فيه دلالة على المطلوب من وجوه عديدة» «1».

فمنها: قوله عليه السّلام: «هو لأهل الأخير» لظهور اللام في الملك، بناء على أن يكون «استرقوه» بمعنى إبقائه في الرق لا التملك.

و منها: قوله عليه السّلام: «استحق أولياؤه» و «استحق من أولياء الأوّل» و «استحق من أولياء الثاني ...».

و منها: «فصار لأولياء الثاني ...» لظهور الاستحقاق و الصيرورة في التملك القهري.

لكن هذا الخبر معارض بغيره، و التفصيل في القصاص.

(1) غرضه قدّس سرّه توجيه فتوى شيخ الطائفة قدّس سرّه- لمخالفته للمشهور- باحتمال أن يكون مراده من انتقال ملك العبد الجاني إلى المجني عليه هو انتقال السلطنة إليه مع بقاء الرقبة على ملك السيد، فيكون نظير ملك حق الفسخ في بابي الخيار و الشفعة، بمعنى كون ذي الخيار و الشفيع مالكا لأمر البيع، و له الفسخ و الإمضاء، فكذا المجني عليه، لتسلطه شرعا على القصاص أو الاسترقاق أو الرضا بالفداء أو العفو مجانا.

و ربما يكون تعبيره في الخلاف بعد قوله: «قد باع منه ما لا يملكه» ب «فإنّه حق للمجني عليه» ظاهرا في هذا الحمل، بأن أراد من عدم الملك عدم الملك التام المستتبع للسلطنة عليه فعلا [1].

______________________________

[1] لكن يشكل بصراحة قوله في باب الظهار بانتقال ملكه إلى المجني عليه،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 97

ص: 566

فإنّه (1) ينتقل إلى المجنيّ عليه، و يكون (2) عدم جواز بيعه من (3) المولى مبنيّا على المنع عن بيع الفضولي، المستلزم (4) للمنع عن بيع كل ما يتعلق به حق الغير ينافيه (5) السلطنة المطلقة من المشتري عليه، كما في الرّهن (6).

______________________________

و حينئذ فيكون بطلان بيعه- كما ذهب إليه بعض آخر- إمّا لرعاية حق المجنيّ عليه، كما استدلّ به على فساد عتقه، و إما لبطلان الفضولي مطلقا.

(1) أي: فإنّ التسلط على العبد الجاني ينتقل إلى المجني عليه، و يكون السيد كالمحجور عن ماله.

(2) هذا نتيجة الحمل المزبور، يعني: و إن كانت الرقبة ملكا للسيد، إلّا أنّ تعلق الحقّ به يوجب كون بيعه فضوليا، و المعروف عن الشيخ في الخلاف بطلان الفضولي رأسا.

(3) أي: البيع الناشئ من المولى، فحرف الجر نشويّة.

(4) صفة ل «المنع» يعني: أنّ بطلان بيع الفضولي مال الغير يستلزم بطلان بيع متعلّق حق الغير، إذ لو صحّ نقله إلى الغير لزم عدم سلطنة المشتري على المبيع سلطنة مطلقة- لتعلق حق المجني عليه به- مع أنّ مقتضى المبادلة تسلطه عليه مطلقا كتسلط البائع على الثمن.

(5) يعني: أن سلطنة المشتري المطلقة تنافي حقّ الغير المتعلق بالمبيع.

(6) حيث إنّ سلطنة المشتري التامة تنافي حق المرتهن، و لذا قيل ببطلان بيع الرهن، كما تقدم.

______________________________

مع عدم اقترانه بما يوهن دلالته على نقل الرقبة، لا مجرد السلطنة، مع وضوح مقابلة الحق للملك و إن كان كلاهما من سنخ الإضافة الخاصة.

ص: 567

[مسألة إذا جنى العبد خطأ صحّ بيعه على المشهور]

مسألة (1) إذا جنى العبد خطأ صحّ بيعه على المشهور (2)، بل (3) في شرح الصيمري:

«أنّه لا خلاف في جواز بيع الجاني إذا كانت الجناية خطا أو شبه عمد (4)، و يضمن المولى أقلّ الأمرين من قيمته و دية الجناية (5).

______________________________

بيع العبد الجاني خطأ

(1) تقدم في حكم جناية أمّ الولد على غير مولاها خطأ حكم جناية مطلق المملوك كذلك، و أنّ الخيار للسيد بين الفداء و تسليم الجاني إلى المجني عليه للاسترقاق أو البيع، فراجع (ص 396).

(2) كما في الحدائق «1»، و يقابله القول بالبطلان إلّا إذا فداه السيد كما عن ابن إدريس، أو أجازه المجني عليه أو وليه كما عن ابن الجنيد.

(3) غرضه الترقي من شهرة صحة البيع إلى كونها إجماعية، في دعوى الفاضل الصيمري قدّس سرّه.

(4) نقل السيد العاملي قدّس سرّه عنهم- في وجه إلحاق غير العمد بالخطإ- ما لفظه:

«لأنه حق غير مستقر في الجاني، لأنّ للمالك أداؤه من غيره. و لأنّه تعلق به من غير اختيار المالك هنا، فلم يمنع البيع، كالزكاة» «2».

(5) فلو كانت دية جناية العبد أكثر من قيمته لم يضمنها المولى، لأن العبد

______________________________

(1) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 458

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 265

ص: 568

و لو امتنع (1) كان للمجني عليه أو لوليّه انتزاعه، فيبطل البيع. و كذا (2) لو كان المولى معسرا، فللمشتري (3) الفسخ مع الجهالة، لتزلزل ملكه ما لم يفده المولى» انتهى «1».

و ظاهره (4) أنّه أراد نفي الخلاف عن الجواز قبل التزام السيد.

إلّا أنّ المحكيّ عن السرائر و الخلاف: أنّه لا يجوز (5) إلّا إذا فداه المولى أو

______________________________

لا يجني بأكثر من قيمة نفسه، و ليس المولى عاقلته حتى يضمن الزيادة.

(1) يعني: لو امتنع المولى من أن يفدي عبده بأقل الأمرين، جاز للمجني عليه انتزاع العبد، فإن كان المشتري جاهلا بجناية العبد ثبت له الخيار، و إلّا فلا.

(2) معطوف على «امتنع» يعني: و يجوز للمجني عليه انتزاع العبد من يد المشتري لو لم يمتنع السيد من الفداء بل التزم به، و لكن عجز عن البذل من جهة الإعسار.

(3) هذا نتيجة بطلان البيع بانتزاع العبد من يد المشتري، و له خيار العيب، فيستحق الفسخ و استرداد الثمن من السيد، سواء أ كان جهله بامتناع المولى عن أداء أقل الأمرين، أو بإعسار المولى، و عدم قدرته على الفداء.

(4) غرضه قدّس سرّه أنّ مقتضى إطلاق معقد الإجماع هو صحة بيعه سواء أ كان قبل التزام السيد بالفداء أم بعد التزامه به، و إلّا فجواز البيع بعد ضمان أقلّ الأمرين- من الأرش و دية الجناية- هو المتيقن من الجواز. فالمهمّ إحراز الجواز قبل التزام السيد بالفداء.

و لكن قد يتأمّل في الإجماع بما حكي عن ابن إدريس قدّس سرّه من منع بيع العبد الجاني خطأ قبل أن يفديه السيد أو يلتزم به. و ليس نفس البيع التزاما قهريا بالفداء لينفذ.

(5) أي: لا يجوز البيع، و لكن الضمير يعود إلى كلّ تصرف فيه، و لا خصوصية

______________________________

(1) غاية المرام (مخطوط) ج 1، ص 280

ص: 569

التزام (1) بالفداء «1»، لا أنه (2) إذا باع ضمن (3).

و الأوفق بالقواعد أن يقال بجواز البيع (4)، لكونه ملكا لمولاه، و تعلّق حقّ

______________________________

للبيع، و العبارة منقولة عن ابن إدريس بالمعنى، لأنّه قال في حكم الجاني خطأ:

«و لا يجب على السيد سوى تسليمه إلى أولياء المقتول ... إلّا أن يتبرّع المولى و يفديه الدية. فإذا فداه و ضمن عنه ما جناه جاز له حينئذ عتقه و التصرف فيه.

و قبل ذلك لا يجوز له شي ء من ذلك ... و شيخنا أبو جعفر قائل بذلك، موافق عليه» ثم نقل كلام شيخ الطائفة في رهن الخلاف، فراجع.

(1) لم يظهر من عبارة السرائر كفاية الالتزام بالفداء، لظهور قوله: «يفديه بالدية» في دفع الدية قبل إنشاء البيع، إلّا أن يستفاد كفايته من عطف «ضمن عنه» على «فداه».

(2) أي: لا أنّ السيد إذا باع ضمن الفداء- قهرا- ليصح البيع.

(3) خلافا لجماعة ذهبوا إلى عدم اشتراط صحة بيع السيد بأحد الأمرين قبله من الفداء و الالتزام، لكون نفس التصرف بالبيع و العتق و شبههما التزاما و ضمانا بالفداء، ففي بيع القواعد: «و يكون- أي البيع- في الخطأ التزاما للفداء» «2».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه: «أما كون بيعه في الخطأ التزاما للفداء، فقد صرّح به في التذكرة و نهاية الاحكام و اللمعة و الروضة و المسالك. و في المبسوط: انه الذي ينبغي، لأنّ الخيار للسيد، فإذا باعه فقد اختار الفداء، فتعيّن عليه ... و احتمل في نهاية الاحكام عدم التزام السيد بالفداء، و قوّاه في موضع من التحرير، لأنّ أكثر ما فيه أنّه التزام بالفداء، فلا يلزمه الفداء، كما لو قال الراهن: أنا أقضي الدين» «3».

(4) محصله- كما تقدم في بيع العبد الجاني عمدا أيضا- هو صحة بيع السيد

______________________________

(1) الحاكي صاحب المقابس، كتاب البيع، ص 95، و أشار إليه في ص 99 و لاحظ: السرائر، ج 3، ص 358؛ الخلاف، ج 3، ص 235، كتاب الرهن، المسألة: 28

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 266

ص: 570

الغير لا يمنع عن ذلك (1)، لأنّ كون المبيع مال الغير لا يوجب بطلان البيع رأسا، فضلا (2) عن تعلّق حقّ الغير.

و لعلّ ما (3) عن الخلاف و السرائر مبنيّ على أصلهما من بطلان الفضولي و ما أشبهه من كلّ بيع يلزم من لزومه بطلان حقّ الغير، كما يؤمي إليه (4) استدلال الحلّي على بطلان البيع قبل التزامه و ضمانه: بأنّه (5) قد تعلّق برقبة العبد الجاني، فلا يجوز إبطاله (6). و مرجع هذا المذهب (7) إلى أنّه لا واسطة بين

______________________________

قبل الفداء، موقوفا على فك رقبته من حق الجناية. وجه الصحة: أن تعلق حق الغير بالعبد مع كونه ملكا له لا يوجب بطلان البيع، بل يجعله فضوليا منوطا برضا المجني عليه أو وليّه.

نعم من يقول ببطلان العقد الفضولي رأسا- حتى لو كان المبيع ملكا للبائع، و إنما تعلق به حق الغير- قال به هنا أيضا. و لعلّ منشأ حكم ابن إدريس بعدم جواز البيع قبل تخليص الرقبة من حق الجناية هو منع العقد الفضولي مطلقا.

و هو غير قادح بناء على صحته و وقوفه على الإجازة كما يراه المعظم.

(1) أي: عن جواز البيع.

(2) تقدم آنفا وجه الأولوية المعبّر عنها ب «فضلا».

(3) و هو عدم جواز بيع العبد الجاني خطأ قبل بذل الفداء.

(4) أي: إلى بطلان كل بيع يوجب لزومه و نفوذه ذهاب حق الغير.

(5) متعلق ب «استدلال» و الضمير راجع إلى حقّ المجني عليه.

(6) أي: إبطال حق المجني عليه.

(7) أي: مذهب شيخ الطائفة و الحلي من بطلان بيع ملك الغير أو متعلّق حقه.

فإنّ مآله إلى إنكار الواسطة بين اللزوم و البطلان، فإن صحّ البيع كان لازما، و إن فسد لم يترتب عليه أثر. و أما الصحة المراعاة بالإجازة أو إسقاط الحق فلا يلتزم بها.

ص: 571

لزوم البيع و بطلانه، فإذا صحّ البيع أبطل حقّ الغير (1).

و قد تقدّم غير مرّة (2): أنّه لا مانع من وقوع البيع مراعى بإجازة ذي الحقّ أو سقوط (3) حقّه، فإذا باع المولى فيما نحن فيه قبل أداء الدية أو أقل الأمرين- على الخلاف (4)- وقع مراعى، فإن فداه المولى أو رضي المجنيّ عليه بضمانه فذاك (5)، و إلّا (6) انتزعه المجنيّ عليه من المشتري.

و على هذا (7) فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع حقّ المجنيّ عليه.

______________________________

(1) و حيث إنه لا يصح إبطال حق الغير لم يصح البيع، كما تقدم في دعوى القائل ببطلان بيع الراهن قبل الاستيذان.

(2) كقوله في (ص 510): «و بالجملة: فالمستفاد من طريقة الأصحاب- بل الأخبار- أن المنع عن المعاملة إذا كان لحقّ الغير الذي يكفي إذنه السابق لا يقتضي الإبطال رأسا، بل إنما يقتضي الفساد، بمعنى عدم ترتب الأثر عليه مستقلّا من دون مراجعة ذي الحق».

و قوله في (ص 557): «ان المبيع إذا كان متعلقا لحق الغير فلا يقبل أن يقع لازما ... و قد عرفت أنّ مقتضى عدم استقلال البائع في ماله ... وقوع بيعه مراعى، لا باطلا».

(3) معطوف على «إجازة» أي: مراعى بسقوط حق ذي الحق.

(4) تقدم في (ص 397) التعرض لاختلاف كلمات شيخ الطائفة قدّس سرّه في أنّ السيد لو اختار الفداء، فهل الواجب عليه دية الجناية مهما بلغت؟ أو أقل الأمرين من قيمة العبد و الدية.

(5) أي: فصار البيع لازما.

(6) أي: و إن لم يبذل السيد الفداء و لم يرض المجنيّ عليه بضمان السيد لأقل الأمرين و التزامه به، جاز للمجني عليه انتزاع العبد الجاني من المشتري.

(7) يعني: فعلى فرض جواز انتزاعه من المشتري- لعدم مانع من وقوع البيع

ص: 572

قال في كتاب الرهن من القواعد (1): «و لا يجبر السيّد على فداء الجاني و إن رهنه أو باعه، بل يتسلّط المجنيّ عليه (3)،

______________________________

مراعى- لا يوجب البيع ضمان البائع لحق المجني عليه، إذ الضمان موقوف على بطلان حق المجنيّ عليه عن العين بسبب البيع و نفوذه، و المفروض عدم لزوم البيع بمثابة يوجب سقوط حق المجني عليه عن العين، فلا ضمان على البائع بمجرد البيع، من جهة إتلاف حق المجني عليه.

(1) الظاهر أن الغرض من نقل عبارة القواعد الاستشهاد بها على قوله:

«فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع حق المجني عليه» لصراحة قول العلّامة قدّس سرّه:

«و لا يجبر السيد» في عدم استلزام صحة بيعه و رهنه استقرار حق المجني عليه على عهدة السيّد، حتى لا يجوز لذي الحق انتزاع العبد من المرتهن أو من المشتري.

(2) حاصله: أنه لو رهن السيد عبده الجاني- بعد جنايته الموجبة لصيرورته متعلق حق الغير- فإن فكّه المولى بأداء قيمة العبد إلى المجني عليه، أو أداء الدية إليه، فلا كلام في صحة الرهن. و إن لم يفكّه- و لم يكن نفس الرهن ضمانا للفداء- تسلّط المجنيّ عليه على انتزاع العبد الجاني من يد المرتهن لاستيفاء حقّه. فإن استوعبت الجناية قيمة العبد بطل الرهن، إذ لم يبق منه شي ء للسيد ليرهنه. و إن لم تستوعبها بطل الرهن في ما يقابل الجناية، كما لو كان قيمة العبد مائة دينار، و دية الجناية خمسين، فيبطل الرهن بالنسبة إلى نصف العبد و يصح في النصف الآخر.

و وجه بطلان الرهن- كلّا أو بعضا- تقدم حق الجناية على حق الرهانة.

(3) حذف هنا لفظ «عليه» أو «على العبد» المتعلق ب «يتسلط» فكأنّ العبارة هكذا «يتسلط المجنيّ عليه عليه» أي: على العبد الجاني، لكن حذف حذرا من تكرار كلمة «عليه». كذا وجّهه في جامع المقاصد و مفتاح الكرامة «1».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 5، ص 59؛ مفتاح الكرامة، ج 5، ص 92

ص: 573

فإن استوعب الجناية (1) القيمة بطل الرّهن، و إلّا (2) ففي المقابل» انتهى «1».

لكن (3) ظاهر العلّامة في غير هذا المقام و غيره (4) هو: أن البيع بنفسه التزام بالفداء. و لعلّ وجهه (5): أنّه يجب على المولى حيث تعلّق بالعبد- و هو

______________________________

(1) كذا في النسخ الكتاب، و الموجود في نسخ القواعد «استوعب الأرش القيمة».

(2) يعني: و إن لم يستوعب الأرش قيمة العبد بطل الرهن فيما يقابل الأرش، و صحّ في ما لا يقابله.

(3) غرض المصنف قدّس سرّه بيان تضارب آراء العلّامة قدّس سرّه في أن بيع العبد الجاني أو رهنه التزام بالفداء أم لا، ففي رهن القواعد لم يجعلهما التزاما به، و لكن في بيع القواعد تصريحه بالالتزام «2»، و تقدم في (ص 568) نقل عبارة السيد العاملي قدّس سرّه.

(4) يعني: و غير العلّامة، كشيخ الطائفة و الشهيدين، على ما نسب إليهم «3».

(5) أي: وجه كون نفس البيع التزاما بالفداء أنّه يجب ... الخ. و توضيحه: أنّ التخيير بين تسليم الجاني إلى المجني عليه، و بين دفع أقل الأمرين من القيمة أو خصوص الدية- على الخلاف- ثابت للمولى مع إمكان العدلين له، كما هو الحال في الواجبات التخييرية، و أمّا مع عدمه و تعذّر أحد العدلين يتعيّن الآخر لا محالة.

و في المقام لمّا تعذّر تسليم العين إلى المجني عليه- لأنّ وجوب الوفاء بالبيع أوجب تعذر التسليم، فإنّ المانع الشرعي كالعقلي- فيتعيّن الفداء.

فعلى هذا يتجه كلام العلّامة من أنّ البيع التزام بالفداء، هذا.

و لا يخفى أن صاحب المقابس قدّس سرّه وجّه- بمثل ما في المتن- عتق السيد قبل

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 110 و 111

(2) المصدر، ص 23

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 266، و هو ظاهر سكوت فخر المحققين و المحقق الثاني، فلاحظ إيضاح الفوائد، ج 1، ص 428، و جامع المقاصد، ج 4، ص 97

ص: 574

مال من أمواله، و في يده- حقّ (1) يتخيّر (2) المولى في نقله عنه إلى ذمّته، أن (3) يوفّي حقّ المجني عليه، إمّا من العين (4) أو من ذمّته. فيجب عليه إمّا تخليص العبد من المشتري بفسخ أو غيره (5)، و إمّا أن يفديه من ماله. فإذا امتنع المشتري من ردّه- و المفروض عدم سلطنة البائع على أخذه قهرا، للزوم (6) الوفاء بالعقد- وجب (7) عليه دفع الفداء.

و يرد عليه (8):

______________________________

الفداء و إلزامه به، فقال: «و بوجه آخر: انّه لمّا كان مكلّفا بأحد الأمرين- الدفع و الفداء- و لمّا أعتق لم يجز له إبطاله، لوجوب الوفاء بكل عهد و عقد مطلقا، فيتعذّر الدّفع، كما لو أتلفه، فتعيّن الآخر، و هو المطلوب» «1».

(1) فاعل قوله: «تعلّق».

(2) أي: يتخير المولى في نقل الحقّ عن رقبة العبد إلى ذمة نفسه ليبذل الفداء.

(3) مؤوّل بالمصدر، و هو فاعل قوله: «يجب» أي: على المولى أداء حق المجني عليه.

(4) و هو العبد الجاني، و المراد بما في ذمة المولى هو كلّي الفداء الذي التزم به.

(5) من إقالة، أو ابتياعه من المشتري، أو اتهابه منه، أو الصلح عليه.

(6) تعليل لانتفاء سلطنة البائع على استرداد العبد- قهرا- من المشتري.

(7) جواب الشرط في «فإذا امتنع» و المراد بهذا الوجوب هو التعييني، من جهة تعذر عدله- و هو دفع العين إلى المجني عليه- كما عرفته آنفا.

(8) أي: على الوجه المتقدم بقوله: «و لعلّ وجهه» و حاصل الرد: أنّه لا يجب على المولى أن يضمن فداء العبد الجاني قبل بيعه، لأنّ اشتغال ذمة السيد بالفداء إمّا لاقتضاء جناية العبد وجوب الفداء عليه تعيينا، و إما لكون بيعه إتلافا.

و لم يثبت شي ء منهما. أما الفداء فلم يجب على المولى تعيينا، لكونه مخيّرا بينه

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 101

ص: 575

أنّ فداء العبد غير لازم [1] قبل البيع، و بيعه ليس إتلافا له [2] حتى يتعيّن عليه الفداء (1). و وجوب الوفاء (2) بالبيع لا يقتضي إلّا (3) رفع يده، لا رفع يد الغير (4).

بل هذا (5) أولى بعدم وجوب الفكّ من الرّهن الذي تقدم في آخر مسألته

______________________________

و بين تسليم العبد للمجني عليه. و أما الإتلاف فلا موضوع له في المقام، لعدم كون إخراج العبد عن ملك السيد تضييعا لحقّ المجني عليه، حتى تشتغل العهدة بقيمة العبد.

فإن قلت: إنّه يجب على المولى الوفاء بالبيع شرعا و يحرم عليه نقضه، و من المعلوم أن الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، فيكون نفس بيع العبد الجاني إتلافا له على المجني عليه. فإمّا أن يبطل البيع ليتمكن ذو الحق من استيفاء حقّه، و إمّا أن يصحّ، و يلزم تعهد السيد بالفداء. و لمّا كان بيعه صحيحا إجماعا تعيّن كونه التزاما بالفداء.

قلت: إن وجوب الوفاء لا يوجب تعذر استرقاق المجني عليه أو وليّه للجاني حتى يتعين لأجله وجوب الفداء على المولى، و ذلك لأنّ مقتضى وجوب الوفاء بالعقد هو حرمة رفع يده، لا رفع يد الغير، فللمجني عليه رفع اليد عن بيع المولى و استرقاق الجاني.

(1) كما تقدم توضيحه بقولنا: «و أما الإتلاف فلا موضوع له ... الخ».

(2) هذا دفع دخل تقدّما بقولنا: «فإن قلت ... قلت».

(3) كذا في النسخ، و الظاهر سقوط لفظ «الحرمة» قبل «رفع يده».

(4) المراد به المجني عليه، فإنّه غير مخاطب بوجوب الوفاء ببيع مولى الجاني حتى يحرم عليه رفع اليد.

(5) أي: العبد الجاني، و غرضه الترقي من عدم لزوم فداء العبد قبل البيع، إلى

______________________________

[1] لكن الوجوب التخييري كاف في المقصود.

[2] هذا ينافي حكمهم بكون البيع بمنزلة التلف الحقيقي في كثير من الموارد كالمعاطاة.

ص: 576

الخدشة في وجوب الفكّ على الراهن بعد بيعه (1)، لتعلّق (2) الدّين هناك بالذّمّة، و تعلق الحق هنا بالعين، فتأمّل (3).

ثمّ (4) إن المصرّح به في التذكرة،

______________________________

أنّ عدم وجوب فك رقبته أولى من عدم لزوم فك الرهن. وجه الأولوية كون متعلق الدين هو ذمة الراهن، و كون متعلق حق الجناية رقبة الجاني، ينتقل معه حيثما انتقل.

(1) حيث قال في (ص 544): «و يمكن أن يقال: إنّه إنما يلزم الوفاء بالبيع ... و أما دفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب».

(2) فيجب الوفاء الذي يتحقق به افتكاك الرهن، بخلاف المقام، فإنّ الحقّ تعلق بنفس العين لا بذمة المولى حتى يجب عليه الوفاء ليتحقق به الافتكاك.

(3) لعلّه إشارة إلى منع الأولوية، حيث إنّ الدين و إن كان متعلقا بالذمة، لكنّ حق الاستيفاء للدائن تعلّق بالعين، فتكون العين المرهونة كالعبد الجاني أيضا متعلقة للحق.

أو إشارة إلى: كون البيع بمنزلة التلف موجبا لتعين الفداء على المولى.

أو إشارة إلى: سائر الوجوه المحتملة.

(4) هذا من فروع المسألة، و هو أنه لو أقدم المشتري على بذل الفداء إلى المجني عليه تخليصا للعبد من الاسترقاق و البيع، فإن كان بإذن البائع استحق الرجوع عليه، و إن لم يكن بإذن السيد فلا.

هذا لو لم يقصد التبرع، فلو قصده فأولى بعدم الرجوع على البائع.

قال العلّامة قدّس سرّه: «و لو اختار المشتري الفداء، فله، و البيع بحاله، لقيامه مقام البائع في التخيير. و حكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم قضاء الدين عنه» «1».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 44

ص: 577

و المحكيّ عن غيرها (1): أنّ للمشتري فكّ العبد. و حكم رجوعه إلى البائع حكم قضاء الدين عنه (2).

______________________________

(1) قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «و قال في التحرير: يرجع به عليه مع الإذن خاصة، و به نصّ في المسالك» «1».

(2) من التفصيل بين كون الأداء بإذن من عليه الحق، فيرجع، و بين عدم كونه بإذنه- سوا قصد التبرع- أم لا. قال العلّامة قدّس سرّه: «و من أدّى دين غيره من غير ضمان و لا إذن لم يرجع، و إن أدّاه بإذنه بشرط الرجوع، رجع» «2».

هذا تمام الكلام في بيع العبد الجاني، و به تمّ الكلام في اشتراط العوضين بكونهما طلقا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 102 و لاحظ: تحرير الأحكام، ج 1، ص 165 (ج 2، ص 281، الطبعة الحديثة)؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 172

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 159- 160

ص: 578

[الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم]

مسألة الثالث (1) من شروط العوضين: القدرة على التسليم (2).

______________________________

القدرة على التسليم

(1) و الشرطان الأوّلان هما المالية و الملكية. و أما الطلقية فممّا يعتبر في الملك، فهي شرط الشرط.

(2) أي: كون تسليم العوضين مقدورا للمتبايعين حال العقد- عند الإطلاق و عدم تقييد القبض و تأخيره إلى مدة- كما يعتبر كونهما معلومين لهما كذلك، فلو كان البائع قادرا على التسليم حين تحقق العقد و طرأ العجز عنه بعده ثبت الخيار للمشتري.

و عليه فتعذر التسليم المانع عن الصحة هو المتحقق حين حدوث العقد، و الموجب للخيار هو المتجدد بعده.

ثمّ إنّ عدّ القدرة على التسليم و التسلم من شرائط العوضين- مع أن القدرة عليهما كالعلم بهما من صفات المتعاقدين- لعلّه من جهة غلبة كون العجز لقصور في العين كالحمام الطائر من قفصه و لا يرجى عوده إليه، و السمكة الواقعة في النهر بعد صيدها، و العبد الآبق، و الجمل الشارد، و نحوها.

فلو كان العجز لقصور في المتعاقدين- كما لو تعاوضا على عين معيّنة و هما في سجن لا يرجى إطلاقهما منه- لم يكن مانعا عن صحة البيع من هذه الحيثية.

ص: 579

فإنّ الظاهر الإجماع على اشتراطها في الجملة (1)، كما في جامع المقاصد (2)، و في التذكرة: «أنّه إجماع» (3). و في المبسوط: «الإجماع على عدم جواز بيع السمك في الماء، و لا الطير في الهواء» (4).

و عن الغنية «أنه إنّما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفّظا ممّا لا يمكن فيه (5) ذلك (6)، كالسمك في الماء، و الطّير في الهواء، فإنّ ما هذه

______________________________

(1) أي: على وجه الإيجاب الجزئي، فلا يرد عليه بخروج بيع العبد الآبق مع الضميمة الذي ادعي الاتفاق على جوازه مع عدم القدرة على تسليمه.

ثمّ إنّ دعوى الإجماع مبنية على عدم قدح خلاف الفاضل القطيفي المنكر لشرطية القدرة على التسليم و التسلم مع علم المشتري بالحال و رضاه بذلك.

(2) يعني: أن المحقق الثاني قدّس سرّه ادّعى الإجماع في الجملة على اشتراط القدرة على التسليم، حيث قال: «فيمكن أن يقال: اشتراط القدرة على التسليم في الجملة ... للإجماع على اشتراط هذا الشرط» «1».

(3) قال فيها: «و هو إجماع في صحة البيع» «2».

(4) كذا في المبسوط، و لكن الظاهر أنّ البطلان لانتفاء الملك قبل الحيازة.

و الأولى للاستشهاد- على اشتراط التمكن من التسليم- هو قوله قدّس سرّه: «إذا باع طيرا في الهواء قبل اصطياده لم يجز، لأنّه بيع ما لا يملكه و لا يقدر على تسليمه. و إن كان اصطاده و ملكه ثمّ طار من يده لم يجز بيعه، لأنه لا يقدر على تسليمه» «3».

(5) الضمير راجع إلى الموصول المراد به المعقود عليه.

(6) أي: أن يكون مقدورا عليه، و المقصود القدرة على تسليمه للمشتري.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 101

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 48

(3) المبسوط، ج 2، ص 157؛

ص: 580

حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف (1)» «1».

و استدل (2) في التذكرة على ذلك، بأنّه: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر» و هذا غرر «2».

______________________________

(1) هذه الكلمة هي مقصود المصنف قدّس سرّه من نقل عبارة الغنية.

و المتحصل من هذه الكلمات تظافر دعوى الإجماع على اعتبار القدرة على التسليم، و سيأتي التعرض لسائر ما استدل به على الحكم.

(2) الاستدلال بهذا النبوي على بطلان بيع ما لا قدرة على تسليمه منوط بمقدمات ثلاث:

الاولى: إحراز صدور الخبر منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ظاهر تعبير العلّامة في التذكرة ب «لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن بيع الغرر» ذلك، بل في المصابيح- و نقله في الجواهر بلفظ قيل-: «و قد أجمع عليه المؤالف و المخالف، القائل بحجية خبر الواحد و غيره، كالسيد المرتضى و ابني زهرة و إدريس» «3».

الثانية: اقتضاء النهي عن بيع الغرر للفساد، لا مجرد الحرمة تكليفا غير المنافية للصحة. و قد ادّعى فخر المحققين قدّس سرّه الإجماع عليه، لقوله في بيع المجهول: «فيدخل تحت النهي عن بيع الغرر، الذي يدل على الفساد إجماعا» «4».

الثالثة: صغروية العجز عن التسليم للغرر. و هي ثابتة بوجهين:

أحدهما: استدلال كثير من الفقهاء بالنبوي على حكم بيع مثل السمك في الماء، لظهوره في إحراز غررية بيع ما لا قدرة على تسليمه، و كونه خطريا.

ثانيهما: أنّ معنى الغرر «عمل ما لا يؤمن معه من الضرر» كما في المرسل

______________________________

(1) الغنية، ص 211، و الحاكي عنه العلّامة الطباطبائي في المصابيح (مخطوط)

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 48

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 386

(4) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 430

ص: 581

و النهي (1) هنا يوجب الفساد إجماعا، على الظاهر (2) المصرّح به في موضع من الإيضاح، و اشتهار (3) الخبر بين الخاصة و العامة يجبر إرساله.

أمّا كون ما نحن فيه غررا (4) فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء و أهل اللغة، حيث مثّلوا للغرر ببيع (5) السمك في الماء و الطّير في الهواء،

______________________________

عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين. و ما ذكره أهل اللغة في معنى هذه الكلمة صادق على بيع غير المقدور تسليمه، و سيأتي في المتن نقل كلمات جماعة من اللغويين.

و بناء على هذه المقدّمات يتجه الاستدلال بالخبر على اعتبار القدرة على تسليم العوضين.

(1) هذا إشارة إلى كبرى استلزام النهي عن المعاملة للفساد، كما تقدم في المقدمة الثانية.

(2) يعني: أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على الاستلزام، و إن كان هذا الإجماع مصرّحا به في الإيضاح كما تقدم آنفا.

(3) هذا إشارة إلى المقدمة الاولى، و هي أصالة الصدور، و مقصوده أنّ الخبر المرسل ينجبر ضعفه بشهرته عندنا، و المفروض أنّ هذا النبوي مما رواه الفريقان، كما في المستند «1»، فلا يقصر عن الخبر الواحد الموثوق صدوره عن المعصوم عليه السّلام. و وصفه في الجواهر بأنّه مشهور معتبر متلقّى بالقبول «2».

(4) هذا في مقام إثبات الصغرى، و هي كون غير مقدور التسليم من موارد الغرر، و تقدم آنفا في المقدمة الثالثة.

(5) التمثيل بهما ناظر إلى جهة عدم القدرة، فإنّ الخطر نشأ منه، فلا يرد عليه «بأنّ بيعهما إن كان قبل حيازتهما فلا يصح لعدم الملكية».

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 14، ص 322

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 386

ص: 582

مع أنّ (1) معنى الغرر (2)- على ما ذكره أكثر أهل اللغة- صادق عليه، و المروي (3) عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «أنّه عمل ما لا يؤمن معه من الغرور (4) [الضرر]» «1».

و (5) في الصحاح: «الغرّة: الغفلة، و الغارّ: الغافل، و أغرّه، أي أتاه على

______________________________

و يمكن أن يقال: إنّ بيعهما يكون بعد الحيازة و فرارهما، فلا يرد عليه ما ذكر من عدم الصحة لعدم الملكية.

(1) غرضه قدّس سرّه أن تمثيل الفقهاء و أهل اللغة ببيع السمك في الماء إنّما هو لصدق معنى «الغرر» اللغوي عليه، لا لخصوصية في المثالين.

(2) المراد بهذا المعنى هو الخطر، فإنّ بيع السمك في الماء و الطير في الهواء خطري.

(3) يعني: و مع أنّ المروي ... الخ. أمّا صدق المروي عنه عليه الصلاة و السلام على بيعهما فهو في غاية الوضوح.

(4) كذا صحّحت في نسختنا، و هو موافق لما في الطبعة الحجرية من الجواهر (ص 85) و لكن الموجود في الطبعة الأخيرة في النجف الأشرف- وفقا لما في المصابيح- كلمة «الغرر» و لم نقف على ما في المتن من كلمة «الضرر».

________________________________________

(5) هذا مكان الفاء لا الواو كما لا يخفى.

و كيف كان فما يستفاد من كلام أهل اللغة في معنى الغرر- مع الإدغام و بدونه- ثلاثة معان: الغفلة، و الخدعة، و الخطر. و المناسب من هذه المعاني للنبوي المذكور هو الخديعة، لأنّ النهي يقتضي مقدورية متعلقه، و الغفلة و الخطر بمعنى الهلاك- اللذان هما معنيان لغرّ لازما لا متعديا- لا يتعلّق بهما النهي.

فالمتعين كون الغرر في النبوي بمعنى الخديعة. و لا ينافي ذلك في ما كلام

______________________________

(1) لم نجد هذه الرواية في جوامع الأخبار و لا فيما بأيدينا من كتب القدماء الفقهية، و نسبها صاحب الجواهر قدّس سرّه إلى ابن أبي المكارم الفقهي، فلاحظ ج 22، ص 387 و نحوه في المصابيح للسيد الطباطبائي (مخطوط)

ص: 583

غرّة منه، و اغترّ بالشي ء، أي: خدع به، و الغرر: الخطر، و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر، و هو (1) مثل بيع السمك في الماء و الطّير في الهواء ... إلى أن قال (2): و التغرير: حمل النفس على الغرر» انتهى «1».

و عن القاموس ما ملخّصه: «غرّه غرّا و غرورا و غرّة- بالكسر- فهو مغرور و غرير- كأمير-: خدعه و أطعمه في الباطل (3) [بالباطل] ... إلى أن قال (4): غرّ بنفسه تغريرا و تغرّة: أي عرّضها للهلكة، و الاسم: الغرر محركة ... إلى أن قال: و الغارّ الغافل، و اغترّ: غفل، و الاسم: الغرّة بالكسر» انتهى «2».

و عن النهاية- بعد تفسير الغرّة بالكسر بالغفلة- «أنّه نهى عن بيع الغرر، و هو ما كان له ظاهر يغرّ المشتري، و باطن مجهول. و قال الأزهري:

بيع الغرر ما كان على غير عهدة و لا ثقة (5)، و يدخل فيه البيوع التي لا يحيط

______________________________

اللغويين من التمثيل لبيع الغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء، لصدق الخديعة عليهما، فإنّ الخدعة تناسب ما ذكروه في كلماتهم من أنّ الغرر هو «ما له ظاهر محبوب و باطن مكروه» أو «توهم حسن ما هو قبيح واقعا».

(1) أي: و بيع الغرر يكون مثل بيع السمك في الماء.

(2) أي: قال صاحب الصّحاح.

(3) كذا في نسختنا، و في المصدر و بعض نسخ الكتاب «بالباطل».

(4) الضمير الفاعل المستتر هنا و في «قال» الآتي راجع إلى صاحب القاموس.

(5) يعني: أنّ العنوان الجامع للبيوع الغررية المنهيّ عنها شرعا هو عدم تعهد البائع بحصول المبيع في يد المشتري، و عدم وثوقه بالحصول، و أظهر الأمثلة بيع

______________________________

(1) الصحاح، ج 2، ص 768- 769، مادة «غرر»

(2) القاموس المحيط، ج 2، ص 100- 101، مادة «غرر»

ص: 584

بكنهها المتبايعان من كلّ مجهول. و قد تكرّر (1) في الحديث. و منه حديث مطرّف: إنّ لي نفسا واحدة، و إنّي لأكره أن اغرّر بها، أي: أحملها على غير ثقة، و به (2) سمّي الشيطان غرورا، لأنّه يحمل الإنسان على محابّه، و وراء ذلك (3) ما يسوؤه» انتهى «1».

و قد حكي أيضا (4) عن الأساس و المصباح و المغرب و المجمل و المجمع:

______________________________

السمك في الماء. و يشمل عنوان «بيع الغرر» بيع المجهول، و هو ما لا إحاطة للمتبايعين بكنهه و حقيقته.

(1) غرض الأزهري إقامة الشاهد على أن بيع الغرر «ما كان على غير عهدة و لا ثقة»، و يكون معنى جملة «لأكره أن اغرّر بها» كراهة حمل النفس على ما تحب و تشتهي، مع عدم الأمن من وقوعها في ما يسوؤها و يضرّ بها.

(2) أي: بسبب أنّ الغرر هو حمل الإنسان على محابّه- في هذه النشأة الفانية- سمّي الشيطان غرورا.

(3) أي: وراء المحاب و المشتهيات- التي تغرّر الإنسان بها- ما يسوؤه.

(4) يعني: كما حكي عن الصحاح و النهاية. و الحاكي عن الجميع صاحبا المصابيح و الجواهر، ففي الجواهر: «و الغرر فيه- أي في الحديث- الخطر، قاله في الصحاح و المصباح و الأساس و المغرب و المجمل، يقال: هو على غرر، أي:

على خطر» إلى أن قال: «و الظاهر أنّ المراد بالمجهول ما يعمّ مجهول الأصل، و مجهول الحصول، فيوافق ما تقدّم في الصحاح و المجمل و المغرب و مجمع البحرين من تمثيل بيع الغرر ببيع السمك في الماء، و الطير في الهواء، و هو نصّ في المدّعى» «2».

و المقصود من نقل عبارة الجواهر الإشارة إلى أن تفسير الغرر بالخطر غير

______________________________

(1) النهاية (لابن أثير) ج 3، ص 355- 356، مادة «غرر»

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 386- 387

ص: 585

تفسير الغرر بالخطر «1»، ممثّلا (1) له في الثلاثة الأخيرة (2) ببيع السمك في الماء و الطّير في الهواء.

و في التذكرة (3): «أنّ أهل اللغة فسّروا بيع الغرر بهذين». و مراده من التفسير التوضيح بالمثال (4). و ليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير (5)، كما يظهر بالتأمّل.

______________________________

مصرّح به في مجمع البحرين، و لكن يستفاد منه ذلك كما استفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه، و حكاه المصنف عنه، و لو نوقش في الاستظهار فالعهدة على الحاكي لا على الماتن. و الأمر سهل.

(1) حال من «تفسير» أي: أن تفسير الغرر بالخطر مقترن بمثال بيع السمك في الماء.

(2) و هي المغرب للمطرزي، و المجمل لابن فارس، و المجمع للعلّامة الطريحي قدّس سرّه.

(3) عبارة التذكرة: «و فسّر بأنّه بيع السمك في الماء و الطير في الهواء» «2».

(4) كما في المصابيح و الجواهر أيضا، لقوله: «و هو محمول على التمثيل».

و غرض المصنف قدّس سرّه: أن اللغويين لم يحدّدوا مفهوم الغرر بذكر المثالين، بل مقصودهم توضيح المفهوم ببيان المثال و ذكر المصداق، فيمكن أن يصدق مفهوم الغرر على غير المثالين لسعته.

(5) مراده بهذا التفسير هو الخطر. و وجه التنافي بين ما نقله العلّامة قدّس سرّه من تفسير الغرر في اللغة بالمثالين بأن يكون معناه الخطر، و بين ما في النهاية من كون

______________________________

(1) لاحظ: أساس البلاغة للزمخشري، ص 322؛ المصباح المنير للفيومي، ص 445؛ المغرب للمطرزي، ص 338؛ مجمل اللغة لابن فارس، ص 532؛ مجمع البحرين، ج 3، ص 423

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 51

ص: 586

و بالجملة: فالكلّ متفقون (1) على أخذ «الجهالة» في معنى الغرر، سواء تعلّق الجهل بأصل وجوده، أم بحصوله في يد من انتقل إليه، أم بصفاته كمّا و كيفا (2).

و ربما يقال (3): إنّ المنساق من الغرر المنهي عنه: الخطر، من حيث الجهل

______________________________

الغرر «ما فيه ظاهر غار و باطن مجهول» هو: عدم صدق الغرر على بيع الطير في الهواء، إذ ليس فيه ظاهر يغرّ المشتري و باطن مجهول مغترّ به، بل باطنه غير خفي على المشتري كظاهره. مع صدق المعنى المعروف- و هو الخطر- لعدم العلم بحصول الطير في يد المشتري. و عليه فلا جامع بين المعنيين.

و وجه دفع التنافي: أن التمثيل ببيع الطير و السمك لأجل توضيح معنى الغرر، و لا إختلاف بين التفسيرين، و ذلك لظهور بيع الطير في الهواء في قدرة البائع على التسليم، فإذا ظهر عدمها صدق عليه: أن ظاهره غارّ و باطنه مجهول، فيغتر المشتري بإقدامه على الشراء مع عدم حصول المبيع في يده. و بهذا يظهر وحدة المراد من التفسيرين.

قال في الجواهر بعد نقل عبارة النهاية: «و الظاهر أن المراد بالمجهول ما يعم مجهول الأصل و مجهول الحصول».

(1) يعني: أن «الجهالة» تستفاد من تعبيرهم تارة ب «ما له ظاهر غارّ، و باطن مجهول» كما عن النهاية، و اخرى ب «عدم الثقة» كتعريف الأزهري، و ثالثة ب «الخطر الذي لا يوثق بالأمن منه» فلاحظ.

(2) فيدل النبوي على اشتراط العلم بالعوضين كمّا و كيفا فيما كان للعلم بالصفات دخلا في المالية.

(3) القائل صاحب الجواهر، و غرضه الخدشة في دلالة النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على فساد بيع ما لا قدرة على تسليمه، و محصل ما أفاده قدّس سرّه: أن «الغرر» المنهي عنه و إن كان مطلقا شاملا لكلّ من الجهل بأصل حصول العين و الجهل بصفاتها، إلّا أنّه

ص: 587

بصفات المبيع (1) و مقداره (2)، لا مطلق (3) الخطر الشامل لتسليمه و عدمه، ضرورة (4) حصوله في بيع كلّ (5) غائب، خصوصا (6) إذا كان في بحر و نحوه (7)، بل هو (8)

______________________________

لا بدّ من تقييد كلام اللغويين بخصوص الجهل بصفات المبيع و مقداره، لا مطلق الخطر الشامل للتسليم و عدمه، لانتقاضه بموارد يكون أصل الحصول مشكوكا فيه فيها و مع ذلك يجوز البيع، كالمال الغائب، خصوصا إذا كان في البحر أو الطريق المخوف مثلا، و كالثمار و الزرع مع جواز بيعهما. فلو كان الجهل عامّا لأصل الحصول لم يكن البيع في هذه الموارد جائزا أصلا، مع جوازه الكاشف عن عدم الخطر في بيع المجهول حاله من جهة التسليم و التسلّم. خصوصا مع جبر الخطر المحتمل بخيار المشتري لو تعذّر التسليم.

و عليه فالغرر المنهي عنه لا يشمل الجهل بأصل الحصول كبيع الطير في الهواء أو السمك في الماء.

(1) نظير شراء مقدار معلوم من حنطة غير مرئية، مع الجهل ببعض الصفات الدخيلة في المالية.

(2) كشراء صبرة من حنطة مجهولة الوزن و الكمّ.

(3) معطوف على «الخطر من حيث ...» و ضمير «تسليمه» راجع إلى المبيع.

(4) تعليل لكون المنساق من الغرر المنهي عنه هو الجهل بالمبيع كمّا أو كيفا، لا ما يعم الجهل بالتسليم.

(5) أي: حصول الخطر في بيع كل مبيع غائب عن مجلس البيع أو عن بلد العقد.

(6) وجه الخصوصية: أنّ الخطر في تسليم المتاع المجهول في السفينة الجارية في اللّجة أعظم من الخطر في تسليم المبيع الموجود في مكان قريب من مجلس المعاملة، كما إذا دنت القافلة من البلد، أو اقتربت السفينة من الساحل.

(7) من الطرق التي يشتد خوف التلف و السرقة فيها كالجبال و الفلوات.

(8) أي: بل الجهل بالتسليم يكون أوضح شي ء في بيع الثمار بعد بدوّ

ص: 588

أوضح شي ء في بيع الثمار و الزرع و نحوهما.

و الحاصل (1): أنّ من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة (2) إلى التسلّم و عدمه، خصوصا بعد جبره (3) بالخيار لو تعذّر» «1».

و فيه (4): أنّ الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل

______________________________

صلاحها، و بيع الزرع قبل الحصاد و بعده، لاحتمال إصابة آفة بهما، فيعجز البائع عن التسليم. و كذا الحال في غيرهما من المنتوجات المبيعة حالا أو سلفا.

فلو كان بيع مجهول الحال- من جهة التسليم- ممنوعا لأجل الغرر، لزم الحكم بالبطلان، مع جواز بيعها قطعا الكاشف عن عدم صدق الغرر.

(1) هذا من كلام الجواهر أيضا، أفاده بعد نقل النبوي المروي في الدعائم.

(2) يعني: يكون متعلق الجهل هو إمكان التسلّم و عدمه، فلا جهل في خصوصيات المبيع و صفاته كمّا و كيفا.

(3) أي: جبر الخطر الموجود في بيع مجهول الحال. و وجه خصوصية جواز بيعه عدم تضرر المشتري أصلا، لتمكنه من الفسخ بتعذر التسليم.

(4) ناقش المصنف قدّس سرّه في كلام الجواهر بوجهين:

الأوّل: أنّه لا وجه لكون الغرر المنهي عنه مختصا بالخطر الناشي من الجهل بصفات المبيع كمّا أو كيفا، مع وضوح أنّ الخطر المترتب على جهالة الحصول أعظم مما يترتب على الجهل بالأوصاف. فالنهي عن الغرر من ناحية الوصف يستلزم- بالأولوية- النهي عن بيع ما لا قدرة على تسليمه، فيثبت إطلاق «الغرر» لكل من الجهل بأصل الحصول و بالصفة.

فإن قلت: يمكن منع الإطلاق، لاختصاص الغرر- لغة- بالجهل بالصفات، فهو المنهي عنه، دون الجهل بأصل الحصول، فيبقى بيع ما لا قدرة على تسليمه

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 388

ص: 589

بصفاته (1) مع العلم بحصوله (2). فلا وجه (3) لتقييد كلام أهل اللغة، خصوصا (4) بعد

______________________________

مندرجا في عمومات الصحة كحلية البيع و التجارة عن تراض، و وجوب الوفاء بالعقود.

قلت: لا وجه لرفع اليد عن إطلاق «الخطر» الذي فسّر به الغرر، لتوقف رفع اليد عن أصالة الإطلاق- المعوّل عليها عرفا- على قرينة، و هي مفقودة. بل القرينة على شمول «الخطر» لكلّ من الجهل بالحصول و بالصفة موجودة في كلمات اللغويين، و هي التمثيل لما لا قدرة على تسليمه ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء.

و احتمال أن يكون التمثيل بهما لاعتبار العلم بالمبيع صفة، مندفع باشتهار ذكرهما في كلمات الفقهاء مثالا للعجز عن التسليم.

و الحاصل: أنّه لا موجب لجعل الغرر المنهي عنه مختصّا بالجهل بالصفات كما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه.

الثاني: أنّ الفريقين استدلّوا بالنبوي المتقدم على اعتبار القدرة على التسليم، كما يظهر من عبارة الانتصار، و من المعلوم منافاة استدلالهم لدعوى اختصاص الغرر فيه بالجهل بمقدار المبيع. فلو سلّم ظهور النبوي في النهي عن خصوص الجهل بالصفات- كما ادعاه في الجواهر- كان ساقطا من جهة إعراض الجميع عنه، إذ لا فرق في كونه موهنا بين السند و الدلالة.

(1) هذا الضمير و ضمير «بحصوله» راجعان إلى المبيع.

(2) الذي ادّعاه صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «ان المنساق من الغرر المنهي عنه ... الخ».

(3) هذا متفرع على إطلاق الغرر لكلا القسمين من الجهل بالحصول، و الجهل بالمقدار، و ليس متفرعا على كون الغرر من ناحية الحصول أعظم منه من ناحية الجهل بالصفات.

(4) وجه الخصوصية: أنّ التمثيل يوجب صيرورة اللفظ كالنصّ في المثال أعني

ص: 590

تمثيلهم بالمثالين المذكورين.

و احتمال (1) إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده، يدفعه (2) ملاحظة اشتهار التمثيل بهما [1] في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم، لا للجهالة بالصفات، هذا.

مضافا إلى (3): استدلال الفريقين من العامة و الخاصة بالنبوي المذكور على (4) اعتبار القدرة على التسليم، كما يظهر من الانتصار، حيث قال فيما حكي عنه: «و ممّا انفردت به الإماميّة: القول بجواز شراء العبد الآبق مع

______________________________

به الجهل بالحصول. فكأنّ المفهوم من لفظ «الغرر» هو مورد المثال، أو القدر المتيقن منه، على تقدير الإطلاق.

(1) الغرض من الاحتمال منع قول المصنف: «خصوصا» وجه المنع: أنّ المثالين أجنبيان عن كون منشأ الغرر و الخطر الجهل بالحصول، و إنّما ذكر هما اللغويون مثالا للجهل بالمقدار، فيتجه مختار صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(2) خبر قوله: «و احتمال» و تقدم توضيح المطلب بقولنا: «و احتمال أن يكون التمثيل بهما ... مندفع باشتهار ...».

(3) هذا وجه آخر للمناقشة في كلام الجواهر، و تقدم بقولنا: «الثاني: أن فقهاء الفريقين استدلّوا ...».

(4) متعلق ب «استدلال».

______________________________

[1] هذا الاشتهار بين الفقهاء لا يدفع الاحتمال المذكور، إلّا أن يكون تمثيلهم بهما لقرينة ظفروا بها في كلام اللغويين.

لكن هذا مجرد احتمال، و لا يكفي في دفع الاحتمال.

نعم يمكن أن يدّعى انسباق الجهل بأصل الحصول من التمثيل بهما في كلام كلّ من مثّل بهما سواء أ كان لغويّا أم فقيها، هذا.

ص: 591

الضميمة [و لا يشترى (1) وحده، إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري (2)] و خالف باقي الفقهاء في ذلك (3)، و ذهبوا إلى أنّه لا يجوز بيع الآبق على كلّ حال ... إلى أن قال: و يعوّل مخالفونا في منع بيعه على أنّه بيع غرر، و أنّ نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن بيع الغرر (4) ... إلى أن قال: و هذا (5) ليس بصحيح، لأنّ البيع يخرجه عن أن يكون غررا: انضمام [لانضمام] (6) غيره إليه» انتهى «1».

و هو (7) صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي على اشتراط القدرة على التسليم. و الظاهر اتّفاق أصحابنا- أيضا (8)- على الاستدلال به له، كما يظهر

______________________________

(1) هذه الجملة إلى قوله: «المشتري» لم تكن في نسختنا، و إنّما أثبتناها عن نسخة اخرى، كما في الانتصار.

(2) يعني: يكفي في صحة البيع قدرة المشتري على التسلّم و إن كان البائع عاجزا عن التسليم.

(3) أي: في جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة.

(4) هذه الجملة تشهد بأمرين، أحدهما: عمل المخالفين بالنبوي، و ثانيهما:

دلالته على فساد بيع ما لا يقدر البائع على تسليمه، و هو المقصود من نقل عبارة الانتصار.

(5) أي: مذهب المخالفين- من منع بيع الآبق مع الضميمه- ليس بصحيح.

(6) كذا في نسختنا و المصدر، و الأولى ما في بعض النسخ من «انضمام» ليكون فاعلا ل «يخرجه».

(7) أي: ما حكي عن السيد في الانتصار صريح، لقوله: «و يعوّل مخالفونا».

(8) أي: كالمخالفين، و غرضه من هذه الجملة إثبات ما ادعاه بقوله: «مضافا إلى استدلال الفريقين ...» و تقدم في (ص 581) ما نقله صاحب الجواهر عن

______________________________

(1) الانتصار، ص 209، و لم أظفر بمن أراده المصنف من الحاكي لعبارة الانتصار

ص: 592

للمتتبع، و سيجي ء في عبارة الشهيد التصريح به (1).

و كيف كان (2)، فالدعوى المذكورة ممّا لا يساعدها اللغة و لا العرف، و لا كلمات أهل الشرع.

و ما أبعد ما بينه (3) و بين ما عن قواعد الشهيد قدّس سرّه، حيث قال: «الغرر لغة: ما كان له ظاهر محبوب و باطن مكروه. قاله بعضهم (4).

______________________________

المصابيح من إجماع المؤالف و المخالف على هذا النبوي، و استدلالهم به لاعتبار القدرة على التسليم.

(1) أي: بكون الغرر شرعا عدم القدرة على التسليم، لقوله بعد أسطر:

«و شرعا هو جهل الحصول» و قوله أيضا: «و يتعلق الغرر و الجهل ... و تارة بالحصول ...».

(2) يعني: سواء ثبت استدلال الجميع بالنبوي على شرطية القدرة على التسليم، أم لم يثبت، فدعوى الاختصاص بالجهل بالمقدار ممنوعة.

(3) أي: ما بين تقييد الغرر بالجهل بالمقدار- كما تقدم عن الجواهر- و بين ما عن الشهيد قدّس سرّه. و وجه كمال البعد بينهما كون كلام الشهيد مقابلا لكلام الجواهر، حيث إنّ الشهيد خصّ الغرر شرعا بالجهل بأصل الحصول دون الجهل بغيره من الصفات، و صاحب الجواهر خصّ الغرر بالجهل بالصفات دون الجهل بأصل الحصول.

ثمّ إنّ الشهيد قدّس سرّه نبّه في كلامه على امور ثلاثة:

أحدها: معنى الغرر في مصطلح الشرع.

ثانيها: النسبة بينه و بين معناه اللغوي.

ثالثها: عدّ موارد من الجهل بالعوضين، سواء قيل ببطلان العقد فيها أم لا.

(4) أي: بعض اللغويين، و تقدم هذا التفسير عن ابن الأثير، فراجع (ص 584).

و قيل: إن المراد بالبعض هو القاضي عياض.

ص: 593

و منه (1) قوله تعالى: متاع الغرور، و شرعا (2) هو جهل الحصول. و أمّا المجهول المعلوم الحصول و مجهول الصفة (3) فليس غررا. و بينهما (4) عموم و خصوص من وجه، لوجود الغرر بدون الجهل (5) في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل، أو وصف الآن (6). و وجود (7) الجهل بدون الغرر في المكيل

______________________________

(1) أي: و من الغرر- بمعناه اللغوي- قوله تعالى ... الخ.

(2) ظاهره كون جهل الحصول مصطلحا شرعيا للغرر، و هذا ينافي ما تقدم عن الجواهر من عدم صدق الغرر على ما لا قدرة على تسليمه.

(3) خلافا لما في الجواهر من تعيّن الغرر في مجهول المقدار.

(4) أي: بين الغرر الشرعي و بين الجهل بالصفة عموم من وجه، لتصادقهما على العبد الآبق المجهول الصفة، و تفارقهما في موردين:

أحدهما: العبد الآبق المعلوم الصفة، لصدق الغرر الشرعي عليه دون الجهل بالصفة.

و ثانيهما: المتاع المقدر بالكيل أو الوزن أو العدّ، مع عدم اعتباره بشي ء منها بعد، لصدق «الجهل» عليه دون الغرر، لحصوله و القدرة على تسليمه حسب الفرض.

و بالجملة: فعلى ما أفاده الشهيد قدّس سرّه من اختصاص الغرر بالجهل بأصل الحصول لا يستقيم الاستدلال بالنبوي لاعتبار معرفة العوضين كمّا و كيفا، بل يختص بالقدرة على التسليم.

(5) هذا مورد الافتراق من جهة صدق الجهل بالحصول، مع العلم بالوصف، لكونه مشاهدا سابقا، أو موصوفا في زمان إباقه بما يخرجه عن كونه مجهولا كمّا أو كيفا.

(6) كذا في النسخ، و في القواعد: «أو بالوصف الآن» في قبال العلم بوصفه سابقا على العقد.

(7) معطوف على «وجود الغرر» و هذا مورد الافتراق من ناحية عدم صدق

ص: 594

و الموزون و المعدود إذا لم يعتبر. و قد يتوغّل في الجهالة، كحجر لا يدرى أذهب، أم فضّة، أم نحاس، أم صخر (1). و يوجدان معا في العبد الآبق المجهول الصفة (2).

و يتعلّق (3) الغرر و الجهل

______________________________

الغرر الشرعي- للعلم بالحصول- مع كونه مجهول المقدار و الوصف. و المذكور في العبارة للجهل بالوصف مثالان:

أحدهما: عدم العلم بكيل المتاع الحاضر مع تيسّر الكيل و الوزن، و إزاحة الجهل بالمقدار.

ثانيهما: التوغل في الجهالة، كما إذا كان أحد العوضين حجرا لم يعلم- قبل التصفية و التخليص من الزوائد- أنه ذهب حتى يكون ثمينا، أم فضة أم نحاس أم صخر أم غير ذلك مما تختلف أسعارها بما لا يتسامح عرفا، فيصدق الغرر بمعنى الجهل بالوصف، دون الغرر الشرعي.

(1) في بعض نسخ القواعد: «أم صفر» و يكون الفرق بينه و بين مطلق النحاس أنه النحاس الجيّد، أو نوع منه، كما في اللسان «1».

(2) هذا مادة اجتماع الغرر الشرعي و اللغوي، للجهل بكلا الأمرين: الحصول و الوصف.

(3) هذا شروع في الأمر الثالث، و هو عدّ موارد من الجهل، و قسّم الشهيد قدّس سرّه الغرر بلحاظ الموضوع، و عدّ له موارد سبعة، ثمّ بيّن أحكامها.

و على كلّ فالظاهر أنّ مراده بالغرر الذي جعله مقسما لأقسام عديدة هو مطلق الجهل، فيكون عطف «الجهل» على «الغرر» تفسيريا.

و ليس المراد به خصوص معناه الشرعي، و هو «الجهل بالحصول» إذ عليه يشكل التقسيم، لأنّ جملة من الموارد مما يعلم بحصولها، فيلزم منه تقسيم الشي ء إلى

______________________________

(1) لسان العرب، ج 4، ص 461

ص: 595

تارة بالوجود (1) كالعبد الآبق، و تارة بالحصول (2) كالعبد الآبق المعلوم الوجود [وجوده] و بالجنس (3) كحبّ لا يدرى ما هو، و سلعة (4) من سلع مختلفة و بالنوع (5) كعبد من عبيد. و بالقدر (6) ككيل لا يعرف قدره،

______________________________

نفسه و إلى غيره. و هو كما ترى. و لا يلزم هذا المحذور لو كان المقسم هو الغرر بمعنى مطلق الجهل، إذ المقصود حينئذ استيفاء صور الجهل.

(1) هذا المورد الأوّل، و هو الجهل بأصل الوجود، بمعنى عدم العلم بحياة العبد الآبق.

(2) هذا المورد الثاني، و هو الغرر الشرعي بنظر الشهيد قدّس سرّه، للعلم بأصل الوجود، و الشك في حصوله بيد المشتري.

(3) معطوف على «بالوجود». و لعلّ الأولى بالسياق أن يقال: «و ثالثة بالجنس» و كذا ما بعدها.

و كيف كان فهذا هو المورد الثالث، و الظاهر أنّ مراده بالجنس- بقرينة التمثيل بالحبّة- هو الحقيقة و الطبيعة النوعية، لا الجنس المنطقي المندرج فيه حقائق مختلفة، لوضوح أن حبّ الحنطة نوع من جنس الحب، و حبّ الشعير نوع آخر منه، و هكذا سائر الحبوب.

كما أنّ المراد بالنوع في المورد الرابع هو الصنف، لا النوع المقول في المنطق على مثل الإنسان، لأنّ مغايرة العبد الزنجي للرومي بما هو خارج عن الحقيقة الإنسانية، فلكلّ نوع أصناف بلحاظ العوارض.

(4) معطوف على «حبّ» كما إذا وضع متاع في صندوق لم يعلم أنّه ذهب أو فضة أو كتاب أو قماش أو شي ء آخر. فالجهل بحقيقته غرر مفسد للبيع.

(5) معطوف على «بالوجود» أي: و يتعلق الغرر و الجهل رابعة بالنوع أي بالصنف.

(6) معطوف أيضا على «بالوجود» أي: و يتعلق الجهل خامسة بالمقدار، كما

ص: 596

و البيع (1) إلى مبلغ السهم. و بالعين (2) كثوب من ثوبين مختلفين (3). و بالبقاء (4)

______________________________

إذا علم وجود الشي ء و حصوله و جنسه و نوعه، و لكن جهل مقداره، إمّا لكونه مكيلا بكيل يعرف قدره في بلد، دون بلد آخر، لإمكان إختلاف المكاييل كاختلاف الأوزان، كالرطل العراقي و المدني و المكّي، فربما يكال الطعام بما لا يكون معلوما للمتبايعين أو لأحدهما.

هذا بناء على ما في نسخ الكتاب من قوله: «ككيل». و لكن في القواعد:

«كمكيل لا يعرف قدره» و هو أولى، كما إذا بيع الطعام- من الحنطة و الشعير- في بلد بالكيل، و لم يكل بعد، فلا يصح بيعه إلّا بعد ضبط مقداره بالكيل.

(1) معطوف على «كيل» أي: و قد يكون الجهل بقدر مساحة الأرض المبيعة، إذ لا بد من ضبطها بالأذرع أو بالأمتار أو بالجربان، فلا يصح لو بيعت أرض مقدّرة مساحتها بمبلغ رمي سهم مجهول، لعدم انضباط حدّه في قدر معيّن، لاختلافه زيادة و نقصا بإختلاف السهام و القسّي و الرّماة، فيبقى المبيع مجهول المقدار.

و لمّا كانت مساحة الأرض دخيلة في ماليّتها كان بيعها قبل تعيين مسحها بالمقياس- كالأذرع و الأمتار- غرريا. نعم لو كان مبلغ السهم معلوما نوعا جاز بيعها، لخروج المبيع عن المجهولية.

(2) معطوف أيضا على «بالوجود» يعني: و يتعلق الجهل و الغرر سادسة بالعين، كما إذا كان لدى البائع ثوبان مختلفان قيمة، بأن كان قيمة أحدهما دينارا، و الآخر دينارين، فاشترى أحدهما من دون تعيين شخصه، فيبطل، للغرر.

(3) التقييد باختلافهما قيمة واضح الوجه، إذ لو لم يكن إختلاف في القيمة الناشئة من إختلاف الخصوصيات الدخيلة في المالية، صحّ البيع، إذ لا غرر في البين.

(4) معطوف أيضا على «بالحصول» أي: و قد يكون الغرر سابعة في الجهل ببقاء المبيع، مع اعتبار بقائه لتسليمه إلى المشتري، كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

فإن بيعت بشرط أن يبدو صلاحها- مستقبلا- لم يصحّ عند الجميع، لكونه

ص: 597

كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح عند بعض (1) الأصحاب. و لو شرط في العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا (2) عند الكل، كما (3) لو شرط صيرورة الزرع سنبلا.

و الغرر (4) قد يكون بما له مدخل ظاهر في العوضين (5)، و هو ممتنع إجماعا.

و قد يكون بما يتسامح به عادة لقلّته، كاسّ الجدار (6) و قطن الجبّة، و هو معفوّ

______________________________

غرريا، من جهة أنه فعل الباري عزّ و جلّ، و هو غير مقدور للبائع، فيصير مجهول الحصول. و إن بيعت من دون اشتراط بدوّ الصلاح، لم يصح عند جماعة، لكونه غرريّا عندهم.

قال ابن حمزة قدّس سرّه: «و الغرر الداخل في بيع السلف، و هو بيع المجر، و هو بيع ما في الأرحام، و ثمرة شجرة بعينها قبل بدو صلاحها سنة» «1».

(1) كشيخ الطائفة في النهاية و ابن الجنيد و الشيخ الصدوق قدّس سرّهم، على ما حكاه مصحّح كتاب القواعد عنهم.

(2) لأنّه فعل غيره، المعلوم خروجه عن حيّز قدرته، فيصير مجهول الحصول.

(3) في كونه غررا عند الكل، لجهالة الحصول.

هذا كله في تقسيم الغرر بلحاظ المتعلق.

(4) غرض الشهيد قدّس سرّه بيان حكم الغرر، أي: ما يكون منه قادحا في صحة المعاملة إجماعا، و ما لا يكون كذلك، و ما هو محل الخلاف بينهم، فالأقسام ثلاثة.

(5) أي: له دخل ظاهر في مالية العوضين بحيث لا يتسامح بها، كالجهل بأنّ هذا الحجر حجر ذهب أم فضة أم نحاس، مع فرض اختلافها مالية بما لا يتسامح فيه عرفا، فيبطل بيعه قبل العلم بحقيقته.

(6) أي: أساس الجدار و أسفله الداخل في الأرض، فلا يعلم استحكام الجدار

______________________________

(1) الوسيلة، ص 246

ص: 598

عنه إجماعا. و كذا (1) اشتراط الحمل. و قد يكون [مرددا] (2) بينهما (3)، و هو محل الخلاف (4)، كالجزاف في مال الإجارة (5) و المضاربة (6)،

______________________________

و مقدار استعداده للبقاء، للجهل بكون الأساس من الطين أو الآجر أو غيرهما ممّا يختلف به أمد بقاء الجدار في عمود الزمان. و لا غرر فيه عرفا.

و كذا لو اشترى جبة و لم يعلم مقدار القطن المحشوّ فيها، و لا كونه جيّدا أو رديئا. فهذا المقدار من الغرر مغتفر فيه، و لا يقدح في المعاملة.

(1) أي: و نحوه في العفو اشتراط الحمل، حيث إنّه تابع للحامل كتبعية الأساس للجدار، كأن يشترط المشتري على البائع كون ما في بطن الحيوان- من نتاج- له، مع عدم العلم بخصوصيته، فهذا غرر متسامح فيه.

(2) لم ترد هذه الكلمة في القواعد، و إنّما وردت في بعض نسخ الكتاب.

(3) أي: بين ما له دخل ظاهر في مالية العوضين و عدم التسامح فيه، و بين ما ليس له هذا الدخل، و لذا يتسامح فيه، فإنّ ما هذا شأنه يكون موردا للخلاف.

و هذا ثالث أقسام الغرر بحسب الحكم، و ذكر له موارد أربعة.

(4) كذا في النسخ، و في القواعد زيادة «في مواضع الخلاف».

(5) يعني: لو كانت الاجرة من المكيل أو الموزون كفت مشاهدتها، و لم يشترط صحة الإجازة بالعلم بمقدارها بضبط كيلها أو وزنها.

قال المحقق قدّس سرّه في شرائط الإجارة: «الثاني: أن تكون الاجرة معلومة بالوزن أو الكيل- فيما يكال أو يوزن- ليتحقق انتفاء الغرر. و قيل: تكفي المشاهدة، و هو حسن» «1». و غرض الشهيد الاستشهاد بما استحسنه المحقق من كفاية المشاهدة عنده، خلافا لمن اعتبر العلم بالمقدار.

(6) يعني: اختلفوا في كفاية المشاهدة في مال المضاربة، و عدمها، قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و حكى في المختلف عن الشيخ- يعني في مبسوطه- القول بجواز المضاربة

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 180

ص: 599

و الثمرة قبل بدوّ الصلاح (1)، و الآبق (2) بغير ضميمة (3)» انتهى «1».

و في بعض كلامه تأمّل (4)،

______________________________

بالجزاف من غير تقييد بالمشاهدة. و قوّاه في المختلف، محتجّا بالأصل، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

المؤمنون عند شروطهم» «2».

(1) هذا مورد ثالث ممّا اختلفوا في كون جهالة المبيع قادحة في الصحة، قال العلّامة قدّس سرّه: «مسألة: إذا باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ الصلاح سنة واحدة منفردة- بشرط التبقية أو مطلقا- اختلف علماؤنا في ذلك، فذهب الشيخ في التهذيب و الإستبصار إلى جوازه على كراهية، و به قال المفيد و سلّار و ابن إدريس، و قال الشيخ في النهاية: يبطل البيع ...» «3».

(2) هذا مورد رابع اختلفوا في غرريّته، ففي المختلف: «قال الشيخان: لا يجوز بيع الآبق منفردا، فإن بيع كان باطلا ... و قال ابن الجنيد: لا يشترى وحده، إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري، أو يضمن له البائع. و هو الأقرب» «4».

(3) كذا في القواعد، و في نسختنا «مع الضميمة» و هو سهو من الناسخ، و نبّه السيد الاستاذ قدّس سرّه على أنّ في القواعد: «بغير الضميمة».

(4) إذ في تفسير الغرر شرعا ب «جهل الحصول» ما عرفت من عدم اختصاص الغرر بذلك، و شموله له و للجهل بالصفات.

و كذا في جعل ذلك معنى شرعيا للغرر، إذ لم يعهد كون الغرر حقيقة شرعيّة في ذلك.

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 2، ص 137- 138، القاعدة: 199

(2) مسالك الأفهام، ج 4، ص 357 و لاحظ: المبسوط، ج 3، ص 199؛ شرائع الإسلام، ج 2، ص 139؛ مختلف الشيعة، ج 6، ص 253

(3) مختلف الشيعة، ج 5، ص 195

(4) المصدر، ص 215- 216

ص: 600

ككلامه الآخر (1) في شرح الإرشاد، حيث ذكر في مسألة تعيّن الأثمان بالتعيين

______________________________

و كذا في جعل الجزاف في مال الإجارة و المضاربة من موارد الخلاف، إذ الظاهر عدم التسامح في ذلك، و الالتزام بالبطلان فيها عند المشهور.

(1) الغرض من نقل كلام الشهيد قدّس سرّه التنبيه على المسامحة في تعريف الغرر «بالاحتمال المجتنب عنه عند العرف بحيث يوبّخ على مخالفته».

و توضيح ما أفاده في شرح الإرشاد هو: أنّهم ذكروا في فروع بيع الصرف أنّ الثمن يتعيّن بالتعيين، و لا يجوز للمشتري الإبدال، بل عليه تسليم ما عيّنه ثمنا، خلافا لجماعة من أهل الخلاف، حيث قالوا بعدم تشخصه، و بقائه كلّيّا، بدعوى صيرورة البيع- مع كون الثمن شخصيّا- غرريّا، فيفسد.

و وجه كونه غرريا احتمال تلفه قبل إقباضه للبائع، أو ظهور كونه مستحقا للغير، فيبطل البيع. بخلاف ما لو كان الثمن كلّيّا، فإنّه لا بقدح في الصحة، و يجب الوفاء بالعقد بتسليم فرد آخر من الجنس.

قال العلّامة قدّس سرّه: «الدراهم و الدنانير تتعيّنان بالتعيين، فلو باعه بهذه الدراهم أو بهذه الدنانير لم يجز للمشتري الإبدال بمثلها، بل يجب عليه دفع تلك العين، كالمبيع.

و لو تلفت قبل القبض انفسخ البيع، و لم يكن له دفع عوضها- و إن ساواه- مطلقا، و لا للبائع طلبه ... و به قال الشافعي و أحمد، لاختلاف الأغراض بإختلاف الأشخاص ... و قال أبو حنيفة: لا يتعين بالعقد، بل تتعين بالقبض، و يجوز إبدالها بمثلها، و إذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد ...» «1».

و نقل الشهيد قدّس سرّه استدلال القائل بعدم تعيّن الثمن- بتعيين المتبايعين- بحديث النهي عن الغرر، و المفروض انطباق الغرر عليه، لاحتمال تلف هذا الشخص المعيّن أو ظهور كونه ملكا لغير المشتري.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 427- 428

ص: 601

عندنا (1): «قالوا- يعني المخالفين من العامة-: تعيينها غرر، فيكون منهيّا عنه.

أمّا الصغرى (2)، فلجواز عدمها (3) أو ظهورها مستحقّة، فينفسخ البيع. و أمّا الكبرى (4)، فظاهرة ... إلى أن قال: قلنا (5): نمنع الصغرى، لأنّ الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف (6)، بحيث لو تركه و بخّ عليه. و ما ذكروه (7) لا يخطر ببال

______________________________

ثم اعترض قدّس سرّه عليه بمنع الصغرى: أي عدم صدق الغرر، إذ ليس «الغرر» مطلق الجهالة، بل هو الاحتمال الخاص، أعني به ما يستحق فاعله اللوم و التوبيخ، و من المعلوم عدم استحقاقهما على بيع شي ء بثمن جزئي معيّن حتى يشمله إطلاق النهي عن بيع الغرر، هذا.

(1) قال في شرح قول العلّامة: «و الأثمان تتعين بالتعيين» ما لفظه: «أقول:

هذا تنبيه على خلاف بعض العامة، فإنّ مذهبه أنّها لا تتعين بالتعيين، بل يجوز أن يسلّم غير ما وقع عليه العقد. و الحقّ أنّها تتعيّن، و إلّا لزم عدم الإيفاء بالعقود ... الخ».

(2) أي: صدق الغرر على تعيين الأثمان.

(3) أي: لجواز عدم الأثمان و فقدانها بسرقة، أو سقوطها من كيسه، فلا تكون موجودة عنده حين إنشاء المعاملة.

(4) و هي عموم النهي عن بيع الغرر.

(5) هذا اعتراض شيخنا الشهيد قدّس سرّه على بعض المخالفين- في هذه المسألة- من العامة.

(6) حاصله: أنّ الغرر ليس مطلق احتمال عدم الحصول و إن لم يعتد به العقلاء حتى يكون احتمال عدم الثمن في المثال غررا، بل خصوص الاحتمال العقلائي. فاحتمال عدم الثمن لا يعدّ غررا، فيصحّ معه البيع.

(7) كذا في نسختنا و أكثر نسخ الكتاب، و لكن في غاية المراد: «و ما ذكر».

ص: 602

فضلا عن اللّوم عليه (1)» انتهى «1».

فإنّ مقتضاه (2): أنّه لو اشترى الآبق

______________________________

(1) هذا ما يتعلق بمنع صغرى الغرر، ثم منع الشهيد قدّس سرّه كبرى النهي عنه، فراجع.

(2) أي: فإنّ مقتضى قوله قدّس سرّه: «لأن الغرر احتمال ...» و هذا تعليل للتأمل في ما نقله عن شرح الإرشاد من تحديد الغرر المنهي عنه بالاحتمال المجتنب عنه عرفا.

وجه التأمل: أنّ مقتضى كون الغرر احتمال عدم الحصول احتمالا عقلائيا موجبا للوم و التوبيخ- لا مطلقا- هو عدم صدق الغرر على موارد ثلاثة، مع وضوح صدقه عليها، مما يكشف عن موضوعية مطلق جهالة الحصول و إن لم يستتبع توبيخا.

فمنها: شراء العبد الآبق أو الحيوان الضالّ- المرجوّ الحصول- بثمن قليل، كما إذا قوّم العبد بألف دينار فأبق، مع كونه مرجوّ الحصول، فبيع بعشرة دنانير.

فمقتضى اختصاص الغرر بما يستحق اللوم على مخالفته عدم صدق الغرر عليه، لعدم توبيخ العقلاء من أقدم على ذلك، لإقدامهم على الضرر اليسير رجاء للنفع الكثير، مع أنّ المعروف عدم جواز بيع الآبق بلا ضميمة.

و منها: شراء حجر من جواهر الأرض- مردّد بين ذهب و نحاس- بثمن بخس، مع كون قيمة الذهب أضعاف قيمة النحاس.

فإن اختصّ الغرر بجهل الحصول و لم يصدق على الجهل بالصفة- كما تقدّم من الشهيد في قواعده من كون الغرر شرعا جهل الحصول- فلا مانع من بيعه.

و إن عمّمنا الغرر للجهل بالصفة- كما هو المعروف- لزم صحة بيع الفلزّ «2» المزبور

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 74- 75

(2) قال في اللسان في معاني «الفلز» ما لفظه: «و الفلز: الحجارة. و قيل: هو جميع جواهر الأرض من الذهب و الفضة و النحاس و أشباهها، و ما يرمى من خبثها» ج 5، ص 392

ص: 603

أو الضّال (1) المرجوّ الحصول بثمن (2) قليل لم يكن (3) غررا، لأنّ العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء للنفع الكثير.

و كذا (4) لو اشترى المجهول المردّد بين ذهب و نحاس بقيمة (5) النحاس، بناء (6) على المعروف من تحقق الغرر بالجهل بالصفة.

______________________________

بالثمن البخس، لعدم اللوم عليه، مع أنّه لا ريب في صدق الغرر عليه.

و منها: شراء المكيل أو الموزون أو المعدود- قبل العلم بالمقدار- بثمن المقدار المتيقن منه، كما إذا اشترى صبرة من طعام- مردّد بين كونه طنّا أو طنّين- بعشرة دنانير، و هي قيمة الطن الواحد، فيلزم صحته لعدم استتباعه اللّوم، مع أنّ الغرر صادق عليه.

و بالجملة: فلو اختص الغرر بموارد استحقاق التوبيخ لزم عدم كون البيع في الموارد المتقدمة غرريا، مع فساد بيعها عند المشهور، و ليس إلّا للغرر.

(1) قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «و في المجمع: الضالّة: اسم للبقر و الإبل و الخيل و نحوها. و لا يقع على اللقطة من غيرها. و في النهاية: هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان و غيره» «1».

و المراد بالضّال هنا العبد الضائع المتوقع حصوله، كما أنّ «الضالة» هي ما عدا الأناسي من الحيوان، أو مطلقا.

(2) متعلق ب «اشترى».

(3) جواب «لو اشترى» و اسم «يكن» ضمير راجع إلى الاشتراء.

(4) معطوف على «لو اشترى» و هذا هو المورد الثاني.

(5) متعلق ب «اشترى».

(6) و أما بناء على اختصاص الغرر بالجهل بالحصول- كما فسّره الشهيد قدّس سرّه به- فالمثال خارج موضوعا عن الغرر.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 5، ص 410، و لاحظ: لسان العرب، ج 11، ص 392

ص: 604

و كذا (1) شراء مجهول المقدار بثمن المتيقّن منه، فإنّ (2) ذلك (3) كلّه مرغوب فيه عند العقلاء، بل (4) يوبّخون من عدل عنه (5) اعتذارا بكونه (6) خطرا.

فالأولى (7): أنّ هذا النهي من الشارع لسدّ باب المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات (8)، و ليس (9) منوطا بالنهي من العقلاء ليخصّ مورده بالسفهاء أو المتسفّهة.

______________________________

(1) معطوف أيضا على «لو اشترى» و هذا هو المورد الثالث.

(2) تعليل لقوله: «لم يكن غررا».

(3) أي: الاشتراء في الموارد الثلاثة يكون مرغوبا فيه.

(4) غرضه الترقي من مجرد رغبة العقلاء في الشراء إلى توبيخ عدم الإقدام على شراء العبد الآبق بثمن قليل، و لو اعتذر عن ترك الشراء بكونه خطرا لم يقبل منه، إذ لو ظفر به فقد انتفع كثيرا، و لو لم يظفر به فات منه شي ء قليل، و المفروض أن العقلاء يقدمون على مثله.

(5) أي: عن اشتراء الآبق و الضالّ، و الحجر المردد، و المبيع المجهول المقدار.

(6) أي: بكون الاشتراء- في الموارد الثلاثة- خطرا، و الغرر مجتنب عنه عرفا.

(7) غرض المصنف قدّس سرّه- بعد منع ما أفاده الشهيد من اختصاص الغرر المنهي عنه بالاحتمال المجتنب عنه عند العقلاء- إثبات عموم النهي لكل ما يحتمل ترتب المخاطرة عليه، سواء أ كان منشؤه الجهل بالحصول أو بالصفة أو بغيرهما.

و عليه فالغرر الممنوع شرعا لا يدور مدار كون المعاملة سفهية عرفا، بل يعمّ مثل الموارد الثلاثة التي يقدم العقلاء عليها.

(8) و إن كان مورد إقدامهم عليه رجاء لتحصيل النفع الكثير.

(9) أي: و ليس مناط النهي عن الغرر شرعا هو احتراز العقلاء عنه ليختص مورده بمعاملة السفهاء أو المتسفهة.

ص: 605

ثم إنّه قد حكي عن الصدوق في معاني الأخبار (1): تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية- كبيع المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة- بكونها (2) غررا «1». مع أنّه (3) لا جهالة في بعضها (4) كبيع المنابذة،

______________________________

(1) غرض الشيخ الصدوق قدّس سرّه تطبيق النهي عن بيع المنابذة و الملامسة و الحصاة على القاعدة، بأن يكون فسادها من باب الغرر و الجهالة، لا التعبد المحض، و فقد الصيغة المعهودة في البيع. و وجه صدق الغرر عدم العلم بأنّ المنبوذ أو ما أصابه الحصاة ذو قيمة مرتفعة أو منخفضة، فيبقى الجهل بالمبيع و الثمن بحاله، فيبطل.

(2) متعلق ب «تعليل» و الضمير راجع إلى بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية.

(3) ناقش المصنف قدّس سرّه في تعليل البطلان- بالغرر- بمنع الصغرى، و توضيحه:

أن الشيخ الصدوق قدّس سرّه فسّر بيع المنابذة بأنه تعيين المبيع بالنبذ، بأن يقول المشتري لبائع الثوب «انبذه إليّ، فإذا رميته فقد وجب البيع» أو يقول البائع للمشتري:

«أنبذه إليك فإذا رميته فقد لزم البيع». و الظاهر كون الثوب المنبوذ معلوما عندهما، فلا جهالة فيه حتى يكون غرريا.

و كذا الحال في بيع الحصاة، لكون المبيع معيّنا عند المتبايعين، و يكون إنشاء البيع برمي الحصاة و إصابتها به.

و لمّا لم يكن جهالة في المبيع- بناء على تفسير الغرر في كلام الشيخ الصدوق قدّس سرّه بالنسبة إلى هذه البيوع الثلاثة- فلا بدّ من أن يكون مقصوده جهالة خاصة مبطلة للبيع، بأن لا يسبق تعيين المبيع قبل النبذ، و إنّما اريد تعيينه بنفس النبذ و إلقاء الحصاة عليه، و لمسه، و حينئذ يكون المبيع مجهولا، إذ التعيين إنّما يتحقق بأحد هذه الأمور، لا أنّه يتعين قبل ذلك، ثم يقع النبذ أو غيره.

(4) المراد بالبعض هو بيع المنابذة و الحصاة، و الاقتصار عليهما و عدم ضمّ بيع

______________________________

(1) معاني الأخبار، ص 278

ص: 606

بناء (1) على ما فسّره به (2) من أنّه (3) قول أحدهما لصاحبه: انبذ إليّ الثوب أو أنبذه إليك، فقد وجب البيع، و بيع (4) الحصاة، بأن يقول: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع. و لعلّه (5) كان على وجه خاصّ يكون فيه خطر، و اللّه العالم.

و كيف كان (6)، فلا إشكال في صحة التمسّك لاعتبار القدرة على التسليم

______________________________

الملامسة إليهما، إمّا رعاية لما في كلام الشيخ الصدوق قدّس سرّه من تفسير الغرر فيهما، و سكوته عن استلزام الملامسة للغرر، فلم يعلم أنّ النهي عن بيع الملامسة هل يكون من ناحية الغرر كما في المنابذة و الحصاة، أم من جهة التعبد؟

و إمّا لأنّ حكم الجميع واحد، و هو عدم الغرر في المبيع، و الاقتصار على الأوّلين من باب المثال لا لخصوصية فيهما.

(1) و أمّا بناء على كون منشأ النهي عن هذه البيوع الثلاثة فقد الإيجاب و القبول اللفظيين، كان أجنبيا عمّا نحن فيه، حتى لو كان المبيع معلوما و معيّنا، كما تقدم في بحث المعاطاة «1».

(2) الضمير راجع إلى الموصول، المبيّن بقوله: «من أنّه ...».

(3) أي: أنّ بيع المنابذة هو قول أحدهما ... الخ.

(4) معطوف على «بيع المنابذة» أي: لا جهالة في بعضها كبيع الحصاة.

(5) أي: و لعلّ الغرر- الذي علّل الشيخ الصدوق قدّس سرّه فساد البيوع الثلاثة به- كان على وجه خاص، و هو ما تقدم بقولنا: «تعيين المبيع بالنبذ و إلقاء الحصاة عليه».

(6) أي: سواء تمّ صدق الغرر على هذه البيوع الثلاثة أم لا، فلا إشكال في دلالة النبوي على اشتراط البيع بالقدرة على التسليم.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 1، ص 341

ص: 607

بالنبويّ المذكور، إلّا أنّه (1) أخصّ من المدّعى، لأنّ ما يمتنع تسليمه عادة- كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة و نحوه- ليس في بيعه خطر، لأنّ الخطر إنّما يطلق في مقام يحتمل السلامة و لو ضعيفا (2).

لكن هذا الفرد (3) يكفي في الاستدلال على بطلانه لزوم (4) [بلزوم] السفاهة، و كون (5) أكل الثمن في مقابله أكلا للمال بالباطل. بل (6) لا يعدّ مالا

______________________________

(1) أي: أنّ النبوي أخصّ من المدّعى، لكونه أعمّ من امتناع الحصول عادة و من رجائه، كالعبد الآبق في بعض الأوقات، و النبوي أخص، إذ الغرر هو الخطر الذي يطلق غالبا في مقام احتمال السلامة و لو احتمالا ضعيفا، فلا يشمل الممتنع الحصول عادة، مع وضوح بطلان بيعه أيضا كالمتاع الملقى في البحر، مما يمتنع الظفر به عادة.

(2) فمع امتناع الحصول عادة لا يصدق الخطر.

(3) و هو ممتنع الحصول عادة، يعني: أنّ النبوي و إن لم يكن شاملا له، لكن يكفي في بطلان بيعه و جهان:

أحدهما: كون المعاملة سفهية و مستلزمة لأكل المال بالباطل [1].

ثانيهما: أن مثله ساقط عن التمول، مع أن قوام البيع بمالية العوضين، نعم لا ريب في بقائه على ملك مالكه.

(4) كذا في نسختنا، و هو فاعل «يكفي» و بناء على كون النسخة «بلزوم» فهو متعلق بالاستدلال.

(5) معطوف على السفاهة، و تقريب لصدقها على بيع ممتنع التسليم عادة.

(6) معطوف على «لزوم السفاهة» و غرضه الترقي من كون البيع سفهيّا إلى

______________________________

[1] لا يخفى عدم الحاجة إلى هذا الاستدلال بعد شمول النبوي له بالأولوية كما لا يخفى.

ص: 608

عرفا و إن كان (1) ملكا، فيصحّ عتقه، و يكون (2) لمالكه لو فرض التمكّن منه، إلّا أنّه (3) لا ينافي سلب صفة التموّل عنه عرفا، و لذا (4) يجب على غاصبه ردّ تمام قيمته إلى المالك، فيملكه (5) مع بقاء العين على ملكه

______________________________

فقد قوام البيع أعني به التموّل، فليس بذل الثمن بإزائه بيعا فضلا عن كونه بيعا سفهيّا.

(1) أي: و إن كان ممتنع التسليم- عادة- باقيا على ملك مالكه، بشهادة أمرين:

أحدهما: صحة عتق العبد الآبق في كفارة أو غيرها، مع أنّه لا عتق إلّا في ملك.

ثانيهما: أنّه لو فرض التمكن من هذا العبد الآبق أو المال الملقى في البحر لم يكن من المباحات الأصلية التي تملك بالحيازة، بل يجب ردّه إلى مالكه.

و عليه فلا تنافي بين سقوط الممتنع التسليم عن المالية، و بين بقاء صفة الملك.

(2) معطوف على «فيصح» و هذا إشارة إلى الشاهد الثاني على عدم زوال الملك.

(3) أي: أن كون ما يمتنع تسليمه ملكا لا ينافي عدم ماليّته.

(4) يعني: و لأجل سلب صفة التمول عنه مع بقاء ملكيته يجب على من غصبه قبل ذلك ردّ تمام قيمته من باب بدل الحيلولة، حيث إنّه بالغصب ضمن المالية و الشخصية معا، و تعذّر الثانية لا يسقط الاولى، هذا [1].

(5) يعني: فيملك المالك- من الغاصب- تمام قيمة المال الممتنع التسليم، مع

______________________________

[1] لكن فيه: أنّ بدل الحيلولة إنّما يجب بالحيلولة بين المالك و بين تمام المالية بسبب الحيولة بين المالك و بين العين، لا من جهة انتفاء المالية، و إلّا يحكم بعدم ضمان من غصبها بعد التعذر كما لا يخفى.

ص: 609

على ما هو ظاهر المشهور (1).

ثمّ إنّه ربما يستدلّ على هذا الشرط بوجوه اخر (2):

منها (3): ما اشتهر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: «لا تبع ما ليس عندك»

______________________________

بقاء العين على ملكه. لأنّ بدل الحيلولة غرامة، لا عوض حتى يتوهم لزوم اجتماع العوض و المعوّض في ملك العين.

(1) كما نبّه عليه في بحث بدل الحيلولة، كقوله: «أمّا لو خرج عن التقويم- مع بقائها على صفة الملكية- فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين على ملك المالك ...» فراجع «1».

الاستدلال على شرطية القدرة على التسليم بوجوه اخر

(2) و هي أربعة، كما سيأتي، و كلّها مذكورة في المصابيح و الجواهر.

(3) هذا أوّل الوجوه، قال الفاضل النراقي قدّس سرّه: «و الاستدلال بما دلّ على النهي عن بيع ما ليس عندك كان حسنا، لو لا معارضته مع ما دلّ على جوازه» «2».

و ظاهره تمامية المقتضي سندا و دلالة، لكنه معارض.

و هذا النبوي مروي بطرقنا أيضا، ففي صحيح سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك، و عن ربح ما لا يضمن» «3».

و نقل صاحب الجواهر قدّس سرّه الاستدلال به على اشتراط القدرة بقوله: «فإنّه قد وجّه الاستدلال به بأن ليس المنع عن بيع ما ليس عند البائع إلّا لاشتراط القدرة، لا لعدم حضور المبيع» «4». و الموجّه هو السيد الطباطبائي في المصابيح.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 578

(2) مستند الشيعة، ج 14، ص 323

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 368، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 4

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 388

ص: 610

..........

______________________________

و توضيح الحال منوط ببيان المعاني المشار إليها في المتن لكلمة «عند» و هي أربعة:

الأوّل: الحضور في مقابل الغيبة. و قد أبطله بالإجماع على جواز بيع الغائب و السّلف.

الثاني: مجرد الملكية، و قد أبطلها بأن المناسب حينئذ ذكر اللام بأن يقال: «ما ليس لك» بدل «عندك».

الثالث: مجرد السلطنة و القدرة على التسليم سواء أ كانت حاصلة حين العقد أم بعده، كما إذا باعه ثم اشتراه من مالكه. فالمراد مطلق السلطنة.

و قد أبطله المصنف بوجهين:

أحدهما: تمسّك العامة و الخاصة بهذا النبوي على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها، فإنّه لو كان المراد مطلق السلطنة على التسليم لكان تمسكهم المزبور منافيا لذلك، لحصول السلطنة حينئذ، خصوصا إذا كان وكيلا عن المالك في بيعه و لو من نفسه. فتمسكهم المزبور يكشف عن عدم إرادة مطلق السلطنة من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما ليس عندك».

ثانيهما: أنّ بيع العين المملوكة للغير مورد الرواية، فلو كان المراد مجرد السلطنة على التسليم لزم منه صحة بيعه، لقدرته على التسليم بالقدرة على مقدمته أعني بيعه من نفسه، إذ المفروض كونه وكيلا في بيعه و لو من نفسه.

الرابع: السلطنة التامة الفعلية المتوقفة على أمرين: أحدهما: الملكية، و الآخر كونه تحت يده و قدرته و إن كان غائبا عنه.

و لمّا بطلت المعاني الثلاثة المتقدمة تعيّن هذا المعنى الرابع، فيدل النبوي على اعتبار أمرين: الملكية، و القدرة على التسليم، فلا بأس بالاستدلال به على اعتبار القدرة على التسليم.

ص: 611

بناء (1) على أنّ «كونه عنده» لا يراد به الحضور (2)، لجواز (3) بيع الغائب و السلف إجماعا، فهي (4) كناية، لا (5) عن مجرّد الملك، لأنّ (6) المناسب حينئذ (7) ذكر لفظة «اللّام». و لا (8) عن مجرّد السلطنة عليه و القدرة على تسليمه، لمنافاته (9) لتمسّك العلماء من الخاصة و العامة على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثم شرائها من مالكها (10).

______________________________

(1) هذا تقريب الاستدلال.

(2) هذا هو المعنى الأوّل.

(3) تعليل لقوله: «لا يراد» و تقدم في بيع الفضولي البحث الدلالي، فراجع «1».

(4) يعني: فالرواية كناية، و الأنسب بقوله: «لا يراد به» أن يقال: «بل هي كناية».

(5) بعد نفي إرادة الحضور الحسّي و تعيّن كون «عندك» كناية، عدّد المعاني الكنائية الثلاثة، و هي الملك، و مجرد السلطنة بدون الملك، و السلطنة التامة.

(6) تعليل لنفي المعنى الكنائي الأوّل، و هو الملك.

(7) أي: حين كون الرواية كناية عن مجرد الملك.

(8) معطوف على «لا» و غرضه نفي المعنى الكنائي الثاني، بأن يكون مدلول الرواية «لا تبع ما لا سلطنة لك عليه أصلا- لا حالا و لا مستقبلا- و لا قدرة لك على تسليمه».

(9) أي: لمنافاة كون «عندك» كناية- عن مطلق السلطنة عليه- لتمسّك العلماء ... الخ، فهذا تعليل لنفي المعنى الكنائي الثاني.

(10) مع تحقق السلطنة على العين الشخصية و القدرة على تسليمها للمشتري، إمّا ببيعها عن مالكها فضولا، و إمّا وكالة عنه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 487 و 491، و ج 5، ص 302- 304

ص: 612

خصوصا (1) إذا كان وكيلا عنه في بيعه و لو (2) من نفسه، فإنّ السلطنة و القدرة على التسليم حاصلة هنا (3)، مع أنّه (4) مورد الرواية عند الفقهاء.

فتعيّن (5) أن يكون كناية عن السلطنة التامّة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد، حتّى كأنّه عنده و إن كان (6) غائبا.

و على أيّ حال (7) [1] فلا بدّ من إخراج بيع الفضولي عنه

______________________________

(1) وجه الخصوصية واضح، لتسلّط الوكيل على المبيع، و كون تصرفه كالأصيل.

(2) وصلية، إذ تارة يتوكّل في بيع المال للغير، و اخرى في بيعه مطلقا سواء اشتراه الوكيل لنفسه أم لأجنبي.

(3) أي: في بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثم يمضي لشرائها من مالكها و تسليمها إلى المشتري.

(4) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، يعني: مع الغضّ عن تمسك الفقهاء بالرواية على حكم بيع العين الشخصية غير المملوكة للبائع، يكون مورد الرواية هو النهي عن بيع العين الشخصية المملوكة للغير.

(5) أي: بعد نفي المعنيين الكنائيّين يتعيّن كون قوله: «كونه عنده» كناية عن السلطنة التامة الفعلية.

(6) الضمير المستتر و ضميرا «كونه، كأنّه» راجعة إلى الملك.

(7) يعني: سواء أ كان مفاد «لا تبع ما ليس عندك» كناية عن اعتبار مطلق

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على إرادة مطلق السلطنة من النبوي لا موجب لخروج الفضولي عنه، لأنّ المنهي عنه هو بيع ما لا سلطنة عليه أصلا حتى بالواسطة. فإذا كان الفضولي قادرا على شراء المبيع من مالكه و تسليمه إلى المشتري، كان مسلّطا على المبيع.

ص: 613

..........

______________________________

السلطنة على المبيع، أو السلطنة المطلقة أي التامّة، فلا بدّ ... الخ.

و هذا دفع دخل مقدر، حاصله: أنّه بناء على اشتراط السلطنة يلزم فساد بيع الفضولي رأسا، و عدم اقتضائها للصحة، لانتفاء كلّ من الملك و القدرة على التسليم فيه، مع التزام الجلّ بكونه موقوفا على الإجازة، و هذا كاشف عن إرادة معنى آخر من الرواية، و لا يتجه استظهار شرطية القدرة على التسليم في البيع منها.

و دفع المصنف هذا الدخل بوجهين أجاب بهما عن الاستدلال بالنبوي على بطلان البيع الفضولي «1»:

أحدهما: تخصيص عموم «ما ليس عندك» بما دلّ على ترتب الصحة الاقتضائية على إنشاء الفضولي، و عدم كونه مسلوب الأثر، و حيث إن هذا النبوي عام بالنسبة إلى أدلة صحة الفضولي، خصّص بها.

ثانيهما: حمل النهي على الإرشاد، بأن يراد من الفساد المدلول عليه بالنهي عدم وقوعه لبائعه الفضولي، لا مطلقا حتى لمالكه إذا أجاز.

و لكن هذا تصرف مجازي، بخلاف التخصيص، فإنّه ليس مجازا على ما ثبت في محلّه.

______________________________

نعم إذا لم يكن له سلطنة على المبيع حتى بالشراء من مالكه، فلا بدّ من إخراج الفضولي عنه.

و بالجملة: فعلى المعنى الثاني و الرابع لا محيص عن إخراج الفضولي. و أمّا بناء على المعني الثالث فلا. و أمّا المعنى الأوّل فلا يراد من النبوي على ما أفاده المصنف قدّس سرّه.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 4، ص 496- 498

ص: 614

بأدلّته (1)، أو بحمله (2) على النهي المقتضي لفساده، بمعنى عدم وقوعه لبائعه لو أراد ذلك (3).

و كيف كان (4)، فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن (5).

و أمّا الإيراد عليه (6) بدعوى:

______________________________

(1) متعلق ب «إخراج» و الضمير راجع إلى بيع الفضولي. و هذا إشارة إلى الوجه الأوّل.

(2) معطوف على «من إخراج» أي: فلا بدّ من حمل النهي في «لا تبع ما ليس عندك» على ... الخ. و هذا إشارة الى الوجه الثاني المتقدم آنفا.

(3) أي: لو أراد البائع الفضولي وقوع البيع لنفسه لا لمالك المبيع.

(4) أي: سواء أخرجنا بيع الفضولي من هذا النبوي تخصيصا أم تخصّصا، فتوجيه دلالة قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «لا تبع ما ليس عندك» على منع بيع ما لا قدرة على تسليمه ممكن، إذ المراد به اعتبار السلطنة المطلقة المنوطة بالملكية و القدرة على التسليم معا.

(5) ليس المراد به مجرّد الاحتمال حتى لا يجدي في مقام الاستدلال، بل المقصود ظهور الكلام في المدّعى.

(6) أي: على الاستدلال بالنبوي، و المورد صاحب الجواهر قدّس سرّه، قال بعد تقريب الاستدلال بالنبوي- كما في المتن- ما لفظه: «و لكن قد يقال: إنّ المراد به الإشارة إلى ما هو مستعمل الآن و في السابق من بيع الشي ء المخصوص، مظهرا له أنّه ماله و عنده، ثم يمضي بعد ذلك إلى صاحبه، و يشتريه منه بأنقص مما باعه، ثم يدفعه إلى الذي باعه إيّاه أوّلا» «1».

و حاصله: أنّ الخبر أجنبي عن المدّعى، إذ مورده بيع مال الغير ثم تحصيله

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 389

ص: 615

«أنّ المراد به (1) الإشارة إلى ما هو المتعارف في تلك الأزمنة (2) من بيع الشي ء الغير [1] المملوك،

______________________________

بالشراء من مالكه و دفعه إلى المشترى، فيكون المنهي عنه بيع ما لا يملكه البائع، و من المعلوم أنّه أجنبي عن بيع المالك لماله مع قدرته على التسليم، هذا.

و أجاب عنه المصنف قدّس سرّه بما حاصله: أنّه لا وجه لهذا الاختصاص، لأنّ المدار على عموم الوارد لا خصوصية المورد، لما ثبت في محله من عدم مخصصية المورد.

(1) أي: بصحيح سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، الحاكي لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن عدة امور، منها بيع ما ليس عندك.

(2) أي: أزمنة صدور الروايات، و مراد صاحب الجواهر عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

[1] كذا في نسخ الكتاب، و هو نقل بالمعنى. و الأولى إسقاط حرف التعريف، لشدة إبهام الكلمة و نكرتها، و لذا منع بعضهم من اكتساب التعريف بالإضافة، و بعضهم من تعريفها باللام.

قال ابن هشام: «و لا تتعرّف- غير- بالإضافة، لشدة إبهامها».

و قال الفيّومي: «و- غير- تكون وصفا للنكرة، و قوله تعالى: غير المغضوب عليهم، إنّما وصف بها المعرفة، لأنّها أشبهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة، فعوملت معاملته، و وصف بها المعرفة. و من هنا اجترأ بعضهم فأدخل عليها الألف و اللام، لأنّها لمّا شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخلها ما يعاقب الإضافة، و هو الألف و اللام. و لك أن تمنع الاستدلال، و تقول: الإضافة هنا ليست للتعريف بل للتخصيص، فلا تعاقب إضافة التخصيص، مثل: سوى و حسب، فإنّه يضاف للتخصيص و لا تدخله الألف و اللام» فراجع المغني، ج 1، ص 210، و المصباح المنير، ص 458

ص: 616

ثم تحصيله بشرائه و نحوه (1)، و دفعه (2) إلى المشتري» فمدفوع (3) بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا المورد (4)، و ليس في الأخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد [1].

نعم (5)، يمكن أن يقال: إنّ غاية ما يدلّ عليه هذا النبوي- بل النبوي

______________________________

باعتبار ورود جملة «لا تبع ما ليس عندك» في نهي حكيم بن حزام عن بيع شي ء لا يملكه، ثمّ يمضي و يشتريه و يسلّمه.

(1) أي: نحو الشراء، كالاتهاب من المالك، أو التصالح معه عليه.

(2) الضمائر في «تحصيله، بشرائه، دفعه» راجعة إلى الشي ء غير المملوك.

(3) جواب الشرط في «و أمّا الإيراد» و هذا ردّ كلام الجواهر، و تقدم توضيحه آنفا.

(4) أي: بمورد بيع شي ء لا يملكه البائع، ثم يمضي و يشتريه من مالكه. و الوجه في انتفاء الشاهد على الاختصاص هو ورود الجملة- في حديث سليمان بن صالح- في سياق النهي عن بيوع اخرى، و لا قرينة على كون قوله عليه السّلام: «و نهى عن بيع ما ليس عندك» مختصا ببيع ما لا يملكه، ثم يشتريه من مالكه.

(5) استدراك على قوله: «فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن»

______________________________

[1] قد ذكر المصنف قدّس سرّه في ردّ دلالة النبوي المزبور على بطلان الفضولي كلاما عن التذكرة يدل على أنّ مورد النهي هو بيع مال الغير عن نفسه ثم شرائه من مالكه ليدفعه إلى المشترى، فلاحظ، فالجواب مختص بمورد السؤال، و ارتضاه المصنف حيث قال: «و هذا المعنى أظهر من الأوّل» و مراده بالأوّل مجرّد الإنشاء، فراجع «1».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 496

ص: 617

الأوّل (1) أيضا (2)- فساد البيع، بمعنى (3) عدم كونه علّة تامة لترتب الأثر المقصود،

______________________________

و غرضه قدّس سرّه- بعد دفع إيراد صاحب الجواهر قدّس سرّه عليه- الإشكال على دلالة الخبر على فساد بيع ما لا قدرة على تسليمه. و الإشكال من وجهين:

أحدهما: أنّ غاية ما يدلّ عليه النبوي هو فساد البيع بمعنى عدم كون العقد علة تامة لترتب الأثر المقصود عليه، لا عدم ترتب أثر عليه أصلا، بحيث يكون وجوده كعدمه، فيمكن أن يقع مراعى بانتفاء الغرر، و صيرورة المبيع مقدور التسليم.

و هذا نظير ما تقدم في بيع الفضولي من عدم دلالة النبوي على البطلان رأسا حتى لا يجدي إجازة المالك في ترتب الأثر على إنشاء الفضولي، بل مفاده إسقاط عقد غير المالك عن الاستقلال في التأثير، فلا مانع من صحته تأهّلا.

قال: «و بعبارة اخرى: نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثّرا في حقّه، فلا يدلّ على إلغائه بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له» «1».

و الحاصل: أنّ بيع ما لا قدرة على تسليمه غير فاسد رأسا، بل يقع مراعى، فإن حصلت القدرة صحّ، و إلّا بطل.

هذا تقريب الوجه الأوّل، و يأتي بيان الوجه الثاني.

(1) و هو نهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الغرر.

(2) يعني كهذا النبوي، و هو: «لا تبع ما ليس عندك» و مقصوده توجه المناقشة في الاستدلال بكلا الخبرين.

(3) غرضه تفسير الفساد لئلّا يتوهم ظهور النبوي في الفساد مطلقا سواء حصلت القدرة على التسليم- بعد البيع- أم لم تحصل، و سواء تبيّن وجود القدرة حاله أم لم يتبيّن.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 496

ص: 618

فلا ينافي (1) وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر، و تحقّق (2) كونه عنده.

و لو أبيت (3) إلّا عن ظهور النبويّين في الفساد بمعنى لغويّة العقد رأسا

______________________________

(1) يعني: أنّ الفساد- بمعنى عدم العلية التامة- لا ينافي صحة البيع مراعى بانتفاء الغرر، فإن حصلت القدرة على التسليم صحّ، و إلّا لم يصحّ.

(2) هذا معنى انتفاء صفة الغرر، أي: تحقق كون المبيع مقدورا تسليمه.

(3) هذا ثاني الوجهين، و التعبير ب «و لو أبيت» صريح في ابتناء الوجه الأوّل على إنكار ظهور النبوي في فساد البيع من أصله.

و حاصل هذا الوجه الثاني: أنّه بعد تسليم ظهور الخبر في بطلان بيع ما لا قدرة على تسليمه- و عدم الجدوى في حصول القدرة عليه بعد العقد- يتعيّن رفع اليد عن الظهور المزبور، و حمل النهي «عن بيع ما ليس عندك» على عدم العلية التامة في التأثير، و ذلك لأنّه- بناء على دلالة النهي في النبوي على الفساد و اللغوية- يدور الأمر بين ارتكاب أحد أمرين:

إمّا رفع اليد عن الظهور في اللغوية، و الالتزام بجعل الفساد عبارة عن عدم العليّة التامة للتأثير، و لازمه صيرورة البيع مراعى بارتفاع الغرر.

و إمّا حفظ الظهور في اللغوية، و الالتزام بتخصيص النبوي في موارد التزموا بوقوع البيع فيها مراعى- كبيع الرهن- مع كون البائع في تلك الموارد عاجزا شرعا عن التسليم.

فلا بدّ أن يقال: «بيع ما ليس عندك فاسد رأسا، إلّا بيع الرهن، و بيع ما لا يملكه حين البيع، و بيع المحجور، و بيع العبد الجاني عمدا» فإنّها تقع مراعى بإجازة من له الأمر.

و لا ريب في عدم المجال لهذا التخصيص، و ذلك لأن التخصيص و إن كان أولى من المجاز في سائر المقامات، إلّا أنّه في المقام لكثرته ليس أرجح من المجاز أعني

ص: 619

المنافية (1) لوقوعه مراعى، دار (2) الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر (3)، و بين إخراج بيع الرهن (4)، و بيع ما يملكه بعد البيع (5) و بيع العبد الجاني عمدا (6)، و بيع المحجور (7) لرقّ أو سفه أو فلس،

______________________________

به ارتكاب خلاف الظاهر في النهي بحمله على الفساد، بمعنى عدم العلّية المنحصرة.

و مع عدم أرجحية التخصيص من المجاز و بالعكس يتساوى الاحتمالان، فيصير الكلام مجملا، فلا يصح معه الاستدلال.

و عليه فالتمسك بالنبوي على اعتبار القدرة على التسليم ليس في محله، و لا مانع حينئذ من التمسك بالقواعد العامة المقتضية للصحة.

(1) صفة ل «لغويّة» و ضمير «لوقوعه» راجع إلى العقد.

(2) جواب الشرط في «و لو أبيت».

(3) و هو الفساد بمعنى اللغوية و عدم ترتب الأثر.

(4) كما لو باع الرّهن، لتعذّر التسليم فعلا من جهة كونه وثيقة على الدين، مع صحة البيع مراعى بالافتكاك. فلو قيل بلغوية بيع غير المقدور تسليمه حال العقد لزم تخصيص عموم النهي، و إخراج بيع الرهن منه.

(5) هذا مورد آخر مما يصحّ البيع مع العجز عن التسليم حال العقد، لعدم كونه مالكا للمبيع، فباعه فضولا ثم تملّكه، و أجاز، فيصحّ البيع، مع كونه موردا لعموم النهي عن بيع ما ليس عندك.

(6) هذا مورد ثالث مما يصحّ البيع فيه مراعى، و لا يبطل رأسا. كما تقدم تفصيله في محلّه، فلو باعه المولى لم ينفذ، لكون أمر القصاص و الاسترقاق بيد المجني عليه أو وليّه، فإن افتكت رقبته من حق المجني عليه- بالعفو أو بقبول الفداء من المولى- و تمكن المولى من تسليمه صحّ البيع، و إلّا فلا.

(7) هذا رابع الموارد مما لا يبطل فيه البيع رأسا، بل يقع بيع الرّق موقوفا على

ص: 620

فإنّ (1) البائع في هذه الموارد عاجز شرعا عن التسليم (2). و لا رجحان (3) لهذه التخصيصات. فحينئذ (4) لا مانع عن التزام وقوع بيع كلّ ما يعجز عن تسليمه

______________________________

إجازة المولى، و بيع السفيه موقوفا على إجازة وليّه، و بيع المفلّس على إجازة الغرماء.

و لا يخفى أنّهم اصطلحوا «المراعى» على الجهل بوجود الشي ء حال القعد، في قبال «الموقوف» المراد به دخل أمر آخر في تأثير العقد كالإجازة في الفضولي.

و لكن المراد بالمراعى- بقرينة الأمثلة المذكورة- ما هو أعم من كون المتأخر العلم بوجود الشي ء، كما إذا جهل بقدرته على التسليم فانكشف وجودها، و من وجود شي ء بعد العقد.

(1) تعليل للشق الثاني من المنفصلة، و هو التخصيص المدلول عليه بقوله:

«و بين إخراج».

(2) مع عدم بطلان البيع فيها رأسا، بل يقع مراعى.

(3) يعني: لا مرجّح للشق الثاني- أعني به تخصيص عموم النهي- على الشقّ الأوّل، و هو إرادة عدم العلية التامة، و إن كان خلاف ظهور النبوي بدوا.

(4) أي: فحين عدم رجحان التخصيص على ارتكاب خلاف الظاهر، يلزم إجمال النهي في النبويّين بالنسبة إلى بيع ما يعجز البائع عن تسليمه مع رجاء القدرة على تسليمه، و من المعلوم عدم صلاحية المجمل لتقييد إطلاق حلّ البيع و نحوه من أدلة الإمضاء [1].

______________________________

[1] إلّا أن يناقش في هذه الصحة بعدم الدليل عليها، إذ العمومات لا تقتضي إلّا الصحة الفعلية، و أمّا التعليقية فهي أجنبية عن مفادها.

إلّا أن يدّعى أنّ الصحة بمراتبها تستفاد من العمومات، و النبوي خصّصها بمرتبة خاصة، و هي الفعلية، و أمّا المرتبة الاخرى فهي باقية تحت العمومات، فتأمّل.

ص: 621

- مع رجاء التمكّن منه- مراعى (1) بالتمكّن منه في زمان لا يفوت الانتفاع المعتدّ به (2).

و قد صرّح الشهيد (3) في اللمعة بجواز بيع الضّالّ (4) و المجحود- من غير إباق (5)- مراعى بإمكان التسليم، و احتمله (6) في التذكرة.

لكن الإنصاف (7): أنّ الظاهر من حال الفقهاء اتّفاقهم على فساد بيع الغرر

______________________________

(1) مفعول لقوله: «وقوع» و ضمير «منه» في الموضعين راجع إلى «تسليمه».

(2) فلو فات زمان الانتفاع المعتدّ به بالمبيع لم يصح، لكونه سفهيّا.

(3) الغرض من الاستشهاد بكلام الشهيد تأييد ما أفاده بقوله: «فلا مانع» من أن المراد بالفساد عدم العلية التامة للعقد، لا عدم ترتب الأثر رأسا. قال في اللمعة:

«أما الضال و المجحود، فيصح البيع، و يراعى بإمكان التسليم، و إن تعذّر فسخ المشتري إن شاء» «1».

(4) و هو- بقرينة قوله: «من غير إباق»- العبد الضال الذي يرجى الظفر به.

(5) هذا التقييد لإخراج العبد الضال و المجحود عن عنوان الإباق الذي ادعي الإجماع على عدم جواز بيعه منفردا.

(6) يعني: و احتمل العلّامة جواز بيع الضال و المجحود من غير إباق.

لكن الموجود في عبارة التذكرة احتمال صحة بيع الضال فقط، و لم يعطف عليه المجحود، فقال قدّس سرّه: «الضال يمكن حمله على الآبق ... و العدم» «2».

و بالجملة: فصرح الشهيد قدّس سرّه بجواز بيع الضال و المجحود مراعى بإمكان التسليم يؤيّد إرادة عدم العلية التامة للعقد من الفساد، لا عدم ترتب الأثر رأسا.

(7) هذا استدراك على قوله: «فحينئذ لا مانع عن التزام ... الخ» و حاصله:

______________________________

(1) اللمعة الدمشقية، ص 94

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 49

ص: 622

بمعنى عدم تأثيره رأسا، كما عرفت (1) من الإيضاح «1».

و منها (2): أنّ لازم العقد وجوب تسليم كلّ من المتبايعين العوضين (3)

______________________________

أنّ ما استظهرناه من معنى الفساد- و هو عدم العلية التامة لا عدم ترتب الأثر رأسا- خلاف ظاهر حال الفقهاء، لأنّ ظاهرهم الاتفاق على كون فساد البيع عبارة عن عدم ترتب الأثر أصلا. و هذا كاشف عن كون المراد بالنبويين هو الفساد محضا، فلا يصح حملهما على ما ذكرناه من عدم العلية التامة.

(1) حيث قال في صدر المسألة: «و النهي هنا يوجب الفساد إجماعا على الظاهر المصرّح به في موضع من الإيضاح» بأن يكون المراد بالفساد اللغوية رأسا.

(2) أي: و من الوجوه الأخر المستدل بها على اعتبار القدرة على التسليم هو:

أن لازم العقد ... الخ.

و توضيحه: أنّ مضمون العقد- و هو نقل كل من العوضين عن مالكه إلى صاحبه و صيرورته ملكا للآخر الذي هو حكم وضعي- مستلزم لوجوب تسليم كلّ منهما ما انتقل عنه إلى مالكه، و حرمة حبسه، لأنّه ظلم. و هذا الوجوب كسائر التكاليف يقتضي مقدورية متعلقه، فلا بد من كون التسليم الواجب مقدورا، و إلّا يلزم التكليف بالممتنع، و هو قبيح، فثبت اعتبار القدرة على التسليم.

و بعبارة اخرى: أن البيع الصحيح يستلزم وجوب التسليم تكليفا، و هو متوقف على القدرة، و حيث إنه لا قدرة حسب الفرض على التسليم، فلا وجوب، و بطلان اللازم يكشف عن بطلان الملزوم و هو البيع. و هذا مقتضى القياس الاستثنائي.

(3) حق العبارة أن يقال: «كلّا من العوضين» أو «ما انتقل عنه إلى صاحبه» كما في الجواهر «2». و في المصابيح: «وجوب تسليم كل من المتبايعين ما انتقل عنه

______________________________

(1) تقدم في ص 581، و لاحظ: إيضاح الفوائد، ج 1، ص 430

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 390

ص: 623

إلى صاحبه، فيجب أن يكون مقدورا، لاستحالة التكليف بالممتنع.

و يضعّف (1) بأنّه: إن اريد أنّ لازم العقد وجوب التسليم

______________________________

بالبيع إلى صاحبه».

(1) نسب الفقيه المامقاني «1» قدّس سرّه هذا التضعيف و الاعتراض عليه و جوابه إلى العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في المصابيح، و أثبته صاحب الجواهر قدّس سرّه- في ردّ الوجه الثالث- بلفظه، و هو: «أنّه إن اريد إثبات اشتراط القدرة على التسليم بوجوب التسليم منجّزا، فذلك باطل، لأنّه مشروط بالبيع. و إن اريد إثبات اشتراطها بوجوب الإقدام على ما يتمكن معه من فعل الواجب إذا وجب، منعنا الوجوب على الإطلاق، فإنّ التكليف مشروط بالقدرة. و العجز السابق على البيع كالمتجدد، فكما لا يجب التسليم في الثاني، فكذا في الأوّل» «2».

و توضيحه: أنّ صحة البيع وضعا- بمعنى تأثيره في نقل كل من العوضين إلى الآخر- و إن كانت مستلزمة لوجوب الوفاء به تكليفا بمعنى ترتيب آثاره عليه من تسليم المبيع للمشتري، و الثمن للبائع، إلّا أنّ استفادة شرطية القدرة الفعلية على التسليم- حال العقد- من الأمر بالوفاء ممنوعة، و ذلك لأنّ وجوب التسليم إما أن يراد به وجوبه الفعلي المنجّز بحيث يكشف العجز عنه عن الحكم الوضعي في الملزوم أعني بطلان العقد. و إما أن يراد به مطلق وجوبه الشامل للوجوب المطلق و للمشروط بالقدرة.

فإن اريد الأوّل اتجه منع الملازمة بين الحكم الوضعي- و هو نفوذ البيع- و بين التكليفي أعني وجوب التسليم، ضرورة عدم اقتضاء الحكم الوضعي للتكليفي إلّا في الجملة، فيستفاد صحة البيع من إطلاق حلّه و من التجارة عن تراض،

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 462

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 390- 391؛ المصابيح مجلد التجارة (مخطوط)

ص: 624

وجوبا مطلقا (1)، منعنا الملازمة (2). و إن اريد (3) مطلق وجوبه، فلا ينافي (4) كونه مشروطا بالتمكّن، كما لو تجدّد العجز بعد العقد (5).

______________________________

و نحوهما، و لا يستفاد إطلاق التكليف بالتسليم من وجوب الوفاء بالعقد بعد دخل القدرة على المتعلق في مطلق الخطابات الشرعية.

و إن اريد الثاني، و هو استلزام صحة البيع وجوب التسليم في الجملة- أي مشروطا بالقدرة عليه- فالملازمة بين الوضع و التكليف محققة، و معناه ترتب وجوب التسليم على العقد منوطا بالتمكن منه. و من المعلوم أنّ الوجوب المشروط بالقدرة قاصر عن إثبات اشتراط صحة العقد بالقدرة على التسليم.

و عليه فحكم القدرة على التسليم حال العقد و بعده واحد. فلو كان متمكنا من تسليم المبيع حين البيع ثم طرأ عليه العجز، لم يجب عليه، و لا يستلزم بطلان العقد، بل يتخيّر المشتري بين الفسخ و التربص. فكذا لو كان عاجزا عن التسليم حال البيع، و تمكّن منه في المستقبل. فلا تكليف به فعلا.

هذا توضيح المناقشة، و سيأتي تقرير الاعتراض عليها و الدفع.

(1) أي: منجّزا من جهة تحقق شرطه المعلّق عليه، كما ورد التعبير به في كلام صاحب المصابيح، و ليس المراد وجوب التسليم مطلقا بالنسبة إلى القدرة أي سواء تمكّن منه أم لم يتمكن، ضرورة اشتراط كل تكليف بها عقلا، و لا معنى للإطلاق من هذه الجهة.

(2) أي: بين صحة العقد وضعا و بين وجوب التسليم تكليفا، و تقدم وجه المنع.

(3) معطوف على «إن اريد» و ضمير «وجوبه» راجع إلى التسليم.

(4) أي: أنّ وجوب التسليم- بنحو مطلق الوجوب- لا ينافي وجوب التسليم مشروطا بالتمكن.

(5) فإنّ عدم وجوب التسليم لو تجدّد بعد العقد لا يستلزم بطلانه.

ص: 625

و قد يعترض (1) بأصالة عدم تقيّد الوجوب، ثم يدفع (2) بمعارضته بأصالة عدم تقيّد البيع بهذا الشرط.

و في الاعتراض و المعارضة نظر واضح (3)،

______________________________

(1) يعني: يعترض على التضعيف المزبور بمنع الشق الثاني منه، و هو جعل وجوب التسليم مشروطا بالقدرة عليه.

وجه المنع أنّ تقييد الوجوب بالتمكن منه مخالف لأصالة عدم تقيد الوجوب، و يتعيّن الشق الأوّل، و هو كون وجوب التسليم فعليا بنفس العقد، و يترتب عليه انكشاف انتفاء الملزوم من انتفاء اللازم. قال في المصابيح في تقرير الاعتراض: «لا يقال: الأصل في الوجوب عدم التقييد، و قد ثبت بالقياس إلى العجز المتجدد، بخلاف السابق، لأنّ القدرة على التسليم إذا كانت شرطا كان الوجوب بالقياس إليها مطلقا، لكونها مفروضة الحصول على هذا التقدير».

(2) أي: يدفع الاعتراض. قال العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في دفعه: «لأنّ هذا الأصل معارض بمثله في جانب البيع، فإنّ الأصل عدم اشتراطه بالقدرة على التسليم، فيجب تقييد وجوب التسليم بحصول القدرة السابقة كاللاحقة» «1».

و محصله: أن دليل الصحة- كآية حلّ البيع- لم يقيّد بالقدرة على التسليم، فلو شكّ في التقييد جرى أصالة عدم اشتراطه بها، و هذا الأصل العملي معارض لأصالة إطلاق وجوب التسليم، و بعد التساقط يبقى إطلاق دليل حلّ البيع بحاله، و يقال بصحة البيع حتى مع العجز عن التسليم حال العقد، تمسكا بإطلاق دليل الإمضاء.

(3) أمّا وجه النظر في الاعتراض فهو: أنّ أصالة عدم التقييد إن اريد بها الأصل العملي، ففيه: أنّه لا أصل لها. و إن اريد بها أصالة الإطلاق، ففيه: أنّها من

______________________________

(1) المصابيح، كتاب التجارة (مخطوط) و نقل صاحب الجواهر نصّ كلامه، فراجع: جواهر الكلام، ج 22، ص 391

ص: 626

فافهم (1).

و منها (2): أنّ الغرض من البيع انتفاع كلّ منهما بما يصير إليه،

______________________________

شئون ظواهر الألفاظ كالعموم و الحقيقة و غيرهما، كما إذا قال المولى: «أكرم عالما» و شك في تقيده بالعدالة. بخلاف ما لو كان الدليل عليه لبيّا. و الوجوب فيما نحن فيه- حسب الفرض- ليس مستفادا من اللفظ حتى يتمسك في الشك في تقييده بأصالة الإطلاق، فإنّ الاستدلال المزبور ينادي بأن الوجوب من لوازم العقد، هذا.

و أمّا وجه النظر في المعارضة فهو: أنّ أصالة الإطلاق- بناء على جريانها في ناحية وجوب التسليم- حاكمة على أصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط، لما ثبت في محله من حكومة أصالة الإطلاق في المقيّد على أصالة الإطلاق في المطلق.

(1) لعله إشارة إلى: أنّه بناء على كون القدرة على التسليم من مقوّمات المالية لا من شرائط المتعاقدين- كما يؤمي إليه تعرضهم لها في شرائط العوضين، لا في شرائط المتعاقدين- ينهدم أساس الملازمة بين الحكم الوضعي و بين وجوب التسليم المستكشف منه اعتبار القدرة على التسليم، و ذلك لأنّ مضمون العقد لا يتحقق حينئذ في الخارج، لتقوم المعاوضة بمالية العوضين، و بدونها لا يمكن تأثير إنشاء المعاملة حتى يدّعى التلازم بين مضمون العقد و بين وجوب التسليم، فتدبّر.

(2) أي: و من الوجوه الاخر المستدل بها على اعتبار التمكن من التسليم هو:

أن الغرض ... الخ.

و هذا الوجه الثالث مركّب من دعويين:

إحداهما: كون الغرض من البيع منحصرا في انتفاع كل من المتعاقدين بما ينتقل إليه.

ثانيتهما: توقف الانتفاع- المترقب- على التسليم. فالتسليم مقدمة للغرض الداعي إلى المعاملة.

و الأولى في جوابه أن يقال: إنّ الأغراض الداعية إلى الإنشاءات لا تؤثر

ص: 627

و لا يتمّ (1) إلّا بالتسليم.

و يضعّفه (2): منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم، بل منع (3) عدم كون الغرض منه إلّا الانتفاع بعد التسليم، لا الانتفاع المطلق (4).

و منها (5): أنّ بذل الثمن على غير المقدور سفه، فيكون ممنوعا،

______________________________

في صحة المعاملات، بمعنى أنّ تخلّفها لا يبطلها.

(1) أي: و لا يتمّ الانتفاع، فيجب التسليم مقدمة له، فلا بدّ من القدرة عليه، لئلّا يلزم نقض الغرض.

(2) أي: و يضعّف هذا الوجه: منع ... الخ، و قد ضعّفه بأمرين، هذا أوّلهما، و توضيحه: أنّ الغرض من البيع و إن كان هو الانتفاع، إلّا أنّ توقف مطلق الانتفاع على التسليم ممنوع، بشهادة جواز انتفاع المشتري بعتق العبد الآبق، مع عدم توقف هذا الانتفاع الخاص على التسليم، فالدليل أخصّ من المدّعى.

و لو قيل: إنّ مطلق الانتفاع و إن لم يكن منوطا بالتسليم، إلّا أنّ الغرض من البيع هو الانتفاع الخاص أعني المتوقف على التسليم، لا مطلق الانتفاع.

يقال عليه: إنّ الانتفاع المطلق صالح لكونه غرضا من البيع.

(3) معطوف على «منع» و هذا ثاني الأمرين، و محصله: أنّ الغرض من البيع و إن كان هو الانتفاع، لكنه لا يلزم نقض الغرض بالعجز عن التسليم، فإنّ الشرط هو الانتفاع الخاص الحاصل بعد التسليم، لا مطلق الانتفاع و لو قبل التسليم حتى يكون تعذره قادحا.

(4) العبارة لا تخلو من تعقيد، و لا موجب له، و الأولى كما في المصابيح و الجواهر: «منع كون الغرض من البيع الانتفاع مطلقا، بل بعد تسليمه» «1».

(5) أي: و من الوجوه الاخر المستدل بها على اعتبار القدرة على التسليم في

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 391؛ المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)

ص: 628

و أكله (1) أكلا بالباطل.

و فيه (2): أنّ بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها (3)، بل تركه (4) اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه، فافهم (5).

______________________________

البيع هو هذا الوجه الرابع، المؤلّف من صغرى و كبرى.

فالصغرى هي: أنّ بذل الثمن بإزاء المبيع غير المقدور على تسليمه للمشتري يكون سفهيّا و تضييعا للمال.

و الكبرى: أنّ البيع السفهي ممنوع شرعا، لكونه من موارد أكل مال الغير بالسبب الباطل، لا بالتجارة عن تراض، هذا.

(1) يعني: و تملّك الثمن و التصرف فيه- مع العجز عن تسليم المثمن- أكل له بالباطل المنهي عنه.

(2) هذا ردّ الوجه الأخير، قال في المصابيح و الجواهر: «و على الثالث: المنع من لزوم السفه و التضييع على الإطلاق، فإنّ بذل القليل من المال في مقابلة الخطير المتوقع الحصول ممّا يقدم عليه العقلاء، و لا يعدّ مثله سفها و لا تضييعا ...» «1».

و تقدم نظيره من المصنف قدّس سرّه في الإيراد على كلام الشهيد في شرح الإرشاد، فراجع (ص 604).

(3) و على تقدير كونه سفها يكون أخص من المدّعى، إذ لا ريب في عدم السفاهة في بعض الموارد، فلا يكون الدليل عامّا لجميع أفراد الدعوى.

(4) أي: ترك البذل- بزعم عدم اليقين بحصول عوض المال- سفه، و الغرض أن الاستدلال بالسفاهة ينتج عكس المطلوب في بعض الموارد.

(5) لعلّه إشارة إلى عدم صحة التمسك بالسفاهة لإثبات وجوب التسليم، إذ النسبة بين السفاهة و بين التسليم عموم من وجه، لعدم السفاهة مع إمكان الانتفاع بدون تسلم المبيع كالعتق.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 391؛ المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)

ص: 629

ثم إنّ (1) ظاهر معاقد الإجماعات- كما عرفت (2)- كون القدرة شرطا، كما هو (3) كذلك في التكاليف، و قد اكّد الشرطية في عبارة الغنية المتقدّمة (4)، حيث (5) حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم، فينتفي المشروط (6) عند انتفاء الشرط. و مع ذلك (7) كلّه فقد استظهر بعض من تلك العبارة: أنّ العجز مانع،

______________________________

هذا تمام الكلام في الوجوه المستدل بها على دخل القدرة على التسليم في البيع، و سيأتي التنبيه على امور ترتبط بالمسألة.

(1) هذا هو التنبيه الأوّل، الباحث عن أنّ مقتضى أدلة دخل القدرة هل هو جعلها شرطا في صحة البيع كشرطيتها في التكاليف؟ أم جعل العجز مانعا، و ما يترتب على الاحتمالين من ثمرة، و كلام المصنف قدّس سرّه هنا توطئة لردّ من جعل العجز عن التسليم مانعا، و لم يجعل القدرة شرطا كما سيأتي.

(2) تقدم نقل بعض دعاوى الإجماع في (ص 580) مما صريحه أو ظاهره شرطية القدرة، فراجع.

(3) أي: كون القدرة شرطا في التكاليف، فإنّه مما لا ريب فيه، و إن اختلفوا في كونه باقتضاء الخطاب أو بحكم العقل.

(4) هي قوله: «إنّما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه» فراجع (ص 580).

(5) هذا تقريب التأكيد، لأنّ صاحب الغنية حكم بالانتفاء عند الانتفاء، و هذا ما يعبّر به عن الشرط. و أمّا المانع فيعبر عنه بالانتفاء عند الوجود، لأنّ المانع يمنع عن وجود المقتضي.

(6) و هو جواز البيع، فينتفي بانتفاء شرطه، أعني به القدرة على التسليم.

(7) أي: و مع ظهور معاقد الإجماعات في الشرطية، و تأكيدها في عبارة الغنية، فقد استظهر بعض- و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه- من عبارة الغنية و غيرها مانعية العجز دون شرطية القدرة، حيث قال ما لفظه: «نعم قد يظهر من هذه العبارة- أي

ص: 630

لا أنّ القدرة شرط، قال (1): «و يظهر الثمرة في موضع الشّكّ» ثمّ ذكر (2) إختلاف

______________________________

عبارة الغنية- بل و غيرها عند التأمل: أنّ المراد من هذا الشرط عدم جواز بيع ما يعجز عن تسليمه كالأمثلة السابقة. و قد يطلق اشتراط القدرة على إرادة كون العجز مانعا، نحو ما ذكروه في كون القدرة شرطا في التكاليف» «1».

(1) قال في الجواهر: «و تظهر الثمرة في المشكوك فيه» فإنّه بناء على شرطية القدرة يمتنع بيعه، بخلافه بناء على مانعية العجز.

(2) يعني: ذكر المستظهر لمانعية العجز: إختلاف الأصحاب، حيث قال: «و مما يرشد إلى ذلك: أنّهم قد ذكروا الإجماع كما عرفت على اشتراط القدرة، مع أنهم قد حكوا الخلاف في امور، منها: بيع الضال، فإنّه قد قيل فيه وجوه ...» إلى أن قال:

و منها: بيع الضالة، و فيها احتمالات، أوّلها الصحة ...» «2».

و لا يخفى أنّ المستفاد من عبارة الجواهر امور:

الأوّل: أن المراد بالقدرة في المقام هو عدم العجز، يعني: أنّ العجز مانع.

الثاني: قياس الوضع بالتكليف، حيث إنّ المراد بالقدرة المعتبرة في التكليف هو عدم العجز، لا شرطية القدرة، و إلّا فلا مجال لقاعدة الاشتغال مع الشك في القدرة، بل لا بدّ من جريان البراءة فيه كما لا يخفى.

الثالث: أنّ الثمرة بين شرطية القدرة و مانعية العجز تظهر في موارد الشك، فإنّه بناء على اعتبار القدرة لا يصح البيع إلّا بعد إحرازها. و بناء على مانعية العجز يصح حتى يحرز العجز. فلو باع بزعم عدم القدرة على التسليم، فبان التمكن منه صحّ بناء على مانعية العجز، كما صرّح به في موضع آخر «3».

الرابع: أنّ الوجه في حمل معاقد الإجماعات و غيرها على مانعية العجز هو

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 385

(2) المصدر، ص 385 و 386

(3) المصدر، ص 392

ص: 631

الأصحاب في مسألة الضالّ (1) و الضّالّة، و جعله (2) دليلا على أنّ القدر المتفق عليه ما إذا تحقّق العجز.

و فيه (3)- مع (4)

______________________________

اختلافهم في فروع، و لا يستقيم هذا الخلاف منهم- مع الإجماع المزبور- إلّا بحمل معقد الإجماع على كون المراد بهذا الشرط مانعية العجز الثابت، فيكون مورد اتفاق الغنية و غيرها هو العجز المتحقق. و مورد الخلاف هو العجز المشكوك فيه.

و بعبارة اخرى: لو كانت القدرة على التسليم شرطا إجماعا، لم يتّجه اختلافهم في بيع الضال و الضالة، لأنّ مقتضى لزوم إحراز وجود الشرط بطلان بيعهما، و لا مجال للاختلاف فيه. و هذا بخلاف كون العجز مانعا، فإن احرز العجز لم يصح البيع، و إن شكّ فيه جاز، لأصالة عدم المانع، هذا.

(1) المراد به المملوك و هو العبد، إذا ضاع. و المراد بالضالة ما عداه، كالبعير و الفرس و نحوهما.

(2) يعني: جعل صاحب الجواهر إختلاف الأصحاب- في مسألة بيع الضال و الضالّة- دليلا ... الخ.

(3) أورد المصنف قدّس سرّه على ما في الجواهر- من مانعية العجز- بوجوه أربعة:

الأوّل: أنّ استظهار مانعية العجز من كلمات الأصحاب ممنوع، لمنافاته لظهور بعضها و صريح الآخر، قال العلّامة قدّس سرّه: «الشرط الرابع- من شرائط العوضين- القدرة على التسليم، و هو إجماع في صحة البيع، ليخرج البيع عن أن يكون بيع غرر» «1». و من المعلوم أنّ حمل شرطية القدرة على مانعية العجز نصرّف في الدلالة بلا موجب.

(4) كذا في نسختنا و بعض النّسخ، و في بعضها «و فيه ما عرفت» و الظاهر سقوط كلمة «مع أو مضافا» ليكون قوله: «ان العجز» مبتدء مؤخّرا كما لا يخفى.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 48

ص: 632

ما عرفت (1) من أنّ صريح معاقد الإجماع خصوصا (2) عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء، هي (3) شرطية القدرة-: أنّ (4) العجز أمر عدمي، لأنّه (5) عدم القدرة عمّن من شأنه- صنفا (6)

______________________________

(1) يعني: في أوّل المسألة، فراجع (ص 580).

(2) وجه الخصوصية صراحة عبارة الغنية في الشرطية، من جهة تفريع بطلان بيع غير مقدور التسليم على انتفاء الشرط. و لو كان العجز مانعا عن الصحة كان المناسب أن يقال: «فينتفي البيع عند وجود المانع» لوضوح استناد بطلان البيع إلى وجود المانع حينئذ، لا إلى عدمه.

(3) خبر قوله: «ان صريح».

(4) هذا ثاني الوجوه، و محصله: أنّ تعريف «المانع» لا ينطبق على العجز.

و توضيحه: أنّ المانع هو الأمر الوجودي المزاحم لتأثير المقتضي في مقتضاه، كالرطوبة المانعة عن تأثير النار في المحترق. و العجز أمر عدمي لا يصحّ اعتبار مانعيته عن البيع.

ثم إنّ تقابل العجز و القدرة يكون من تقابل العدم و الملكة كالعمى و البصر، فالعجز هو عدم التمكن من فعل فيمن تتمشّى منه القدرة عليه، سواء أ كانت شأنية القدرة عليه باعتبار جنس العقد، كما إذا كان مقتضى العقد التسليم و الإقباض، و إن لم يشتمل على المعاوضة كالهبة. أم كانت باعتبار نوع العقد بأن كان معاوضيّا مقتضيا للتسليم كالبيع و الإجارة و الصلح المفيد فائدتهما. أم كانت باعتبار صنف العقد بأن كان بيعا حالا، إذ من شأنه التمكن من التسليم. فيطلق العاجز في هذه الموارد الثلاثة لو لم يقدر العاقد على الوفاء و الإقباض.

(5) أي: لأن العجز هو العدم في المحلّ القابل للتمكن.

(6) كما في البائع الذي يباشر بيع ماله، فإنّ صنف البائعين المباشرين لبيع أموالهم ممّن يقدر على تسليم المبيع، فالقدرة تكون من حيث الصنف.

ص: 633

أو نوعا (1) أو جنسا (2)- أن يقدر، فكيف يكون (3) مانعا، مع أنّ المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم؟

ثمّ لو سلّم (4) صحة إطلاق «المانع»

______________________________

(1) كمن يبادل ماله بمال، سواء أ كان ببيع أم صلح أم غيرهما، فالقدرة ثابتة لهذا الشخص بحسب النوع.

(2) كقدرة هذا العاقد على التسليم من حيث كونه عاقدا و إن لم يكن مالكا، بل كان وكيلا.

(3) أي: فكيف يطلق «المانع» على العجز مع أنّ «المانع» المصطلح وجودي لا عدمي؟

(4) هذا ثالث الوجوه، و حاصله: أنّه لو سلّم إطلاق «المانع» على العجز- لعدم كونه من العدم المطلق، بل من المضاف الذي له حظ من الوجود- قلنا: إنّ الثمرة التي ذكرها الجواهر بين شرطية القدرة و مانعية العجز لا تترتب على النزاع المزبور، و ذلك لأنّ الشك في القدرة و العجز إمّا مسبوق بالعلم بأحدهما، و إمّا غير مسبوق به.

فعلى الأوّل يستصحب ما كان سابقا. فإن كانت الحالة السابقة هي القدرة، فيستصحب القدرة أو عدم العجز. و إن كانت هي العجز فيستصحب العجز أو عدم القدرة.

و لا فرق بين الاستصحابين نتيجة، إذ بناء على شرطية القدرة أو مانعية العجز إن كانت الحالة السابقة المعلومة هي القدرة، فيستصحب القدرة أو عدم العجز. و إن كانت هي العجز فيستصحب العجز أو عدم القدرة. و على كل حال لا تبقى ثمرة للقول بشرطية القدرة و مانعية العجز.

و لا فرق في انتفاء الثمرة- بين شرطية القدرة و مانعية العجز- بين أنحاء الشبهة من كونها موضوعية أو مفهومية أو حكمية.

و بيانه: أن الشك تارة في انطباق المفهوم المبيّن على ما في الخارج، كما إذا

ص: 634

عليه (1) لا ثمرة فيه (2)، لا في صورة الشك الموضوعي أو الحكمي، و لا في غيرهما (3)، فإنّا إذا شككنا في تحقق القدرة و العجز (4) مع سبق القدرة فالأصل بقاؤها، أو (5) لا معه فالأصل عدمها- أعني العجز- سواء جعل القدرة شرطا أو العجز مانعا [1].

______________________________

علم بحدود مفهوم القدرة، و أنّه «ما لا يصل إلى حدّ الاستحالة العادية» و لكن شكّ في خصوص المورد أنّه هل يكون محالا عاديّا بالنسبة إليه أم لا.

و اخرى في حدود المفهوم و سعته و ضيقه، و أن القدرة تختص بغير الخارج عن الأسباب العادية أو تعمّ الخارج عن المتعسّر و إن لم يصل إلى حدّ المحال العادي.

و ثالثة يشكّ فيما خرج عن حيّز عمومات الصحة، من أنّه العجز المستمر أو خصوص العجز حين العقد.

(1) أي: على العجز و عدم القدرة.

(2) أي: في النزاع بين شرطية القدرة و مانعية العجز.

(3) كالشك المفهومي، الملحق بالحكمي.

(4) هذا إشارة إلى الشبهة الموضوعية، يعني- بعد الإحاطة بمفهوم القدرة و العجز، و أنّه تعذر التسليم مثلا لا تعسّره- لو شك في تحققها، فتارة تكون الحالة السابقة محرزة، و هي إمّا القدرة فتستصحب، و يصحّ البيع، و إما العجز فيستصحب و يحكم بالفساد. و اخرى لا تكون محرزة، و لم يتعرض المصنف قدّس سرّه لحكمها، و قد ذكرناه في التعليقة.

(5) معطوف على «سبق» أي: لا مع سبق القدرة، بل مع سبق عدم القدرة، فيستصحب العجز.

______________________________

[1] أقول: تترتب الثمرة على القولين فيما إذا لم تعلم الحالة السابقة. فعلى القول بالشرطية لا يصح البيع، لعدم إحراز الشرط بوجه. و على القول بالمانعية يصح

ص: 635

و إذا شككنا (1) في أنّ الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمرّ أو العجز في الجملة، أو شككنا (2) في أنّ المراد بالعجز

______________________________

(1) معطوف على «إذا شككنا» و إشارة إلى الشبهة الحكمية، بأن علمنا بتخصيص عمومات الصحة بمثل النهي عن بيع الغرر، و أنّ القدرة على التسليم شرط في الجملة أو أنّ العجز مانع كذلك، و لكن لم نعلم بأنّ المانع هو العجز المستمر في مدة طويلة، أم هو العجز في الجملة أي في مدة قصيرة بعد العقد.

و المرجع في غير القدر المتيقن من المخصّص عن عمومات الإمضاء، فيحكم بالصحة لو كان العجز في فترة قصيرة و أمكن التسليم بعدها.

(2) معطوف أيضا على قوله: «إذا شككنا» و إشارة إلى حكم الشبهة المفهومية، بأن علم دخل القدرة أو عدم العجز، و لكن شك في أنّ القدرة المعتبرة هي ما تقابل تعذر التسليم عرفا، أم تعم ما يقابل التعسّر كذلك، بحيث لو كان في التسليم مشفة صدق عليه العجز أو عدم القدرة.

و الشبهة المفهومية كالحكمية من مرجعية عمومات الصحة في غير القدر المتيقن.

______________________________

البيع، لأنّ المقتضي لصحة البيع موجود و المانع غير محرز، و عدم إحرازه كاف في ترتب الأثر على المقتضي، لا أنّه يحرز عدم المانع بالأصل حتى يستشكل فيه بتساوي الأصل بالنسبة إلى القدرة و العجز.

و إن كان فيه ما لا يخفى، لعدم ترتب الأثر بالفرض على القدرة حتى يجري الأصل في عدمها.

لكن ما ذكرناه من كفاية عدم إحراز المانع مبني على حجية قاعدة المقتضي و المانع كما لا يخفى. و لمّا لم تكن القاعدة معتبرة عند المصنف فلا بدّ من التمسك للفساد فيما لم تعلم الحالة السابقة بأصالة الفساد، للشك في كون الخارج هل هو هذا أم غيره؟ فلا يمكن التمسك بعمومات الصحة.

ص: 636

ما يعمّ التعسّر- كما حكي (1)- أم خصوص التعذّر، فاللازم (2) التمسك بعمومات الصحة، من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا.

و الحاصل (3): أنّ التردّد بين شرطية الشي ء و مانعيّة مقابله

______________________________

(1) الحاكي صاحبا المصابيح و الجواهر، و المحكي عنه شيخ الطائفة قدّس سرّه، ففي الخلاف: «إذا كانت له أجمة، يحبس فيها السمك، فحبس فيها سمكا و باعه، لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يكون قليلا ... و الأمر الآخر: أن يكون الماء كثيرا صافيا، و السمك مشاهدا، إلّا أنّه لا يمكن أخذه إلّا بمئونة و تعب حتى يصطاده، فعندنا أنه لا يصح بيعه، إلّا أن يبيعه مع ما فيه من القصب ... الخ» «1».

و حكى العلّامة عدم جواز بيع ما في تسليمه مشقة عن الشافعي في أحد قوليه، فراجع «2».

و عبّر صاحب الجواهر عمّا يقابل التعذر بالمشقة و التعسّر «3».

و عليه فالظاهر أن مقصودهم من «التعب و المشقة و العسر و ما فيه مئونة» أمر واحد، و هو ما قابل التعذر.

(2) جواب الشرط في قوله: «و إذا شككنا في أن الخارج» و هذا بيان حكم الشبهتين الحكمية و المفهومية، سواء أ كانت القدرة شرطا أم العجز مانعا.

(3) هذا حاصل ما تقدم في الوجهين الثاني و الثالث، من أنّه لا يصح تردد ما هو دخيل في البيع بين شرطية أمر وجودي و هو التمكن من التسليم، و بين مانعية أمر عدمي و هو العجز، مع أنّ المقابلة تكون بين الوجوديين المعبّر عنهما بالضدين.

و لو سلّم كون العجز مانعا لم يجد هنا، لاختصاص ثمرة البحث بما إذا كان

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 155، كتاب البيوع، المسألة: 245؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 403

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 50

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 404

ص: 637

إنّما يصحّ (1) و يثمر (2) في الضدين مثل الفسق (3) و العدالة، لا (4) فيما نحن فيه و شبهه كالعلم و الجهل.

و أمّا إختلاف (5) الأصحاب في مسألة الضّالّ و الضّالّة فليس لشكّ المالك

______________________________

محتمل الشرطية و المانعية وجوديّا كالضدين، كما إذا شك في كون العدالة شرطا في إمامة الجماعة، أو كون الفسق مانعا عنها. فعلى الاشتراط لا بدّ من إحرازها بحجة، و إلّا جرى أصالة عدم كونه عادلا، فلا يجوز الصلاة خلف مجهول الحال. و على المنع تصح الصلاة خلفه، لاستصحاب عدم كونه فاسقا.

و هذا بخلاف المقام، إذ لو كانت الحالة السابقة هي القدرة على التسليم صحّ البيع استصحابا لها، و لو كانت هي العجز لم يصحّ، سواء قلنا بشرطية القدرة أم بمانعية العجز.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و هو عدم كون العجز مانعا.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الثالث، و هو انتفاء الثمرة.

(3) بناء على كون الفسق أمرا وجوديا لا عدميا، بأن يكون عدم العدالة و مقابلا لها تقابل العدم و الملكة.

(4) معطوف على «في الضدين» يعني: لا يثمر في المقام، كما لا يثمر في الشك في شرطية العلم لوجوب إكرام زيد مثلا، أو مانعية الجهل عنه، لكون الجهل عدميا لا وجوديا، مع أنّ «المانع» عنوان للأمر الموجود.

(5) هذا هو الوجه الرابع، و الغرض منه نفي ما استشهد به صاحب الجواهر لإثبات مانعية العجز، لأنّه قدّس سرّه جعل هذا الاختلاف في مقابل اتفاقهم على عدم جواز بيع السمك في الماء و الطير في الهواء دليلا على مانعية العجز المعلوم، إذ لو كانت القدرة الفعلية معتبرة في صحة البيع لم يكن وجه للاختلاف في صحة البيع و بطلانه في الموارد التي أشار إليها الجواهر في كلامه، بل كان اللازم الحكم بالبطلان في الجميع،

ص: 638

في القدرة و العجز، و مبنيّا على كون القدرة شرطا أو العجز مانعا- كما (1) يظهر من أدلتهم على الصحة الفساد- بل لما سيجي ء عند التعرض لحكمها (2).

______________________________

لاشتراكها في عدم الشرط، و هو القدرة الفعلية على التسليم، إمّا وجدانا و إما تعبدا لأصالة عدم تحقق الشرط.

فالاختلاف شاهد على مانعية العجز المعلوم في السمك و الطير في الماء و الهواء دون العبد الضال و الدابة الضالة، إذ يتجه الاختلاف في بيعهما لو شك المالك في القدرة على تسليم المبيع، فإنّ القائل بالجواز يتمسك بأصالة عدم تحقق المانع عن صحة العقد، و القائل بالبطلان يعتمد على النبوي الناهي عن الغرر.

و محصّل إيراد المصنف قدّس سرّه عليه هو: أنّ اختلافهم في بيع الضال لا يشهد بكون العجز مانعا، فالقائل بالبطلان تمسّك بالنهي عن الغرر، و القائل بالصحة منع الغرر، مدّعيا: أنّ المبيع قبل قبضه يكون في ضمان البائع لا المشتري، فلو تعذّر تسليمه بطل البيع من زمان ظهور العجز، لا من حين العقد. و من المعلوم أن مقتضى مانعية العجز الواقعي بطلان البيع من أوّل الأمر.

(1) هذا قيد للنفي لا المنفي، و حاصله: أنّه يظهر من الأدلة التي أقاموها على صحة البيع و فساده عدم ابتناء الخلاف على ما زعمه صاحب الجواهر، بل على ما سيأتي في تلك المسألة إن شاء اللّه تعالى.

أمّا أدلتهم على الفساد فهي حديث الغرر و الإجماع على القدرة على التسليم.

و أما أدلتهم على الصحة فهي المناقشة في الإجماع بتردد مدّعيه- كالعلّامة في التذكرة- في صحة بيع الضال منفردا، فإنّ هذا التردد يوهن الإجماع.

و في الحديث بأنّ الغرر لا يلزم مع فرض كون تلف المبيع قبل القبض من البائع كما سيأتي الكلام في ذلك.

(2) أي: لحكم المسألة، و سيأتي- في بيع العبد الآبق- بقوله: «و أمّا الضال و المجحود و المغصوب و نحوها ... فالأقوى فيها عدم الجواز، وفاقا لجماعة، للغرر المنفي، المعتضد بالإجماع».

ص: 639

ثمّ (1) إنّ العبرة في الشرط المذكور إنّما هو في زمان استحقاق التسليم (2)، فلا ينفع (3) وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم، كما

______________________________

(1) هذا هو التنبيه الثاني، و المقصود من التعرض له تحقيق مورد اعتبار القدرة على التسليم في البيع، و أنه شرط في مطلق البيوع أم في بعضها.

و محصل ما أفاده: أنّ قدرة البائع- حال العقد- على تسليم المبيع منوط بامور:

الأوّل: أن لا تكون العين عند المشتري، فلو كانت عنده قبل البيع، لعارية أو إجارة أو غصب أو غير ذلك، لم يعتبر تمكن البائع من التسليم، و لم يكن عجزه عنه مانعا أصلا.

الثاني: أن يعتبر التسليم في البيع كما هو الغالب، فلو لم يشترط فيه صحّ و إن كان عاجزا عن الإقباض، كما لو اشترى من ينعتق عليه كالعمودين، و لم يكن المبيع حاضرا عند البائع، لتحرّره بالعقد المملّك، و لا دخل لتسلّم المشتري له فيه أصلا.

الثالث: أن يستحق المشتري تسلّم المبيع بنفس العقد، كما في بيع العين الشخصية التي يقتضي إطلاق العقد تسليمها للمشتري، و كذا العين الكلية الحالة كصاع من صبرة. فلا يشترط البيع بالقدرة على التسليم حال العقد لو لم يستحقه المشتري إمّا لاشتراط تأخيره مدة، و إمّا لتزلزل العقد من جهة كون البائع فضوليا، فلا يستحق التسليم قبل إجازة المالك بناء على النقل. و إمّا لكون المبيع عينا مرهونة إذا باعها الراهن بدون إذن، فلا يستحق المشتري قبضها قبل الفك أو إجازة المرتهن.

هذا إذا كان التسليم معتبرا من جهة كونه وفاء بالعقد. و أما إذا اعتبر من جهة دخله في السبب المملّك، فسيأتي.

(2) إذ لا وجوب قبل الاستحقاق، و لا يلزم كون البيع غرريا مع فرض حصول القدرة على التسليم في زمان متأخر عن العقد.

(3) لصدق «الغرر» المنهي عنه مع فرض العجز عن التسليم في زمان استحقاقه المتأخر عن البيع، و لا ينفع قدرته عليه حال العقد.

ص: 640

لا يقدح عدمها (1) قبل الاستحقاق و لو حين العقد.

و يتفرّع على ذلك (2): عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري (3)، و فيما (4) لم يعتبر التسليم فيه رأسا، كما إذا اشترى من ينعتق عليه، فإنّه ينعتق بمجرّد الشراء، و لا سبيل لأحد عليه. و فيما (5) إذا لم يستحق التسليم بمجرّد العقد، إمّا لاشتراط تأخيره (6) مدّة، و إمّا لتزلزل العقد، كما إذا اشترى فضولا، فإنّه (7) لا يستحقّ التسليم إلّا بعد إجازة المالك، فلا يعتبر القدرة على التسليم قبلها (8).

______________________________

(1) فلو كانت القدرة معدومة حال العقد، و موجودة في زمان استحقاق التسليم، صحّ البيع.

هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه من الضابطة في شرطية القدرة، و قد أدرجناها في الامور الثلاثة، و سيأتي ما يتفرّع على كلّ منها.

(2) أي: على كون العبرة- في الشرط المذكور- بالقدرة في زمان الاستحقاق.

(3) تقدم تفريعه على الأمر الأوّل.

(4) معطوف على «إذا كانت» و هذا هو الأمر الثاني، و يتفرع عليه صحة بيع من ينعتق على المشتري لو عجز البائع عن تسليمه إليه.

(5) معطوف أيضا على «إذا كانت» و هذا ثالث الامور الدخيلة في شرطية القدرة على التسليم.

(6) أي: تأخير تسليم المبيع، كما إذا باع داره و اشترط تأخير تسليمها إلى المشتري ثلاثة أشهر، فيكفي في صحة البيع تمكن البائع من التسليم عند الأجل، و لا يجدي قدرته حال العقد.

(7) أي: فإنّ المشتري لا يستحق التسليم بنفس الإيجاب و القبول، لعدم تأثيره فعلا في النقل و الانتقال.

(8) أي: قبل إجازة المالك، الموجبة لانتساب العقد إليه، و لذا يعتبر تمكنه من

ص: 641

لكن يشكل على الكشف (1)، من حيث (2) إنّه لازم من طرف الأصيل، فيتحقق الغرر بالنسبة إليه (3) إذا انتقل إليه ما لا يقدر (4) على تحصيله. نعم هو (5) حسن في الفضولي من الطرفين.

______________________________

التسليم حال الإجازة.

(1) غرضه الإشكال على عدّ بيع الفضولي من أمثلة ما لا يعتبر القدرة على التسليم فيه حال العقد، و كفايته حال الإجازة. و منشأ الإشكال ما ذكروه في ثمرات الكشف و النقل من أنّ تمام الموضوع لوجوب الوفاء- و المؤثّر في الملكية- هو العقد، و يكون الأصيل مأمورا بالوفاء في المدة المتخللة بين العقد و الإجازة، و ممنوعا من التصرف في ما انتقل عنه و ما انتقل إليه.

و بناء عليه يكون البيع غرريا بالنسبة إليه، لعدم وجوب التسليم على المالك قبل الإجازة، و عدم قدرة المشتري من الفضولي على تحصيله، فيلزم الغرر.

نعم لا يلزم الغرر في موردين:

أحدهما: ما لو كان كلا المتبايعين فضوليا، لوضوح أن التمكن من التسليم ملحوط في من يخاطب بوجوب الوفاء، و هو الأصيل و المجيز، لا الفضولي.

ثانيهما: ما لو بنينا في الإجازة على النقل، لعدم تمامية السبب المملّك قبل لحوق الإجازة، فللأصيل الرجوع عن التزامه و حلّ العقد.

(2) هذا تقريب الإشكال بناء على كون الإجازة كاشفة حقيقة عن تأثير العقد من حينه.

(3) أي: بالنسبة إلى الأصيل المشتري من الفضولي.

(4) لكون المال عند مالكه الذي لم يجز بعد عقد الفضول.

(5) أي: عدم اعتبار القدرة على التسليم حسن في الفضولي من الطرفين، لتزلزل العقد بالنسبة إليهما معا.

ص: 642

و مثله (1) بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكّه.

بل (2) و كذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السّلم، لأنّ (3) تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف على تحقّقه (4)، فلا يلزم غرر.

و لو تعذّر التسليم بعد العقد (5) رجع إلى تعذّر الشرط،

______________________________

(1) أي: و مثل العقد الفضولي بيع الراهن قبل إجازة المرتهن، و المراد مماثلته له في كلا الأمرين، و هما: عدم اعتبار القدرة على التسليم حال العقد، و إشكال لزوم الغرر بناء على كون إجازة المرتهن كاشفة.

نعم بناء على النقل أو كون المشتري من الراهن فضوليا لا يلزم الغرر.

هذا كله في عدم اعتبار التمكن من التسليم فيما يكون وجوبه تكليفيا، للوفاء بالعقد. و سيأتي حكمه فيما لو كان التسليم معتبرا في تأثير العقد.

(2) الأولى أن يقال: «بل و كذا لا يعتبر القدرة على تسليم ثمن السلم حين العقد» يعني: بل يمكن الالتزام بعدم اعتبار القدرة على التسليم فيما يكون لها دخل في تأثير العقد، بحيث لا يترتب مضمونه إلّا بالتسليم و الإقباض، و ذلك لعدم الغرر مع عدمها، إذ الغرر يلزم فيما إذا تحقق مضمون العقد، و ترتّب النقل و الانتقال على العقد، و أمّا إذا توقف تأثير العقد على القبض في المجلس- لا في حال العقد- فلا غرر.

(3) تعليل لعدم اعتبار التمكن من القبض حال العقد.

(4) أي: تحقّق التسليم.

(5) حاصله: أنّه إذا تعذر التسليم- المعتبر في تأثير العقد و صحته- بعد العقد كالقبض في بيعي الصرف و السلم، رجع إلى تعذر شرط الصحة، فيبطل العقد، إذ المؤثّر هو العقد المتعقب بالقبض، فتعذّره يوجب بطلان العقد، إلّا إذا صار ممكن الحصول بعد العقد بعد أن كان متعذرا حينه، فإنّه متى حصل الجزء الأخير للموضوع ترتب عليه الحكم الشرعي.

ص: 643

و من المعلوم (1) أنّ تعذّر الشرط المتأخّر حال العقد غير قادح، بل (2) لا يقدح العلم بتعذّره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتّفق حصوله (3)، فإنّ الشروط المتأخرة (4) لا يجب إحرازها حال العقد، و لا العلم بتحقّقها فيما بعد.

و الحاصل (5): أنّ تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من أحكامه،

______________________________

(1) يعني: أنّ تعذر الشرط المتأخر عن العقد- المعتبر في صحته- غير قادح، سواء أ كان تعذره حين العقد بعد أن كان مقدورا قبله، أم كان بعد القعد بعد أن كان مقدورا حال العقد. فإن حصل الشرط بعد العقد و لو بعد زمان كفى في صحته، لما عرفت من أنّ القبض جزء المؤثّر، فما لم يتحقق لا يؤثر العقد، و لذا لا يقدح ذلك مع العلم بعدم القدرة حال العقد، هذا.

ثم إنّ العبارة لا تخلو عن حزازة، لأنّ المصنف قدّس سرّه في مقام بيان وجه عدم القادحية فيما إذا تعذر التسليم بعد القعد، و قوله: «و من المعلوم أنّ تعذر الشرط المتأخر ... الخ» بيان لوجه عدم قدح الشرط المتعذر حال العقد لا بعده، حيث إنّ قوله: «حال العقد» ظرف لتعذر الشرط، كما لا يخفى.

(2) هذا ترقّ من عدم قدح تعذر الشرط المتأخر بعد العقد مع الجهل بتعذره، و حاصله: أنّه لو علم في بيع السلم بتعذر تسليم الثمن بعد العقد، و اتفق حصوله بعد البيع، لم يكن العلم المزبور مانعا عن تأثير العقد، إذ لا دخل لقبض الثمن في نفس الإيجاب و القبول حتى يقدح تعذره المعلوم حال الإنشاء و بعده، و المفروض كفاية حصول الشرط المتأخر- اتفاقا- في الصحة قبل انقضاء المجلس.

(3) أي: حصول الشرط المتأخر.

(4) كالإجازة في عقد الفضولي، إذ لا يجب العلم بتحققها بعد العقد، بل يكفي حصولها الاتفاقي.

(5) هذا حاصل ما أفاده من قوله: «ثم إن العبرة في الشرط المذكور ... الخ» من بيان حكم التمكن من التسليم في القسمين- و هما كونه من أحكام العقد، و كونه

ص: 644

لا من شروط تأثيره. و السّرّ فيه (1): أنّ التسليم فيه جزء الناقل، فلا يلزم غرر من تعلّقه (2) بغير المقدور.

و بعبارة اخرى (3): الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام الناقل،

______________________________

شرطا للتأثير- و محصله: أن التسليم في غير بيع السلم و الصرف و الهبة يكون من أحكام العقد و آثاره، إذ المؤثر في المنشأ هو نفس العقد، و بعد التأثير يجب ترتيب الأثر عليه، و منه تسليم كل منهما ما انتقل عنه إلى صاحبه و عدم حبسه، لكونه ظلما محرما. فتعذر التسليم حينئذ يكون مانعا عن لزوم العقد.

و أما إذا كان القبض جزء الناقل- بحيث لا يؤثّر العقد إلّا في ظرف وجوده- لم يكن تعذره مانعا، بل موجبا لنقصان في المقتضي.

(1) أي: و السّرّ في عدم كون تعذر التسليم مانعا عن صحة مثل بيع السّلم هو:

أنّ القبض جزء السبب الناقل، فلا يلزم محذور الغرر لو تبيّن العجز عن التسليم، لانكشاف عدم وقوع العقد الناقل حينئذ.

(2) أي: تعلّق العقد.

(3) هذه العبارة تقريب آخر لاختصاص شرطية القدرة على التسليم بما يكون العقد تامّا في التأثير، و حاصله: أنّه لا موضوع للشرطية في ما يكون القبض جزء الناقل، بشهادة عدم قدح عجز البائع عن التسليم حين العقد لو علم بتجدد القدرة بعده.

و لمّا كان القبض في مثل بيع السّلم دخيلا في السبب الناقل، لم يعتبر التمكن منه حال الإنشاء، و حينئذ فإن لم يتحقق القبض في المجلس فلا عقد حتى يبحث عن غرريته بعدم التسليم، و إن تحقق فيه لم يبق موضوع للشرطية، لحصول الثمن في يد البائع سلما. و معه لا معنى للبحث عن اعتبار القدرة على التسليم.

و عليه يختص الاشتراط بما إذا كان القبض واجبا من جهة الوفاء بالعقد، بعد تماميته، و أمّا بيع الصرف و السلّم فلا موضوع لشرطية القدرة فيهما، لكون القبض دخيلا في الصحة، كدخل الإجازة في وجوب الوفاء بالعقد الفضولي.

ص: 645

و لهذا (1) لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدّد القدرة بعده، و المفروض (2) أنّ المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل- و هو القبض- حاصل في يد المشتري (3)، فالقبض مثل الإجازة (4) بناء على النقل، و أولى منها بناء على الكشف (5).

و كذلك (6) الكلام في عقد الرهن، فإنّ اشتراط القدرة على التسليم فيه- بناء (7) على اشتراط القبض (8)-

______________________________

(1) أي: و لأجل كون التمكن من التسليم معتبرا بعد تمام السبب الناقل، لم يقدح عجز البائع قبل القبول، لعدم تمامية الناقل حسب الفرض.

(2) يعني: أنّ ما ذكرناه حكم عدم دخل القبض في تأثير العقد. و أمّا في بيع الصرف فلا جدوى في شرطية القدرة على التسليم، بعد حصول المبيع في يد المشتري.

(3) و كذا بيع السلم بعد حصول الثمن في يد البائع.

(4) يعني: في كونه جزء الناقل.

(5) وجه الأولوية عدم كون الإجازة- بناء على الكشف- جزء المؤثر، و المفروض كون القبض جزء الناقل، فيكون أولى من الإجازة الكاشفة.

(6) يعني: كما لا تعتبر القدرة على التسليم- حال العقد- في بيع الصرف، فكذا في عقد الرهن بناء على دخل القبض في صحته بمقتضى الآية الشريفة فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ فإن حصلت بعد العقد و تحقق القبض خارجا صحّ العقد و لزم من جانب الراهن، و إن لم تحصل بطل العقد، لا أنّه يصحّ و يكون غرريّا.

(7) و أمّا بناء على عدم اشتراط الرهن بالقبض، بأن كان من أحكامه، كان الرهن نظير ما عدا بيع الصرف و السلم، من عدم اعتبار القدرة عليه حال العقد.

(8) قال المحقق قدّس سرّه: «و هل القبض شرط فيه؟ قيل: لا، و قيل نعم، و هو الأصحّ» «1».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 75

ص: 646

إنّما (1) هو من حيث اشتراط القبض، فلا يجب إحرازه حين الرّهن، و لا العلم بتحققه (2) بعده، فلو رهن (3) ما يتعذر تسليمه ثم اتفق حصوله في يد المرتهن أثّر العقد أثره، و سيجي ء الكلام في باب الرّهن (4).

اللّهم إلّا أن يقال (5): إنّ المنفي في النبوي هو كلّ معاملة تكون بحسب العرف غررا، فالبيع (6) المشروط فيه القبض- كالصّرف و السّلم- إذا وقع على عوض مجهول قبل القبض (7) أو غير مقدور،

______________________________

(1) خبر قوله: «فإنّ اشتراط».

(2) أي: بتحقق القبض بعد عقد الرهن.

(3) هذا متفرّع على كون القبض شرطا في عقد الرهن- صحة أو لزوما- كشرطية قبض الثمن في بيع السّلم.

(4) لم أظفر بكتاب الرهن للمصنف قدّس سرّه حتى يعلم رأيه في اشتراطه بالقبض و عدمه. كما لم يظهر ذلك مما أفاده في أحكام القبض، فراجع آخر الكتاب.

(5) هذا استدراك على قوله: «ان تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح» و حاصله: إثبات اشتراط التمكن من التسليم في السّلم و الرهن و نحوهما، فيبطل العقد بالعجز عنه، توضيحه: أنّ الغرر المنهي عنه لا يختص بما إذا كان التسليم من أحكام العقد لا من شرائط تأثيره، إذ الغرر لا يراد به إلّا مفهومه العرفي، و هو أعم من الغرر الشرعي، فيصدق الغرر العرفي على كل قبض غير مقدور و إن لم يكن بغرر شرعا، لتوقف الانتقال على القبض، فلا غرر شرعا ما لم يتحقق الانتقال. فالبيع المنوطة صحته بالقبض- كالصرف و السّلم- غرري إن لم يكن المبيع مقدور التسليم، و المراد من متعلق النهي هو المفهوم العرفي.

(6) هذا متفرع على كون النبوي مانعا عن كل معاملة غررية بنظر العرف، فالمرجع في صدق «الغرر» هو العرف، لا الشرع.

(7) يعني: و كان مقدار العوض معلوما بعد قبضه، فيبطل البيع من جهة جهالة

ص: 647

غرر (1) عرفا، لأنّ (2) اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي، فيصدق (3) الغرر و الخطر عرفا و إن لم يتحقّق شرعا، إذ (4) قبل التسليم لا انتقال، و بعده (5) لا خطر، لكن النهي و الفساد يتبعان بيع الغرر عرفا.

و من هنا (6) يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه- لا عن

______________________________

الثمن. و ذكر العوض المجهول للتنبيه على اشتراك الغرر بين الجهل بالعوض و بين العجز عن التسليم، لاستناد كليهما إلى صدق الغرر.

(1) خبر قوله: «فالبيع» فيصدق الغرر عرفا و إن لم يصدق شرعا، لعدم تمامية العقد الناقل من جهة توقفه على القبض.

(2) تعليل لصدق الغرر العرفي على عدم تحقق قبض العوضين.

(3) هذا نتيجة كون الغرر المنفي عرفيا لا شرعيا.

(4) تعليل لعدم صدق الغرر الشرعي في مثل بيع السلم، قبل قبض الثمن.

(5) يعني: و بعد تسليم الثمن لا خطر، و لازم انتفاء الغرر و الخطر هو الصحة، و لكن المنهي عنه هو عنوان الغرر المستتبع لفساد البيع، و من المعلوم صدق «الغرر» عرفا في بيع الصرف و السلم إن لم يكن التسليم مقدورا فيهما.

(6) أي: و من كون الغرر المنهي عنه عرفيا- لا شرعيا- يتجه فساد بيع الفضولي البائع لنفسه، فإنّه عاجز عن تسليم المبيع للمشتري، قبل إجازة المالك و رضاه بالبيع، و هي غير معلومة الحصول. و لو فرض حصول الإجازة و بتبعها التمكن من التسليم، لم ينفع الفضوليّ، لأنّ إمضاء المالك يوجب انتساب العقد إليه، لا إلى الفضولي.

هذا بناء على عدم دخل رضا المالك- عرفا- في العقد الفضولي، و يكون اعتبار إجازته كاعتبار القبض في الصرف و السلم شرعيّا.

و أمّا بناء على دخل رضاه عرفا فيه يشكل تنظير الغرر الشرعي ببيع الفضولي لنفسه.

ص: 648

المالك (1)- ما لا يقدر على تسليمه.

اللّهم (2) إلّا أن يمنع الغرر العرفي بعد الاطّلاع على كون أثر المعاملة شرعا على وجه لا يلزم منه خطر، فإنّ (3) العرف إذا اطّلعوا على انعتاق القريب بمجرّد شرائه لم يحكموا بالخطر أصلا، و هكذا (4).

______________________________

و لو قيل: إنّ المقصود من الفضولي البائع لنفسه هو الغاصب المستقل في التصرف، المتمكن من التسليم بلا حاجة إلى مراجعة المالك، قلنا: لا وجه حينئذ لاستناد بطلانه إلى النهي عن الغرر عرفا، بعد كون بيعه بيعا عندهم.

(1) إذ لو باع للمالك أمكن حصول القدرة على التسليم بإجازة العقد، فمحذور الغرر العرفي كأنّه مختصّ بقصد وقوع البيع لنفس الفضولي.

(2) هذا استدراك على ما أفاده من اقتضاء النهي في النبوي فساد ما كان غررا عرفا، فيعم بيعي الصرف و السّلم إن كان التسليم غير مقدور.

و حاصل الاستدراك: أنّ الغرر و إن كان عرفيا، إلّا أنّه لا يترتب عليه بطلان البيعين، و ذلك لأنّ الشارع يخطّئ العرف في زعم «الغرر» فيما لو عجز المشتري عن تسليم الثمن حال العقد في بيع السّلم. نظير التخطئة في عدّ أكل المارة باطلا، فيكون جواز الأكل خارجا موضوعا عن النهي عن الأكل بالسبب الباطل، حتى مع بقاء الباطل على معناه العرفي، و عدم إرادة معنى آخر منه كالباطل الواقعي أو الشرعي.

و عليه فمع إحاطة العرف بما نبّه به الشارع- من عدم تمامية السبب الناقل في بيعي الصرف و السلم قبل القبض- لا يرى غرريّتهما لو باع غير قادر حال العقد.

(3) تعليل لمنع الغرر- بنظر العرف- بعد اطّلاعهم على عدم توقف البيع على التسليم في جميع الموارد حتى يكون العجز عنه غررا عرفيا مفسدا للعقد، كما إذا علم بانعتاق القريب بمجرد شرائه، فاشتراه من ينعتق عليه، فانعتق، فإنّه لا غرر في عدم القدرة على التسليم أصلا.

(4) يعني: و هكذا سائر الأمثلة التي لا يعتبر فيها التمكن من التسليم مطلقا أو

ص: 649

فالمناط (1) صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة، فتأمل (2).

ثم إنّ الخلاف (3) في أصل المسألة لم يظهر إلّا من الفاضل القطيفي المعاصر

______________________________

حال العقد، و قد تقدّمت في (ص 640) بقوله: «ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنّما هو في زمان استحقاق التسليم ... الخ».

(1) يعني: أنّ مناط مانعية الغرر عن صحة البيع هو صدقه العرفي بعد الإحاطة بحكم الشارع من أنّه يعتبر القبض في البيع أم لا يعتبر.

(2) لعلّه إشارة إلى: أنّ المفهوم العرفي لا يناط بالآثار الشرعية، لأنّ العرف بما هو عرف لا نظر له إلى الحكم الشرعي الثابت للموضوع العرفي، فلا يلاحظ في مقام تحديد المفهوم- المتّبع عندهم- الحكم الشرعي المترتب على ذلك الموضوع.

هذا ما يتعلق بالتنبيه الثاني.

(3) السياق قاض بأنّ هذا تنبيه آخر مما يتعلق باعتبار القدرة، و لكنه ليس كذلك، إذ المبحوث عنه هو مخالفة الفاضل الشيخ إبراهيم بن الشيخ سليمان القطيفي- المعاصر للمحقق الثاني، و المناظر معه في جملة من المباحث كمسألة الخراج- في أصل الشرطية، و كان المناسب التعرض لكلامه قبل الخوض في التنبيهات، بعد إقامة الدليل على دخل التمكن من التسليم في صحة البيع.

و كيف كان فكلام صاحب إيضاح النافع يتضمن امورا:

الأوّل: نفي ما صنعه الفقهاء من جعل القدرة في عداد شروط العوضين، و قال بأن الغرض من اعتبارها رعاية مصلحة المشتري، و فرّع على عدم دخلها في البيع صحة العقد في موردين:

أحدهما: تمكن المشتري من التسلّم مع عجز البائع عن التسليم.

ثانيهما: إقدام المشتري- على المعاملة- عالما بعجز البائع عن التسليم.

الثاني: بطلان البيع إذا لم يكن من شأن المبيع أن يقبض عرفا كالطائر الذي فرّ من القفص، و السمك في النهر و نحوهما، لأنّ أكل المال في قباله أكل له بالباطل، و هو منهي عنه. نعم يحتمل جواز المصالحة عليه إن كان فيه غرض عقلائي.

ص: 650

للمحقق الثاني، حيث حكي عنه أنّه قال في إيضاح النافع: «إنّ القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط (1)، لا أنّها (2) شرط في أصل صحة البيع، فلو قدر (3) على التسلّم صحّ البيع و إن لم يكن البائع قادرا عليه (4)، بل (5) لو رضي

______________________________

الثالث: أنّ إطلاق حكم المحقق قدّس سرّه في المختصر النافع- ببطلان بيع الآبق من دون ضميمة- ممنوع، بل يختص الفساد بموارد:

أحدها: عدم رضا المشتري، فيستند البطلان إلى عدم كون التجارة عن تراض.

ثانيها: عدم علم المشتري بالإباق، فلو أقدم على الشراء عالما بالإباق صح البيع، و لو تعذّر الظفر به لم يكن له الرجوع على البائع و استرداد الثمن منه.

ثالثها: عدم علم المشتري بالعجز عن الظفر به، فلو علم بالإباق و لكنه تمكّن عرفا من تحصيله صحّ.

هذا محصّل كلام الفاضل القطيفي رحمه اللّه، و لعلّه لزعم أن الغرر بمعنى «الخدعة» المنتفية مع علم المشتري بالحال، لا بمعنى الخطر، و لذا فصّل بين علم المشتري و جهله.

و سيأتي ما أورده المصنف قدّس سرّه عليه.

(1) فلو لم تقتض مصلحة المشتري تسلّم المبيع لم يقدح عجز البائع عن التسليم في صحة البيع.

(2) أي: لا أنّ القدرة شرط صحة البيع، كما يظهر من عناوين الكتب الفقهية، فقالوا: «و من شرائط العوضين: القدرة على التسليم».

(3) هذا متفرع على كون القدرة مصلحة للمشتري خاصة.

(4) أي: على تسليم المبيع.

(5) الوجه في الإضراب هو أنّ ما قبله صورة عدم علم المشتري بعجز البائع عن التسليم، فمقصود الفاضل تصحيح البيع حتى في صورة إحراز العجز، فضلا عما إذا كان مشكوكا فيه.

ص: 651

بالابتياع مع علمه بعدم تمكّن البائع من التسليم جاز، و ينتقل إليه (1). و لا يرجع على البائع- لعدم (2) القدرة- إذا كان البيع على ذلك (3) مع العلم، فيصحّ (4) بيع المغصوب و نحوه (5).

نعم (6)، إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفا، لم يصحّ المعاوضة عليه بالبيع، لأنّه (7) في معنى أكل مال بالباطل. و ربما احتمل إمكان المصالحة عليه (8).

______________________________

(1) أي: و ينتقل المبيع- المتعذّر تسليمه- إلى المشتري.

(2) علة للمنفي و هو الرجوع على البائع، يعني: لا يثبت خيار للمشتري لأجل عدم قدرة البائع على التسليم.

و لكن قيل بجواز رجوعه على البائع من باب تلف المبيع قبل القبض.

و فيه: أنّ مورده التلف، و صدقه على غير مقدور التسليم محل تأمّل.

(3) يعني: إذا كان البيع مبنيّا على رضا المشتري بالابتياع- مع علمه بعدم قدرة البائع على التسليم- صحّ.

(4) هذا متفرع على إلغاء شرطية القدرة على التسليم، و كفاية تمكن المشتري من التسلّم، أو الإقدام على الشراء عالما بعجز البائع عن استنقاذ المال من الغاصب.

(5) كالمجحود، فهو كالمغصوب من حيث عدم قدرة البائع على تسليمه للمشتري.

(6) هذا استدراك على قوله: «لا أنها شرط في أصل صحة البيع» و تقدم توضيحه بقولنا: «الثاني بطلان البيع ... الخ».

(7) تعليل لقوله: «لم يصح» و الضمير راجع إلى البيع و التعاوض، المستفاد من العبارة.

(8) أي: على المبيع الذي لا يتمشّى قبضه عرفا. و وجه جواز المصالحة عليه:

عدم كون الصلح مبادلة مال بمال، حتى لا تصدق في المقام، بل حقيقة الصلح التسالم، و هو متحقق هنا.

ص: 652

و من هنا (1) يعلم أنّ قوله- يعني المحقق في النافع-: «لو باع الآبق منفردا لم يصح» إنّما (2) هو مع عدم رضا المشتري، أو مع عدم علمه، أو كونه (3) بحيث لا يتمكّن منه (4) عرفا. و لو أراد (5) غير ذلك فهو غير مسلّم» انتهى «1».

و فيه (6): ما عرفت من الإجماع،

______________________________

(1) أي: و من عدم كون القدرة شرطا في صحة البيع- بل هي مصلحة للمشتري- يعلم منع إطلاق حكم المحقق قدّس سرّه ببطلان بيع الآبق منفردا.

(2) خبر قوله: «ان قوله» يعني: لا بد من حمل منع المحقق- عن البيع- على أحد الفروض الثلاثة.

(3) هذا الضمير و ضمير «علمه» راجعان إلى المشتري.

(4) أي: من الآبق.

(5) يعني: و لو أراد المحقق قدّس سرّه بمنع البيع غير هذه الفروض أشكل قبوله.

(6) منع المصنف كلام الفاضل بوجهين:

أحدهما: مخالفته للإجماع- سابقا عليه و لا حقا له- على اعتبار التمكن من التسليم في البيع، و معه لا وجه لجعل القدرة عليه من مصالح المشتري.

ثانيهما: لزوم الغرر لو باع ما يعجز عن تسليمه للمشتري، و قد تقدم في (ص 581) استدلال الفريقين بالنبوي- الناهي عن بيع الغرر- على اعتبار القدرة على التسليم. بعد كون الغرر بمعنى الخطر، و لا ريب في عدم اندفاعه بمجرد علم المشتري بعجز البائع، لوضوح أنّ غرض الشارع من النهي عنه المنع عن الإقدام على الخطر مطلقا سواء علم به أم لم يعلم.

فإن قلت: يمكن منع دلالة النبوي على شرطية القدرة على التسليم مطلقا

______________________________

(1) إيضاح النافع (مخطوط) و الحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 224، مع إختلاف يسير

ص: 653

و لزوم (1) الغرر غير (2) المندفع بعلم المشتري، لأنّ (3) الشارع نهى عن الإقدام عليه. إلّا أن يجعل الغرر هنا (4) بمعنى الخديعة، فيبطل في موضع تحقّقه، و هو عند جهل المشتري (5). و فيه (6) ما فيه.

______________________________

سواء أ كان المشتري عالما بعجز البائع عن التسليم أم جاهلا به، لكونه أخص من المدّعى، و ذلك لابتناء الاستدلال على كون «الغرر» المنهي عنه بمعنى الخطر، و هو أوّل الكلام، لأنّ اللغويين عدّوا من معانيه «الخدعة» و يحتمل إرادتها هنا، و من المعلوم عدم صدقها في صورة علم المشتري بعجز البائع.

و عليه يختص بطلان البيع- من جهة مانعية الغرر- بما إذا كان المشتري جاهلا بعجزه حتى يصدق: أنّ البائع خدعه.

قلت: إنّ الخدعة و إن كانت من معاني الغرر كما تقدم في أوّل المسألة، إلّا أنّ معناه الشائع المفهوم عند الفقهاء هو الخطر، الصادق على صورتي علم المشتري و جهله بعدم قدرة البائع على التسليم.

(1) معطوف على «الإجماع» و هذا إشارة إلى ثاني وجهي المنع.

(2) هذا إشارة إلى أنّ معنى الغرر هو الخطر، و من المعلوم صدقه في حالتي علم المشتري بالعجز، و جهله به. و لو كان بمعنى الخدعة لاختص بصورة الجهل به.

(3) تعليل لعدم جدوى رضا المشتري في صورة علمه بعجز البائع، إذ مع نهي الشارع عن الإقدام على الخطر لا يكون الأمر بيد المشتري حتى ينفعه رضاه.

(4) أي: في الحديث الناهي عن الغرر. و تقدم توضيح هذا الإشكال بقولنا:

«فإن قلت ...».

(5) و لا موجب لبطلانه في موضع عدم تحقق الخدعة، بأن كان المشتري عالما بالحال.

(6) أي: و في جعل الغرر بمعنى الخدعة إشكال، كما تقدم تقريبه بقولنا:

«قلت: ان الخدعة ... الخ».

ص: 654

ثمّ إنّ الظاهر (1)- كما اعترف به بعض الأساطين «1»- أنّ القدرة على التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلّا بالتبع (2)، و إنّما المقصد الأصلي هو التسلّم، و من هنا (3) لو كان المشتري قادرا دون البائع كفى في الصحة،

______________________________

(1) هذا تنبيه ثالث ممّا يتعلق بالمسألة، و محصله: أنّ اشتراط القدرة على التسليم في البيع ليس مقصودا بالأصالة، بل يكون تبعيا، لمقدميته لحصول المبيع عند المشتري، فالشرط- في الحقيقة- تمكّن المشتري من المبيع إمّا بنفسه و إما بواسطة البائع، سواء أ كانت قدرته بلا واسطة أحد أو بواسطة المشتري أو الأجنبي.

و يتفرع عليه صحة البيع في موردين كما أفتى بها جماعة:

الأوّل: عجز البائع عن التسليم، و تمكّن المشتري من تحصيل المبيع.

الثاني: عجز المتبايعين معا عن التسليم و التحصيل، و لكن يوثق حصوله عند المشتري في زمان الاستحقاق، كالحمام الطائر إذا اعتاد العود إلى العشّ أو البرج.

و يحتمل بطلان البيع في هذا المورد كما عن نهاية العلّامة قدّس سرّه، لاعتبار تمكن المشتري من التسلّم أو التحصيل، و المفروض انتفاء القدرة فيه، و لا عبرة باعتياد العود ممّا لا عقل له.

و لكن يردّ هذا الاحتمال: أنّ العادة باعثة على العود، و هي كافية في حصول الوثوق به. هذا كله في حصول المبيع عند المشتري في زمان استحقاق التسلم.

و أمّا لو لم يقدرا عليه في مدة فسيأتي حكمه من الصحة أو الفساد.

(2) أي: بتبع كون المبيع عند المشتري، و تسلّمه له.

(3) أي: و من كون المقصد الأصلي تسلّم المشتري لا تسليم البائع، صحّ البيع لو تمكّن المشتري- خاصة- من التسلّم.

______________________________

(1) و هو كاشف الغطاء، في شرح القواعد، مخطوط

ص: 655

كما عن (1) الإسكافي و العلّامة و كاشف الرّموز (2) و الشهيدين «1» و المحقق الثاني «2».

و عن ظاهر الانتصار «أن صحة بيع الآبق على من يقدر على تسلّمه ممّا انفردت به الإماميّة». و هو (3) المتّجه، لأنّ ظاهر معاقد الإجماع (4)- بضميمة (5) التتبّع في كلماتهم و في استدلالهم (6) بالغرر و غيره-

______________________________

(1) الحاكي عنهم و عن غيرهم هو السيد العاملي «3»، و الحاكي لكلام الإسكافي هو العلّامة، ففي المختلف: «و قال ابن الجنيد: لا يشتري- أي العبد الآبق- وحده، إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري، أو يضمن له البائع» و استقربه العلّامة قدّس سرّه «4».

(2) قال الفاضل الآبي: «العبد الآبق إمّا أن يكون بحيث يقدر عليه صاحبه أم لا. فالثاني لا يجوز بيعه منفردا بلا خلاف. و الأوّل قد أجازه المرتضى، نظرا إلى أنّه لا يسمّى آبقا عرفا. و هو حسن» «5».

(3) أي: كون قدرة المشتري كافية في صحة البيع متّجه.

(4) تقدّم حكاية الإجماع عن جماعة في أوّل المسألة، فراجع (ص 580).

(5) و لو لا هذه الضميمة لكان ظاهر معاقد الإجماع هو اعتبار القدرة على التسليم فقط، و عدم كفاية قدرة المشتري على التسلم. لكن الضميمة المزبورة أوجبت ظهورا ثانويّا في معاقد الإجماع، كسائر الظهورات الناشئة من القرائن لذويها.

(6) أي: بالتتبع في استدلالهم بالغرر و غيره، كالاستدلال: «بأنّ الغرض من

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 200؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 172؛ الروضة البهية، ج 3، ص 250

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 100 و 102

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 223

(4) مختلف الشيعة، ج 5، ص 216؛ و لاحظ تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 49؛

(5) كشف الرموز، ج 1، ص 453

ص: 656

مختصّ (1) بغير ذلك (2).

و منه (3) يعلم أيضا (4): أنّه (5) لو لم يقدر أحدهما على التحصيل، لكن يوثق بحصوله في يد أحدهما عند استحقاق المشتري للتسليم- كما لو اعتاد الطائر العود- صحّ، وفاقا للفاضلين (6)، و الشهيدين «1»، و المحقق الثاني «2» و غيرهم (7).

______________________________

البيع انتفاع كل من المتبايعين بما ينتقل إليه» و كالاستدلال «بأنّ بذل الثمن على غير المقدور سفه».

(1) خبر قوله: «لأن ظاهر» و حاصله: أن دليل اشتراط القدرة لا يثبته في مورد تمكن المشتري من التسلّم.

(2) أي: بغير من يقدر على التسلم، و إن كان البائع عاجزا عن التسليم.

(3) أي: و من عدم كون القدرة على التسليم مقصودة بالأصالة يعلم جواز البيع في المورد الثاني، و هو عجزهما معا عن التسليم و التسلّم، و الوثوق بالحصول.

(4) أي: كما علم جواز البيع لو كان المشتري قادرا على التسلّم و التحصيل.

(5) الضمير للشأن.

(6) قال المحقق قدّس سرّه: «و يصحّ بيع ما جرت العادة بعوده كالحمام الطائر، و السموك المملوكة المشاهدة في المياه المحصورة» «3».

(7) حكاه السيد العاملي عن المحقق الأردبيلي و المحدث الفيض، و الفاضل السبزواري، فراجع «4».

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199- 200؛ الروضة البهية، ج 3، ص 249؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 173

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 92

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17، و نحوه في كتب العلّامة، فلاحظ: تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 51؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 22

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 222

ص: 657

نعم (1) عن نهاية الاحكام: احتمال العدم (2)، بسبب انتفاء القدرة في الحال على التسليم، و أنّ عود الطائر غير موثوق به، إذ ليس له عقل باعث (3) «1».

و فيه (4): أنّ العادة باعثة كالعقل، مع أنّ الكلام على تقدير الوثوق.

و لو لم يقدرا على التحصيل (5)، و تعذّر عليهما إلّا بعد مدّة مقدّرة

______________________________

(1) استدراك على قوله: «صحّ» و الوجه في الاستدراك توقف الجزم بالصحة على منع ما في نهاية العلّامة قدّس سرّه من احتمال البطلان، و تقدم توضيحه في (ص 655).

(2) يعني: احتمل العلّامة قدّس سرّه في النهاية كلّا من الصحة و البطلان.

(3) أي: على العود.

(4) هذا ردّ الاحتمال، و محصله و جهان:

أحدهما: كفاية العادة- و غريزة الحيوان- على العود في حصول الوثوق بحصول الطائر عند المشتري. بل العادة أقوى من العقل في محركيته على العود. قال العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في المصابيح- في مناقشة احتمال النهاية-: «و فيه: وجود الباعث، و هو الالف ببرجه، و الانس بالفه و إن انتفى العقل» «2».

و ثانيهما: أنّ مورد فتوى المجوّزين هو حصول الوثوق بالعود، فلا وجه للمناقشة في موجبات الوثوق، بل لا بد من التكلم في حكمه بعد فرض وجوده.

(5) حاصل هذا الفرع- الراجع إلى تأخير التسليم عن العقد-: أن المبيع لو كان عينا شخصية، و لم يقدر البائع على تسليمه و لا المشتري على تسلّمه و تحصيله حال العقد و لا بعده- في مدة قليلة يتسامح في تعذر التسليم فيها- فتارة تكون مدة التعذر محصورة و مقدرة بحسب العادة كسنة، و اخرى لا تكون منضبطة، كما إذا أنفذ عبده في حاجة يطول زمانها، لكونها في بلد بعيد كالهند.

______________________________

(1) نهاية الاحكام، ج 2، ص 481، و حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 222

(2) المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)

ص: 658

عادة (1)، و كانت ممّا لا يتسامح فيه، كسنة أو أزيد، ففي (2) بطلان البيع، لظاهر (3)

______________________________

ففي الصورة الاولى يحتمل كل من البطلان رأسا، و الصحة مع الخيار لو كان المشتري جاهلا بالحال. و وجه البطلان أمران:

أحدهما: الإجماع المحكي على كون القدرة على التسليم شرطا في صحة البيع، فيبطل بفقدها.

ثانيهما: كون تعذر الحصول في مدة مديدة غررا، و هو منهي عنه، فيبطل البيع.

و وجه الصحة: وجود المقتضي، و هو العقد الصادر من أهله في محله- كما في الجواهر «1»- و فقد المانع من الإجماع و الغرر.

أما الإجماع فلأن مورده ما إذا تعذّر التسليم رأسا، و المفروض إمكانه، و تعذره الفعلي غير قادح.

و أمّا الغرر فغير محقّق، لأنّ المشتري إمّا أن يعلم بالحال و فوات منفعة المبيع مدة مديدة كسنة، فيجب عليه الصبر. و إما إن يجهل ذلك، فيجبر ضرره بخيار تعذر التسليم.

و عليه فالمتجه هو الصحة في الفرض.

و في الصورة الثانية يحتمل أيضا كل من الصحة و البطلان، و إن استشكل المصنف في الصحة، كما سيأتي بيانه.

(1) هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و فرقها مع الثانية في ضبط المدة المديدة هنا، دونها في الثانية.

(2) خبر مقدّم لقوله: «و جهان» و الجملة بتمامها جواب الشرط في قوله:

«و لو لم يقدرا».

(3) هذا وجه البطلان، و تقدم تقريب الإجماع و الغرر.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 403

ص: 659

الإجماعات المحكية، و لثبوت الغرر، أو صحته (1)، لأنّ (2) ظاهر معقد الإجماع التعذّر رأسا، و لذا (3) حكم مدّعيه بالصحة هنا، و الغرر (4) منفيّ مع العلم بوجوب الصبر عليه إلى انقضاء مدّة، كما (5) إذا اشترط تأخير التسليم مدّة، و جهان، بل قولان (6)، تردّد فيهما (7) في الشرائع،

______________________________

(1) معطوف على «بطلان» أي: ففي صحة البيع.

(2) هذا وجه الصحة، و حاصله: منع وجهي البطلان، و المفروض وجود المقتضي للصحة ثبوتا و إثباتا للعمومات.

(3) أي: و لظهور معقد الإجماع في التعذر رأسا حكم ... الخ، و غرضه إقامة الشاهد على خروج هذه الصورة عن الإجماع موضوعا، لأنّ مدّعي الإجماع على اعتبار القدرة على التسليم- كالعلّامة قدّس سرّه- رجّح الصحة هنا، و هو كاشف عن اختصاص معقد الإجماع بالتعذر بقول مطلق، أي حالا و مستقبلا.

(4) معطوف على «ظاهر» أي: و لأّنّ الغرر منفي ... الخ.

(5) فكما لا يقدح تأخير التسليم عن العقد، إذا شرطه البائع على المشتري، فكذا لا يقدح مع علمه به.

(6) أحدهما: المنع، و لعلّه المستفاد من مفهوم عبارة التحرير: «و لو باع ما يمكن تسليمه في ثاني الحال- لا فيه- فالوجه جوازه، و يتخير المشتري» لظهوره في المنع بتعذر التسليم بعد العقد، سواء أ كانت المدة قصيرة أم مديدة.

و ثانيهما: الصحة، و هو المشهور، بل في الجواهر- بعد توجيه عبارة التحرير- «فلا خلاف محقّق في المسألة» «1».

(7) يعني: تردد المحقق في الوجهين، حيث قال: «و لو باع ما يتعذر تسليمه إلّا بعد مدّة، فيه تردد. و لو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري كان قويّا» «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 404

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17

ص: 660

ثمّ قوّى الصحة (1)، و تبعه في محكّي التحرير و المسالك و الكفاية و غيرها «1».

نعم (2)، للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدّة.

و لو كان مدة التعذر غير مضبوطة عادة (3)- كالعبد المنفذ إلى هند لحاجة لا يعلم زمان

______________________________

(1) يعني: و تبع المحقق في تقوية الصحة العلّامة في محكي التحرير، و الشهيد الثاني و الفاضل السبزواري و المحدث الكاشاني و غيرهم قدّس سرّهم كصاحبي المصابيح و الجواهر «2».

(2) لمّا رجّح المصنف قدّس سرّه الصحة أراد التنبيه على عدم لزوم البيع إن كان المشتري جاهلا بتأخر التسليم عن العقد مدة لا يتسامح فيها عرفا.

(3) هذا شروع في الصورة الثانية، و هي عدم ضبط مدة تأخير التسليم عن العقد- و لو كانت قصيرة- بما لا يتسامح العرف في فوات منفعة المبيع فيها، كبيع الغائب، مثل العبد الذي أرسله مولاه إلى بلد بعيد لقضاء حاجة تطول مدّته، و لم يكن زمان عوده و تسليمه إلى المشتري مضبوطا، بأن كان دائرا بين شهر أو شهرين.

و مثل الدابة التي أرسلها صاحبها إلى السوق، فباعها جاهلا بوقت عودها- كما إذا تردّد بين ساعتين و ثلاث ساعات، و لم يكن تفاوت ساعة مغتفرا عرفا في بيع الدواب.

و يحتمل في حكم هذه الصورة كل من الصحة و البطلان.

فوجه الصحة ما في الجواهر من قوله: «للعموم المؤيّد بإطلاق الفتوى، فإنّهم لم يشترطوا- في بيع ما يتعذر تسليمه في الحال- انضباط المدة التي يمكن التسليم بعدها بحسب العادة، كما لم يشترطوا تعيّنها في أصل البيع. و كلامهم- أي العموم

______________________________

(1) حكاه عنهم في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 271، و لاحظ: تحرير الأحكام، ج 1، ص 165 (ج 2، ص 282، الطبعة الحديثة)؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 174؛ كفاية الأحكام، ص 90

(2) المصابيح (مخطوط) ص 105؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 403- 404

ص: 661

قضائها- ففي (1) الصحة إشكال: من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلّقة المعتدّة بالأقراء، لجهالة وقت تسليم العين. و قد تقدّم بعض الكلام فيه (2) في بيع

______________________________

المؤيّد بكلامهم- في جواز بيع الغائب و الوديعة و العارية و المغصوب و الآبق و السمك، ضرورة عدم انضباط المدة في ذلك، و اختلافها زيادة و نقصا اختلافا فاحشا. و لا غرر في ذلك بعد إمكان التسليم. و فوات المنفعة مدة التعذر ليس من الغرر في المبيع، و إنّما هو غرر في غيره ... الخ» «1».

و وجه البطلان ما أفاده المصنف قدّس سرّه، و سيأتي.

(1) خبر مقدّم لقوله: «إشكال» و الجملة جواب الشرط في قوله: «و لو كان».

و وجه الإشكال: عدم انضباط المدة عادة، فيلزم الغرر المبطل للبيع.

و الشاهد على كون الجهل بوقت التسليم غررا ما ذكروه في باب الطلاق من بطلان بيع المنزل الذي تسكنه المطلّقة بالأقراء، من جهة دوران العدة بين المدة الطويلة و القصيرة، فلم يعلم مدة استحقاقها للسكنى، و يلزمه جهل المشتري بزمان استحقاق التسليم، و قد أوضحنا المسألة في الوقف المنقطع، فراجع (ص 211).

(2) أي: في الجهل بوقت تسليم العين.

______________________________

[1] مقتضى ما أفاده المصنف سابقا من كون العبرة من شرطية القدرة على التسليم بزمان استحقاق التسليم هو بطلان البيع، لأنّ زمان استحقاقه هو ما بعد العقد، و المفروض عدم إمكانه فيه. و قياسه بشرط تأخير التسليم مدة باطل، لأنّ زمان الاستحقاق هناك بمقتضى الشرط منفصل عن البيع، فيعتبر القدرة على التسليم في ذلك الزمان. بخلاف المقام، فإنّ استحقاق التسليم يكون زمانه متصلا بزمان العقد، و المفروض تعذره، فيبطل البيع.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 405

ص: 662

الوقف المنقطع (1).

ثمّ (2) إنّ الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين،

______________________________

(1) حيث قال: «و في جوازه- أي البيع- للواقف مع جهالة مدّة استحقاق الموقوف عليهم إشكال، من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام على وجه ينتفع به» ثم ذكر مسألة بيع مسكن المطلّقة المعتدية بالأقراء.

هذا وجه البطلان، و كان المناسب التنبيه على وجه الصحة، و هو ما نقلناه عن الجواهر آنفا. و لكن قد ينافيه حكمه في كتاب الطلاق ببطلان بيع مسكن المعتدة بالأقراء، فراجع «1».

(2) هذا هو التنبيه الرابع، و محصله: أنّ محتملات ما هو شرط صحة البيع ثلاثة:

الأوّل: أن الشرط هو القدرة على التسليم بوجودها الواقعي سواء احرزت أم كانت مشكوكة.

الثاني: أن الشرط هو العلم بالقدرة بمعنى كون الإحراز تمام الموضوع و إن تبيّن العجز. و المراد بالعلم هنا هو الوثوق، لا اليقين الوجداني غير المجتمع مع احتمال العجز، و لا مطلق الظنّ غير البالغ حدّ الاطمئنان.

الثالث: أنّ الشرط هو القدرة المعلومة، بمعنى كون العلم جزء الموضوع، و جزءه الآخر نفس القدرة بوجودها الواقعي، نظير شرطية الطهارة المحرزة.

و اختاره المصنف قدّس سرّه، لأنّ عمدة الدليل على اعتبار القدرة هو النهي عن بيع الغرر، و من المعلوم توقف الأمن من الوقوع في المخاطرة على القدرة المحرزة لا الواقعية.

و يتفرّع على شرطية القدرة المعلومة صحة البيع لو باع معتقدا التمكّن من

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 32، ص 345

ص: 663

لأنّ (1) الغرر لا يندفع بمجرّد القدرة الواقعية [1].

و لو باع ما يعتقد التمكّن [منه] فتبيّن عجزه في زمان البيع و تجدّدها بعد ذلك، صحّ [2]. و لو لم يتجدّد بطل (2).

و المعتبر هو الوثوق (3)، فلا يكفي مطلق الظّن (4)، و لا يعتبر اليقين (5).

______________________________

التسليم، فبان عجزه حال العقد، و لكن تجددت القدرة بعده. بخلاف ما لو كان الشرط القدرة الواقعية، لاقتضاء فقد الشرط البطلان.

(1) هذا تقريب دلالة الحديث النبوي على كون الشرط القدرة المعلومة، لا الواقعية.

(2) لانتفاء الموضوع- و هو القدرة المعلومة- بانتفاء كل من الموصوف و الوصف. و لو كان الشرط العلم بالقدرة صحّ البيع في الفرض و ثبت الخيار للمشتري الجاهل بالحال، لوجود الشرط و هو إحراز القدرة.

(3) المعبّر عنه بالعلم العادي النظامي، و الوجه في كفايته هو ارتفاع الغرر به.

(4) لعدم ارتفاع الغرر به.

(5) لعدم الدليل على اعتباره بالخصوص.

______________________________

[1] هذا الاستدلال يعطي كون الشرط العلم بالقدرة بنحو يكون العلم تمام الموضوع، ضرورة اندفاع الخطر بنفس العلم، نظير الخطر الناشئ عن احتمال وجود سبع في المكان الكذائي، فإنّ الخطر يرتفع بنفس العلم الموجب للأمان، و لا يرى العالم نفسه تحت الخطر أصلا.

[2] الحكم بالصحة لا يلائم تركب الموضوع من العلم و القدرة الواقعية، إذ لازم تركبه انتفاء الحكم بانتفاء أحد جزأيه، كانتفاء كليهما، فتجدد القدرة لا يجدي في صحة البيع.

ص: 664

ثم لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا (1)، لا ما إذا كان وكيلا

______________________________

(1) هذا خامس تنبيهات المسألة و آخرها، و الغرض من التعرض له تحقيق من يعتبر قدرته على التسليم، توضيحه: أنّ العاقد قد يكون مالكا، فيشترط تمكنه من التسليم كما تقدم، و قد يكون وكيلا عن المالك، و هل يعتبر قدرته على الإقباض أم تعتبر في موكّله؟ فيه تفصيل بين نحوي التوكيل.

فإن كان وكيلا في مجرد إجراء الصيغة- لا في مقدمات العقد و لوازمه- اعتبر تمكن الموكّل، لأنّه المخاطب بالوفاء بالعقد، دون الوكيل، لانتهاء مهمّته بنفس الإنشاء.

فلو عجز الموكّل عن التسليم و تمكّن الوكيل منه بطل البيع.

و إن كان وكيلا مفوّضا في التصرف في أموال الموكّل، أو كان مأذونا في إجراء العقد و لوازمه كالتسليم و الأخذ بالخيار و نحوهما، بحيث يصدق عليه عرفا أنه أحد المتبايعين- و كان الموكّل أجنبيا عن هذه المعاملة- كفى قدرة هذا الوكيل، ضرورة أن الشرط- و هو التمكن- أعم من كونه بالمباشرة و بالاستنابة، فإقباض الوكيل إقباض موكّله.

و لو كان الوكيل المأذون في لوازم العقد عاجزا عن التسليم، و موكّله متمكنا منه، ففيه احتمالات:

الأوّل: كفاية قدرة المالك، و عدم قدح عجز العاقد، لأعمية التسليم المعتبر من المباشري و الاستنابي.

الثاني: عدم كفايتها، فيبطل البيع.

الثالث: التفصيل بين كون المشتري عالما بعجز العاقد و بقدرة المالك فيصحّ، و بين عدم علمه بذلك فيبطل. و هذا الوجه مختار المصنف، بلا فرق بين رضا المالك برجوع المشتري عليه للتسلّم، أو رضا المشتري برجوعه إلى المالك، و بين عدم رضا كل منهما بالرجوع إلى الآخر، خلافا لمن قيّد الصحة بالرضا كما سيأتي.

ص: 665

في مجرّد العقد، فإنّه (1) لا عبرة بقدرته، كما لا عبرة بعلمه.

و أمّا لو كان وكيلا في البيع و لوازمه (2)- بحيث (3) يعدّ الموكّل أجنبيا عن هذه المعاملة- فلا إشكال (4) في كفاية قدرته (5).

و هل يكفي قدرة الموكّل (6)؟ الظاهر نعم، مع علم المشتري بذلك (7) إذا علم بعجز العاقد (8)،

______________________________

(1) الضمير للشأن، أي: فلا عبرة بقدرة الوكيل، لأنّه أجنبي عن المتبايعين، فلا عبرة بقدرة غيرهما، كما لا عبرة بعلمه بالقدرة، لعدم توجه خطاب وجوب التسليم إلى الأجنبي.

(2) المراد باللوازم آثار العقد من القبض و الإقباض، و حلّ النزاع في الثمن و المثمن، و الأخذ بالخيار، و المطالبة بالوفاء بالشرط إن كان، و نحوها.

(3) هذا بيان الوكالة المطلقة أي في البيع و لوازمه، فإنّها توجب صدق «البيّع» على الوكيل.

(4) جواب الشرط في قوله: «و أما لو كان».

(5) أي: قدرة الوكيل، لكونه مخاطبا بوجوب التسليم، فيكفي قدرته عليه.

(6) يعني- في صورة كون العاقد وكيلا في البيع و لوازمه- هل يكفي قدرة الموكّل على التسليم أم لا؟ بل لا بدّ من قدرة الوكيل على ذلك.

(7) التقييد بالعلم بقدرة الموكل لأجل كون الشرط القدرة المعلومة لا الواقعية.

(8) حاصله: أنّ اعتبار علم المشتري بقدرة الموكل في الاكتفاء بها إنّما يكون في صورة علم المشتري بعجز العاقد، إذ لا بدّ حينئذ من علم المشتري بقدرة الموكّل ليصح البيع. فلو اعتقد بقدرة العاقد العاجز واقعا، لم يشترط حينئذ علم المشتري بقدرة الموكّل في كفايتها، بل يكفي وجودها الواقعي، و ذلك لأنّ الغرر يرتفع باعتقاد المشتري بقدرة العاقد، و لذا قال المصنف قدّس سرّه: «فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك» أي: بقدرة الموكل.

ص: 666

فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك.

و ربّما قيّد الحكم بالكفاية (1) بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكّل، و رضي المالك برجوع المشتري عليه. و فرّع (2) على ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي. لأنّ (3) التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الإجازة.

______________________________

(1) أي: الحكم بكفاية قدرة الموكّل في الصحة- مضافا إلى الشرط الذي ذكره من علم المشتري بقدرة الموكل- و المقيّد العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه، و صاحب الجواهر قدّس سرّه نقل عبارته بطولها، لكنّه لم يصرّح بالقائل.

قال في المصابيح: «و لو كان أحد المتعاقدين وكيلا على البيع و ما يتبعه من اللوازم، و علم الآخر بذلك و رضي بتسليم الموكّل، كفى في صحة البيع قدرة أحدهما إن رضي الموكّل برجوعه عليه، فلو عجزا معا بطل البيع» «1».

و كيف كان فملخّص ما أفاده هذا القائل هو: أنّه يعتبر في كفاية قدرة الموكّل في الصحة- في صورة كون العاقد وكيلا في البيع و لوازمه- أمران:

أحدهما: علم المشتري بقدرة الموكّل، إذ المعتبر هو القدرة المعلومة.

و الآخر: رضا المشتري بتسليم الموكّل، و رضا المالك برجوع المشتري عليه.

(2) حاصله: أنّ المقيّد المزبور فرّع بطلان الفضولي على اعتبار رضا المشتري بتسليم الموكّل، و رضا المالك برجوع المشتري عليه.

قال في المصابيح- بعد عبارته المتقدمة-: «و أما الفضولي فهذا الشرط غير متحقق فيه، و من ثمّ ترجّح بطلانه، و ذلك لأن إجازة المالك غير معلومة الحصول، إذ قد لا تحصل القدرة على التسليم مطلقا، و قد تحصل، لكن بالقياس إلى نفس العقد دون لوازمه، فلا تحصل من العاقد» إلى آخر ما حكاه عنه في المتن «2».

(3) حاصله: أنّ التسليم الصحيح- و هو التسليم برضا المالك- يمتنع من العاقد

______________________________

(1) المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)، جواهر الكلام، ج 22، ص 392 و 393

(2) المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)، جواهر الكلام، ج 22، ص 392 و 393

ص: 667

و قدرة (1) المالك إنّما تؤثّر لو بنى العقد عليها و حصل التراضي بها حال البيع، لأنّ بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا، بل مع الشرط المذكور (2)، و هو (3) غير متحقق في الفضولي. و البناء على القدرة الواقعية باطل، إذ الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعية ... إلى أن قال (4):

______________________________

قبل الإجازة، و إلّا يكون إجازة.

(1) هذا إلى آخر العبارة نصّ ما في الجواهر و المصابيح. و هذه الجملة دفع دخل مقدّر.

حاصل الدخل: أنّ قدرة الفضولي على التسليم و إن لم تكن معلومة، لكن هذا المقدار لا يوجب بطلان عقده، لفرض قدرة المالك المجيز على التسليم، و هي كافية في الصحة.

و حاصل الدفع: أن المالك و إن كان قادرا على التسليم، إلّا أنّ تمكنه الواقعي لا يؤثر في صحة عقد غير المالك، إلّا إذا اعتقد المشتري تمكّن المالك منه، و وقع الشراء مبنيّا عليه، و المفروض أنّ المشتري الجاهل بالحال لم يعتقد قدرة المالك على التسليم، و لم يرض بتسليم غير العاقد الفضولي.

و يشهد لعدم كفاية قدرة المالك واقعا: أنّه لو أذن المالك لغيره في البيع، اعتبر في صحة الشراء من المأذون رضا المالك بالتسليم، و رضا المشتري بالتسلّم منه، و المفروض فقدان هذا الرضا في بيع الفضولي.

(2) و هو رضا المشتري بتسليم المالك.

(3) يعني: أنّ الشرط المذكور- و هو رضا المشتري بتسليم الموكّل و رضا المالك برجوع المشتري عليه في التسليم- غير متحقق في الفضولي. أمّا مع الجهل بالفضولية فواضح. و أمّا مع العلم بها فلكون رضا المالك برجوع المشتري عليه في التسليم ملازما للرضا بالبيع، و مخرجا له عن الفضولية، و هو خلف.

(4) يعني: قال هذا المقيّد، و هو صاحب المصابيح.

ص: 668

«و الحاصل: أنّ القدرة قبل الإجازة لم توجد (1)، و بعدها إن وجدت لم تنفع (2)».

ثم قال (3): «لا يقال (4): إنّه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك، و أنّه (5) لا يخرج عن رأيه، فيتحقق له (6) بذلك القدرة على التسليم حال العقد.

لأنّ (7) هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا، لمصاحبة الإذن للبيع. غاية

______________________________

(1) أمّا من العاقد فلعدم إذن المالك في التسليم. و أمّا من المالك فلانتفاء شرط كفايتها، و هو رضا المالك و المشتري بالتسليم.

(2) كما إذا استأذن العاقد من المالك- بعد العقد- تسليم المال، فإنّ هذا التسليم لا ينفع في صحة العقد، لاعتبار القدرة عليه حين القعد لا بعده.

فالمتحصل: أنّه- بناء على اعتبار رضا المشتري بتسليم المالك و رضا المالك برجوع المشتري عليه في التسليم- يبطل عقد الفضولي، لعدم قدرة العاقد على التسليم الصحيح شرعا قبل الإجازة. و مجرد قدرة المالك بدون علم المشتري بها غير مفيد، لما عرفت من اعتبار القدرة المعلومة، لا الواقعية المجرّدة عن العلم. و أما بعد الإجازة فلا تنفع القدرة، لكونها بعد البيع لا حينه.

(3) الضمير يرجع إلى «المقيّد» المستفاد من قوله: «و ربما قيّد».

(4) توضيحه: أنّه يمكن تصحيح الفضولي بأنّه قد يثق العاقد الفضولي برضا المالك، و أنّه يرضى بتصرفات هذا الفضولي، فيحصل للعاقد القدرة على التسليم حين العقد.

(5) أي: و أنّ المالك لا يخالف الفضولي.

(6) أي: فيتحقق للفضولي- بسبب حصول الوثوق بأنّ المالك يمضي و يجيز العقد- القدرة على التسليم، فيصح البيع.

(7) تعليل لقوله: «لا يقال» و قد دفع الإشكال بوجهين، هذا أولهما، و حاصله: أنّ البيع و إن صار صحيحا بما ذكر، لكنه يخرج عن موضوع البحث أعني

ص: 669

الأمر حصوله (1) بالفحوى و شاهد الحال (2)، و هما (3) من أنواع الإذن، فلا يكون فضوليّا (4)، و لا يتوقف صحته (5) على الإجازة.

و لو سلّمنا (6) بقاءه (7) على الصفة فمعلوم أن القائلين بصحّة الفضولي

______________________________

به الفضولي، لاندراجه في بيع المأذون عن المالك، غاية الأمر أنّ الإذن هنا يكون بالفحوى و شاهد الحال، دون الإذن الصريح اللفظي. و من المعلوم عدم الفرق في الخروج عن موضوع الفضولي بين حصول الإذن المالكي بالتصريح أو بالفحوى.

(1) أي: حصول الإذن، و استكشافه يكون تارة من تصريح الآذن، و اخرى من الفحوى.

(2) كذا في نسخ الكتاب و الجواهر، و لكن في نسخة مصوّرة من المصابيح «أو شاهد الحال» و هو أنسب بقوله: «و هما».

(3) يعني: و الفحوى و شاهد الحال يكونان من أنواع الإذن، كما أن التصريح بالإذن نوع آخر منه.

(4) بل يكون مأذونا فيه، و لا ريب في نفوذ هذا البيع.

(5) أي: صحة بيع المأذون لا تتوقف على الإجازة، لاقترانه بالإذن، فوقع صحيحا لا موقوفا على الإجازة.

(6) هذا ثاني الوجهين، و توضيحه: أنّه مع الغض عن الجواب الأوّل- و هو الخروج عن الفضولية و تسليم بقائه على الفضولية- نقول: إنّ التصحيح المزبور أخص من المدّعى، إذ القائلون بصحة عقد الفضولي لا يخصّصون الحكم بالصحة بخصوص هذه الصورة، و هي الوثوق بإرضاء المالك، بل يحكمون بالصحة مطلقا و إن لم يثق الفضولي بإرضاء المالك. فالتصحيح المزبور لا يعمّ جميع العقود الفضولية حتى يصحّح جميعها، بل يختص ببعضها.

(7) أي: بقاء البيع على صفة الفضولية.

ص: 670

لا يقصرون الحكم على هذا الفرض (1)» «1».

و في ما ذكره (2) من مبنى (3) مسألة الفضولي، ثم في تفريع الفضولي، ثم في

______________________________

(1) أي: على فرض وثوق الفضولي بإرضاء المالك، بل يقول الفقهاء بصحة عقد الفضولي مطلقا بلحوق الإجازة. هذا تمام ما في الجواهر.

(2) ناقش المصنف قدّس سرّه في العبارة المنقولة عن المصابيح من بدئها إلى ختمها، كما سيظهر.

(3) المراد بالمبنى هو اعتبار رضا المشتري بالتسليم- في مسألة الوكالة- و عدم كفاية قدرة المالك الموكّل على التسليم، فإنّ هذا المبنى يستلزم بطلان عقد الفضولي، لعدم إحراز هذا الشرط.

أمّا وجه النظر في نفس المبنى فهو: أنّ التقييد بالرضا ممّا لا دليل عليه، و مقتضى العمومات عدم اعتباره، و الغرر المانع عن الصحة يرتفع بقدرة المالك مطلقا، فلا غرر هنا حتى يمنع عن الرجوع إلى العمومات.

و بعبارة اخرى: رضا المالك و المشتري ليس دخيلا في مفهوم القدرة على التسليم، و لا شرطا لاعتبارها، لعدم الدليل، فرضاهما بدون القدرة لا يؤثّر أصلا، فالمؤثّر هو نفس القدرة.

و أمّا وجه النظر في تفريع الفضولي عليه، فهو: أجنبية الفضولي عن العاقد الوكيل في العقد و لوازمه، فاعتبار القدرة فيه لا يلازم اعتبارها في العاقد الفضولي، فلا ملازمة بينهما حتى يترتب عليها بطلان عقد الفضولي، لعدم قدرة العاقد الفضولي على التسليم المعتبر شرعا.

نعم إن قلنا باعتبار رضا الموكّل و المشتري- حتى في الوكيل في مجرد إجراء العقد- يتوجه حينئذ بطلان عقد الفضولي.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 393- 392

ص: 671

الاعتراض الذي ذكره، ثم في الجواب عنه أوّلا و ثانيا، تأمّل، بل نظر، فتدبّر.

______________________________

و أمّا وجه النظر في الاعتراض فهو: أنّ الوثوق بإرضاء المالك لا يوجد القدرة على التسليم حين العقد، بل بعده. و الشرط هو القدرة حينه لا بعده أعني الزمان المتأخر عن زمان رضى المالك.

و أمّا وجه النظر في الجواب الأوّل، فهو: أنّ وثوق الفضولي بإرضاء المالك لا يوجب مقارنة العقد للرضا حتى يخرج هذا العقد عن الفضولية، بل غايته تعقب العقد بالرضا، و أين هذا من المصاحبة؟ فالفضولية باقية على حالها.

و أمّا وجه النظر في الجواب الثاني الذي ذكره بقوله: «و لو سلمنا بقاءه على الصفة ... الخ» فهو: أنّه مبنيّ على المبنى المزبور، و هو رضا المشتري بالتسليم، و عدم كفاية قدرة المالك على التسليم في صحة البيع، و قد عرفت ضعف كل من المبنى و الابتناء، فتدبّر.

هذا تمام الكلام في شرطية القدرة على التسليم، و يأتي الكلام في بعض فروعه كبيع الآبق إن شاء اللّه تعالى.

ص: 672

صورة

ص: 673

صورة

ص: 674

صورة

ص: 675

صورة

ص: 676

صورة

ص: 677

صورة

ص: 678

صورة

ص: 679

صورة

ص: 680

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.